الرئيسية/خطب/احفظِ اللهَ يحفظْكَ
|categories

احفظِ اللهَ يحفظْكَ

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].

وصية النبي   لابن عباسٍ

أما بعد:

فنقف في هذه الخطبة مع حديثٍ من مشكاة النبوة، عظيمٍ نفعُه، جليلٍ قدرُه، ينبغي لكل مسلمٍ أن يتفهم معانيَه، وأن يكون مستحضرًا لها.

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “كنت رديف النبي  يومًا فقال: يَا غُلَامُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ فقلت: بلى. قال: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْك، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، تَعَرَّف إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْألِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَت عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لك، وَلَوِ اجْتَمَعَت عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْك، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ.

وفي روايةٍ: قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعوك بِشَيءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللهُ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْه، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَكْتُبْه اللهُ عَلَيْك، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْه، وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. أخرجه أحمد والترمذي وقال: “هذا حديثٌ حسنٌ صحيح” [1].

هذه الوصية، وصيةٌ من النبي لابن عباسٍ رضي الله عنهما، وهي وصيةٌ له وللأمة جميعًا، ويا لها من وصيةٍ عظيمةٍ! يا لها من وصية جامعةٍ! ولهذا فقد عُنِيَ بها أهل العلم، بل إن بعضهم صنف في شرحها مصنفاتٍ، وممن صنف في ذلك الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله تعالى.

الجزاء من جنس العمل

ابتدأ النبي  هذه الوصية بقوله: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْك، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك: والمعنى احفظ حدود الله وحقوقه، وأوامره ونواهيه، وحِفظُ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، فيدخل في ذلك فعل الواجبات جميعها، وترك المحرمات كلها، وذلك كله يدخل في حفظ حدود الله؛ كما قال الله تعالى: وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ[التوبة: 112].

والعبد إذا حفظ الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه فقد وُعِدَ بأن يحفظه الله ​​​​​​​؛ فإن الجزاء من جنس العمل، يحفظه في دينه، ويحفظه في دنياه، يقول الله سبحانه: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ[الرعد: 11].

قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما، في تفسير الآية: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلَّوا بينه وبينه[2].

وقال عليٌّ : إن مع كل رجلٍ ملكين يحفظانه مما لم يُقدَّر، فإذا جاء القدر خلَّيَا بينه وبينه.[3].

لَهُ أي: للإنسان، مُعَقِّبَاتٌ من الملائكة يتعاقبون عليه، يحفظونه.

وقد ذكر الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله، وغيره: “أن كل إنسانٍ بين يديه في اليوم والليلة ثمانيةٌ من الملائكة، اثنان حافظان، واثنان كاتبان)، فهؤلاء أربعةٌ، ويتعاقبون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَسْأَلُهم رَبُّهُم وَهُوَ أَعْلَم بِهِم: كَيْفَ وَجَدتم عِبَادِي؟ فَيَقُولُون: أَتَيْنَاهُم وَهُم يُصَلُّون، وَتَرَكْنَاهُم وَهُم يُصَلُّون[4]. فأربعةٌ تأتي وأربعةٌ تصعد، فأربعةٌ تأتي في صلاة الصبح إلى صلاة العصر؛ اثنان حافظان يحفظان الإنسان بأمر الله ​​​​​​​ من المكروه، حتى إذا جاء القدر خَلَّيَا بينه وبينه، واثنان يكتبان أعماله؛ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ[ق: 17]، ثم يستمر هؤلاء الأربعة من الملائكة مع الإنسان إلى صلاة العصر، فإذا أتت صلاة العصر صعد هؤلاء الأربعة، وأتى أربعةٌ غيرهم، ويبقى هؤلاء الملائكة الأربعة إلى صلاة الصبح، وهكذا.. فهذا معنى قوله: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ[الرعد: 11]. أي: ملائكة يتعاقبون عليه.

فانظر إلى عناية الله ​​​​​​​ بالإنسان، كل إنسانٍ يكون معه هؤلاء الثمانية من الملائكة، بل إن الله ​​​​​​​ يحفظ العبد بصلاحه في ولده وذريته؛ كما قال سبحانه في قصة الخضر مع موسى: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا[الكهف: 82].

