logo
الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(5) فقه النوازل- إثبات دخول الشهر بالحساب الفلكي واستخدام بخاخ الربو للصائم وغيرها

(5) فقه النوازل- إثبات دخول الشهر بالحساب الفلكي واستخدام بخاخ الربو للصائم وغيرها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

معنا في هذا الدرس جملة من المسائل المتعلقة بالنوازل في الصيام.

عدم إجزاء الشعير في زكاة الفطر لمن لم يَعُد قوتًا لهم

وقبل أن نتكلم عنها أنبه على المسألة الأخيرة التي طرحناها في الدرس السابق، وهي مسألة: عدم إجزاء الشعير في زكاة الفطر لمن لم يعد الشعير قوتًا لهم.

وهذه أشكلت على بعض الإخوة من جهة أن الشعير لا يزال قوتًا في بعض البلدان، ونحن نقول: نحن قيدنا كلامنا بالأمس بمن كان الشعير ليس قوتًا لهم، وإنما أصبح علفًا للبهائم، فهؤلاء هم الذين لا يجزئ في حقهم إخراج الشعير.

أما الذين لا يزال الشعير قوتًا لهم، فلا شك في إجزاء الشعير في زكاة الفطر، فكلامنا بالأمس مقيد بمن كان الشعير لم يعد قوتًا لهم، وإنما أصبح علفًا للدواب.

وفي بعض البلدان لا يزال الشعير قوتًا للناس، حدثني أحد الإخوة أن بعض المناطق هنا في المملكة لا يزال الشعير قوتًا للناس، وحينئذ فيكون الحكم بناء على هذا التفصيل.

فإن قال قائل: كيف تقولون بعدم إجزاء الشعير لمن لم يكن قوتًا لهم، مع أنه قد ورد به النص؟

نقول: أولًا: لم يرد من كلام النبي ، نعم، لو ورد من كلام النبي  لربما نقول: بأنه يصح مثل هذا الإيراد، لكن ورد من وصف بعض الصحابة بأنه كان طعام الناس يومئذ كان التمر والأقط وذكروا الشعير، فإذا تغير طعام الناس، ولم يعد الشعير طعامًا للناس وقوتًا للناس، فالحكم يدور مع علته.

ومعنا في هذا الدرس جملة من المسائل في كتاب الصيام، وسنتكلم إن شاء الله تعالى:

  • أولًا: عن حكم الاعتماد على المراصد الفلكية في رؤية الهلال.
  • ثم نتكلم عن حكم بخاخ الربو، وأثره على تفطير الصائم، وفي معناه أيضًا: الأكسجين استخدام الأكسجين بالنسبة للصائم.
  • والأقراص التي توضع تحت اللسان للعلاج، وفي معناها: اللاصقات من النيكوتين التي يستخدمها بعض من يريد الامتناع عن التدخين.
  • وأيضًا: استخدام المنظار، وأثره على تفطير الصائم، وغسيل الكلى، وأثره على تفطير الصائم.

هذه كما ترون مسائل مستجدة، وسوف نقف مع كل مسألة منها؛ ونبدأ أولًا بالمسألة الأولى: حكم الاعتماد على المراصد الفلكية في رؤية الهلال:

المسألة الأولى: حكم إثبات دخول الشهر بالحساب الفلكي

هذه المراصد التي وجدت في الوقت الحاضر لم تكن موجودة من قبل على هذا النحو الذي هي موجودة عليه، فهل يصح الاعتماد على هذه المراصد، أم لا؟

قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نشير إلى مسألة أخرى تكلم عنها أهل العلم قديمًا وحديثًا، فهي ليست من النوازل، ولكن لارتباطها بهذه المسألة التي بين أيدينا نشير لها إشارة مختصرة، وهي حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر؛ وللعلماء في ذلك قولان:

فأكثر أهل العلم قديمًا وحديثًا على أنه لا يصح الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر، بل حُكي إجماعًا.

لكن حكاية الإجماع محل نظر؛ إذ أن هناك من الفقهاء من خالف في هذه المسألة، فقد خالف بعض فقهاء المالكية والشافعية، كما حكى ذلك القرافي وغيره، واشتهر عن ابن سريج من الشافعية: أنه يعتمد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر.

ومن أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، وله رسالة مشهورة في هذا، ومن العلماء المعاصرين من قال: إنه يعتمد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات، بمعنى: لو قال الفلكيون: لا يمكن أن يُرى الهلال هذه الليلة، فيقول: يعتمد على قولهم في هذا، لكن لو قالوا: يمكن أن يُرى، فلا يعتمد، وإنما يعتمد على الرؤية، فإن رئي أثبت دخول الشهر، وإلا فلا، وهذا قال به جمع من العلماء المعاصرين.

والذي يظهر في هذه المسألة والله أعلم هو قول الجمهور وهو أن الاعتماد إنما هو على الرؤية؛ لعموم قول النبي : صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا الشهر ثلاثين [1].

ولكن مع ذلك ينبغي إذا دل الحساب على عدم إمكانية رؤية الهلال أن يتشدد في قبول الشهادة، فلا تقبل إلا من إنسان موثوق في دينه وأمانته، وأيضًا من إنسان معروف بحدة البصر، والخبرة في تحديد منازله.

