الرئيسية/خطب/الصدقة والإنفاق في سبيل الله
|categories

الصدقة والإنفاق في سبيل الله

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، أحمده تعالى حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره حمدًا وشكرًا عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالحق بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

رمضان شهر الجود والإحسان

عباد الله: ها هو قد مضى من رمضان أكثر من الثلث، وتبقى أقل من الثلثين، وربما يكون ما تبقى خيرًا مما مضى، فإن ما تبقى فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فاجتهدوا رحمكم الله، وشمروا إلى مزيد من الطاعة والعبادة والعمل الصالح، وتزودوا بزاد التقوى، فإن الأيام والليالي تمر سريعًا، وتذهب جميعًا، والموفق من وفقه الله تعالى لاغتنام ما تبقى من عمره في طاعة الله سبحانه، وفيما يقربه إلى الله تعالى زلفى.

عباد الله: وإن شهر رمضان هو شهر الجود والإحسان، وقد كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ولئن كان الجود والإنفاق في وجوه البر محمودًا في كل وقت، إلا أنه يتأكد في هذا الشهر المبارك؛ كما قال ربنا سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۝الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:261-262].

وقد أخبر النبي بأن ملكين ينزلان كل يوم يدعوان للمنفق بالخلف، ويدعوان على الممسك بالتلف، ففي الصحيحين عن أبي هريرة  أن النبي قال: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًَا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا [1].

حرص الصحابة على البذل والإنفاق

عباد الله: وقد كان الصحابة وهم القدوة والأسوة للأمة الذين هم خير القرون وأفضل القرون، قد كان عندهم حرص عظيم على هذا الجانب، كانوا حريصين على البذل والإنفاق في سبيل الله، على قلة ما في أيديهم من الأموال، جاء في الصحيحين عن عمر قال: “أصبت مالًا لم أصب في حياتي أنفس منه، فذهبت للنبي أستشيره فيه، فقلت: يا رسول الله إني أصبت مالًا هو أنفس مال أصبته في حياتي فبما تأمرني؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها؛ حبس الأصل، وسبل الثمرة أي: أوقف هذا المال، فأوقفه عمر في وجوه البر [2].

وعن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه ‌بَيْرُحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] جاء أبو طلحة إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله إن الله أنزل عليك: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإن أحب أموالي إلي بَيْرُحَاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها، وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: رسول الله : بخ بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فجعلها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه” [3].

وعن عبدالله بن مسعود قال: “لما نزل قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] قام أبو الدحداح، فقال: يا رسول الله إن الله يريد منا القرض، قال: نعم، يا أبا الدحداح قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وكان حائطه، أي بستانه فيه ستمائة نخلة، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط ففيه أم الدحداح في عيالها، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي، أي: من البستان، فإني قد أقرضته، قالت: ومن أقرضته؟ قال: فإني أقرضته ربي” [4].

وكان في المدينة بئر رومة، وكانت ليهودي، وكان هذا اليهودي يبيع ماءها على المسلمين، يبيع كل قربة بدرهم، فقال النبي : من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله الجنة؟  فاشتراها عثمان بن عفان ، وأوقفها على المسلمين [5].

وفي ترجمة عثمان ذكر أهل السير قصة عجيبة، فقد حدث في خلافة أبي بكر الصديق أن أصاب الناس قحط، ثم قدمت المدينة عير لعثمان من الشام، فخرج الناس يتلقونها، فإذا هي ألف بعير موسوقة بُرًّا وزيتًا وزبيبًا، فأناخت بباب عثمان ، فلما جعلت أحمالها في داره جاءه تجار المدينة، وقالوا: بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنك تعلم حاجة الناس إليه، قال عثمان كم تربحونني على شرائه؟ قالوا: الدرهم بدرهمين، قال: أعطيت زيادة على هذا، قالوا: نعطيك أربعة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نربحك خمسة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: ومن الذي أعطاك أكثر؟ ما في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطيناك؟ فقال: الله أعطاني بكل درهم عشرة، فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فإني أشهد الله أني جعلتها صدقة على الفقراء والمساكين، ثم فرقها عليهم، فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ منها ما يكفيه وأهله”.

وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما إذا أعجبه شيء من ماله، وتعلقت به نفسه تصدق به، يتأول قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].

البذل والإنفاق برهان على صدق الإيمان

عباد الله: إن البذل والإنفاق في سبيل الله برهان على صدق إيمان صاحبه، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري أن رسول الله قال: الصدقة برهان [6]، فهي برهان على إيمان العبد؛ لأن المال محبوب إلى النفوس، والنفوس شحيحة به، فإذا بذله الإنسان لله فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه، فلهذا كانت الصدقة برهانًا على صدق الإنسان مع ربه، وعلى قوة إيمانه، وإنه لينبغي المبادرة بالبذل والإنفاق وعدم التأخير والتسويف.

