logo
الرئيسية/كلمات قصيرة/فضل صلاة الوتر وأحكامها

فضل صلاة الوتر وأحكامها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع سُنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

حكم صلاة الوتر

فصلاة الوتر من السُّنن المؤكَّدة جدًّا، حتى إن بعض أهل العلم -وهم الحنفية- قالوا بوجوبها، وإن كان الراجح: هو ما عليه جماهير أهل العلم؛ من أنها غير واجبةٍ، وإنما هي مُستحبةٌ استحبابًا مؤكَّدًا[1]، وقد كان النبي يحافظ عليها ولا يدعها حتى في السفر، فكان يصليها سفرًا وحَضَرًا[2].

وجاء في حديث أبي هريرةَ ، في "صحيح البخاري"، قال: أوصاني خليلي بثلاثٍ، وذكر منها: وأن أوتر قبل أن أنام [3]. وجاء في حديث عليٍّ : إن الله وترٌ يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن [4].

وكان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يَدَعُ الوتر ويحافظ عليه محافظةً شديدةً، وكان إذا غلبه النوم أو كان به وجعٌ ولم يُصلِّ صلاة الوتر قضاها من النهار ثنتَيْ عشرةَ ركعةً؛ أي: شفعًا، وهذه هي السُّنة في حق من فاتته صلاة الوتر فلم يُصلِّها في الليل: أنه يقضيها من النهار شفعًا.

ولهذا ينبغي للمسلم أن يقتدي بالنبي ، وأن يحرص على صلاة الوتر وأقلها ركعة، ولا حَدَّ لأكثرها، ويقول النبي : صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ؛ صلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صلَّى [5]، لكن الغالب من هدي النبي أنه كان يُصلِّيها إحدى عشرةَ ركعةً.

وقت صلاة الوتر

وأفضل أوقاتها: الثلث الأخير من الليل، فإن هذا هو وقت النزول الإلهي، كما قال عليه الصلاة والسلام: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخِرُ، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ [6]، سبحان الله! كل ليلةٍ من الليالي ينادى الرب العظيم، الذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن، فيكون، الغنيُّ عن عباده، يُنادي عباده بهذا النداء: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأُعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟، حتى يطلع الفجر والرب يُنادي عباده بهذا النداء؛ ولهذا إن تيسَّر أن تكون صلاة الليل وختمها بالوتر في هذا الوقت الفاضل؛ كان هذا هو الأفضل.

وإذا أتى بصلاة الليل وختمها بالوتر، فينبغي له أن يُكثِر من الاستغفار، فإن الله أثنى على المستغفرين بالأسحار، فقال: وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]، وقال: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17]، فإن لم يتيسَّر له أن يقوم من آخر الليل فيُصلِّيها قبل أن ينام، وهذا هو الذي أوصى به النبي أبا هريرةَ  قال: أوصاني خليلي بثلاثٍ، وذكر منها: أن أُوتر قبل أن أرقد [7]؛ وذلك لأن أبا هريرةَ كان يسهر؛ لأنه كان ينشغل بتعاهُد ما حفظه من أحاديثَ من النبي ، فكان يخشى ألا يستيقظ من آخر الليل، فيُوتر قبل أن يرقد.

فإن لم يتيسَّر هذا ولا ذاك، فلا أقلَّ من أن يُصلِّي صلاة الوتر بعد صلاة العشاء، بعدما يُصلِّي صلاة العشاء، ثم يأتي بالسُّنة الراتبة، يُصلِّي صلاة الوتر بعدها.

فهي -إذن- على ثلاث درجاتٍ:

  • الدرجة الأكمل والأفضل: أن تكون في الثلث الأخير من الليل.
  • يليها في الأفضلية: أن تكون قبل أن ينام.
  • يليها: أن تكون بعد صلاة العشاء.

لكن ينبغي أن يحرص المسلم عليها، وأن يحافظ عليها، وأن يقتدي بالنبي في ذلك. وقد كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليها محافظةً شديدةً، ولا يدعها سفرًا ولا حَضَرًا، على الأقل ركعةً واحدةً؛ يعني: أقل الوتر ركعةٌ واحدةٌ، الحد الأدنى: أن يوتر بركعةٍ واحدةٍ، وإن زاد فهو الأفضل؛ إن جعلها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا أو إحدى عشرة، أو حتى أكثر من ذلك، فهذا هو الأكمل والأفضل. لكن على الأقل، ينبغي للمسلم أن يُوتر، ولا أقلَّ من أن يُوتر بركعةٍ واحدةٍ.

