عناصر المادة
- أعمال يوم التروية
- الوقوف بعرفة
- خطبة النبي في عرفة
- كيفية وقوف النبي
- الدفع من عرفة
- الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة
- المبيت بمزدلفة
- صلاة الفجر بمزدلفة
- الذكر عند المشعر الحرام
- النهي عن النظر إلى الأجنبيات
- الإسراع في وادي مُحَسِّرٍ
- رمي جمرة العقبة يوم النحر
- ذبح الهدي يوم النحر
- الحلق أو التقصير يوم النحر
- طواف الإفاضة
- الشرب من ماء زمزم
- حكم الشرب قائمًا
- بركة ماء زمزم
- الحث على العمل بالأكمل والأفضل في مناسك الحج
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
أعمال يوم التروية
كنا قد وصلنا في حديث جابرٍ إلى قوله:
فلما كان يومُ التروية توجهوا إلى منًى.
“فلما كان يوم”: (يوم) هو ظرف زمانٍ، والأصل في ظرف الزمان أن يكون منصوبًا (يومَ)، ولكن هنا سُلبت منه الظرفية؛ ولذلك كان مرفوعًا، وهو فاعلٌ، “كان يومُ”، وكان هنا تامةٌ وليست ناقصةً، أي: لما جاء يوم التروية.
ويوم التروية: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي يوم التروية؛ لأن الحجاج كانوا يتروَّون فيه في منًى؛ استعدادًا لأيام الحج؛ لأن منًى لم يكن فيها ماءٌ، فكان الحجاج يتروَّون، وكان يشتد عليهم ذلك، وزبيدة حفرت عينًا (عين زبيدة)؛ لأجل سُقيا الحجاج من مائها، ولا تزال آثارها إلى اليوم.
قال: “فلما كان يوم التروية”، يعني: يوم الثامن من ذي الحجة، توجهوا إلى منًى، يعني توجهوا من الأبطَح إلى منًى، كان النبي والصحابة يقيمون في الأبطح من الرابع من ذي الحجة إلى الثامن، أربعة أيامٍ، أقاموا في الأبطح، ثم توجهوا من الأبطح إلى منًى، فأهلوا بالحج، والذين أهلوا بالحج هم المتمتعون، وإلا فإن القارنين مستمرون على إحرامهم مثل النبي عليه الصلاة والسلام؛ كان مستمرًّا على إحرامه، ومن ساق الهدي كانوا كلهم قارنين، والقارن لا يُحِل إحرامَه.
قال:
فأهلوا بالحج.
ولم يذكر هنا أنهم ذهبوا إلى المسجد الحرام وأهلوا من عند المسجد، أو من عند الميزاب، أو من عند الكعبة، وعلى ذلك: فما يفعله بعض الناس من أنه إذا أراد أن يُهِل بالحج ذهب للحرم وأحرم من عند الكعبة أو من عند الميزاب، هذا كله لا أصل له، وإنما يُحرِم من منًى، في اليوم الثامن يحرم من منًى؛ ولهذا قال: “توجهوا إلى منًى فأهلوا بالحج”، أو يحرم من مكة ثم يذهب إلى منًى.
وركب رسول الله .
يعني: ركب من الأبطح إلى منًى.
فصلى بها -يعني: فصلى بمنًى- الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
صلى بها خمسة أوقات: الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاث ركعاتٍ، والعشاء ركعتين، والفجر ركعتين، قصرًا من غير جمعٍ.
فالسنة للحاج إذا أقام في منًى: أن يقصر الصلاة الرباعية ركعتين من غير جمعٍ، لكن لو أراد أن يجمع فلا بأس، فإن بعض الحجاج ربما مثلًا يحتاجون للجمع، حاجٌّ متعبٌ مثلًا يريد أن يجمع بين الظهر والعصر وينام، ما قَدِم مثلًا إلا صبح يوم التروية، يريد أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ، أو يجمع بين المغرب والعشاء، لا بأس، لكن الأفضل هو أن تصلَّى كل صلاةٍ في وقتها من غير جمعٍ قصرًا.
الوقوف بعرفة
قال:
ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس.
يعني: يوم عرفة، اليوم التاسع، وكان في حجة الوداع، وافق يومُ عرفة يومَ الجمعة، وفي هذا العام أيضًا 1443 سيوافق يومُ عرفة يومَ الجمعة، في الغالب أنه سيوافق يوم عرفة يوم الجمعة؛ لأنه في الغالب أنه سيكون دخول عشر ذي الحجة يوم الخميس إن وافق للتقويم، ويكون بهذا يوم عرفة يوم الجمعة.
إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فهل لهذه الحجة مزيةٌ أو خصوصيةٌ؟
مزيتها أنها توافق حجة النبي فقط، وأما ما يذكره بعض الناس من أنها تعادل سبعين حجةً فهذا لا أصل له، لم يثبت في هذا شيءٌ، ميزاتها فقط أنها توافق حجة النبي .
قال:
ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس.
يعني: شمس يوم عرفة.
وأمر بقُبَّةٍ من شعرٍ.
يعني: خيمةً من شعرٍ، أو من صوفٍ
تُضرب له بنَمِرة.
النبي عليه الصلاة والسلام كان هو القائد للصحابة ، وكان معه من يخدمه، فأمر بأن تُضرب له قبةٌ، يعني: خيمةً من شعرٍ، أو من صوفٍ بنمرة قبل أن يذهب، فضربت له هذه القبة في نمرة، ونمرة قريةٌ قربَ عرفة.
فسار رسول الله ، ولا تشك قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المشعر الحرام.
يعني: أنه سيقف في مزدلفة، ولن يقف في عرفة؛ لأن قريشًا كانت لا تقف في عرفة، ويقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، ومزدلفة من الحرم، وعرفة ليست من الحرم، فكانوا لا يشُكون في أن النبي عليه الصلاة والسلام سيقف في مزدلفة، فتجاوز النبي عليه الصلاة والسلام مزدلفة، وذهب إلى عرفة؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199]، وليس من حيث أفاضت قريشٌ، فكانت قريشٌ لها بعض الأمور التي تريد أن تتحكم فيها، وتكون لها مزيةٌ من بين سائر الحجاج؛ منها: أن تقف بمزدلفة ولا تقف في عرفة، ومنها أيضًا: أنه لا يطوف بالثياب إلا هم -إلا قريشٌ الحُمْس- أو من يعطونه ثيابهم، وبعض الأمور التي كانوا يفعلونها فأبطلها الإسلام.
فهذا معنى قول جابرٍ : “ولا تشك قريشٌ أنه واقفٌ عند المشعر الحرام”، يعني: عند مزدلفة؛ جريًا على عادة قريشٍ، لكن النبي خالفهم ووقف بعرفة: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199]، قال: “كما كانت قريشٌ تصنع بالجاهلية.
فأجاز رسول الله حتى أتى عرفة.
فأجاز؛ لأن بعد منًى وادي مُحَسِّرٍ، وبعده مزدلفة، وبعدها عرفة، فمعنى ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام سار من منًى، وقطع مزدلفة ذاهبًا إلى عرفة، هذا معنى قوله: “فأجاز”.
فوجد القبة قد ضُربت له بنمرة.
وهي كما قلنا: قريةٌ صغيرةٌ قرب عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، ونمرة مكانٌ يستريح فيه الحاج، استراح فيه النبي عليه الصلاة والسلام لما أتى من منًى إلى عرفة، استراح في هذا المكان في نمرة، وذلك؛ لأن هذه هي أطول مسافةٍ في الحج: من منًى إلى عرفة؛ لأن المشاعر ترتيبها: منًى، ثم وادي محسرٍ، ثم مزدلفة، ثم عرفة، فأطول مسافةٍ يقطعها الحاج من منًى إلى عرفة؛ فلذلك استراح النبي عليه الصلاة والسلام في نمرة.
قال:
فنزل بها.
يعني: نزل بالقبة التي في نمرة.
حتى إذا زاغت الشمس.
يعني: زالت الشمس منتصف النهار، بعد منتصف النهار.
أمر بالقصواء فرُحِلَت له.
أمر بناقته بأن يُجعل رحلها عليها؛ لأنهم لما وصلوا إلى نمرة أنزل ما عليها من رحلٍ.
فأتى بطن الوادي.
