logo
الرئيسية/دروس علمية/دورة في التعليق على كتاب الحج من كتاب السلسبيل (الكويت)/(08) باب محظورات الإحرام- من قوله: "وهي سبعة أشياء.."

(08) باب محظورات الإحرام- من قوله: "وهي سبعة أشياء.."

مشاهدة من الموقع

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

كنا قد وصلنا في التعليق على كتاب "السلسبيل في شرح الدليل" إلى باب محظورات الإحرام.

باب محظورات الإحرام

قال المصنف رحمه الله:

باب: محظورات الإحرام.

المقصود بمحظورات الإحرام: المُحرَّمات بسبب الإحرام؛ أي: ما يُمنع منه المحرم، سواء أكان رجلًا أو امرأة.

وهي سبعة أشياء.

جعلها المؤلف سبعة، وبعضهم يجعلها ثمانية، وبعضهم يجعلها تسعة أيضًا، والاختلاف في إدخال بعضها في بعض؛ فمثلًا المؤلف جعل حلق الشعر وتقليم الأظافر واحدًا، بينما غيره جعلهما اثنين؛ المباشرة مع الوطء بعضهم يجعلها واحدًا، وبعضهم يجعلها اثنين؛ ولا مشاحة في الاصطلاح.

قال:

الأول: تعمد لبس المخيط على الرجال

أحدها: تعمد لبس المَخيط على الرجال.

المقصود بالمخيط: اللباس المفصل على قدر العضو أو الأعضاء، سواء أكان بخياطة أو بغير خياطة، وإنما يعبر الفقهاء بالمخيط بناءً على الغالب؛ فالمخيط: الذي فيه خياطة؛ مثل القميص الذي نسميه الثوب، وكذلك السراويل، والخف، ونحو ذلك.

فإذا قلنا: السراويل؛ فهل السراويل جمع أو مفرد؟

السراويل مفرد، ليست جمعًا، جمعها سراويلات، أما سروال فهو لغة شاذة؛ ولذلك تقول: لبست سراويل، لا تقل: سروالًا؛ وجمعها سراويلات.

هكذا أيضًا لو وُضع على مقدار العضو بدون خياطة؛ كأن يُنسج نسجًا، أو يُلصق بلصوق، وهو ليس فيه خياطة، يبقى مخيطًا؛ مثلما يُسمَّى في الوقت الحاضر بـ"الفانيلة"، فهذه تُعتبر مخيطًا.

وهذا المصطلح -مصطلح المخيط- أَشْكَل على بعض العامة؛ بعض العامة يعتبر المخيط كل ما فيه خيوط؛ ولذلك تجد أن بعضهم يسأل: هل يجوز لبس الساعة التي فيها خيوط؟ هل يجوز لبس الحزام الذي فيه خيوط؟ هل يجوز لبس النعل التي فيها خيوط؟

هذه الأسئلة ناشئة عن فهمٍ خاطئ للمخيط، يظنون أن معنى المخيط ما فيه خيوط، هذا غير صحيح. المقصود بالمخيط: المفصل على قدر العضو أو الأعضاء، وليس المقصود به ما فيه خيوط، بل إن كلمة المخيط لم ترد أصلًا في النصوص لا في القرآن ولا في السنة، ولا حتى عن الصحابة؛ ويقال إن أول مَن أطلق هذا المصطلح "إبراهيم النخعي"، وتبعه على ذلك جماهير الفقهاء. ولهذا؛ الأحسن أن نُعبِّر بتعبير الشارع، تجد أن تعبير الشارع محكم ما فيه لبس، ما فيه إشكال، لكن هذا أطلقه بعض الفقهاء من باب التوضيح؛ فسبَّبَ لبسًا، ولذلك لا بُدَّ أن يُفهم المخيط بالفهم الصحيح.

فالمخيط بالنسبة للرجال -كما ذكرنا- المفصل على قدر العضو أو الأعضاء؛ مثل السراويل، ومثل الفانيلة، ومثل الثوب، هذا يعتبر مخيطًا.

المخيط بالنسبة للمرأة؛ مثل النقاب، ومثل القفازين.

حكم لبس الخفين

قال:

حتى الخفين.

