الرئيسية/خطب/خصائص رمضان ومفطرات الصيام
|categories

خصائص رمضان ومفطرات الصيام

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

اغتنام مواسم الخيرات

فنعيش هذه الأيام موسمًا من مواسم الخير العظيمة التي أنعم الله تعالى بها على المسلمين، إنه موسم من مواسم التجارة مع الله ​​​​​​​ بالأعمال الصالحة، موسم عظيم رابح لمن وفقه الله تعالى فيه للعمل الصالح، إنه شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]،

شهر فيه تضاعف الحسنات، وفيه ترفع الدرجات، وفيه تكفر الخطايا والسيئات، وفيه تعتق الرقاب من النار.

إنه موسم الإكثار من الطاعات، والتنافس في القربات، والعفو عن الزلات، خصه الله تعالى بخصائص وميزات، لا توجد في غيره من الشهور، وهي تدل على شرفه وفضله، ومن المعلوم أن العبادة كما تفضل ويعظم أجرها بفضل المكان، فهي كذلك تفضل ويعظم أجرها بشرف الزمان.

فينبغي لك أخي المسلم أن تغتنم ساعات هذا الشهر فيما يقربك إلى الله زلفى، فما هي إلا أيام معدودات وتنقضي وتطوى صحائفها بما عمل فيها، وربما تدرك الإنسان المنية فلا يدرك مثل هذه المواسم الفاضلة من عام قابل.

وإذا كان تجار الدراهم والدنانير لهم مواسم معينة بالسنة يضاعفون فيها من جهودهم، ويزيدون فيها من نشاطهم، فإن المسلم له مواسم معينة في السنة كذلك لكنها في التجارة الرابحة الحقيقية، بالتجارة بالأعمال الصالحة، والتزود بزاد التقوى.

فحري بالمسلم أن يضاعف من جهوده، وأن يزيد من نشاطه لاغتنام هذا الموسم العظيم، وأن يقتدي بالنبي الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

وإن من حكم مشروعية الصيام ما ذكره ربنا في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فمن أبرز حكم مشروعية الصيام: تحقيق التقوى لله ​​​​​​​، ينبغي أن يثمر الصيام هذه الثمرة، وهي التقوى لله ، وأن يظهر التقوى على الإنسان، يظهر على جوارحه، يظهر على سلوكه، على جميع أحواله، أن يظهر التقوى عليه، وأن تكون حاله في رمضان خيرًا من حاله قبل دخول رمضان.

عباد الله: إن بلوغ هذا الشهر العظيم نعمة من الله على الإنسان كيف وقد حرمها أناس نزل بهم الموت قبل بلوغه، فليقدر العبد هذه النعمة، وليحمد الله عليها، وليغتنمها بعمارة وقته في هذا الشهر بطاعة الله قبل أن يحل به ما حل بمن سبقه، فيصبح مرتهنا بعمله، لا يستطيع زيادة في الحسنات، ولا نقصًا من السيئات.

خصائص وفضائل شهر رمضان

عباد الله: وإن لهذا الشهر المبارك فضائل وخصائص عظيمة، اختص بها عن بقية شهور العام، منها: ما جاء في الصحيحين، عن أبي هريرة  أن رسول الله قال: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين [1].

ففي هذا الحديث بيان اختصاص شهر رمضان بهذه الأمور، وتفضيله بها وهي:

  • فتح أبواب الجنة لكثرة الأعمال الصالحة من المؤمنين، وترغيبًا لهم في ذلك، فقد دلت السنة على أن أبواب الجنة ثمانية، وأن لها من السعة شيء عظيم، لا يخطر على بال الإنسان.
  • والأمر الثاني: غلق أبواب جهنم رحمة بالمؤمنين، لقلة اقترافهم المعاصي في هذا الشهر، وقد دل القرآن على أن أبواب جهنم سبعة: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ [الحجر:44].
  • والأمر الثالث: تصفد فيه الشياطين، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ولهذا نجد الإقبال من كثير من المسلمين في هذا الشهر على الطاعات، نظرا لتصفيد الشياطين التي تضل بني آدم، والتي تثبطهم عن الطاعات، وتؤزهم إلى المعاصي.

