ما يجب على مَن وطئ قبل التَّحلل الأول
حال الإحرام، أشد محظورات الإحرام، كما أنه أشد مُفسدات الصيام، وإذا وقع قبل التَّحلل الأول فسد الحج، فإذا وقع الوطء قبل التَّحلل الأول ترتب على ذلك خمسة أمورٍ:
- الأمر الأول: فساد النُّسك؛ لقضاء الصحابة بذلك، وحكاه ابن المنذر إجماعًا.
- الأمر الثاني: وجوب المُضي في ذلك النُّسك.
- الأمر الثالث: وجوب قضائه من قابلٍ.
- الأمر الرابع: الفدية، وهي بدنةٌ؛ للآثار عن الصحابة في هذا.
- الأمر الخامس: الإثم، ويترتب على ذلك وجوب التوبة.
كل هذه الأمور مُترتبةٌ على الوطء قبل التَّحلل الأول.
أُعيدها مرةً أخرى: فساد النُّسك، وجوب المُضي فيه، وجوب القضاء من قابلٍ، الفدية، الإثم.
وهذه المسألة فيها آثارٌ عن الصحابة؛ كما رُوي ذلك عن ابن عباسٍ وابن عمر .
لكن المؤلف ألحق بالوطء فقال:
فعلى كلام المؤلف: أنه تجب بها بدنةٌ، ولكن هذا محل نظرٍ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل لهذا، وقياس هذه الأمور على الوطء قياسٌ مع الفارق؛ لأن الإنزال لا يشترك مع الوطء إلا في أمرٍ واحدٍ وهو وجوب الغُسل، ويختلف معه في بقية الأحكام، فكيف يُقاس عليه؟!
والقول الراجح: أنه يجب بهذه الأمور ما يجب في سائر المحظورات من ذبح شاةٍ، أو صيام ثلاثة أيامٍ، أو إطعام ستة مساكين.
فلا تُقاس هذه الأمور التي ذكرها المؤلف على الوطء.
قال:
يعني: إن لم يجد البدنة.
وفي العمرة إذا أفسدها قبل تمام السعي شاةٌ.
إذا وقع ذلك عن عمدٍ، أما إذا وقع عن جهلٍ فالجمهور على أن الوطء يستوي فيه العمد والجهل والنسيان.
وقد سبق ترجيح القول بأنه لا شيء على مَن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام بما فيها الوطء والإنزال عن جهلٍ أو خطأ أو نسيانٍ.
ولم يذكر المؤلف: ما الذي يجب بعد التَّحلل الأول إذا حصل الوطء؟
إذا حصل الوطء بعد التَّحلل الأول يجب دمٌ، ولا يفسد به الحج، لكن بعض فقهاء الحنابلة يرون أنه يجب عليه أن يُجدد الإحرام بأن يخرج إلى الحِلِّ ويُحْرِم منه، قالوا: لأنه قد فسد ما تبقى من إحرامه، فوجب عليه أن يُجدده.
ولكن هذا محل نظرٍ، والأقرب أنه لا يجب، وإنما الواجب عليه دمٌ فقط مع التوبة إلى الله .
ما المقصود بالتَّحلل الأول والتَّحلل الثاني؟
عندما نقول: التَّحلل الأول والتَّحلل الثاني، ما المقصود به؟
بيَّن المؤلف المقصود بالتَّحلل الأول فقال:
يعني: من ثلاثةٍ.
والثاني يحصل بما بقي مع السعي إن لم يكن سعى من قبل.
وهذا هو الذي عليه جمهور الفقهاء: أن التَّحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثةٍ: الرمي -رمي جمرة العقبة- والحلق أو التَّقصير، وطواف الإفاضة.
لاحظ هنا: أن الذبح ليس معها، وبعض الناس يخلط فيقول: هل يجوز أن أتحلل وأنا ما ذبحتُ الهدي؟
الهدي ليس معها: الرمي والحلق أو التقصير والطواف.
إذا فعل اثنين من هذه الثلاثة حلَّ التَّحلل الأول، يعني: حلَّ له كل شيءٍ حَرُمَ عليه بالإحرام ما عدا الزوجة.
والفقهاء يقولون: إلا النساء. ومقصودهم الزوجة، والتعبير بالزوجة أدقّ من قولهم: إلا النساء.
فإذا فعل هذه الأمور الثلاثة كلها -الرمي والحلق أو التَّقصير والطواف- حلَّ له كل شيءٍ حَرُمَ عليه بالإحرام حتى جِمَاع الزوجة.
ومن أهل العلم مَن ذهب إلى أن التَّحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط.
والخلاف مبنيٌّ على الخلاف في ثبوت الرواية، ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها: إذا رميتم وحلقتم فقد حلَّ لكم الطِّيب والثياب وكل شيءٍ إلا النساء [1]، وفي روايةٍ أخرى: إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حلَّ له كل شيءٍ إلا النساء [2] بدون زيادة: وحلقتم، والمُحَدِّثون مختلفون في ثبوت هذه الزيادة: وحلقتم.
والقول بأن التَّحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة قولٌ قويٌّ، وإن كان الأحوط هو قول الجمهور.