أي: أنه يحرم على المحرم لبس الخفين؛ لأن النبي نهى عن ذلك، وقال: مَن لم يجد نعلين؛ فَلْيلبس الخفين، وَلْيقطعهما أسفل من الكعبين[1]. وقال بعض أهل العلم -وانتبه لهذه الفائدة-: إن الأمرَ بقطعهما حتى تكونا كالنعلين منسوخٌ؛ لأن النبي أمر بالقطع لما خطب الناس في المدينة، ثم لما كان في عرفات قال: مَن لم يجد النعلين؛ فَلْيلبس الخفين ولم يأمر بالقطع. وقالوا: إنه قد أدرك النبيَّ في عرفات مَن لم يسمعه في المدينة، فإنه قد حج معه قرابة مئة ألف، فلو كان قطعُ الخفين واجبًا لبَيَّنَ ذلك النبيُّ في عرفات، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

ولكن هذا مبني على ثبوت الرواية في أن النبي لم يأمر بقطع الخفين في عرفات؛ والمحققون من أهل الحديث يقولون: إنه لم تثبت لفظة أن النبي خطب في عرفات وأنه قال: مَن لم يجد النعلين؛ فَلْيلبس الخفين؛ فكلمة "يخطب بعرفات" غير محفوظة؛ لأنها انفرد بها شعبة عن عمرو بن دينار من بين سائر الثقات، وأكثر الثقات رَوَوْها بدون ذِكر "عرفات".

والثقة إذا خالف مَن هو أوثق منه؛ ماذا يقال عن الرواية؟ شاذة؛ يعني لو أن مثلًا عشرة من طلبة العلم موجودين هنا في هذا المسجد حضروا درسًا، قال واحد منهم: إني سمعتُ الشيخ يقول كذا؛ وتسعة ثقات أثبات قالوا: لا، أبدًا ما سمعناه؛ فنرجِّح رأي مَن؟ التسعة، كل التسعة مجمعون على أنه ما قاله؛ فهذا يعني يغلب على الظن أن هذا وإن كان ثقة إلا أنه وَهِم؛ فهذه مخالفة الثقة لمَن هو أوثق منه.

فهنا انفرد بها شعبة عن عمرو بن دينار من بين سائر الثقات؛ ولهذا قال الإمام مسلم في صحيحه: ولم يذكر أحد منهم "يخطب بعرفات" غير شعبة وحده.

وعلى ذلك؛ تكون هذه اللفظة "يخطب بعرفات" غير محفوظة؛ وعلى هذا فالقول الراجح أن مَن لم يجد نعلين ولبس خفين فإنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين؛ يعني حتى يكونا على صفة النعلين.

وهذا كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وفي وقتنا الحاضر تيسرت الأمور، وأصبحت النعال متيسرة، وتُباع بسعرٍ زهيد عند المواقيت وغيرها، فأصبح الأمر ميسورًا، لا يحتاج الناس في الوقت الحاضر إلى قطع الخفين حتى يكونا أسفل من الكعبين.

لكن بدأ الآن بعض الأسئلة عن أنواعٍ من النعال هل يجوز لبسها أم لا؟ نقول: القاعدة في هذا أنها إذا كانت أسفل من الكعبين فيجوز لبسها، وأما إذا وصلت إلى الكعبين أو فوق الكعبين فلا يجوز؛ هذه هي القاعدة -بِغَض النظر عن النوع الفلاني أو النوع الفلاني-، المهم هو أن تكون أسفل من الكعبين.

فلو لبستَ ما يُسمَّى بـ"الجَزْمَة"، بعض أنواع الجزمات تكون أسفل من الكعب من جميع الجهات، هذه لا بأس بلبسها؛ أما لو كانت تصل إلى الكعب -ولو من جهة واحدة-، هنا لا يجوز لبسها للمحرم. فإذا طَبَّقتَ هذه القاعدة تستطيع معرفة الحُكم؛ لأن بعض الناس يسأل ويرسل صورة، يقول: هذا يجوز لبسه أم لا يجوز؟ نقول: القاعدة هي أنها إذا كانت دون الكعبين جاز، أما إذا وصلَت إلى الكعبين أو فوق الكعبين فلا يجوز.

