الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
الأذكار حصن للمسلم من الشرور والآفات
فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا مُعرَّضٌ لشرورٍ كثيرةٍ؛ من شرورٍ من شياطين الإنس، ومن شياطين الجن، وشرورٍ من السِّحْر، ومن العَيْن، ومن الهوامِّ، ومن الجانِّ، ومن غير ذلك.
ومِن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم حصنًا حصينًا، يتحصَّن به المسلم من هذه الشرور، وهو: ذِكْرُ الله ، وخاصةً أذكار الصباح والمساء، فهي تُحصِّن المسلم من الشرور والآفات، وهذا التحصين يجد المسلم أَثَرَه عليه في حياته؛ فعلى سبيل المثال: مَن نزل منزلًا فقال: "أعوذ بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق"؛ لم يَضُرَّه شيءٌ. قال أبو العباس القُرْطُبِيُّ رحمه الله: "كنت مُلتزِمًا هذا الذكر فلم يُصِبْني شيءٌ، ونسيتُه ليلةً فلدغتني عقربٌ"[1]، وهذا يدل على أثر هذه الأذكار في التحصين.
وكذلك أيضًا بقية الأذكار، أذكار الصباح والمساء؛ فمثلًا: سورتا الفلق والناس (المُعَوَّذتان)، كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "قد تضمَّنتا الاستعاذة بالله من جميع الشرور في الدنيا"[2]، أيُّ شَرٍّ في الدنيا يخطر ببالك قد تضمَّنت هاتان السورتان التعوُّذ بالله منه؛ ولذلك يُشرَع قراءتهما دُبَرَ كل صلاةٍ، وتكرار قراءة هاتين السورتين مع سورة الإخلاص بعد الفجر والمغرب ثلاثَ مراتٍ، وقراءة هذه السور الثلاث ثلاثَ مراتٍ قبل النوم، وهكذا بالنسبة لبقية الأذكار.
فإذا تحصَّن المسلم بها، فإنها -بإذن الله تعالى- تكون سببًا في تحصينه من الشرور؛ في تحصينه من السِّحْر، وفي تحصينه من العَيْن، وفي تحصينه من المَسِّ، وفي تحصينه من الهوامِّ، وفي تحصينه من جميع الشرور التي في الدنيا؛ ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على أن يحافظ على هذه الأذكار.
هذا مع ما يُحصِّله المسلم من الأجر العظيم والثواب الجزيل بالإتيان بهذه الأذكار، ومع ما يَجِدُه من انشراح الصدر وطمأنينة القلب، كما قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، ومع ما يُحصِّله من معية الله سبحانه، كما قال النبي : يقول الله : أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حين يَذْكُرُني؛ إن ذَكَرَني في نفسه ذَكَرْتُه في نفسي، وإن ذَكَرَني في ملإٍ ذَكَرْتُه في ملإٍ خيرٍ منهم [3].
وأيضًا: أذكار الصباح والمساء تُحصِّن المسلم من الشيطان، تكون حِرْزًا له من الشيطان، ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين"، عن أبي هريرةَ ، أن رسول الله قال: مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مرةٍ؛ كانت له عدلَ عشرِ رقابٍ، وكُتبتْ له مائةٌ حسنةٍ، ومُحيتْ عنه مائةُ سيئةٍ، وكانت حِرْزًا له من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أَحَدٌ عَمِلَ أكثر من ذلك [4].
وأذكار الصباح تبتدئ بطلوع الفجر، تبتدئ من حين ابتداء الصبح -وهو طلوع الفجر- وتمتد إلى نهاية وقت صلاة الضحى؛ أي: قُبيل الزوال، فهذا كله وقتٌ لأذكار الصباح، والأفضل أن يُؤتَى بها في أول الصباح. ومن الأوقات المناسبة: بعد صلاة الفجر، أو ما بين الأذان والإقامة لصلاة الفجر. وأما أذكار المساء: فتبتدئ من بعد صلاة العصر، وتمتد إلى منتصف الليل.
