عناصر المادة
الحمد لله خلق الإنسان وعلمه البيان، والحمد لله الذي تفرد بالخلق والتدبير، وتصريفه بالحكمة البالغة وبديع التقدير، لا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء وهو اللطيف الخبير، أحمده سبحانه، توالت علينا نعماؤه، وترادفت آلاؤه، فنعم المولى ربنا ونعم النصير، وأشهد أن لا الله وحده لا شريك له، تنزه عن التشبيه وتقدس عن النظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
تكريم الله سبحانه للإنسان
عباد الله:
خاطب الله تعالى الإنسان بأكرم ما فيه، خاطبه بإنسانيته التي يتميز بها عن سائر المخلوقات، فقال: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[الانفطار: 6-8].
خلق الله الإنسان فكرَّمه: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[التين: 4]، فالناس مكرَّمون في أصل خلقتهم الإنسانية: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[الإسراء: 70].
ولا تفاضل بين الناس عند الله إلا بالتقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات: 13].
والناس مبتلون بما أعطاهم الله تعالى ومنح، وبما أخذ منهم وسلب، مُبتلون بكمال الخلق، وتمام الصحة وسلامة الجسد، كما أنهم مبتلون بضد ذلك من النقص والعاهات؛ كما قال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[الأنبياء: 35]، ومن أجل هذا فالإنسان موضع العناية والرعاية والتكريم مهما كانت ظروفه، ومهما ابتُلِيَ بها من نقصٍ وإعاقاتٍ.
الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة
عباد الله:
إن اهتمام الأمة بأفرادها جميعًا، بكل فئاتهم وتنوع أحوالهم وابتلاءاتهم؛ دليلٌ على صدق إيمانها، كما هو دليلٌ على تحضُّرها ورُقيها، ناهيكم إذا كان لها عنايةٌ بذوي الاحتياجات الخاصة.
عباد الله:
إخواننا وأخواتنا، وأبناؤنا وبناتنا، ذوو الاحتياجات الخاصة، وهم ممن ابتلوا بقصورٍ أو خللٍ مستديمٍ حركيٍّ أو حسيٍّ أو عقليٍّ؛ مثل المشلول والأعمى، والأصم والأبكم، والمجنون والمصاب بمرض التوحد، والمصاب بمتلازمة داون، ونحو ذلك.
هؤلاء هم جزءٌ من نسيجنا الاجتماعي، وعناصر فعالةٌ في المجتمع، حقهم: أن توفَّر لهم البيئة المناسبة والظروف الملائمة؛ لمنحهم الفرص من أجل البناء والعطاء، وتوظيف القدرات واستثمارها.
رسالة لذوي الاحتياجات الخاصة
وثمَّة رسائل نوجهها لذوي الاحتياجات الخاصة، ولمن كان حولهم وللمجتمع.
فيا من أُصِبت بإصابةٍ جعلتك من ذوي الاحتياجات الخاصة: عليك أن تؤمن بأن هذا من القضاء والقدر، الذي هو أحد أركان الإيمان الستة، هذا الإيمان يجعل هذا الإنسان يعيش في رضًا واطمئنانٍ وبمعنوياتٍ عاليةٍ، عليك أن تتأقلم مع ظروفك وواقعك الذي قُدِّر لك، فهذا هو قدرك في هذه الحياة: وَمَا أَصَابَك لَمْ يَكُن لِيُخْطِئَك، وَمَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُن لِيُصِيبَك [1].
ثم إنك إذا صبرت واحتسبت الأجر، كان ثوابك عند الله جزيلًا، وأجرك عظيمًا، بل قد يصل الأجر والثواب إلى التعويض بالجنة؛ فمثلًا: من ذوي الاحتياجات الخاصة: الأعمى، يقول النبي في شأنه في الحديث الذي أخرجه البخاري في “صحيحه” يقول: إِنَّ الله قَال: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ أي: بفقد عينيه، فَصَبَر عَوَضتُه مِنْهُمَا الْجَنَّة [2]، فانظروا إلى عظم العوض والجزاء، لكن ذلك مشروط بالصبر والاحتساب.
