عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي هذا الدرس معنا ثلاث مسائل في كتاب الحج سوف نتناولها إن شاء الله، وفي نهاية هذا الدرس نكون قد انتهينا من النوازل في العبادات، والأسبوع القادم سوف يكون إن شاء الله النوازل في غير العبادات.
المنهج العلمي في دراسة النوازل
والمسائل التي بين أيدينا قبل أن ندخل فيها ونتكلم عنها أحب أن أنبه إلى بعض الأمور، وذلك بعد الاطلاع على الأسئلة الواردة من بعض الإخوة، فبعض الإخوة يستشكل إيراد بعض المسائل كيف تعتبر نازلة مع أنها ليست مسائل مستجدة؟
ونحن قد بينا في أول الدروس في أول درس بينا المنهج الذي نسير عليه، وقلنا: إننا سوف نذكر إن شاء الله المسائل المستجدة، والمسائل غير المستجدة لكن طرأ عليها أمر مستجد يتغير به الحكم، فنحن قلنا: هذا هو المنهج الذي نسير عليه.
وهذا هو المنهج الذي يسار عليه عندنا في الدراسات العليا في قسم الفقه في كلية الشريعة، فعندنا سلسلة في قسم في فقه النوازل في عدد من الأبواب الفقهية، فهذا هو المنهج الذي يسار عليه في الدراسات العليا هو ما ذكرت لكم من ذكر المسائل المستجدة، أو المسائل غير المستجدة، لكن طرأ عليها أمر مستجد يتغير به الحكم.
فعلى سبيل المثال: مسألة إجزاء الشعير في زكاة الفطر في الوقت الحاضر عند من لم يعتبره قوتًا، هذا وإن كانت المسألة ليست مستجدة، لكن طرأ على هذا الأمر مستجد، هو أن كثيرًا من البلدان أصبح الشعير ليس قوتًا عندهم، وإنما هو علف للبهائم، فهنا يتغير الحكم عند هؤلاء الذين لم يعد الشعير قوتًا لهم.
الأمر الآخر: أن بعض الإخوة يرى أن بعض المسائل التي تطرح ليست لها كبير أهمية، وغيرها أهم منها، وأقول: إن الإخوة الموجودين هنا في هذا المسجد والذين يتابعوننا عن طريق الإنترنت من بيئات شتى، وربما بعض الإخوة باعتبار بيئته يرى عدم أهمية هذه المسألة، لكنها تكون مهمة لآخرين.
فلذلك نقول: يعني لبعض الإخوة، وإن لم تكن هذه المسألة مهمة بالنسبة لك، فإنها تهم غيرك من إخوانك المسلمين.
المسائل التي بين أيدينا:
- المسألة الأولى: اتصال المسعى بالمسجد الحرام، وأثر ذلك في الأحكام الشرعية.
- المسألة الثانية: اتصال منى بمكة، وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى.
- الأمر الثالث: مقطوع الألية في الهدي والأضحية والعقيقة، مقطوع الألية هل يجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة، أم لا؟
المسألة الأولى: اتصال المسعى بالمسجد الحرام
هذه هي المسائل الثلاث التي سوف نتناولها إن شاء الله، نبدأ بالمسألة الأولى: وهي اتصال المسعى بالمسجد الحرام:
نقول: إن المسعى هو عَلم على المكان الذي تؤدى فيه شعيرة السعي، ابتداء من جبل الصفا، وانتهاء بجبل المروة، ولم يكن المسعى عبر التاريخ الإسلامي جزءً من المسجد الحرام، ولا متصلًا به، بل كان منفصلًا عنه تمامًا، وما بين الحائط الشرقي للمسجد الحرام والمسعى، يعني: ما بين المسعى والمسجد الحرام، أقيمت المساكن التي نمت وزادت على مر السنين.
وأنشئت بينهما، أعني: بين المسعى والمسجد الحرام، أنشئت الأسواق والمدارس والمنازل، ومن أشهر الأسواق التي كانت بين الحرم والمسعى: سوق الكتيبة، كان هذا سوقًا بين المسعى والمسجد الحرام، يسمى سوق الكتيبة، وأطلق عليهم بعضهم اسم سوق الوراقين.
ومن المدارس التي كانت بين المسجد الحرام والمسعى من أشهرها: مدرسة الشعرابي، والمسعى نفسه إلى جانب أنه مشعر كان في فترة مضت كان سوقًا كبيرة تمتد على جانبيه الدكاكين والمتاجر والمساكن، وكانت السيارات تسير في بطن الوادي، ومن قبل السيارات البهائم والدواب.
بل كان في نفس المسعى كان يختلط الساعون بالمتسوقين، وهذا أمر معلوم لدى كبار السن، وقد وصف هذا بعض المؤرخين، ومن المؤرخين الذين وصفوا ذلك: “محمد طه الكردي” في كتابه: “التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم”، ومما ذكر في هذا الكتاب، قال: “وقفت ساحة المسجد الحرام عند الحد الذي بلغته بعد عمارة السلطان مراد خان عام تسعمائة وأربع وثمانين للهجرة، ولكن البناء حوله لم يتوقف” يعني: البناء حول المسجد الحرام، يعني: ما بين المسجد الحرام والمسعى.
“بل ظل يزحف إليه حتى اتصلت به المنازل من جميع الجهات، وأصبحت الطرق المؤدية إليه أزقة ضيقة ملتوية” يعني: نشأت في هذه المنطقة التي بين المسجد الحرام والمسعى نشأت هذه المساكن، حتى أصبح يعني الوصول إلى المسعى فيه مشقة.
قال: “وأصبحت الطرق المؤدية إليه -يعني: إلى المسعى- أزقة ضيقة ملتوية، يجد في اجتيازها الذاهبون إليه والعائدون منه مشقة وعناء، خاصة في أيام الحج”.
قال: “وهكذا كانت حال المسعى، فقد فصلت المباني الخاصة بينه، وبين المسجد الحرام، وأصبح على مر العصور طريقًا تقوم على جوانبه الحوانيت تملؤها السلع المختلفة، وترتفع فوقها المساكن، والباعة المتجولون يعرضون بضائعهم في كل ركن منها، لقد أصبح موضع العبادة سوقًا يختلط قصاده للعبادة بقصده للبيع والشراء؛ فيتزاحمون، حتى صار المسعى شاقًا خشية التصادم بسبب الزحام..” إلى آخره مما ذكر.
المقصود أنه يعني بعض المؤرخين أشار إلى هذه المسألة، ولعل من أسباب التغاضي عن هذه الظاهرة عبر القرون السابقة هو أن عدد الحجاج كان قليلًا، عدد الحجاج والمعتمرين كان قليلًا، فلم يكن ذلك يسبب مشكلة كبيرة.
ولكن لما تكاثر عدد الحجاج والمعتمرين في الوقت الحاضر، وقامت المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود رحمه الله بتوسعة المسجد الحرام، ابتدأت أعمال هذه التوسعة عام ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين للهجرة.
وهدمت المنازل والدور التي كانت بين المسجد الحرام وبين المسعى، وعوض أصحابها، عوض أصحاب تلك المنازل.
ثم فُصل المسعى بأسلوب هندسي، بحيث -بعد إزالة تلك المساكن- أصبح متصلًا بالحرم، أصبح متصلًا بالمسجد الحرام بعد إزالة وفصل تلك المنازل عنه، وقسم إلى قسمين: قسم يذهب منه من يذهب من الصفا إلى المروة، والآخر من يعود من المروة إلى الصفا، وهذا التقسيم حدث مع التوسعة، وإلا فكان في السابق ليس هناك تقسيم؛ وذلك بسبب كثرة أعداد الحجاج.