ومن خصائص هذا الشهر: أن الله قد اختصه بفريضة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال المقربة إلى الله سبحانه وأجلها، فهو سبب لمغفرة ما تقدم من الذنوب؛ كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه [2]، وتأمل قوله: إيمانًا واحتسابًا أي: إيمانًا بالله، وبما أعد من الثواب للصائمين، وتصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، واحتسابًا أي: طلبًا لثوابه وأجره، وإخلاصا لله سبحانه لا لقصد رياء، أو لأجل مواكبة المجتمع، أو لأجل عادة، أو غير ذلك، إنما يصوم احتسابًا للأجر والثواب من الرب .

ومن خصائص الصيام: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: قال الله : كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، والصيام جُنة، وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه [3]، فدل هذا الحديث العظيم على عظيم فضل الصيام من وجوه:

  • الأول: أن الله تعالى اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال؛ وذلك لشرفه عنده، ومحبته لهذه العبادة، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه؛ لأنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس، متمكنًا من تناول ما حرم الله بالصيام، فلا يتناوله لأنه يعلم أن له ربًّا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه ذلك، فيتركه لله خوفًا من عقابه، ورغبة في ثوابه، ولن يبق الإنسان مراقب من قبل البشر طيلة النهار لكي يعرفوا هل هو أفطر أم لا؟ وهذا أمر لا يطلع عليه إلا الله فكون الإنسان يبقى ممسكًا عن المفطرات طيلة نهاره، خوفًا من الله ورجاء في ثوابه فإن هذا يدل على صدقه مع ربه ؛ فيكون الصيام أقرب إلى الإخلاص من بين سائر الأعمال، وهذا هو السر في تخصيص الصيام بأن الله يجزي عليه جزاء خاصًا من عنده إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والعطية -كما يقال- بقدر معطيها، والله هو أكرم الأكرمين، فما بالك بهذا الجزاء العظيم المرتب على الصيام؟ كما ولله المثل الأعلى لو قال: معلم للطلاب المتفوقين أنت لك جائزة، وأنت يا فلان لك جائزة، وأنت لك جائزة، أما أنت يا فلان فلك جائزة خاصة من عندي، فالظن أن هذه الجائزة الخاصة أفضل من جوائز بقية زملائه، وهكذا فإن عبادة الصيام لها ثواب خاص من عند الله ليس كسائر الثواب على بقية الأعمال الصالحة؛ وذلك لظهور أثر الإخلاص فيه، ولهذا قال في الحديث القدسي المتقدم: يدع شهوته وطعامه من أجلي.
  • الوجه الثاني: أن الأعمال تضاعف بأعداد معلومة: الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به فيكون أجر الصائم عظيمًا كثيرًا بغير حساب؛ كما قال ربنا سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، والصيام صبر؛ ففيه صبر على ألم الجوع والعطش، وصبر على طاعة الله بلزوم ذلك، وصبر عن معصية الله، فتجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة.
  • الوجه الثالث: قوله: الصوم جُنة أي: وقاية وستر يقي صاحبه من اللغو والرفث، ولهذا قال: فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم [4]، ويقيه أيضًا من النار؛ كما جاء في الحديث: الصيام جُنة يستجن بها العبد من النار [5].
  • الوجه الرابع: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك والخلوف: هو تغير رائحة الفم بسبب الصيام؛ وذلك لخلو المعدة من الطعام والشراب، وهذا التغير لما كان ناشئًا من طاعة الله كان جزاؤه أن جعله الله عنده أطيب من ريح المسك، وكل ما نشأ من عبادة الله وطاعته فهو محبوب عند الله كما ورد أن الشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
  • الوجه الخامس: أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره بتمام صومه، وإكمال هذه العبادة العظيمة، وهذا من أعظم نعم الله عليه، وكذلك يفرح بتناول ما أباح الله له من الطعام، والشراب، والنكاح، الذي منعه وقت الصوم، وهذا من فضل الله عليه، والفرحة الثانية: فرحة عند لقاء ربه بما يجد من ثواب الصيام الذي لا حد له، ولا حصر له بعدد معين، يجد ثواب الصيام مدخرًا له عند ربه، إذا لقي ربه يجد هذا الثواب مدخرًا له عند الله، أحوج ما يكون إليه فيفرح بذلك فرحًا عظيمًا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ۝أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۝شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:183-185].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

مبطلات الصيام

عباد الله، هذا الصوم الذي هو من أفضل الأعمال المقربة إلى الله ينبغي التفقه فيما ينتقض به، وما يحصل به التفطير، وإذا أشكل على المسلم شيء فليسأل أهل العلم عن ذلك، وقد ذكر ربنا أصول مفطرات الصيام في قوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، فأباح الله تعالى الأكل، والشرب، والجماع، في ليل رمضان حتى يطلع الصبح حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187].

