عناصر المادة
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِرِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُلِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي هذا الدرس من فقه المعاملات المالية المعاصرة، والذي يُعقد في آخر ثلاثاء من كل شهرٍ، ونتناول في كل درسٍ قضيةً أو مسألةً من مسائل المعاملات المالية المعاصرة، وفي الدرس الماضي كان الحديث عن الأوراق المالية، وذكرنا أن المقصود بالأوراق المالية: الأسهم والسندات، فكان الحديث عن التكييف الفقهي للأسهم، وحكم تداول أسهم الشركات المساهمة، وحكم السندات كذلك، وما يتعلق بذلك من مسائل وأحكامٍ.
وفي هذا الدرس سنُسلط الضوء على بقية مسائل الأوراق المالية: سأتكلم عن الصناديق الاستثمارية، ثم عن زكاة الأسهم كيف تُزكى؟
وأيضًا في هذا الدرس سأتحدث عن الأوراق النقدية: حقيقتها، وتكييفها الفقهي، وزكاتها، والأحكام المتعلقة بها.
ومَن كانت عنده أسئلةٌ أو استفساراتٌ بإمكانه أن يكتب سؤاله، ونُجيب -إن شاء الله تعالى- عن الأسئلة بين الأذان والإقامة.
إذن نبدأ بالصناديق الاستثمارية.
الصناديق الاستثمارية
الصناديق الاستثمارية معناها: الصناديق جمع صندوقٍ، والصندوق الاستثماري هو: وعاءٌ يضع العميل فيه مبلغًا من المال بقصد استثماره، ويقوم البنك بإدارته، ويُعطي العميل نسبةً من الربح، يُعطي العميل البنك نسبةً من الربح مقابل عمله.
هذه فكرةٌ مُبسطةٌ عن الصندوق الاستثماري، وهي موجودةٌ في جميع البنوك.
وقد كانت بدايتها في العالم من قديمٍ، فلها أكثر من مئةٍ وأربعين عامًا، لكن عندنا هنا في المملكة كانت بدايتها عام ألفٍ وثلاثمئةٍ وتسعةٍ وتسعين للهجرة، وفكرتها جيدةٌ، فكرتها من الناحية الاقتصادية جيدةٌ إذا سلمتْ من المحاذير الشرعية، فهي تهدف إلى تجميع الأموال من أجل الاستثمار الجماعي في برنامجٍ مُشتركٍ، والبنك بخبرته يقوم بتشغيل هذه الأموال وإدارتها بطريقةٍ احترافيةٍ، وبطريقةٍ يُستفاد فيها من أهل الخبرة، ودراسة الجدوى، ونحو ذلك، فهي مُفيدةٌ للطرفين: مفيدةٌ لمَن يضع أمواله في هذه الصناديق، ومفيدةٌ كذلك للبنوك؛ للعمولة التي تتقاضاها مقابل هذه الإدارة.
التكييف الفقهي للصناديق الاستثمارية
أما التكييف الفقهي للصناديق الاستثمارية، فقيل: إنها مُضاربةٌ، وهذا القول ذهب إليه أكثر العلماء المعاصرين، قالوا: إن هذه الصناديق الاستثمارية حقيقتها أنها مُضاربةٌ.
ووجه هذا القول: أن العميل الذي هو المُستثمر يدفع مالًا، والمصرف يقوم باستثمار هذا المال والعمل فيه بنسبةٍ من الربح.
وحينئذٍ من العميل المال، ومن المصرف العمل، وهذه هي حقيقة شركة المُضاربة.
ومن أهل العلم مَن قال: إن التكييف الفقهي للصناديق الاستثمارية أنها وكالةٌ بأجرٍ، وليست مُضاربةً.
وعللوا ذلك فقالوا: إن المصرف هو فقط يُدير هذه الأموال، ويتقاضى عمولةً، فهو -في الحقيقة- وكيلٌ، وليس مُضاربًا.
فالعميل قد وكَّل البنك في إدارة هذا المال مقابل أجرةٍ معينةٍ.
وعلى كلا التقديرين فحكمها جائزةٌ، سواء قلنا: إن تكييفها الفقهي مُضاربةٌ، أو قلنا: إن تكييفها الفقهي أجرةٌ، فهي جائزةٌ؛ لأن كلًّا من … سواء قلنا: إنها مُضاربةٌ، أو قلنا: إنها وكالةٌ بأجرٍ، وكلا العقدين جائزٌ شرعًا: المُضاربة والوكالة بأجرٍ كلاهما جائزٌ شرعًا.
إذن يكون الأصل في الصناديق الاستثمارية الجواز، ولكن الإشكال الكبير في هذه الصناديق: هل تنضبط بالضوابط الشرعية أم لا؟
إذن هي من حيث الفكرة قلنا: جائزةٌ؛ لأنها إما مُضاربةٌ أو وكالةٌ بأجرٍ، لكن الإشكال في انضباطها بالضوابط الشرعية.
أقسام الصناديق الاستثمارية
الصناديق الاستثمارية لا تنحصر في الأسهم، فهناك صناديق الأسهم، وهناك صناديق البضائع، وهناك صناديق السندات، وهناك صناديق العملات، وهناك أيضًا الصناديق العقارية.
فلو أخذنا ما كان متعلقًا بالأوراق المالية -وهو صناديق الأسهم- نجد أن هذه الصناديق تنقسم إلى قسمين:
- صناديق لا تُشرف عليها هيئاتٌ شرعيةٌ، وهذه لا تخلو -في الغالب- من التعامل بأسهم شركاتٍ مُحرمةٍ، وربما تتعامل بسنداتٍ، وتتعامل بأسهم شركاتٍ دوليةٍ، وسنداتٍ ربويةٍ، فلا تخلو -في الغالب- من محاذير شرعيةٍ.
- القسم الثاني: صناديق تُشرف عليها هيئاتٌ شرعيةٌ في المصارف، وهذه الصناديق وإن كانت لا تتعامل مع شركاتٍ مُحرمةٍ إلا أنها -في الغالب- أيضًا تتعامل مع شركاتٍ مُختلطةٍ، وذلك أن معظم الهيئات الشرعية في المصارف تُجيز الدخول في الشركات المختلطة، كما بيَّنا ذلك في الدرس السابق.
فعلى القول الذي رجحناه -وهو: أنه لا يجوز تداول أسهم الشركات المختلطة- يكون أيضًا الدخول في هذه الصناديق غير جائزٍ، لكن لو افترضنا صناديق تقتصر على أسهم الشركات النَّقية، أو بعبارةٍ أدقّ: التي خلتْ قوائمها المالية من التعاملات المُحرمة؛ فلا بأس بالدخول فيها.