وورد في شأن المصاب بالصرع ما جاء في “الصحيحين” عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: “قال لي ابن عباسٍ: ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إني أُصرع وإني أتكشف، فادعُ الله لي. فقال لها النبي : إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعُوْتُ اللهَ أَنْ يَعَافِيَكِ. فقالت: بل أصبر يا رسول الله، ولكن ادعُ الله لي ألا أتكشف، فدعا لها ألا تتكشف” [3].
فيا أخي الكريم من ذوي الاحتياجات الخاصة: عِشْ حياتك سعيدًا مطمئنًّا، بعيدًا عن التسخط والتشكي، فإن التسخط والتشكي لا يفيد، بل يضرك، ومع مرور الوقت يسبب لك مشاكل وعقدًا نفسيةً، واجعل هذا الحديث العظيم مبدأً لك ومنهجًا في حياتك؛ يقول النبي : إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُم إِلَى مَنْ فُضِّل عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْق، فَلِيَنْظُر إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْه مِمَّن فُضِّل هُوَ عَلَيْه [4].
وجاء في رواية مسلمٍ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُم، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُم، فَهُوَ أَجْدَر أَلَّا تَزْدَرُوا -أي ألا تحتقروا- نِعْمَة الله عَلَيْكُم [5]، فلا تقارن نفسك بمن هو أعلى منك، بل قارن نفسك بمن هو أسفل منك وأشد إعاقةً.
أعلام الأمة من ذوي الاحتياجات الخاصة
وقد خلَّد تاريخنا الإسلامي أسماء أناسٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة، تميزوا في العلم أو في خدمة المجتمع، منهم:
الصحابي الجليل ابن أم مكتوم ، الذي أنزل الله في شأنه قرآنًا يتلى في سورة عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى[عبس: 1، 2]، وقد استخلفه النبي على المدينة أكثر من مرةٍ، وجعله مؤذِّنًا له.
ومنهم: التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح، الذي انتهت إليه فتوى أهل مكة، وكان يُنَادى في موسم الحج: (لا يفتي الناسَ إلا عطاءٌ)، وكان أسود أعور مشلولًا أفطس.
ومنهم: محمد بن عيسى الترمذي، صاحب “السنن”، من أشهر علماء الحديث، وكان كفيف البصر.
ومنهم: التابعي الجليل سليمان بن مهران، الملقب بالأعمش؛ وذلك لإصابته بالعمش، وهو ضعف البصر مع سيلان الدمع، وكان عالمـًا حافظًا، وصفه الذهبي بأنه شيخ المقرئين والمحدثين.
ومنهم: قالون؛ أحد أشهر أئمة القراءات، وأحد الرواة عن نافعٍ، كان أصم لا يسمع. ومع ذلك كان أحد القراء المشهورين.
ومنهم: ابن الأثير؛ المحدِّث صاحب كتاب: “جامع الأصول”؛ أصيب بمرضٍ في أطرافه وكان يقول: “لو لم أُصب بهذه العاهة لما ألفت هذا الكتاب” الذي يقع في أحد عشر مجلدًا.
ومن المعاصرين: شيخ المشايخ علامة عصره محمد بن إبراهيم رحمه الله، وكان كفيفًا.
ومنهم: الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، وكان كفيفًا، والذي انتهت إليه الفتوى في هذه البلاد، رحمة الله تعالى على الجميع.
وغيرهم كثيرٌ ممن كانت الإعاقة سببًا لنبوغهم وتميزهم، فلا تجعل الإعاقة سببًا للقعود وللتنصل من المسؤولية، والإسهام في مجالات الحياة.
رسالة لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة
ورسالةٌ أوجهها لأسرة الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة: بأن عليهم مسؤوليةً كبيرةً في العناية بهم ورعايتهم، وإعانتهم على تحمل المسؤولية، والاعتماد -بعد الله- على أنفسهم، وليستحضر القائمون على ذوي الاحتياجات الخاصة بأنه كلما كانت الإعاقة أشد كان الأجر أعظم، وربما تكون رعاية هذا الإنسان والقيام بشؤونه بابًا من أبواب الجنة، وربما يكون وجوده في البيت سببًا لسَوْق أبوابٍ من الرزق إلى رب البيت؛ كما قال النبي : هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُون إِلَّا بِضُعَفَائِكُم [6].