إذ أن بعض الناس.. بعض من يدعي رؤية الهلال يغلب عليهم التسرع والعجلة والوهم، وبعضهم ربما رأى كوكبًا أو نجمًا يشبه الهلال فظنه هلالًا، وأذكر أنه في شهر شوال من العام الماضي عام ألف وأربعمائة وست وعشرين ادعى رؤية الهلال خمسة شهود، ومع ذلك رد مجلس القضاء الأعلى هنا في المملكة جميع شاهدات هؤلاء.

وكان الواقع هو كما رآه مجلس القضاء، فالليلة التي بعدها لم ير الهلال، يعني هؤلاء ادعوا رؤية الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، والليلة التي بعدها لم يستطع أحد رؤية الهلال حتى ولو بالمراصد الفلكية، فهذا أعطى مؤشرًا على أن ما رآه المجلس هو الحق.

فيغلب على.. بعض الناس ربما يكون ثقة، لكنه يهِم؛ يرى شيئًا يشبه الهلال، فيقول: إنه هلال، ويشهد بناء على ذلك، فأقول: إن الحساب يمكن أن يعتبر قرينة لا يعتمد عليها، ولكن يستأنس بها في دخول الشهر.

والحساب له عدة مجالات، منها: حساب وقت ولادة الهلال، وحساب وقت غروب القمر، وحساب مقدار درجات القمر فوق الأفق وقت غروب الشمس.. إلى غير ذلك من المجالات.

وأقوى هذه المجالات هو حساب وقت غروب القمر، فإنه من المتفق عليه بين العلماء أنه لا يعتد برؤية الهلال إلا إذا رئي بعد غروب الشمس، أما لو رئي قبل غروب الشمس ولو بدقيقة، ثم لم ير بعد غروب الشمس، فلا يعتد به بالإجماع.

وحينئذ فلو دل الحساب الفلكي على غروب القمر قبل غروب الشمس، ثم أتى أحد فادعى رؤيته بعد غروب الشمس، فما الحكم؟

الواقع أن حساب وقت غروب القمر دقيق جدًّا، وقد حدثني أحد المختصين في علم الفلك بأن معادلة غروب الشمس هي نفسها معادلة غروب القمر، وقال: إن من يشكك في حساب غروب القمر، فليشكك إذن في حساب غروب الشمس؛ لأن المعادلة واحدة.

وقد جربت هذا بنفسي، وراقبت غروب القمر لعدة أيام من عدة شهور، ووجدته دقيقًا، يغرب في نفس الدقيقة التي حددت في الحساب، فهو كغروب الشمس في هذا، فهذا هو من أقوى القرائن في الحساب الفلكي.

والواقع أنه في سنوات مضت يتقدم شهود، فيدعون رؤية الهلال، مع أن الحسابات قد دلت على أنه قد غرب، بل إن بعض أنواع التلسكوبات تتجه مباشرة إلى الهلال، إذا برمجت تتجه مباشرة إلى الهلال وتتابعه من أول النهار، فإذا غرب الهلال اتجهت إلى الأرض، فأحيانًا تتجه إلى الأرض، وتعطي إشارة بغروب القمر، ومع ذلك يأتي من يشهد برؤية الهلال، فهل تقبل شهادة هؤلاء؟

نحن قلنا: إنه ينبغي أن يتشدد في قبول شهادتهم، ولكن إذا كانوا أهل ديانة وأمانة وخبرة، وحدة نظر؛ فإنه من الصعب رد شهادتهم، لأننا قررنا أنه لا يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر، بل إنه جاء في صحيح مسلم: أن الناس تراءوا الهلال زمن النبي ، فقال بعضهم: هو ابن ليلتين، وقال بعضهم: هو ابن ثلاث، فقال النبي : إن الله أمده لكم لتروه [2]، فظاهر هذا الحديث هو أن الله تعالى قد يمد الهلال لكي يراه الناس، فيكون في هذا خرقًا لما هو معروف أو معلوم بالسنن، والله تعالى أعلم.

ولهذا فنتمسك بظاهر النص في هذا، فنقول: المعول عليه هو الرؤية، ولكن ينبغي أن يتشدد إذا دلت الحسابات الفلكية على عدم إمكانية الرؤية، ينبغي أن يتشدد في ذلك، ولا تقبل الشهادة إلا من عرف خبرته في هذا، وحدة نظره مع دينه وأمانته.

وهذه المسألة أعني دخول الشهر تشكل في بعض البلاد، خاصة في بعض البلاد غير الإسلامية، والتي يكون فيها جالية إسلامية يختلفون اختلافًا كثيرًا في هذه المسألة، فأقول: إذا أمكن اتحاد المسلمين على رأي فهو المطلوب؛ لقول النبي : الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يُفطر الناس [3].

ولكن إذا اختلف الناس في البلد الواحد، فحينئذ نقول: إنه ينبغي اتباع البلاد التي تعتمد على الرؤية في إثبات دخول الشهر، خاصة إذا كان الناس في تلك البلاد في الغرب يعني بأن كانت البلاد التي يريد اتباعها في الشرق.

