logo

(36) فصل: وغسل الميت فرض كفاية

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

سنستكمل ما تبقَّى في كتاب الجنائز:

غسل الميت

كنا قد وصلنا إلى قول المؤلف رحمه الله:

فصلٌ: وغَسل الميت فرض كفايةٍ.

حكم تغسيل الميت

أفادنا المؤلف بأن حكم تغسيل الميت فرض كفايةٍ، وفرض كفايةٍ معناه: أنه إذا قام به البعض؛ سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركوه جميعًا؛ أثموا، وهذا الحكم هو محل إجماعٍ بين العلماء، ويدل له قول النبي : اغسلوه بماءٍ وسدرٍ [1].

وهكذا تكفين الميت، والصلاة عليه، ودفنه، هذه كلها من فروض الكفاية، وهذا باتفاق أهل العلم؛ ولهذا قال الموفق بن قدامة رحمه الله: “لا نعلم في هذا خلافًا”.

وقد ورد في فضل تغسيل الميت حديث أبي رافعٍ ، أن النبي قال: من غسَّل ميتًا فكتم عليه؛ غفر له أربعين مرةً [2]، وهذا الحديث أخرجه الحاكم والطبراني والبيهقي، وقال الحافظ ابن حجرٍ: “إسناده قويٌّ”.

شروطٌ في الماء الذي يغسَّل به الميت

وقال المؤلف رحمه الله:

وشُرِط في الماء: الطَّهوريَّة.

أي: لا بد أن يكون طاهرًا.

والإباحة.

أي: لا بد أن يكون الماء كذلك مباحًا، لا بد أن يكون طاهرًا مباحًا؛ فلا يصح تغسيل الميت بماءٍ نجسٍ، أو ماءٍ محرمٍ.

شروطٌ في الغاسل

وفى الغاسل: الإسلام.

تغسيل الميت عبادةٌ؛ ولهذا لا بد أن يكون المغسِّل مسلمًا.

والعقل.

لأن غير العاقل لا يحصل به المقصود؛ فالمجنون لا يُحسن كيفية تغسيل الميت، وكذلك الصبي غير المميِّز.

قال:

والتمييز.

أي: أن الصبي المميِّز يصح منه التغسيل.

فإذنْ: العقل؛ احترازًا من المجنون، والتمييز؛ احترازًا من الصبي غير المميز، والتمييز سبق أن تكلمنا عنه، وقلنا: إن العلماء اختلفوا في حد التمييز؛ فقال بعضهم: المميِّز: هو من يفهم الخطاب ويرد الجواب، وناقشنا هذا الضابط، وقلنا: إنه لا ينضبط؛ لأنه يوجد من الأطفال الصغار مَن عمره ثلاث سنواتٍ أو أربع سنواتٍ وهو يفهم الخطاب ويرد الجواب، وهو ليس مميزًا باتفاق العلماء.

ولهذا فالأقرب في تحديد المميز: هو ما ورد في قول النبي : مروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ [3]، فإذا كان في السن السابعة أو قريبًا منها؛ فإنه يكون قد بلغ سن التمييز.

قال:

والأفضل: ثقةٌ، عارفٌ بأحكام الغسل.

هذا على وجه الاستحباب، الأفضل أن يتولى تغسيل الميت: الصالحون، وطلاب العلم، والعارفون بأحكام الغسل، هذا على سبيل الأفضلية.

والأولى به: وصيُّه العدل.

إذا كان الميت قد أوصى بأن يغسله فلانٌ من الناس؛ فيجب تنفيذ وصيته إن أمكن، فإن لم يمكن؛ غسَّله أي أحدٍ من المسلمين.

صفة غسل الميت

قال:

وإذا شرع في غسله.

هنا ابتدأ المؤلف في بيان صفة تغسيل الميت، فقال: “والأولى به: وصيُّه العدل”، ولم يبيِّن المؤلف بعد ذلك مَن الأولى به.

الأولى به من نَصَب نفسه لتغسيل الأموات، وكان ثقةً عارفًا، هذا عند عدم المشاحَّة، أما عند المشاحة فإنَّ أوْلى الناس بتغسيل الميت: وصيُّه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته.

قال:

وإذا شَرَع في غسله.

هنا ابتدأ المؤلف الكلام عن صفة تغسيل الميت.

سَتَر عورته وجوبًا.

أول ما يفعله المغسل: أن يستر عورة الميت؛ فلا يجوز النظر لعورة الميت، كما أنه لا يجوز النظر لعورة الحي.

وقال:

ثم يلف على يده خرقةً.

حتى لا يلامس بشرة الميت، خرقةً، وفي قتنا الحاضر يمكن أن يُغني عن ذلك ما يسمى بـ”القفازين”.

فيُنَجِّيه بها.

يعني: من غير أن ينظر إلى عورته، ينجيه عن طريق هذه اللفافة أو الخرقة، أو القفازين، من غير أن ينظر إلى عورته.

قال:

ويجب غسل ما به من نجاسةٍ.

هذا على سبيل الوجوب؛ لأن هذا يجب بالنسبة للحي؛ فكذا الميت.

ويحرم مس عورة من بلغ سبع سنين فأكثر.

يعني: مس عورته مباشرةً، وإلا نحن قلنا: إنه لا بد من تنجيته، والتنجية لا بد أن تكون عن طريق مسه، لكن بطريق لفافةٍ أو خرفةٍ أو قفازين، أو نحوها، أما مس عورته من غير حائلٍ إذا كان قد بلغ سبع سنين فأكثر، فإن هذا لا يجوز.

قال:

وسُنَّ ألا يمس سائر بدنه إلا بخرقةٍ.

نقول: هو يجب ألا يمس عورته إلا بخرقةٍ ونحوها، ويستحب ألا يمس بقية جسده إلا بخرقةٍ، وقلنا: إنه يغني عنها في الوقت الحاضر القفازان.

حكم تغسيل الرجل لزوجته

وللرجل أن يُغسِّل زوجته وأَمَته، وبنتًا دون سبعٍ.

وللرجل أن يغسل زوجته، يجوز للرجل أن يغسل زوجته، وأن تغسل المرأة زوجها، أما تغسيل الرجل زوجته فيجوز في قول جمهور أهل العلم، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: رجع رسول الله من جنازةٍ بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأقول: وارأساه! فقال رسول الله : بل أنا وارأساه! ما ضَرك لو متِّ قبلي فغسَّلتُك وكفَّنتك، ثم صليت عليك ودفنتك [4]، أخرجه ابن ماجه وأحمد بسندٍ صحيحٍ.

قوله: فغسلتك، دليلٌ على أن الرجل يجوز له أن يغسل زوجته.

وأخرج البيهقي عن أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها، أن عليًّا غسَّل فاطمة بنت رسول الله [5]، قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “وإسناده حسنٌ”.

قال الموفق رحمه الله: “واشتهر ذلك -أي: تغسيل عليٍّ لفاطمة رضي الله عنهما- فلم يُنكَر؛ فكان إجماعًا”.