ويمكن إجمال مفطرات الصيام:

  • أولا: الجماع، وهو أعظمها وأكبرها إثمًا، ويلزم من وقع فيه أولًا: التوبة إلى الله ، والكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة، ولا يوجد رقاب الآن، فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، مع قضاء ذلك اليوم.
  • الثاني: إنزال المني باختياره، فإن كان بغير اختياره كأن يكون باحتلام فلا يفطر الصائم.
  • الثالث: الأكل والشرب أيا كان نوع المأكول والمشروب، وأما شم الروائح فلا يفطر الصائم؛ لأنه ليس للرائحة جرم حتى يدخل إلى الجوف.
  • الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، ومن ذلك: حقن الدم في الصائم، مثل: أن يصاب بنزيف فيحقن به دم، فإنه يفسد صومه بذلك؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب.
    ومن ذلك: الإبر المغذية التي تكتفى بها عن الأكل والشرب، فهذه تفسد الصيام، أما الإبر غير المغذية بجميع أنواعها فإنها لا تفسد الصيام، ومن ذلك: إبرة الأنسولين التي يتعاطها بعض المصابين بالسكر، وسائر الإبر العلاجية هذه لا تفسد الصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.
    وأما علاج الربو فإن كان بما يسمى بالبخاخ الذي يستخدمه المصابون بالربو فهذا لا بأس به، ولا يفطر الصائم؛ لأنه ليس أكلًا ولا شربًا، وليس بمعناهما، أما إذا كان عن طريق وضع بودرة في الفم تختلط بالريق، ثم يبتلعها فإن هذا يفسد الصيام.
    وأما قطرة الأنف فإنه إذا وصل ماؤها إلى الجوف فإنها تفسد الصيام، وأما قطرة العين، والأذن فلا تفسدان الصيام؛ لأن العين والأذن ليستا بمنفذين معتادين إلى الجوف، حتى ولو أحس بطعم قطرة العين أو الأذن في حلقه فلا يفسد صومه، بخلاف قطرة الأنف؛ لأن الأنف له نفوذ إلى الجوف، ولهذا عندما يتعذر إعطاء الطعام والشراب للمريض عن طريق الفم، فإنه يعطى عن طريق الأنف، لهذا قال عليه الصلاة والسلام: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [6].
  • الخامس: إخراج الدم بالحجامة؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [7] أخرجه أبو داود، وأحمد، وقال البخاري: “ليس في الباب أصح منه”. وفي معنى إخراج الدم بالحجامة إخراج كثير من الدم بالتحليل، كأن يسحب من دمه أربعة براويز، أو خمسة براويز، ونحو ذلك، فهذا في معنى دم الحجامة فتفسد الصيام، أما إذا كان الدم المستخرج لأجل التحليل يسيرًا كأن يكون لأجل معرفة السكر، أو حدود برواز فأقل فإن هذا لا يفسد الصيام.
    وكذلك قلع السن لا بأس به، ولا يفسد الصيام، حتى لو خرج دم لأن الدم الذي يخرج هو دم يسير، لكن يلفظه ولا يبتلعه.
    وبناء على ما سبق ليس للصائم أن يتبرع بإخراج دمه في نهار رمضان، إلا أن يكون هناك ضرورة فيتبرع بالدم في هذه الحال للضرورة، ويقضي المتبرع ذلك اليوم بعد رمضان.
    وأما غسيل الكلى فإنه يفسد الصيام بنوعيه، الغسيل الكلوي الدموي، والغسيل الكلوي البريتوني؛ وذلك لأنه يصحب عملية الغسيل إدخال سوائل، وإدخال سكريات وأملاح ومعادن إلى جسم الإنسان، ولذلك نجد أن الذي يغسل الكلى يشرع بنشاط وخفة بعد تغسيله، ويرتفع عنده مستوى السكر، ونحو ذلك، مما يدل على أنه قد استفاد من هذه الأشياء، هذه السوائل والمحاليل التي تدخل لجوفه، ولهذا فإن الغسيل الكلوي بنوعيه مفسد للصيام، فإن استطاع هذا الذي يغسل القضاء بعد رمضان قضى، وإن كان لا يستطيع فإنه يطعم عن كل يوم مسكينًا.
    وأما خروج الدم بغير اختيار الإنسان كأن يخرج دم برعاف ونحوه، فإنه لا يفسد الصيام، ولا يحصل به التفطير.
  • السادس: التقيؤ عمدًا؛ لحديث: من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقضي [8]، روي مرفوعًا وموقوفًا، والعمل عليه عند أهل العلم، ومعنى: “ذرعه القيء” أي: غلبه، فإذا غلبه القيء رغمًا عنه لم يفسد صومه، أما إذا تعمد القيء إما بفعله، وإما بالشم، أو بالنظر، فيفسد صومه بذلك.
  • السابع: خروج دم الحيض والنفاس، فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء أكان ذلك في أول النهار أم في آخره، ولو قبل غروب الشمس بلحظة، أما إذا أحست بانتقال الدم، لكنه لم يبرز إلا بعد غروب الشمس فصومها صحيح.

