logo
الرئيسية/كلمات قصيرة/فضل صلاة الفجر والأسباب المعينة على المحافظة عليها

فضل صلاة الفجر والأسباب المعينة على المحافظة عليها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع سُنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فضل صلاة الفجر

فإن صلاة الفجر صلاةٌ مشهودةٌ، كما قال ربنا سبحانه: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، والمراد بـ قُرْآنَ الْفَجْرِ كما قال المفسرون: صلاة الفجر، فقوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ أي: وصلاة الفجر، وقوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا أي: إن صلاة الفجر كانت مشهودةً. وسُمِّيت صلاةُ الفجر "قرآنًا"؛ لأنه يُشْرَع تطويل قراءة القرآن فيها.

ومعنى قوله: مَشْهُودًا أي: تشهدها الملائكة، وذلك أن كل إنسان قد وُكِّلَ به ملائكةٌ كَتَبةٌ، وملائكةٌ حَفَظةٌ؛ أما الكَتَبة: فكما قال ربنا سبحانه: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ۝ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18]، فهُما مَلَكان: أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شِماله يكتب السيئات.

وأما الحفظة: فهُما حافظان، أمامه وخلفه، كما قال ربنا سبحانه: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي: أمامه، وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] أي: يحفظونه بأمر الله من المكروه. قال عليٌّ : "وُكِّلَ بكل إنسانٍ مَلَكانِ يَحفظانِه من كلِّ مكروهٍ، فإذا جاء القَدَرُ خَلَّيَا بينه وبينه"[1].

وعلى هذا؛ فالموكَّل بالإنسان أربعةٌ من الملائكة: اثنان كاتبان، واثنان حافظان. وهؤلاء الأربعة من الملائكة يبقون من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، ثم يَعْقُبهم أربعةٌ آخرون: اثنان كاتبان، واثنان حافظان، من صلاة العصر إلى صلاة الفجر، كما قال عليه الصلاة والسلام: يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعرُج الذين باتوا فيهم، فيسألهم ربُّهم -وهو أعلم بهم- كيف وجدتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون، وأتيناهم وهم يُصلُّون [2].

تجتمع هذه الملائكة الثمانية في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثيرٍ في تفسيره، وغيرُه من أهل العلم: تجتمع هذه الملائكة في هاتين الصلاتين، وهما أفضل الصلوات الخمس. أما صلاة العصر: فهي الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات، والتي خصَّها الله تعالى بالذكر في قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، والصلاة الوسطى: هي صلاة العصر، تليها في الأفضلية والآكدية صلاة الفجر، فهي تجتمع فيها الملائكة، وهي صلاةٌ مشهودةٌ، كما أخبر بذلك ربنا .

ومن فضائل صلاة الفجر: ما جاء في "صحيح مسلم": أن النبي قال: من صلَّى الصبح فهو في ذِمَّة الله، فلا يَطلُبنَّكم الله من ذِمَّته بشيءٍ؛ فإنه مَن يَطلُبْه من ذِمَّته بشيءٍ يُدركْه، ثُمَّ يَكُبَّه على وجهه في نار جهنم [3].

ومعنى قوله: من صلَّى الصبح فهو في ذِمَّة الله، أي: من صلَّى الصبح كما أمره الله ، الرجل يُصلِّيها مع جماعة المسلمين في المسجد، والمرأة تُصلِّيها في وقتها؛ فإنه يكون في ذمة الله، أي: في حفظ الله تعالى وعهده وضمانه؛ ولهذا قال: فلا يَطلُبنَّكم الله من ذِمَّته بشيءٍ؛ فإنه مَن يَطلُبْه من ذِمَّته بشيءٍ يُدركْه، ثُمَّ يَكُبَّه على وجهه في نار جهنم، أي: أنه ينبغي ألا يُتعرَّض لهذا الذي قد صلَّى صلاة الفجر؛ لأنه إنسانٌ صادقٌ مع الله ، فهذا معنى قوله: فلا يطلبنَّكم الله من ذِمَّته بشيءٍ، ومن يَتعرَّض له يشمله الوعيد، فلا يَطلُبنَّكم الله من ذِمَّته بشيءٍ؛ فإنه مَن يَطلُبْه من ذِمَّته بشيءٍ يُدركْه، ثُمَّ يَكُبَّه على وجهه في نار جهنم.