مَن لم يجد إزارًا يلبس السراويل

مَن لم يجد إزارًا فإنه يلبس السراويل -وليس عليه فدية- إلى أن يجد الإزار؛ لقول النبي : السراويل لمَن لم يجد الإزار[2]، ولقوله: مَن لم يجد إزارًا؛ فَلْيلبس السراويل[3]. وهذه المسألة قد يحتاج لها بعض الناس عندما يحرم في الطائرة، وينسى أن يأخذ معه ملابس الإحرام، أو أنه معه لباس الإحرام لكن يضعه في حقيبة، والحقيبة يشحنها في الطائرة، فعند محاذاة الميقات ما يستطيع أن يصل إلى حقيبته المشحونة؛ فماذا يفعل؟

نقول: يحرم في سراويل، ويضع شيئًا على عاتقه -ولو ثوبًا مقلوبًا-، ويخلع الشماغ أو الغترة، ويكون إحرامه صحيحًا، طبعًا إذا كان بإمكانه أن يتحمل ذلك من الناحية الاجتماعية؛ لأن بعض الناس قد لا يتحمل هذا، لكن إذا لم تكن عنده مشكلة في هذا يلبس السراويل. وأيضًا الفانيلة يخلعها، ويضع شيئًا على الجزء الأعلى -ولو ثوبًا مقلوبًا-، أو يضع شماغًا مثلًا على الجزء الأعلى، ولا يغطي رأسه؛ وبذلك يخرج من الموقف.

حُكم تغطية الوجه للمحرم

طيب، ما حُكم لبس الكَمَّام للمحرم؟ الكَمَّام الحقيقة فيه تغطية للوجه أو لجزء من الوجه، أما القول بأنه ليس فيه تغطية فغير مسلَّم؛ بدليل أنه لو وضع الكَمَّام على الرأس بدل الوجه لمُنع منه.

وعلى ذلك؛ هذه المسألة تتفرع عن مسألة أخرى، وهي: هل يجوز للمحرم الرجل أن يغطي وجهه أم لا؟

اتفق العلماء على أنه ممنوع من تغطية رأسه، وإنما الخلاف في تغطية الوجه، هذا تحرير محل الخلاف؛ اختلف العلماء في ذلك على قولين:

  • القول الأول: أنه لا يجوز للمحرم تغطية وجهه؛ واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا وَقَصَتْه راحلتُه وهو محرم فمات، فقال النبي : اغسلوه بماء سدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا[4]؛ الشاهد قوله: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، قالوا: فإذا كان هذا في شأن المحرم الميت؛ فالحي من باب أولى.
  • القول الثاني: أن تغطية الوجه للمحرم لا بأس بها، وإليه ذهب جمهور الفقهاء؛ قالوا: لأنه لم يثبت في ذلك نهي عن النبي ، والأصل الإباحة.

وأما حديث ابن عباس: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فقالوا: المحفوظ من جهة الصناعة الحديثية هي الرواية المتفق عليها التي اتفق عليها البخاري ومسلم؛ وهي: ولا تخمروا رأسه، وأما زيادة: ولا وجهه فإنها شاذة، وقد أوردها الإمام مسلم بعد عدة روايات، فأورَدَ أكثر الروايات بلفظ: ولا تخمروا رأسه، ثم ساق بعد ذلك رواية: ولا وجهه.

وخُذ هذه الفائدة: الإمام مسلم في صحيحه أحيانًا يسوق الرواية الضعيفة بعد الرواية أو الروايات الصحيحة؛ من باب التنبيه على ضعفها، وقد أشار إلى هذا في مقدمته، فكأن الإمام مسلمًا رحمه الله إنما ساق هذه الرواية للتنبيه على عدم ثبوتها. ومن ذلك مثلًا: غَيِّروا شعر هذا، وجَنِّبوه السواد[5] ساقها الإمام مسلم في صحيحه؛ هذه الرواية أن قحافة -والد أبي بكر الصديق- أُتِي به وشعره أبيض -شعر رأسه ولحيته- كالثُّغَامة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: غَيِّروا شعر هذا يعني بالخضاب، ثم الإمام مسلم ساق هذا الحديث بزيادة: وجَنِّبوه السواد، وجَنِّبوه السواد هذه غير محفوظة؛ بدليل أن هذا الحديث قد أخرجه الإمام مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر، وسُئل أبو الزبير: هل سمعت جابرًا يقول: وجَنِّبوه السواد؟ قال: لا. فهذه غير محفوظة؛ ولذلك فالأقرب أن الخضاب بالسواد لا بأس به، لم يثبت فيه نهي، هذه الرواية غير محفوظة.

