الرئيسية/دروس علمية/فقه النوازل/(8) فقه النوازل- حكم إسقاط الجنين المشوه والبصمة الوراثية
|categories

(8) فقه النوازل- حكم إسقاط الجنين المشوه والبصمة الوراثية

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

معنا في هذا الدرس مسألتان:

  • المسألة الأولى: حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا.
  • المسألة الثانية: حكم البصمة الوراثية، أي الحمض النووي، وأحكامها الشرعية.

حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا

ونبدأ بالمسألة الأولى، وهي حكم إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا:

ووجه اعتبارها نازلة: هو أنه في الوقت الحاضر أصبح يمكن معرفة تشوه الجنين عن طريق الأشعة، وأصبح يمكن للأطباء معرفة ما إذا كان هذا الجنين سيولد مشوهًا أم لا، وذلك عن طريق الأشعة بأنواعها.

ولهذا إذا تشوه هذا الجنين، وأنه سيولد مشوهًا، وسيكون لو ولد وعاش عبئًا على أهله وعلى أسرته، فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال، أو لا يجوز؟

نفخ الروح في الجنين

قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نذكر بعض الأمور التي لا بد من تقديمها قبل بحث هذه المسألة، وهي: أن نفخ الروح إنما يكون بعد مضي مائة وعشرين يومًا على الحمل؛ كما جاء ذلك في حديث عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق، فقال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم علقة مثل ذلك، ثم مضغة مثل ذلك، فأربعون، وأربعون، وأربعون؛ أصبحت مائة وعشرين، أي: أربعة أشهر، ثم يرسل الله إليه ملكًا، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعلم بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعلم أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها [1]، متفق عليه.

فهذا الحديث ظاهر الدلالة في أن نفخ الروح إنما يكون بعد مائة وعشرين يومًا، وهذا التحديد مهم بالنسبة لبحث المسألة، ولكن قد جاء في حديث حذيفة بن أسيد ، وهو في صحيح مسلم: أن النبي قال: يدخل الملك على النطفة، بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمس وأربعين ليلة، هكذا لفظ الحديث، فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها ولا ينقص [2]، رواه مسلم.

فهذا الحديث حديث حذيفة أن هذه الكتابة تكون بعد أربعين أو خمس وأربعين يومًا، بينما في حديث ابن مسعود أن ذلك يكون بعد مائة وعشرين يومًا، وكلا الحديثين من جهة السند صحيح، فحديث ابن مسعود في الصحيحين، وحديث حذيفة في صحيح مسلم، فكيف نجمع بينهما؟

تكلم عن ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم: “شفاء العليل”، وجمع بين هذين الحديثين، قال: فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا التقدير.

ففي حديث ابن مسعود  أنه يقع بعد مائة وعشرين يومًا من حصول النطفة في الرحم، وفي حديث حذيفة أنه بعد أربعين يومًا، أو خمسة وأربعين يومًا.

قال ابن القيم رحمه الله: “وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين، ولا تعارض بينهما بحمد الله، وأن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله على رأس الأربعين الأولى، حتى يأخذ في الطور الثاني وهو العلقة، وأن الملك الذي ينفخ فيه، يعني: الروح، فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة، يعني: بعد مائة وعشرين يومًا، فيؤمر عند نفخ الروح بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته أو سعادته.

وهذا تقدير بعد تقدير، فهذا تقدير غير التقدير الذي كتبه الملك بالموكل بالنطفة، فيقدر الله سبحانه شأن النطفة حين تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق، ويقدر الله شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يومًا، فهو تقدير بعد تقدير، فاتفقت أحاديث النبي ، وصدق بعضها بعضًا”.

يريد ابن القيم رحمه الله بهذا أن يقول: إنه بعد أربعين يومًا يكون هناك تقدير؛ يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد، وبعد مائة وعشرين يومًا يكون هناك تقدير آخر، هو تقدير بعد تقدير، ولا منافاة بينهما، كما أنه أيضًا يسبقهما تقدير، وهو المذكور في قول النبي : إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة [3].

وكما أنه يكون هناك تقدير في ليلة القدر: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۝أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:4-5].

فإذن: لا منافاة بين هذه الأحاديث، وإنما يقال: إن هذا تقدير بعد تقدير.

لكن لاحظ هنا أن حديث حذيفة لم يذكر فيه نفخ الروح، إنما ذكر في حديث ابن مسعود ، فيكون إذن نفخ الروح بعد مائة وعشرين يومًا، وهو الذي يهمنا في بحث هذه المسألة.