قال: وأَمَته.

يعني: الأمة كالزوجة تمامًا في هذا.

حكم تغسيل الأب لابنته

وبنتًا دون سبعٍ.

يعني: يغسل بنته، وهكذا ابنه من باب أوْلى، إذا كان دون سبع سنين؛ وذلك لأن من كان دون سبع سنين لا عورة له، وقد حُكي هذا إجماعًا، وإن كان رُوي عن الزهري أنه كرهه، لكن عامة أهل العلم -عدا الزهري- يرون جوازه.

حكم غسل المرأة زوجها وابنها

قال:

وللمرأة غسل زوجها وسيدها، وابنٍ دون سبعٍ.

وللمرأة غسل زوجها، يجوز للمرأة أن تغسل زوجها، وقد حكاه ابن المنذر إجماعًا، والخلاف في هذه المسألة لا يكاد يُعرف، بخلاف المسألة السابقة؛ فهناك من خالف.

ويدل لهذا قول عائشة رضي الله عنها: “لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله إلا نساؤه” [6]، رواه أبو داود.

وأوصى أبو بكرٍ أن تغسله امرأته، من هي؟ أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها، فغسَّلَته، وغسل أبا موسى الأشعري  امرأتُه؛ ولهذا قال الإمام أحمد: ليس فيه اختلافٌ بين الناس.

“وسيدها” كذلك أيضًا، إذا جاز لها تغسيل زوجها؛ فكذلك يجوز لها أن تغسل سيدها -إذا كانت أمةً- من باب أولى.

“وابنٍ دون سبعٍ”، وهكذا بنتٌ دون سبعٍ من باب أولى.

كيفية تغسيل الميت

قال:

وحكم غسل الميت فيما يجب ويسن كغسل الجنابة، لكنه لا يُدخل الماء في فمه وأنفه، بل يأخذ خرقةً مبلولةً فيمسح بها أسنانه ومَنْخِرَيه.

يعني: أنه يغسله على صفة غسل الجنابة، وصفة تغسيل الميت: أن يستر عورة الميت أولًا، ويلف على يده لفافةً ونحوها، ويجرد الميت من ثيابه، ويغسله في مكانٍ لا يراه الناس، ثم يرفع رأسه إلى قريبٍ من جلوسه، ويعصر بطنه برفقٍ؛ ليخرج من البطن ما هو مستعدٌّ للخروج.

وذلك لأن الإنسان بعد موته ترتخي أعصابه، وعند ارتخاء الأعصاب، ربما يكون في بطنه شيءٌ من القذر، ربما أنه إذا حُمل خرج هذا القذر؛ ولهذا ينبغي عصره، عصر بطنه، ثم يلف على يده خرقةً -وفي الوقت الحاضر قلنا: قفازين- وينجيه، ولا يحل للمغسل ولا لغيره أن يمس عورة الميت دون حائلٍ إذا كان عمره سبع سنين فأكثر.

ثم يوضئه مع ملاحظة ألا يدخل الماء في فمه، ولا في أنفه، وإنما يدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه، فيمسح بها أسنانه ومَنْخِرَيه -كما قال المؤلف- ونحو ذلك.

ثم بعد هذا يغسل رأسه ولحيته برغوة سدرٍ، وفي الوقت الحاضر يمكن أن يستغنى عن السدر بالمنظفات الحديثة؛ كالصابون والشامبو، ونحوهما.

ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ثم بقية بدنه، والقدر الواجب غسلةٌ واحدةٌ؛ ولهذا قال المؤلف:

ويكره الاقتصار في غسله على مرةٍ.

القدر الواجب المجزئ أن يكون مرةً واحدةً مع الكراهة.

وقال:

إن لم يخرج منه شيءٌ، فإن خرج وجب إعادة الغسل إلى سبعٍ، فإن خرج بعدها حُشي بقطنٍ، فإن لم يستمسك فبطينٍ حُرٍّ، ثم يغسل المحل، ويوضَّأ وجوبًا، ولا غسل.

قلنا: القدر المجزئ: غسلةٌ واحدةٌ، والأفضل: ألا تقل الغسلات عن ثلاثٍ، وإذا لم يُنْقِ، لم يحصل الإنقاء؛ فإنه يزيد حتى يحصل الإنقاء، اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا [7]، إلى سبع غسلاتٍ، فإن زاد على سبعٍ؛ فإنه لا يجب تغسيله، حتى لو لم يحصل الإنقاء.

ولهذا قال: فإن خرج بعده، حُشي بقطنٍ، يعني: المحل الذي يخرج منه القذر، فإن لم يستمسك فبطينٍ حُرٍّ، وفي الوقت الحاضر يمكن أن يستخدم القطن ويسد به المحل الذي يخرج منه القذر.

ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا؛ وذلك لأنه يصلب البدن، ويطيبه ويبرده، وكذلك يطرد الهوام عن الميت، ويدل لهذا: ما جاء في “الصحيحين” عن أم عطية رضي الله عنها، قالت: دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته فقال: اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك -إن رأيتن ذلك- بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الأخيرة كافورًا، فلما فرغنا آذنَّاه -أي: أعلمناه- فألقى إلينا حِقْوه -يعني إزاره- وقال: أَشْعِرْنها إياه [8].

قال:

وإن خرج بعد تكفينه، لم يُعد الوضوء ولا الغسل.

وذلك لما فيه من الحرج.

وشهيد المعركة.

طيب، قبل أن ننتقل لشهيد المعركة، إذا كان الميت مُحرٍمًا، فإنه يغسل، لكن يُجَنَّب ما يجنب المحرم من الطيب، فلا يمس طيبًا، ومن تغطية الرأس؛ لقول النبي في الذي وقصته دابته وهو محرمٌ: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيبًا، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا [9]، متفقٌ عليه.

وجاء في إحدى روايات مسلمٍ: ولا وجهه [10]، ولكنها روايةٌ شاذةٌ غير محفوظةٍ، المحفوظ هو رواية “الصحيحين”: ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا.

حكم تغسيل شهيد المعركة

وأيضًا قال المؤلف:

وشهيد المعركة.

أي: لا يغسل، وشهيد المعركة لا يغسل في قول عامة أهل العلم؛ لِمَا جاء عن جابرٍ ، أن النبي أمر بدفن شهداء أحدٍ في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم [11]، لكن لا بد أن تكون المعركة بين المسلمين والكفار، ولا بد أن يكون قد خرج للقتال، لا بد أن يكون يعني في الجيش، أو خرج للقتال، كالذي حصل في فلسطين في حرب غزة بين غزة واليهود، لا شك أن هذا جهادٌ في سبيل الله بين صَفَّين، بين المسلمين والكفار، فمن كان من المقاتلين وقتل، فهذا يعتبر شهيدًا لا يغسَّل، سيأتي الكلام عنه، لا يغسل، ويكفن في ثيابه.

فإذن الضابط: أن يكون بين المسلمين والكفار، ويكون قد خرج للقتال.