وهذا من توفيق الله ، وهذا مما يذكر من باب الاعتراف لأصحاب الفضل بفضلهم، يذكر من محاسن الدولة السعودية عنايتها بالمسجد الحرام، فاتصل المسعى بهذا، اتصل المسعى بالمسجد الحرام، وأزيلت تلك المساكن.
لما اتصل الآن المسعى بالمسجد الحرام، هل يتغير الحكم الشرعي؟ هل نقول: إن هذا المسعى الآن أصبح حكمه حكم المسجد الحرام، أو نقول: إنه منفصل عنه؟
تجد في عامة كتب أهل العلم يعتبرون المسعى خارجًا عن المسجد الحرام، ولذلك يجوز للحائض أن تسعى وهي حائض، بينما لا يجوز لها أن تطوف وهي حائض؛ لأنهم يعللون ذلك بأن المسعى منفصل عن المسجد الحرام.
يجوز للإنسان أن يسعى وهو على غير طهارة، بينما ليس له أن يطوف إلا بطهارة، لكن الآن اتصل المسعى بالمسجد الحرام، فهل نقول: إن المسعى يأخذ حكم المسجد الحرام بعد هذا الاتصال؟
فهذا هو وجه اعتبار هذه المسألة نازلة، أنه على مدار القرون الماضية كان المسعى منفصلًا عن المسجد الحرام، والآن اتصل.
قبل أن نشير إلى هذه المسألة يعني أشير إلى أيضًا ما دمنا أشرنا إلى الجهود التي قد بذلت في إزالة المساكن والدكاكين التي بين المسعى والمسجد الحرام، أشير إلى أنه أيضًا كان في المسجد الحرام نفسه كان هناك مقامات؛ مقام للمذهب الحنفي، المقام الحنفي، والمقام المالكي، والمقام الحنبلي.
وكان المقام الحنفي يصلي بهم إمام من أتباع مذهب أبي حنيفة، والحنفية يصلون خلفه، والمقام المالكي يصلي بهم إمام من المذهب المالكي، والمقام الحنبلي يصلي بهم إمام من المذهب الحنبلي، فكانت تقام عدة جماعات في المسجد الحرام، يعني لم يكن هناك إمام واحد، بل كان هناك عدد من الأئمة.
الغريب في الأمر أن هذه المقامات موجودة من وقت طويل، وقد ذكر المؤرخ إبراهيم بن عيسى، المتوفى سنة ألف وتسع وسبعين للهجرة، أن وقت حدوث هذه المقامات غير معروف تحقيقًا، قال: ورأيت ما يدل على أن المقام الحنفي والمالكي كانا موجودين في سنة سبع وتسعين وأربعمائة للهجرة، من أربعمائة وسبع وتسعين، كان المقام الحنفي والمالكي موجودين، وأن الحنبلي لم يكن موجودًا، قال: ووجدت ما يدل عليه أنه موجود في سنة الأربعين وخمسمائة.
وذكر أيضًا حسين عبدالله باسلامة: بأن إحداثها كان في القرن الرابع أو الخامس، يعني أن هذه المقامات لها أكثر من تسعمائة سنة، إذا قلنا: إن المقام الحنفي والمالكي كانا موجودين سنة… أربعمائة وسبع وتسعين، ولم تُزل إلا قريبًا في وقت الملك عبدالعزيز، معنى ذلك أنها بقيت قرابة تسعمائة سنة أو تزيد، فكان الناس في المسجد الحرام يصلون جماعات، وأكثر من إمام.
طيب ما موقف العلماء؟ العلماء أنكروا هذا، لكن حاولوا إزالة مثل هذه المقامات، وتوحيدهم على إمام واحد، لكن لم تُجْدِ محاولاتهم، وكتب في هذا كتابات ومؤلفات في إنكار هذا العمل، كيف يكون يعني الناس في المسجد الحرام جماعات، وعلى مذاهب، والحنفي لا يصلي خلف المالكي، والمالكي لا يصلي خلف الحنفي، والحنبلي لا يصلي خلف المالكي أو الحنفي، هذا من التفرق.
لكن الغريب في الأمر يعني استمرارها هذه المدة الطويلة أكثر من تسعمائة سنة، حتى قيض الله الدولة السعودية، فجمعت الناس على إمام واحد، كان ذلك سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين، لما دخل الملك عبدالعزيز رحمه الله الحجاز جمع الناس على إمام واحد.
وفي سنة ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين أصدر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتي المملكة فتوى بإزالة المقامات الثلاثة؛ لأنه لم يكن فيه إلا مقامات ثلاثة: الحنفي، والمالكي، والحنبلي، الشافعي ليس موجودًا، عام ألف وثلاثمائة وسبع وسبعين.
وأزيلت تلك المقامات، وأصبح الناس ولله الحمد على إمام واحد، بعدما كانت هذه المقامات موجودة مدة طويلة، وهذا يعني كما ذكرت من باب الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم من محاسن الدولة السعودية.
وقد كان هناك حفرة عن يمين الواقف أمام باب الكعبة يسميها العامة حفرة التوبة، كان الناس يقعون في هذه الحفرة يسمونها حفرة التوبة، ثم دفنت أيضًا في ذلك التاريخ دفنت هذه الحفرة، فأصبح الحال على ما هو عليه الآن، كان هذا من فضل الله وتوفيقه.
المسألة التي بين أيدينا الآن: اتصال المسعى بالمسجد الحرام ما أثره في الأحكام الشرعية؟
اختلف العلماء في هذه المسألة: فبعض أهل العلم قال: إن المسعى لما اتصل بالمسجد الحرام فينبغي أن يأخذ حكم المسجد، فيترتب على ذلك أن الحائض لا يجوز لها أن تسعى وهي حائض، ولا أن تمكث في المسعى، وهكذا بالنسبة للجنب.
ومن العلماء من قال: إنه وإن اتصل بالمسجد الحرام إلا أنه يبقى مشعرًا منفصلًا عنه، وقد بحثت هذه المسألة في مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في الدورة الرابعة عام ألف وأربعمائة وخمسة عشر للهجرة، يعني قبل اثني عشر عامًا، واختلف العلماء في المجمع في هذه المسألة، ولكن صدر قرار بالأغلبية: بأن المسعى لا يأخذ حكم المسجد، كان يرأس المجمع الفقهي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
وجاء في قرار المجمع أن المسعى بعد دخوله ضمن مبنى المسجد الحرام لا يأخذ حكم المسجد، ولا تشمله أحكامه؛ لأنه مشعر مستقل، يقول الله : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، وقد قال بذلك جمهور الفقهاء، ومنهم: الأئمة الأربعة، وتجوز الصلاة فيه متابعة للإمام في المسجد الحرام، كغيره من البقاع الطاهرة، ويجوز المكث فيه والسعي للحائض والجنب، وإن كان مستحب في السعي الطهارة.