قرار هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي

فنقول: بشأن مسألتنا، وهي: إسقاط الجنين المشوه، هذه المسألة بحثت في مجلس هيئة كبار العلماء، وفي مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وصدر فيها قرار من مجلس الهيئة، وقرار من المجمع، والقراران متقاربان في تقرير الحكم الشرعي.

فنقول: أولًا: كما جاء في قرار الهيئة والمجمع:

أولًا: كقاعدة عامة: لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله، إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جدًّا، حتى في طور الأربعين، لا بد من مبرر شرعي.

وإما إسقاط الحمل خشية المشقة في تربية الأولاد، أو العجز عن تكاليف معيشهم، أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد، فهذا لا يعتبر مبررًا شرعيًّا، فيكون الإسقاط لأجل هذا الغرض غير جائز، وقد نص على هذا في قرار الهيئة، وأن الإسقاط خشية المشقة في تربية الأولاد، أو العجز عن تكاليفهم، أو الاكتفاء مما لدى الزوجين من الأولاد أنه غير جائز، ولو كان في طور الأربعين الأولى.

ثانيًا: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا، فإنه لا يحل إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة؛ وذلك لأنه قد نفخت فيه الروح، وأصبح إنسانًا، فإسقاطه هو في الحقيقة قتل لإنسان.

حكم إسقاط الجنين لوجود خطر على الأم

ولكن إذا كان بقاؤه فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال؟

اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه لا يجوز إسقاطه، ولو كان فيه خطر محقق، ولو ماتت أمه ببقائه، ومن أبرز من قال بهذا القول: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، قالوا: ما دام أنه قد نفخت فيه الروح لا يحل إسقاطه بأي حال من الأحوال، حتى لو قرر الأطباء أنه إن لم يسقط ماتت أمه، فإنه لا يحل إسقاطه.

وعللوا لذلك بأنه لا يجوز لنا أن نقتل نفسًا لاستبقاء نفس أخرى، وإسقاطه بعد مائة وعشرين يومًا هو قتل لنفس، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: فإن قال قائل: إذا أبقيناه وماتت الأم، فسيموت هو أيضًا، فيحصل بذلك قتل نفسين، وإذا أخرجناه، فلربما تنجو الأم، فالجواب: أننا إذا أبقيناه وماتت الأم بسببه، ومات هو بعد موت أمه، فإن موت أمه ليس منا، بل من عند الله ​​​​​​​، فهو الذي قضى عليها بالموت بسبب هذا الحمل، أما إذا أجهضنا الجنين الذي كان حيًّا، ومات بالإجهاض، فإن إماتته من فعلنا، ولا يحل ذلك لنا.

فأصحاب هذا القول يرون أن إسقاطه بعد مائة وعشرين يومًا فيه تعد على إنسان، وقتل لإنسان من أجل استبقاء إنسان آخر، هذا هو حاصل استدلالهم.

القول الثاني في المسألة: أنه إذا ثبت من الأطباء الموثوقين أن بقاء الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه سوف يتسبب في موتها لو بقي بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته، فإنه يجوز إسقاطه في هذه الحال.

وقد أخذ بهذا القول مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة، ومجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وعللوا ذلك: بأن إسقاطه في هذه الحال فيه دفع لأعظم الضررين، وجلب لأعظم المصلحتين؛ وذلك لأن عندنا في هذه المسألة ضرران: وهو موت الأم، أو موت هذا الجنين.

وموت الأم أعظم ضررًا من موت الجنين؛ وذلك أن حياة الأم متيقنة، وبقاء هذا الجنين حيًّا بعد الولادة أمر مشكوك فيه، فموت الأم أعظم ضررًا، قالوا: فيجوز إسقاطه دفعًا لأعظم الضررين.

وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة والله أعلم، ولكن ذلك بشروط ليس على إطلاقه، وإنما بشروط، وهي ما أشرنا إليها في هذا القول، وهو: أن يكون هنا اتفاق بين الأطباء بأن بقاء هذا الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه لو بقي فسوف يتسبب في وفاتها، فإذا اتفق الأطباء على ذلك، واستنفذت جميع الوسائل لإنقاذ حياته، ولم يمكن ذلك إلا بإسقاطه استبقاء لحياة الأم، جاز إسقاطه في هذه الحال.

هذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم.

وأما ما ذكره أصحاب القول الأول: من أنه ليس لنا قتل نفس لاستبقاء نفس أخرى، فنحن نقول: نحن الآن عندنا نفسان: عندنا الأم، وعندنا هذا الجنين، فلو لم يسقط هذا الجنين لتسبب في وفاة الأم، ووفاة الأم أعظم ضررًا، فحينئذ يجوز إسقاطه في هذه الحال دفعًا لأعظم الضررين.