لكن نقول أيضًا: حتى الصناديق التي تُشرف عليها هيئاتٌ شرعيةٌ معظمها تتعامل بأسهم الشركات المختلطة، وهذا يدل على أن النَّقاء المطلق في التعاملات المصرفية عزيزٌ، يعني: مَن أراد أن يكون تعامله حلالًا مئة بالمئة، فكونه يذهب للبنك ويريد أن يستثمر ماله ويحصل على نسبةٍ من الربح، ويريد أن يكون هذا حلالًا مئة بالمئة، يعني: هذا قليلٌ وجوده، أو عزيزٌ؛ لأنه حتى المصارف الإسلامية معظم الهيئات الشرعية فيها تُجيز الدخول في الشركات المختلطة، وتحتاج إلى تطهيرٍ، وتحتاج إلى شيءٍ من هذا القبيل.
ولكن قد توجد صناديق خاصة بالأسهم النَّقية في بعض البنوك، يوجد هذا النوع: صناديق خاصة بالأسهم النَّقية، وإن كانت قليلةً.
هذه فكرةٌ مُوجزةٌ عن الصناديق الاستثمارية.
زكاة الأسهم
ننتقل للمسألة الثانية وهي: زكاة الأسهم، وهذه من المسائل المهمة التي يكثر السؤال عنها، فبعض الناس يمتلك أسهمًا لشركاتٍ معينةٍ ويسأل عن زكاتها: هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب؟ وإذا وجبتْ كيف تُزكَّى؟ وما طريقة إخراج الزكاة فيها؟
وقد اختلف العلماء المعاصرون في زكاة الأسهم على أقوالٍ كثيرةٍ:
فمنهم مَن نظر إلى نشاط الشركة، فإن كانت الشركة زراعيةً فتُزكى زكاة الحبوب والثمار، وإن كانت تجاريةً تُزكى زكاة عروض التجارة، وإن كانت -مثلًا- في البهائم -يعني: في الثروة الحيوانية- تُزكى زكاة بهيمة الأنعام.
ومنهم مَن قال: إن الشركة هي المسؤولة عن الزكاة، وأن المُساهم لا يُزكي إلا ما استلمه من أرباحٍ إذا حال عليها الحول.
ولكن القول الصحيح في زكاة الأسهم -وهو الذي عليه أكثر العلماء المعاصرين- هو القول بالتفصيل؛ فيُقال: إن كان المُساهم مُتاجرًا، مُضاربًا، يُسميه بعض الناس: مضاربًا، يعني: مُتاجرًا يمتلك هذه الأسهم بقصد المُتاجرة فيها، يبيع ويشتري فيها؛ فهذه عروض تجارةٍ يجب عليه أن يُزكيها عند تمام الحول، بغض النظر عن زكاة الشركة إياها؛ وذلك لأن عروض التجارة … يعني: هذه الشركات، يعني: هذا الذي يمتلك الأسهم الآن بقصد التجارة، لا فرقَ بينها وبين عروض التجارة الأخرى، فهو الآن يبيع ويشتري فيها، فتتعلق الزكاة بقيمتها، ومعلومٌ أن في عروض التجارة الزكاة تتعلق بالقيمة، بغض النظر عن العرض.
ولذلك فإن مَن كان يبيع ويشتري في الأغنام، هل يُزكيها زكاة السائمة من بهيمة الأنعام، أو يُزكيها زكاة عروض التجارة؟
القول الصحيح: أنه يُزكيها زكاة عروض التجارة، حتى وإن كانت أغنامًا، حتى وإن كان تمرًا، حتى وإن كان من الحبوب، أو الثمار، أو … فينظر إذن للقيمة في عروض التجارة، ولا ينظر لذلك العرض، إنما لقيمته.
ولهذا في زكاة عروض التجارة لا يُشترط أن يمضي حولٌ على ذلك العرض، ولو اشترطنا هذا لسدِّ باب الزكاة في عروض التجارة؛ لأن عروض التجارة مبنيةٌ على التقليل والاستبدال، والتاجر الذي تبقى عنده السلعة سنةً كاملةً ما حرَّكها -يعني- هذا ليس بناجحٍ في التجارة، فهذه مبناها على التقليل والاستبدال.
ولهذا قال الفقهاء: إنه لا يُشترط أن يمضي حولٌ على ذلك العرض، إنما ما دخل في عروض التجارة عند تمام الحول يُقيم ما عنده من هذه العروض، ويُخرج ربع عُشر قيمتها، ولو كانت ما مضى عليها إلا يومٌ واحدٌ.
فكذلك أيضًا في الأسهم إذا كان المُساهم يقصد بها المُتاجرة، فيُعامل معاملة صاحب عروض التجارة، فنقول: متى دخلتَ في الأسهم؟ إذا قال: دخلتُ في الأسهم -مثلًا- في غُرة شهر ربيع الآخر. نقول: إذن في غُرة شهر ربيع الآخر من العام الذي يليه انظر كم قيمة الأسهم التي عندك لو بعتَها الآن؟ إذا قال: قيمتها -مثلًا- مئة ألفٍ، إذن تُزكي مئة ألفٍ: ألفان وخمسمئة ريالٍ، هذه كيفية زكاتها.
ولذلك من المهم أن يعرف تاريخ الدخول في الأسهم؛ لأن الأسهم -كما تعلمون- ترتفع وتنخفض، حتى في الساعة الواحدة؛ فلذلك عندما يدخل بقصد التجارة يُقيد تاريخ الدخول ووقت الدخول أيضًا؛ نظرًا لارتفاع الأسهم وانخفاضها، فيُزكيها عند تمام الحول، يُخرج ربع عُشر قيمتها.
هذا إذن إذا كان مُتاجرًا، ويُسميه بعض الناس: مُضاربًا، يبيع ويشتري فيها.
أما إذا كان مُستثمرًا وليس مُضاربًا، ومعنى “مستثمرًا” أنه لا يبيع ولا يشتري فيها، إنما ترك هذه الأسهم بغرض الاستفادة من أرباحها، أو أنه اكتتب في شركةٍ معينةٍ أو شركاتٍ وتركها، فهذه إذا كانت الشركة تُزكي فتكفي زكاة الشركة.
وعندنا في المملكة العربية السعودية جميع الشركات المساهمة مُلزمةٌ من قِبَل مصلحة الزكاة والدخل بإخراج الزكاة؛ ولذلك تكفي زكاة الشركة في هذه الحالة؛ لأن المال لا يُزكى مرتين، ومصلحة الزكاة والدخل تأخذ الزكوات من الشركات المساهمة، وقد وُضع لها حسابٌ يَصُبُّ مباشرةً في مصلحة الضمان الاجتماعي.