عن عقبة بن الحارث قال: “صليت وراء النبي بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزع الناس من سرعته فخرج إليهم، وقال: ذكرت شيئًا ‌من ‌تبر عندنا تبْر، أي: قطع من ذهب أو فضة عندنا من الصدقة، فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته [7]، أخرجه البخاري في صحيحه.

فينبغي للمسلم المبادرة إلى فعل الخير، وألا يتوانى في ذلك، فإن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، ربما يباغته الأجل، أو ربما يباغته مرض الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يتصدق، أو أن يعمل من الصالحات، ما كان يتمنى أن يعمل عن أبي هريرة قال: “جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمُلُ الغنى، ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان [8]، متفق عليه.

هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

الزكاة ركن من أركان الإسلام

عباد الله: وإنا مما يتأكد على المسلم أن يتفقده من الأموال: أن يتفقد الأموال التي تجب فيها الزكاة، فيخرج الزكاة من أمواله، فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائض الدين، هي الركن الثالث من أركان الإسلام، فعلى المسلم أن يعنى بإخراجها عناية كبيرة، وأن يسأل أهل العلم عما يشكل عليه من أحكامها، وقد توعد الله ​​​​​​​ توعد مانع الزكاة، فقال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، فقد أخبر النبي بأن مانع الزكاة أنه يعذب في الموقف يوم القيامة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وأنه يعذب بنفس المال الذي بخل بإخراج الزكاة منه، وأن هذا المال يتبعه، ويقول: أنا كنزك، أنا كنزك، على هيئة شجاع أقرع، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاتقوا الله عباد الله، وأخرجوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

عباد الله: والأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة:

  • الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فتجب الزكاة في الحبوب، وفيما يُكال ويُدخر من الثمار، ولها تفاصيل مذكورة في كتب الفقه.
  • الثاني: السائمة من بهيمة الأنعام، فتجب الزكاة فيما يُعلف، فتجب الزكاة فيما يأكل العشب والكلأ مما لا يعلف من بهيمة الأنعام، أما ما يعلفه الإنسان من بهيمة الأنعام، فلا زكاة فيها، إنما تجب فيما لا يُعلف مما يأكل العشب والكلأ أكثر السنة إلا إذا كان معدة للتجارة، فتجب فيها الزكاة زكاة عروض التجارة.
  • والثالث: النقدان، وهما: الذهب والفضة، وفي معناهما في الوقت الحاضر الأوراق النقدية؛ كالريالات والجنيهات والدولارات، وغيرها من أنواع الأوراق النقدية.
  • الرابع: عروض التجارة.

فهذه هي أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومما يكثر السؤال عنه زكاة الراتب الشهري، أو الدخل الشهري كيف يُزكى؟

كيفية زكاة المال

لزكاته طريقتان:

  • الطريقة الأولى: أن يحصي الإنسان ما حال عليه الحول من دخله الشهري، فيزكيه ما دام أنه قد بلغ النصاب، ونصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب والفضة، أي أنه هو نصاب الفضة؛ لأن الفضة في وقتنا الحاضر أرخص بكثير من الذهب، ويعادل تقريبًا هذه الأيام ألف ومائتين وثنين وأربعين ريالًا، فمن ملك هذا المبلغ وأكثر فتجب عليه الزكاة إذا حال عليه الحول، فيحصي ما حال عليه الحول من دخله الشهري فيزكيه، ويمكن أن يستعين على ذلك بكشف حساب من البنك.
  • والطريقة الثانية: أن يحدد وقتًا معينًا في السنة كمنتصف شهر رمضان مثلًا فيزكي جميع الرصيد الذي عنده سواء حال عليه الحول، أو لم يحل عليه الحول، وينوي بمن لم يحل عليه الحول تعجيل الزكاة، وتعجيل الزكاة جائز قد وردت به السنة، وبذلك فإنه لا ينظر لزكاة رصيده إلا مرة واحدة في السنة، كلما أتى منتصف رمضان زكى جميع ما عنده، ناويًا تعجيل الزكاة فيما لم يحل عليه الحول، وهذه الطريقة الثانية أسهل وأضبط وأحوط.

