جدول المحتويات
مفسدات الأعمال
ثم قال المؤلف رحمه الله في الفصل الثاني من مفسدات الأعمال:
بعدما تكلم المؤلف عن حقيقة الدنيا، وذكر هذا المثال البديع، وأيضًا حث على الفرائض، ثم على النوافل، وبيَّن درجاتها؛ انتقل للكلام عن مفسدات الأعمال.
الرياء
"الرياء" مصدر: راءى يرائي؛ أي: عَمِل عملًا ليراه الناس، ويدخل في ذلك مَن عَمِل عملًا ليسمعه الناس، ويُسمَّى "السُّمعة"؛ في الحديث: مَن راءى راءى الله به، ومَن سمَّع سمَّع الله به[1].
والرياء من الشرك الأصغر؛ قال المؤلف: فإن هذا شرك؛ وقد رُوي عن الله تعالى أنه قال: مَن عَمِل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء[2] رواه أحمد بهذا اللفظ.
وفي الحديث الآخر: تركتُه وشِركه في صحيح مسلم: مَن عَمِل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ تركتُه وشِركه[3] ورواية مسلم أصح.
وحُكم العبادة إذا خالطها الرياء، هذا فيه تفصيل: إن كان الباعث على العبادة الرياء؛ فالعبادة باطلة، وهذا العمل يدخل في الشرك، لكنه شرك أصغر؛ مثال ذلك: مَن يصلي لأجل الناس ولم يقصد وجه الله بهذه الصلاة، أو يتصدق لأجل الناس، أو يقرأ القرآن لأجل الناس؛ هذا عبادته باطلة، وهذا داخل في الشرك الأصغر.
ثانيًا: أن يكون الرياء مشاركًا للعبادة في أثنائها؛ فالحامل له على أول العبادة الإخلاص، ثم يطرأ الرياء بعد ذلك، فإن كان لا ينبني آخرها على أولها، فأولها صحيح وآخرها باطل؛ مثال ذلك: رجل عنده مثلًا خمسون دينارًا، تصدق بعشرين دينارًا مخلصًا لله، ثم تصدق بثلاثين دينارًا رياءً؛ فالعشرون دينارًا يؤجر عليها، والثلاثون دينارًا لا أجر له، بل هذا من الشرك.
أما إن كانت العبادة ينبني آخرها على أولها كالصلاة، فإنها تبطل؛ كمَن صلى ركعتين مثلًا مخلصًا لله، ثم طرأ عليه الرياء، فتبطل هذه الصلاة، إلا إذا دافع هذا الرياء ولم يسكن إليه، فإنه لا يؤثر، فإن بعض الناس مثلًا قد يصلي مخلصًا لله، ثم يراه بعض الناس، فيأتيه الشيطان بالرياء فيدافعه ولا يسكن إليه ولا يرتضيه، هذا لا يضره؛ لقول النبي : إن الله تجاوز لأمتي عمَّا حدثَت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم[4].
الحال الثالثة: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة؛ فهذا لا يؤثر إلا إذا كان فيه عدوان، كمَن يتصدق مخلصًا لله، ثم يمتنّ على الفقير بالمنة والأذى؛ فهذا يُبطِل الأجر.
إذَن؛ نعيد مرة أخرى:
حُكم العبادة إذا خالطها الرياء
نقول: لا تخلو من ثلاث حالات:
- الحالة الأولى: أن يكون الباعث عليها الرياء؛ هذا يُبطِل العبادة، ومن الشرك.
- الحالة الثانية: أن يكون الرياء مشاركًا في أثنائها، والحامل عليها الإخلاص، لكن يطرأ الرياء بعد ذلك؛ فإن كانت لا ينبني آخرها على أولها، فأولها صحيح وآخرها باطل؛ وإن كان ينبني آخرها على أولها، فهي باطلة إلا إذا دافع الرياء ولم يسكن إليه، فلا يضره.