فمثلًا: لو رئي الهلال هنا في المملكة، فلا بد أن يُرى في البلاد التي تقع غربها، كبلاد إفريقيا وأوروبا وأمريكا، في البلاد التي تقع في الغرب لا بد أن يرى فيها الهلال، لا يمكن أن يُرى الهلال هنا في المملكة، ولا يمكن رؤيته في البلاد التي تقع في الغرب، ما دام أن الرؤية صحيحة، فلا بد أن يُرى في البلاد التي تقع في الغرب، ولا يلزم من ذلك رؤيته في الشرق، فقد يتعذر رؤية الهلال في الشرق، ويمكن رؤيته في الغرب.

هذه نبذة موجزة عن هذه المسألة، ونعود لمسألتنا التي بين أيدينا وهي: الاعتماد على المراصد الفلكية في إثبات الشهر.

الاعتماد على المراصد الفلكية في إثبات الشهر

وهذه المسألة بحثها مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة قبل نحو ربع قرن، وتحديدًا عام ألف وأربعمائة وثلاثة للهجرة، وشكل لجنة من الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، مع بعض المختصين، ورأت اللجنة عدة أمور أقرها مجلس هيئة كبار العلماء:

ومنها: إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعًا.

ومنها: إذا رُئي الهلال بالعين المجردة، فالعمل بهذه الرؤية، وإن لم ير بالمرصد.

ومنها: إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة، وذلك لقول الله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، ولعموم قول النبي : لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا [4]؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.. الحديث [5].

وهو من رأى الهلال عن طريق المرصد يصدق عليه أنه رأى الهلال، ولأن المثبت مقدم على النافي، وهذا الرأي اعتمده مجلس هيئة كبار العلماء، وأصبح العمل عليه منذ ذلك الحين من عام ألف وأربعمائة وثلاثة.

وفي هذا رد على من يقول: إن العلماء لا يرون الاعتماد على المراصد الفلكية، هذا غير صحيح، بل العلماء قرروا منذ ذلك الحين جواز الاعتماد على المراصد الفلكية، لا مانع من الاعتماد عليها، سواء كانت المراصد الفلكية الكبيرة والضخمة، أو حتى عن طريق المنظار الصغير أو ما يسمى بالدربين ونحوه، كل هذا يصح الاعتماد عليه، ولو لم ير بالعين المجردة.

وسماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى عندنا بالمملكة صرح بهذا كثيرًا: بأن مجلس القضاء الأعلى يقبل الرؤية عن طريق المراصد الفلكية، فما يثار من أن العلماء هنا في المملكة لا يقبلون الرؤية عن طريق المراصد غير صحيح البتة.

بل إن العلماء قرروا ذلك من نحو ربع قرن، ولكن مع ذلك منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا لم ير الهلال عن طريق المراصد الفلكية، ولو لمرة واحدة، فما هو السبب في هذا؟

يعني رغم أن العلماء أقروا هذا، وهو الذي عليه العمل، ومجلس القضاء متوجه لقبول الرؤية عن طريق المراصد الفلكية، إلا أنه لم ير الهلال عن طريق المراصد منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا، ولو لمرة واحدة، فما هو السبب في هذا؟

أحد المختصين في علم الفلك تكلم عن هذه المسألة، وذكر السبب في هذا، وقال: يظن الكثير أن المراصد الفلكية مثل التلسكوبات وغيرها أنها تحسن فرصة رؤية الهلال، والواقع قد يكون العكس من ذلك.

ثم علل ذلك من الناحية العلمية، قال: إن فكرة المراصد تقوم على زيادة كمية الضوء الواصلة من الجسم المراد رصده، والمراد به هنا القمر، لا تكبير حجم ذلك الجسم، وإنما فقط زيادة كمية الضوء؛ لأن أغلب الأجرام السماوية بعيدة جدًّا، وإمكانية تكبيرها قد تكون صعبة بالنظر المباشر في المرصد، ولكن التكبير يحدث بتصويرها ضوئيًّا، ومن ثم تكبير هذه الصورة إلى أقصاها.

وفي حالة رصد الهلال فإن القمر يكون قريبًا جدًّا من الشمس، يعني في ليلة التحري يكون القمر قريبًا جدًّا من الشمس، وهنا ستكون كمية ضوء الشمس من الكبر، بحيث لا يتمكن من ينظر في المرصد من رؤية الهلال بسبب ضوء الشمس الشديد، لأن القمر قريب من الشمس، فيكون ضوء الشمس هنا كبيرًا، فلا يتمكن الراصد عن طريق المرصد من رؤية الهلال، بل إنه ربما يؤثر ذلك على عين الراصد.

أما إذا كان القمر بعيدًا عن الشمس، فإمكانية رؤيته بصرية ستكون سهلة، ولن يقدم المرصد حينئذ كبير خدمة.

قال: وإذا زاد حجم المرصد الفلكي صغرت مساحة المنطقة المرصودة، وتركزت كمية الضوء الواصلة لعين الراصد في حين أن الرصد بالعين المجردة سيمكن من النظر إلى نصف الأفق تقريبًا مما يقلل من كمية الضوء المركزة.. إلى آخر ما ذكر.