يعني: انتقل من نمرة إلى بطن وادي عُرَنة؛ لأنه أسهل من الأرض الجرداء، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يخطب على هذا الوادي أسهل للناس من الأرض الجرداء، وبطن عرنة الآن هو مكان مسجد عرفة، مسجد عرفة الآن، المكان الذي خطب فيه النبي عليه الصلاة والسلام هو مسجد عرفة الآن، ولذلك؛ جزءٌ منه من عرفة، وجزءٌ ليس من عرفة، جزءٌ من وادي عُرَنَة، وهو ليس من عرفة؛ ولذلك قال: وارفعوا عن بطن عُرَنة [1]
خطبة النبي في عرفة
قال:
فخطب الناس.
يعني: خطبة عرفة خطبةٌ عظيمةٌ، وخطبةٌ أيضًا مختصرةٌ ليست طويلةً، خطبةٌ قصيرةٌ جامعةٌ، وذكر جابرٌ خطبة النبي في عرفة.
قال:
إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [2].
وهذا يبين عظيم شأن حرمة الدماء والأموال والأعراض، وأنها كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، وهذا يدل على عظيم شأن حقوق العباد، وأن حقوق العباد مبناها على المُشاحَّة ولهذا؛ النبي في خطبة عرفة -وهو أعظم مجمعٍ في عهده عليه الصلاة والسلام- ابتدأ وافتتح هذه الخطبة بتعظيم شأن حقوق العباد؛ لأن حقوق الله مبناها على المسامحة لكن حقوق العباد مبناها على المشاحة.
وحقوق العباد لا ينفع معها التأويل، لا ينفع معها؛ لأن مبناها على المشاحة، ولهذا؛ فليحذر المسلم غاية الحذر من أن يقع في حق أخيه المسلم؛ في دمه أو ماله أو عرضه؛ فإن حرمته كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، ولهذا؛ لما رأى ابن عمر الكعبة قال: “إني أعلم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منكِ”.
قال:
ألا كل شيءٍ من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوعٌ.
أراد عليه الصلاة والسلام أن يبطل ما كان من أمور الجاهلية، فقال: كل شيءٍ من أمور الجاهلية باطلٌ، وعبر عن ذلك بقوله: تحت قدمي موضوعٌ، وهذه عبارةٌ تستعملها العرب عند المبالغة في تأكيد إبطال الشيء، هذا تحت قدمي موضوعٌ، فهذا كنايةٌ عن إبطال أمور الجاهلية، جميع أمور الجاهلية أبطلها النبي .
قال:
ودماء الجاهلية موضوعةٌ.
جميع ما كان في الجاهلية من دماءٍ لا حكم لها؛ لا قصاص ولا دية.
وإن أول دمٍ أضع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن عبدالحارث.
ابن عم النبي ، أراد أن يقتدي به الناس، فقال: أنا أضع دم ابن عمي حتى يقتدي بي الناس.
كان مسترضعًا في بني سعدٍ، فقتلته هذيلٌ، وربا الجاهلية موضوعٌ.
أيضًا ما كان في الجاهلية عندهم من ربًا موضوعٌ.
وأول ربًا أضع: ربا العباس بن عبدالمطلب.
كان العباس بن عبدالمطلب غنيًّا، وكان يرابي، فأبطل النبي عليه الصلاة والسلام الربا، وقال: أول ربًا أضعه ربا عمي العباس.
ثم بعد ذلك انتقل عليه الصلاة والسلام لموضوعٍ ثالثٍ.
إذنْ الموضوع الأول من موضوعات الخطبة: تعظيم شأن حقوق العباد.
الموضوع الثاني: إبطال أمور الجاهلية.
الموضوع الثالث: حقوق الزوجين.
قال:
فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله.
كانت المرأة في الجاهلية مظلومةً، وكانوا يستعبدونها ولا يورثونها، ويقولون: الإرث للرجال، الإرث لمن يذود عن البلاد ويحمي الأعراض، وهذا أبطله الإسلام، وورَّث المرأة.
قال: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله.
يعني: بأمانة الله، فهذه المرأة كانت في بيت أهلها عند أبيها وأمها، وانتقلت إليك بأمانة الله ، أنت مؤتمنٌ عليها.
واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
قيل: المراد بقول الله : إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6]، وقيل: إن المقصود بذلك: الإيجاب والقبول، يقول: زوَّجتك، ويقول: قبلت.
ولكم عليهن ألا يُوطِئن فرشكم أحدًا تكرهونه.
يعني: ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بعض حقوق الزوجين، وذكر أن من حق الزوج على زوجته أنها لا تأذن لأحدٍ يدخل بيته إلا بإذنه، وأنه لا يجوز لها أن تدخل أحدًا إلى بيت زوجها وهو يكره دخوله.
فقوله: ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، ليس خاصًّا بالوطء، بل يشمل أي إدخالٍ لأي أحدٍ يكرهه الزوج، لا يجوز ذلك.
فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ.
لا بد أن يكون غير مبرحٍ؛ لأنه رسالةٌ فقط، رسالة تأديب للمرأة، وليس المقصود به الانتقام والتشفي.
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
ذكر أيضًا حق الزوجة على الزوج، وهو النفقة؛ الرزق والكسوة، المقصود بها النفقة، فيجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، وبالمعروف هل المعتبر في ذلك حال المرأة، أو المعتبر في ذلك حال الرجل، أو المعتبر في ذلك حال الزوجين جميعًا؟ فيها ثلاثة أقوالٍ لأهل العلم.
والقول الراجح: أن المعتبر في ذلك حال الزوج؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، وهذه الآية صريحةٌ في أن المعتبر حال الزوج، فالزوج الغني يجب عليه أن ينفق نفقة غني، والزوج الفقير ينفق نفقة فقيرٍ، الزوج الغني يجب عليه أن ينفق نفقة غنيٍّ، ولو كانت زوجته فقيرةً لو كان أهلها فقراء يجب أن ينفق نفقة غنيٍّ، والزوج الفقير ينفق نفقة فقيرٍ، ولو كانت غنيةً، أو أهلها أغنياء، فالمعتبر إذنْ هو حال الزوج.
ثم انتقل عليه الصلاة والسلام للموضوع الرابع في الخطبة، وهو الدعوة إلى التمسك بكتاب الله فقال:
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله.
هذا فيه بيانٌ بعد إجمالٍ، وذلك؛ لأجل أن تتشوق النفوس لبيانه: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، أو قال: ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، فكتاب الله هو النجاة للأمة، فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، هذا الكتاب العظيم الذي جعله الله تعالى آية نبيه محمدٍ ، فإنه ما من نبيٍّ من الأنبياء إلا وأعطي من الآيات ما على مثله آمن البشر، وكانت آية نبينا محمدٍ هو هذا القرآن العظيم.
ولذلك لما سمعه الجن قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الجن:1-2]، عجبوا في لفظه، عجبوا في معانيه، عجبوا في بلاغته، عجبوا في أسلوبه، عجبوا في كل شيءٍ، يهدي إلى الرشد، فالتمسك بكتاب الله ، فيه النجاة للإنسان، وفيه النجاة للأمة؛ ولهذا قال:
ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون؟، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مراتٍ [3].
السؤال قال: وأنتم تُسألون عني، يسألون: هل بلغكم رسولكم؟ وذلك لأجل إقامة الحجة، وإلا فالله تعالى يعلم أنه قد بلغ، فيقولون: نعم، كل نبيٍّ من الأنبياء تسأل أمته: هل بلغكم؟ ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: يؤتى بنوحٍ ويؤتى بأمته، فيقال: هل بلغكم نوحٌ؟ فيقولون: لا، فيقال لنوحٍ: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لنوحٍ: من يشهد معك؟ يقول: أُمّة محمدٍ، فيقول قوم نوحٍ: كيف تشهدون وأنتم إنما أتيتم بعدنا؟ قالوا: أخبرنا بذلك نبينا فصدقناه فشهد على ذلك [4]، وهذا معنى قول الله : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143]، وهذا من إكرام الله تعالى لهذه الأمة.
وهذه الأمة عندما تسأل: هل بلغكم رسول الله ؟ فيقولون: نعم، ولهذا؛ النبي عليه الصلاة والسلام رفع أصبعه إلى السماء، قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السبابة، قال بأصبعه السبابة، السبابة هو الذي يلي الإبهام، وسميت السبابة؛ لأنه يشار بها عند السب، ويقال لها: السباحة، وقد ورد هذا وهذا، لا بأس أن يقال: السبابة، أو يقال: السباحة، وعندما يقال: السبابة ليس معنى ذلك إقرار السب، لكنه إخبارٌ.