- الحالة الثالثة: أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة؛ فهذا لا يؤثر، إلا إذا كان فيه عدوان كالمنة بالصدقة.
هل يدخل في الرياء العمل؟ يعمل العمل لله ثم يحمده الناس ويشكرونه عليه؟ هل هذا من الرياء؟ إنسان مخلص لله ، عنده مثلًا اجتهاد في عمل خيري، عنده دعوة، عنده عِلم، عنده تعليم عِلم، عنده أعمال يقوم بها، والناس تشكره وتثني عليه؛ هل هذا يدخل في الرياء أم لا؟ لا يدخل في الرياء، هذا من عاجل بشرى المؤمن، وقد سُئل النبي عن الرجل يعمل العمل لله فيحمده الناس عليه؛ فقال النبي : تلك عاجل بشرى المؤمن[5]؛ لأنه أصلًا عَمِل عملًا لله، ولم يطلب أصلًا رياءً ولم يطلب سُمعةً، لكن الناس تشكره وتثني عليه وتحمده؛ هذا من عاجل بشرى المؤمن المذكور في قول الله : لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس: 64] في الآخرة الجنة؛ أما في الدنيا، ما هي البشرى التي لأولياء الله وللمؤمنين في الدنيا؟ البشرى كثيرة؛ منها الرؤيا الصالحة، ومنها الثناء الذي يجده الإنسان من الناس وهو لم يتقصده، لكنه يجد هذا الثناء، يجد هذا الشكر، يجد المدح؛ فهذا من عاجل بشرى المؤمن.
قال المصنف رحمه الله:
يعني: قَلَبَ نيته من رياء إلى إخلاص، فسبحان الله! قلوب الناس بيد الله ؛ في الأول كانوا يقولون إنه مراءٍ، وفي الأخير كانوا يقولون إنه رجل صالح؛ والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96]؛ الإنسان الذي تجد أن قلوب الناس تحبه وتأنس به وتثني عليه، هذا من عاجل بشرى المؤمن. وعلى العكس من ذلك؛ الإنسان المكروه الذي كُلٌّ يكرهه كُلٌّ يُبْغضه كُلٌّ يَمْقته، وإن ذُكر لا يُذكَر إلا بذمٍّ؛ هذه علامة سوء -نسأل الله العافية-.
ولهذا لمَّا مُرَّ بجنازة فأثنى الناس عليها خيرًا؛ قال النبي : وجبَتْ لها الجنة، ومُرَّ بجنازة وأثنى الناس عليها شرًّا؛ قال النبي : وجبَتْ لها النار، ثم قال: أنتم شهود الله في أرضه، أنتم شهود الله في أرضه، أنتم شهود الله في أرضه[6] إطباق الناس جميعًا في الثناء على شخص؛ هذا معتبر شرعًا، وإطباق الناس في ذم شخص؛ هذا أيضًا معتبر شرعًا.
ولهذا؛ لمَّا سأل الإمام مالك رجلًا من أصحابه؛ قال: ماذا يقول الناس فيَّ؟ قال الناس منهم مَن يمدح، ومنهم مَن يذم، وأكثرهم يثني؛ قال: لا يزال الناس كذلك، لكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة على الذم.
فإجماع الناس على مدحٍ أو ذمٍّ، هذا له اعتباره شرعًا، لكن ما في أحد طبعًا يرضى عنه جميع الناس، حتى الأنبياء والرسل، لكن الكلام في الأعم الأغلب.
هذا إذَن هو المفسد الأول.
العجب
المفسد الثاني: العجب.
قال:
العجب معناه في اللغة: الزهو والارتفاع. والعجب معناه اصطلاحًا: استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها للمنعم بها .
طيب، هل هناك فرق بين العجب والكبر؟ أكثر العلماء على أنه لا فرق، وقال بعضهم إن هناك فرقًا؛ فالكبر خُلُق باطن، يصدر عنه أعمالٌ فيها ردّ الحق واحتقار الناس.