أعظم الحفظ حفظ الدين

عباد الله:

وكما أن الله تعالى يحفظ الإنسان الذي حفظه في أمور دينه؛ في بدنه وأهله وماله، فإنه يحفظه كذلك حفظًا آخر، من نوعٍ خاصٍّ، هو أشرف وأعظم من النوع الأول، وهو حفظه في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان.

عباد الله:

ما أكثر الصوارف للعبد عن الاستقامة! خاصةً في زماننا هذا الذي كَثُرَت فيه الفتن! فمن حَفِظَ الله تعالى بحفظ حدوده، وصدق تَدَيُّنِه، فإن الله ​​​​​​​ يحفظ عليه دينه، فما إن تَعِرضْ له فتنة شبهةٍ إلا ويقيض الله له من يكشفها ويزيلها عنه، فلا تستقر عنده، وما إن تَعرِض له فتنة شهوةٍ إلا ويعصمه الله منها؛ جزاءً لصدقه وإخلاصه؛ كما قال الله عن يوسف عليه الصَّلاة والسَّلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ .أي: لأنه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[يوسف: 24].

ولهذا؛ فإن الذين يقعون في الفتن: فتن الشبهات وفتن الشهوات، أناسٌ لم يحفظوا الله تعالى، ولو حفظوا الله ​​​​​​​ لحفظهم الله وعصمهم من هذه الفتن.

اعرفِ الله في الرخاء يعرفْك في الشدة

ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ. أي: إنك إذا اتقيت الله، وحفظت حدوده في حال رخائك وصحتك، فقد تعرفت بذلك إلى الله، فيعرفك ربك في الشدة فينجِّيك من الشدائد.

هذا يونس عليه الصَّلاة والسَّلام: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ[الصافات: 142]، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء: 87]، فقالت الملائكة: يا رب، هذا صوتٌ معروفٌ من عبدٍ معروفٍ! فنجاه الله سبحانه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ[الأنبياء: 88]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2، 3].

السؤال والاستعانة بالله

ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: إِذَا سَأَلْتَ فَاسْألِ اللهَ أي: أفرد الله تعالى بالسؤال، ولا تسأل غيره من الخلق، اسأل ربك كل ما تريد من خيري الدنيا والآخرة، بل وألح على الله تعالى في السؤال والدعاء، فإن الله تعالى يحب الملحين، ويحب المتضرعين، لكن لا تسأل الناس، لا تسأل الناس أموالهم إلا عند الضرورة.

وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أموالَهم تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ[5].

كان الإمام أحمد رحمه الله يقول في دعائه: اللهم كما صُنْتَ وجهي عن السجود لغيرك، فصُنْه عن المسألة لغيرك[6].

ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وذلك أن العبد عاجزٌ عن الاستقلال بنفسه في الطاعات، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله ​​​​​​​، فمن أعانه الله فهو المُعَان، ومن خُذِل فهو المخذول؛ ولهذا كان من أنفع الأدعية أن يسأل العبد ربه أن يعينه على طاعته.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “تأملت أنفع الدعاء، فوجدته سؤال العبد ربه أن يعينه على طاعته، ثم تأملت ذلك فوجدته في قول الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5][7].

وقد وصى النبي  معاذًا، فقال: يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، لَا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَعَلَى شُكْرِكَ، وَعَلَى حُسْنِ عِبَادَتِك[8].

فاحرصوا على هذا الدعاء، احرصوا عليه في كل صلاةٍ تصلونها، فريضةً كانت أم نافلةً، في التشهد الأخير قبيل السلام، قل: اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَعَلَى شُكْرِكَ، وَعَلَى حُسْن عِبَادَتِك. بلِ ادعُ الله تعالى بهذا الدعاء حتى في خارج الصلاة وأكثِر منه، فينبغي للعبد أن يستحضر الاستعانة بالله في جميع أموره، في مصالح دينه ودنياه.

أخرج البخاري في “صحيحه” عن الزبير بن العوام أنه لما كان عند مرض موته، وصَّى ابنه عبدالله بقضاء دينه بعد موته، وقال له: يا بني! إن عجَزتَ عن قضاء ديني، فاستعن عليه بمولاي، قال عبدالله: يا أبَتِ من مولاك؟ قال: الله ​​​​​​​ -ونِعْمَ المولى ونِعْمَ الوكيل- قال ابنه عبدالله: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دَينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضِ عنه دَينه، فيقضي الله تعالى عنه دَينه! [9].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ.

لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

عباد الله:

ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام، في هذه الوصية العظيمة الجامعة: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَت عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لك، وَلَوِ اجْتَمَعَت عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْك.

قال ابن رجبٍ: “اعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذكر قبله وبعده، فهو متفرعٌ عليه، وراجعٌ إليه؛ فإن العبد إذا علم أن لن يصيبه إلا ما كتب الله له من خيرٍ وشرٍّ، ونفعٍ وضرٍّ، وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور، غير مفيدٍ البتة، علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده) [10].

الطمأنينة ودفع المخاوف

عباد الله:

إن هذه العقيدة إذا اعتقدها المسلم تورثه الرضا، وتورثه الاطمئنان، وتزيل عنه القلق والهموم والغموم، فهو على يقين بأنه لا أحد يستطيع أن ينفع أو يضر إلا بإذن الله؛ كما قال الله سبحانه عن السحرة: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: 102]. فالأمور كلها بيد الله تعالى، فلو اجتمعت الأمة كلها من إنسها وجنها على أن تنفع الإنسان بشيءٍ، فلا تستطيع أن تنفعه إلا إذا كان الله تعالى قد كتبه له، وإن اجتمعت على أن تضره بشيءٍ، فلن تستطيع أن تضره إلا بإذن الله، وكان الله قد كتبه عليه؛ فالمخلوقون ضعفاء لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، وهذا يوجب أن يعلق المسلم رجاءه بالله، ولا يلتفت للمخلوقين.

إن من الناس من هو كثير المخاوف والهموم، كثير القلق، كثير الخوف والقلق على مستقبله، كثير القلق والخوف على وظيفته، كثير القلق والخوف على صحته، وتجد شاهد هذا في هذه الأيام، تجد قلقًا شديدًا وخوفًا كبيرًا، من بعض الناس، من انتقال الوباء أو العدوى، وهذه المبالغة في الخوف هذه قد تكون نتيجتها عكسيةً، وكما قال أهل الاختصاص: إنها قد تتسبب في ضعف المناعة عند الإنسان، هذا من الجهة الصحية، ومن الجهة الأخرى: أن هذا يكون قد تعلق بغير الله ، فيُوكِل الله تعالى هذا العبد إلى ما تعلق به فيقع المكروه، لكن الإنسان مطلوبٌ منه أن يفعل الأسباب، وأن يأخذ بالاحترازات الوقائية، ويتعلق قلبه بالله سبحانه، فلا داعي لكثرة القلق، ولا لكثرة الخوف، إنما يفعل ما هو مطلوبٌ منه من بذل الأسباب، ويعلق قلبه بالله سبحانه.

وتجد كذلك في المجتمع من الناس من هو كثير القلق والخوف من السحر، ومن العين، ومن مس الجان، ومن غير ذلك، وتجد أنه يتكتم على أموره، يكون الله تعالى قد أغناه وأعطاه ثروةً عظيمةً، لكن يراه الناس فيظنونه فقيرًا بسبب شدة التكتم خوفًا من العين ونحو ذلك، وهذا دليلٌ على ضعف التوكل عنده، وضعف الإيمان، وإلا لو قويت عنده هذه العقيدة ورسخت لديه، لزالت عنه هذه المخاوف كلها، فأصبح لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، فهو الذي يدبر الأمور، وهو على كل شيءٍ قديرٌ.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.

اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكانٍ، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكانٍ، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، اللهم وفقهما لما تحب وترضى ولما فيه صلاح البلاد والعباد، وارزقهما البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهما على الخير، وتعينهما عليه، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، نسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات: 180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 2516، وأحمد: 2803.
^2 تفسير ابن رجب: 1/ 575.
^3 تفسير ابن رجب الحنبلي: 1/ 575.
^4 رواه البخاري: 555، ومسلم: 632.
^5 رواه مسلم: 1041.
^6 حلية الأولياء لأبي نعيم: 9/ 233، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص: 365.
^7 مدارج السالكين لابن القيم: 1/ 100.
^8 رواه أبو داود: 1522، والنسائي: 1302، وأحمد: 22119.
^9 رواه البخاري: 3129.
^10 جامع العلوم والحكم: 1/ 484.
مواد ذات صلة