ثم قال: وخلاصة القول إن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن حاليًا حسب الإمكانات الموجودة عالميًا، إلا في حالات يمكن للعين البشرية أن ترى فيها ببساطة.

فتبين بهذا السبب في عدم رؤية الهلال عن طريق المراصد، وهو أن القمر ليلة الرصد ليلة التحري يكون قريبًا جدًّا من الشمس، وبالتالي لا يمكن رؤية الهلال في هذه الحال بسبب قوة الضوء.

أما إذا كان القمر بعيدًا عن الشمس، فهنا تسهل رؤيته بالعين المجردة، فلا حاجة لرؤيته عن طريق المراصد، ولذلك منذ ذلك الحين، يعني منذ إقرار العلماء لجواز استخدام المراصد، والاعتماد عليها إلى وقتنا هذا لم ير الهلال عن طريق المراصد، ولو لمرة واحدة، فهذا هو السبب كما ترون هو يعني الكلام الذي نقلت عن أحد المختصين مقنع في هذا، ويؤيده الواقع.

خلاصة الكلام: أنه يصح الاعتماد على المراصد الفلكية في إثبات دخول الشهر، فلو قدر أنها صنعت بطريقة معينة بحيث يمكن رؤية الهلال عن طريقها، فلا مانع شرعًا من الاعتماد عليها، ولو لم ير الهلال بالعين المجردة.

إنما فقط الإشكال هو في الاعتماد على الحساب، أما الاعتماد على رؤية الهلال عن طريق هذه المراصد فلا مانع منه.

يصح إثبات أوقات الصلوات بالحساب بخلاف الأهلة

قبل أن نتجاوز هذه المسألة يثير بعض الناس أمرًا متعلقًا بالاعتماد على الحساب، يقولون: أنتم تعتمدون على الحساب في أوقات الصلوات، فلماذا لا تعتمدون على الحساب في إثبات دخول الشهر؟

وأقول: هذا الإيراد ذكره القرافي رحمه الله في كتابه “الفروق” في الفرق الثاني والمائة، كتابه الفروق كتاب قيم، ذكر هذا الإيراد في كتابه “الفروق” في الفرق الثاني والمائة، قال: الفرق الثاني والمائة بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات، وكل ما دل عليها، وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب.

ثم بين رحمه الله هذا الفرق، وقال: إن الله تعالى جعل أسبابًا لوجوب الصلوات، فمتى علم السبب بأي طريق لزم الحكم، قال: إن الله تعالى نصب زوال الشمس سببًا لوجوب صلاة الظهر، فمتى ما علم زوال الشمس بأي طريق، فحينئذ لزم الحكم.

وهكذا بالنسبة لوقت العصر والمغرب والعشاء والفجر، فمتى ما علمت هذه الأسباب التي نصبها الشارع لزم الحكم، إذا علمنا زوال الشمس بأي طريق لزم الحكم، علمنا أن يصبح طول ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال بأي طريق لزم الحكم، وهكذا.

فجعل لأوقات الصلوات أسباب، متى ما علم هذا السبب لزم الحكم، فيمكن أن نعرف هذا السبب عن طريق الحساب الفلكي.

قال: وأما بالنسبة للأهلة، فلم ينصب صاحب الشرع خروجها خروج الشمس من الشعاع سببًا للصوم، أو.. نعم.. خروجها يعني خروج الأهلة، يعني خروج الأهلة من الشعاع، يعني: من شعاع الشمس سببًا للصوم، بل رؤية الهلال خارجًا من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي.

قال: فصاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سببًا للصوم.

خلاصة هذا الكلام:

نقول: إن الشارع في أوقات الصلوات نصب أسبابًا لدخول الوقت، فمتى علم هذا السبب بأي طريق دخل الوقت، ويمكن أن نعرف هذا السبب عن طريق الحساب الفلكي، أما بالنسبة لدخول الشهر، فقد جعل الشارع المعول عليه في ذلك هو الرؤية، ولم يجعل المعول عليه في ذلك هو الحساب، أو خروج الهلال كما ذكر من شعاع الشمس، وإنما المعول عليه الرؤية.

فنجد أنه في دخول الشهر، قال: صوموا لرؤيته، ولم يقل: لخروج الهلال من الشعاع، وإنما قال: صوموا لرؤيته، بينما في وقت صلاة الظهر قال: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، يعني: لزوال الشمس، فهذا هو الفرق، وبذلك نعرف أنه لا يصح هذا القياس، لا يصح قياس إثبات دخول الشهر على أوقات الصلوات في الاعتماد على الحساب، هذا ما يتعلق ببحث هذه المسألة.

المسألة الثانية: حكم استخدام بخاخ الربو للصائم

ننتقل بعد ذلك إلى مسألة: حكم استخدام بخاخ الربو ونحوه بالنسبة للصائم، وأثر ذلك في تفطير الصائم:

نقول: أولًا: إن علاج الربو إما أن يستخدم عن طريق دواء يسمى الكبسولات ونحوها، فهذه تفطر الصائم، وهذه الكبسولات يكون فيها دقيق، ولها آلة تضغط ثم تنفجر في الفم، فيختلط هذا الدقيق الموجود في الكبسولات يختلط بالريق، ويبلعه الصائم، وحينئذ فإن هذا الدواء يفطر الصائم.