لماذا خُصَّت صلاة الفجر بهذا الفضل؟

والسؤال: لماذا خُصَّت صلاة الفجر بهذا الفضل؟ ولماذا قال النبي : من صلَّى الصبح فهو في ذِمَّة الله، ولم يقل: "صلَّى الظهر أو صلَّى العصر أو صلَّى المغرب أو صلَّى العشاء"؟

والجواب عن هذا السؤال: أن صلاة الفجر لا يُحافِظ عليها إلا الصادق مع الله ، لا يُحافِظ عليها إلا مؤمنٌ قويُّ الإيمان، وهذا المؤمن قويُّ الإيمان الصادق مع ربه يحفظه الله سبحانه إذا صلَّى صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، فإن الله يتولاه بحفظه وعهده وضمانه؛ ولهذا قال: من صلَّى الصبح فهو في ذِمَّة الله [4].

ولذلك تجد هذا في واقع المجتمع؛ تجد المحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة من أكثر الناس تديُّنًا واستقامةً وحرصًا وحفظًا لأمور دينه، فصلاة الفجر هي المعيار، إذا أردت أن تختبر مستوى إيمانك؛ فانظر لحالك مع صلاة الفجر: فإن وجدت نفسك محافظًا على صلاة الفجر؛ فهذا دليلٌ على قوة إيمانك وصدقك مع الله ​​​​​​​، أما إذا وجدت نفسك مفرِّطًا في صلاة الفجر، تارةً لا تُصلِّيها إلا بعد خروج وقتها بعد طلوع الشمس، وتارةً تفوتك ولا تُصلِّيها مع الجماعة في المسجد، وتجد ثقلًا وكسلًا وتردُّدًا؛ فهذا قد يكون مؤشرًا على ضعف الإيمان.

فصلاة الفجر هي المحك، وهي التي يُختبر بها إيمان الإنسان، فصلاة الفجر من أعظم وأجَلِّ الصلوات، وقد جعلها النبي فارقةً بين المؤمنين والمنافقين، فقال: إن أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاةُ الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوْهما ولو حَبْوًا [5]؛ وذلك لأن المنافقين كانوا يُراؤون بصلاتهم فيأتون للصلوات النهارية، ولم يكن في ذلك الوقت كهرباء، فحتى يراهم الناس كانوا يأتون للصلوات النهارية: صلاة الظهر والعصر والمغرب -وإن كانت المغرب في أول الليل-، أما صلاة العشاء وصلاة الفجر فكانوا لا يُصلُّونها. ثم إن صلاة الفجر ثقيلةٌ، ولا يتجاوز هذا الثقل ويقوم وينهض ويُصلِّي مع جماعة المسلمين في المسجد إلا من كان إيمانه قويًّا ويرجو ما عند الله .

أبرز الأسباب المُعِينة على المحافظة عليها

وأبرز الأسباب المُعِينة على المحافظة على صلاة الفجر، والذي تتفرَّع عنه باقي الأسباب: هو الاهتمام؛ الاهتمام بهذه العبادة، والاهتمام بأداء هذه الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد. فإذا كان مستوى الاهتمام بها قويًّا وكبيرًا؛ فإن المسلم سيجد من الوسائل ما يُعِينه على المحافظة عليها وعلى أدائها مع جماعة المسلمين في المسجد.

ونجد في الواقع أن مَن اهتمَّ بشيءٍ فإنه لا يتأخَّر عنه ولا يتخلَّف عنه؛ ولهذا نجد أن الطالب الذي عنده اختبارٌ يأتي في الوقت المحدَّد ولا يتخلَّف إلا لعذرٍ قاهرٍ. وهكذا من كان عنده موعدُ سفرٍ، يأتي إلى المطار قبل موعد الإقلاع بوقتٍ كافٍ ويحتاط للعوارض، ولا يعتذر بثقل النوم، ولا يعتذر بالكسل، ولا يعتذر بغير ذلك من الأعذار. وهكذا لو كان للإنسان مصلحةٌ كبيرةٌ في أمرٍ من الأمور هو مهتمٌّ به كثيرًا، تجد أنه ينهض من فراشه ويقوم لذلك الأمر، ولا يجد كسلًا ولا ثقلًا ولا تردُّدًا؛ لأن مستوى الاهتمام كبيرٌ. فالذي عنده اهتمامٌ كبيرٌ بصلاة الفجر؛ لن تفوته صلاة الفجر، ولا غيرها من الصلوات.