فجعل يقول بأصبعه السبابة هكذا؛ يرفعها إلى السماء ينكتها إلى الناس، يعني يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس هكذا، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
قال:
ثم أذَّن.
وهذا يدل على أن الأذان يكون بعد الخطبة، وليس قبل الخطبة.
ثم أقام، فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلى العصر ركعتين، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله حتى أتى الموقف.
الموقف: هو مكانٌ اختاره عليه الصلاة والسلام للوقوف فيه، وهو شرق عرفاتٍ عند الصخرات عند الجبل، جبل إلالٍ، ويسميه الناس: جبل الرحمة، وقف النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك المكان في آخر عرفاتٍ من جهة الشرق.
واختار عليه الصلاة والسلام هذا المكان؛ ليبين أن عرفة كلها موقفٌ، وإلا فلو وقف عليه الصلاة والسلام في المكان الذي صلى فيه الظهر والعصر لتزاحم الناس على هذا المكان، خاصةً أنه قريبٌ من مزدلفة، يعني: هو على الحد، لكن من حكمته عليه الصلاة والسلام أنه وقف في شرق عرفاتٍ عند جبل إلالٍ، جبل الرحمة، والعامة يسمونه: جبل الرحمة، وهو جبل إلالٍ، لكن تفاؤلًا بنزول رحمة لله تعالى عليهم.
كيفية وقوف النبي
طيب، هنا وصَف جابرٌ كيفية وقوف النبي عليه الصلاة والسلام، قال:
فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة.
أناخ النبي عليه الصلاة والسلام ناقته القصواء، ولم ينزل عنها، بقي راكبًا على ناقته، وجعل مستقبلًا الصخرة، مستقبلًا الجبل، وهو جبلٌ صغيرٌ، ومستقبلًا أيضًا القبلة، استقبل الأمرين جميعًا: الجبل -جبل إلالٍ، أو ما يسمى بجبل الرحمة- والقبلة.
“وجعل حبل المشاة”، وحبل المشاة: هو طريق المشاة، وسمي: حبلًا؛ لأنه كان رملًا، والأقدام تؤثر فيه، كأنه حبلٌ، فهذا هو موقف النبي عليه الصلاة والسلام، أناخ القصواء ناقته، واستقبل الجبل، واستقبل القبلة، والناس يمرون بين يديه وهو مستقبلٌ القبلة رافعٌ يديه هكذا يدعو.
قال:
فلم يزل واقفًا.
يعني: يدعو.
حتى غربت الشمس.
طوال هذا الوقت تفرغ النبي للدعاء، لم ينشغل بأي عملٍ آخر، ولذلك؛ أفضل ما يفعله الحاج في يوم عرفة بعد الزوال: الدعاء، أفضل ما يفعله الحاج: الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام استمر طوال الوقت رافعًا يديه يدعو، وهو وقتٌ طويلٌ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بعدما زالت الشمس خطب هذه الخطبة القصيرة، وصلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ثم سار إلى الموقف، يعني بقي تقريبًا قرابة ست ساعاتٍ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حج في زمن الربيع، الزمن المعتدل، وزمن الربيع تقريبًا ما بين منتصف النهار إلى غروب الشمس بحدود ست ساعاتٍ، بقي ما بين خمسٍ إلى ست ساعاتٍ رافعًا يديه يدعو، حتى إن الصحابة شكُّوا هل كان صائمًا؟ ما أكل، ما شرب، ما تكلم، طوال الوقت يدعو، فأرسلت إليه أم الفضل بلبنٍ بعد العصر يختبرونه هل كان صائمًا أم لا؟ فشرب منه، والناس ينظرون، فعلموا أنه كان مفطرًا.
والسُّنة للحاج أن يفطر في عرفاتٍ ولا يصوم، يكره أن يصوم الحاج في عرفة، ولكن غير الحاج يسن له الصوم.
ووقصت أحدَ الحجاج ناقتُه فمات، فأتوا النبي يستفتونه، وهو يدعو فتوقف عن الدعاء وأفتاهم، وقال: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفنوه في ثوبيه، ولا تُقَرِّبوه طِيبًا، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا [5]، واستمر في الدعاء حتى إنه أحيانًا يسقط خطام راحلته، فيأخذه بإحدى يديه، ولا يزال رافعًا اليد الأخرى هكذا، ولذلك؛ أفضل ما يفعله الحاج في ذلك الموقف الدعاء، يقول بعض السلف: إنه ما دعا الله تعالى في يوم عرفة بعرفة بدعوة إلا تبين إجابتها قبل أن يمر عليها الحول، فذلك الموقف موقفٌ عظيمٌ، ذلك المكان والزمان عظيمٌ جدًّا، وتلك السويعات التي يمضيها الحاج في عرفة، من بعد الزوال إلى غروب الشمس، هذه من أثمن أوقات العمر، يقول عليه الصلاة والسلام: ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم -يعني: يدنو من الحجيج- فيباهي بهم الملائكة، ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [6]، وهذا الدنو عند أهل السنة والجماعة دنوٌّ حقيقيٌ على ما يليق بالله تعالى وعظمته، ليس كدنو المخلوقين.
ويباهي بهم الملائكة، في الحديث الآخر يقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء، أتوني شُعثًا غُبرًا ضاحِين، أشهدكم أني قد غفرت لهم [7]، ويكثر في ذلك اليوم العتق من النار، ومغفرة الذنوب، ورفعة الدرجات، ولذلك؛ ما رُئي الشيطان أصغر ولا أحقر مما رُئي يوم عرفة إلا يوم بدرٍ؛ لِمَا يرى من تنزل الرحمات والمغفرة والعتق من النار.
وبعض الحجيج في يوم عرفة بعد الزوال ينام، سبحان الله! كأنه لا يحلو النوم إلا في ذلك الوقت، وبعضهم ينشغل بالحكايات، وبعضهم بالجوال وبالنظر للمقاطع.
أقول: هذا وقتٌ ثمينٌ ينبغي أن تتفرغ فيه للدعاء، وأن تقتدي بالنبي ، الذي انقطع وتفرغ للدعاء تفرغًا تامًّا، وبقي طوال الوقت رافعًا يديه يدعو من بعد ما صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا إلى غروب الشمس، وهو رافعٌ يديه يدعو.
قال:
حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص.
لاحظ دقة الوصف من جابرٍ ، هذا فيه تأكيدٌ لغروب الشمس، يعني: أنه غرب قرص الشمس، سقط، ووصف جابرٍ لسقوط القرص يدل على أن الجو كان صافيًا، لم يكن فيه سحابٌ ولا غبارٌ ولا قترٌ؛ لأنه مع وجود الغبار والسحاب لا يُرى قرص الشمس وهو يغيب.
الدفع من عرفة
قال:
وأردف أسامةَ خلفه.
لما سار النبي عليه الصلاة والسلام من عرفة إلى مزدلفة أردف معه أسامة على ناقته، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، وإلا هو قائد الحج، وأهدى مئةً من الإبل؛ فبإمكانه ألا يكون معه أحدٌ على الناقة، لكن هذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام.
ودفع رسول الله ، وقد شَنَق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِك رحله.
شنق يعني: جذبه وضيقه، شنق الزمام، يعني: الخطام الذي تخطم به الناقة، ضيقه وجذبه؛ لكي لا تسرع، ومَوْرِك الرحل: هو الذي يضع الراكب رجله عليه إذا تعب أو مل من الركوب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يريد من ناقته أن تسير بهدوءٍ ولا تسرع، وهو يقول للناس.
ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينةَ السكينةَ.
لأن الناس من قديم الزمان عند الدفع من عرفة إلى مزدلفة يسرعون، من قديم الزمان، خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]، وإلى الآن، يعني: من قديم الزمان والناس تسرع عند الدفع من عرفة إلى مزدلفة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: أيها الناس، السكينةَ السكينةَ [8]، جاء في روايةٍ: فإن البر ليس بالإيضاع [9]، يعني: ليس بالإسراع.
قال:
كلما أتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا حتى تَصعد.
وهذا من باب الرفق بها، حتى لا يشق عليها، يعني: كلما أتى رملًا أو دعثًا [10] أرخى لها الزمام حتى تصعد، وهذا من باب الرأفة بالحيوان، حتى لا يشق عليها ذلك، وفي أثناء الطريق وقف النبي عليه الصلاة والسلام، وذهب للشعب وبال، ثم رجع وتوضأ وضوءًا خفيفًا، قال أسامة : قلت: يا رسول الله، الصلاة، قال: الصلاة أمامك [11]، انظر لدقة الوصف من الصحابة ، حتى هذه الأمور نقلوها، الصحابة ما تركوا شيئًا إلا نقلوه، رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ولذلك يقول أبو ذرٍّ : “ما توفي رسول الله وطائرٌ يطير بجناحيه إلا وذكر لنا منه علمًا” [12].
الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة
حتى أتى المزدلفة.
المزدلفة: من الازدلاف، وهو القرب، وتسمى: جَمْعًا؛ لأن الناس يجتمعون فيها بعد الوقوف بعرفة، وتسمى: المشعر الحرام، والمشعر الحرام يطلق على مزدلفة، ويطلق أيضًا على جبلٍ صغيرٍ، الذي هو جبل قُزَحَ.
قال:
فصلى بها.
يعني: بمزدلفة.
المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين.
وهذا قد تعددت فيه الروايات، ففي بعضها: بأذانين، وبعضها: بأذان واحد، وبعضها: بإقامتين، والراجح هو ما جاء في حديث جابرٍ : “بأذانٍ واحدٍ وإقامتين”.
ولم يُسبِّح بينهما شيئًا.
أي: لم يُصلِّ، والصلاة تسمى: تسبيحًا، وهذا من باب إطلاق البعض على الكل، يعني: لم يتنفل بين المغرب والعشاء، وجاء في بعض الروايات: أنه عليه الصلاة والسلام أول ما وصل مزدلفة أمر المؤذن فأذن فأقام فصلى المغرب، ثم أمره بحط الرحال، ثم صلى العشاء، يعني بين المغرب والعشاء فاصل، وهو بمقدار حط الرحال، لكن قال: فصلى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا.
هل الجمع هنا بين المغرب والعشاء جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ، وما السبب؟
كان يسير عليه الصلاة والسلام على ناقته، والمسافة طويلةٌ، وأيضًا لم يكن الطريق مفتوحًا، معه مئة ألفٍ من الحجاج، وكان يسير بالسكينة، وعليه السكينة، هذه المسافة التي يقطعها ما بين عرفات إلى مزدلفة تستغرق وقتًا يخرج معه وقت المغرب، ولهذا؛ فالجمع جمع تأخيرٍ، وليس جمع تقديمٍ.
المبيت بمزدلفة
قال:
ثم اضطجع رسول الله حتى طلع الفجر.
يعني: نام عليه الصلاة والسلام، وهذا من حسن رعايته لنفسه، وقد قال: إن لنفسك عليك حقًّا [13]؛ لأنه كان من الصباح، وهو من الصباح بعد طلوع الشمس سار إلى نمرة ثم عرفة، ثم جعل طوال الوقت يدعو.
ثم أيضًا هناك سببٌ آخر: وهو أنه في يوم العيد في يوم النحر مقبلٌ على أعمالٍ عظيمةٍ؛ فلذلك أراد عليه الصلاة والسلام أن يعطي النفس حظها من الراحة، فنام تلك الليلة، لم ينشغل بأي عملٍ آخر، لكن هنا لم يذكر جابرٌ الوتر، فهل أوتر عليه الصلاة والسلام أو لم يوتر؟ هذا محل خلافٍ بين العلماء؛ فمن العلماء من قال: إنه لم يوتر؛ لأنه لو أوتر لذكر ذلك جابرٌ وقد ذكر تفاصيل دقيقةً.
والقول الثاني: أنه أوتر عليه الصلاة والسلام، وإنما لم يذكره جابرٌ ؛ لأن هذا كان معلومًا من هديه عليه الصلاة والسلام، أنه كان لا يدع الوتر سفرًا ولا حضرًا، وهذا هو الأظهر، والله أعلم، أنه عليه الصلاة والسلام أوتر؛ ولذلك يشرع للحاج أن يوتر ليلة المزدلفة.
صلاة الفجر بمزدلفة
قال:
حتى تبيَّن له الصبح.
يعني: حين اتضح الفجر وطلع الفجر، وهذا يدل على أنه لا يجوز أداء الصلاة قبل تبيُّن الصبح، فلا بد من التبين، وحمل بعض العلماء قول النبي عليه الصلاة والسلام: أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر [14]، على عدم التعجل في إقامة صلاة الفجر حتى يتبين الفجر.
الذكر عند المشعر الحرام
قال:
بأذانٍ وإقامةٍ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام.
هذا يدل على أن مبيت النبي عليه الصلاة والسلام بمزدلفة لم يكن في نفس المشعر الحرام الذي هو جبل قُزَحَ، جبل قزح قلنا: جبلٌ صغيرٌ يسمى: المشعر الحرام، والمشعر الحرام أيضًا يطلق على مزدلفة، فهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام نام في مكانٍ في مزدلفة، ثم سار إلى قزح إلى المشعر الحرام، الجبل الذي مكانه الآن مسجد مزدلفة، مسجد مزدلفة المبني الآن هو نفس مكان الجبل -جبل قزح- الذي هو المشعر الحرام.
طيب، قال:
فاستقبل القبلة فدعاه وكبَّره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا.
وهذه سُنةٌ بعد صلاة الفجر يوم مزدلفة، السُّنة استقبال القبلة والدعاء إلى حين الإسفار جدًّا، فهذه سنةٌ مؤكدةٌ.
قال:
فدفع قبل أن تطلع الشمس.
يعني: دفع من مزدلفة إلى منًى بعد الإسفار، وقبل طلوع الشمس مخالفةً للمشركين؛ لأن المشركين كانوا لا يدفعون إلا بعد طلوع الشمس، وكانوا يقولون: “أشرق ثَبِير؛ كيما نُغير”.
“ثَبِير”: جبلٌ تشرق منه الشمس، فيقولون: “أشرق ثبير؛ كيما نغير”، فخالفهم النبي عليه الصلاة والسلام ودفع من مزدلفة إلى منًى بعد الإسفار وقبل طلوع الشمس.
النهي عن النظر إلى الأجنبيات
وأردف الفضل بن عباسٍ.
يعني: من مزدلفة إلى منًى أردف الفضل، بينما من عرفات إلى مزدلفة أردف أسامة.
وكان رجلًا.
يعني: كان الفضل بن العباس رجلًا.
حسن الشَّعر، أبيض، وسيمًا.
انظروا إلى دقة الوصف، يعني: إنما قال جابرٌ ذلك؛ مقدمةً لما بعده.
فلما دفع رسول الله مرت به ظُعُنٌ يجرين.
ظُعُنٌ يعني: نساءٌ، بضم الظاء والعين، جمع: ظَعينةٍ، وأصلها: البعير الذي عليه امرأةٌ، ثم أصبح يطلق على المرأة الظعينة، والنساء ظُعُنٌ، فمرَّت به ظعنٌ، يعني: نساءٌ يجرين.
والذي يظهر أن هؤلاء النساء أُعجبن به؛ لأنه كان أبيض وسيمًا حسن الشعر، فجعلن ينظرن إليه.
فطفق الفضل ينظر إليهن.
بادلهن النظر، ينظرن إليه، وينظر إليهن، مع أنه حاجٌّ، وهنَّ حاجاتٌ، يعني: الجميع مُحرِمٌ، ولذلك هذه الفتنة فتنةٌ عظيمةٌ، يقول عليه الصلاة والسلام: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء [15]، النبي عليه الصلاة والسلام انتبه لهذا الذي حصل فأنكر المنكر، أنكره عمليًّا، قال:
فوضع رسول الله يده على وجه الفضل.
وضع يده هكذا على يد الفضل؛ لكي لا ينظر لهؤلاء النساء.
فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر.
يعني: كلما حوله نظر من الشق الآخر، وهذا يدل على لطافة النبي عليه الصلاة والسلام وحسن معشره، وإلا لو كان غليظًا ما فعل ذلك الفضل، فانظر أيضًا إلى لطافة الإنكار كيف أنه عليه الصلاة والسلام ما زجره وسخر منه وأنكر عليه إنكارًا شديدًا، إنما فقط حوَّل وجهه، ولذلك؛ الفضل بدأ ينظر من الجهة الأخرى، وهذا يدل على إنكار المنكر.
الإسراع في وادي مُحَسِّرٍ
قال:
حتى أتى بطن مُحسِّرٍ.
لأن محسرًا هو ما بين مزدلفة ومنًى، وهو وادٍ يَفصِل ما بين مزدلفة ومنًى.
فحرَّك قليلًا.