ومن أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح؛ لقول النبي : من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه [9]، متفق عليه.

ومن الأمور التي لا تؤثر على صحة الصيام: بلع الريق فلا يفطر الصائم ببلع الريق باتفاق أهل العلم.

سنة السحور للصائم

ويسن للصائم السحور؛ لقول النبي : تسحروا؛ فإن في السحور بركة [10]، وهذا أمر، وأقل ما يفيده الأمر الاستحباب، والسنة تأخير السحور وتعجيل الفطر بعد غروب الشمس.

حكم الأكل والشرب وقت أذان الفجر

ومن أكثر المسائل التي يسأل عنها الناس: الأكل والشرب وقت أذان الفجر، ولا حرج فيه، ولا بأس به؛ لقول النبي : إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه [11]، أخرجه أبو داود، وله شواهد وطرق متعددة، يثبت بمجموعها.

ثم إن طلوع الفجر لا يطلع الفجر فجأة، وإنما يطلع شيئًا فشيئًا، والله تعالى يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]، فتأمل قوله: حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ، وقد رويت آثار عن كثير من الصحابة في هذا المعنى، وعلى هذا فلا يُشدد في هذه المسألة، فللإنسان أن يأكل وأن يشرب وقت أذان الفجر إلى أن يفرغ المؤذن من الأذان الأمر في هذا واسع، ولله تعالى الحمد والمنة.

ما ينقص من أجر الصائم

ينبغي للمسلم أيها الإخوة كما يجتنب المفطرات الحسية، أن يجتنب كذلك ما ينقص من أجر الصيام، وهي المعاصي بجميع أنواعها؛ لقول النبي : من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [12]، أخرجه البخاري في صحيحه.

ومعنى هذا الحديث: أن كل معصية تقع من الصائم تنقص من أجر الصوم، وإذا كثرت المعاصي القولية والفعلية من الصائم فإنه قد يصل للمرحلة التي ذكرت في الحديث، وهي أن الله يدع طعامه وشرابه، أي: أنه لا يؤجر ولا يثاب على ذلك الصيام بسبب أنه لم يتأدب بآداب الصوم، ولهذا كان كثير من السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا، فعلى الصائم أن يستحضر هذا المعنى وهو أن كل معصية قولية أو فعلية تقع منه أثناء صيامه تخدش في الصوم، وتنقص من أجر الصائم، فإذا أردت أن يكون أجر الصيام كاملًا فاحرص على تجنب جميع المعاصي القولية والفعلية، وتأدب بآداب الصيام حتى يكتب لك أجر الصيام كاملًا.

اللهم بارك لنا في شهر رمضان، اللهم بارك لنا في شهر رمضان، اللهم بارك لنا في شهر رمضان.

اللهم وفقنا وأعنا على إتمام صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك.

اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا.

اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، اللهم اجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الحق وتعينه عليه، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3277، ومسلم: 1079.
^2 رواه البخاري: 38، ومسلم: 759.
^3, ^4 رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151.
^5 أخرجه أحمد: 15299.
^6 رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، والنسائي: 87، وابن ماجه: 406.
^7 رواه أبو داود: 2367، وأحمد: 8768.
^8 رواه الترمذي: 720.
^9 رواه البخاري: 6669، ومسلم: 1155.
^10 رواه البخاري: 1923، ومسلم: 1095.
^11 رواه أبو داود: 2351، وأحمد: 10629.
^12 رواه البخاري: 1903.
مواد ذات صلة