الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، أحمده سبحانه وهو للحمد أهل، وأشكره وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا أيها المسلمون اتقوا الله حق التقوى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5].
عباد الله: يقول ربنا تبارك وتعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107].
التداوي المشروع والممنوع
النفع والضر بيد الله وليس باستطاعة أي مخلوق أن يمنع الضر إذا أراده الله تعالى بأحد من خلقه، ولا أن يزيله أو يحوله، كما أنه لا يستطيع منع الخير عمن أراده الله له، فالأمر كله لله، وبيده سبحانه، وهو المدعو المستعان، المرجو لكشف الشدائد.
عباد الله: الإنسان معرض للأمراض والأسقام، وقد أمرنا بالتداوي، والأخذ بالأسباب المشروعة لإزالة المرض وتخفيفه، ونهينا عن تعاطي الأسباب التي لم تشرع، ولم يؤذن لنا بالأخذ بها، وهي مع ذلك لا تنفع؛ بل تضر، ومن ذلك: الذهاب طلبًا للتداوي إلى أهل الشعوذة والدجل من الكهان والعرافين والمنجمين والسحرة، ونحوهم، الذين يأتون بأمور منكرة من الاستغاثة والاستعاذة بغير الله تعالى، بل ربما والذبح لغير الله، فتجد هؤلاء المشعوذين ينصب أحدهم نفسه طبيبًا شعبيًا أو راقيًا؛ ليأكل أموال الناس بالباطل، وربما استعان بالشياطين الذين لا يتعاملون معه إلا إذا وقع في الكفر بالله وأشرك، ثم يحاول هذا المشعوذ أن ينقل الشرك والكفر إلى غيره، فيأمر من يأتيه لطلب العلاج بأمور شركية منكرة، وقد سمعت من أحد الناس أنه ذهب إلى أحد المشعوذين للعلاج فطلب منه أن يذبح خروفًا بعد غروب الشمس، ولا يسمي، ثم يدفنه بالتراب، أي أنه يريد منه أن يذبح لغير الله تعالى ليقع في الشرك الأكبر، فإن الذبح لغير الله شرك أكبر، مخرج عن ملة الإسلام، والشرك الأكبر هو أعظم ذنب عصي الله به، وهو الذي يخلد صاحبه في النار أبد الآباد، نسأل الله السلامة والعافية.
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن طارق بن شهاب أن رسول الله قال: دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله ، فضربوا عنقه، فدخل الجنة [1].
وفي صحيح مسلم عن علي أن النبي قال: لعن الله من ذبح لغير الله [2]، فاحذروا يا عباد الله من إتيان هؤلاء المشعوذين الدجالين، فإن الإنسان قد يذهب إليهم بدينه ويرجع منهم ولا دين له، والعياذ بالله.
أخرج مسلم في صحيحه، عن بعض أزواج النبي عن النبي قال: من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة [3].
قال صاحب “فتح المجيد” رحمه الله [4]: “وظاهر الحديث: أن الوعيد مرتب على مجيئه وسؤاله، سواء صدقه أو شك في خبره”.
وأخرج أبو داود في سننه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد [5].
التحذير من المشعوذين
عباد الله: وهؤلاء المشعوذون الدجالون يسلكون أساليب شتى للتمويه على الناس، وإظهار أنهم يفعلون أمورًا خفية يستطيعون بها علاج المرضى من أجل أكل أموال الناس بالباطل، فتجد أن بعضهم يطلب اسم أبِي المريض، أو اسم أمه، أو يطلب ثوب المريض أو يعطيه عزائم قد كتب عليها كلام غير مفهوم، وقد يكون لا مفهوم له حقيقة وإنما فعل ذلك تمويها على غيره، وقد يكون فيها الشرك الأكبر، قد يكون فيها الاستغاثة ودعاء غير الله من الشياطين، وغيرهم.
ومن علاماتهم: أنهم ربما أمروا المريض باعتزال الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس، أو ربما طلبوا من المريض ألا يمس الماء مدة معينة.
ومن علاماتهم: أنه ربما تمتم أحدهم بكلام غير مفهوم، أو أنه يعطي عزائم مكتوب عليها كلام غير مفهوم.
فحذاري حذاري من إتيان هؤلاء المشعوذين.