حتى حديث: يكون في آخر الزمان قوم يَخْضِبون بهذا السواد كحواصل الطير[6] هذا ضعيف، بل إن ابن الجوزي عَدَّه في الموضوعات. وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" عن تسعة من الصحابة أنهم كانوا يَخْضِبون بالسواد، ولو كان مكروهًا -ليس محرمًا- لَكَان الصحابة أبعد الناس عنه. ولا يقال إن هذا اجتهادٌ خَفِيَ على بعض الصحابة؛ لأن هذا من الأمور الظاهرة، يعني تكون في اللحية، والصحابة من أعظم الناس قيامًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح.

الشاهد من هذا: أن الإمام مسلمًا رحمه الله أحيانًا يسوق الرواية الضعيفة بعد الرواية الصحيحة؛ من باب التنبيه على ضعفها. فزيادة أو رواية: ولا وجهه غير محفوظة؛ وعلى ذلك فالقول الراجح هو القول الثاني، وهو أن المحرم يجوز له تغطية وجهه.

حُكم لبس الكمامة للمحرم

يتفرع عن هذه المسألة نازلة من النوازل؛ وهي لبس الكمامات للمحرم. أما إذا كان رجلًا: فعلى القول الذي رجحناه -وهو أنه يجوز للمحرم تغطية وجهه-؛ يجوز له لبس الكمامة. لكن إذا كانت امرأة: فبعض النساء الآن تلبس الكَمَّام بدل النقاب، تضع الكَمَّام على وجهها، ما يبدو سوى عينيها، فلا يوجد فرق بينه وبين النقاب؛ ولهذا فالأقرب بالنسبة للمرأة المحرمة التفصيل:

فإن لبسَت الكَمَّام على هيئة النقاب بحيث لا يبدو سوى عينيها؛ نقول: هذا لا يجوز. أما إذا جعلت الكَمَّام على الفم والأنف فقط فلا بأس. هذا هو القول الراجح في حُكم الكَمَّام بالنسبة للمرأة المحرمة.

حُكم لبس الإزار المخيط

هناك نوع من الإزار يُسمَّى الإزار المخيط الذي يُلبس على شكل التنورة، بحيث يكون من جميع الجوانب، هذا الآن يباع عند المواقيت ويلبسه بعض الناس؛ ما حُكم لبسه؟ اختلف العلماء المعاصرون في حُكم لبسه على قولين:

  • القول الأول: أنه يجوز؛ ومن أبرز مَن قال بهذا -وهو الذي أشهرَ هذا القول- الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
  • القول الثاني: أنه لا يجوز؛ وإليه ذهب أكثر العلماء المعاصرين.

القائلون بالجواز قالوا: إن هذا يُسمَّى إزارًا، ولا فرق بين إزارٍ مخيطٍ وغير مخيطٍ، هذا يُسمَّى إزارًا وهذا يُسمَّى إزارًا؛ فيجوز للمحرم لبسه. أما أكثر العلماء فقالوا: هو يُعتبَر مخيطًا.

وقد ذكر بعض أهل اللغة أن الإزار المخيط يُسمَّى عند العرب بـ"النُّقْبَة" وهي نوع من السراويل؛ قال ابن الأثير في النهاية: النُّقْبَة هي السراويل التي تكون لها حُجْزَة من غير نَيْفَق، فإن كان لها نَيْفَق فهي سراويل. وقال ابن سيده: النُّقْبَة خرقة يُجعَل أعلاها كالسراويل وأسفلها كالإزار.

والنُّقْبَة عند الفقهاء من المخيط؛ يعني كأن هذا الإزار المُخَيَّط سراويل، لكن بلا أكمام. وهذا هو القول الراجح، أنه لا يجوز لبس هذا النوع من الإزار؛ لكونه من المخيط.

