الرئيسية/خطب/المشكلات النفسية
|categories

المشكلات النفسية

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وهاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

آثار المشكلات النفسية

عباد الله: إن الإنسان مكوَّنٌ من جسد وروح، وحقيقة موت الإنسان هي مفارقة الروح للجسد، وأثناء حياة الإنسان في هذه الدنيا بجسده وروحه يعتري كلًّا من الجسد والروح أمراضٌ وعِلَّات، أما الأمراض التي تصيب الجسد وهي ما تسمى بالأمراض العضوية؛ فإنها تكون محسوسة وظاهرة للعيان، وتعالج في المستشفيات لدى الأطباء، ولكن هناك نوعٌ آخر من الأمراض التي تصيب الروح والتي تسمى بالأمراض النفسية، وهي في الأعم الأغلب غير محسوسة لكنها تُعرف بآثارها، وهي لا تقل في حجمها عن الأمراض العضوية، ولربما تكون أخطر، وتكون آثارها كبيرة ومدمِّرة، وربما أدت تلك الآثار إلى أن يفكر الإنسان في قتل نفسه، ولقد كثرت المشكلات والأمراض النفسية في زماننا هذا بشكل ملحوظ، ولا أدلَّ على ذلك من كثرة ما نسمع عن قتل النفس المسمى بالانتحار، وهذا هو من أبرز آثار المشكلات النفسية، وهذا يستدعي منا الوقوف على أسباب هذه المشكلات وعلى علاجها.

عباد الله؛ ولئن كان قتل النفس المسمى بالانتحار هو أبرز آثار المشكلات النفسية؛ فإن هناك آثارًا أخرى لها، ومنها:

  • الانحراف، والوقوع في الجريمة، والفساد الأخلاقي، وتعاطي المخدرات.
  • ومن آثارها أيضًا: الانسحاب من المجتمع، وإيثار العزلة والانطواء على النفس.
  • ومن آثارها أيضًا: تشتيت الأسرة، وتطليق الزوجة، وتفكيك أواصر تلك الأسرة المسلمة.
  • ومن آثارها: النظرة الخاطئة للمجتمع وللحياة؛ حتى لربما أدى ذلك إلى أن يترك ذلك الإنسان دراسته إن كان طالبًا، أو وظيفته إن كان موظفًا.
  • ومن آثارها: كثرة الشك والوساوس، حتى لا يثق الإنسان في الناس، وربما لا يثق في أقرب قريب.
  • ومن آثارها: الوسواس بمختلف أنواعه، سواء كان وسواسًا في الطهارة، أو وسواسًا في النية، أو وسواسًا في الطلاق، أو في أي مجال من المجالات.

وكل ذلك وغيره من آثار هذه المشكلات النفسية، وهي آثارٌ كبيرة، وربما دمرت حياة الإنسان، وربما أتعبت ذلك الإنسان، وأتعبت أيضًا من حوله من أهل وأقارب، وهم يتعجبون من تصرفاته الغريبة، ولا يدركون الأسباب الحقيقية لتلك التصرفات.

أسباب المشكلات النفسية

وإذا أردنا أن نبحث عن أبرز أسباب تلك المشكلات فنجد أن من أبرز أسباب كثير منها:

البعد عن الله

البعد عن الله ، وضعف الوازع الديني؛ لأن الله تعالى توعد من أعرض عن ذكره بضنك المعيشة، وهذا قبل يوم القيامة، كما قال سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ۝قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ۝قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ۝وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ [طه:124-127]، فتوعد الله من أعرض عن ذكره بأن تكون معيشته ضنكًا.