السقط إذا ولد لأكثر من أربعة أشهرٍ، فيغسل ويكفن، ويصلى عليه، أما إذا ولد لأقل من أربعة أشهرٍ، فهذا لم تنفخ فيه الروح بعد، فليس بإنسانٍ؛ ولهذا لا يغسَّل ولا يكفن، ولا يصلى عليه؛ لأنه لا زال نطفةً أو علقةً أو مضغةً.

حكم تغسيل المقتول ظلمًا

قال:

والمقتول ظلمًا لا يغسل.

قياسًا على شهيد المعركة؛ لأن المقتول ظلمًا شهيدٌ؛ لقول النبي : من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قتل دون نفسه فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيدٌ [12]، فقالوا: ما دام شهيدًا فإنه لا يغسل.

والقول الثاني في المسألة: أن المقتول ظلمًا يغسل، ويصلى عليه؛ وذلك لأنه إنما هو شهيدٌ من شهداء الدنيا، ليس من شهداء الآخرة، وإنما الذي لا يغسل هو من كان شهيد الدنيا والآخرة، وهو الذي يقتل في معركةٍ في سبيل الله؛ ولأن هذا هو المأثور عن الصحابة .

وابن الزبير لما قتل، وقد قتل ظلمًا، صلى عليه الصحابة ، وأما بقية الشهداء الذين ورد تسميتهم بالشهداء كالمطعون والمبطون والغريق، وذي الهدم، فهؤلاء يغسلون، قال الموفق: “لا نعلم فيه خلافًا”.

إذنْ الصحيح: أن الذي لا يغسل فقط هو شهيد المعركة، ومن عداهم يغسَّلون ويكفَّنون ويُصلى عليهم.

قال:

ولا يكفن.

يعني: شهيد المعركة، والمقتول ظلمًا، وقلنا -على القول الراجح- شهيد المعركة فقط لا يكفن، بل يدفن في ثيابه.

حكم الصلاة على الشهيد

ولا يصلى عليه.

لأن النبي لم يصل على شهداء أحدٍ، فقد جاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “أمر رسول الله في قتلى أحدٍ أن يُنزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم” [13]، رواه أبو داود وابن ماجه.

والصلاة عليهم محل خلافٍ بين أهل العلم، لكن القول الصحيح: أنه لا يصلى عليهم، وأما صلاة النبي قُبيل وفاته على شهداء أحدٍ، فهو كالمودع لهم، وإلا لم يصل عليه الصلاة والسلام عليهم بعد قتلهم مباشرةً، وإنما صلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأموات والأحياء، عليه الصلاة والسلام.

قال:

ويجب بقاء دمه عليه، ودفنه في ثيابه.

لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما السابق.

وإن حُمِل فأكل أو شرب، أو نام أو بال أو تكلم أو عطس، أو طال بقاؤه عرفًا، أو قُتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابةٍ، فهو كغيره.

يعني: يغسَّل ويكفن ويصلى عليه؛ فمثلًا: هذا إنسانٌ جرح في معركةٍ بين المسلمين والكفار، وأعطي ماءً فشربه، فهنا لا يغسل، وهكذا لو أعطي طعامًا فأكله، فهذا لا يكون حكمه حكم شهيد المعركة، وهكذا لو نام، وتحققنا من نومه، أو بال أو تكلم أو عطس، أو طال بقاؤه عرفًا، فهذا يكون حكمه كغيره، يعني بأنه يغسل ويكفن.

إذنْ مقصود العلماء بالشهيد، الشهيد الذي يقتل في المعركة، ويموت مباشرةً، ولا يحصل منه ما ذَكَر المؤلف من أكلٍ أو شربٍ، أو نومٍ أو بولٍ أو عطاسٍ، أو نحو ذلك.

حكم الشهيد إذا قتل وعليه جنابةٌ

قال:

أو قتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابةٍ فهو كغيره.

كقصة حنظلة، فإن حنظلة خرج وهو جنبٌ، وقتل في سبيل الله، فأخبر النبي بأن الملائكة غسلته [14]، ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ إن هذا الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو من باب الإخبار بإكرام الله تعالى لهذا الرجل، الذي بادر حينما سمع صوت المنادي للجهاد، وامتثل الأمر، ولم يتأخر حتى لمجرد اغتساله من الجنابة، فغسلته الملائكة إكرامًا له، لكن هذا لا يدل على أنه يجب تغسيله؛ ولهذا الصواب: أنه حتى وإن كان عليه جنابةٌ فإنه لا يغسل؛ ولهذا لم يغسله النبي ؛ لأنه قد أخبره جبريل  بذلك.

قال:

وسِقْطٌ لأربعة أشهرٍ كالمولود حيًّا.

وتكلمنا عن هذا، وقلنا: السِّقْط إذا بلغ أربعة أشهرٍ فقد نُفخت فيه الروح.

حكم تغسيل الكافر وتكفينه والصلاة عليه

ولا يغسِّل مسلمٌ كافرًا ولو ذميًّا، ولا يكفنه ولا يصلي عليه، ولا يتبع جنازته، بل يُوارَى لعدم من يواريه.

الكافر لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه؛ لقول الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، وهذا في حق المنافقين، وفي حكمهم الكفار.

وإذا كان في بلاد المسلمين فإنه يوارى، فقط يدفن، إذا لم يوجد من يواريه من الكفار؛ كما فعل بأهل القليب يوم بدر؛ ولحديث عليٍّ  أنه قال للنبي : إن عمك الشيخ الضال قد مات -يعني: أبا طالب أباه- فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب فوَارِه [15] رواه أبو داود والنسائي.

ولأن في تغسيله وتكفينه والصلاة عليه تعظيمًا له، وقد قال الله تعالى: لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة:13].

إذنْ الكافر لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا حتى يدفن، إلا إذا لم نجد من يدفنه من الكفار، فلا بأس بمواراته ودفنه فقط.

الطالب:

الشيخ: لا يقبر في مقابر المسلمين، يقبر في مكانٍ آخر، في مكانٍ آخر غير مقابر المسلمين، يوارى بالتراب في أي مكانٍ؛ لأنه ليس له حرمة المسلمين.

وهكذا المرتد أيضًا، حكمه حكم الكافر، وهكذا الذي لا يصلي بالكلية، حكمه حكم الكافر، لكن المرتد والتارك للصلاة بالكلية هذا يندر وجوده في الوقت الحاضر، بل على مر التاريخ الإسلامي، لا يُعرف أن أحدًا قتل؛ لكونه قد ترك الصلاة بالكلية على مر التاريخ الإسلامي؛ وذلك لأن التحقق من هذا صعبٌ؛ ولأن جمهور العلماء لا يرون كفر تارك الصلاة.

والتحقق منه في غاية الصعوبة، أولًا: لا بد أن يترك الصلاة بالكلية، ثانيًا: التحقق منه من أنه لا يركع لله ركعةً، لا في البيت، ولا في المسجد، ولا في أي مكانٍ، وإذا لم يمكن التحقق من هذا؛ فالأصل أنه يصلَّى عليه.