ولذلك فإن المورد الرئيس للضمان الاجتماعي هو زكاة الشركات المساهمة، وعلى هذا تتفرع مسألةٌ، وهي: أن مَن لم يكن من أهل الزكاة فليس له أن يأخذ من الضمان الاجتماعي؛ لأن الضمان الاجتماعي وإن كان يُدعم من الدولة، لكن المورد الرئيس له هو زكوات الشركات المساهمة.
فبعض الناس يظن أن الضمان الاجتماعي إعانةٌ، وهذا غير صحيحٍ، فالضمان الاجتماعي هو زكاةٌ في الأصل، والمورد الرئيس له هو زكوات الشركات المساهمة، وقد أصبح الآن حساب زكوات الشركات المساهمة مستقلًّا تمامًا، يعني: لا يدخل وزارة المالية، إنما يَصُبُّ مباشرةً في حساب مصلحة الضمان الاجتماعي، وهذه مسألةٌ أحببتُ التَّنبيه عليها.
بعض الناس يأخذ الضمان الاجتماعي وهو ليس مستحقًّا للزكاة، وهذا لا يحلُّ له، ولا يجوز له، وإذا كان قد أخذ في سنواتٍ ماضيةٍ فيجب عليه أن يُعيد المبالغ التي أخذها؛ لأنها زكاةٌ، ولا يجوز للإنسان أن يأخذ زكاةً وهو غير مُستحقٍّ لها، والنبي يقول: مَن سأل أموال الناس تكثرًا فإنما يأخذ جمرًا، فليستقلّ أو ليستكثر [1].
إذن خلاصة الكلام في زكاة الأسهم، نقول: إن المساهم لا يخلو: إما أن يكون مُضاربًا، أو تاجرًا يبيع ويشتري في الأسهم، فهذا لا بد أن يُزكي هذه الأسهم، بغض النظر عن زكاة الشركة، يُزكيها عند تمام الحول بقيمتها السوقية، يعني: لو باع هذه الأسهم كم تُعادل قيمتها السوقية؟ يُخرج ربع عُشر قيمتها، أو يكون مستثمرًا لا يبيع ولا يشتري، وإنما تركها بقصد -مثلًا- الاستفادة من أرباحها، أو أنه اكتتب فيها وتركها؛ فهذا إذا كانت الشركة تُزكي -كما هو الحال عندنا في المملكة- فتكفي زكاة الشركات.
طيب، الإخوة الذين يُتابعوننا الآن عن طريق (الإنترنت) من خارج المملكة، يعني: الدول الأخرى غير المملكة العربية السعودية ما تُلزم الشركات المساهمة بدفع الزكوات، فكيف تكون الزكاة عندهم؟
نقول: لا بد أن يُخرجوا الزكاة، يعني: هؤلاء المساهمون بقصد الاستثمار لا بد أن يُزكوا؛ لأن الشركة ما تُزكي عندهم، فكيف يُزكي؟
يسأل الشركة عن الوعاء الزكوي المتعلق بكل سهمٍ، ثم يضربه في عدد الأسهم التي عنده.
إذن ما دامت الشركات غير مُلزمةٍ بالزكاة، ولا تُخرج الزكوات فلا بد للمُساهمين أن يُخرجوا الزكاة، وقد تكون بعض الشركات في بعض الدول تُخرج الزكوات من نفسها، فتكفي، لكن لا بد للمساهم أن يتأكد من ذلك.
نقول هذا للإخوة الذين يُتابعوننا من خارج المملكة، فأقول: لا بد أن يُخرجوا الزكاة حتى إذا كانوا امتلكوا هذه الأسهم بقصد الاستثمار.
أما مقدار الزكاة فهو مقدار زكاة الأوراق النقدية، وهو ربع العُشر، يعني: اثنين ونصف في المئة، وهذه -إن شاء الله- سنُسلط عليها الضوء عندما نتكلم عن زكاة الأوراق النقدية، فهذه مسائل متعلقة بالأوراق المالية.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن الأوراق المالية وما يتعلق بها من مسائل وأحكامٍ.
الأوراق النقدية
ننتقل بعد ذلك إلى الكلام عن الأوراق النقدية.
والأوراق النقدية موجودةٌ من قديم الزمان، وقد كانت في عهد النبي تُسمى بالدنانير والدراهم، فالدنانير تُمثل الذهب، والدراهم تُمثل الفضة.
وقد ورد ذكر الدينار في القرآن في قول الله : وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، وأيضًا في قول الله تعالى في قصة يوسف: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف:20].
وكان الناس في الجاهلية يستعملون نقود الفرس والروم، وكان الأمر على ذلك أيضًا في صدر الإسلام، وأول مَن ضرب النقود هو عبدالملك بن مروان، الخليفة الأموي رحمه الله، المتوفى سنة أربعٍ وسبعين للهجرة، وكان سبب ذلك سوء العلاقة بينه وبين الروم، فأمر بأن تُضرب نقودٌ خاصةٌ بالمسلمين، وكتب عليها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
ولا تزال بعض هذه النقود موجودةً في بعض المتاحف.
ويُقال: إنه وضع صورته بدل القيصر.
ثم بعد ذلك أصبحت تُضرب وتُسَكُّ في الدولة الإسلامية إلى وقتنا الحاضر، لكن في الآونة الأخيرة تحولتْ من كونها تُصنع من معادن -من ذهبٍ أو فضةٍ- إلى أوراقٍ، فأصبحتْ أوراقًا نقديةً بدل تلك الدراهم والدنانير.
يعني: كان في السابق إذا قيل: “دنانير” تُمثل الذهب، من ذهبٍ، والدراهم من فضةٍ، لكن في وقتنا الحاضر استعاض الناس عن الدنانير والدراهم بالأوراق النقدية، وأصبحتْ هذه الأوراق تختلف بحسب اختلاف جهة الإصدار، فمثلًا: عندنا في المملكة العربية السعودية تُسمى: ريالاتٍ، وفي بعض الدول تُسمى: دنانير، وفي بعضها تُسمى: جنيهات، أو (دولارات)، أو (يورو) بحسب جهة الإصدار.
التكييف الفقهي للأوراق النقدية
هذا المبحث -في الحقيقة- من المباحث المهمة، لا سيما أنه قد أُثير في الآونة الأخيرة، وحصل فيه بعض اللغط عند بعض الناس، وكُتب عنه في الصحف.
فأقول: إن الناس كانوا قديمًا يتعاملون بالدراهم والدنانير.