فالمسألة -إذن- هي مسألةُ اهتمامٍ، فمن كان مستوى الاهتمام عنده كبيرًا؛ فلن تفوته هذه الصلاة ولا غيرها؛ ولهذا قال ربنا سبحانه: وَإِنَّهَا يعني: الصلاة لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، فالخاشعون الذين يرجون ما عند الله ، وقد جعلوا الصلاة أكبرَ اهتماماتهم وجعلوها أولَ أمورهم، يعني: لم يجعلوها على الهامش، إنما جعلوها أمرًا أساسيًّا في حياتهم، وجعلوها أكبرَ اهتماماتهم؛ هؤلاء لن تكون الصلاة ثقيلةً عليهم.

وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، لكن الذي يجعل الصلاة آخرَ اهتماماته ويجعلها على الهامش، إن وجد وقتًا صلَّى، وإن كان الظرف مناسبًا صلَّى، وإلا فإنه ربما لا يُصلِّيها إلا بعد خروج وقتها، أو يُصلِّيها في البيت ولا يُصلِّيها مع الجماعة في المسجد، وإذا صلَّاها صلَّاها بغير خشوعٍ وبغير حضورِ قلبٍ؛ فهذا كله بسبب قلة الاهتمام بها؛ لأنه جعل الصلاة أمرًا هامشيًّا وليست أمرًا أساسيًّا في حياته، وليس عنده كبيرُ اهتمامٍ بها.

ولهذا؛ فمن أراد أن يُحافِظ على الصلوات الخمس مع الجماعة في المسجد -صلاة الفجر أو غيرها-؛ فعليه أن يرفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة، ويرفع مستوى الاهتمام بهذه الصلاة، فلن تفوته صلاةٌ أبدًا؛ لأن الإنسان إذا اهتمَّ بالشيء سعى إلى تحقيقه.

وأيضًا مَن كان مهتمًّا سيجد من الوسائل ما يُعينه؛ مِن وضع المُنبِّه، ومن طلبٍ من بعض أهل البيت إيقاظه، ونحو ذلك. مَن كان مهتمًّا، نقول: افترِض أن موعدَ الصلاة موعدٌ ضروريٌّ لك؛ مثلًا: موعدُ ذهابٍ لرحلةٍ، ستذهب للمطار، وتعلم بأنك لو تأخَّرت فاتتك الطائرة أو أقلعت الطائرة، فاجعل الصلاة هكذا أو أشدَّ، وبذلك لن تفوتك الصلاة، وستكون محافظًا عليها، فالمسألة -إذن- هي مسألةُ اهتمامٍ.

والله تعالى ذَكَرَ شأن الصلاة في كتابه الكريم وعظَّم من شأنها، قال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2]، ثم بعد ذلك ذَكَرَ أوصافًا للمؤمنين، ثم ختمها: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9].

وأيضًا في سورة المعارج، قال سبحانه: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:19- 23]، ثم ذَكَرَ أوصافًا لهؤلاء المتقين، ثم ختمها بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34].

فهذا يدلُّ على عظيم الاهتمام بشأن هذه العبادة، التي هي عمود دين الإسلام، وقد كَتَبَ عُمرُ إلى وُلاته: "إن أهمَّ أموركم عندي الصلاة، فمَن حَفِظَها فقد حَفِظَ دينَه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضْيَعُ"[6].

^1 مصنف عبد الرزاق: 21163.
^2 رواه البخاري: 555، ومسلم: 632.
^3 رواه مسلم: 657.
^4 سبق تخريجه.
^5 رواه الب  خاري: 657، ومسلم: 651.
^6 مصنف عبد الرزاق: 2105.
مواد ذات صلة
  • وقفات مع قصة موسى عليه السلام

    الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:...

  • فضل الصبر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتبع...

zh