أسرع في وادي محسرٍ، وسبب الإسراع في وادي محسرٍ اختلف العلماء فيه؛ فقيل: لأنه قد أُهلِك فيه أصحاب الفيل، وهذا ذكره النووي رحمه الله وجماعةٌ من أهل العلم، لكن هذا محل نظرٍ؛ لأن إهلاك أصحاب الفيل كان في المُغَمَّس [16]، وليس في وادي محسرٍ؛ ولذلك يقول أمية بن أبي الصلت:
حبس الفيل بالمُغَمَّس حتى | ظل يحـبو كأنه معقــور |
حبس الفيل بالمغمس، فإهلاك أصحاب الفيل إنما كان بالمغمس وليس بمزدلفة.
ثم أيضًا حبس الفيل عند حدود الحرم والمشعر الحرام، يعني ما بين عرفة ومزدلفة، وإن كانت عرفة ليست من الحرم.
وقيل: لأنه وادٍ، فحرك فيه النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل: لأنهم في الجاهلية كانوا يقفون في هذا المكان، ويتفاخرون بمآثر آبائهم وأجدادهم، فحرك النبي ؛ مخالفة لأهل الجاهلية الذين كانوا يقفون، وهذا هو الأقرب والله أعلم.
إذ إننا قلنا: إن إهلاك أصحاب الفيل لم يكن في وادي محسرٍ، وإنما في المغمس.
فالأقرب -والله أعلم- أن سبب إسراع النبي عليه الصلاة والسلام في وادي محسرٍ: مخالفة للمشركين الذين كانوا يقفون فيه، ويتفاخرون بمآثر آبائهم وأجدادهم.
رمي جمرة العقبة يوم النحر
قال:
ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة.
كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هناك ثلاثة طرقٍ توصل إلى الجمرات: شرقيٌّ، وغربيٌّ، وطريقٌ وسطى، فسلك النبي عليه الصلاة والسلام الطريق الوسطى؛ لأنها هي أقصر الطرق حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، يعني: جمرة العقبة -الجمرة الكبرى- والشجرة أزيلت من أزمنةٍ طويلةٍ.
فرماها بسبع حصياتٍ يكبر مع كل حصاةٍ.
رمى الجمرة الكبرى بسبع حصياتٍ، يعني: في يوم العيد، يوم النحر لا ترمى الصغرى ولا الوسطى، وإنما ترمى الجمرة الكبرى فقط بسبع حصياتٍ.
مثل حصى الخَذْف.
والخَذْف: أن تجعل الحصاة على ظُفرٍ، وتجعل فوقها السبابة، هذا هو الخذف، يُمثِّل الفقهاء يقولون: هو فوق الحِمَّص ودون البندق، لكن الآن من الذي يعرف الحمص ومن الذي يعرف البندق؟ ولكن الأحسن في التقدير هو ما ورد في بعض الروايات كما عند أبي داود: أنه في حدود بعر الغنم [17]، يعني: يكون صغيرًا في حدود بعر الغنم.
قال:
رمى من بطن الوادي.
رمى عليه الصلاة والسلام من بطن الوادي لا من الجبل؛ لأن جمرة العقبة كانت ملتصقةً بالجبل إلى وقتٍ ليس بالبعيد، وجعل مكة عن يساره، ومنًى عن يمينه، كما فعل ابن مسعودٍ ، فإنه لما أراد أن يرمي جمرة العقبة جعل منًى عن يمينه ومكة عن يساره، وقال: “هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة” [18].
ذبح الهدي يوم النحر
قال:
ثم انصرف إلى المنحر.
يعني: إلى مكان نحر الإبل.
فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر.
يعني: نحر الباقي.
نحر عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة ثلاثًا وستين من الإبل؛ لماذا اختار النبي هذا الرقم؟ لماذا ما نحر ستين أو نحر سبعين أو ثمانين؟ لماذا ثلاثًا وستين؟
حتى تكون موافقة لعُمْره؛ لأن عُمْر النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث وستون، وأمر عليًّا فأكمل نحر الباقي.
وأشركه في هديه.
أشرك عليًّا في الهدي؛ لأنه كان أيضًا قارنًا وقد ساق الهدي.
ثم أمر من كل بَدَنةٍ ببَضْعةٍ.
يعني: بقطعة لحمٍ.
فجُعلت في قدرٍ فطبخت، فأكلا.
يعني: النبي عليه الصلاة والسلام وعليٌّ.
من لحمها، وشربا من مرقها.
مئةٌ من الإبل أمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤخذ من كل بدنةٍ قطعة لحمٍ، وجُمعت في قدرٍ وطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها؛ لأن السنة للحاج أن يأكل من الهدي ويتصدق؛ كما قال الله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، وقال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36]، فكان عليه الصلاة والسلام يطبق الآية؛ أكل منها وأمر بأن يُتصدق بالباقي، يعني: لحوم مئةٍ من الإبل كثيرةٌ، لكن حج معه قرابة مئة ألفٍ، ومعظمهم فقراء، فأمر أن يُتصدق بلحومها وجلالها على الحجاج.
الحلق أو التقصير يوم النحر
ولم يذكر جابرٌ حلق النبي عليه الصلاة والسلام، لكن جاء في بعض الروايات، وهذا يدل على أن جابرًا لم يذكر كل شيءٍ، وهذا فيه ردٌّ على من قال: إنه لم يوتر عليه الصلاة والسلام؛ لأن جابرًا لم يذكر الوتر، ولو أوتر لذكره، نقول: أيضًا جابرٌ لم يذكر الحلق في هذا الحديث، لكن جاء في الأحاديث الأخرى، كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي حلق رأسه بعدما نحر، ثم طيَّبته عائشة بعد الحلق [19].
طواف الإفاضة
قال:
ثم ركب رسول الله فأفاض إلى البيت.
ركب من منًى إلى مكة، وطاف طواف الإفاضة ضحًى يوم النحر.
طاف عليه الصلاة والسلام طواف الإفاضة، طيب، هل سعى النبي بعد طواف الإفاضة؟ لم يسع، لماذا؟ لأنه سعى بعد طواف القدوم.
إذنْ: النبي عليه الصلاة والسلام سعى بعد طواف القدوم؛ ولذلك لم يسع بعد طواف الإفاضة، فالقارن والمفرد عليهما سعيٌ واحدٌ، إن قدماه بعد طواف القدوم كما فعل النبي يكفي، وليس عليهما سعيٌ بعد طواف الإفاضة.
وأما المتمتع فهو الذي عليه سعيان: سعيٌ للعمرة، وسعيٌ للحج.
الشرب من ماء زمزم
قال:
فصلى بمكة الظهر.
يعني: الظهر من يوم النحر.
فأتى بني عبدالمطلب.
بعدما صلى الظهر أتى بني عبدالمطلب.
يسقون على زمزم.
على بئر زمزم، كانت بئرًا، وكانوا يسقون بالدلاء، يسحبون من بئر زمزم بالدلاء ويسقون الحجاج، كان هذا عليه الأمر إلى وقتٍ ليس بالبعيد، يعني إلى ما قبل ربما الدولة السعودية، أو بداية الدولة السعودية الثالثة، كان الناس على هذا.
فقال: انزعوا بني عبدالمطلب.
قال مشجعًا لهم على السقاية، هذه تسمى: السقاية.
انزعوا بني عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعتُ معكم.
يقول: لولا أن الناس يقتدون بي ويتأسون بي، وينافسونكم على السقاية لفعلت معكم، وسقيت معكم الحجاج.
حكم الشرب قائمًا
فناولوه دلوًا فشرب منه.
ناولوه دلوًا من ماء زمزم فشرب منه، وجاء في بعض الروايات كما في “مسلمٍ” وغيره: “وهو قائمٌ” [20]، وهذا يدل على جواز الشرب قائمًا، لكن الأفضل والسنة الشرب قاعدًا، أما ما جاء في بعض الروايات من أن من شرب قائمًا فليستقئ [21]، هذا لا يثبت، وإن كان قد جاء في “صحيح مسلمٍ”، لكنه حكم عليه بالشذوذ.
فالشرب قائمًا يجوز، خاصةً عند الحاجة، لكن الأفضل الشرب قاعدًا؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع شرب من ماء زمزم وهو قائمٌ.
بركة ماء زمزم
وماء زمزم ماءٌ مباركٌ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ماء زمزم لما شرب له [22].