إذن المجمع الفقهي يرى أن الأحكام المدونة في كتب الفقهاء المتقدمين تبقى كما هي: بأن الحائض يجوز لها أن تسعى وهي حائض، وأنه لا يشترط الطهارة للسعي، وأنه وإن اتصل بالمسجد الحرام إلا أنه يبقى منفصلًا عنه باعتبار أنه مشعر، هذا هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم، وهو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
ويترتب على هذا: أن الساحات الخارجية التي خلف المسعى ليست من المسجد الحرام؛ لأنه إذا كان المسعى ليس من المسجد الحرام، فمن باب أولى الساحة التي خلفه ليست من المسجد الحرام، ولذلك من أتى لهذه الساحة له أن يجلس من غير أن يأتي بتحية المسجد باعتبار أنها ليست من المسجد الحرام، ولا تأخذ حكم المسجد الحرام.
ولكن إذا اتصلت الصفوف فإنها تأخذ حكم المسجد باعتبار اتصال الصفوف، فيكون للمصلي أجر من صلى في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وهذا حتى في غير المسجد الحرام، لو افترضنا أن الجامع مثلًا امتلأ بالمصلين يوم الجمعة، وصلى بعض الناس خارج الجامع، فإن صلاتهم خارج الجامع تأخذ حكم صلاتهم داخل الجامع ما دامت الصفوف متصلة، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
المسألة الثانية: اتصال منى بمكة وأثره على قصر الصلاة
المسألة الثانية من النوازل في كتاب الحج: اتصال منى بمكة، وأثر ذلك في حكم قصر المقيمين بمكة للصلاة في منى:
نقول: إن منى لم تكن من قبل متصلة بمكة، بل كان بين منى وعامر مكة جبال وأودية وشعاب، فالمسافة بينهما يطلق عليها سفر عند بعض الفقهاء، كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وجمع من الفقهاء.
ولكن في الوقت الحاضر اتصلت منى بمكة، بل إن منى أصبحت تكاد أن تصبح حيًّا من أحياء مكة، بل إن بعض أحياء مكة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق منى، ومن يذهب إلى منى من أهل مكة فلا يحتاج إلى حمل زاد ومزاد.
وليس في عرف الناس اليوم أن من يذهب من مكة إلى منى أنه يقول: قد سافرت إلى منى، بل هو في انتقاله من مكة إلى منى كانتقاله إلى أي حي من أحياء مكة، بل بعض أحياء مكة أبعد من منى.
فهذا الاتصال لا يمكن أن يقال معه: إن المسافة بين منى ومكة مسافة قصر، وهذا يقودنا قبل أن نشير إلى كلام أهل العلم في هذه المسألة مسألة: اتصال منى بمكة، وأثره في القصر بالنسبة لأهل مكة.
نشير أولًا إلى آراء العلماء في حكم قصر أهل مكة في الصلاة، في حكم قصرهم في الصلاة بمنى وبعرفة وبمزدلفة:
نقول: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
- القول الأول: أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون في هذه المشاعر، ومنها: منى، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية، وهو قول عند الحنابلة.
- القول الثاني: أنهم يجمعون ولا يقصرون، وهذا هو مذهب الحنفية، وقال به طائفة من أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي.
- القول الثالث: أنهم يجمعون ويقصرون في منى وعرفات ومزدلفة يجمعون ويقصرون، وهذا هو مذهب مالك، وهذا القول هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
فإذن نجد أن من الفقهاء من قال: إنهم لا يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال: يجمعون ولا يقصرون، ومنهم من قال: يجمعون ويقصرون.
لكن من قال: بأنهم يجمعون ولا يقصرون، أو يجمعون ويقصرون، هل الجمع والقصر هنا لأجل النسك، أو لأجل السفر؟
خلاف بين أصحاب هذا القول، فمنهم من قال: إن سبب الجمع هو النسك، إن الجمع هنا والقصر لأجل النسك، ولكن هذا القول يرد عليه، يرد على القول بأن الجمع والقصر لأجل النسك، يرد عليه إشكالية، وهي أننا لو قلنا: بأن هذا الجمع والقصر لأجل النسك، فيترتب على هذا أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع، ولا قائل بذلك من أحد من العلماء.. اتضح المقصود.
لو قلنا: بأن القصر والجمع لأجل النسك، يترتب على هذا: أن المكي إذا أحرم في بيته جاز له أن يقصر وأن يجمع وهو في البيت؛ لأنه تلبس بالنسك الآن، ولا قائل بذلك من أهل العلم، فهذا يرد على القول بأنه لأجل النسك، ولذلك فإن هذا القول قول ضعيف، وإن كان بعض العلماء قد تبناه هربًا من الإشكالية الواردة، وهي اتصال منى.. بعض العلماء المعاصرين تبنى هذا القول هربًا من الإشكالية الواردة، وهي اتصال منى بمكة.
وحينئذ فالصواب أن القصر لأجل السفر، وليس لأجل النسك، وقد تبنى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ونصره، وهو أن القصر لأجل السفر، وليس لأجل النسك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال:
إن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقها علم علمًا يقينيًّا أن الذين كانوا مع النبي من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك.
ولم ينقل أحد قط عن النبي أنه قال بعرفة أو بمزدلفة أو بمنى: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، وإنما نُقل أنه قال ذلك في نفس مكة، كما رواه أهل السنن عنه.
وقوله: ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى دليل على الفرق.
إذن: شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن القصر والجمع إنما هو لأجل السفر، وهكذا أيضًا ابن القيم، وهكذا أيضًا هو مذهب المالكية، وإن كان المالكية مذهبهم أن السفر المبيح للترخص هو ما كان يومًا وليلة، وهو حدود ثمانين كيلو متر تقريبًا، لكنهم يستثنون هذه المسألة.
ولم نقف على قول أو تعليل لهم في كتبهم بأن ذلك لأجل النسك، ولكن سبق أن قررنا أن القول بأنه لأجل النسك قول ضعيف، فيبقى القول بأن من قال من العلماء بأن أهل مكة يقصرون العلة في ذلك السفر.
كيف يعتبر سفرًا، والمسافة ليست كبيرة بين منى وبين مكة؟
قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكر أنه يوجد بين مكة ومنى يوجد صحراء فيها أودية وشعاب وجبال، وهكذا بينها وبين عرفات وبين مزدلفة، وهذا يسمى على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعتبر سفرًا.
هذا القول قبل اتصال منى بمكة قول متجه، لكن الآن لما اتصلت منى بمكة هنا تنتفي هذه العلة، ومعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكما قدمنا اتصلت الآن منى بمكة، وتكاد تصبح حيًّا من أحيائها، ولا يمكن أن نعتبر المسافة الآن بين منى ومكة مع هذا الاتصال لا يمكن اعتبارها سفرًا.
ولو تأملت يعني هذا الاتصال لوجدت أن الآن منى اتصلت الآن بحي العزيزية، وهذا الاتصال يجعلنا نقول: إن أهل مكة في هذه الحال ليس لهم أن يترخصوا برخص السفر؛ لأن المسافة ما بين منى ومكة لم تعد سفرًا بعد اتصال منى بمكة، لم تعد هذه المسافة سفرًا، ومن قال بجواز القصر والجمع، فعلل ذلك بأنه لأجل السفر، ولم تعد هذه المسافة في وقتنا الحاضر تعد سفرًا.
ولذلك كان النبي يذهب إلى قباء كل سبت، يعني كل أسبوع، ويصلي فيه ركعتين في مسجد قباء، والمسافة ما بين مسجده وقباء أطول من المسافة التي بين مكة الآن ومنى، ومع ذلك لم يكن النبي إذا صلى في قباء لم يكن يقصر الصلاة.