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول؛ فإن الإزار الذي وردَت السنة بلبسه، إنما هو الإزار غير المُخَيَّط، أما هذا الإزار المُخَيَّط حتى وإن سُمِّي إزارًا إلا أنه أقرب للسراويل منه للإزار، والعبرة بالحقيقة لا بالتسمية؛ أرأيت لو سُمِّيَت الخمر مشروبًا روحيًّا، هل هذا يغير من حُكمها؟ تبقى خمرًا حتى وإن سُمِّيَت بأي اسم، فالأسماء لا تغير من الحقيقة شيئًا.

.....

تكون من جهة الصناعة الحديثية لا تثبت، لكن يكون عليه عمل الأمة وعمل أهل العلم؛ فيُعمل بها. وهذه من المسائل التي ينبغي أن ينتبه لها طالب العلم؛ بعض الأحاديث هي ضعيفة في نفسها، لكن الأمة عملت بها؛ مثل كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي عليه الصلاة والسلام، هو ضعيف لكن عملت الأمة به. فعدة أحاديث تكون ضعيفة، لكن العمل عليها عند أهل العلم.

حج الصبي والرقيق

نحن قلنا: إن الحج لا يجب على الصغير ولا على الرقيق، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام، لكن يصحان من الصغير والرقيق، ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته؛ والدليل على الصحة حديثُ ابن عباس أن امرأةً رفعت صبيًّا للنبي فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولكِ أجر[7]. والرقيق يصح منه؛ لأنه عاقل بالغ.

لكن في وقتنا الحاضر بالنسبة للصغار: الأفضل ألَّا يُحَجَّ بالصبي؛ لأن تحجيج الصبي يُلحِق الحرج بالصبي وبِوَلِيِّه، خاصةً في مواطن الزحام، فيَلْحَق هذا الصبي حرجٌ عظيمٌ في الطواف وفي السعي وفي الرمي، هذا الصبي يلحقه حرجٌ عظيمٌ، الحجاج الآن أعدادهم غفيرة، ويَلْحَق وَلِيَّه كذلك الحرجُ. أيضًا ينبغي أن تتاح الفرصة للكبار، نحن قلنا إن عدد الحجاج الآن أقل من ربع واحد بالمئة، فينبغي أن يتاح المجال للكبار. أما الصبي الصغير فالحج غير واجب عليه أصلًا، فينبغي أن تتاح الفرصة لهؤلاء الكبار.

ولذلك؛ الأفضل ألَّا يُحَجَّ بهذا الصبي من باب إتاحة الفرصة لغيره من الكبار، وأيضًا للحرج الذي يَلْحَق الصبيَّ ويَلْحَق وَلِيَّه في هذا. والأمر الآن اختلف عما سبق، يعني ما سبق كانت أمور الناس سهلة، وأعداد الحجيج قليلة، لم يكن عددهم كثيرًا.

يعني ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله؛ يقول: "إننا كنا نحج ونُقبِّل الحجر الأسود في كل شوط من أشواط الطواف في الحج، نُقبِّل الحجر الأسود في كل شوط"، يعني كانت أعداد الناس قليلة، أعداد الحجيج لم تكن كثيرة. يقول: "وكنا في خيمتنا عند مسجد الخَيْف ونرى الذين يرمون الجمرات، وما بين الخيمة والخيمة مسافة كبيرة، لكن الآن كما ترون الأعداد الكثيرة للحجاج؛ ولذلك ينبغي أن تتاح الفرصة للكبار وألَّا يُحَجَّج هؤلاء الصغار من باب إتاحة الفرصة لغيرهم.

قال:

 فإذا بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده إن عاد فوقف في وقته؛ أجزأه عن حجة الإسلام.

لو بلغ الصغير قبل الوقوف بعرفة، أو في أثناء الوقوف بعرفة، أو حتى بعد الوقوف بعرفة، لكنه عاد إلى عرفة قبل طلوع الفجر؛ فإن ذلك يجزئه عن حجة الإسلام، وهكذا بالنسبة أيضًا للرقيق.

علامات البلوغ

إذا بلغ الصغير؛ البلوغ يحصل بماذا؟ يحصل بواحدة من ثلاث علامات للذكر والأنثى، وتزيد الأنثى علامة رابعة.

العلامات المشتركة:

  • العلامة الأولى: خروج المني يقظة أو منامًا.
  • العلامة الثانية: نبات الشعر الخشن حول الفرج.
  • العلامة الثالثة: بلوغ تمام خمس عشرة سنة.