وصنف الحافظ ابن حجر رسالةً في شرح هذا الحديث: أولًا جمع طرقه، وقال: إنه ثابتٌ بمجموع طرقه وشواهده، وذكر قصصًا عن أناسٍ شربوا ماء زمزم لأمورٍ حصَّلوها ببركة زمزم، فنقل عن الإمام الشافعي أنه شرب ماء زمزم لإصابة الرمي، فكان لا يكاد يخطئ الرمي، وعن أبي عبدالله الحاكم أنه شرب ماء زمزم لحسن التصنيف، فكان أحسن أهل زمانه تصنيفًا، يقول الحافظ ابن حجر: “وأنا قبل عشرين عامًا شربت من ماء زمزم لأجل أن أكون في منزلة الحافظ الذهبي، فأنا الآن أرى أني في منزلته، وأرجو المزيد”، وشرب من ماء زمزم أناس بهم أمراضٌ مستعصيةٌ فشفاهم الله تعالى.
وابن القيم ذكر أنه قد أصابه الداء ولم يجد له دواءً، فأخذ ماء زمزم، وقرأ عليه الفاتحة سبع مراتٍ، فشفاه الله تعالى، قال: وأذكر ذلك لغيري فيفعله فيجد في ذلك البرء التام، فهو ماءٌ عظيمٌ مباركٌ، لكنه إنما ينفع مَن شَرِبه بيقينٍ، أما من شربه مجربًا لا يفيد، لا بد من اليقين، أهم شيءٍ اليقين، فإذا كان لك حاجةٌ تشرب ماء زمزم بنية أن تُقضى لك هذه الحاجة بيقينٍ، فبإذن الله تعالى يتحقق لك ذلك.
ماء زمزم كان من وقت إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، له أكثر من خمسة آلاف سنةٍ، ومع ذلك ما نَضَب، بينما نرى كثيرًا من العيون الآن في الجزيرة العربية نضبت، آيةٌ من آيات الله ، ماء زمزم طعام طعمٍ، ماءٌ مباركٌ.
ثم بعد ذلك رجع النبي إلى منًى، ووجد الناس ينتظرونه لصلاة الظهر؛ لأنه كان إمامهم الذي يصلي بهم الصلوات الخمس، فصلى بهم صلاة الظهر، وهي في حقه نافلةٌ وفي حقهم فريضةٌ.
وأقف ها هنا وقفةً أيها الإخوة، انظروا إلى بركة وقت النبي ؛ من طلوع الشمس من يوم النحر إلى صلاة الظهر قام بهذه الأعمال العظيمة: أولًا: انطلق من مزدلفة إلى منًى على بعيره ورمى جمرة العقبة، ثم بعد ذلك نحر بيده الشريفة ثلاثًا وستين من الإبل، وأمر عليًّا فأكمل البقية، ثم انتظر حتى أخذ من كل واحدةٍ من الإبل قطعة لحمٍ، فجمعت في قدرٍ وطبخت، فأكل من لحمهما، وشرب من مرقها، كم تأخذ هذه من الوقت؟ وحلق رأسه، وطيبته عائشة رضي الله عنها، ثم سار من منًى إلى مكة، وطاف طواف الإفاضة، وذهب إلى بني عبدالمطلب، وشجعهم على السقاية، وشرب من ماء زمزم، ثم رجع إلى منًى، كل هذا ما بين طلوع الشمس إلى صلاة الظهر.
انظروا إلى بركة وقت النبي عليه الصلاة والسلام! يعني: لو أن واحدًا منا أراد أن يفعل بعض هذه الأعمال، فقط نحرُ مئةٍ من الإبل، والانتظار حتى تطبخ، ويأكل من لحمها ويشرب من مرقها، هذه ربما تستغرق الوقت كله، لكن انظر كيف جمع النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأعمال العظيمة، وهذا يدل على بركة وقته عليه الصلاة والسلام، ولهذا؛ بُعث وعمره أربعون، وتوفي وعمره ثلاثٌ وستون، يعني: بقي في البعثة والرسالة ثلاثًا وعشرين فقط، ومع ذلك أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، وبلغ رسالة ربه، فانظر إلى عظيم بركة وقت النبي !
الحث على العمل بالأكمل والأفضل في مناسك الحج
طيب، هذا هو حديث جابرٍ ، ونكمل بقية حجة النبي عليه الصلاة والسلام كما في الأحاديث الأخرى.
بعد ذلك: بقي النبي عليه الصلاة والسلام يوم العيد في منًى، وصلى بها العصر والمغرب والعشاء، يقصر الصلاة الرباعية ركعتين من غير جمعٍ، وبات ليلة الحادي عشر بمنًى، لما زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ذهب للجمرات ورمى، قدَّمها على صلاة الظهر، بدأ بالصغرى، رماها بسبع حصياتٍ، ثم أخذ ذات اليمين، واستقبل القبلة ودعا طويلًا، ثم رمى الجمرة الوسطى، وأخذ ذات الشمال، واستقبل القبلة ودعا طويلًا، ثم رمى جمرة العقبة، الجمرة الكبرى، ولم يقف عندها ولم يَدْعُ، ثم رجع وصلى بالناس صلاة الظهر، ثم صلى بهم صلاة العصر في وقتها، ثم المغرب، ثم العشاء.
ثم لما زالت الشمس من اليوم الثاني عشر، رمى الجمرات الثلاث كما رماها في اليوم الحادي عشر، وبقي لليوم الثاني عشر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام تأخر، صلى في منًى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم الثالث عشر، وأَذِن لمن أراد أن يتعجل في التعجل.
لما زالت الشمس من يوم الثالث عشر، رمى الجمرات الثلاث كما رماها في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.
ثم سار عليه الصلاة والسلام بعدما رمى الجمرات، وقبل أن يصلي الظهر، حتى نزل بالأبطح ظهر اليوم الثالث عشر، وكان يوم الثلاثاء، فصلى الظهر ركعتين، ثم العصر ركعتين، ثم المغرب ثلاث ركعاتٍ، ثم العشاء ركعتين، ثم في ليلة الأربعاء الرابع عشر من السنة العاشرة من الهجرة في الثلث الأخير من الليل طاف طواف الوداع، وصلى بالناس في المسجد الحرام صلاة الفجر، ثم رجع إلى المدينة بعد صلاة الفجر، رجع من مكة إلى المدينة بعد بعد صلاة فجر يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة.
فمكث عليه الصلاة والسلام في حجته من الرابع إلى الرابع عشر، عشرة أيامٍ، ومكث في الطريق في الذهاب عشرة أيامٍ، وفي العودة عشرة أيامٍ، يعني رحلة الحج استغرقت كم يومٍ؟ شهرًا؛ عشرة، وعشرة، وعشرة، هذه هي صفة حجة الوداع، وكما نقلها الصحابة ، ونقلها جابرٌ ، ووصفها بهذا الوصف الدقيق.
فعلى المسلم، على الحاج، أن يحرص على الاقتداء بالنبي ، وأن يحرص على تطبيق السنة حتى يكون حجه مبرورًا.
أنا أعجب من حاجٍّ يذهب إلى تلك الأماكن والبقاع، فتجد أنه يبحث عن الرخصة ويترك السنة، يعني مثلًا على سبيل المثال: السنة بعد الحج الحلق، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرةً واحدةً، بعض الناس يترك الحلق ويقصر، لا نقول: إنه أخطأٌ، يعني التقصير يجوز، لكن لماذا تترك الحلق وهو أعظم أجرًا وثوابًا وهو السُّنة؟
فاحرص دائمًا على تطبيق السُّنة، احرص على أن تختار الأكمل والأفضل، وأن تطبق السنة ما أمكن، لا تأخذ بالرخصة إلا عند الحاجة، يعني: لماذا تلجأ للتقصير؟! لو كان هناك سببٌ، مثلًا يمكن أن يكون الإنسان مثلًا مشاكل تحصل له لو حلق، لكن إذا كان ما عنده أي سببٍ؛ فينبغي أن يختار السنة والأكمل والأفضل، وهكذا أيضًا في بقية أعمال النسك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم [23].
والحج المبرور هو الحج الذي أتى به صاحبه على الوجه الأكمل، ولم يقع منه فيه إثمٌ ولا معصيةٌ، هذا الذي يقول عنه النبي : الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة [24].
