logo
الرئيسية/خطب/ساعة النقلة من الدنيا للآخرة

ساعة النقلة من الدنيا للآخرة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي تفرد بالدوام والبقاء، وكتب على أهل هذه الدنيا الفناء، وجعلها دار امتحانٍ وابتلاءٍ، وجعل القبور أول منازل دار البقاء، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء، وأشكره في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. 

أما بعد:

فاتقوا لله أيها المسلمون، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا[الطلاق: 4].

التفكر في ساعة الاحتضار

عباد الله

الحديث في هذه الخطبة عن ساعةٍ فاصلةٍ في حياة الإنسان، ساعةٍ مهيبةٍ، ساعةٍ عظيمةٍ، ساعةٍ تعتبر ولادةً جديدةً للإنسان؛ إنها ساعة الاحتضار وخروج الروح ومفارقتها البدن.

هذه الساعة سوف تمر بكل واحدٍ منَّا لا محالة: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[العنكبوت: 57].

وإن التفكر في تلك الساعة لكفيلٌ بأن يهز مشاعر الإنسان، وأن يوقظه من الغفلة، يقول ابن الجوزي رحمه الله عن هذه الساعة: “إن المحتضر ينتبه فيها انتباهًا لا يوصف، ويقلق قلقًا لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي ويود لو تُرِك كي يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف، ولو وجد ذرة من تلك الأحوال في زمن العافية لحصل كل مقصود من العلم والتقوى، فالعاقل من مثّل تلك الساعة بين يديه وعمل بمقتضى ذلك”.

بشارة المؤمن وانتزاع روح الكافر

عباد الله

إن ساعة الاحتضار ساعةٌ فاصلةٌ في حياة الإنسان، ينتقل فيها من الدنيا إلى الآخرة، ومن مات فقد قامت قيامته في تلك الساعة المهيبة، يصاب الإنسان بفزعٍ وخوفٍ عظيمٍ؛ لأنه مقبلٌ على أمورٍ عظيمةٍ مجهولةٍ بالنسبة له، كما يصاب بحزنٍ شديدٍ على مفارقته لأهله وماله، ولكن الله ​​​​​​​ من رحمته ولطفه بالمؤمنين، أنه يُنزل الملائكة عليهم تطمئنهم وتبشرهم؛ كما قال ربنا سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُأي عند الاحتضار- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وتقول لهم: ألا تخافوا تقول لهم عند الموت: لا تخافوا مما تقدمون عليه، ولا تحزنوا  على ما خلفتموه من أمور الدنيا من ولدٍ وأهلٍ، ثم تبشرهم البشارة العظيمة: وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[فصلت: 30] فتبشرهم بذهاب الشر وحصول الخير.

ويا لها من بشارةٍ عظيمةٍ! إن الإنسان إذا كان في موقف عصيبٍ، وأتاه أحد الناس وبشره بأمرٍ عظيمٍ يحبه زالت عنه الهموم والغموم، فما بالك بمن يعالج خروج الروح، وهو في فزع وخوفٍ وحزنٍ، ثم تأتيه البشارة من الله تعالى بالجنة، وتقول له الملائكة: أبشر بالجنة التي كنت توعد!

فيالها من بشارةٍ عظيمةٍ تأتي المؤمن في هذا الوقت العصيب!

وفي المقابل: الظالمون لأنفسهم بالمعاصي والموبقات في تلك الساعة المهيبة تفزع نفوسهم فزعًا عظيمًا، وتحاول أن ترتد الأرواح في أجسادها، ولكن الملائكة تنتزعها انتزاعًا؛ كما قال سبحانه: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا[النازعات: 1]، وقال: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ[الأنعام: 93] –أي بالضرب- أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام: 93].