هذه يشترك فيها الذكر والأنثى.

تزيد الأنثى علامة رابعة، وهي أسرع علامات البلوغ؛ وهي نزول دم الحيض.

ما ذكره المؤلف يمكن أن يُتَصَوَّر بواحدة من هذه العلامات، لكن من أوضحها الآن أصبح ضبط عمر الإنسان عن طريق شهادات الميلاد، وأصبح يُكتب في شهادة الميلاد زمن ولادته باليوم وبالساعة وبالدقيقة؛ فلو أنه أتمَّ خمس عشرة سنة في يوم عرفة، فهنا يجزئه عن حجة الإسلام، لو كان مثلًا منتصف النهار يوم عرفة أتمَّ خمس عشرة سنة، ويدخل في السنة السادسة عشرة؛ هنا يجزئه عن حجة الاسلام.

لكن المقصود بخمس عشرة سنة بالسنوات القمرية الهجرية، وليست بالسنوات الميلادية، كل الأحكام الشرعية مبنية على السنوات الهجرية القمرية، هذا هو تاريخ المسلمين الذي ينبغي أن يعتزُّوا به وأن يكون عمل المسلمين عليه.

لا مانع من أن يكون هناك استعمال للتاريخ الميلادي، لكن لا يُهجَر التاريخ الهجري، يكون التاريخ الهجري هو الأصل، لكن هنا عندما نقول: "خمس عشرة سنة"، المقصود إذا أتمَّ خمس عشرة سنة ودخل في السادسة عشرة.

انتبه لهذه الفائدة: يؤمر الصبي بالصلاة لسبعٍ يعني أتمَّ سبعًا ودخل في الثامنة، ويُضرب لعشرٍ يعني أتم عشرًا ودخل في الحادية عشرة. طيب، أنت الآن مثلًا عمرك أربعون، ما معنى أربعين؟ أربعون يعني أتممتَ أربعين ودخلت في السنة الحادية والأربعين، أما إذا كنت أتممتَ تسعًا وثلاثين ودخلتَ في الأربعين فلا يكون عمرك أربعين، يكون عمرك تسعًا وثلاثين.

ولذلك؛ بالنسبة للصبي الذي عمره أقل من سنة، فالأمر واضح؛ ما يقال إن عمره سنة حتى يتم اثني عشر شهرًا، لكن لو أتم أحد عشر شهرًا؛ هل يقال إن عمره سنة؟ ما يقال، هكذا أيضًا في بقية السنين، ما يقال إن عمره خمس عشرة حتى يتم خمس عشرة ويدخل في السادسة عشرة، فانتبه لهذه الفائدة. ولذلك؛ بعض الناس يُكبِّرون أعمارهم؛ تجده مثلًا دخل في الأربعين، فيقول: عمري أربعون. لا، نقول: عمرك تسع وثلاثون، ما يكون عمرك أربعين حتى تكمل أربعين وتدخل في السنة الحادية والأربعين، فخُذ هذه الفائدة؛ يعني وفَّرنا لك سنة بالنسبة للعمر، مَن كان يخطئ في حسبتها فالآن أنقصنا سنة من العمر.

حُكم ما لم يكن أحرم مفردًا أو قارنًا، وسعى بعد طواف القدوم

هنا قال المؤلف:

ما لم يكن أحرم مفردًا أو قارنًا، وسعى بعد طواف القدوم.

يعني: فلا يجزئه عن حجة الإسلام، حتى لو وقف بعرفة؛ وعللوا لذلك فقالوا: لأن السعي لا يُشرع مجاوزة عدده ولا تكراره، بخلاف الوقوف بعرفة، فاستدامته مشروعة، ولا قدر له محدود.

والقول الثاني في المسألة: أنه يجزئه، ويعيد السعي، ويجزئه عن حجة الإسلام، وهذا هو القول الراجح، المهم هو الوقوف بعرفة، وأما السعي فيعيد السعي مرة أخرى، والقول بأنه لا يُشرع تكراره غير مسلَّم، يُشرع تكراره إذا اقتضت الحاجة أو المصلحة ذلك، ما المانع من تكراره؟! فالقول الذي ذكره المؤلف قول ضعيف.