إسقاط الجنين قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل

الحال الثانية: قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل، والحمل علقة أو مضغة:

إذا أثبت الأطباء بأن الجنين في هذه المرحلة مشوه تشويهًا خطيرًا، وغير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي فستكون حياته سيئة، وآلام عليه وعلى أهله، ففي هذه الحال يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، وذلك لأن هذا الجنين في هذه المرحلة لم تنفخ فيه الروح، وليس بإنسان، وإنما هو مضغة أو علقة، فيجوز إسقاطه.

إسقاط الجنين في طور الأربعين الأولى من الحمل

الحال الثالثة: أن يكون في الأربعين الأولى، في طور الأربعين الأولى، فيجوز إسقاطه إذا وجد في ذلك مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، ومن ذلك: أن يكون هذا الجنين لو عاش لكان مشوهًا خلقيًّا، فهنا لا بأس بإسقاطه في طور الأربعين الأولى.

فنجد هنا أن العلماء على هذا التدرج يشددون فيما إذا كان ذلك الإسقاط بعد مائة وعشرين يومًا، ثم المرحلة الثانية إذا كان مضغة أو علقة، يشددون تشديدًا أقل من التشديد الأول، أما في الأربعين الأولى إذا كان مضغة أو علقة فيشددون تشديدًا أقل من التشديد الأول، أما إذا كان في الأربعين الأولى فلا يشددون كثيرًا في المسألة.

ولذلك يجوز الإسقاط في الأربعين الأولى، ولو لغرض غير يعني كونه مشوه الخلقة، كما لو اغتصبت امرأة مثلًا وحملت، فيجوز الإسقاط في طور الأربعين الأولى، ويعتبر هذا من المصلحة، ونحن قلنا: إنه يجوز الإسقاط في طور الأربعين الأولى إذا وجد في ذلك مصلحة شرعية، هذا إذا كان في طور الأربعين الأولى.

يشتد الأمر إذا كان مضغة أو علقة، ويشتد الأمر أكثر إذا تجاوز مائة وعشرين يومًا، وهنا قرار هيئة كبار العلماء أخذ بهذا التدرج على هذه المراحل الثلاث، وأما المجمع الفقهي فحصر المسألة في أمرين؛ لأن قرار المجمع الفقهي هو فقط في إسقاط الجنين المشوه خلقيًّا، فقال:

إذا كان بلغ مائة وعشرين يومًا فأكثر، لا يحل إسقاطه إلا إذا كان في بقائه خطر مؤكد على الأم فيجوز، إذا كان أقل من مائة وعشرين يومًا يجوز ذلك إذا كان مشوهًا تشويهًا خطيرًا غير قابل للعلاج، وهذا بالنسبة للطفل المشوه.

وقرار هيئة كبار العلماء فصل في ذلك بينما إذا كان ذلك بعد مائة وعشرين يومًا، فلا يحل إلا إذا كان في بقائه خطر مؤكد على أمه، إذا كان في طور المضغة والعلقة لا يحل إلا إذا كان مشوهًا خلقيًّا، في طور الأربعين الأولى يجوز ذلك لوجود مصلحة شرعية معتبرة.

هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، والتي يكثر السؤال عنها، فيكون الجواب بناء على هذا التفصيل، والله تعالى أعلم.

البصمة الوراثية

المسألة الثانية التي معنا: هي مسألة البصمة الوراثية، أو ما يسمى بالحمض النووي، البصمة الوراثية، أو الحمض النووي:

التعريف بالبصمة الوراثية

وهذه البصمة نريد أولًا أن نعطي تعريفًا بها، هذه البصمة الوراثية هي: البنية الجينية نسبة إلى الجينات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه، هذه البصمة والتي يرمز لها بـــ DNA، هي المادة المورثة الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية.

والجينات أو المورثات الحية هي: الأحماض الأمينية الموجودة لدى كل إنسان، وذلك أن الاكتشافات الطبية قد دلت على أنه يوجد في داخل النواة التي تستقر في خلية الإنسان، يوجد فيها ست وأربعون من الصبغات التي يطلق عليها الكروموسومات، وهذه الكروموسومات تتكون من المادة الوراثية للحمض النووي، وكل واحد من هذه الكروموسومات يحتوي على عدد كبير من الجينات الوراثية، وقد تبلغ الخلية البشرية الواحدة مائة ألف مورث جيني، في الخلية الواحدة فقط.

وهذه المورثات الجينية هي التي تتحكم في صفات الإنسان، والطريقة التي يعمل بها، وأثبتت التجارب الطبية أن كل إنسان يمتلك جينونًا بشريًا يختص به دون ما سواه، لا يمكن أن يتشابه فيه مع غيره؛ كبصمات الأصابع، بحيث لا يمكن تطابق الصفات الجينية بين شخص وآخر.

