عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، الحمد لله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، والحمد لله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، وشهدت بأنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها من عجائب صنعته وبدائع آياته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، المبعوث بالدين القويم، والصراط المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجة على الناس أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق، وأوضح السبل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5].
الاهتداء بالقرآن واتباعه
عباد الله: إن الله تعالى أنزل على نبيه محمد كتابه الكريم، وجعله برحمته هدى للناس عمومًا، وللمتقين خصوصًا، أنزله شفاء للصدور، أنزله مباركًا، فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه.
وقد كان صحابة النبي وهم خير القرون، وأفضل القرون، لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها، وما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا.
أعظم سورة في القرآن
ونقف أيها الإخوة في هذه الخطبة وقفات يسيرة مع سورة عظيمة من كتاب ربنا، بل هي أعظم سورة، وأفضل سورة على الإطلاق.
هذه السورة نقرؤها كل يوم وليلة سبع عشرة مرة على الأقل، هذه السورة فرض على كل مسلم أن يقرأها في كل ركعة من صلاته، وأي صلاة لا يقرأ بها فيها فهي خداج.
إنها السبع المثاني والقرآن العظيم، إنها فاتحة الكتاب، وأم الكتاب، ولا يليق بالمسلم وهو يقرأ هذه السورة في اليوم والليلة سبع عشرة مرة على الأقل ولا يتدبر معانيها، ولا يفهم ما تدل عليه من المعاني العظيمة.
وإنه ما فرض قراءة هذه السورة في كل ركعة وجُعل قراءتها ركنًا من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها إلا لما اشتملت عليه من المعاني العظيمة، والأسرار البليغة، ولذلك لا يقوم غيرها مقامها، فلو قرأ الإنسان في صلاته بجميع سور القرآن ولم يقرأ بهذه السورة لم تصح صلاته.
فضل سورة الفاتحة
ولم ينزل الله تعالى في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن أعظم منها، عن أبي سعيد بن المعلى قال: “كنت أصلي، فدعاني النبي فلم أجبه، قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله: ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ [الأنفال:24]؛ ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن؟ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته [1].
وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “بينما جبريل عليه السلام عند النبي سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة” [2].
إثبات توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
يقول ربنا : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: والحمد هو وصف المحمود بالكمال، فالله سبحانه هو المحمود بالكمال، فيحمد على كمال صفاته، وعلى كمال إحسانه لعباده، فله الحمد الكامل من جميع الوجوه.
رَبِّ الْعَالَمِينَ: الرب هو: المالك الخالق المدبر، والعالمين: كل من سوى الله، فكل من سوى الله فهو عالَم، لكنهم أصناف، فهناك عالم البشر، وعالم الحيوان، وعالم الأفلاك، إلى غير ذلك.
وسمي كل من سوى الله عالَمًا لكونه علمًا على خالقه ؛ لأن كل شيء في هذا الكون شاهد على ربوبيته ووحدانيته.
وفي كل شيء له آية | تدل على أنه واحد |
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذان اسمان من أسماء الله تعالى الحسنى، وكل أسمائه حسنى جل وعلا، دالان على أنه ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء وعمت كل حي.
قال بعض أهل العلم: الرحمن ذو الرحمة الواسعة لجميع الخلق. والرحيم الرحمة الخاصة بالمؤمنين؛ فهو سبحانه ذو الرحمة العظيمة الواسعة، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.
فما من نعمة وجدت إلا من آثار رحمته، وما من نقمة دفعت إلا من آثار رحمته، جل وعلا.
والرحمة صفة اتصف الله تعالى به، وهي رحمة حقيقية تليق بالله سبحانه وتعالى كسائر صفاته، كسمعه وبصره وقوته، وسائر صفاته جل وعلا على الوجه اللائق بالله ، ليست كرحمة المخلوقين: لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ [الشورى:11].
وقد أخبر سبحانه بأن رحمته وسعت كل شيء فقال: قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:156].
وقال سبحانه إخبارًا عن حملة العرش ومن حولهم أنهم يقولون: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7].
أخرج مسلم في صحيحه عن سلمان أن النبي قال: إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخَّر تسعة وتسعين جزءً إلى يوم القيامة [3].
اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحمن يا رحيم.
الإقرار بيوم البعث والجزاء والعقاب
وقوله سبحانه: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: المالك هو من اتصف بصفة الملك، والتي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وأصناف الملك.
ويوم الدين هو يوم القيامة، وسمي بيوم الدين؛ لأن الناس سيدانون فيه، ويجزون في ذلك اليوم.
فإن قال قائل: أليس الله مالك يوم الدين والدنيا فلماذا خص الملك في هذه الآية بيوم الدين؟
والجواب: أن الله سبحانه خص الملك بيوم الدين؛ لأن ملكه سبحانه يظهر تمامًا في ذلك اليوم ففي ذلك اليوم يتلاشى مُلك كل مَلِك؛ كما قال : يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، فليس يوجد ملك لأحد في ذلك اليوم إلا لله سبحانه تتلاشى الملكيات إلا ملك رب العالمين، ولهذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، فيظهر في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا، والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون لثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلا فهو سبحانه مالك يوم الدين والدنيا ولغيره من الأيام.
إِفراد الله تعالى بالعبادة
ثم قال : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة؛ لأن تقديم المعبود إياك يفيد الحصر، فكأنك تقول: نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك.