ويصف النبي  هذا المشهد العظيم والفاصل في حياة الإنسان، فيقول في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، بسندٍ صحيحٍ، عن البراء ابن عازب  قال: خرجنا مع النبي  في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عودٌ يَنكُت في الأرض، فرفع رسول الله  رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر. مرتين أو ثلاثةً. ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكةٌ من السماء بِيضُ الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحَنُوطٌ من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، أخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فِي السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عينٍ حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرجُ منها كأطيبِ نفحةِ مسكٍ وجُدت على وجه الأرض. قال: فيصعدُون بها، فلا يمرُّون بها على ملأٍ من الملائكةِ إلا قالوا: ما هذه الروحُ الطيِّبةُ؟ فيقولون: هذه روح فلانِ ابنِ فلانٍ. بأحسن أسمائه التي كانوا يُسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماءِ الدنيا، فيستفتحون له فيُفتحُ لهم، فيشيعُه من كل سماءٍ مقرَّبوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة، فيقولُ الله ​​​​​​: اكتُبوا كتاب عبدي في علِّيِّين، وأعيدوهُ إلى الأرضِ؛ فإنِّي منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارةً أخرى. قال: فتُعادُ روحُه في جسدهِ، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فيجيب، فينادي منادٍ من السماء أن: صدق عبدي؛ فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من رَوحها وطيبها، ويفسح له في قبره مَدَّ بصره، ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك! هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت؛ فوجهك وجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: يا ربِّ أقم الساعة؛ حتى أرجع إلى أهلي ومالي.

قال: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ علَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ -وهو اللباس الخَشِن المَمْقُوت- فيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ فيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ من اللَّهِ وَغَضَبٍ. قَالَ: فَتتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ -وهو حديدةٌ يُشوى بها اللحم- مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وجهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَه الرُّوحُ الْخَبِيثةُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهى بِهَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ : لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ..[الأعراف: 40]. فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي سِجِّينٍ؛ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى. فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ[الحج: 31]. فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه؟ فَيَقُولُ: هَا! هَا! لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أن: كَذَب عبدي؛ فأَفْرِشُوه مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْت تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ. فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ [1].

وإنما يقول ذلك مع ما هو فيه من العذاب؛ لأنه يعلم بأنه إذا قامت الساعة انتقل إلى عذابٍ أشد منه، يا له من حديث عظيمٍ يأخذ بمجامع القلوب!

وإنه لجديرٌ بمن كان الموت مَصْرَعَه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، والملكان يسألانه، وعمله جليسه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، ألا يغفل عن هذه اللحظات الحاسمة.

معرفة المصير أثناء الاحتضار

عباد الله

وإن الإنسان في ساعة الاحتضار ليعرف مصيره هل هو من أهل الجنة أو من أهل النار؛ كما دل لذلك النصوص، فالسعيد من استعد لتلك الساعة وما بعدها، وتدارك ما تبقى من العمر في العمل الصالح الذي يرتبط به ويُسَرُّ به حيًّا وميتًا، ولعل ما تبقى من العمر يكون قليلًا وهو لا يشعر، ولعل تلك الساعة تكون قريبة وهو لا يشعر؛ فكم من إنسانٍ أصبح صحيحاً معافًى، وأمسى بين أهل القبور.

اللهم وفقنا لتدارك ما تبقى من أعمارنا في طاعتك.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا التوبة النصوح، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.

اللهم استعملنا في طاعتك ومرضاتك، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشانه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ.

الميت وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي

عباد الله

جاء في “الصحيحين” عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : إذا مات الرجل عُرِض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فالجنة، وإن كان من أهل النار فالنار، ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه إلى يوم القيامة [2]. كم بيننا وبين هذا الموقف الذي يعرض فيه على الإنسان مقعده من الجنة والنار؟!

يعرض عليه ذلك المقعد في اليوم مرتين:

المرة الأولى: بالغداة، أي أول النهار.

والمرة الثانية: بالعشي، أي آخر النهار.

يعرض عليه مقعده من الجنة والنار إلى أن يبعث يوم القيامة، يعرض عليه مقعده كل يوم مرتين غدوةً وعشيًّا؛ فأما إن كان من أهل الجنة فيُسَرُّ ويَغتَبِط ويشكر الله عز وجل، ويقول: رب أقم الساعة. حتى يكون في مقعده ذاك من الجنة، وأما إن كان من أهل النار، فيزداد حسرةً وألمًا، وكل يوم يُرى مقعدَه غدوةً وعشيًّا إلى يوم القيامة، يقال: هذا مقعدك من النار الذي تبعث إليه يوم القيامة، فيقول متحسرًا: يا رب لا تقم الساعة، مع ما هو فيه من العذاب، إلا أنه لما أُرِيَ مقعدَه من النار علم أنه اذا قامت الساعة فسوف ينتقل إلى عذابٍ أشد”.