ولهذا جرى إطلاق عبارة بصمة وراثية للدلالة على تثبيت هوية شخص أخذًا من عينة الحمض النووي الذي يحمله الإنسان عن أبيه وأمه، فإن كل شخص يحمل في خليته الجينية ستة وأربعين من صبغات الكروموسومات، يرث نصفها وهو ثلاثة وعشرون كروموسوم عن أبيه بواسطة الحيوان المنوي، وثلاثًا وعشرين أخرى يرثها عن أمه بواسطة البويضة، فينتج عن ذلك كروموسومات خاصة به، لا تتطابق مع كروموسومات أبيه وأمه من كل وجه، وإنما خليطًا منهما.

وقد أمكن في الوقت الحاضر، يعني يمكن للأطباء إثبات الأبوة أو البنوة لشخص ما أو نفيه من خلال إجراء الفحص على جيناته الوراثية، وأثبتت التجارب أنها تصل في حالة النفي إلى حد قريب من القطع مائة بالمائة، أما في حال الإثبات فتصل إلى ذلك لكن بنسبة أقل، هذه نبذة مختصرة عن البصمة الوراثية أو الحمض النووي.

قرار مجمع الفقه الإسلامي في البصمة الوراثية

بحثت هذه المسألة في مجمع الفقه الإسلامي أيضًا لرابطة العالم الإسلامي، وصدر فيها قرار، وجاء في القرار: بأن البحوث والدراسات قد أفادت بأن البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي، ويمكن أخذها من أية خلية بشرية: من الدم، أو من اللعاب، أو من المني، أو البول، أو غيره.

وأيضًا جاء في قرار المجمع: أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو في نفيهم عنهما، وكذلك في إسناد العينة من الدم أو المني أو اللعاب التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية.

والخطأ في البصمة الوراثية ليس واردًا من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري، أو في عوامل التلوث ونحو ذلك.

إذن هذا توصيف للبصمة الوراثية، وأنها في نتائجها تصل إلى درجة قريبة من القطع، وأن الخطأ فيها وارد، والخطأ الوارد ليس بسبب البصمة في حد ذاتها، وإنما بسبب التعامل معها في الجهد البشري.

ويترتب على ذلك الأحكام الشرعية، وهي مهمة عندنا في هذه، يعني بحث هذه المسألة، جاء في قرار المجمع:

البصمة الوراثية في القضايا الجنائية

أولًا: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة في إثبات الجرائم التي ليس فيها حد ولا قصاص؛ لخبر: ادرؤوا الحدود بالشبهات [4]، وذلك يحقق العدالة والأمن في المجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه، وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.

فيمكن إذن أن يعتمد على أو تعتبر البصمة الوراثية وسيلة من وسائل الإثبات في الجرائم التي ليس فيها حد ولا قصاص، وتعتبر بهذا من البينة، والبينة كما قال ابن القيم رحمه الله: “اسم لما يبين الحق ويظهره، ولا تختص البينة بشهادة الشهود، بل تكون البينة بشهادة الشهود، وتكون بغير الشهادة من القرائن”، وقرر ذلك ابن القيم رحمه الله، وذكر أن بعض القرائن أقوى من شهادة الشهود، خاصة إذا اجتمع أكثر من قرينة.

فالبينة إذن اسم لما يبين الحق، فإذا أتت عدة قرائن، وبينت الحق؛ تعين الأخذ بها، ولا يُقال: إن البينة منحصرة في شهادة الشهود، فالشريعة لا تبطل حقًا، ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة، وقد أمر الله تعالى في خبر الفاسق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، ولم يقل: فردوه، أمر الله تعالى في خبر الفاسق بالتبين والتثبت، ولم يأمر برده، فإن الفاسق قد يقوم على خبره شواهد من الصدق، شواهد تدل على صدقه، وحينئذ يجب قبوله والعمل به.

فإذن يمكن أن يستفاد من البصمة الوراثية في إثبات الجرائم في اعتبارها وسيلة لإثبات الجرائم التي ليس فيها حد شرعي، ولا قصاص، وإنما استثنيت الحدود الشرعية؛ لأنها تدرأ بالشبهات، فلا تعتبر البصمة الوراثية وسيلة لإثباتها مع هذا، ولكن في غير ذلك يمكن أن تعتبر وسيلة من وسائل إثبات الجريمة.

إثبات النسب ونفيه بالبصمة الوراثية

ثانيًا: أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية.. هذه قاعدة عامة في هذا، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية، ويتفرع عن هذا: الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب، أو في نفي النسب.