أما من اتصل بالله ​​​​​​​، وأنس بالله، وذاق طعم الإيمان، وحلاوة المناجاة للرب سبحانه؛ فلن تجد هذه المشكلات إليه سبيلًا، فهو راضٍ بما قسم الله، وهو قانع بما أعطاه الله، وهو صابر على ما يقدره الله تعالى عليه من الأقدار، فالبعد عن الله هو من أبرز أسباب هذه المشكلات، ومما يدل لذلك أن أبرز آثارها هو قتل النفس؛ المسمى بالانتحار، ولا يمكن للمؤمن المستقيم على طاعة الله أن يفعل ذلك، أو حتى يفكر فيه، وهو يقرأ قول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۝وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:29-30]، وقول النبي : من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجَّأ بها في بطنه -أي يضرب بها نفسه- في نار جهنم خالدًا فيها مخلدًا أبدًا [1]، متفق عليه.

إن المؤمن حتى وإن تعرض في الحياة لمصاعب ومتاعب ولمواقف ومشكلات فلن يفكر في الإقدام على أمر لن يخلصه من محنته، وإنما سينقله إلى ما هو أشد منها.

إن المؤمن عندما يتعرض لمثل تلك الضغوطات في الحياة وتلك المشكلات؛ يلجأ إلى الله : أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فهو يلجأ إلى ربه عند المصاعب والمتاعب والكروب، إن التفكير في الانتحار عندما يتعرض الإنسان للضغوط يدل على استحكام النظرة المادية لذلك الإنسان، وكأن هذه الدنيا هي نهاية المطاف عنده، وكأنه بقتله لنفسه سوف يستريح من هموم الحياة، وهذه نظرة خاطئة؛ إنها نظرة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولذلك أكثر ما تقع حوادث الانتحار في المجتمعات الكافرة، وتقل كثيرًا في المجتمعات الإسلامية.

ضعف التربية

عباد الله: ومن أبرز أسباب هذا النوع من المشكلات: ضعف التربية، وذلك إما بسبب موت الوالدين أو أحدهما، وانعدام الموجه والمرشد لذلك اليتيم، أو بسبب انفصال الوالدين بطلاق ونحوه، فينشأ ذلك الطفل ضحية لذلك الانفصال، ويتجرع مرارة فقده لحنان والديه، فتنشأ لديه المشكلات والعقد النفسية، ولربما تراكمت وأثرت عليه في حياته، وربما عاش الطفل بين أبويه، لكنه لم يجد التربية الصحيحة، والعناية المطلوبة، وذلك بسبب الشدة في المعاملة، فإن بعض الآباء يتعامل مع أولاده بقسوة وعنف، حتى ينفر ولده منه وربما كرهه، ومع هذا النفور فلن يتقبل منه أو يستجيب له، ولربما يكون السبب هو الإهمال وعدم العناية، فالأب مشغول في تجارته ومع أصدقائه، لا يعير ذلك الابن أي اهتمام، بعيد عنه، لا يتحسس مشكلاته، ولا يدري عن حاله، ولا مع من يذهب، ولا عن مستواه الدراسي، ومن هنا ربما نشأ لدى ذلك الشاب مشكلات وعقد، فلا يجد يدًا حانية يبوح لها بمشكلاته، ولربما يكون كثير من تلك المشكلات إنما هي أوهام أو نظراتٌ غير صحيحة تحتاج إلى من يكون قريبًا منه، فيصحح نظرته للحياة وللناس ولجميع المجالات، ومن هنا تتراكم تلك المشكلات في نفس ذلك الشاب، ولربما أدت إلى انحرافه، أو ربما بلغت إلى أن يفكر في أن يقدم على الانتحار، أو أنها على الأقل تتسبب في انطوائيته وخجله وانسحابه من المجتمع.

الحساسية المفرطة تجاه المواقف والأحداث

ومن أسباب هذا النوع من المشكلات: الحساسية المفرطة لدى بعض الناس تجاه المواقف وتجاه الأحداث، وهذه الحساسية تتسبب مع مرور الوقت في الإصابة بالأمراض والعقد النفسية، وقد أرشدنا ربنا إلى ما ينبغي أن نفعله مع بعض الطبقات الصعبة في المجتمع، والطبقات غير محترمة، فإن الإنسان في عيشه مع الآخرين لا بد أن يواجه طبقاتٍ صعبة يصعب التعامل معها، ولا بد أن يواجه طبقات غير محترمة تستمتع بأذية الآخرين، فكيف يتعامل مع هذا النوع من الطبقات في المجتمع؟

يقول ربنا في وصف عباد الرحمن: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63]، فالإنسان قد يناله أذىً من هذه الطبقات، التي سماها الله تعالى بالجاهلين، قد يناله أذىً منهم.