أول ما خرجت الأوراق النقدية اختلف العلماء في حكمها اختلافًا كثيرًا، ثم بعد ذلك استقرَّ رأي أكثر أهل العلم على رأيٍ واحدٍ، وهذا شأن معظم النوازل، فعندما تأتي النازلة تكون جديدةً، وتكون غير واضحةٍ في معالمها في البداية، ثم بعد ذلك يستقر معظم العلماء على رأيٍ واحدٍ، وهذا له نظائر كثيرةٌ.
يعني مثلًا: كان التصوير التلفزيوني والفوتوغرافي أول ما أتى اختلف فيه أهل العلم اختلافًا كثيرًا، وكان القول السائد أول ما أتى هو المنع، ثم بعد ذلك أصبح القول السائد هو القول بأن هذا لا يدخل في التصوير الممنوع شرعًا، وأن هذا يُعتبر عكسًا للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، وليس هو التصوير الممنوع الذي تتحقق فيه عِلة النهي عن التصوير، وهي المُضاهاة لخلق الله.
المُضاهاة لخلق الله تكون في التماثيل، وتكون -مثلًا- في الرسومات؛ رسوم ذوات الأرواح، أما الصور الفوتوغرافية أو التلفزيونية فهي -في الحقيقة- كالصور في المرآة، وهي صورةٌ حقيقيةٌ، لكنها ثبتت بحكم التقدم التقني، فهي -في الحقيقة- عكسٌ للصورة الحقيقية التي خلقها الله ، ولا تتحقق فيها عِلة المُضاهاة.
استقر رأي كثيرٍ من العلماء المعاصرين على هذا الرأي.
خلاف العلماء في الأوراق النقدية أول ظهورها
كذلك الأوراق النقدية أول ما ظهرتْ اختلف العلماء فيها اختلافًا كثيرًا:
- فقيل: إن الأوراق النقدية هي سنداتٌ بدينٍ على جهة مُصدرها، فمثلًا: الريالات، قالوا: إنها سندٌ بدينٍ على الجهة المُصدرة التي هي مؤسسة النقد العربي السعودي.
واعتُرض على هذا بأن التعهد بسداد ما تُمثله هذه الأوراق أصبح صوريًّا، وليس حقيقيًّا، وإن كان حقيقيًّا في بداية استعمالها، وقد كان في السابق -ولعلكم تذكرون، أو ربما الإخوة كبار السن- يُكتب على الريال أو الورق النقدي عمومًا -الريالات عمومًا-: تتعهد مؤسسة النقد العربي السعودي بأن تدفع لحامل هذه الورقة قيمتها.
أنا أذكر أنه كان يُكتب هذا على الريال، وعلى الخمسة الريالات، وعلى العشرة تُكتب هذه العبارة: تتعهد مؤسسة النقد العربي السعودي بأن تدفع قيمة هذه الورقة لحاملها.
ثم بعد ذلك أصبح هذا التعهد صوريًّا؛ ولهذا لو أن أحدًا ذهب لمؤسسة النقد بخمسمئة ريالٍ، وقال: أعطوني قيمتها الآن من الذهب أو الفضة. هل يُعطونه قيمتها؟
ما يُعطونه قيمتها، فقد أصبح الآن هذا التعهد صوريًّا؛ ولهذا أصبح لا يُكتب عليها.
فهذا مما اعتُرض به على هذا القول، فتبين أن هذا القول ضعيفٌ.
- القول الثاني: أنها عرضٌ من العروض إلا أنه لا يُباع حاضرٌ منها بمُؤجلٍ.
ونُسب هذا القول للشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله.
وفي الحقيقة أن القول بأن الأوراق النقدية عرضٌ من العروض يفتح باب الربا في البنوك على مِصْراعيه؛ لأنك تبيع عَرَضًا بعرضٍ، أو عرضًا بنقدٍ.
فهذا القول فيه خطورةٌ كبيرةٌ، وإشكالاتٌ كثيرةٌ؛ ولهذا هو أضعف الأقوال. - القول الثالث: أن الأوراق النقدية مثل الفلوس، فما ثبت للفلوس من أحكامٍ ثبت للأوراق النقدية.
والفلوس جمع فلس، وهي عملةٌ يتعامل بها الناس من غير الذهب والفضة، والفقهاء لهم فيها كلامٌ كثيرٌ، واختلفوا في الفلوس.
اختلف الفقهاء السابقون في الفلوس: فمنهم مَن اعتبرها مثل عروض التجارة، ومنهم مَن أثبت لها ما يثبت للنقدين، ومنهم مَن ألحقها بالنقدين في وجوب الزكاة وجريان ربا النَّسيئة، ومنع لحوقها بالنقدين في ربا الفضل.
ولكن إلحاق الأوراق النقدية بالفلوس محل نظرٍ؛ لأن الأوراق النقدية في الوقت الحاضر عملةٌ رائجةٌ قد حلَّتْ محل الذهب والفضة، بل يُشترى بها الذهب والفضة، فهي ليست كالفلوس التي ذكرها الفقهاء؛ لأن الفلوس عند الفقهاء هي دون الدنانير والدراهم.
ومعلومٌ أن الأوراق النقدية الآن في مقام الدنانير والدراهم، إذن لا يصح تخريج الأوراق النقدية على أنها فلوسٌ.
- القول الرابع: أن الأوراق النقدية بدلٌ لما استُعيضتْ عنه، وهما النقدان: الذهب والفضة، فيكون حكمها حكم الذهب والفضة.
ولكن هذا القول مبنيٌّ على أن الأوراق النقدية مُغطاةٌ غطاءً كاملًا بالذهب والفضة.
ونريد مناقشة هذه المسألة: هل فعلًا الأوراق النقدية مُغطاةٌ بالذهب والفضة؟
كان ذلك في أول الأمر، يعني: في أول ظهورها كانت كذلك، لكن أصبحت شيئًا فشيئًا ليست مُغطاةً، بل في الوقت الحاضر أصبح أكثرها ليس مُغطًّى؛ ولهذا لما بُحثتْ هذه المسألة في مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وحضر لمجلس الهيئة بعض الخبراء والاقتصاديين، وبيَّنوا منذ ذلك الوقت أنها ليست مُغطاةً غطاءً كاملًا، وأن جزءًا منها مُغطًّى، لكن الجزء الأكبر غير مُغطًّى، وهذا في جميع الدول، فالدولة إذا كانت تمتلك أوراقًا نقديةً ليس بالضرورة أن يكون لهذه الأوراق غطاءٌ من الذهب والفضة، وإنما يعتمد ذلك على القوة الاقتصادية للدولة، وكذلك وجود العملات الصعبة، والاعتبارات السياسية أيضًا، ونحو ذلك في أمورٍ مُعقدةٍ -في الحقيقة- هي التي تُعطي القوة لذلك الورق النقدي.