رسالة للمجتمع
وثمة رسالة أوجهها للمجتمع في احترام هذه الشريحة من المجتمع وإكرامها، وعدم السخرية منهم أو انتقاصهم أو احتقارهم، وقد أنزل الله في ذلك قرآنًا يتلى، وسورةً من سور القرآن سميت باسم ذلك الموقف، وهو أن النبي كان منشغلًا بدعوة بعض صناديد قريشٍ -وكان يطمع في إسلامهم- فأتاه ابن أم مكتومٍ الأعمى فقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله، فعبس النبي في وجهه، فأنزل الله في ذلك قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ[عبس: 1-11][7].
سبحان الله! هذا الرجل الأعمى عبس النبي في وجهه، وهو لا يرى عبوسه لكونه أعمى، وكأنه عليه الصلاة والسلام، رأى أن هذا الأعمى جاء في وقتٍ غير مناسبٍ؛ لأنه كان منشغلًا بدعوة أكابر وصناديد قريشٍ -وكان يطمع في إسلامهم- فالتفت إليه، لم يتكلم عليه بكلمة سوءٍ، وإنما عبس في وجهه فقط، وهذا الرجل الأعمى لم ير عبوسه، ومع ذلك عاتب الله نبيه فأي رفعةٍ وأي تكريمٍ لهذه الشريحة من المجتمع أعظم من هذا؟! لا تعبس في وجهه حتى وإن كان أعمًى لا يراك! سبحان الله! انظروا إلى عظمة هذه الشريعة وعنايتها بهذه الفئة من المجتمع!
ويؤخذ من هذا: أنه لا يجوز انتقاص هذه الشريحة من المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا السخرية منها، ولا احتقارها بأية صورةٍ من الصور.
ومع احترام هذه الشريحة من المجتمع وإكرامهم؛ ينبغي العناية الخاصة بهم، وتوفير البيئة الملائمة لتعليمهم وعملهم وتنقلاتهم، وينبغي تقديم كل المساعدات المعينة لهم على التكيف مع البيئة الاجتماعية.
وينبغي ألا يتوقف هذا الأمر على حدود مبادراتٍ شخصيةٍ من بعض الأفاضل، وإنما تَهُبُّ جميع قطاعات الدولة والقطاع الخاص؛ لتحقيق أقصى درجات الرعاية الاجتماعية لهذه الشريحة من المجتمع، وأن يوجد أنظمةٌ وبرامجُ وخططٌ لتحقيق ذلك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 2-4]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهدية إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ.
عباد الله:
إن الأصل: أن تُعامَل هذه الشريحة من المجتمع كبقية أفراد المجتمع؛ فيما لهم من حقوقٍ وما عليهم من واجباتٍ، إلا في الواجبات التي لا يستطيعون القيام بها، أو يلحقهم الحرج في القيام بها؛ ولهذا لما أمر الله تعالى المؤمنين بالقتال مع نبيه فهِمَت هذه الشريحة من المجتمع أن هذا الأمر يشملها، فأنزل الله قوله: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ[النور: 61]، فرخص الله تعالى لهذه الفئة في البقاء وعدم الذهاب إلى القتال مع نبيه ؛ لكونهم معذورين إما بالعمى أو بالعرج أو بالمرض ونحو ذلك.
دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع
ومن التوجيهات في الاحتفاء بهذه الشريحة من المجتمع ودمجها ومشاركتها؛ ما جاء في قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا[النور: 61]. وقد كان بعض المؤمنين يتحرجون من الأكل مع الأعمى؛ لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج؛ لأنه لا يتمكن من الجلوس كغيره، ولا مع المريض؛ لأنه لا يستوفي الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم؛ لئلا يظلموهم، وكان ذلك الوقت وقت فقرٍ وشدةٍ، فأنزل الله هذه الآية: أنه لا حرج في الأكل مع هذه الشريحة من المجتمع.
