logo
الرئيسية/كلمات قصيرة/وقفات مع حديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"

وقفات مع حديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.

فقد جاء في "الصحيحين"، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي  قال: أَحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ [1]، وتأمَّلوا -أيها الإخوة- هذا الحديث العظيم: أَحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ، أي: ما كان دائمًا مُستمرًّا عليه صاحبه.

فوائد المداومة على العمل وإن كان قليلًا

بعض الناس يتحمس ويعمل أعمالًا كثيرةً ثم ينقطع، وخيرٌ من هذا أن تعمل أعمالًا قليلةً لكن تُحافظ عليها، وتستمر عليها، وتداوم عليها، وهذا بعد المحافظة على الفرائض، فتحافظ أولًا على الفرائض، ثم تختار لك نوافلَ، لكن تداوم عليها وتحافظ عليها، وتستفيد بهذا فوائدَ كثيرةً؛ منها:

  • الفائدة الأولى: أن القليل مع القليل يكون كثيرًا، فتصوَّر مثلًا أنك قرَّرت أن تحافظ على ركعتَي الضحى كل يومٍ؛ فمعنى ذلك: أنك مع نهاية السنة تكون قد صلَّيت أكثر من سبعمائة ركعةٍ. ولو أنك حافظت على السُّنن الرواتب في اليوم والليلة اثنتَي عشرةَ ركعةً؛ فمعنى ذلك: أنك في نهاية السنة تكون قد صلَّيت أكثر من أربعة آلاف ركعةٍ. ولو أنك حافظت على صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ؛ فمعنى ذلك: أنك في نهاية السنة تكون قد صُمت شهرًا كاملًا، فالقليل مع القليل يكون كثيرًا.
  • الفائدة الثانية للمداومة والمحافظة على العمل الصالح: هي أنه لو عرَضَ لك عارِضٌ، من مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك؛ فإنه يُكتَب لك أجر العمل كاملًا، وإن لم تعمل[2].
    مثال ذلك: لو كنت تحافظ على صيام أيام البيض مثلًا، وعَرَض لك في ذلك الشهر عارِضٌ، فلم تستطع لسفرٍ أو مرضٍ أو غير ذلك؛ فيُكتب لك الأجر كاملًا، وهذا لا يُكتب لغير المداوِم والمحافِظ على العمل الصالح.
  • الفائدة الثالثة: أن هذا العمل محبوبٌ إلى الله تعالى، فالله تعالى يحب هذا النوع من العمل الذي يستمر ويُداوم عليه صاحبه؛ ولهذا ينبغي لك -أخي المسلم- أن تحرص على هذا المعنى، وأن تجعل لك نوافلَ تُداوم وتُحافظ عليها.

اسأل نفسك: ما هي النوافل التي تحافظ عليها الآن؟ بعض الناس يتحمس ثم ينقطع، تارةً يعمل أعمالًا كثيرةً وتأتيه نوبةُ حماسٍ، ثم ينقطع بعد ذلك، وربما لا يأتي إلا بالفرائض، وربما أخَلَّ بالفرائض، وهذا خللٌ. ينبغي أن تكون لك نوافلُ تُحافظ عليها كأنها فرائضُ، فإنك تنال هذه الفوائد التي ذكرنا.

وهذا التعبُّد -الذي هو هذا النوع من العبادة- هو الذي يُحبه الله تعالى؛ ولهذا تأمَّلوا هذا الحديث: أَحبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ [3]، يعني: وإن كان قليلًا.

على سبيل المثال: متى كان آخر عهدك بالمصحف؟ بعض الناس ربما يأتي يومٌ يقرأ فيه جزءًا أو أجزاءً، ثم ينقطع، والذي ينبغي: أن تجعل لك قَدْرًا تُحافظ عليه، ولا بأسَ أن تزيد، لكن تُحافظ عليه؛ يعني: هو الحد الأدنى، كل يومٍ تجعل لك قَدْرًا مُعيَّنًا تُحافظ عليه مهما كان عندك من أشغالٍ، ومهما كان عندك من عوارضَ تُحافظ على هذا القَدْر، فتقول مثلًا: جزءٌ من القرآن لا بُدَّ أن أقرأه كلَّ يومٍ، وربما أزيد أحيانًا، لكن هذا هو الحد الأدنى، لا بُدَّ أن أُحافظ عليه؛ فتنال هذه الأجور العظيمة:

  • أولًا: أن هذا نوعٌ محبوبٌ إلى الله تعالى.
  • ثانيًا: أنه لو عَرَضَ لك عارِضٌ، يُكتَب لك الأجر كاملًا، وهذا فضلٌ عظيمٌ لا يحصل لمن لم تكن له مُداومةٌ على العمل الصالح.

فاحرصوا -أيها الإخوة- على الاستمرار وعلى المُداومة على العمل الصالح، ولْيَحرِص المسلم على تنظيم وترتيب وقته.

الحرص على تنظيم الوقت وترتيبه

أقول هذا ونحن في ابتداء هذا العام الهجري: احرص على أن تكون مُرتَّبًا في وقتك، فبعض الناس يجعل أمور دينه على الهامش، إن وجد فراغًا قرأ القرآن، وربما تمضي عليه أيامٌ ما قرأ فيها شيئًا من كتاب الله ، فينبغي أن ترفع مستوى الاهتمام بأمور الدين وأمور العبادة وتجعلها في المقدمة، وأن يكون هناك ترتيبٌ للأولويات، وإلا فإنَّ مَن أخَلَّ بترتيب الأولويات فالله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

لاحِظْ أن هؤلاء قدَّموا أموالهم وأولادهم على ذِكر الله؛ فكانت النتيجة هي الخسارة، وكان الواجب أن يُقدِّموا ذِكر الله تعالى على أموالهم وأولادهم، وأن يُقدِّموا طاعة الله على أموالهم وأولادهم؛ فلما أخَلُّوا بهذا الترتيب وبهذه الأولويات كانت النتيجة الخسارة؛ ولهذا قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.

فينبغي لك -أخي المسلم- أن تحرص على هذه المعاني، وأن تكون لك عنايةٌ بترتيب وقتك وتنظيمه، وحرصٌ على أمور دينك، وحرصٌ على ألا يَمُرَّ عليك يومٌ إلا وقد ازددت فيه عملًا صالحًا.

وقد كان ابن مسعودٍ إذا غربت عليه الشمس قال: "هذا يومٌ قد غربت شمسُه، نقص فيه عمري، واقترب به أجلي، ولم يزدد به عملي".

أسأل الله تعالى أن يستعمل الجميع في طاعته، وأن يُوفِّق الجميع لما يُحبُّ ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

^1 رواه البخاري: 6464، ومسلم: 2818.
^2 قال رسول الله : إذا ‌مَرِضَ العبد أو ‌سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا رواه البخاري: 2996.
^3 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة
  • وقفات مع قصة موسى عليه السلام

    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:...

  • فضل الصبر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع...

zh