لهذا نجد أن الورق النقدي يتأثر بالحروب ونحوها، وكذلك اهتزاز أمن الدولة، والأمور السياسية تتأثر بها الأوراق النقدية.
إذن هذا القول لا يُسلم به؛ لأنه بُني على تصورٍ غير صحيحٍ، وهو: أن الأوراق النقدية مُغطاةٌ بالذهب والفضة، وقلنا: إن هذا غير صحيحٍ من الناحية العملية.
الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته
- القول الخامس: أن الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان.
وهذا القول هو القول الصحيح، وهو الذي استقرت عليه الفُتيا في العالم الإسلامي، وأقرته المجامع الفقهية والهيئات العلمية، بل أصبح في الوقت الحاضر هو قول عامة أهل العلم؛ وذلك لأن الأوراق النقدية الآن تُمثل الدراهم والدنانير التي كانت موجودةً سابقًا، فالأوراق النقدية يستطيع الإنسان أن يشتري بها الآن ما كان الناس سابقًا يشترونه بالدراهم والدنانير، فقد جعل الناس سابقًا الدنانير والدراهم هي الأثمان، يشترون بها ما أرادوا.
كذلك الأوراق النقدية الآن يستطيع الإنسان أن يشتري بها ما شاء، فيستطيع أن يشتري بها الذهب والفضة والعقارات وكل شيءٍ، وحينئذٍ فلا شكَّ أن هذه الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة.
هذا هو القول الصحيح الذي استقر عليه رأي العلماء المعاصرين في الوقت الحاضر، وهو الذي يُمثل الأوراق النقدية حقيقةً.
فهل يُعقل أن هذه الأوراق النقدية تُمثل عروضًا، وهي يمكن أن يُشترى بها أي شيءٍ، بل يُشترى بها الذهب والفضة، ومع ذلك نقول: إنها عروضٌ؟!
هذا من أضعف الأقوال، أو القول بأنها سنداتٌ بدينٍ، أو القول بأنها فلوسٌ، كل هذه أقوالٌ ضعيفةٌ، لكنني بسطتُ القول وذكرتُ الخلاف في هذه المسألة والأقوال؛ لأنها أُثيرت في الوقت الحاضر.
نجد أن بعض الناس يأخذ أقوالًا شاذةً، ويُثيرها على الناس، ويُشكك الناس فيما استقرَّ عليه الأمر عندهم، وهذا مسلكٌ غير جيدٍ، وهذا يُحدث تشويشًا لدى العامة، وتشويشًا لدى الناس.
وربما نُسب هذا القول لبعض كبار العلماء مثلما ذكرتُ -مثلًا- عن الشيخ ابن سعدي.
فنقول: إن هؤلاء العلماء معذورون؛ لأنهم كانوا في بداية ظهور الأوراق النقدية، وكما ذكرتُ في مقدمة هذا الدرس: أن النازلة إذا كانت في أول أمرها لا تتضح اتضاحًا كاملًا، فيكون هناك بعض القصور في التصور.
وربما يجد العالم الكبير أسئلةً كثيرةً من الناس، فيُفتي فيها، أو يُقرر حكمًا، لكن قد يفوته بعض التصور، لكن مع مرور الوقت، ومع كثرة التَّباحث في المسائل والعمل بها، وظهور الإشكالات، ويعني: البحوث في هذه النازلة؛ يتضح حكمها، ثم يستقر الرأي فيها، يستقر رأي أكثر العلماء فيها، ومنها هذه المسألة.
إذن لا شكَّ أن الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، وأرى أن الخلاف في هذه المسألة هو -في الحقيقة- خلافٌ ضعيفٌ لا يُلتفت إليه، لكنني أحببتُ أن أذكر هذه الأقوال؛ لأنها أصبحت تُثار الآن في بعض الصحف من بعض الناس، وأصبحوا يُسببون تشكيكًا وتلبيسًا على بعض العامة؛ ولهذا أردتُ أن أُبين أن هذه الأقوال ضعيفةٌ، وأن القول الصحيح الذي استقرَّ عليه الأمر في العالم الإسلامي، وهو الذي استقرتْ عليه الفُتيا في المجامع الفقهية والهيئات العلمية هو: أن الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة، وأنها مثل الدراهم والدنانير التي كانت في عهد النبي تمامًا.
تترتب على هذا القول مسائل وأحكامٌ:
أولًا: إذا قلنا الآن: أن الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، فالأوراق النقدية تُعتبر أجناسًا، وليست جنسًا واحدًا، وإنما أجناسٌ تتعدد بتعدد جهات الإصدار، فالورق النقدي السعودي يُعتبر جنسًا، يعني: الريالات السعودية جنسٌ، والدينار الكويتي جنسٌ، والجنيه المصري جنسٌ، و(الدولار) جنسٌ، و(اليورو) جنسٌ، فتنطبق عليها القواعد التي ذكرها العلماء في اختلاف الجنس، ويجري فيها الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النَّسيئة.
ولهذا لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعضٍ، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى إلا مع التقابض يدًا بيدٍ، ولا يجوز بيعه بدون تقابضٍ.
أما الورق النقدي إذا كان جنسًا واحدًا فيُشترط فيه التقابض والتماثل، يعني: ريالاتٍ بريالاتٍ، خمسمئةٍ بخمسمئةٍ، ألفٍ بألفٍ.
أما إذا اختلف الجنس، مثلًا: ريالاتٌ بـ(دولاراتٍ)، أو ريالاتٌ بديناراتٍ، فهنا لا بأس بالتفاضل، ولكن لا بد من التقابض؛ لقول النبي : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ [2].
فإذا أردتَ أن تصرف -مثلًا- ريالاتٍ بـ(دولاراتٍ) نقول: لا بأس، لا يُشترط التماثل، لكن يُشترط التقابض، والتقابض إما أن يكون حسيًّا بأن تُعطيه -مثلًا- ريالاتٍ ويُعطيك (دولاراتٍ) -يعني- في الحال، وإما أن يكون في حكم المُصارفة يدًا بيدٍ، ومن ذلك التحويلات البنكية.
فعندما تريد -مثلًا- أن تُحول (دولاراتٍ) إلى بلدٍ آخر تذهب للبنك وتُعطيه -مثلًا- عشرة آلاف ريالٍ، وتقول: أريد أن أُحولها إلى (دولاراتٍ) إلى بلد كذا. فموظف البنك يكتب لك سندًا بما يُعادل قيمة هذه العشرة الآلاف ريالٍ من (الدولارات) ويُعطيك إياه، وهذا يقوم مقام المُصارفة يدًا بيدٍ.