بل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي يرى القصر لأهل مكة في منى، يقول: إن مدينة النبي كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، والمتنقل في المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر، ولا يقصر الصلاة، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حال المدينة وعواليها وقراها المحيطة بها، فمن باب أولى منى مع مكة في الوقت الحاضر.
فنقول إذن: إن علة قصر أهل مكة في منى، إما أن تكون لأجل النسك، وهذا قلنا: إنه قول ضعيف، أو لأجل السفر، وهذا قول متجه قبل اتصال منى بمكة، وأما بعد اتصال منى بمكة، فلم تعد هذه العلة باقية الآن، فانتفت علة السفر، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولهذا نقول: إن أهل مكة إذا حجوا فإنهم في منى وفي عرفات وفي المزدلفة لا يقصرون ولا يجمعون، اللهم إلا إذا كان في ترك الجمع حرج كبير، فيجوز لهم الجمع لأجل هذا الحرج، أما القصر فليس لهم القصر مطلقًا.
ويأخذ حكم أهل مكة المقيمين فيها من غير أهل مكة إقامتهم طويلة، مثل الجنود الذين يقيمون إقامة طويلة ونحوهم، فيأخذون حكم أهل مكة في هذا، وهذه المسألة يعني من المسائل التي يكثر السؤال عنها، والحكم فيها كما سمعتم على هذا التفصيل.
على أن أكثر أهل العلم، وجمهور أهل العلم قبل اتصال منى بمكة يرون أن أهل مكة لا يقصرون، فكيف مع اتصال منى بمكة في الوقت الحاضر؟ هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
المسألة الثالثة: حكم التضحية بمقطوعة الألية
المسألة الثالثة: وهي متعلقة بباب الهدي والأضحية والعقيقة، وهي مسألة مقطوع الألية:
والأَلية تضبط هكذا بفتح الهمزة، كما قال ابن منظور في “لسان العرب” قال ابن منظور: الألية بالفتح: العجيزة للناس وغيرهم، وألية الشاة وألية الإنسان مفتوحة الألف، وقال: ولا تقل: إلية فإنها خطأ.
ووجه اعتبار هذه المسألة من النوازل: هو أن قطع الألية لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية، فالألية بالنسبة للأغنام لم يكن معروفًا ومشتهرًا، وإن كان قد يوجد، لكن لم يكن معروفًا ومشتهرًا.
وفي الوقت الحاضر أصحبت كثير من الأغنام التي ترد، خاصة من أستراليا ونيوزلندا، وبعض الدول الأوروبية ترد تأتي، وقد استؤصلت أليتها، فهل تجزئ تلك الأغنام مع استئصال الألية؟ هل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة، أم لا؟
بعض الفقهاء المتقدمين أشاروا لهذه المسألة، ربما على سبيل الافتراض، أو أنها ربما توجد، لكن بقلة، وقد أشار لها الموفق ابن قدامة في “المغني” إِشارة مختصرة، فقال رحمه الله: “ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالألية”، ولكن لم يتوسع الفقهاء المتقدمون في هذه الأسئلة، كما ذكرت بسبب أن هذا لم يكن معروفًا ومشتهرًا في المجتمعات الإسلامية.
لكن في الوقت الحاضر أصبح هذا كثيرًا، وذلك أن القائمين على تربية تلك الأغنام يرون أن الألية إذا قطعت، فإن ذلك يؤدي إلى مردود اقتصادي بالنسبة لهم، فقطع الألية يسبب سمن تلك الأغنام، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها، فيكون في ذلك مردود اقتصادي لهم.
لما أصبحت تلك الأغنام تأتي وتستورد، بحث مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة هذه المسألة قبل عشر سنوات، وأصدر فيها قرارًا جاء فيه: أن مجلس الهيئة درس موضوع حكم الأضحية والهدي والعقيقة بمقطوع الألية، لأن أكثر الأغنام التي ترد إلى المملكة من أستراليا ونيوزلندا، وبعض الدول الأوروبية مستأصلة أليتها.
واطلع المجلس على البحوث المعدة فيه، وعلى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في سننهم، والدارمي، والبيهقي، والحاكم من طرق متعددة: “أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بعوراء ولا مقابلة”، والمقابلة: هي التي شقت أذنها من الأمام عرضًا، “ولا مدابرة” وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضًا، “ولا شرقاء” هي التي شقت أذنها طولًا، “ولا خرقاء” وهي التي خرقت أذنها، قال زهير أحد رواة الحديث: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟.. إلخ.
وجاء في بعض طرق حديث علي عند البيهقي: “نهى رسول الله أن يضحى بعضباء الأذن والقرن”، قال قتادة أحد رواة الحديث: وسألت سعيد بن المسيب عن العضب، فقال: النصف فما زاد، يعني: قطع النصف فأكثر من الأذن أو القرن.
هذا هو الأصل في هذه المسألة، وقرر المجلس بالأكثرية أنه لا تجزئ الأضحية ولا الهدي ولا العقيقة بمقطوع الألية؛ لأن الألية عضو كامل مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن.
إذن التعليل أن الألية عضو كامل مقصود، فصار مقطوعها أولى بعدم الإجزاء من مقطوع القرن والأذن، يعني: إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ، فلا يجزئ مقطوع الألية من باب أولى، فالألية ذات قيمة ومرادة مقصودة في نفسها.
ولهذا عند إكرام الضيف في بعض المجتمعات يرون أن وجود الألية على الذبيحة أنه رمز لإكرام الضيف، وأن تقديم الذبيحة بدون الألية يشعر بالنقص في إكرام ذلك الضيف، لا زال هذا موجود عند بعض المجتمعات.
وهذا يدل على أن الألية مقصودة ومرادة في ذاتها، فهي عضو مقصود، فإذا كانت عضوًا مقصودًا، فقطعها يجعلنا نقول: إن تلك الأغنام التي قطعت منها لا تجزئ، فهي أولى بعدم الإجزاء من مقطوع الأذن والقرن، إذا كان مقطوع القرن والأذن لا يجزئ، مع أن القرن والأذن قد لا يستفاد منه، فمقطوع الألية من باب أولى.
ولهذا عند الأضحية والهدي والعقيقة ينبغي التأكد من هذا؛ لأن ما تريد أن تضحي به، أو ما تريد أن تهديه، أو ما تريد أن تجعله عقيقة تتأكد من أنه ليس مقطوع الألية.
يوجد بعض الأغنام تشبه مقطوع الألية، لكنها يكون لها ذيل قصير بأصل خلقتها بأصل الخلقة، فهذه تجزئ؛ لأنها لم تقطع الألية منها، وإنما أتت هكذا بأصل خلقتها، ومن ذلك بعض الأغنام الأسترالية لا يكون لها ألية، وإنما يكون لها ذيل كذيل البقرة، فهذه التي ليست لها ألية خلقة، وإنما لها ذيل تجزئ في الهدي والأضحية والعقيقة إذا توفرت الشروط الأخرى، فهذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
وبهذا نكون قد انتهينا من النوازل في العبادات، والأسبوع القادم إن شاء الله سوف نتناول مسائل النوازل المتعلقة بغير العبادات.