وثمة اعتبارٌ آخر ذكره بعض العلماء: وهو أن بعض أصحاب الاحتياجات الخاصة مرهفُو الشعور، دقيقُو التحسس، فربما خشي الواحد منهم أن يكون وجوده مع الأسوياء مكدرًا أو مؤذيًا لهم؛ فيتحرج من مخالطتهم والأكل معهم، فجاءت الآية لتنفي ذلك.
وربما ساء خُلُق بعض الناس فنفر من الأكل مع هذه الشريحة؛ تكبُّرًا وتعززًا، فجاءت الآية لترفع كل هذه الاحتمالات، ولتدمج هذه الشريحة مع بقية شرائح المجتمع؛ ليعيشوا جميعًا في بيئةٍ متآخيةٍ.
ومما يؤكد حرص الشريعة الإسلامية على دمج هذه الفئة مع المجتمع: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” وغيره، عن أبي هريرة قال: “أتى النبيَّ رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد؛ فهل تجد لي رخصةً أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي : هَلْ تَسْمَع النداء بالصَّلَاة؟. قال: نعم، قال: فَأَجِب” [8].
ومن الحِكَم التي قيلت في كون النبي لم يُرَخِّص له، مع العذر الذي ذكره: أن النبي أراد أن يندمج هذا الرجل الأعمى مع المجتمع، بصلاته في المسجد خمس مراتٍ، وأن يلتقي بإخوانه المؤمنين في اليوم والليلة خمس مراتٍ، وأن يحصل ما يحصل من التكامل الاجتماعي ومن معاني الإخوة الإسلامية، ولو رخص له في الصلاة في بيته لربما انعزل عن المجتمع، ومع مرور الوقت يعتاد على هذه العزلة، خاصةً وأن بيته قريبٌ من المسجد، وهو يسمع النداء بالصلاة، فليس عليه كبير مشقةٍ في مجيئه للمسجد.
وهذا يدل: على أنه ينبغي للمجتمع الحرص على دمج هذه الشريحة ببقية أفراد المجتمع، وعدم انعزالهم.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها: أن يُعَامَل أفراد هذه الشريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة كبقية أفراد المجتمع، فلا يُنظر إليهم بشفقةٍ زائدةٍ مصحوبةٍ بالتنقص، فإن هذا يجرح كرامتهم.
أحد المعاقين أتى لصلاة الجمعة، وبعد الصلاة أتى إليه أحد الناس ووضع في جيبه عشرة ريالاتٍ، هذا الرجل المتصدق أراد الإحسان لهذا المعاق، ولكنه في الحقيقة أساء إليه وجرح كرامته؛ لأنه أولًا، افتَرَضَ أن كل معاقٍ فقيرٌ، وهذا الافتراض غير صحيحٍ، قد يكون هذا المعاق أغنى ممن يريد التصدق عليه، ثم هو بهذا التصرف يشعر هذا المعاق بأنه ينظر إليه نظرة تنقصٍ وشفقةٍ، وهذه النظرة تجرح كرامة الإنسان؛ ولهذا تأثر هذا المعاق بهذا الموقف تأثرًا كبيرًا، فينبغي مراعاة مشاعر هذه الفئة من المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن ينظر إليهم كما ينظر لبقية أفراد المجتمع، وأن يدمجوا في المجتمع فلا ينظر إليهم بمثل هذه النظرة، نظرة الشفقة الزائدة المصحوبة بالتنقص؛ لأن هذا مما يجرح كرامتهم ويؤثر عليهم نفسيًّا، نعم ينبغي مساعدتهم وإكرامهم، وتوفير الرعاية اللازمة لهم، لكن أيضًا، الشفقة الزائدة المصحوبة بشيءٍ من التنقص، هذا مما يسيء لهم ومما يجرح كرامتهم.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.
اللهم انصر من نصر الإسلام في كل مكانٍ، واخذل من خذل الإسلام في كل مكانٍ، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيئ لأمة الإسلام أمرًا رشَدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه أعلام السنة، وتُقمع فيه البدعة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وقَرِّب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10].