كما ذكرت أنه لا يعرف على مر التاريخ الإسلامي أن أحدًا تُركت الصلاة عليه؛ لكونه لا يصلي، وعومل معاملة الكفار، كما أنه على مر التاريخ أيضًا لا يعرف أن حد الزنا أقيم بشهادة أربعة شهودٍ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

بعض المسائل تكون نظريةً أكثر من كونها عمليةً، قد يكون لها ملحظٌ، يعني مثلًا إقامة حد الزنا بأربعة شهودٍ، يعني المقصود من ذلك: ألا يتحدث أحدٌ، ولا يشهد أحدٌ، إلا وقد تحقق تحققًا كاملًا؛ لأن الأمر عظيمٌ، والأثر المترتب كبيرٌ، والعقوبة شديدةٌ؛ فهذا ملحظٌ أيضًا وأمرٌ مقصودٌ من الشارع.

تكفين الميت

ثم قال المؤلف رحمه الله:

حكم تكفين الميت

فصلٌ: وتكفينه فرض كفايةٍ.

سبق أن قلنا: إن تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه، كلها من فروض الكفايات.

ما القدر الواجب والمسنون من الكفن؟

قال:

والواجب: ستر جميعه سوى رأس المُحرِم.

هذا القدر الواجب أن يستر بثوبٍ ونحوه، بخرقةٍ ونحوها، “ستر جميعه”، ويستثنى من ذلك: المُحرِم، وسبق أن أشرنا لهذا، قلنا: المحرم لا يُغطَّى رأسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ولا تخمروا رأسه [16].

ووجه المُحرِمة.

يعني: كذلك.

بثوبٍ لا يصف البشرة.

وهذا بناءً على أن المحرمة لا تستر وجهها حال الإحرام، القول الصحيح: أن الممنوع في حقها هو تغطية وجهها بنقابٍ أو برقعٍ ونحوهما، مما هو مفصل على الوجه، أما ما عدا ذلك فإنه يجوز بالنسبة للمرأة المحرمة.

وبناءً على ذلك نقول: إنه لا بأس بتغطية وجه المحرمة بثوبٍ، لكن الممنوع هو النقاب والبرقع ونحوهما.

ويجب أن يكون من ملبوسِ مثلِه، ما لم يوصِ بدونه.

يعني: يكون الكفن مما يلبسه هو، فلا يكون مثلًا من رديء القماش، إلا إذا أوصى بذلك.

والسنة: تكفين الرجل.

نحن قلنا: يكفي ما يستر جميع بدنه، هذا هو القدر الواجب.

وأما السُّنة: قال:

تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيضٍ من قطنٍ.

لأن النبي كُفن في ثلاث لفائف بيضٍ، كفن عليه الصلاة والسلام في ثلاث لفائف بيضٍ [17].

صفة التكفين

قال:

تُبسَط على بعضها.

يعني: هنا تكلَّم المؤلف عن صفة التكفين، تبسط على بعضها.

ويوضع عليها مستلقيًا، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك.

هذا هو الأفضل في صفة تكفين الميت، ويُجعل فوقها حنوطٌ أو كافورٌ، وترد اللفائف على الميت، ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه؛ لأنه أحق بالستر من رجليه، وتُعقَد اللفائف بعُقَدٍ، حتى لا ينتشر الكفن؛ لأنه لو لم يعقد الكفن بعقد فإنه سوف ينتشر.

لكن إذا وضع الميت في قبره حلت العقد؛ لأن عقدها إنما كان للخوف من انتشار اللفائف، وقد أمن ذلك بدفنه، فهذا بالنسبة للرجل.

كفن المرأة

وأما بالنسبة للمرأة، قال المؤلف:

والأنثى في خمسة أثوابٍ بيضٍ من قطنٍ.

المرأة تكفن في خمسة أثوابٍ، قال:

إزارٍ وخمارٍ وقميصٍ، ولفافتين.

قال ابن المنذر: “أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثوابٍ”، يعني فيما ذكره المؤلف: إزارٍ وخمارٍ وقميصٍ، ولفافتين، وإنما استُحِب ذلك؛ لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر بزيادة عورتها على عورته، فكذلك بعد الموت.

كفن الصبي والصغيرة

والصبي في ثوبٍ.

يعني: هو القدر المجزئ في ثوبٍ، لكن الأفضل: أن يكون في ثلاثةٍ كالكبير.

ويباح في ثلاثةٍ، والصغيرة في قميصٍ ولفافتين.

يعني: أن كفن الصبي والصغيرة أخف من الكبير، ولكن الأكمل والأفضل: أن يكون كفنهما ككفن الكبير.

المكروه من الكفن

ويكره التكفين بشعرٍ، وصوفٍ، ومزعفرٍ، ومعصفرٍ، ومنقوشٍ.

السنة: أن يكون التكفين مما يلبسه الإنسان في حال الحياة، هذا هو السنة.

وأما الشعر والصوف، فإن هذه ليست مما يلبس عادةً، والمزعفر والمعصفر ورد النهي عن لبسهما في حال الحياة، فكذلك بعد الوفاة، والمنقوش ولباس الزينة، ليس هذا من لباس الأموات.

المحرَّم من الكفن

ويحرم بجلدٍ وحريرٍ ومُذَهَّبٍ.

لأن هذا -بالنسبة للحرير والمُذَهَّب- يحرم عليه في حال الحياة إذا كان ذكرًا؛ فكذلك بعد الموت، ولِمَا في ذلك من الإسراف بالنسبة للذكر والأنثى جميعًا، وهكذا أيضًا الجلد ليس من لباس الأحياء، فكذلك ليس من لباس الأموات؛ ولهذا السنة أن يكون مما يلبسه الإنسان في حال حياته.

طيب، قبل أن ننتقل لأحكام الصلاة على الميت، نحن وضعنا جائزةً لأفضل تلخيصٍ، قبل هذا، الإخوة -جزاهم الله خيرًا- أصدروا القرص الثاني من الدرس، وبذلوا جهدًا كبيرًا جزاهم الله خيرًا، ونشكر الإخوة جميعًا، على رأسهم أخونا الشيخ: محمد الحاكمي، وبقية الفريق، وهو موجودٌ في إدارة الحلقات، لعل الأخ محمد..، فكرة عن هذا، ونحن سنضع أيضًا قُرْصًا نضيفه للجائزة الأولى والثانية.

وبالنسبة للملخصات: ما تقدم إلا اثنان، عندنا عياش التركي الشيباني، وكذلك الأخ محمد..، هناك أحدٌ غير الاثنين، حتى لا ننسى أحدًا؟

طيب، ليس هناك إلا الاثنان، الجائزة الأولى للأخ محمد الدعيني -جزاه الله خيرًا- سلَّمها قبل مدةٍ طويلةٍ في الحقيقة.