والمطلوب أن لا يتعامل الإنسان معهم بالإساءة وبالحساسية المفرطة، لا يرد بالمثل، أو أن ذلك يُحدث في نفسه أثرًا كبيرًَا، وإنما أرشدنا ربنا إلى الإعراض عن هذا النوع من الناس، عن هذه الطبقة في المجتمع، أن نعرض عنها، فقال: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وقال: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55]، وفي الآية السابقة أمرنا بأن نقول لهم سلامًا: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا أي: أن لا نرد إساءتهم بمثلها، بل نردها بالقول اللين، وباللطف، وبالإعراض عنهم، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها؛ لأن مقابلة الإساءة بمثلها مما يزيد المشكلة ومما يُأججها، وربما تتطور إلى أمور كبيرة وتكون مؤثرة على ذلك الإنسان، وخير من ذلك هو دفع السيئة بالحسنة؛ كما قال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، ولكن هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة صعبةٌ على النفوس، تحتاج إلى صبر عظيم، ولهذا قال سبحانه: وَمَا يُلَقَّاهَا أي: ما يلقَّى هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]، لا يوفق لهذه الخصلة إلا ذو نصيبٍ وافرٍ من الأخلاق الكريمة الحسنة.

النظرة الخاطئة للحياة

ومن أسباب هذا النوع من المشكلات: النظرة الخاطئة للحياة، فبعض الناس يظن أن هذه الحياة ستصفو له، وأنها ستكون خالية من المكدرات والمنغصات، ولا يعرف طبيعتها، فهذه الحياة قد طُبع الإنسان فيها على كدر وعلى نكد وعلى كبد؛ كما قال الله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، فالإنسان يكابد مصاعبها، ويكابد متاعبها، ويكابد همومها وغمومها، فهيهات أن تصفو لأحد:

طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفوًا من الأقدار والأكدارِ
ومكلِّف الأيام فوق طباعها متطلب في الماء جذوة نارِ

هل يمكن أن يوجد في الماء نارٌ؟! هكذا لا يمكن أن تصفو هذه الحياة لأحد، فلا بد فيها من اختلاط المصاعب باللذائذ، لا بد أن تختلط المتع بالمتاعب، ولذلك لا بد أن يوطِّن الإنسان نفسه على تحمل تلك المصاعب والمتاعب، وأن يرفع مستوى الصبر لديه، وأن يبتعد عن التحسس من تلك المصاعب والمتاعب؛ لأن هذه هي طبيعة الحياة الدنيا، فلا بد من توطين النفس على ذلك.

المقارنة بالآخرين

ومن الأسباب أيضًا: المقارنات، وأن ينظر الإنسان إلى من هو فوقه، ومن هو أعلى منه، فيبقى حينئذٍ تعيسًا بئيسًا محبطًا مع أن ما فيه يتمناه كثير من الناس، ما هو فيه من النعم يتمناه كثير من الناس، وقد أرشد النبي إلى هذا المعنى، فقال: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم [2]، فعلى الإنسان أن لا يقارن نفسه بمن هو فوقه، ومن فُضِّل عليه في النعم، وإنما يقارن نفسه بمن هو أقل منه، فإنه إذا قارن نفسه بمن هو أقل منه استحضر قدر نعمة الله عليه، وبقي راضيًا بما قسم الله تعالى له، وإذا رضي الإنسان بما قسم الله له فإنه حينئذٍ ينال السعادة في الحياة، وكما قال بعض الحكماء: “ليست السعادة أن تملك أكثر مما يملك الناس، ولكن السعادة أن ترضى أكثر مما يرضى الناس”.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