أما في نفي النسب، فجاء في قرار المجمع: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان، فلو أن شخصًا شك في نسب ابنه إليه، فذهب وحلل الحمض النووي أو البصمة الوراثية، فوجد أنه لا ينسب إليه، فإنها لا يعتمد على هذا شرعًا في نفي النسب، وإنما إذا أراد أن ينفي هذا الولد عنه، فالطريق الشرعي في ذلك ما هو؟ اللعان، الطريق الشرعي أن يلاعن زوجته على الصفة التي ذكرها الله تعالى في أول سورة النور، فإذا لاعن زوجته فإنه لا ينسب إليه، وإنما ينسب إلى أمه.

فلا يعتمد إذن على البصمة الوراثية في نفي النسب؛ لقول النبي : الولد للفراش [5]، فما دامت أمه فراشًا لهذا الرجل، فهو ينسب إليه شاء أم أبى، وليس هناك إلا طريق واحد لنفيه وهو اللعان.

وأما في إثبات النسب، ففي ذلك تفصيل:

لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصونًا لأنسابهم.

إذن استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من النسب هذا لا يجوز، هذا يفتح أبوابًا من الشر على المجتمع، يفتح أبوابًا من الشر.

وبعض الناس عنده وسوسة، وربما تكون نفسيته غير سوية، إذا كان هذا يحصل من بعض الناس في مسائل الطهارة، وربما أيضًا في مسائل يعني يسيرة، فكيف بإثبات النسب؟

لو فتح هذا الباب فإنه سيندفع أناس عندهم وسوسة، وربما يكون عندهم شيء من الاضطراب في النفسية إلى التأكد من نسب أولادهم، وتفتح أمور من الشر على الناس.

حالات إثبات النسب بالبصمة الوراثية

ولهذا فإنه ينبغي سد هذا الباب، فيقال: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة، ولكن يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في حالات:

الحالة الأولى: حالات التنازع على مجهول النسب، بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء كان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة، أو بسبب تساويها، أو بسبب الاشتراك في وطء الشبهة.

ونجد أن الفقهاء يذكرون هذا في باب اللقيط، فيقولون: إذا ادعى إنسان نسب آخر، فإنه يلحق به؛ لأن الشريعة تتشوف في حفظ الأنساب، لكن إذا ادعاه أكثر من واحد، أتى اثنان وادعيا نسب هذا الطفل، فإلى أيهما ننسب؟

قال الفقهاء: أنه يؤتى بالقائف، ومن ألحقه به لحقه، فإن ألحقته القافة بواحد منهما لحقه، ولكن فرض الفقهاء في هذا مسألة، ومسألة قد وقعت، وقعت في زمن الصحابة، وهي: إذا ألحقت القافة هذا الطفل باثنين فأكثر.

اثنان ادعيا نسب هذا الطفل، أتينا بالقافة، قالوا: نرى أنه يشبه هذا، ويشبه هذا، فألحقت القافة هذا الطفل بهذين الاثنين، فما الحكم في هذه المسألة؟

اختلف فيها العلماء على قولين:

القول الأول: وهو قول الجمهور وهو أنه يلحق بهما جميعًا، فيقال: فلان بن فلان آل فلان، وابن فلان آل فلان، هكذا قال الفقهاء، وهو رأي الجمهور: الحنفية والمالكية والحنابلة.

وقد ورد في ذلك أثر رواه سعيد عن عمر بن الخطاب : في امرأة وطئها رجلان في طهر، فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعًا، فجعله عمر بينهما، وهذه القصة قال عنها ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”، قال: “إن إسنادها في غاية الصحة”.

وروي نحوه عن علي ، أنه قال ابن القيم رحمه الله: لا يعرف في الصحابة من خالف عمر وعليًّا، بل حكم بهذا عمر في المدينة بحضرة المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر، فيلحق إذن بهما جميعًا.

ولأنه كما قالوا: من النظر، كما ينعقد الولد من ماء الرجل والمرأة، فلا مانع عقلًا من أن ينعقد الولد من ماء رجلين.

والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب الشافعية، قالوا: إنه لا يمكن أن يلحق ولد بأبوين، لا يمكن، ولا يمكن أن يكون للإنسان أكثر من أب واحد؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بأن يكون للإنسان أب واحد، كما أن له أمًّا واحدة، ولهذا فإنه لا يمكن أن يوجد للإنسان أكثر من أب واحد.

هذا الخلاف قائم وموجود بين الفقهاء، في الوقت الحاضر قد لا نحتاج لمثل هذا الخلاف، وإنما نستطيع أن نرجح هل هذا الولد ابن لهذا الذي قد ادعى، أو للآخر؟ عن طريق البصمة الوراثية والحمض النووي، يمكن أن نرجح هذا.

والأطباء في الوقت الحاضر يقولون: لا يمكن أن ينعقد الولد من ماء أبوين، وحينئذ يمكن أن يستفاد من البصمة الوراثية أو الحمض النووي في الترجيح في هذه الحال، تكون البصمة الوراثية مرجحة عند هذا الخلاف، وهذا هو الذي قد عني في قرار المجمع في حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء.