الأسئلة
السؤال: ما حكم حج المرأة بلا محرمٍ، علمًا بأنه حج الفريضة؟
الجواب: حج المرأة بلا محرمٍ، محل خلافٍ بين العلماء، والقول الراجح: أنه إذا وجدت رفقةٌ مأمونةٌ فلا بأس بأن تحج المرأة بلا محرمٍ مع الرفقة المأمونة، خاصةً إذا كان الحج حج فريضةٍ، والدليل لذلك ما جاء في “صحيح البخاري” أن أزواج النبي في عهد عمر حججن بدون محرمٍ [25]، وكما قالت عائشة رضي الله عنها: وهل كل امرأةٍ تجد محرمًا؟ [26] فبعض النساء قد لا تجد المحرم، وهذه عبادةٌ وركنٌ، المهم أن تكون الرفقة مأمونةً، وهذا القول -وهو أنه يجوز للمرأة أن تحج مع الرفقة الآمنة بدون محرم- هو اختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله، فالأقرب -والله أعلم- أنه إذا لم يتيسر المحرم للمرأة جاز لها أن تحج بدون محرمٍ خاصةً إذا كان الحج حج فريضةٍ.
السؤال: ما فضل الصيام في عشر ذي الحجة؟
الجواب: يقول النبي : ما من أيامٍ العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ [27]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.
فهنا النبي قال ما من أيامٍ العمل..، وأطلق عليه الصلاة والسلام، فيشمل ذلك كل عملٍ صالحٍ، والصيام من أفضل الأعمال الصالحة، بل قال عليه الصلاة والسلام؛ كما في حديث أبي أمامة : عليك بالصيام؛ فإنه لا مِثل له [28]، أخرجه أحمد بسندٍ صحيحٍ، فأجر الصيام عظيمٌ، ويتضاعف إذا كان في عشر ذي الحجة؛ ولهذا نقول: إن الصيام في التسعة الأيام الأولى من ذي الحجة عملٌ صالحٌ عظيمٌ، وأجره جزيلٌ.
السؤال: أيهما أفضل: عشر ذي الحجة، أو العشر الأواخر من رمضان؟
الجواب: نهار عشر ذي الحجة أفضل، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل، وهذا هو جواب ابن تيمية رحمه الله، وقال ابن القيم رحمه الله: إذا تأملت هذا الجواب وجدته جوابًا شافيًا، وجامعًا للأدلة الواردة؛ فإن أفضل الليالي ليالي العشر الأواخر من رمضان؛ باعتبار أن فيها ليلة القدر، التي هي خيرٌ من ألف شهرٍ، ولكن أفضل الأيام -أي النهار- أيام عشر ذي الحجة.
السؤال: ما حكم الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي؟ وما المراد بـ(المضحي)؟
الجواب: لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا؛ لما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : إذا دخلت هذه العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا [29]، وهذا نهيٌ، والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، فمن أراد أن يضحي لا يجوز له أن يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا، حتى تذبح أضحيته، ولكن هذا الحكم خاصٌّ بالمضحي، ولا يشمل ذلك المضحَّى عنه، فلو كان رب البيت هو الذي سيضحي عن أسرته، فهو الذي لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، لكن بقية أفراد أسرته يجوز لهم أن يأخذوا من شعورهم ومن أظفارهم؛ لأن الحكم خاصٌّ بالمضحي فقط، ولا يشمل المضحَّى عنه.
والمراد بـ(المضحي): هو من يدفع ثمن الأضحية، وليس المقصود من يباشر ذبحها؛ لأن الذي يباشر ذبحها، قد لا يكون هو المضحي، قد يكون وكيلًا عنه، وإنما المراد من يدفع ثمن الأضحية، هذا هو المضحي الذي يمسك فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى تذبح أضحيته.
السؤال: ما أفضل دعاءٍ يدعو به المعتمر والحاج؟
الجواب: ليس هناك دعاءٌ خاصٌّ، وإنما يتخير من الدعاء ما أعجبه، ويحرص على الجوامع، وأكثر دعاءٍ كان يدعو به النبي : ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار [30]، يسأل الله الجنة، ويستعيذ بالله من النار، يكثر من: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ونحو ذلك من الأدعية، ليس هناك دعاءٌ خاصٌّ بالحاج أو المعتمر.
السؤال: أيهما أفضل الصدقة في العشر في النهار أو في الليل؟
الجواب: ليس هناك خصوصيةٌ لليل ولا للنهار، وإنما الوقت واحدٌ، ويظهر أن الأجر واحدٌ.
السؤال: هل النوافل كفريضةٍ في العشر؟
الجواب: لم يرد في هذا شيءٌ، إنما تضاعف الأجور والثواب بالأعمال الصالحة في العشر، لكن أن النافلة كفريضةٍ لم يثبت في هذا شيءٌ عن النبي .
السؤال: ماذا تفعل المرأة الحائض لتنال فضل عشر ذي الحجة؟
الجواب: المرأة الحائض هي كغير الحائض، إلا أنها لا تصلي ولا تصوم فقط، لكنها كغير الحائض، فهي تقرأ القرآن -على القول الراجح- من غير أن تمس المصحف، وإذا أرادت أن تقرأ من المصحف تقرؤه من وراء حائلٍ؛ كأن تلبس قفازين مثلًا، ونحو ذلك.
كذلك الذكر؛ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة، فالمرأة الحائض كغير الحائض، إلا فقط أنها لا تصلي ولا تصوم ما دامت حائضًا، وكذلك أيضًا لا تطوف بالبيت، وكذلك أيضًا ممنوعةٌ من المعاشرة الزوجية، وما عدا ذلك هي كغير الحائض.
ولذلك؛ المرأة الحائض ينبغي أن تجتهد في العمل الصالح، سواءٌ في ليالي العشر الأواخر من رمضان، أو في العشر من ذي الحجة، فقط تمتنع مما منعت منه شرعًا، وتفعل ما هو مأذونٌ لها فيه، وبعض الأخوات إذا أتاها الحيض تتوقف عن الأعمال الصالحة، وهذا غير صحيحٍ، وإنما هي كغير الحائض، إلا في هذه فقط الأمور الأربعة التي هي ممنوعةٌ منها، وما عدا ذلك فهي كغير الحائض.
السؤال: ما فضل الأضحية؟ وهل هي واجبةٌ؟
الجواب: الأضحية عملٌ صالحٌ، وسنةٌ مؤكدةٌ، وليست واجبةً، والله تعالى يقول: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وقال: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: أفضل العبادات المالية التقرب إلى الله بالنحر، وأفضل العبادات البدنية: الصلاة؛ ولهذا جمع الله بينهما، فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وذبح الأضحية يدخل في تعظيم شعائر الله، والله تعالى يقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
السؤال: قراءة آية: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، تكون الآية كاملةً أو فقط هذه الجملة؟
الجواب: الظاهر أنها فقط هذه الجملة، وليس للآية كاملةً، ومثل ذلك: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، فقط من غير إكمال الآية.
السؤال: هل الدعاء عند الصفا والمروة يقال في كل مرةٍ عندما أمر الصفا والمروة أثناء السعي أو في البداية؟
الجواب: في كل شوطٍ عندما تصل الصفا تدعو، وكذلك عند المروة، وعند الصفا وعند المروة، فمعنى ذلك أن الدعاء يكون في السعي، كم مرةٍ؟ كم يكون؟ سبعًا أو ثمانيًا؟ ثمانيًا، أحسنت؛ لأنه عند نهاية الشوط السابع أيضًا يشرع الدعاء.
السؤال: قال: عندما صلى رسول الله في ذي الحليفة الظهر وأحرم بعدها بالحج؛ لماذا لم يجمع معها العصر ويقصرهما؟
الجواب: أما القصر فقد قصر عليه الصلاة والسلام الظهر، منذ أن خرج من المدينة وهو يقصر، حتى رجع، لكن لماذا لم يجمع معها العصر؟ يحتمل أنه جمع معها العصر ولم يُنقل، هذا محتملٌ، ويحتمل أنه صلى العصر في الطريق؛ لأن هناك بعض الأمور التي لم تنقل، يعني العشرة أيام هذه ما نقل فيها كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام مع الصحابة أثناء السير، وفي الطريق، فالصحابة أحيانًا لا ينقلون الشيء الذي كان معروفًا، لا ينقلونه، ينقلون ما تحتاج الأمة إليه، فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام جمع العصر مع الظهر، ويحتمل أنه صلى العصر في الطريق.
السؤال: … تسعى سعيًا شديدًا بين العلمين الأخضرين؟
الجواب: المرأة لا تسعى؛ وإنما تمشي، والرجل هو الذي يسعى بين العلمين الأخضرين، وذلك؛ لأن المرأة قد تحصل منها الفتنة لو سعت، انظر حتى في هذا الموضع، ومع ذلك الشريعة تأمر المرأة بأن تمشي مشيًا، ولا تسعى ما بين العلمين الأخضرين، وهذا يدل على عناية الشريعة بهذا الأمر، وسد كل ما يفضي إلى باب الفتنة بين الرجال والنساء.