والقسم الثاني: وهو الذي نعنيه ببحث هذه المسألة: بخاخ الربو وهو غاز ليس فيه إلا هواء، يفتح مسام الشرايين حتى يتنفس المصاب بالربو، حتى يتنفس بسهولة.

وهذه المسألة اختلف العلماء المعاصرون فيها على قولين:

القول الأول: أن بخاخ الربو ونحوه لا يفطر الصائم، ولا يفسد الصوم، ومن أبرز من قال بذلك من العلماء المعاصرين سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله تعالى، وقال بعض العلماء المعاصرين: إن بخاخ الربو يفطر الصائم.

وسبب الخلاف في هذه المسألة: هو أن بخاخ الربو مكون من ماء وأكسجين ومواد كيميائية، ويصل إلى المعدة جزء يسير منها، فهل هذا الجزء اليسير يفطر الصائم، أم لا؟

فمن قال: بأن بخاخ الربو يفطر الصائم، قال: بأنه قد وصل إلى المعدة جزء يسير من هذا البخاخ، وحينئذ يفسد الصوم، ومن قال: بأنه لا يفطر الصائم، رأى أن هذا الجزء اليسير لا يفسد الصوم. والقول: بأنه لا يصل للمعدة من هذا البخاخ شيء غير صحيح، المختصون من الأطباء يفيدون بأن هذا البخاخ لا بد أن يصل منه جزء يسير إلى المعدة، ولكن هذا الجزء هو جزء يسير جدًّا.

وبيان ذلك: أن عبوة بخاخ الربو المعتادة تحتوي على عشر ملي لتر من السائل بما فيه من المادة الدوائية، وهذه الكمية معدة على أساس أن يبخ منه مائتا بخة، أي أنه في كل بخة يخرج جزء من الملي لتر الواحد، وكل بخة تشكل أقل من قطرة واحدة.

وهذه القطرة وهذا الجزء اليسير أيضًا سوف ينقسم إلى أجزاء: الجزء الأكبر يدخل إلى الجهاز التنفسي، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم، والباقي وهو المقصود هنا قد ينزل للمعدة، وهو مقدار يسير جدًّا.

والذي يظهر والله أعلم: هو أن بخاخ الربو لا يفطر الصائم، وذلك لأن هذا المقدار الذي يصل للمعدة مقدار يسير جدًّا، فيُعفى عنه قياسًا على المتبقي بعد المضمضة والاستنشاق، فإن المتبقي بعد المضمضة ما يسميه العلماء بملوحة الماء قد يختلط بالريق، ويبلعه الصائم، ولم يقل أحد من العلماء بأنه يفطر الصائم.

فإن الصائم عندما يتمضمض يبقى في الفم ملوحة، وهذه الملوحة تختلط بالريق، فيبلعه الصائم، ولا يؤثر ذلك على صحة الصيام بالإجماع، وذلك لأن هذه ملوحة الماء جزء يسير فيعفى عنه.

هكذا أيضًا نقول: الجزء اليسير الذي يدخل من بخاخ الربو إلى المعدة يعفى عنه، بل قال بعض المختصين: إن هذا الجزء اليسير الذي يصل إلى المعدة هو في الحقيقة أقل مما يصل إلى المعدة من المضمضة.

ولهذا قالوا: لو أنه تمضمض بماء موسوم بمادة مشعة لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل، فإذن الجزء اليسير الذي يصل إلى المعدة من بخاخ الربو أقل مما يصل إلى المعدة من ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة، وبهذا يتبين أن مثل بخاخ الربو أنه لا يفطر الصائم بناء على هذا التقرير.

وفي معنى بخاخ الربو الأكسجين الذي يستخدمه بعض الناس عندما يكون عنده ضيق نفس، فيستخدمه لتوسيع مجاري الجهاز التنفسي، فمثل هذا أيضًا حكمه حكم بخاخ الربو لا يفطر الصائم، حتى ولو وصل جزء يسير جدًّا إلى المعدة، فيعفى عنه قياسًا على أثر ملوحة الماء التي تبقى بعد المضمضة، وربما يصل إلى المعدة منها جزء يسير.

فكما أنه يعفى عنها، فيعفى كذلك عما يصل من بخاخ الربو ونحوه، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.

المسألة الثالثة: حكم الأقراص التي توضع تحت اللسان

المسألة الثالثة: الأقراص التي توضع تحت اللسان، وهي أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية ونحوها، توضع تحت اللسان للتداوي، إما لعلاج الأزمات القلبية، أو لغيرها.

وهذه الأقراص تمتص مباشرة بعد وضعها تحت اللسان بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزماته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص، فهل هذه الأقراص تفسد الصوم؟

وفي معناها أيضًا: استخدام لاصقات النيكوتين التي تساعد على الامتناع عن التدخين، فإن هناك لاصقات تحتوي على مادة النيكوتين تفرز تلقائيًّا النيكوتين إذا احتاجها الجسم، وتساعد من أراد الامتناع عن التدخين تساعده على الامتناع عنه.