وعن كتاب الطهارة فقط، وقع في (185 صفحة)، الطهارة فقط؛ ولذلك -إن شاء الله تعالى- سيكون هذا نوافل الكتاب، يعني إلى نهاية الحيض فقط في (185 صفحة)، وإن شاء الله تعالى نطلب منه أيضًا أن يواصل هذا الجهد الكبير، ولعله يَخرج -إن شاء الله تعالى- هذا الدرس في مجلداتٍ، إذا كان هذا فقط الطهارة، فما بالك بالصلاة، وبقية أيضًا الأبواب، وهذا كله من ثمار هذا الدرس، الذي نسأل الله تعالى أن يكون مباركًا، وأيضًا أن يعم النفع به.

ولهذا -إن شاء الله تعالى- سوف نُخرِج المجلد الأول، وقد أوصى سماحة المفتي شيخنا عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله بذلك، وألا ننتظر حتى يكتمل الدرس، أوصى بطباعة المجلد الأول، ووعد بالتقديم له أيضًا، ولكن يحتاج فقط إلى مراجعةٍ، لعلنا نراجعه -إن شاء الله- في الإجازة الصيفية ويخرج، وهو أيضًا بالصوت موجودٌ، وهذه الخدمة في الحقيقة للدرس من الإخوة جميعًا ستفيدنا كثيرًا، وتفيد أيضًا طلاب العلم.

الحقيقة في الدروس السابقة ما كنا نعتني بهذه الأمور، وإلا شرحت كتبٌ مهمةٌ، “العمدة” شُرح كاملًا من الطهارة إلى الإقرار، لكن لم يكن فيه هذه العناية، لكن -إن شاء الله تعالى- ما دام وجد أمثال الإخوة عندهم همةٌ عاليةٌ، فإن شاء الله تعالى سيخرج هذا الشرح في مجلداتٍ بإذن الله تعالى، والجائزة طبعًا رمزيةٌ لا توازي الجهد، الجائزة هو هذا الكتاب: “التوضيح شرح الجامع الصحيح” لابن الملقن، شرح البخاري، وهذا كتابٌ نفيسٌ…، طبع في قطر، ولا أدري هل هو موجودٌ في المكتبات أم لا؟ ويكون هذا من نصيب أخينا محمد…، جزاه الله خيرًا، مع أيضًا نسخةٍ من الدرس.

طيب، بالمناسبة هذا تبرَّع به أحد الإخوة، لعله موجودٌ معنا جزاه الله خيرًا، الكتاب هذا ليس من عندي؛ من أحد الإخوة.

طيب، جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك، بعد الدرس إن شاء الله، طيب الأخ عايش في الحقيقة أيضًا جائزة رمزية له، هي فقط..، “أحكام اللباس”، وهو قد نفد من المكتبات، وسيطبع -إن شاء الله- قريبًا، ستخرج طبعةٌ جديدةٌ له، وأيضًا “أحكام الأوراق التجارية”..، و”الإسبال في اللباس” مع أيضًا نسخةٍ من القرص، تفصل يا أخ عايش.

الجائزة مستمرةٌ إن شاء الله، العام القادم أيضًا سيكون هناك جائزةٌ لعلنا أيضًا نعلن عن نوعية الجائزة، حتى يكون في ذلك حافزٌ للهمم؛ لأنه في الحقيقة نستفيد، يعني هي أفضل مسابقةٍ، المسابقة يستفيد الشخص نفسه، لكن التلخيص نحن نستفيد بإخراجه في كتابٍ، ويستفيد الطلاب الذين يحضرون معنا كلهم في الحقيقة، بل يستفيد أيضًا من لم يحضر الدرس أيضًا في إخراج هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

طيب، ما أدري، أعطنا فكرةً يا أخ محمد عن القرص.

جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك، طبعًا الرَّيْع سيكون للحلقات وللدرس، وهناك أيضًا إن شاء الله تعالى لعلنا مع بداية الإجازة سيكون هناك أيضًا هاتف الرسائل، وهو قسم سميناه: “فوائد”، ومدة الاشتراك، أو قيمة الاشتراك -كما هو معروفٌ- اثنا عشر ريالًا على الشهر، ستكون فوائد متنوعةٌ، فوائد فقهيةٌ ولغويةٌ وتاريخيةٌ متنوعةٌ، كل يومٍ فائدةٌ، رَيْع هذا الهاتف -ولذلك أعلنته في المسجد؛ لأنه ليس تجاريًّا- سيكون للدرس والحلقات، وستأتيكم -إن شاء الله تعالى- عند تدشينه رسالةٌ، فالمشترك فيه يحتسب؛ لأجل أن يكون للدرس ولحلقات التحفيظ، فالقرص الآن رَيْعه للدرس والحلقات، وهكذا أيضًا هاتف الرسائل للدرس وللحلقات.

الطالب:

الشيخ: الدورات العلمية في جامع البواردي -إن شاء الله تعالى- في الأسبوع الأول للإجازة، تكملة لشرح “القواعد الفقهية” لابن سعدي، كذلك أيضًا يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر رجبٍ في جامع الصانع في “منهاج السالكين”، لهم دورةٌ في الفقه على طريقة الأيام، كل يومٍ عند شيخٍ، سيكون من نصيبي -إن شاء الله تعالى- يوم الأربعاء، هذا هو القريب الآن.

الطالب:

الشيخ: والله هذا يحتاج إلى تركيزٍ، لعله فيما بعد -إن شاء الله- ننتهي من الخطة، إذا لم نستطع كثفنا الدروس، ولكن الآن ما رُتب لها الآن؛ فيصعب.

طيب، نريد -يا إخواني- أن نكسب الوقت؛ حتى ننتهي من كتاب الجنائز ولا نتأخر.

الصلاة على الميت

قال المؤلف رحمه الله:

حكم الصلاة على الميت

فصلٌ: والصلاة عليه فرض كفايةٍ.

كما سبق أن تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه ودفنه، كلها من فروض الكفايات، ويدل لوجوب الصلاة عليه، وأنها من فروض الكفاية، قول الله تعالى عن المنافقين: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التوبة:84]، والمقصود بذلك الصلاة على الميت، ومفهوم الآية مشروعية الصلاة على غير المنافقين من المسلمين.

كذلك سنة الرسول تدل على ذلك، فقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي على الأموات، ولم يترك الصلاة على أحدٍ من المسلمين إلا من كان عليه دينٌ في أول الأمر، ثم بعد ذلك أصبح يصلي على الجميع [18].

وكلما كان الجمع أكثر كان أفضل للميت، ويدل لذلك: حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال: ما من ميتٍ تصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مئةً كلهم يشفعون له إلا شُفِّعوا فيه [19]، وهذا الحديث في “صحيح مسلمٍ”.

وجاء في “صحيح مسلمٍ” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه [20].

كيف نجمع بين حديث عائشة وحديث ابن عباسٍ ؟

حديث عائشة رضي الله عنها: مئة، وحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أربعون، كيف نجمع بينهما؟

الطالب: أن العدد غير معتبرٍ.