أيضًا الحالة الثانية: حالة الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.

يحصل أحيانًا في بعض المستشفيات اشتباه بالمواليد، وكذلك أيضًا: في مراكز رعاية الأطفال، وأطفال الأنابيب، فعند هذا الاشتباه يمكن أن يستفاد من البصمة الوراثية في إثبات النسب.

أيضًا ثالثًا: يمكن أن يستفاد من البصمة الوراثية في إثبات النسب في حال ضياع الأطفال، واختلاطهم بسبب الحوادث، أو الكوارث، أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.

وهنا يعني جاء في قرار المجمع: يوصي المجمع أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية، إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن يمنع القطاع الخاص من مزاولة هذا الفحص لما يترتب عليه من المخاطر الكبرى.

وهذا هو الذي عليه العمل في المملكة، وصدر في هذا قرار مجلس الوزراء: بأن يكون التحليل عن طريق البصمة الوراثية بأمر قضائي، وذلك كما ذكرنا لما يحف ذلك من المخاطر العظيمة؛ لأنه لو فتح هذا المجال، وهذا الباب للناس لاندفع أناس إلى التأكد من إثبات نسب أولادهم إليهم، فتنفتح أبواب من الشر على الناس.

ولهذا فهذه هي التوصية التي أوصى بها المجمع، عمل عليها العمل هنا في المملكة، فيكون التحليل عن طريق البصمة الوراثية في حدود ضيقة، ويكون ذلك أيضًا بأمر قضائي، يكون ذلك بطلب من القاضي، ويمنع من مزاولة البصمة الوراثية القطاع الخاص، ويكون ذلك خاصًا بالقطاع الحكومي في حالات ضيقة في حدود الضرورة؛ لأن فتح هذا الباب فيه خطورة كبيرة، وفيه فتح لأبواب من الشر.

هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة، وهذه النازلة، ونكتفي بهذا القدر، ونجيب عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: يقول: الأطباء قد يثبتون الحمل بعد الجماع بساعتين، فهل يجوز إسقاطه؟

الشيخ: إذا وجد في ذلك مصلحة، إذا كان العلماء اختلفوا في جواز العزل، هل يجوز أو لا يجوز؟ وإن كان الصحيح جوازه، لكن ما بالك بالحمل إذا انعقد، إذا انعقد الحمل، فإذن لا يجوز الإسقاط حتى في الأربعين طور الأربعين الأولى، حتى فيما ذكره السائل بعد الجماع بساعات، إلا عند وجود مصلحة شرعية.

السؤال: هل يمكن تحديد تشويه الطفل أو الجنين في طور الأربعين الأولى؟

الشيخ: هذا يرجع للأطباء، والذي أعرفه أنا حتى الآن لا يمكن ذلك في طور الأربعين الأولى، لكن قد يوجد ذلك في المستقبل، والطب كما ترون في تقدم كبير، فيحتمل أن يوجد ذلك في المستقبل.

السؤال: هل ولد الزنا إذا كان قبل مائة وعشرين يومًا يجوز إسقاطه، وهل فيه مصلحة؟

الشيخ: نعم، قبل مائة وعشرين يومًا، الذي يظهر أنه يجوز إسقاطه في هذه الحال، ويعتبر ذلك مصلحة إذا يعني رئي ذلك، رئي أن المصلحة في إسقاطه، رئي أن المصلحة في إسقاطه، خاصة إذا كانت الأم قد اغتصبت ونحو ذلك، فيجوز إسقاطه باعتبار أنه ليس بإنسان بعد، لم تنفخ فيه الروح، وعند كثير من أهل العلم يدخل هذا في المصلحة المعتبرة شرعًا بالضوابط.

السؤال: أين نجد الكلام الذي تكلمته عن الحمض النووي؟

الشيخ: موجود في بحوث “المجمع الفقه الإسلامي”، عند إصدار القرار كان هناك مجموعة من البحوث؛ لأن طريقة المجمع أن يستكتب باحثون وأطباء أيضًا، يعني فقهاء وأطباء في المسألة المراد دراستها، وتجمع هذه البحوث، ويحصل مناقشات مستفيضة، ثم يصدر القرار، فهذه المعلومات نقلتها من بعض البحوث، من بعض بحوث المجمع.

وأيضًا هناك بعض الكتابات الموجودة المعاصرة، وعندنا في قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام رسالة دكتوراه في الهندسة الوراثية.