الأسئلة

س: بارك الله فيكم، إذا كان في السفر؛ هل يُصلِّي الوتر؟

ج: نعم، إذا كان في السفر يُشرَع له أن يُصلِّي الوتر، فالنبي كان يحافظ على صلاة الوتر وعلى ركعتَي الفجر في السفر، كان لا يدعها في السفر[8].

س: وإذا فاتت فضيلة الشيخ، يعني: انشغل أو كذا، لم يستطع أن يُصلِّي الوتر؛ هل يقضيها مثلًا مع صلاة الفجر؟

ج: إذا كان استيقظ لصلاة الفجر فيُصلِّي، يُوتِر، يُصلِّيها وترًا أداءً وليس قضاءً. وقد سُئل الإمام أحمد عمَّن يُصلِّي صلاة الوتر بعد طلوع الفجر، فقال: "لا بأسَ، يصليها ما لم تُصَلَّ الغداة، ما أقل ما اختلف فيه الناس"[9]. وقد وردت الرخصة عن عدد من الصحابة : أنهم كانوا يُصلُّون صلاة الوتر بعد طلوع الفجر، فنقل ابن عبدالبر عن تسعة من الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، ولم يُعرَف لهم مخالفٌ[10]، لكن إذا ما تيسَّر له هذا، مثلًا: لم يستيقظ إلا في وقت متأخر وفاتته صلاة الوتر، فإنه يقضيها من النهار، يعني: من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمحٍ، يقضيها شفعًا، فإن كان من عادته أنه يُوتِر بثلاثٍ يُصلي أربعًا، ركعتين ركعتين، وإن كان من عادته أنه يُوتِر بإحدى عشرة يجعلها ثنتي عشرة، يقضيها من النهار شفعًا.

س: هل القنوت في صلاة الوتر واجب فضيلة الشيخ؟

ج: القنوت مُستحبٌّ، يكون في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع، لكنه ليس واجبًا، وإنما هو مستحب؛ بل قال أهل العلم: إنه ينبغي ألا يداوم عليه، ويأتي به أحيانًا ويتركه أحيانًا؛ لأن من صلى مع النبي صلاة الليل لم ينقلوا أنه كان يَقنُت، صلى معه حذيفةُ وابنُ عباسٍ وابنُ مسعودٍ ، ولم ينقلوا أنه كان يَقنُت، وقد نقلوا دقائقَ وأمورًا أقلَّ من هذا، فلو كان عليه الصلاة والسلام قَنَتَ لنقله هؤلاء الصحابة؛ لكن جاء في حديث الحسن  أن النبي علَّمه أن يقول في دعائه في القنوت: اللهم اهدني فيمن هديت... إلخ [11]، وهذا يدل على مشروعية دعاء القنوت، لكن ينبغي ألا يحافظ عليه، وأن يتركه أحيانًا.

^1 يُنظر: بدائع الصنائع للكاساني: (1/ 91).
^2 عن ابن عمر قال: «كان رسول الله يوتر على راحلته» رواه مسلم: 700.
^3 رواه البخاري: 1981، ومسلم: 721.
^4 رواه أبو داود: 1416، والترمذي: 453، والنسائي: 440، وابن ماجه: 1169، وأحمد: 1225.
^5 رواه البخاري: 990، ومسلم: 749.
^6 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.
^7 سبق تخريجه.
^8 عن ابن عمر قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجَّهت به، يومئ إيماءً، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته" رواه البخاري: 1000.
^9 يُنظر: المغني لابن قدامة: (2/ 529).
^10 يُنظر: الاستذكار لابن عبد البر: (2/ 122).
^11 رواه الترمذي: 468، وأبو داود: 1425، والنسائي: 1745، وأحمد: 1718.
مواد ذات صلة
  • وقفات مع قصة موسى عليه السلام

    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:...

  • فضل الصبر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع...

zh