ما هي أذكار الصباح والمساء؟
وأما أذكار الصباح والمساء؛ ما هي؟
صُنِّفَ في ذلك مُصنَّفات، ولكن بعض هذه المُصنَّفات لا يخلو من أحاديثَ ضعيفةٍ، وأحسن ما صُنِّفَ في ذلك: كتاب شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله "تحفة الأخيار"، فهذا كُتيِّبٌ صغيرٌ في حجمه، لكنه عظيمٌ في فائدته، وقد اشترط الشيخ على نفسه ألا يَذْكُرَ فيه إلا أحاديثَ محفوظةً عن النبي ، سمَّاه "تحفة الأخيار ببيان جُملةٍ نافعةٍ مما وَرَدَ في الكتاب والسُّنَّة من الأدعية والأذكار"، وذكر فيه جملةً من أذكار الصباح وأذكار المساء وأذكار النوم، فأنصح بحفظ هذه الأذكار الواردة في هذا الكُتيِّب.
ومن ذلك أذكار الصباح:
أولًا: قراءة آية الكرسيِّ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ... [البقرة:255] إلى آخر الآية، الآية رقم (255) من سورة البقرة، فإنها أعظم آيةٍ في القرآن، وكذلك قراءة سورة الإخلاص والمُعَوَّذتين وتكرارها ثلاثَ مراتٍ.
وكذلك الإتيان بالذِّكْرِ الذي أشرتُ إليه قبل قليل: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ" مائةَ مرةٍ، وقول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة، وكذلك: أصبحنا وأصبح المُلْك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له المُلْك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ [5].
أيضًا: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور [6].
وأيضًا: سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. مَن قاله من النهار موقنًا به فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومن قاله من الليل وهو موقنٌ به فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة [7]، كما جاء في "صحيح البخاري".
كذلك: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ [8].
أيضًا: بسم الله الذي لا يَضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ويُكرِّره ثلاثَ مراتٍ [9].
وكذلك: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه [10].
أيضًا: أعوذ بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق، يُكرِّره ثلاثَ مراتٍ [11].
وأيضًا: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، وفي المساء يقول: اللهم ما أمسى... [12]
وكذلك: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي [13]، إلى غير ذلك مما وَرَدَ من أذكار الصباح والمساء.
ويمكن إذا كان الإنسان لا يحفظها أن يبتدئ أولًا بقراءتها من كُتَيِّبٍ من كُتبِ أذكار الصباح والمساء، ثم مع مرور الوقت سيحفظها.
فهذه هي أذكار الصباح والمساء، تُحصِّن صاحبها بإذن الله . ولا بأس أيضًا أن يُحصِّن المسلمُ أولاده، فيقول: "أُعيذ أولادي بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق"، أو: "أُعيذ أولادي بكلمات الله التامَّة، من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّة"، فقد كان النبي يُعوِّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بذلك، يقول: أعيذكما بكلمات الله التامَّة، من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّة [14].
هذه أذكار الصباح والمساء، وهناك أذكارٌ تُقال بعد غروب الشمس، منها قراءة آخر آيتين من سورة البقرة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ... [البقرة:285] إلى آخر الآية، ولَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا... [البقرة:286] إلى آخر الآية، هذه كما يقول عليه الصلاة والسلام: مَن قرأهما في ليلةٍ كَفَتَاه [15]، يعني: كَفَتَاهُ من الشرور. فهذه تُقال بعد صلاة المغرب.
والحاصل: أن هذه الأذكار نعمةٌ عظيمةٌ من الله على عباده، يَتحصَّنون بها من الشرور والآفات، ويَكْسِبون بها أجرًا وثوابًا، ويَتقرَّبون بها إلى ربهم جلَّ وعلا.
^1 | المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس القرطبي: (7/ 36). |
---|---|
^2 | يُنظر: بدائع الفوائد لابن القيم: (2/ 710). |
^3 | رواه البخاري: 7405، ومسلم: 2675. |
^4 | رواه البخاري: 3293، ومسلم: 2691. |
^5 | رواه مسلم: 2723. |
^6 | رواه أبو داود: 5068، والترمذي: 3391، وابن ماجه: 3868، والنسائي: 10323، وأحمد: 10763. |
^7 | رواه البخاري: 6306. |
^8 | رواه مسلم: 770. |
^9 | رواه أبو داود: 5088، والترمذي: 3388، والنسائي: 10107، وابن ماجه: 3869، وأحمد: 446. |
^10 | رواه أبو داود: 5067، والترمذي: 3392، والنسائي: 7644، وأحمد: 51. |
^11 | رواه مسلم: 2708. |
^12 | رواه أبو داود: 5073، والنسائي: 9750. |
^13 | رواه أبو داود: 5074، والنسائي: 10325، وابن ماجه: 3871، وأحمد: 4785. |
^14 | رواه البخاري: 3371. |
^15 | رواه البخاري: 4008، ومسلم: 807. |