فإذا وضعها الصائم على جلده، فهل تفطر الصائم، أم لا؟

هذه المسائل يمكن تفريعها على مسألة أشار إليها بعض الفقهاء، وتكلم عنها بعض مشايخنا، وهي مسألة: التداوي الذي يصل أثره للجوف، التداوي عن غير طريق الفم والأنف، ويصل أثره للجوف.

ذكر هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذكر خلاف العلماء فيها، وألحق بها التداوي والاحتقان والاكتحال إذا وصل إلى حلقه وجوفه، وحس بطعمها، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذه كلها لا تفطر الصائم، قال:

“الأظهر أن الصائم لا يفطر بالكحل والحقنة، ومداواة الجائفة والمأمومة”، وهما نوعان من الشجاج، مع أن مداواة الجائفة والمأمومة يستوجب وصول الدواء إلى الجوف، قال: “ومعلوم أن النص والإجماع أثبت الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، وليس كذلك الكحل والحقنة، ومداواة الجائفة والمأمومة”.

ثم قال: “والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة فيستحيل دمًا، ويتوزع على البدن”، يعني: لو أصاب الإنسان شجة من جائفة أو مأمومة، أو غيرها من الشجاج، فوضع عليه دواء، فوصل الدواء إلى الجوف، فهنا وصل الدواء عن طريق الدم إلى الجوف، فهنا يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ذلك لا يحصل به التفطير للصائم.

ومثل ذلك في وقتنا الحاضر: الإبر غير المغذية، مثل: إبر الأنسولين، وغيرها، الإبر غير المغذية تجري على هذا الخلاف، والذي يفتي به كثير من مشايخنا أنها لا تفطر الصائم، من أبرز من يفتي بذلك: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن هذه الإبر غير المغذية لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، ولا في معنى الأكل والشرب.

وبناء على هذا التقرير نقول: إن استخدام الدواء عن غير طريق الفم والأنف إنه على القول الصحيح لا يفطر الصائم، على ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية لا يفطر الصائم.

وبناء على ذلك فإن استخدام هذه الأقراص تحت اللسان هي في معنى التداوي عن غير طريق الفم والأنف، ونعني بالتداوي عن طريق الفم: بأن يبتلع ذلك الدواء عن طريق فمه، أو أنه يستخدم عن طريق أنفه.

أما هنا في مسألتنا فإنه لا يبتلع الدواء، وإنما يجعل هذه الأقراص تحت لسانه، فتمتص مباشرة عن طريق الجلد وتصل للدم، وبناء على ذلك نقول: إن الأقرب والله أعلم أنه لا يحصل بها التفطير للصائم، بناء على هذا التقرير، وبناء على تخريجها على المسألة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي: التداوي عن غير طريق الفم والأنف.

حكم لاصقات النيكوتين

وعلى ذلك أيضًا يكون الحديث في لاصقات النيكوتين التي يستخدمها من يريد الامتناع عن التدخين، على أنه قبل مدة صدر فيها فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة سماحة المفتي حفظه الله، ورأت اللجنة أن لاصقات النيكوتين يحصل بها التفطير للصائم.

وبين يدي الآن فتوى أجابت اللجنة أنه بعد سؤال المختصين عن حقيقة هذه اللاصقات أفادوا بأنها تمد الجسم بالنيكوتين وتصل إلى الدم، وهذا يبطل الصيام، كما يبطله شرب الدخان مباشرة.

ولعلهم أخذوا بالرأي الآخر، وهو أن التداوي عن غير طريق الفم والأنف أنه يفسد الصوم، والمسألة خلافية كما سمعتم المسألة خلافية، فلعل فتوى اللجنة كانت بناء على القول الآخر في المسألة، هذا هو الذي يظهر في هذه المسألة هو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن التداوي عن غير طريق الفم والأنف أنه لا يحصل به التفطير للصائم.

ومما يؤكد هذا أن كون هذه الأمور تفطر الصائم أمر مشكوك فيه، والأصل صحة الصيام، وعدم فساده، ولا نستطيع أن نبطل صيام عباد الله إلا بأمر واضح ظاهر عليه دليل ظاهر.

وبناء على ذلك نقول: إن الأقرب والله أعلم في هذه الأمور كلها هو أنه لا يحصل بها التفطير للصائم على أن الخلاف فيها يورد شبهة إذا لم يحتج إليها الإنسان، فالأولى أن يتجنبها وقت صومه.

حكم استخدام منظار المعدة

استخدام منظار المعدة لا يفطر الصائم إذا لم يصاحبه إدخال سوائل، أو محاليل، ولم يدهن بدهان، فإنه لا يفطر الصائم، وقد قرر هذا المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: أن إدخال المنظار لا يفطر الصائم، سواء كان منظار المعدة، أو كان منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء، وإجراء عملية جراحية.