السؤال: إذا أسقط الجنين لأن بقاءه سوف يكون ضررًا على أمه؛ بعد إسقاطه تجب فيه الدية؟

الشيخ: هو في الحقيقة هنا يعتبر قتلًا لإنسان، ودية الجنين كما ورد في الحديث: غرة عبد أو أمة، يعني قيمة العبد أو الأمة.

السؤال: هل يعتبر الإجماع في “المجمع الفقهي” إجماعًا في هذا الزمان؟

الشيخ: لا يعتبر إجماعًا، هو رأي لطائفة من الفقهاء يمثلون عددًا من فقهاء العالم الإسلامي، لكنه ليس إجماعًا، وقد يكون الصواب في خلاف رأي “المجمع”، وسيأتي لهذا ذكر، هذا سأذكره إن شاء الله تعالى لعل.. في مسألة الموت الدماغي.

الموت الدماغي صدر فيه قرار من “مجمع الرابطة”، ومن “المجمع الدولي”، واختلف “المجمعان”، وسوف نبين إن شاء الله تعالى الراجح منهما، فليس كل قرار “المجمع” يكون هو الصواب المقطوع به، لكنه يعطي مؤشرًا على ذلك، والغالب أن قرارات “المجمع” لا تصدر إلا بعد دراسات وبحوث ومناقشات مستفيضة.

السؤال: هل تثبت الجريمة إذا لم يكن هناك شهود، هل تثبت بالتصوير عن طريق الفيديو؟

الشيخ: معلوم أن التصوير يدخل فيه في الوقت الحاضر التزوير بشكل كبير، ويتفنن في ذلك، ولهذا فإنه لا يثبت عن طريق التصوير؛ لأنه بالإمكان تركيب الصور والتفنن في هذا، يعني معروف، لكن يمكن أن يستأنس بها فقط، مع الأدلة الأخرى، لكن أن يثبت بهذا الطريق وحده، فهذا غير ممكن بسبب أنه يدخله التزوير، لكن يمكن أن يعتبر قرينة يستأنس بها، لا يعتمد عليها.

السؤال: هناك إشكال كيف نعرف أن الله يعلم الغيب، ونحن الآن نعرف الجنين ذكرًا أو أنثى؟

الشيخ: أولًا خذها قاعدة لو كان من علم الغيب لما استطاع البشر أن يعرفوه، فهذا دليل على أن معرفة البشر لهذا ليس من علم الغيب، والله تعالى هو الذي أقدر البشر على ذلك، وكما أن الله تعالى يطلع بعض خلقه، يطلع الملائكة، يطلع الملك الذي يؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد، فلا مانع من أن يطلع بعض البشر على هذا الجنين، ولا يكون في ذلك معرفة لعلم الغيب، والله تعالى يقول: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [لقمان:34]، لا يختص ذلك بكونه ذكرًا أو أنثى، بل يشمل جميع الأوصاف: كونه ذكرًا أو أنثى، كونه على وصف كذا أو كذا، يشمل جميع الأوصاف، ولا يختص ذلك بكونه ذكرًا أو أنثى، وكما أن الله أطلع الملك على ذلك، فلا مانع من أن يطلع بعض البشر على ذلك.

السؤال: ما حكم الرسوم الشهرية بالجوال التي تفرضها الشركة على المشتركين؟

الشيخ: لا بأس بها، هذه الرسوم رسوم مقابل خدمة، رسوم مقابل خدمة، فلا حرج فيها ولا بأس بها.

السؤال: بعض الناس يتكلمون ويفتون بالنشرة ويقولون: بجوازها إذا استخدمت كل الوسائل الشرعية للعلاج ولم يشف، فهل يذهب للسحرة، ويطلبون منه فك السحر بالسحر؟

الشيخ: القول بجواز النشرة بإطلاق هذا يفتح باب الشعوذة والسحر على الناس؛ لأن كل من يذهب إلى دجال أو مشعوذ أو ساحر، سوف يدعي أنه إنما ذهب نشرة، وبالتالي ينفتح هذا الباب، وإن كان العلماء قد اختلفوا في النشرة، والأقرب هو أنها لا تجوز؛ لأن النبي سئل عنها، فقال: هي من عمل الشيطان [6].

ولكن حيث إن المسألة فيها خلاف أقول: من كان له اجتهاد في هذه المسألة، وأراد أن يفتي بها، فينبغي أن يفتي بفتوى خاصة من شخص معين يعرف أنه حالته وصلت إلى مرحلة الضرورة، أو.. وأيضًا يعرف أنه لن يكون عنده مسايرة لذلك الساحر أو الدجال أو المشعوذ في دجله وشعوذته، يعني في حالات خاصة، أما أن يفتح الباب للعامة بإطلاق، فلا شك أن هذا فيه خطورة كبيرة، ويفتح أبوابًا من الشر.