الأسئلة
نجيب عما تيسر من الأسئلة:
السؤال: قال: نازلة “الرمي بالليل” للحاج؟
الشيخ: نعم، لم أذكر هذه المسألة، أو هذه النازلة باعتبار أن الحكم فيها الآن أصبح مستقرًا وظاهرًا، وليس فيها كثير إشكال، كان الاستشكال في بداية الأمر، لكن استقر الآن الرأي من عامة العلماء المعاصرين بجواز الرمي ليلًا، ولا أعرف الآن عالمًا من العلماء المعتبرين الكبار يرى عدم الجواز، فاستقر الأمر على هذا، ولهذا لم نذكرها؛ لأنه قد استقر عليها رأي عامة العلماء المعاصرين؛ لأن الرمي بالليل لم يكن يحتاج له الناس من قبل بسبب قلة أعداد الحجاج.
وأذكر أن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يذكر أنه يعني في أول ما حجوا في موسم الحج.. يقول: كنا نطوف ونقبل الحجر الأسود في كل شوط بسبب قلة الناس في ذلك الوقت، يقول: ونقيم في مكان يعني المسجد الخيف، ونرى الناس وهم يرمون الجمرة.
كان الناس قليلين، يعني لم تكن أعداد الحجاج كثيرة، لكن في الوقت الحاضر زاد أعداد الحجاج زيادة كبيرة بسبب أولًا: كثرة سكان الكرة الأرضية، سكان الكرة الأرضية تضاعف الآن، وأيضًا بسبب تيسر وسائل المواصلات.
السؤال: إذا كانت علة القصر والجمع السفر، وما في مشقة الآن، وتوجد مشقة بسبب الزحام وكثرة الناس، ألا يكون ذلك سببًا للقصر والجمع؟
الشيخ: العلة في القصر والجمع هي السفر، متى ما وجد السفر جاز الترخص برخص السفر، لكن إذا لم يوجد السفر، فليس للإنسان الترخص بحجة الزحام والمشقة، الزحام والمشقة نعم، قد تكون سببًا للجمع لا للقصر، فالقصر لا بد من وجود علة السفر لا بد، أما الجمع فيجوز عند وجود الحرج مطلقًا، سواء وجد سفرًا أو لم يوجد، لما جاء في صحيح مسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أن النبي جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر”، فسئل ابن عباس عن ذلك، قال: أراد ألا يحرج أمته [1].
فدل ذلك على أنه إذا وجد الحرج جاز الجمع، إذا وجد الحرج بترك الجمع جاز الجمع في هذه الحال، أما القصر فإنه لا بد من وجود السفر.
وهل يحد السفر بمسافة معينة، أو لا يحد؟
اختلف العلماء في ذلك اختلافًا كثيرًا، والمذاهب الأربعة على أنه يُحد، ومنهم من حدد بالزمان، ومنهم من حدد بالمسافة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وجماعة من أهل العلم يرون عدم التحديد، وأن ذلك راجع للعرف.
ولكن الواقع أن العرف هنا لا ينضبط، ولذلك تجد أنه أحيانًا يخرج مجموعة من طلاب العلم إلى مكان ويختلفون بعضهم يقول: إن العرف يدل على أن هذه مسافة سفر، وآخرون يقولون: إن العرف يدل على أنها ليست بسفر.
والأقرب والله أعلم في هذه المسألة هو ما عليه جمهور أهل العلم من تحديد المسافة بما ورد في قول النبي : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة، إلا ومعها ذو محرم [2]، فهنا ذكر النبي أقل مدة للسفر، قال: مسيرة يوم وليلة.
ولو كان السفر يصدق على أقل من هذه المدة لذكره؛ لأن السياق يقتضي ذلك.
ومسيرة يوم وليلة يعبر عنها بعض الفقهاء من فقهاء الحنابلة بمسيرة يومين قاصدين بسير الإبل المحملة، وهي تعادل تقريبًا ثمانين كيلو متر، هذا هو الأقرب في هذه المسألة، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
أولا لهذا الحديث، ثانيًا: لأن هذا قد أثر عن بعض الصحابة، ومنهم: ابن عباس وابن عمر، فكانا يقولان لأهل مكة: لا تقصروا في أقل من أربعة برد، وأربعة برد تعادل ثمانين كيلو متر تقريبًا.
ولا شك أن الصحابة هم أعلم الناس بشريعة الله، وأعلم الناس بمراد رسول الله ، وأعلم الناس بمدلول لغة العرب، فالأقرب هو التحديد بنحو ثمانين كيلو متر، هذا هو الأقرب في هذه المسألة.
السؤال: ما حكم الجماعات التي تقام في المسجد الحرام، وهل يصح أن تقام جماعتان أو ثلاث في وقت واحد؟
الشيخ: إما إقامة أكثر من جماعة في وقت واحد، فهذا غير مشروع، ولكن إذا أقيمت الجماعة الأولى، ثم أتى مجموعة فالصحيح أنه يشرع لهم أن يقيموا جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى، وإن المسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الأقرب والله أعلم، والذي عليه أكثر العلماء، لقول النبي لما صلى بالناس، وقد دخل رجل، قال: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟ [3].
ومعلوم أنه إذا صلى معه أحد كانت جماعة أخرى بعد الجماعة الأولى التي أمهم فيها النبي ، فدل ذلك على أن هذا لا بأس به، لكن يكون هذا بصفة عارضة، لا يكون بصفة مستمرة.
السؤال: هل رأيت كتابًا في هذا الموضوع فقه النوازل، هل قرأت..؟
الشيخ: نعم، الكتاب الذي أشار إليه الأخ السائل اطلعت عليه، هو فقط فيه جمع لبعض كلام العلماء المعاصرين.
السؤال: هل إسدال اليد بعد الرفع من الركوع سنة عن النبي ؟
الشيخ: الظاهر والله أعلم أن اليدين بعد الرفع من الركوع يكون وضعهما على هيئة وضعهما قبل الركوع، أي أنه يضع اليد اليمنى على اليسرى على صدره، هذا هو الأقرب في هذه المسألة.
السؤال: الإيجار المنتهي بالتمليك ما حكمه؟
الشيخ: سبق أن تكلمنا عنه في الدورة الماضية في العام الماضي بالتفصيل، فلعل الأخ السائل يرجع إلى موقع الجامع في الإنترنت وسيجد الجواب المفصل عن هذا السؤال.
السؤال: إذا دفن الميت وجاء قوم هل يصلون عليه جماعة وفرادى؟
الشيخ: يصلون عليه جماعة، ولا حرج في ذلك.
السؤال: في زماننا هذا أليس الأفضل أن تخرج زكاة الفطر مالًا، يعني يقصد نقدًا، حتى يستفيد المستحقون من هذا النقد؟
الشيخ: نقول هذا الإيراد يرد في زمن النبي ، كانت النقود موجودة، فكان هناك الدراهم والدنانير، ولا شك أنها أنفع للفقراء من الطعام؛ لأن الفقير يستطيع أن يشتري بهذه الدراهم والدنانير ما شاء من طعام وغيره، ومع ذلك فكان النبي يأمر بإخراج زكاة الفطر طعامًا.
وهكذا كان الذي عليه العمل في القرون الثلاثة المفضلة، ثم إن إخراج زكاة الفطر نقدًا يجعل المسألة لا فرق بين زكاة الفطر وبين زكاة المال، لو قلنا: بجواز إخراجها نقدًا، لم يعد هناك فرق بين زكاة الفطر وبين زكاة المال.