فاستخدام المنظار مطلقًا لا يفطر الصائم بشرط ألا يصحبه إدخال سوائل، وألا يكون أيضًا مدهونًا بمادة دهنية، فإنه إذا كان مدهونًا وأدخل عن طريق المعدة يحصل به التفطير للصائم، لكن إذا خلا من ذلك، خلا من إدخال السوائل أو محاليل، وخلا كذلك من أن يكون مدهونًا، فإنه لا يفطر الصائم على ما قرره المجمع الفقهي.

وأيضًا يعني تتمة للفائدة في المسألة السابقة: المجمع الفقهي أيضًا أقر بأن الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها أنها لا تفطر الصائم.

ومثل ذلك أيضًا: غازات التخدير البنج ما لم يعط المريض سوائل أو محاليل مغذية لا تفطر الصائم، وأيضًا: ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد؛ كالمراهم والدهانات، واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية والكيميائية لا تفطر الصائم على ما أقره مجمع الفقه الإسلامي.

المسألة الرابعة: مدى تأثير غسيل الكلى على الصيام

والمسألة الأخيرة التي معنا: غسيل الكلى، هل يحصل به التفطير للصائم، أم لا؟

هذه المسألة بحثت في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وقد كتبت اللجنة إلى بعض المختصين من الأطباء حول حقيقة غسيل الكلى، وجاء في فتوى اللجنة أنه بعد المكاتبات لبعض المختصين ورد ما مضمونه: أن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة، وهي ما تسمى بالكلية الصناعية، تتولى تنقية الدم، ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية؛ كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم.

وبعد دراسة اللجنة لذلك، والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي، أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام؛ وذلك بسبب هذه الإضافات، وإلا مجرد التنقية قد نقول: إنها لا تفسد الصوم، لكن هذه الإضافات لها أثر في إفساد الصوم.

وبناء على ذلك نقول: إن غسيل الكلى إنه يحصل به التفطير للصائم، فإذا أمكن أن يجعل بالليل، وإلا إذا احتاج الإنسان لغسيل الكلى فإنه يفعل باعتبار أنه مريض، ويقضي ذلك اليوم الذي حصل فيه غسيل الكلى.

هذه هي أبرز النوازل المتعلقة بكتاب الصيام، والله تعالى أعلم.

الأسئلة

السؤال: هل يجوز أخذ أجرة، أو مبلغ من المال مقابل تغسيل الأموات وتحضير الكفن وشرائه وتجهيزه وتكفينه؟

الشيخ: نعم، لا بأس بذلك، وعليه عمل المسلمين من قديم الزمان، وقد ذكر الفقهاء حكم أخذ الأجرة على ذلك، ذكر بعض الفقهاء مثل هذا، مع أن هذا من فروض الكفاية، ولكن لو قدر أن أحدًا طلب مبلغًا من المال، وأعطي مقابل ذلك فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

السؤال: هل يثبت دوران الأرض، والوصول إلى القمر؟ وما موقف المسلم من هذه الأخبار؟

الشيخ: أولًا: يعني دوران الأرض يعني كون الأرض تدور أصبحت مسألة قطعية، وذلك أن الأرض صورت بطريق الأقمار الصناعية وعن طريق الطائرات، والمسألة الآن ليست يعني محلًا للشك أصلًا، المسألة أصبحت قطعية.

بل إنك لو بحثت في بعض مواقع الإنترنت تجد صورًا للأرض وهي تدور، وقد رأيت هذا بنفسي، تجد صورًا للأرض وهي تدور، ويحسب دوران الأرض الآن في سير الطائرات والمركبات الفضائية وغيرها، ولذلك أقول: إنها أصبحت هذه المسألة من الأمور القطعية.

بل إنني أقول: إن ابن عاشور في التحرير والتنوير ذكر أن قول الله تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88]، قال: إن هذه الآية تدل على دوران الأرض، وعبر عن الأرض بالجبال، وقال: ولذلك قال: وَتَرَى، يعني: لا يعرفه إلا قلة من الناس مثل هذه المعلومات، ولم يقل يعني لم يلفت نظر الجميع لذلك، وإنما قال: وَتَرَى، فذكر أن المقصود بهذا المرور: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل:88]، أن المقصود بذلك: دوران الأرض، والله تعالى أعلم.

وبكل حال يعني لا يمكن أن تقع مصادمة بين النصوص وبين الأمور القطعية، هذه مسألة أصبحت من الأمور القطعية التي تُرى وتشاهد وتحسب في سير المركبات الفضائية وغيرها.

ولذلك فإن إنكارها من قِبل طالب العلم يهز الثقة في معلوماته في الوقت الحاضر خاصة، قد يكون العلماء السابقون معذورين بسبب عدم توفر المعلومات الكافية في هذا، لكن في الوقت الحاضر مع تقدم المعلومات وتيسرها، وتصوير الأرض عن طريق الفضاء الخارجي أصبحت المسألة قطعية.

ونعتذر للعلماء السابقين بأنهم لم تتوفر لهم المعلومات الكافية حول هذه المسألة، ولذلك قالوا: بعدم دوران الأرض، فالأرض تدور، وكذلك الشمس تدور أيضًا: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40].