عباد الله

كم بيننا وبين هذا الموقف الذي يُعرض على الإنسان فيه مقعده كل يوم مرتين غدوةً وعشيًّا ما بيننا وبينه إلا الموت، والموت مغيبٌ عنا: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[لقمان: 34]، وإذا كانت لا تدري نفس بأي أرض تموت؛ فإنها لا تدري بأي زمن تموت من باب أولى.

أسباب الغفلة عن الموت

عباد الله

إن هذه الحقيقة (الموت) كفيلةٌ -إذا تفكر الانسان فيها- أن تهز مشاعره، يكفيه أن يتفكر فقط في ساعة الاحتضار؛ ولهذا يقول أحد السلف: “ما رأيت يقينًا لاشك فيه هو أشبه من شك لا يقين فيه من الموت.

إن من يرى حال الناس وانكبابهم على الدنيا، وغفلتهم عن الموت واستبعادهم لوقوعه، وطول أملهم في الدنيا؛ ليعجب، وكأن الموت الذي يلاقيه كل إنسان في هذه الدنيا، كأنه شك لا يقين فيه، مع أن الموت هو الحقيقة اليقينية التي لا يشك فيها الناس على اختلاف أديانهم ومللهم، يعيش الانسان في هذه الحياة الدنيا غافلًا لاهيًا، تمضي به الأيام والليالي والشهور والأعوام وهو غافل عن ما هو ملاقيه ساعة من الدهر، حتى إذا بغته وفجأه الموت على حين غرةٍ، ندم حين لا ينفع الندم.

طول الأمل

ومن أعظم الأسباب لذلك: طول الأمل؛ فأمل الإنسان في هذه الدنيا ليس له منتهى، وقد استخدمه الشيطان عدو الإنسان في صد كثير من الناس عن الطاعة.

والعجيب أن طول الأمل يكبر مع الإنسان؛ كما قال عليه الصلاة السلام: يَكبَرُ ابنُ آدم ويكبر معه اثنتان: حب الدنيا، وطول الأمل [3].

التعلق بالدنيا

ومن الأسباب أيضًا: التعلق بالدنيا وبالحياة المادية؛ فإن من تعلق بالدنيا غفل عن الموت وما بعده.

انعدام المحاسبة

ومن ذلك أيضًا: انعدام المحاسبة، فبعض الناس لم يشـأ أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة، وأن يخلو بها وأن يحاسبها محاسبةً صادقةً: ماذا عملت؟ وماذا قدمت لغدٍ؟ إن المؤمن لايزال بخير ما دام محاسبًا لنفسه لوامًا لها، أما إذا انعدمت المحاسبة؛ فهنا تقع الغفلة، ولا ينتبه الإنسان حينئذٍ إلا بالموت، فيندم حين لا ينفع الندم.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكانٍ، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكانٍ، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أبرم لأمه الإسلام أمرًا رشَدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وترفع فيه السنة وتقمع فيه البدعة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، ولما فيه صلاح البلاد والعباد، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرٍّ، نعوذ بك اللهم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

نسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات: 180-182].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 4753، وأحمد: 18534، ورواه مُختصرًا النسائي: 2056، وابن ماجه: 1549.
^2 رواه البخاري: 1379، ومسلم: 2866.
^3 رواه البخاري: 6421، ومسلم: 1047.
مواد ذات صلة
  • خطبة عيد الفطر 1443 هـ

    الحمد لله معيد الجمع والأعياد، رافع السبع الشداد عالية بغير عماد، وماد الأرض ومرسيها بالأطواد، جامع الناس ليوم لا ريب…

  • أحكام الزكاة وفضائل الصدقة

    الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرًا عظيمًا وخلفًا، وتوعد الممسكين لأموالهم عما أوجب عليهم عطبًا وتلفًا، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد…

zh