يفتح باب الشرك الأكبر؛ لأن كل من ذهب لهذا المشعوذ أو هذا الساحر، سوف يدعي إنما ذهب إليه لأجل فك السحر، لأجل النشرة، وبالتالي يقع الناس في الشرك، وفي الشعوذة، وفي الدجل بسبب فتح هذا الباب، على أن القول الصحيح في النشرة أنها لا تجوز؛ لأن النبي سئل عنها، فقال: هي من عمل الشيطان [7].

السؤال: هل يجوز منع الحمل أساسًا للاكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد؟

الشيخ: منع الحمل لا يجوز، لكن تنظيم الحمل يجوز، تنظيم الحمل لا بأس به، ومن ذلك: العزل، فإن العزل فيه نوع تنظيم للحمل، وقد قال جابر : “كنا نعزل والقرآن ينزل” [8]، يعني: أن النبي أقرهم على هذا، فتنظيم الحمل لا بأس به، وأما منعه بإطلاق فإن هذا لا يجوز.

.. نعم، على كل حال ينبغي أن يسد هذا الباب، ينبغي سد هذا الباب.

السؤال: لو كان في ولادة الحمل السليم من العيوب خطر على حياة الأم لضعفها أو مرضها.

الشيخ: قد تكلمنا عنه.

السؤال: هل يعمل بالحمض إذا تنازع في الطفل شخصان.

الشيخ: نعم، يعمل بهذا، ويعتبر مرجحًا.

السؤال: هل يصلى على الجنين إذا أسقط؟

الشيخ: إذا كان بعد مائة وعشرين يومًا فيصلى عليه؛ لأنه إنسان نفخت فيه الروح، فيصلى عليه، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، أما إذا كان قبل مائة وعشرين يومًا فلم تنفخ فيه الروح بعد، فليس بإنسان ولهذا فإنه لا يصلى عليه، وإنما يدفن من غير أن يصلى عليه؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح بعد.

السؤال: امرأة حملت من الزنا، وبعد ذلك تبين لأقاربها أنها حامل، اجتمعوا عليها ضربًا، حتى أسقطت الحمل.

الشيخ: على كل حال ما دام أنها أسقطت انتهى الأمر.

السؤال: ما الضابط في تشوه الجنين؟

الشيخ: الضابط في هذا مرجعه إلى الأطباء أهل الاختصاص، أطباء الاختصاص هم الذين يقررون مسألة تشوه الجنين.

السؤال: هل بالإمكان استخدام الحمض النووي في تحديد والدي الطفل اللقيط؟

الشيخ: في الأحوال المعتادة هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه فتح أبواب من الشر، والتشكيك والوسوسة، والنبي وضع لنا قاعدة: الولد للفراش [9]، إذا شك هذا الرجل في ولده، وأراد أن ينفيه فليس له إلا أن يلاعن، ليس له إلا الملاعنة، أما أن يأتي ويطلب هذا.. استخدام هذا الحمض؛ فهذا لا يجوز كما جاء في قرار المجمع: أن هذا لا يجوز، إنما يلجأ إليه عند التنازع، التنازع في إثبات النسب، بأن يقول هذا.. يدعي أن هذا ابنه، والآخر يدعي أنه ابنه، فهنا يلجأ إليه، أما أن شخصًا ينسب لوالديه، فيأتي إنسان ويريد أن يتأكد من صحة النسب، فهذا لا يجوز، ولا تقدم البصمة على اللعان، بل نقول: إذا أردت أن تنفي هذا الولد، فليس لك من طريق شرعي سوى اللعان، ملاعنة الزوجة، وليس هناك طريق آخر.

السؤال: ما حكم العزل؟ وما حدوده الشرعية؟ وهل ورد العزل على عهد النبي ؟

الشيخ: نعم، العزل لا بأس به، العزل جائز؛ لقول جابر : “كنا نعزل، والقرآن ينزل” [10]، وفي معنى العزل: استخدام المرأة لبعض موانع الحمل لأجل تنظيم الحمل، فهذا لا بأس به، بشرط: ألا يكون في ذلك ضرر كبير عليها، فهذا كله لا بأس به.

وأما قول السائل: وهل العزل موجود على عهد النبي ؟

فالجواب: نعم، موجود على عهد النبي ، وكان بعض الصحابة يفعله، وجابر يقول: “كنا نعزل، والقرآن ينزل”.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3208، ومسلم: 2643.
^2 رواه مسلم: 2644.
^3 رواه مسلم: 2653.
^4 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 15922، وبنحوه رواه الترمذي: 1424.
^5 رواه البخاري: 2053، ومسلم: 1457.
^6 رواه أبو داود: 3868.
^7, ^9, ^10 سبق تخريجه.
^8 رواه البخاري: 5208، ومسلم: 1440.
مواد ذات صلة