الشيخ: هذا أحد الأقوال، أن العدد غير معتبرٍ، لكن هناك جوابٌ أجود من هذا؟

الطالب:

الشيخ: لا، دعنا أولًا ننتهي من مسألتنا، كيف نجمع بين حديث ابن عباسٍ وحديث عائشة ؟

حديث عائشة رضي الله عنها: فيصلي عليه مئةٌ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: يصلي عليه أربعون.

أقرب الأجوبة، وأقرب ما قيل: إن هذه الزيادة تَفَضَّل الله بها، كان النبي عليه الصلاة والسلام في الأول أخبر بأنه مئةٌ، ثم بعد ذلك أخبر بأنه أربعون إذا صلوا عليه، فإن الله تعالى يقبل شفاعتهم فيه.

وهذا له نظائر، فيكون هذا زيادةً تفضَّل الله بها؛ ولهذا ينبغي لأهل الميت أن يتوخَّوا المساجد التي يكثر فيها الناس، كلما كان الجمع أكثر، كلما كان ذلك أفضل، وكان في ذلك إحسانٌ للميت.

وينبغي ألا تنقص الصفوف عن ثلاثةٍ؛ لحديث مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله : ما من مسلمٍ يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوفٍ من المسلمين إلا أوجب [21]، وفي لفظٍ: إلا غفر له [22]، فكان مالكٌ إذا استقل أهل الجنازة جزَّأهم ثلاثة صفوفٍ [23]، رواه أبو داود والترمذي وقال: “حديثٌ حسنٌ”.

ولهذا يجزئهم حتى لو لم يكتمل الصف، يجزئهم ثلاثة صفوفٍ.

قال:

وتسقط بمكلفٍ، ولو أنثى.

يعني: تسقط الفَرْضيَّة -يعني كونها فرض كفايةٍ- بمكلفٍ ولو أنثى، إذا صلى عليه أحدٌ من المسلمين ولو أنثى، سقط الوجوب.

شروط صلاة الجنازة

وشروطها ثمانيةٌ: النية.

والنية شرطٌ لجميع العبادات.

والتكليف.

لأنه لا بد أن يكون مكلفًا، بالغًا عاقلًا.

واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة.

لأنها صلاةٌ أشبهت الصلاة المكتوبة.

وحضور الميت إن كان بالبلد.

قوله: “وحضور الميت إن كان بالبلد”، يعني: أن الجنازة لا بد أن تكون حاضرةً بين يديه، فلو لم تكن حاضرةً لما صحت الصلاة، فإن رُفعت الجنازة، فإنه لا يجوز له أن يصلي وقد رفعت.

حكم الصلاة على الغائب

وقوله: “إن كان بالبلد”، يفهم منه: أنه إذا لم يكن بالبلد، فيجوز أن يصلي عليه، وهذا ما يسميه العلماء بالصلاة على الغائب.

وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على الغائب:

فذهب بعض العلماء إلى أنها تُشرع على كل غائبٍ، ويصلى عليه كالصلاة على الحاضر، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة : أن النبي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ثم خرج بهم إلى المصلى، وكبر أربعًا [24]، ولأن الصلاة على الميت دعاءٌ له، فتشرع على كل غائبٍ، هذا هو القول الأول في المسألة.

والقول الثاني: أنها لا تشرع الصلاة على الغائب مطلقًا، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية، وروايةٌ عند الحنابلة، وعللوا لذلك بأن من شرط الصلاة على الجنازة حضورها، وهذا غير متحقِّقٍ في الصلاة على الغائب.

والقول الثالث: تشرع الصلاة على الغائب إذا كان فيه نفعٌ ظاهر للإسلام والمسلمين؛ كعالِمٍ نفَع الناس بعلمه، وأميرٍ صالحٍ، أو غنيٍّ صالحٍ نفع الناس بماله، ونحو ذلك، واستدلوا بأن النبي صلى على النجاشي فقط، ولم يصل على غيره من الغائبين، وصلى عليه؛ لأن نفعه للإسلام والمسلمين ظاهرٌ، فقد آوى المهاجرين وأحسن إليهم وأكرمهم، ومنع قريشًا من الوصول إليهم.

وهذا القول قال به بعض العلماء المعاصرين، ولم أقف على أحدٍ من المتقدمين قال به، من وجد منكم أحدًا من المتقدمين فليفدنا به، لم أر هذا القول إلا عند المعاصرين فقط.

القول الرابع:..، نعم؟

الطالب:

الشيخ: الوقت الحاضر..، يعني: أبرز من قال به سماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله.

الطالب:

الشيخ: لا، ليس هذا قول شيخ الإسلام، قول شيخ الإسلام سيأتي.

القول الرابع: تشرع الصلاة على الغائب إذا مات ببلدٍ لم يُصلِّ عليه فيه أحدٌ، وهذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى؛ وذلك لأن النبي عندما صلى على النجاشي؛ لكونه قد أسلم وأخفى إسلامه، فلما مات لم يصل عليه أحدٌ في بلده الحبشة، فصلى عليه النبي .

والقول الراجح والله أعلم: هو القول الأخير، وهو أن الصلاة على الغائب إنما تشرع إذا مات ببلدٍ لم يصل عليه فيه أحدٌ؛ لكون النجاشي قد مات ولم يصل عليه أحدٌ؛ لأنه قد أخفى إسلامه، ولكون النبي لم يصلِّ على غير النجاشي من الصحابة الذين ماتوا وهم غُيَّبٌ، وكذا الصحابة لم يفعلوا ذلك، وقد مات الخلفاء الراشدون .

ولا يخفى عظيم فضلهم، وعظيم قدرهم وسبقهم ونفعهم للإسلام والمسلمين، ولم ينقل عن الصحابة المقيمين خارج البلدان التي مات فيها الخلفاء الراشدون أنهم صلوا عليهم صلاة الغائب، ولو كان مشروعًا لفعلوه، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.

والقول الثالث -أنه إذا كان فيه نفعٌ صُلي عليه، وإلا فلا- هذا -في الحقيقة كما قلت- لم يقل به -فيما وقفت عليه- أحدٌ من المتقدمين، وأيضًا لا ينضبط؛ تدخل فيه أمور السياسة، ربما يصلى على إنسانٍ مجاملةً، وليس له فيه نفعٌ ظاهرٌ للإسلام والمسلمين.

ولهذا فالأقرب -والله أعلم- للأصول والقواعد الشرعية والأدلة: هو القول الرابع، وهو أن الصلاة على الغائب إنما تشرع إذا مات في بلدٍ لم يصلِّ عليه فيه أحدٌ.

لكن مع ذلك لو أن ولي الأمر اختار قولًا، ووجه الناس بالصلاة على ميتٍ من الأموات، فحُكْم الحاكم يرفع الخلاف؛ ولهذا يصلي الإنسان مع المسلمين ولا يخالفهم، حتى وإن كان يرى القول الرابع.