ثم أيضًا زكاة الفطر شعيرة، ولا بد من إبراز هذه الشعيرة في المجتمعات الإسلامية، وإخراجها نقدًا لا تبرز معه هذه الشعيرة، تصبح كأنها صدقة خفية كسائر الصدقات، بينما إخراجها طعامًا يجعلها شعيرة ظاهرة يراها الناس، ويراها الصغير والكبير وعامة الناس، فتبرز هذه الشعيرة في المجتمع، وهذا أمر مقصود شرعًا، كل هذه المعاني تفوت مع إخراجها نقدًا.
ثم أيضًا أن الغالب أنه عند إخراجها نقدًا أنها لا تصل لمستحقيها قبل صلاة العيد، وإن كان يعني قد يقال: أنه ربما بعض الناس يكون عندهم تحري، لكن يعني من خلال التجربة وجدنا أن الذين يجمعون زكاة الفطر نقدًا يحصل منهم شيء من التفريط، فلا تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد، وبكل حال فالسنة قد دلت على أنها إنما تخرج طعامًا لا نقدًا.
السؤال: من صلى في الشقق القريبة من الحرم، هل له أجر مائة ألف صلاة… في مسجد قريب من الحرم له ذلك؟
الشيخ: هذه مسألة خلافية، وصح عن النبي أن من صلى في المسجد الحرام فإن صلاته تعدل مائة ألف صلاة، مائة ألف صلاة حسبها بعض العلماء ابن النحاس وغيره، قالوا: إنها تعدل ما لو صلى الإنسان الصلوات الخمس خمسًا وخمسين سنة وبضعة أشهر، يعني: عمر طويل في الصلاة الواحدة فقط.
يعني لو صليت فريضة واحدة تعدل.. ما لو صليت هذه الفريضة خمسًا وخمسين سنة وأشهرًا، وهذا يدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام، ولكن هل هذا خاص بالمسجد، أو أنه يشمل الحرم كله، فيشمل المساجد القريبة من المسجد الحرام، ويشمل منى، ويشمل مزدلفة؟
هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والأقرب والله أعلم أن هذا الفضل خاص بالمسجد الحرام، أن هذا الفضل خاص بالمسجد؛ لأنه جاء في صحيح مسلم في هذا الحديث: أن النبي قال: صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام [4]، فقوله: إلا المسجد الحرام فيه إشارة إلى أن الفضل إنما يختص بالمسجد الحرام فقط، ولا يشمل جميع منطقة الحرم، فهذا هو الأقرب، وإن كانت الصلاة بالحرم أفضل من الصلاة في غير الحرم.
ولهذا كان عليه الصلاة والسلام لما أقام في الحديبية كان إذا أراد أن يصلي دخل في حدود الحرم، فالصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في غير الحرم، لكن كلامنا عن الفضل الخاص وهو مائة ألف صلاة.. هذا هو الظاهر والله أعلم أنه إنما يختص بمسجد الكعبة فقط.
.. نعم، هذه مسألة أخرى، يعني هو المسجد الحرام يطلق أيضًا على الحرم، إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ [التوبة:28]، المقصود به الحرم كله، وليس المقصود بالمسجد فقط، فهذا يحددها السياق، لكن الفضل الظاهر والله أعلم أنه خاص بالمسجد.
السؤال: هل الطابق الثاني من المسعى بنفس أجر السعي في الطابق الأرضي؟
الشيخ: نعم، الطابق الثاني حكمه حكم المسعى في الدور الأرضي، ولأن الهواء له حكم القرار، وهكذا بالنسبة للطواف، وهكذا بالنسبة للصلاة أيضًا، أنت عندما تصلي للكعبة ربما تصلي في مكان مرتفع، أو مكان منخفض، فلا تصلي إلى بناء الكعبة، لكنك تصلي إلى يعني الهواء المقابل لقرار الكعبة.
هكذا أيضًا نقول بالنسبة للمسعى، فالطابق الثاني حكمه حكم المسعى الأرضي، ولا وجه للتحرج في الطابق العلوي في المسعى، لا وجه للتحرج.
السؤال: قال: وإذا كان هذا صحيحًا نرجو من القائمين على الحرم إضافة مسعى طابق ثالث.
الشيخ: موجود المسعى في الدور الثالث، فما اقترحه الأخ هو موجود.
السؤال: هل الذنوب في مكة مضاعفة، كما أن الحسنات مضاعفة؟
الشيخ: الذنوب تضاعف بالكيف، وأما الحسنات تضاعف بالكم والكيف أيضًا؛ لأن الله تعالى قال: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، هذا دليل على تضعيف السيئات والذنوب، وأما الحسنات فإن أجرها مضاعف بالكم والكيف؛ لأن الحسنات يضاعف أجرها بفضل الزمان والمكان.
السؤال: ما حكم الرمي قبل الزوال؟ هل يعد ذلك من النوازل؟
الشيخ: الرمي قبل الزوال الخلاف فيه قديم، يعني ليست المسألة مسألة جديدة، ولا تعتبر نازلة، فأكثر أهل العلم على أنه لا يجزئ الرمي قبل الزوال، وذهب عطاء، وهو قول عند الحنابلة إلى أنه يجزئ، وبعضهم يقيد ذلك بيوم النفر الأول، يعني في اليوم الثاني عشر.
والذي أرى أنه ينبغي أن يحث الناس على السنة، والعلماء متفقون على أن السنة أن يكون الرمي بعد الزوال، والقول بأن ذلك يسبب حرجًا وضيقًا، الواقع أن الحرج والضيق يحصل من استعجال الناس في الذهاب، وليس بسبب ضيق فترة الرمي.
ولذلك لو ذهبت إلى الجمرات بعد الزوال بساعتين فقط، فإنك لا تجد زحامًا، يعني لو ذهبت الساعة الثالثة لا تجد زحامًا، بعد العصر لا تجد زحامًا عند الجمرات، إنما تجد الزحام وقت الزوال، والسبب في هذا تعجل كثير من الحجاج في الذهاب.
ولهذا لو قيل أيضًا: بجواز الرمي قبل الزوال، فإن هذا الزحام الذي يكون عند الزوال سوف ينتقل للزحام عند طلوع الفجر، وفي كل حال المسألة خلافية، والقول بجواز الرمي قبل الزوال قول قوي، ليس قولًا ضعيفًا، قول قوي، قال به عطاء بن أبي رباح الذي قيل إنه أفقه الناس في المناسك، وتبقى المسألة محل نظر واجتهاد.
السؤال: ما رأيكم بالخطوط الموجودة في المساجد التي يقف عليها المصلون، والخط المحاذي للحجر الأسود؟
الشيخ: أما الخط المحاذي للحجر الأسود فقد أزيل والحمد لله، أزيل لأنه ليس لأنه غير مشروع، وإنما لأنه يسبب الزحام، وجد أن هذا الخط يسبب الزحام؛ لأن كثيرًا من الحجاج ينظر إلى هذا الخط ثم يقف.
ولهذا وجد أثر ذلك لما أزيل هذا الخط، يعني خف الزحام نسبيًا، فهذا الخط الموجود المحاذي للحجر الأسود قد أزيل والحمد لله، وأما الخطوط في المساجد، فهي وسيلة لاستقامة الصف، هي وسيلة، هي من باب الوسائل، ولا بأس بها.
الوسائل التي تعين على استقامة الصف لا حرج فيها، ولا يقال: إن هذا لم يكن موجودًا في عهد النبي ؛ لأنه كان الناس في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يصلون على الحصباء، فقد يكون يعني وضع الخطوط في كل وقت، قد يكون فيه شيء من المشقة والحرج، لكن مع وجود الفرش في وقتنا الحاضر ووضع هذه الخطوط لا شك أنها تعين على استقامة الصف، ولو أنه لم توجد هذه الخطوط لربما كان هناك اعوجاج في بعض الصفوف وعدم الاستقامة، فهي من باب الوسائل المعينة على استقامة الصف، من باب الوسائل المعينة على تحقيق أمر مطلوب شرعًا.