وكذلك أيضًا: ما ذكر من الوصول للقمر لا مانع منه، وقد ألف الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله رسالة في هذا، وبين أنه ليس في النصوص ما يمنع من الوصول للقمر، الآن قد وصلوا إلى ما هو أبعد من القمر، فمثل هذه الأمور ليس في النصوص ما يمنع منها، والله تعالى أعلم.

السؤال: أريد اسم كتاب، حتى أستطيع فهم هذه المادة.

الشيخ: ليس هناك في الحقيقة كتاب معين، الحقيقة أبذل جهدًا في جمع أطراف هذه المادة، فليس هناك كتاب معين، لكن لعل هذه الدورة في الحقيقة توجد كتابًا، لعل هذه الدورة إن شاء الله إذا انتهت توجد كتابًا في هذا.

السؤال: ما حكم قراءة الكف؟ وحكم فك السحر بالسحر؟

الشيخ: قراءة الكف لا يجوز، وهو من أعمال الشعوذة والدجل، وفك السحر بالسحر الصحيح أيضًا أنه لا يجوز؛ لأن النبي سُئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان [6]، وهذا يقتضي تحريم ذلك.

السؤال: متى تكون رؤية الهلال في المرصد حقيقة؟

الشيخ: إذا رئي الهلال عن طريق المرصد، هي رؤية حقيقية.

السؤال: كيف نفرق بين الخسوف الكاذب، وعدم وجود الخسوف أصلًا؟

الشيخ: ما يسمى بالخسوف الكاذب هو ليس بخسوف شرعًا أصلًا، ليس بخسوف شرعًا، ولكنهم يعني الفلكيون يسمونه خسوفًا باعتبار أنه يحصل هناك أن ضوء القمر يبهت قليلًا، ولا يدرك هذا إلا المختصين، ومثل هذا لا يسمى خسوفًا شرعًا، ولذلك لا تشرع الصلاة عنده.

السؤال: ما حكم وضع الزبالة الصغيرة أمام المصلين جوار المصاحف؟

الشيخ: يعني لا يليق بمثل هذا، وقد أمر النبي بحك النخامة، فلا ينبغي أن توضع أمام المصلين.

السؤال: هل يقطع الرجل من أقام وهو يصلي بدون سترة؟

الشيخ: لعله يقصد مرور الإنسان أو مرور رجل أمام من يصلي بدون سترة، هل يقطع الصلاة أم لا؟

هو لا يقطع الصلاة، ولكنه يؤثر في نقصان أجر المصلي، ولهذا فإن المصلي يدرأه ما استطاع، إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، وأراد أحد من الناس أن يمر بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإن ما هو شيطان [7].

إنما الذي ورد بأنه يقطع الصلاة كما في صحيح مسلم: المرأة والحمار والكلب الأسود [8]، هذه الأمور الثلاثة هي التي تقطع الصلاة، وما عداه فإنها لا تقطع الصلاة، وإنما تؤثر في نقصان أجر المصلي.

نعم.. إذا صلى بسترة طبعًا يكون بينه وبين السترة، أما إذا صلى من غير سترة، فمن العلماء من حدده بثلاثة أذرع، والأقرب والله أعلم هو أن الحد في ذلك إلى موضع سجوده، فإذا مر بين موضع سجوده، وبين هذا المصلي، فإنه يقطع الصلاة إذا كان من هذه الثلاثة، وينقص من أجر المصلي إذا كان من غيرها.

أما إذا كان بعد موضع السجود، فإنه لا بأس بالمرور حينئذ، هذا هو أحسن ما قيل.. الحرم مستثنى، الحرم مستثنى من هذا؛ وذلك بسبب الزحام الشديد، الصحيح أن الحرم مستثنى، والأصول والقواعد الشرعية تدل لهذا، حتى لو لم يرد في هذا نص خاص، وعند الفقهاء قاعدة: إذا ضاق الأمر اتسع.

ومن يرى كثرة الناس وفي الحرم، والحرج الذي يلحق الناس لو قيل: بأن المرور بين يدي المصلي أنه يقطع الصلاة، يترجح والله أعلم أن الحرم مستثنى من هذه المسألة، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، يرى أن الحرم مستثنى من هذه المسألة.

وإن كان بعض الفقهاء يخالف في هذه المسألة، كما أن بعضهم يرى أن الحرم كغيره، ولهذا كان البخاري وجماعة من أهل العلم يرون أن الحرم كغيره، ولكن الذي يظهر هو ما ذكرنا.

نعم، ورد في الحديث: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان عليه أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه [9]، هل هو أربعين يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا؟ لم يوضح.

.. المسجد النبوي كغيره، ولكن هذا فقط خاص بالمسجد الحرام، ونكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1909، ومسلم: 1081.
^2 رواه مسلم: 1088.
^3 بنحوه رواه الترمذي: 697، وقال: حسنٌ.
^4 رواه البخاري: 1906، ومسلم: 1080.
^5 سبق تخريجه.
^6 رواه أبو داود: 3869.
^7 رواه البخاري: 509، ومسلم: 505.
^8 رواه مسلم: 511.
^9 رواه البخاري: 510، ومسلم: 507.
مواد ذات صلة
zh