لكن هنا أنبه على مسألةٍ وقع فيها خطأٌ حتى من بعض طلاب العلم: وهي أن الصلاة على الغائب يشترط لها أن يكون الميت خارج البلد، أما إذا كان داخل البلد، ليس غائبًا، إما أن تصلي عليه إذا أمكن، وإذا لم يمكن تذهب وتصلي على قبره.

ولهذا حصل خطأٌ كثيرٌ من أئمة المساجد هنا في مدينة الرياض، لما توفي الملك فهدٌ رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؛ لما توفي رحمه الله كان التوجيه بصلاة الغائب عليه خارج الرياض، لا إشكال في صلاتهم عليه، لكن من كان داخل الرياض هنا لا تشرع الصلاة؛ لأن الميت موجودٌ في البلد، فلا تشرع الصلاة عليه، عند كثيرٍ من العلماء يعتبر هذا بدعةً.

ولذلك نقول: من أمكن أن يذهب ويصلي عليه في الجامع الكبير مع الناس يصلي عليه، من لم يمكنه يصلي على قبره، من لم يمكنه هذا ولا ذاك يكتفي بالدعاء له والترحم عليه.

وهذه المسألة خفيت على كثيرٍ من أئمة المساجد، فوقعوا في هذا الخطأ، فينبغي التنبُّه والتنبيه على مثل هذه المسائل، لكن مثلًا الصلاة على الغائب، على الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، كان في مكة، الذين في مكة لا يشرع لهم أن يصلوا عليه صلاة الغائب، لكن الذين في الرياض يشرع لهم؛ لأنه في بلدٍ آخر، فانتبهوا لهذه المسألة.

نعود لعبارة المؤلف، قال:

وإسلام المصلي.

وهذا ظاهرٌ.

والمصلَّى عليه.

يعني: لا بد أن يكون مسلمًا؛ لقول الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84].

يعني: إن كان كافرًا لم تجز الصلاة عليه.

وطهارتهما ولو بترابٍ لعذرٍ.

لا بد من تغسيلهما، فإن تعذر التغسيل، فييمم ذلك الميت.

أركان الصلاة على الميت

وأركانها.

يعني: أركان الصلاة على الميت.

سبعةٌ: القيام في فرضها.

كالصلاة المكتوبة.

والتكبيرات الأربع.

لأن النبي لما صلى على النجاشي كبر أربعًا.

وقراءة الفاتحة.

كالصلاة المكتوبة.

والصلاة على محمدٍ ، والدعاء للميت.

وهو آكد الأركان.

والسلام.

ويكفي تسليمةٌ واحدةٌ.

والترتيب.

يعني: بين هذه الأركان.

لكن لا يتعين كون الدعاء في الثالثة، بل يجوز بعد الرابعة.

الدعاء يشرع أن يكون بعد الثالثة وبعد الرابعة؛ لأنه هو المقصود من الصلاة على الجنازة.

صفة الصلاة على الميت

قال:

وصفتها.

انتقل المؤلف للكلام عن صفة الصلاة على الميت.

أولًا: قال:

أن ينوي.

والنية شرطٌ لجميع العبادات.

ثم يكبر.

التكبيرة الأولى.

ويقرأ الفاتحة.

ولا يشرع افتتاح صلاة الجنازة بدعاء الاستفتاح: “سبحانك اللهم..”، أو غيره من أدعية الاستفتاح، قال أبو داود: “سمعت أحمد يُسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بــ”سبحانك اللهم..”، فقال: ما سمعت”، أي: ما سمعتُ أنه قد ورد هذا، ولأن صلاة الجنازة يشرع فيها التخفيف، فلم يشرع افتتاحها بدعاء الاستفتاح.

وبناءً على هذا يكبر، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم مباشرةً، ثم يقرأ البسملة، ثم يقرأ سورةً، وقد جاء في “صحيح البخاري” عن طلحة بن عبدالله بن عوف، قال: صليتُ خلف ابن عباسٍ رضي الله عنهما على جنازةٍ، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: ليعلموا أنها سنةٌ [25].

ورواه ابن المنذر عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنه قرأ بعد الفاتحة بسورةٍ، وقال: “السنة أحق”، لكن قال البيهقي: ذِكر السورة في هذا الحديث غير محفوظٍ، والمحفوظ هو رواية البخاري أنه قرأ بفاتحة الكتاب فقط.

فالمشروع الاقتصار على قراءة الفاتحة.

قال:

ثم يكبر.

يعني: الثانية.

ويصلي على محمدٍ كـ(في التشهد).

يعني: كما يصلي على النبي في التشهد؛ وذلك بأن يأتي بالصلاة الإبراهيمية: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ [26]، أو أي صفةٍ من الصفات الواردة.

ثم يكبر.

الثالثة.

ويدعو للميت.

ويخلص له الدعاء، ينبغي أن يخلص له الدعاء؛ لقول النبي : إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء [27] رواه أبو داود بسندٍ حسنٍ.

وقال:

بنحو: “اللهم ارحمه”.

ومن ذلك ما ورد: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا، فتوفه على الإيمان [28]، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مُدخَله، واغسله بالماء والثلج والبرد [29].

وغير ذلك مما ورد، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” أنواعًا من الأدعية، ويحسن الرجوع لهذا الكتاب وحفظها.

قال:

ثم يكبر ويقف بعدها قليلًا.

ولا بأس أن يدعو بعد التكبيرة الرابعة؛ لأنه موضع دعاءٍ.

ويسلم.

يعني: بعد التكبيرة الرابعة.

وتجزئ واحدةٌ.

واحدةٌ عن يمينه، قال أحمد: عن ستةٍ من أصحاب النبي ، يعني ورد التسليم الاكتفاء بتسليمةٍ واحدةٍ؛ ولأن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف، فيكتفى فيها بتسليمةٍ واحدةٍ؛ ولهذا قال أحمد: “ليس فيه اختلافٌ إلا عن إبراهيم”، يعني عن إبراهيم النَّخَعي.

ولو سلَّم تسليمتين فلا بأس؛ لأن ذلك قد ورد في بعض الروايات، لكن أكثر الروايات والمأثور عن الصحابة  أنه يُكتفى بتسليمةٍ واحدةٍ عن يمينه.

قال:

ولو لم يقل: “ورحمة الله”.

لو قال: “السلام عليكم”، كفى، لكن الأفضل أن يقول: “السلام عليكم ورحمة الله”.

وقت الصلاة على الميت بعد دفنه

ويجوز أن يصلى على الميت من دفنه إلى شهرٍ وشيءٍ، ويحرم بعد ذلك.

انتقل المؤلف للكلام عن الصلاة على الميت بعد دفنه، يعني الصلاة على القبر، والصلاة على القبر قد وردت بها السنة، كما جاء في حديث أبي هريرة : أن امرأةً سوداء كانت تَقُمُّ المسجد، ففقدها رسول الله ، فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟! أي: أعلمتموني، كأنهم صغَّروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه على قبرها، وصلى عليه، أو وصلى عليها، وقال: إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم [30].