زكاة الأسهم

عباد الله: ومما يكثر السؤال عنه: زكاة الأسهم، والمساهم لا يخلو إما أن يكون مستثمرًا أو مضاربًا فإن كان مستثمرًا؛ أي أنه لا يبيع ويشتري في الأسهم بل اشتراها وتركها أو اكتتب في أسهم وتركها، أو أنه كان يبيع ويشتري فيها ثم بعد ذلك تركها فلم يعد يبع ويشتري فيها، فهذا تكفي زكاة الشركة عنه، ولا يلزم بالزكاة؛ لأن المال الواحد لا يزكى مرتين، وجميع الشركات المساهمة عندنا في المملكة ملزمة بدفع زكواتها إلى مصلحة الزكاة والدخل، وتصب زكواتها في حساب الضمان الاجتماعي مباشرة.

والحال الثانية: أن يكون المساهم مضاربًا، أي يبيع ويشتري في الأسهم، فهذا يجب عليه أن يزكي ما عنده من أسهم، فينظر إلى التاريخ الذي دخل فيه تجارة الأسهم، فإذا حال عليه الحول، ووصل مثل هذا اليوم من العام الذي يليه فإنه ينظر إلى ما في محفظته من أسهم كأنه يريد أن يبيعها، ويخرج ربع العشر، أي يخرج اثنين ونصف في المائة، وهكذا من كان مشتركًا في صندوق من الصناديق الاستثمارية يجب عليه أن يخرج ما يخصه منها من زكاة؛ لأن البنوك لا تدفع زكاة الصناديق الاستثمارية لمصلحة الزكاة والدخل، وإنما المصلحة إنما تأخذ زكوات الشركات فقط، أما الصناديق الاستثمارية فإنها لا تجبى زكاتها، وعلى هذا فإن من كان مشتركًا في صندوق استثماري، فعليه أن يخرج القدر الواجب عليه من الزكاة.

حكم احتساب رسوم الأراضي من الزكاة

ومما يكثر السؤال عنه من مسائل الزكاة زكاة الأراضي، وزكاة الأراضي متأثرة بنية المالك، فإن كان المالك لهذه الأرض لا يريد بيعها، وإنما يريد أن يبني عليها مسكنًا، أو يريد أن يبني عليها عقارًا لتأجيره، فهذا لا زكاة عليه، وكذلك إذا كانت نيته غير واضحة، أي أنه متردد في النية، فتارة يقول: أريد أن أبني، وتارة يقول: أريد أن أبيع، فهذا لا زكاة عليه أيضًا، وإنما الزكاة تجب على من جزم بنية البيع، إما في الحال أو في المستقبل، فهذا هو الذي قد أعدها للتجارة، فيجب عليه أن يخرج زكاتها.

ومما يحسن التنويه عنه: أن رسوم الأراضي التي تحتسب على الأراضي لا يجوز احتسابها من الزكاة، وذلك لأنها لم تذهب لأهل الزكاة ومصارف الزكاة الثمانية، وإنما هي رسوم تفرض على المحتكرين، فلا يجوز احتسابها من الزكاة.

ثم إن الزكاة عبادة وشريعة تصرف لمصارف معينة، وهي تختلف اختلافًا كبيرًا عن هذه الرسوم.

ومما يكثر السؤال عنه من مسائل الزكاة: زكاة عروض التجارة كيف يزكي هذه العروض؟ من كان عنده عروض تجارة كأن يكون عنده محل لبيع سلع إما لبيع جوالات مثلًا أو ملابس، أو غير ذلك من أمور التجارة، فإنه يجرد جميع ما عنده في المحل كأنه يريد أن يصفيه، وأن يبيع ثم يخرج ربع العشر، أي ثنين ونصف في المائة.

حكم دفع الزكاة للعمال والخدم والسائقين ونحوهم

ومما يكثر السؤال عنه: حكم دفع الزكاة للعمال والخدم والسائقين ونحوهم، فيجوز دفع الزكاة إليهم بشروط:

  1. أن يكونوا مستحقين للزكاة، كأن يكونوا فقراء أو مساكين أو غارمين.
  2. ألا يربط بين الزكاة وبين العمل بأي وجه من الوجوه، ولا ينوي بإعطاء الزكاة لهذا العامل تحسين العمل، أو جودة العمل، أو نحو ذلك.
  3. ألا يلحق هذه الزكاة بمنة ولا أذى، فإن بعض الناس يدفع الزكاة للعامل أو الخادمة، ثم بعد حين من الدهر إذا حصلت إساءة من هذا العامل، قال: ألم أعطك زكاة مالي؟ ألم أفعل كذا؟ وهذا يبطل أجر الزكاة تمامًا؛ كما قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264]، فالمن والأذى يبطل أجر الصدقات والزكوات، وإذا كان سيمتن على هذا الذي سيعطيه زكاة أو صدقة فلا حاجة لهذه الصدقة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263]، إن الشريعة الإسلامية تريد منك إذا دفعت زكاة أو صدقة لهذا الفقير أو لهذا المسكين أن تحفظ كرامته، وأن لا تجرح مشاعره بمنة ولا أذى، أما من لم يلتزم بهذا وجرح مشاعر هذا الفقير بمنة أو بأذى، أو بأي كلمات نابية إما في الحال أو في المستقبل فإن هذا يبطل الأجر تمامًا.