السؤال: فاطمة اكتحلت، فهل الكحل محظورٌ على المحرمة؟
الجواب: فاطمة اكتحلت بعدما تحللت من العمرة، بعدما تحللت، والكحل المحرمة ليست ممنوعةً منه، إنما هي ممنوعةٌ من الطيب، وليس من الكحل، فإذا كانت المرأة تكتحل مثلًا أمام النساء، أو أنها ستغطي وجهها، لن تتنقب باعتبار أنها محرمةٌ فلا بأس أن تكتحل وهي محرمةٌ.
السؤال: كيف تحج الحائض؟
الجواب: الحائض كغير الحائض، إلا أنها لا تطوف حتى تطهر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت [31]، ومن حكمة الله تعالى أنه في حجة الوداع حاضت امرأةٌ، وولدت امرأةٌ، فمن التي ولدت؟ مر معنا أسماء بنت عميسٍ، وحاضت أكثر من امرأةٍ؛ حاضت عائشة، وحاضت أيضًا صفية رضي الله عنهن.
عائشة حاضت في الطريق لما وصلوا إلى مكانٍ يقال له: سَرِف، قُبيل مكة، دخل عليها النبي وهي تبكي، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان عنده فِراسةٌ عظيمةٌ؛ عرف السبب، قال: لعلك نفست -يعني: حضت- قالت: نعم، قال مواسيًا لها: إن هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم، والشيء الذي يشترك الناس معه فيه تخف مصيبته، افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [32]، عائشة رضي الله عنها استمرت، يعني بقي معها الحيض حتى أدركها عرفة، وهي لم تطهر، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام بأن تقلب التمتع إلى قرانٍ.
أيضًا حاضت صفية رضي الله عنها، فبلغ النبيَّ عليه الصلاة والسلام فقال: حَلْقَى عَقْرَى، أحابستنا هي؟ يعني: تحبسنا؛ لماذا؟ لأننا لا نعود للمدينة حتى تطهر وتطوف، قالوا: يا رسول الله، إنها أفاضت، قال: فلتنفر إذنْ [33]، فهذا من حكمة الله أن حاضت امرأةٌ قبل عرفة، وامرأةٌ بعد عرفة، وولدت امرأةٌ؛ لكي تتأسى الأمة وتقتدي بما يرشد إليه النبي من أحكام.
السؤال: هل ورد أدعيةٌ دعا بها النبي حين وقوفه بعرفة؟
الجواب: لم يرد في ذلك شيءٌ، ولذلك؛ يتخير الحاج من الدعاء ما أعجبه.
السؤال: من هو الصِّدِّيق؟
الجواب: الصديق الذي بلغ مرتبة الصِّدِّيقيَّة، وهي التي تلي مرتبة النبوة، أعلى المراتب مرتبة النبوة، ثم الصديقية، ثم الشهادة، ثم الصلاح، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، فالصديق: الذي يتحرى الصدق في قوله وعمله، وتكثر منه الأعمال الصالحة العظيمة، فيصل إلى مرتبة الصديقية، وهذه لا ينالها الإنسان في الغالب إلا إذا كان عنده علمٌ شرعيٌّ، وعمل به، وعلَّم، عَلِم وعلَّم، هو الذي ينال مرتبة الصديقية.
وأما الشهادة: فمن قتل في سبيل الله ، وأما الصالح: الذي يكون صالحًا لكنه لا يرتقي إلى مرتبة الشهادة، ولا مرتبة الصديقية.
السؤال: يقول: محاذاة الحَجَر، هل تكون من جميع البدن، أو بالوجه فقط، أو بباطن الكف؟
الجواب: تكون بالبدن كله، تستقبل الحجر بالبدن، وتشير بيدك اليمنى هكذا: الله أكبر.
السؤال: يقول: ففعل على المروة كما فعل على الصفا، هل يكرر الذكر والدعاء؟
الجواب: نعم، هذا أشرنا إليه، وقلنا: نعم يكرر الذكر والدعاء الذي قاله عند الصفا.
السؤال: هل يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، عند كل شوط في السعي؟
الجواب: لا، يقوله عندما يدنو من الصفا مرةً واحدةً فقط، ولا يكرر ذلك، يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به، عندما يقترب ويدنو من الصفا قبل أن يصل للصفا يقول ذلك مرةً واحدةً، ولا يكررها.
السؤال: هل يجوز للمصاب بنقص النظر أن يلبس النظارات في الحج؟
الجواب: نعم لا بأس، لا بأس للمحرم أن يلبس النظارات؛ طبيةً وشميةً، وجميع أنواع النظارات، لا بأس بلبسها.
السؤال: هل ورد أن يقول: بسم الله، والله أكبر، بداية الشوط الأول وبقية الأشواط، أو يكتفي بالتكبير؟
الجواب: لم يرد، الوارد: الله أكبر، في جميع الأشواط، كلما حاذى الجَحَر كبَّر.
السؤال: ما حكم الذي نسي ولم يحلق رأسه؟
الجواب: متى ما تذكر يحلق رأسه، والنسيان معفوٌّ عنه: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].
السؤال: هل لا يمنع دم الولادة الحج أو العمرة؟
الجواب: ربما يشير إلى قصة أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها، النفساء كالحائض، تنتظر حتى تطهر، ويظهر أن أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها أنها انتظرت حتى طهرت، وكما ذكرنا النفساء والحائض هي كغير الحائض وكغير النفساء، إلا فقط في الطواف: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت [34].
السؤال: الذي يريد أن يحج لوالديه أيهما يقدم: الأب أم الأم؟
الجواب: الأم آكد حقًّا من الأب، الأم لها ثلاثة حقوقٍ، والأب له حقٌّ واحدٌ؛ فيقدم الأم، ثم الأب.
هناك أسئلةٌ كثيرةٌ، والوقت قد ضاق علينا الآن، ولا نريد أن نؤخر الإخوة أكثر من هذا؛ فنكتفي بهذا القدر.
ونسأل الله للجميع الفقه في الدين والعلم النافع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه ابن ماجه: 3012، وأحمد: 16751. |
---|---|
^2, ^3 | رواه مسلم: 1218. |
^4 | رواه ابن ماجه: 4284، بنحوه. |
^5 | رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206. |
^6 | رواه مسلم: 1348. |
^7 | رواه أحمد: 7089، وابن حبان: 1887، وابن خزيمة: 2840، واللفظ له. |
^8 | رواه البخاري: 1671 ومسلم: 1218. |
^9 | رواه البخاري: 1671. |
^10 | الدعث: الأرض ذات التراب التي دققت ووطئت بالأقدام، ينظر المعجم الوسيط: (د ع ث). |
^11 | رواه البخاري: 139، ومسلم: 1280. |
^12 | رواه الطبراني في المعجم الكبير: 1647. |
^13 | رواه البخاري: 1968. |
^14 | رواه الترمذي: 154، وابن ماجه: 672. |
^15 | رواه البخاري: 5096، ومسلم: 2740. |
^16 | المغمس: موضع قرب مكة فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة إلى مكة. ينظر: التكملة والذيل للصغاني: 3/ 398، وتاج العروس للزبيدي: (غ م س). |
^17 | رواه البيهقي في السنن الكبرى: 9542، من فعل ابن عمر رضي الله عنهما. |
^18 | رواه البخاري: 1747، ومسلم: 1296. |
^19 | رواه البخاري: 5922. |
^20 | رواه مسلم: 2027. |
^21 | رواه مسلم: 2026. |
^22 | رواه ابن ماجه: 3062، وأحمد: 14849. |
^23 | رواه مسلم: 1297، بنحوه. |
^24 | رواه البخاري: 1773، ومسلم: 1349. |
^25 | رواه البخاري: 1860. |
^26 | رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 15176، بنحوه. |
^27 | رواه البخاري: 969، بنحوه. |
^28 | رواه النسائي: 2220، وأحمد: 22220. |
^29 | رواه مسلم: 1977. |
^30 | رواه البخاري: 6389، ومسلم: 2690. |
^31, ^32 | رواه البخاري: 305، ومسلم: 1211. |
^33 | رواه البخاري: 1772، ومسلم: 1211. |
^34 | سبق تخريجه. |