النظرة الخاطئة لمن حوله من الناس

عباد الله؛ ومن أسباب هذا النوع من المشكلات: النظرة الخاطئة لمن حوله من الناس، من زوجة وأقارب وزملاء وأصحاب، فمن الناس من يريد من الآخرين أن يكونوا كاملين مكملين لكل ما يجب ويستحب من حقوق نحوه، فإذا رأى منهم تقصيرًا في هذا تكدر وقلق، وربما أصبح هو وإياهم في شقاقٍ ومنازعةٍ ولجاج، وربما كان هذا سببًا لتكدير حياته الزوجية وعلاقاته الأسرية، وقد أرشدنا النبي إلى التغاضي عما يجده الإنسان في الآخرين من العيوب، وإلى ملاحظة ما فيهم من المحاسن والإيجابيات، ومثَّل النبي لذلك بالزوجة؛ لأنها هي أقرب إنسان، وألصق إنسانٍ بالإنسان، فهي تكون مع زوجها في مأكله ومشربه ومنامه، يقول النبي في هذا الحديث العظيم: لا يفرك أي لا يكره ويبغض مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها خُلقًا آخر [3]، رواه مسلم.

قال بعض أهل العلم في هذا الحديث فائدتان عظيمتان:

  • إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل وكل من كان بينك وبينه عُلَقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص تكرهه، فإذا وجدت ذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال، والإبقاء على المحبة، وذلك بأن تتذكر ما فيه من المحاسن وما فيه من الإيجابيات، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة، وتحصل السعادة، فيركز الإنسان على ما في هذا الشخص من إيجابيات ومحاسن، ويغض الطرف عما فيه من سلبيات.
  • والفائدة الثانية: هي زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين.

ومن لم يسترشد بهذا، بل عَكَسَ القضية فلاحظ المساوئ، وركز على العيوب، وعُمِي عن المحاسن فإنه لا بد أن يقلق، ولا بد أن يتكدر وتنقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها، فمن كان يركز على العيوب والمساوئ، ولا ينظر للمحاسن فإنه لن تستقر حياته الزوجية، وسيبقى في مشاكل وفي خصومات مع والديه ومع أولاده ومع أقاربه وزملائه وأصحابه، ولكن لو أنه انتهج ما أرشد إليه النبي ؛ وذلك بأن يركز على المحاسن والإيجابيات فيمن يتعامل معه، ويغض الطرف عن المساوئ فإنه يحصل له خيرٌ كثير، تدوم تلك العلاقة، ويكون بعيدًا عن القلق والتكدر، فعلى المسلم التسامح في تعامله مع الآخرين، والتغافل وعدم التدقيق في إساءة الناس، ولا زال الحكماء يوصون بالتغافل:

ليس الغبي بسيد في قومه ولكن سيد قومه المتغابي

(أي: المتغافل).

قال بعضهم: المروءة هي التغافل عن زلل الإخوان.

وقال الإمام أحمد: “العافية كلها في التغافل”.

وقال بعضهم: وجدت أن أكثر أمور الدنيا لا تستقيم إلا بالتغافل.

ومعنى التغافل: أن الإنسان يدرك ذلك الخطأ، ويدرك ذلك العيب في ذلك الإنسان، لكنه يتغافل عنه، ويركز على ما فيه من المحاسن والإيجابيات؛ فإنه بذلك تدوم المودة، وتدوم الصحبة، ويكون بعيدًا عن القلق والتكدر، فهذا توجيهٌ من النبي ، ينبغي أن يجعله المسلم مبدأً له في الحياة وفي تعامله مع الآخرين.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.

اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكِّره إذا نسي، يا حي يا قيوم، اللهم وفقه ونائبه لما فيه صلاح البلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، ورغد العيش، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك، واجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين.

اللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.

نسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5778، ومسلم: 109.
^2 رواه مسلم: 2963.
^3 رواه مسلم: 1469.
مواد ذات صلة