ولا يلزم أن تقول له: اصرف لي عشرة آلاف ريالٍ بـ(دولاراتٍ)، ثم تأخذ أنت (الدولارات) وتُرجعها إليه مرةً أخرى، يعني: هذا عبثٌ، ولا تأتي بمثل هذا الشريعة، فما الفائدة في أن تأخذ (دولاراتٍ) ثم تُرجعها مرةً ثانيةً؟
ثم أيضًا إذا أخذتَ (الدولارات) الآن من البنك، وأردتَ أن تُرجعها يحسب البنك سعرًا آخر، فعندهم سعر البيع غير سعر الشراء، فهذه لا نُلزم بها؛ لأن مثل هذا عبثٌ، ولا تأتي الشريعة بمثل هذا؛ ولهذا فإن المهم أن تكون (الدولارات) أو العملة التي يُراد الصرف إليها -انتبه لهذا- موجودةً لدى البنك: إما في الصندوق المحلي، أو في الصندوق المركزي.
الإشكال أنه أحيانًا لا تكون العملة موجودةً لدى البنك إطلاقًا، وهذا يكون في العملات القليلة غير المشهورة، وهذا لا يجوز؛ لأن البنك يكون قد صارف بما لا يملكه؛ ولهذا مَن أراد أن يُحول مبلغًا بعملةٍ أخرى فعليه أن يختار عملةً مشهورةً يغلب على الظن وجودها لدى البنك، مثل: (الدولار)، و(اليورو)، والعملات المشهورة.
أما أن يأتي لعملةٍ غير مشهورةٍ، فربما أن البنك أصلًا لا يملكها: لا في الصندوق المحلي، ولا في الصندوق المركزي.
أيضًا من الأحكام: أنه لا يجوز بيع الجنس الواحد بالعملة الورقية بعضه ببعضٍ مُتفاضلًا، سواءٌ كان نسيئةً، أو يدًا بيدٍ، فلا يجوز -مثلًا- بيع عشرة ريالاتٍ سعوديةٍ ورقٍ بأحد عشر ريالًا سعوديًّا ورقًا، ومن ذلك أيضًا: بيع عشرة ريالاتٍ من الورق بتسعة ريالاتٍ من المعدن، وكان هذا موجودًا قديمًا لما كانوا يحتاجون إليه في الاتصال الهاتفي، فكان بعض الناس يبيع -مثلًا- العشرة من المعدن بأحد عشر من الورق.
وهذه اختلف فيها العلماء المعاصرون؛ فمنهم مَن أجازها وقال: إنها أجناسٌ مختلفةٌ، والقاعدة: إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم.
ولكن القول الصحيح: أنها لا تجوز؛ لأنها جنسٌ واحدٌ، وليست أجناسًا مختلفةً، فكلها تُمثل ريالًا، لكن هذا الريال معدنٌ، وهذا الريال ورقٌ، وجهة الإصدار واحدةٌ، والقوة الشرائية واحدةٌ، فليست أجناسًا مختلفةً، وإنما هي جنسٌ واحدٌ.
فالقول الصحيح: أن هذه لا تجوز، فمَن أراد أن يبيع أو يُصارف من نفس العملة فلا بد من التماثل: عشرةٌ بعشرةٍ، أحد عشر بأحد عشر، مع التقابض.
بالنسبة للزكاة: تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغتْ قيمتها أدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة، وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء المعاصرين.
ومن العلماء المعاصرين مَن قال: نُقدر نِصاب الأوراق النقدية بالذهب؛ لأن الأصل براءة ذمة المُكلف.
فعندنا قولان في المسألة:
القول الأول: أن نِصاب الأوراق النقدية يكون بأدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة.
وفي وقتنا الحاضر أيّهما أرخص: الذهب أم الفضة؟
الفضة أرخص بكثيرٍ من الذهب، لكن قد تكون في بعض الأحوال، في بعض الأزمنة -مثلًا- تكون فيها حروبٌ، أو نحو ذلك، فربما تكون الفضة أغلى ثمنًا، أو أكثر قيمةً؛ ولهذا نقول: أدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة.
وقالوا: لأن هذا هو الأحظ للفقراء والمساكين.
فعندنا الآن قولان في المسألة:
- القول الأول: أن نِصاب الأوراق النقدية يُقدر بالذهب، قالوا: لأن الأصل براءة ذمة المُكلف، والأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته يقوم مقام الذهب والفضة، فنأخذ بالأعلى -وهو الذهب- من باب أن الأصل براءة ذمة المُكلف.
- والقول الثاني: أن نِصاب الأوراق النقدية يكون بأدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة، وهو في وقتنا الحاضر الفضة؛ وذلك لأن هذا هو الأحظ للفقراء والمساكين.
لو أردنا تطبيق هذه المسألة في الواقع، لو قلنا بالقول الأول وهو: أن نِصاب الأوراق النقدية يُقدر بالذهب، فنِصاب الذهب هو خمسةٌ وثمانون جرامًا من الذهب، ومعنى ذلك: أنه في الوقت الحاضر سيكون النِّصاب لا يقلّ عن خمسة عشر ألف ريالٍ.
أما إذا أخذنا بالرأي الثاني وهو: أن نِصاب الأوراق النقدية هو أدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة، فطبعًا الفضة الآن أرخص من الذهب، فيكون نِصابها نِصاب الفضة، وهي تُعادل تقريبًا ألفي ريالٍ، قد تزيد وقد تنقص عن هذه الأرقام بحسب أسعار الذهب أو الفضة تقريبًا.
فلاحظ الفرق بين ألفي ريالٍ، وخمسة عشر ألف ريالٍ.
يعني: الخلاف في هذه المسألة خلافٌ كبيرٌ ومُؤثرٌ، والقول الصحيح هو القول الثاني، وهو: أن نِصاب الأوراق النقدية هو أدنى النِّصابين من الذهب أو الفضة، وهذا هو القول الذي أقرته المجامع الفقهية، وأقره مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة؛ وذلك لأن هذا هو الأحظ للفقراء والمساكين.
فعلى هذا يُقدر نِصاب الأوراق النقدية بنِصاب الفضة.
نِصاب الفضة كم؟
خمسمئةٍ وخمسةٌ وتسعون جرامًا، فنسأل أهل الذهب والفضة: بكم الجرام من الفضة؟ ونضربه في خمسمئةٍ وخمسةٍ وتسعين، تقريبًا في هذه الأيام يُعادل ألفي ريالٍ، في حدود ألفي ريالٍ.
مَن ملك أقلّ من هذا المبلغ، يعني مثلًا: عنده ألف ريالٍ مضتْ عليها سنةٌ كاملةٌ، فهذه ليس فيها زكاةٌ، وألفٌ وخمسمئةٍ ما فيها زكاةٌ، فإذا بلغتْ ألفين فأكثر، وحال عليها الحول؛ فهذه فيها زكاةٌ.