وإذا احتاج المسلم للرقية فليذهب إلى من عُرف بالصلاح والاستقامة من أهل الخير الذين يرقون بالقرآن والسنة، يرقون بكتاب الله الذي أخبر الله تعالى بأنه شفاء للمؤمنين: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
حكم تعليق التمائم والحروز
عباد الله: وإن من صور التداوي غير المشروع: التداوي الممنوع أن بعض الناس يعلق تمائم وحروزًا وحُجُبًا على نفسه أو أولاده أو دوابه، أو غيرها، طلبًا للشفاء، أو خوفًا من العين، أو خوفًا من الجن، أو خوفًا من أن يصيبهم المرض، وهذا كله غير مشروع، وأي فائدة تحصل من خيوط تربط أو خرز يجمع أو حلقة توضع في اليد والرجل أو حجاب أو حروف مقطعة؟
كل ذلك من الجهل والضلال، ومن تزيين الشيطان الرجيم، وقد رأى النبي رجلًا في يده حلقة، قال: ما هذا؟ قال: “من الواهنة” وهو مرض معروف عند العرب “فقال له النبي : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا [6]، فأخبر عليه الصلاة والسلام بأن وضع الحلقة وتعليقها أنه لا ينفعه، بل يزيده مرضًا وضعفًا، وأنه لو مات وهي عليه لن يحصل له الفوز والفلاح، ويقول عليه الصلاة والسلام: من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له [7]، في رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك [8]، فقد دعا النبي على المعلق للتمائم والحروز المعتمد عليها في جلب نفع، أو في دفع ضر بأن لا يتم له مقصوده، ولا يبلغ أمنيته، وبأن لا يكون في دعة وسكون، بل يكون في قلق واضطراب؛ لأنه اعتمد على غير الله تعالى، وخالف النبي ، جاء جماعة إلى النبي ليبايعوه على الإسلام، فبايعهم إلا واحدًا، فقالوا: يا رسول الله بايعتهم إلا هذا؟ فقال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك.
ودخل حذيفة على مريض يعوده فلمس عضده فإذا فيه خيط، قال: “ما هذا؟” قال شيء رقي لي فيه فقطعه، وقال: “لو مت وهو عليك ما صليت عليك”.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا هذه الأمور كلها، احذروا هذه التمائم وهذه الحروز وهذه الحُجُب كلها؛ فإنها لا تفيد الإنسان شيئًا، ولا تنفعه؛ بل تضر به، تضره في أمور دينه، حتى وإن كانت هذه التمائم والحُجُب من القرآن الكريم، أو من أسماء الله وصفاته، فهي ممنوعة أيضًا على القول الراجح، وهو الذي يفتي به عامة علماء هذه البلاد: أن التمائم والحجب ممنوعة سواء أكانت من القرآن أو من غير القرآن، فحتى وإن كانت من القرآن ممنوعة؛ لأن النهي من النبي عن التمائم عام ولا مخصص له، ولأن منعها سد لذريعة الشرك، وتعليق غير قرآن؛ ولأن القرآن إذا علق فقد يمتهن عند قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك، ولأن القرآن لم ينزل إلا ليكون هدى للناس وليكون شفاء لما في الصدور ولم ينزل ليتخذ حجبًا وتمائم.
فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا رحمكم الله على صفاء العقيدة، فإن المسلم إذا لقي الله تعالى صافي العقيدة موحدًا فإنه على خير، وإلى خير، فإن معتقد أهل السنة والجماعة: أن من مات على التوحيد، أي صافيًا للمعتقد، فإن مآله إلى الجنة، حتى وإن عذب في النار، ولكن المصيبة حينما يموت الإنسان على الشرك، فإن الشرك لا يغفره الله ، وإن الشرك هو أعظم الذنوب: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].
ولا يظن الإنسان أنه بعيد عن الشرك، فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يدعو ربه، فيقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، فإذا كان خليل الرحمن يدعو بذلك فلا يأمن أحد بعده من الوقوع في الشرك.
فالواجب على المسلم الحذر من الشرك ومن وسائله ومن الأمور التي تؤدي إليه.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل الشرك والمشركين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل تدبيره في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إن لنا إخوة مسلمين مستضعفين قد مستهم البأساء والضراء، اللهم فكن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم انصرهم بنصرك، يا قوي يا عزيز، يا نصير المستضعفين، ويا مجير المستجيرين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحبه وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير، وتعينه عليه، تذكره إذا نسي، وتعينه إذا ذكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].
الحاشية السفلية