ولذلك؛ الصواب ما عليه أكثر أهل العلم من أنه حتى لو أحرم مفردًا أو قارنًا، أو سعى بعد طواف القدوم؛ ما دام أنه قد وقف بعرفة فيجزئه عن حجة الوداع، المهم هو الوقوف بعرفة، آكَدُ أركان الحج الوقوفُ بعرفة، أهمُّ شيء بالنسبة للحج الوقوفُ بعرفة.

وتجد بعض الأركان آكَد من بعض؛ فآكَدُ أركان الحج الوقوفُ بعرفة. طيب، آكَدُ أركان الصيام ما هو؟ النية، أهم شيء في الصيام النية، هو إمساكٌ بِنِية. وآكدُ أركان الصلاة؟ عندك أربعة عشر ركنًا؛ ما آكدُها؟ أهم شيء في الصلاة، أهم ركنٍ الذي لأجله شُرعت الصلاة أصلًا ما هو؟ السجود، ما قبل السجود هو كالمقدمة له، القراءة والركوع والرفع منه هذه كالمقدمة للسجود، سِرُّ العبودية هو السجود، أهم شيء في الصلاة هو السجود؛ ولذلك أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد[8]؛ ولذلك السجود لا يمكن أن يسقط بحال، بينما مثلًا القيام يمكن أن يسقط عن المسبوق، إذا أتى والإمام راكع، أدركه في الركوع وأدرك الركعة، القيام يمكن أن يسقط، لكن السجود ما يمكن أبدًا؛ فهو آكَد الأركان.

فتجد أن بعض الأركان آكَد من بعض؛ فآكَد أركان الحج هو ماذا؟ الوقوف بعرفة، المهم أن يقف بعرفة، مَن فاته الوقوف بعرفة فلا حج له؛ الحج عرفة[9]؛ فعلى ذلك الصبي والرقيق الوقوف بعرفة، إذا أدرك وقت الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر -ولو بلحظة- فيجزئهما ذلك الحج عن حجة الإسلام، حتى ولو كانا قد سَعَيَا بعد طواف القدوم بالنسبة للمفرد والقارن.

إذا بلغ الصبي أو عتق الرقيق قبل طواف العمرة

قال:

وكذلك تجزئ العمرة إن بلغ أو عتق قبل طوافها.

الطواف بالنسبة للعمرة هو كالوقوف بعرفة بالنسبة للحج؛ فإذا بلغ الصبي أو عتق الرقيق قبل طواف العمرة أجزأته تلك العمرة عن عمرة الإسلام؛ وعلى هذا يطوف ويسعى بعد البلوغ وبعد العتق.

القسم الثالث: شرط الوجوب فقط؛ وهو الاستطاعة، ومعنى قولنا: شرط الوجوب؛ أي: أن غير المستطيع لا يجب عليه الحج، لكن لو حجَّ صحَّ حجُّه وأجزأه عن حجة الإسلام.

إنسان فقير ما عنده شيء؛ نقول: الحج غير واجب عليه، لكن لو أنه اجتهد وتكلف وذهب وحجَّ لَصَحَّ حجُّه وأجزأه عن حجة الإسلام؛ فهذا معنى قولنا: إنه شرط الوجوب فقط، هذا الشرط -وهو شرط الاستطاعة- جاء منصوصًا عليه في القرآن في قول الله : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].

طيب، هذا الشرطُ هو شرطٌ لوجوب جميع العبادات؛ الصلاة إنما تجب على المستطيع، الزكاة تجب على المستطيع، الصيام يجب على المستطيع. طيب، لماذا أبرز هذا الشرط بالنسبة للحج؟ نقول: لأن الحج يرتبط معه مشقة كبيرة.

^1 رواه البخاري: 1543، ومسلم: 1177.
^2 رواه مسلم: 1178.
^3 رواه البخاري: 1843.
^4 رواه البخاري: 1851، ومسلم: 1206 بذكر الوجه.
^5 رواه مسلم: 2102.
^6 رواه الطبراني في الكبير: 12254، والبيهقي في الكبرى: 14824.
^7 رواه مسلم: 1336.
^8 رواه مسلم: 482.
^9 رواه الترمذي: 889، وابن ماجه: 3015، والنسائي: 3016، وأحمد: 18774.
zh