كان قديمًا قبل خمس سنواتٍ أو ستٍّ لما كانت أسعار الذهب والفضة أرخص بكثيرٍ من الآن، فالفضة -يعني- تضاعفتْ في السنوات الأخيرة ربما عدة مراتٍ، وكان قديمًا عندما يسأل الطلاب الذين لهم مكافآتٌ في الجامعة، وكانت المكافأة في معظم الجامعات ثمانمئةٍ وخمسين ريالًا، فكان يُقال بأن عليكم أن تُزكوها إذا حال عليها الحول؛ لأن النِّصاب كان في حدود خمسمئة ريالٍ، ثم ستمئةٍ، ثم ارتقى إلى ثمانمئةٍ، ثم ألف، والآن وصل النِّصاب إلى ألفي ريالٍ، فكان في السابق يُفتى هؤلاء الطلاب بأن يُزكوا المكافأة إذا حال عليها الحول، مع أن غالب الطلاب يقول: لا يحول عليها الحول، لكن لو افترضنا أنه حال عليها الحول.
أما في الوقت الحاضر مع هذا التغيير، ومع ارتفاع سعر الفضة؛ أصبح يُفتى بأن هذه المكافآت ليس فيها زكاةٌ، حتى وإن حال عليها الحول ما لم تصل إلى النِّصاب، يعني: ما لم تصل إلى حدود ألفي ريالٍ فأكثر.
زكاة الأوراق النقدية
كيف تُزكى الأوراق النقدية؟
تُزكَّى مثلما تُزكَّى الدراهم والدنانير، والدراهم والدنانير مقدار الزكاة فيها هو ربع العُشر، يعني: اثنين ونصف في المئة، يعني: في كل مئة ريالٍ ريالان ونصف، ففي الألف خمسةٌ وعشرون، وفي الأربعة الآلاف مئة ريالٍ، وفي الأربعين ألفًا ألف ريالٍ، وفي الثمانين ألفًا ألفا ريالٍ، وفي المئة ألفٍ ألفان وخمسمئةٍ.
ونُعطيكم في هذا قاعدةً سهلةً جدًّا لمعرفة كيفية إخراج زكاة الأوراق النقدية، وفي هذه القاعدة أي مبلغٍ تريد معرفة زكاته اقسمه على أربعين، أي مبلغٍ تريد إخراج زكاته اقسمه على أربعين، يخرج لك ربع العُشر مباشرةً، فمثلًا: إذا قسمتَ اقسم ألفًا على أربعين = خمسةً وعشرين، واقسم ثمانية آلافٍ على أربعين، كم تُساوي؟ مئتين، واقسم مئة ألفٍ على أربعين = ألفين وخمسمئةٍ، وهكذا.
والآن الهواتف النَّقالة التي بأيدي الناس فيها آلاتٌ حاسبةٌ، فبمجرد أن تأخذ الرقم الذي تريد معرفة زكاته، وتقسمه على أربعين، يخرج لك مقدار الزكاة.
هذه طريقةٌ سهلةٌ جدًّا، وبإمكان أي شخصٍ أن يعرف الزكاة بأن يقسم أي رقمٍ يريد معرفة زكاته على أربعين، فيخرج له مقدار الزكاة الذي هو ربع العُشر، والذي هو اثنان ونصف في المئة.
طيب، الأوراق النقدية إذا حال عليها الحول، وكان الذي عنده هذه الأوراق النقدية مُحتاجًا، يعني مثلًا: ادَّخر مئة ألف ريالٍ يريد أن يتزوج، لكن مرَّتْ عليه الأيام وهو يبحث عن امرأةٍ، وربما يبحث عن بيتٍ، ومضتْ عليه سنةٌ كاملةٌ، فهل هذه المئة ألف ريالٍ الموجودة عنده فيها زكاةٌ؟
هو الآن ادَّخر مئة ألف ريالٍ للحاجة؛ لأجل أن يتزوج، ولأجل مُستلزمات الزواج وما يتعلق به، لكن مضى عليه الوقت ولم يصرفها، فهل فيها زكاةٌ؟
نقول: نعم، فيها زكاةٌ، ما دامت الأوراق النقدية بلغتْ نِصابًا، وحال عليها الحول؛ ففيها الزكاة، بغض النظر عن الغرض الذي ادَّخرها لأجله، سواءٌ ادَّخرها -مثلًا- للزواج، أو ادَّخرها للنفقة، أو ادَّخرها للعلاج، أو ادَّخرها لأي سببٍ، أو ادَّخرها للتجارة أو للاستثمار؛ لأنها في الأصل مُعدةٌ ومرصودةٌ للنماء، وهي أثمانٌ، فتجب فيها الزكاة عند جميع العلماء، وليس فيها خلافٌ عند جميع العلماء.
انتبه: بعض الناس يعتقد أن الزكاة إنما تجب إذا كانت هذه الأوراق النقدية يُتاجر بها أو يستثمرها، وهذا غير صحيحٍ، فحتى لو أعدَّها للحاجة، ما دام أنه قد حال عليها الحول ففيها الزكاة، حتى وإن كانت هذه النقود أموالًا ليتامى أو مجانين.
وأموال القُصَّر تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول؛ وذلك لأن الزكاة تتعلق بالمال، وليس بالذمة، بالمال؛ ولهذا يقول الله : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، ولم يقل: خُذْ منهم، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، والنبي في حديث معاذٍ يقول: أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم، وتُردُّ على فُقرائهم [3].
إذن هذا المال بلغ نِصابًا، وحال عليه الحول؛ فتجب فيه الزكاة، بغض النظر عن كون مالكه مُكلفًا أو غير مُكلفٍ؛ ولهذا تجب في أموال اليتامى، وفي أموال المجانين، فما دام هذا المال حال عليه الحول تجب فيه الزكاة.
ولهذا يقول عمر : “اتَّجروا بأموال اليتامى؛ كي لا تأكلها الصدقة”، فمَن يلي من أموال اليتامى ينبغي أن يستثمرها حتى لا تأكلها الزكاة، أو أنه يجعلها في أصلٍ عقاريٍّ -مثلًا- يكون له ريعٌ، وبالتالي الأصل العقاري لا تجب فيه الزكاة، لكن أن يتركها تمضي عليها الزكاة فتأكل أكثرها!
لو افترضنا أن رجلًا خلف أربعين ألفًا، وله ابنٌ في السنة الأولى من عمره، فالولي يُزكي هذه الأربعين الألف كل سنةٍ ألف ريالٍ، وبعد عشرين سنةً -يعني- قارب أن تأكل الزكاة نصف هذا المال.