قال بعض السلف: جمعت معاني القرآن في سورة الفاتحة، وجمعت معاني الفاتحة في هذه الآية: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: “وفي هذه الآية تحول للكلام من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب بكاف الخطاب بقوله: إِيَّاكَ وذلك مناسب؛ لأن العبد لما حمد الله وأثنى عليه ومجده وتبرأ من عبادة غيره ومن الاستعانة بسواه فكأنه اقترب من الله وأصبح حاضرًا بين يديه فناسب أن يخاطبه بكاف الخطاب بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
والعبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
والاستعانة: هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في تحصيل ذلك.
وذكر الاستعانة في هذه الآية بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي.
قال ابن القيم رحمه الله: “الناس في هذين الأصلين وهما العبادة والاستعانة أقسام وأجل هذه الأقسام وأفضلها أهل العبادة والاستعانة، فعبادة الله غاية مرادهم وطلبهم منه أن يعينهم عليها وأن يوفقهم للقيام بها ولهذا كان من أفضل ما يسأل العبد ربه أن يعينه على مرضاته، وهو الذي علمه النبي معاذًا، فقال: يا معاذ والله إني لأحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك [4]، فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته، وأفضل المواهب إسعافه بهذا المطلوب وجميع الأدعية المأثورة مدارها على هذا وعلى دفع ما يضاده وعلى تكميل وتيسير أسبابه فتأمل هذا”.
أنفع الدعاء في الفاتحة
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العبد ربه أن يعينه على طاعته، ثم رأيته في الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ“.
فهذا الدعاء من أعظم الأدعية، احرص يا أخي على هذا الدعاء أن تسأل الله أن يعينك على طاعته؛ لأن المسألة مسألة توفيق ليست المسألة مسألة ذكاء أو قوة أو نشاط أو همة إنما المسألة مسألة توفيق من الله فإن لم يعينك الله ويوفقك لطاعته فلن توفق.
فتأمل يا أخي المسلم كيف جمع الله تعالى في هذه الآية بين العبادة والاستعانة من أجل ألا يعتمد الإنسان على نفسه، ولا يتكل على نفسه، حتى في أمور العبادة.
فينبغي للمسلم أن يستعين بالله في جميع أموره؛ لأنه إن وكِّل إلى نفسه فقد وكِّل إلى ضعف وعجز وعورة، فكلما أردت أن تفعل عبادة تستحضر أنك تستعين بالله .
وتستفيد باستعانتك بالله فائدتين عظيمتين:
- الفائدة الأولى: التعبد لله تعالى بالاستعانة.
- والثانية: تيسير أمورك؛ لأن الله إذا أعانك تيسرت أمورك،
ألم تعلم أن نبي الله سليمان بن داود قال ليلة: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله [5]، فقيل له: قل إن شاء الله، فلم يقلها، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان أي نصف إنسان؛ ليري الله عباده أن الأمر أمره وأنه إن لم يوفقه الله وإن لم يعنه الله فإنه يكون مخذولًا ففي الجمع بين العبادة والاستعانة إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يقرن جميع أعماله بالاستعانة بالله حتى لا يكله الله تعالى إلى نفسه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
التعريف بالصراط المستقيم
عباد الله: لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم كان أجل المطالب وأشرف المواهب علَّم الله تعالى عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديتهم له، ثم بعد ذلك أرشدهم إلى أن يدعوا الله بهذا الدعاء العظيم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته.
فالصراط المستقيم هو شرع الله الذي شرعه لعباده ليوصلهم إليه، وهو مستقيم حسًا ومعنى، فلو تدبرت هذه الشريعة لوجدتها مستقيمة صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان.
وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على كل مسلم أن يدعو الله تعالى به في كل ركعة من صلاته لضرورته إليه.
وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم، وهم الذين علموا الحق وعملوا به، وهم أربعة أصناف بينهم ربنا في قوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
تجنب طريق الغاوين من المغضوب عليهم والضالين
ثم قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ: فإذا قلنا: إن الذين أنعم الله عليهم هم الذين علموا الحق وعملوا به، فقسيم هؤلاء من جهل الحق، ومن علم الحق ولم يعمل به، ولهذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وهم الذين علموا الحق ولم يعملوا به، وعلى رأسهم: اليهود، فقد علموا الحق، ويعرفون النبي كما يعرفون أبناءهم، لكنهم كذبوه فصاروا عالمين بالحق، وليسوا عاملين به.
وَلَا الضَّالِّينَ: الضال هو من لم يعلم الحق، فصار يتخبط في عباداته، وعلى رأسهم النصارى، فإنهم ضالون لعدم علمهم بالحق، فأنت في كل ركعة تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم، وأن يجنبك صراط الذين غضب الله عليهم أو أضلهم.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: “من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادِنا ففيه شبه من النصارى”.
فإن قال قائل: إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم؟
فالجواب: أن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلًا مثل ما نريده أو أكثر منه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر فنحن محتاجون إلى الهداية التامة، ومن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والإعانة.
فانظروا إلى عظيم هذا الدعاء الذي علمه الله عباده أن يقولوه في كل ركعة من صلواتهم.
وانظر كيف أن الله أرشد عباده إلى أن يقدموا بين يدي هذا الدعاء العظيم الثناء على الله وحمده وتمجيده، ثم ذكر استعانتهم بالله وعبادتهم له، وأنهم يخصونه بالعبادة والاستعانة، ثم يأتون بهذا الدعاء العظيم.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة أي الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال العبد: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال الله: سألني عبدي ولعبدي ما سأل [6].
فليستحضر المصلي هذه المعاني عندما يقرأ هذه السورة العظيمة.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير؛ فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].