logo
الرئيسية/كلمات قصيرة/وقفات مع قوله تعالى: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}

وقفات مع قوله تعالى: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع سُنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

عظم المحافظة على الصلاة

فيقول ربنا : وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، وَإِنَّهَا أي: الصلاة، لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ أي: المحافظة والمداومة عليها أمرٌ كبيرٌ إلا على الخاشعين الصادقين مع الله ، الذين يرجون ما عند الله تعالى من الأجر والثواب؛ وذلك أن الصلوات الخمس تتكرر في اليوم والليلة خمس مراتٍ، فتحتاج من المسلم إلى صبرٍ ومُصابَرةٍ وإلى جهادٍ للنفس ومُجاهَدة؛ ولذلك وصفها ربنا بأنها كبيرةٌ، أي: إنها ثقيلةٌ وتَشُقُّ إلا على الخاشعين؛ لأن الخاشع قد جعل الصلاة أكبر اهتماماته، وأصبح تَقَرُّ عينه بالصلاة، ويجد فيها الراحة والأُنس، كما كان النبي يقول: يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها [1].

الصلاة هي عمود دين الإسلام، وهي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، مَن حفظها حفظ دينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع؛ ولهذا كتب عمرُ إلى ولاته كتابًا قال فيه: "إن أهم أموركم عندي الصلاة؛ فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع"[2].

وهذا الكلام من عمرَ بن الخطاب يدلُّ على عظيم فقهه ورسوخه في العلم، فإن الصلاة هي أهم الأمور؛ ولذلك قال لولاته: "إن أهم أموركم عندي الصلاة"، ثم قال عمر: "فمَن حفظها" -يعني: حافظ على الصلاة وداوم عليها- "فقد حفظ دينه". فلا تجد إنسانًا محافظًا على الصلوات الخمس كما أمره الله تعالى؛ إلا وهو مُحافظٌ على بقية أمور دينه. "ومن ضيَّعها"، أي: ضيَّع الصلاة؛ ضيَّع عمود دين الإسلام، "فهو لما سواها من أمور دينه أضيع"؛ ولذلك فإن الصلاة هي الميزان.

حكم تارك الصلاة

وقد أجمع الصحابة على كفُر تارك الصلاة، لكن المقصود مَن تركها بالكُلية، ونقل الإجماع على ذلك التابعي الجليل عبدالله بن شقيقٍ العقيلي، كما عند الترمذي بسندٍ صحيحٍ[3]، وكذلك أيضًا نقل الإجماع إسحاق بن راهويه، نقل الإجماع من زمن الصحابة إلى زمنه على كُفر تارك الصلاة[4].

وإنما وقع الخلاف بعد زمن الصحابة ، وإلا فالصحابة مُجمِعون على كُفر تارك الصلاة إذا كان تاركًا لها بالكُلية، قطع صلته بالله لا يركع لله ركعةً، لا جمعةً ولا جماعةً، يقول النبي : بين الرَّجُل وبين الشِّرْك والكُفر ترك الصلاة [5]، ويقول : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر [6].

وفي القرآن الكريم إشاراتٌ بكفر تارك الصلاة، ومن ذلك: قول الله ​​​​​​​: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ۝ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [مريم:59، 60]، فقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ، ثم قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [مريم:60]، وهذا فيه إشارةٌ إلى أن مَن أضاع الصلاة فليس بمؤمنٍ، ويقول الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]. ومفهوم هذا: أنهم إذا لم يُقيموا الصلاة فليسوا بإخوانٍ لنا في الدين، فهذا يقتضي الكفر، فالأمر عظيمٌ.

وأما مَن كان يُصلِّي أحيانًا ويتركها أحيانًا؛ فإنه لا يَكفُر على القول الراجح، لكنه يكون من الساهين الذين توعَّدهم الله بقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

حكم صلاة الجماعة

ويجب على الرجال أن يُؤدُّوا الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المساجد، وقد جاء رجلٌ أعمى للنبي فقال: يا رسول الله، إني رجلٌ أعمى، وليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد؛ فهل تجد لي رخصةً يا رسول الله في أن أُصلِّي في بيتي؟ النبي هو الرحيم الرفيق بأُمَّته، الذي ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ماذا قال لهذا الرجل الأعمى الذي ليس له قائدٌ يُلائمه؟ هل رخَّص له في ترك الصلاة في المسجد؟ قال له النبي : هل تسمعُ النداء بالصلاة؟، قال: نعم، قال: فأجب [7]، رواه مُسلمٌ. وجاء في رواية عند غير مُسلمٍ: فإني لا أجد لك رخصة [8]، وهذا صريحٌ في وجوب صلاة الجماعة في المسجد.

وجاء في "صحيح مسلمٍ" أيضًا، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: "مَن سَرَّه أن يلقى الله غدًا مُسلمًا، فليُحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سُنَن الهدى، وإنهن من سُنَن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المُتخلِّف في بيته لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم. وما من رَجُلٍ يتطهر فيُحسِن الطهور، ثم يَعْمَد إلى مسجدٍ من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيئةً". قال: "ولقد رأيتنا -يعني الصحابة - وما يتخلف عنها -أي: عن صلاة الجماعة في المسجد- إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصف" [9].

أي: أنه يكون الرجل من الصحابة مريضًا ومعذورًا في ترك الصلاة في المسجد، ومع ذلك يُصِرُّ على أن يُصلِّي في المسجد، فكان الرجل يُؤتَى به وهو مريضٌ، يُهادَى؛ أي: يمسكه رجلان من جانبيه يعضدان له عن يمينه وشماله، حتى يُقام في الصف، مع كونه إما كبيرًا في السن وإما مريضًا ونحو ذلك، ومع ذلك يُصِرُّ على أن يُصلِّي مع الجماعة في المسجد.

فعلى المسلم أن يرفع من مستوى اهتمامه بهذه العبادة وبهذه الشعيرة، فإنها عنوان الإيمان؛ مَن حافظ عليها وحفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع.

^1 رواه أبو داود: 4985، وأحمد: 23154.
^2 رواه مالك في الموطأ من رواية يحيى: 6.
^3 عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: "كان أصحاب محمد لا ‌يرون ‌شيئًا ‌من ‌الأعمال ‌تركُه كفرٌ غير الصلاة"، رواه الترمذي: 2622
^4 الاستذكار لابن عبد البر: (2/ 150).
^5 رواه مسلم: 82.
^6 رواه الترمذي: 2621، والنسائي: 463، وابن ماجه: 1079، وأحمد: 22937.
^7 رواه مسلم: 653.
^8 رواه أبو داود: 552 وابن ماجه: 792، وأحمد: 15490.
^9 رواه مسلم: 654.
مواد ذات صلة
  • وقفات مع قصة موسى عليه السلام

    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:...

  • فضل الصبر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع...

zh