إذن ينبغي أن يستثمرها، أو يجعلها في أصلٍ عقاريٍّ -مثلًا- أو نحو ذلك، وهذا من التصرف بالتي هي أحسن: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، وإذا كان عاجزًا عن الاتجار بها واستثمارها فلا يلي أمر اليتيم، أما أن يلي أمر اليتيم ويذهب أكثر من نصف ماله في الزكاة، فليس هذا من حُسن الرعاية، وليس من حُسن الولاية.
طيب، بالنسبة للدخل الشهري: بعض الناس يقول: أنا يدخل عليَّ دخلٌ شهريٌّ، مثلًا: رواتب، راتب وظيفةٍ، أو نحو ذلك، وأنا لا أدري ما الذي صرفتُ، وما الذي ادَّخرتُ.
ونحن قلنا: إن أي ورقٍ نقديٍّ يبلغ نِصابًا ويحول عليه الحول تجب فيه الزكاة.
فبعض الناس مع وجود الوظائف والرواتب الشهرية الآن تُشكل عليهم هذه المسألة، فيقول: ما أستطيع أن أحسب ما الذي صرفتُه؟ وما الذي ادَّخرته؟
فنقول: أولًا: مَن كان لا يدَّخر من راتبه شيئًا فهذا لا تجب عليه الزكاة، فالذي راتبه -يعني- في نهاية الشهر ما يبقى منه شيءٌ، هذا ليس عليه زكاةٌ، هذا أمره ظاهرٌ.
أما الذي يدَّخر من مُرتبه شيئًا فهنا تجب عليه الزكاة إذا كان ما يدَّخره قد بلغ نِصابًا، يعني: في حدود ألفي ريالٍ فأكثر.
طيب، كيف يُزكيه؟
له في هذا طريقتان:
- الطريقة الأولى: أن يُحصي ما صُرف وما بقي، وهذا الإحصاء الآن أصبح سهلًا عن طريق كشف الحساب، فيطلب كشف حسابٍ لهذه السنة كلها، وينظر إلى رصيده المُدخر فيُزكيه.
- والطريقة الثانية -وربما تكون أسهل وأضبط وأحوط أيضًا- هي: أن يجعل له تاريخًا مُحددًا في السنة يُزكي فيه جميع الرصيد، سواءٌ ما حال عليه الحول، وما لم يحلّ عليه الحول، فما حال عليه الحول أمره ظاهرٌ، وما لم يحلّ عليه الحول ينوي به تعجيل الزكاة، وتعجيل الزكاة جائزٌ؛ فقد تعجل النبي زكاة عمه العباس .
يقول مثلًا: في غرة شهر رمضان من كل عامٍ أنظر كم رصيدي فأُزكيه مطلقًا، يعني: ما أنظر هل حال عليه الحول، أو لم يحلّ عليه الحول؟ أنوي بما لم يحلّ عليه الحول تعجيل الزكاة، وبذلك لا ينظر لزكاة ماله إلا مرةً واحدةً في السنة، فكلما أتت غُرة رمضان نظر كم رصيده وزكَّاه إلى غُرة رمضان من العام الذي يليه، فتجد أن هذه الطريقة أسهل وأضبط وأحوط، يعني: هذه قد تكون من الطرق التي يمكن أن يُرشد إليها مَن لا يستطيع أن يضبط الذي ادَّخره، والذي صرفه من ماله.
لكن مَن أراد أن يأخذ بالطريقة الأولى، ويأخذ كشف حسابٍ، ويحسب ويُدقق، فنقول: له ذلك، خاصةً مَن تدخل عليه صفقاتٌ كبيرةٌ ونحو هذا، فيُدقق.
المهم أنه يُطبق القاعدة: أن كل مالٍ حال عليه الحول، وقد بلغ النِّصاب، كل نقدٍ حال عليه الحول، وبلغ النِّصاب؛ تجب زكاته، يجب عليه أن يُزكيه.
المال المُعدُّ للصرف في وجوه البرِّ هذا لا زكاة فيه، ومن ذلك: الصناديق الخيرية -مثلًا-، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها إذا صُرفتْ صُرفتْ في وجوه البرِّ، وهي الآن صناديق في وجوه البرِّ، فهذه لا زكاة فيها.
كذلك الأوقاف الخيرية لا زكاة فيها، وهي التي جُعل رِيعها في وجوه البرِّ، فهذه لا زكاة فيها، فمثلًا: إنسانٌ أوقف وقفًا وجعل رِيعه في وجوه البرِّ، فهذا لا تجب عليه فيه الزكاة.
والصناديق العائلية لا زكاة فيها إذا لم يقصد منها الربحية والاستثمار، إذا قصد منها أنه إذا كان أحد العائلة احتاج أو أُصيب أو … فإنه يُعان، فهذه لا زكاة فيها.
هذه نبذةٌ مُختصرةٌ عن الأوراق النقدية.
وأُنبه هنا أيضًا إلى مسألةٍ، وهي: أن حول عروض التجارة يُضم للأوراق النقدية، يعني مثلًا: لو كانت عندك أرضٌ أعددتَها للتجارة من عروض التجارة، ثم إنك بِعْتَ هذه الأرض بعد أحد عشر شهرًا، ولم تَمْضِ عليها سنةٌ، ونفترض أن هذه الأرض بِعْتَها بخمسمئة ألف ريالٍ، والخمسمئة ألف ريالٍ بقيتْ عندك ولم تصرفها، فيجب عليك أن تُزكي هذا المبلغ -خمسمئة ألف ريالٍ- بعد شهرٍ؛ لأن الحول لا ينقطع، حول الأوراق النقدية يُضم لحول عروض التجارة.
انتبه لهذه المسألة التي يجهلها بعض الناس، فيظن -مثلًا- أنه إذا باع العَرَض من عروض التجارة استأنف الحول من جديدٍ، وهذا غير صحيحٍ، فإذا باع العَرَض يبني على حول عروض التجارة.
ففي مثالنا السابق اشترى هذه الأرض، أو هذه الأرض نوى بيعها، ومضت على نية البيع سنةٌ كاملةٌ، أو مضى على نية البيع أحد عشر شهرًا، يعني: أقلّ من السنة، وباعها بخمسمئة ألفٍ، فيجب عليه إذا بقيت الخمسمئة ألفٍ عنده أن يُزكيها بعد شهرٍ، وليس بعد سنةٍ، يعني: يبني على حول عروض التجارة السابق.
إذن حول عروض التجارة وحول الأوراق النقدية يُبنى بعضه على بعضٍ، ولا ينقطع، فينبغي التَّنبه والتَّنبيه لهذه المسألة.
نكتفي بهذا القدر في هذا الدرس.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.