تعريف الكبر
ليس هناك تعريف أحسن من تعريف النبي للكبر: بَطَر الحق، وغَمْط الناس[7]؛ هذا هو تعريف الكبر، تعريف جامع مانع مختصر؛ بَطَر الحق، وغَمْط الناس.
ما معنى بَطَر الحق؟ يعني: ردّ الحق وعدم قبوله. وغَمْط الناس: احتقار الناس؛ هذا هو الكبر.
هل من الكبر التجمل في اللباس وفي المركب وفي الهيئة وفي المسكن؟
لا، بل هذا من الجمال الذي يحبه الله؛ إنَّ الله جميل يحب الجمال[8]، إنما الكبر خُلُق باطني، ينبثق عنه احتقار الآخرين، وردّ الحق وعدم قبوله.
الفرق بين العجب والكبر
العجب رؤية النفس والعمل والرأي؛ القول الراجح أن العجب والكبر بينهما فرق. لو كان شخص وحده؛ هل يُتصوَّر أن يكون متكبرًا؟ وحده، ما يُتصوَّر؛ لأن الكبر يستدعي آخرين يتكبر عليهم. هل يُتصوَّر أن يكون معجبًا؟ نعم، هذا هو الفرق، فالكبر يستدعي مُتكبَّرًا عليه، ويرى نفسه فوقه وأعلى منه، وأما العجب فلا يستدعي غير المعجب به؛ ولذلك قالوا: حتى لو لم يكن إلا وحده لَتُصُوِّر أن يكون معجبًا ولا يُتصوَّر أن يكون متكبرًا.
لكن العجب يفضي إلى الكبر، والكبر لا يكون إلا عن عجب، فهو أثر من آثاره. هذا هو الفرق بين العجب والكبر.
فالعجب هو رؤية النفس واستعظامها، ونسيان المنعم بها. الكبر لا، هو ردّ الحق وعدم قبوله، واحتقار الآخرين. والكبر لا يكون إلا عن عجب، ما يمكن أن يكون متكبرًا إلا وقد أُعجب بنفسه وعمله.
قال:
يعني: المعجب لا يجاوز عملُه رأسَه.
قال:
هذه طبعًا من الإسرائيليات، والإسرائيليات إذا وافقت شرعنا فإنها تكون معتبرة، وإذا خالفت شرعنا فلا تُعتبر، وإذا لم توافق ولم تخالف فلا تُصدَّق ولا تُكذَّب.
قال:
العجب له أثر في قبول العمل؛ فكونُ الإنسان يبيت نائمًا ويصبح نادمًا خائفًا أحسنُ من أن يبيت قائمًا ويصبح معجبًا. ولذلك؛ كان الصالحون يعملون الأعمال الصالحة العظيمة، ثم يخافون ألا تُتَقبَّل منهم؛ كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون: 60]؛ قال البخاري في صحيحه: "قال ابن أبي مليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه"[9]؛ فالمسلم يعمل الأعمال العظيمة، ومع ذلك يستقلها ويخشى ألَّا تُتَقبَّل منه.
أما الذي يعمل الأعمال ويستعظمها ويستكثرها ويعجب بها؛ فهذه قد تكون أمارة على عدم قبول العمل.
احتقار المسلمين هذا يترتب عليه مساوئ كثيرة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم[10]؛ لا يجوز أن تحتقر غيرك، هذا الإنسان له حقوقه وله احترامه، مهما كان فلا يجوز أن تحتقره؛ ولذلك قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان! قال الله: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألَّا أغفر لفلان؟ لقد غفرت له، وأحبطت عملك[11].
قال:
طبعًا هذه القصة من قصص بني إسرائيل، لكن معناها صحيح، فالإنسان لا يعجب بعمله، قوله: "مَن هذا الكلب حتى يمشي خلفنا؟!"، لماذا تحتقره وتعجب بعملك؟ مثل قول القائل: "والله لا يغفر الله لفلان"! الإنسان لا يرى نفسه أنه أفضل من الآخرين، ويعجب بعمله، ويحتقر غيره، ربما يكون هذا خيرًا عند الله منك، وأحب إلى الله منك.