السؤال: رجل يطوف في سطح المسجد الحرام، ومع شدة الزحام دخل في المسعى، وأكمل جزءًا من الطواف في المسعى، ما صحة طوافه؟
الشيخ: هذه في الحقيقة هذا السؤال مرتبط بمسألتنا، ويشترط لصحة الطواف أن يكون داخل المسجد الحرام، ونحن قررنا الآن أن المسعى منفصل عن المسجد الحرام، وأنه خارج المسجد، فبناء على ذلك من كان يطوف، وكان جزء من طوافه في المسعى خاصة في الدور الثاني، الدور الثاني أحيانًا يضيق المطاف بالناس، فبعض الناس يكون طوافه من جهة المسعى، فهل يصح الطواف في هذه الحال، أو لا يصح؟
بناء على القواعد المقررة لا يصح الطواف، لماذا؟ لأنه أدى جزءً من الطواف خارج المسجد الحرام، ومن شروط صحة الطواف أن يكون داخل حدود المسجد، ولكن بعض أهل العلم أجازه للضرورة، فقالوا: بصحة الطواف في هذه الحال للضرورة، وللاتصال أيضًا، فكما أنه تصح الصلاة مع اتصال الصفوف لمن كان خارج المسجد، فكذلك أيضًا الطواف.
وقد أجاز ذلك سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، أما الشيخ محمد بن عثيمين فأذكر أني سألته في منى عن هذه المسألة، فقال: بأنه لا يصح الطواف، لكن نقل لي أحد الإخوة في أنه في آخر حياته قال بصحة الطواف للضرورة، هذا هو الأقرب، الأقرب أنه يصح الطواف، وذلك أنه من القواعد المقررة أنه إذا ضاق الأمر اتسع.
ومن ينظر إلى شدة زحام الناس، وكثرة الحجاج، وينظر إلى الأصول والقواعد الشرعية القاضية برفع الحرج عن المكلفين، هذا كله يؤيد القول بصحة الطواف في هذه الحال، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على ألا يوقع نفسه في هذه المسألة التي فيها إشكالات، وفيها خلاف كثير بين أهل العلم، فربما نقول: إنه على قول كثير من أهل العلم لا يصح طوافه، لكن لعل الأقرب أنه يصح طوافه بسبب للضرورة في هذه الحال.
السؤال: لو ذكرتم القول الراجح في حكم الرمي قبل الزوال.
الشيخ: تكلمنا عن هذه المسألة.
السؤال: هذا الحكم أي ارتفاع حكم السفر لأهل مكة، هل يطبق على ميقات ذي الحليفة لأهل المدينة، لكون هذا المكان متصل؟
الشيخ: نعم، هو متصل الآن، ذو الحليفة يكاد يكون متصلًا بالمدينة، فلا تعتبر المسافة ما بين ذو الحليفة والمدينة مسافة قصر.
السؤال: إذا رجحنا أن علة القصر والجمع… المشاعر والسفر، فكيف نقول: بأن مسافة القصر تحدد بأربعة برد؟
الشيخ: نعم، هذا يرد على قول المالكية، المالكية يحددونها بأربعة برد بنحو ثمانين كيلو متر، لكنهم يجيزون لأهل مكة القصر والجمع، فهذا السؤال الذي طرحه السائل يرد على مذهب المالكية في هذه المسألة، أنتم تحددون مسافة السفر بهذه المسافة، لماذا تجيزون لأهل مكة القصر والجمع؟
قالوا: اقتداء بسنة النبي ، فإن أهل مكة معه كانوا يقصرون ويجمعون، ولكن هذا محل نظر، هذا يعني القول محل نظر، وسبق أن قررنا أن الصواب أنهم لا يترخصون برخص السفر، فلا يجمعون ولا يقصرون، إلا الجمع عند الحرج والمشقة فإنه يجوز.
السؤال: ما حكم الأغنام مقطوعة الخصية؟
الشيخ: هذه يجوز الأضحية بها والهدي والعقيقة، بل يستحب؛ لأن النبي ضحى بكبشين موجوءين، أي: خصيين، وذلك أن الكبش إذا خصي يطيب لحمه، يصبح لحمه طيبًا، وهذا أمر معروف عند أرباب المواشي، وربما أيضًا سمن بسبب هذا الخصاء، فهو يعني أمر مرغوب عند أرباب المواشي.
ولذلك فإنه نقول: لا بأس بالأضحية والهدي والعقيقة بالخصي، بل ربما نقول: إن ذلك مستحب، وبكل حال فقد وردت به السنة.
السؤال: هل يقصر الرباعية من خرج من المدينة وصلى في ذي الحليفة، خاصة وأنه لم يتصل؟
الشيخ: أجبنا عن هذا وقلنا: إنه لا يقصر، لكن يا إخوان يعني هنا تنبيه بالنسبة للمسافة التي ذكرت، وهي مسافة يعني أربعة برد ثمانين كيلو تقريبًا، كيف تحسب هذه المسافة؟
اللوحات الموجودة على الشوارع يحسبون المسافة من وسط المدينة، بينما شرعًا تحسب المسافة من مفارقة العمران، وليس من وسط المدينة، ولذلك فإن اللوحات الموجودة على الشوارع لا يعتمد عليها في تحديد المسافة، انتبهوا لهذه المسألة.. لا يعتمد عليها في تحديد المسافة.
فمثلًا لو سافرت مثلًا من الرياض إلى مكان خارج الرياض، وتريد أن تعرف هل هو مسافة قصر أم لا؟ وأردت أن تحسب المسافة، تبدأ في حسابها بعد مفارقة عمران الرياض، تبدأ في حساب المسافة، واللوحات الموجودة على الشوارع إنما تحسب المسافة من وسط المدينة.
السؤال: هل السفر في اليوم والليلة، يعني أن يسافر في نفس اليوم، ثم يرجع؟
الشيخ: لا، المقصود.. لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة [5]، المقصود السير في زمن النبي كانت العرب تسير على الإبل، ولذلك ضبط هذا الفقهاء بسير الإبل المحملة، وهي تعادل تقريبًا أربعة برد، وبالكيلو مترات ثمانين كيلو متر تقريبًا، هذا هو المقصود.
من قطع هذه المسافة، ولو في وقت وجيز بالطائرة مثلًا يستطيع أن يذهب إلى مكان بعيد ويرجع في نفس اليوم، فإنه يعتبر مسافرًا، المهم أن يقطع هذه المسافة.
السؤال: نحن نذهب لمهمات إلى مكة في الحج مدة خمسة عشر يومًا محددة، محددة المدة ابتداء وانتهاء، ما حكم قصر الصلاة؟
الشيخ: مسألة إقامة المسافر، إذا أقام المسافر في بلد هل يترخص برخص السفر، أم لا؟ هذه من المسائل الحقيقة المشكلة، من المسائل المشكلة، والتي اختلف فيها الفقهاء اختلافًا كثيرًا، قد ذكر النووي فيها أكثر من عشرين قولًا، وإنما قلت: من المسائل المشكلة؛ لأنه لم يرد فيها نص ظاهر، والقول: بإطلاق المدة في الترخص يرد عليه إشكالات كثيرة.