مصارف الزكاة

ومما يكثر السؤال عنه من مسائل الزكاة: أن بعض الناس يشكل عليه معرفة المستحقين للزكاة، والمستحقون للزكاة هم الذين ذكرهم الله تعالى في آية التوبة في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].

وأوضح هذه الأقسام الثمانية في مجتمعنا: الفقراء، والمساكين، والغارمين.

أما الفقراء والمساكين فهم ذو الحاجات، لكن الفقراء أشد حاجة من المساكين، فإن المساكين قد ذكر الله تعالى المساكين في قصة موسى عليه السلام مع الخضر، وأن لهم سفينة يعملون عليها: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79].

وضابط الفقير هو: المعدم الذي لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية.

والمسكين هو: الذي يجد نصف الكفاية أو أكثرها دون تمام الكفاية.

ونوضح هذا بالمثال الذي لا يجد شيئًا هذا واضح أنه فقير من يكون دخله يكفيه إلى أقل من منتصف الشهر، فهذا فقير، أيضًا من كان دخله يكفيه إلى منتصف الشهر فهذا مسكين، من كان دخله يكفيه إلى عشرين من الشهر مثلًا لكنه لا يكفيه إلى آخر الشهر، فهذا مسكين، فهؤلاء جميعًا مستحقون للزكاة، أما من كان دخله يكفيه إلى آخر الشهر، فهذا مكفي، ولا تحل له الزكاة، ومن باب أولى إذا كان يدخر شيئًا من دخله، فهذا لا تحل له الزكاة.

وأما الغارمون: فالمقصود بهم المدينون الذين عليهم ديون حالة، وهم عاجزون عن سدادها، أما من عليه ديون مؤجلة أو مقسطة فلا تحل له الزكاة، إنما الذي يعتبر من الغارمين المستحقين للزكاة هو الذي حل عليه الدين، وهو عاجز عن سداده، بحيث لو أن الدائن رفع فيه شكاية لربما سُجن بسبب هذا الدين، فهذا من الغارمين، وهذا يباح أن يعطى من الزكاة ما يسدد به دينه، ولا بأس أن يسدد الدائن مباشرة؛ لأن بعض المدينين ربما يكون سيئ التدبير، فتعطى الزكاة للدائن مباشرة.

وينبغي العناية أيها الإخوة بهذا الصنف، فكم من إنسان مسجون الآن منقطع عن أطفاله وعن أسرته بسبب ديون ابتلي بها، لحقته هذه الديون، فهو الآن مسجون بسببها، وينتظر محسنًا يأتي ويعيد البسمة لأطفاله، يسدد عنه دينه، ويخرج من السجن، ويرجع لأسرته وأطفاله، فما أعظم أجر من تلمس حاجات هؤلاء، وقضى ديونهم، فإن أجره عظيم، وثوابه جزيل.

فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على العناية بأمر الزكاة، وتحروا أمر المستحقين، فإن الزكاة تحتاج إلى مزيد من التحري أكثر من الصدقات، لكن قال أهل العلم: “إن من ظهر من حاله أنه مستحق للزكاة، ولم يظهر عليه أثر غنى جاز دفع الزكاة إليه، ولو لم يتيقن الإنسان استحقاقه للزكاة؛ لأن مسألة الفقر والغنى من الأمور التي قد لا تتضح اتضاحًا كبيرًا، ولو دفع الزكاة لغني ظنه فقيرًا أجزأ، لكن المطلوب أن يجتهد في التحري، وفي البحث عن المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافًا، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، فإن إعطاء هؤلاء الزكاة أعظم أجرًا وثوابًا.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك، يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين.

اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي يا عزيز.

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم بارك لنا فيما تبقى في شهر رمضان، اللهم أعنا على إتمام صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك.

اللهم وفقنا فيه لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1442، ومسلم: 1010.
^2 رواه البخاري: 2772، ومسلم: 1632.
^3 رواه البخاري: 1461، ومسلم: 998.
^4 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 22/ 301.
^5 رواه الترمذي: 3703.
^6 رواه مسلم: 223.
^7 رواه البخاري: 851.
^8 رواه البخاري: 1419، ومسلم: 1032.
مواد ذات صلة