يعني: هذا يدل على عدم عجبه بنفسه، وعلى خوفه.
مخالفة السنة قولًا أو فعلًا أو اعتقادًا
يعني: من مفسدات الأعمال.
هناك مسالك في الأخذ بالأحكام: هناك مسلك التشدد؛ وهذا مسلك غير صحيح وغير سديد، الشريعة بُعثت باليسر والسماحة والسهولة يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]؛ وتجد أن هذا المسلك موجود عند بعض طلبة العلم، يغلب على فتاواه "حرام"، كل شيء حرام حرام. يقابله منهج التمييع والتساهل؛ كل شيء عنده حلال، كل شيء يجوز، لا تكاد تسمع في فتاواه "حرام"، وهذان المسلكان أو المنهجان كلاهما غير صائبين.
ما هو المنهج الصحيح؟
طالب: الوسط.
لا، ليس الوسط.
طالب: اتباع الدليل.
أحسنت، المنهج الصحيح اتباع الدليل؛ إذا شدَّدَت الأدلة في المسألة شدَّدْنا، وإذا وسَّعَت وسَّعْنا، أما قول بعضهم: "اتباع الوسط" هذا ليس بالضرورة اتباع الوسط، فبعض المسائل الشريعة شدَّدَت فيها مثل مسائل الربا، وبعض المسائل جاءت الشريعة فيها سعة مثل بقية أنواع المعاملات ونحو ذلك؛ فما شدَّدَت فيه الشريعة شدَّدْنا، ما وسَّعَت فيه الشريعة وسَّعْنا؛ فطالب العلم يسير مع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ، يكون متعصبًا للدليل، قال الله قال رسوله، هذا هو المنهج السليم، وهذا هو المنهج الحق، أن يعظِّم الدليل ويتبع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله .
قال:
يعني: السُّنة.
ثم مثَّل المؤلف بأمثلة؛ فقال:
الوسواس في أول مبادئه يمكن السيطرة عليه، يستعيذ بالله من الشيطان، ويقوي الإرادة، لكن عندما يصبح وسواسًا قهريًّا يصبح مرضًا، ويُنصح من أصيب بالوسواس بأن يذهب للطبيب النفسي، عندهم علاجات؛ لأنه أحيانًا يكون سبب الوسواس ليست وساوس الشيطان، حتى لو قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، الوسواس مستمر معه، سببه مشكلة في الدماغ، كيمياء الدماغ يكون فيها مشكلة، فيحتاج إلى علاج بالعقاقير، وعلاج بالجلسات والتوجيه والإرشاد.
قال:
فلا يُزاد على ثلاث غسلات، ما تغسل مثلًا وجهك أكثر من ثلاث مرات أو يديك أكثر من ثلاث مرات؛ هذا خلاف السُّنة.
الإسراف في كل شيء مذموم؛ سواء كان في الماء، أو كان في الكهرباء، أو كان في الأكل أو الشرب، أو غير ذلك؛ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31].
يعني: ما كان النبي يستعمله لا يجوز أن يقال بتنجيسه، فالأصل في الأشياء الطهارة؛ فمثلًا لو دخلت مكانًا، لك أن تصلي في أي بقعة، ولا تقل: يمكن أنها نجسة، يمكن وقع عليها نجاسة. لا، الأصل الطهارة، إذا كنت تعلم أنها نجسة لا تصلِّ في هذا المكان، أما إذا كنت لا تعلم فالأصل هو الطهارة.
الصلاة في وقت النهي وَرَدَ النهي عنها؛ وقت النهي: ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، وحين يقوم قائم الظهيرة قُبيل أذان الظهر، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
والصوم فيما نُهي عنه كالصوم يومَي العيدين.
فليحرص ...