على سبيل المثال عندنا في المملكة هنا يوجد أكثر من سبعة ملايين من الإخوة المقيمين، لو قلنا: بإطلاق المدة، فمعنى ذلك أن هؤلاء هم يشكلون قرابة ثلث المجتمع يجوز لهم الفطر في نهار رمضان، ويقصرون الصلاة ويجمعونها، هذا مشكل.
القول بتحديد المدة، هذا أيضًا يرد عليه، ما الدليل على هذا التحديد؟ لأنه حدد بأربعة أيام، يرد عليه: ما الدليل على هذا التحديد؟ قالوا: إقامة النبي في حجة الوداع أربعة أيام، لكن الظاهر أن هذه الإقامة حصلت اتفاقًا.
ولهذا فإن هذه من المسائل المشكلة، ولكن الذي يظهر والله أعلم أن الأقرب في هذه المسألة هو ما عليه جماهير أهل العلم، وهو أن الإقامة إقامة المسافر إذا كانت في حدود أربعة أيام فأقل، فله أن يترخص برخص السفر، أما إذا كانت أكثر من أربعة أيام فليس له الترخص.
وذلك لأن العرب إنما تسمي الإنسان مسافرًا إذا أسفر وبرز للصحراء، قالوا: وما كانت العرب تسمي الإنسان مسافرًا إذا أقام في بلد، ولكن الشريعة تفرق بين اليسير والكثير، فتتسامح في اليسير في مسائل كثيرة.
ومنها مثلًا على سبيل المثال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث [6]، لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج [7]، لا يحل للمهاجر أن يبقى بعد طواف الصدر أكثر من ثلاثة أيام [8]، مسائل كثيرة تجد أنها ثلاثة أيام فرق بين قليل وكثير، هي الحد الفاصل بين القليل والكثير.
فالذي يظهر والله أعلم أنه إذا كانت إقامة المسافر يسيرة في حدود ثلاثة أيام، وإذا حسبنا يومي الدخول والخروج، نقول: في حدود أربعة أيام، فإنه يترخص برخص السفر.
أما إذا كانت إقامة المسافر أكثر من أربعة أيام، فإنه ليس له أن يترخص برخص السفر، هذا إذا عرف مقدار إقامته، أما إذا كان له حاجة لا يدري متى تنقضي، بل يقول: اليوم أرجع، غدًا أرجع، فهذا يقصر، ولو طالت به المدة، ولو بقي أشهرًا أو سنين.
لكن من كان يعرف مدة إقامته، ولو على سبيل التقريب، كالطلاب مثلًا، ومن له أيضًا عمل عقد عمل، ونحو ذلك، فهؤلاء قد عرفوا مقدار إقامتهم، وحينئذ فالأقرب أنه إذا كانت إقامتهم أكثر من أربعة أيام، فليس لهم الترخص برخص السفر.
وبناء على ذلك الإخوة الذين قدموا لهذه الدورة، وإقامتهم أكثر من أربعة أيام، على هذا القول إنهم لا يترخصون برخص السفر، هذا هو قول جماهير أهل العلم، وهو أيضًا أحوط في المسألة، وهو الأحوط في المسألة؛ لأن إطلاق المدة يعني كما ذكرت لكم يرد عليه إشكالات كثيرة.
السؤال: ذبحت عقيقة مقطوع الألية من أستراليا، فهل أذبح أخرى؟
الشيخ: نعم، لا تجزئ هذه الأضحية، فعلى القول الصحيح الذي قررناه أنها لا تجزئ هذه العقيقة، وأنت إذا أعدت ذبح هذه العقيقة مأجور على ذلك إن شاء الله.
السؤال: إذا باع شخص ثمر نخيله، فعلى من تكون الزكاة؟
الشيخ: صاحب النخل إذا بدا الصلاح في هذا الثمر، فإن عليه أن يزكيه، يجب الزكاة على صاحب النخل، تجب الزكاة على صاحب النخل، إلا إذا شرط البائع على المشتري دفع الزكاة، فإنها تكون على المشتري حينئذ بمقتضى هذا الشرط، لكنها في الأصل تكون على صاحب النخل.
السؤال: إذا كان بعض الرطب لا يكون له تمر جيد، فهل تخرج الزكاة من الرطب؟
الشيخ: الواجب في الزكاة أن تكون من وسط المال، هذا المقدار الواجب، والمستحب أن تكون من أطيب المال، ولا يجوز أن تكون من رديء المال، يعني: عندنا الآن رديء المال، وجيد المال، ووسط المال، المقدار الواجب: الوسط، لقول الله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89].
المستحب: طيب المال، الرديء لا يجوز إخراجه في الزكاة: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267]، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا [البقرة:267] يعني: لا تقصدوا، الْخَبِيثَ يعني: الرديء، فلا يجوز إخراج الرديء في الزكاة.
السؤال: بعض الأغنام مقطوعة الألية، ليس لها ألية، بل ذيل، فلو قطع لا تكون الذبيحة فقدت شيئًا مهمًا، بخلاف ما لها ألية، فإنها تفقد عضوًا مقصودًا، فهل يفرق بين قطع الألية وقطع الذيل؟
الشيخ: هذا سؤال جيد، قطع الذيل أيضًا هو في حكم قطع الألية؛ لأن الذيل عضو مقصود، ويدافع به الحيوان عن نفسه، وإذا كان قطع القرن والأذن يتسبب في عدم إجزاء تلك البهيمة، فقطع الذيل من باب أولى.
أيهما أكثر نفعًا للحيوان، القرن أو الذيل؟
في الحقيقة أنه قد يكون في بعض الأحيان قد يكون الذيل أكثر نفعًا؛ لأنه يدافع به الحيوان عن نفسه، ولذلك فهو عضو مقصود، فقطع الذيل إذن مقطوع الذيل لا يجزئ في الأضحية والهدي والعقيقة، وهذا نص عليه الفقهاء.
السؤال: هل يشمل عدم قصر أهل مكة بمنى ومزدلفة وقت الحج لو أفاض أحد منهم من عرفة إلى مزدلفة، هل نقول: إنه لا يقصر؟
الشيخ: نعم، المقصود الآن وقت الحج، المقصود بحث هذه المسألة وقت الحج، فمن كان من أهل مكة لا يترخص برخص السفر في منى، ولا في عرفات، ولا في مزدلفة، وبعض أهل العلم يقصر هذا الحكم بمنى فقط باعتبار أنها اتصلت، بينما عرفة ومزدلفة لم تتصل.
السؤال: هل الاعتكاف في المسعى يؤجر عليه المعتكف؟
الشيخ: نحن قلنا: إن المسعى ليس جزءً من المسجد الحرام، وحينئذ لا يصح الاعتكاف في المسعى؛ لأن من شروط صحة الاعتكاف: أن يكون في المسجد، أن يكون الاعتكاف في المسجد.
السؤال: هل يجوز الطواف من خلف المسعى؟
الشيخ: لا يصح الطواف من خلف المسعى؛ لأن من شروط صحة الطواف: أن يكون داخل المسجد الحرام.
السؤال: قال: نرجو من فضيلتكم كلام شيخ الإسلام في مسألة القصر لأجل السفر، وليس لأجل النسك؟
الشيخ: هو موجود في “مجموع الفتاوى” في المجلد الرابع والعشرين، صفحة أربع وأربعين وخمسة وأربعين.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله للجميع التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.