قال الإمام أحمد: “من يشك في الصلاة على القبر؟! يُروى فيه من ستة وجوهٍ كلها حسانٌ، وحدَّ بعض العلماء الصلاة على القبر بشهرٍ، فلا يصلى عليه بعده، وهو المذهب عند الحنابلة.

وهنا المؤلف يقول: “إلى شهرٍ وشيءٍ”، يعني: ما يقارب الشهر وأيامًا لا بأس.

وقال بعض العلماء: يصلى عليه أبدًا.

وقال آخرون: يصلى عليه ما لم يَبْلَ جسده، قال أحمد: “أكثر ما سمعت: أن النبي صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهرٍ [31]”، ولأنها مدةٌ يغلب على الظن بقاء الميت فيها.

وأما تجويز الصلاة على القبر مطلقًا فهذا باطلٌ، قولٌ ضعيفٌ؛ لأن قبر النبي لا يصلَّى عليه الآن إجماعًا، إذا كان الموفق يقول هذا، مع أنه توفي سنة ستمئةٍ وعشرين، يقول: وقبر النبي لا يصلى عليه الآن إجماعًا، كذلك أيضًا بعد الموفق إلى زمننا هذا.

والتحديد بِبِلَى الميت أيضًا ليس عليه دليلٌ، ولو قلنا: التحديد ببلى الميت، لقلنا بمشروعية الصلاة على قبر النبي ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يبلى جسده، فقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فالتعليل ببلى الميت ضعيفٌ.

والقول بأنه يصلَّى على القبر مطلقًا ضعيفٌ، فلا بد من التحديد؛ ولهذا التحديد هو كما ورد في حدود الشهر، أو الشهر وشيءٍ، أو الشهر وأيامٍ، فإذا كان في هذه المدة فلا بأس بذلك.

حمل الميت ودفنه

قال:

فصلٌ: وحمله ودفنه فرض كفايةٍ.

سبق أن أشرنا لهذه المسألة، وقلنا: إن هذه كلها من فروض الكفاية؛ تغسيله وتكفينه، وحمله ودفنه والصلاة عليه.

قال:

ولكن يسقط الحمل والدفن والتكفين بالكافر.

يعني: لو أن الكافر حمله سقط الوجوب؛ وذلك لأن فاعل الحمل لا يختص بكونه من أهل القربة، فلا يشترط أن يكون مسلمًا.

حكم أخذ الأجرة على تغسيل الميت وحمله ودفنه وتكفينه

ويكره أخذ الأجرة على ذلك.

يعني: على حمله ودفنه وتكفينه.

وعلى الغسل.

كذلك؛ لأنها عبادة، ولكن ذلك لا يحرم، لو قال: لا أغسل إلا بكذا؛ فلا بأس به.

قال:

وسُنَّ كون الماشي أمام الجنازة، والراكب خلفها.

لقول ابن عمر رضي الله عنهما: “رأيت النبي وأبا بكرٍ وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة” [32]، رواه أبو داود.

قال ابن القيم رحمه الله: “كان النبي إذا صلى على ميتٍ يتبعه إلى المقابر ماشيًا أمامه، وهذه كانت سنته، وهذه كانت سنة الخلفاء الراشدين من بعده، والسنة لمن تبعها: إن كان راكبًا أن يكون وراءها، وإن كان ماشيًا أن يكون قريبًا منها؛ إما خلفها أو أمامها، أو عن يمينها أو عن شمالها”، والأمر واسعٌ في هذا.

والقرب منها أفضل.

كلما كان الإنسان قريبًا من الجنازة، كان ذلك أفضل وأكمل.

حكم القيام للجنازة

قال:

ويكره القيام لها.

وذلك لقول عليٍّ : “قام رسول الله ، ثم قعد” [33].

والقول الثاني: أنه يجب القيام لها؛ وذلك لقول النبي : إذا رأيتم الجنازة فقوموا [34]، ولمَّا مُرَّ بجنازةٍ قام لها النبي ، فقيل: إنها جنازة يهوديٍّ، فقال عليه الصلاة والسلام: أليست نفسًا؟! [35]، وفي روايةٍ: إن للموت فزعًا [36].

فالأقوال إذنْ ثلاثةٌ: قولٌ بالوجوب، وقولٌ بالاستحباب، وقولٌ بالكراهة.

والأقرب -والله أعلم- هو أنه يستحب القيام إذا رأى الجنازة؛ وذلك لهذا الحديث: إذا رأيتم الجنازة فقوموا [37]، وهو حديثٌ متفقٌ عليه، من حديث أبي سعيدٍ.

وأما حديث عليٍّ : “أن النبي قام، ثم قعد”، فأراد أن يبين الجواز عليه الصلاة والسلام.

وقوله: إذا رأيتم الجنازة فقوموا هذا أمرٌ، وأقل ما يفيده الأمر الاستحباب؛ ولهذا نقول أيضًا: إن السنة القيام عند رؤية الجنازة، حتى وإن كانت جنازة كافرٍ؛ لأن النبي مر بجنازة يهوديٍّ فقام لها، قيل: إنها جنازة يهوديٍّ، قال: أليست نفسًا؟! إن للموت فزعًا.

الحكمة من القيام للجنازة

وهذه هي الحكمة من القيام للجنازة: أن الموت فَزَعٌ، والمعنى: أن الموت يفزع منه؛ إشارةً إلى استعظامه، والحكمة من مشروعية القيام عند رؤية الجنازة ألا يستمر الإنسان على الغفلة عند رؤية الموت؛ لما يُشعر ذلك من التساهل.

إذنْ القول الصحيح: أن من رأى الجنازة يشرع له أن يقوم، وهذا في الحقيقة نرى غفلةً عن هذه السُّنة عند كثيرٍ من الناس، تجد أن المساجد التي يصلَّى فيها، يؤتى بالجنازة، أو يفتح الباب، وفيها الجنائز، والناس يرون الجنازة أمامهم، ولا يقومون، فهذا خلاف السنة، ربما كثيرٌ منهم غافلون عن هذه السنة، وإلا عندهم حرصٌ، هم أتوا لهذا المسجد لأجل الصلاة على الجنازة، لكنهم يغفلون عن هذه السنة، فينبغي تنبيه الناس على هذا.

وهكذا لو كنت مثلًا في المسجد الحرام، أو في غيره ومُرَّ بجنازةٍ، فالسنة أن تقوم، كلما رأيت جنازةً قم؛ لماذا؟ لأن للموت فزعًا، فينبغي التنبيه على هذه السنة التي غفل عنها كثيرٌ من الناس.

أما قول المؤلف: إنه يكره، فقولٌ ضعيفٌ، قول المؤلف هنا قولٌ ضعيفٌ، والصواب: أن ذلك يسن.

حكم رفع الصوت عند تشييع الجنازة

قال:

ورفع الصوت معها، ولو بالذكر والقرآن.

لحديث أبي هريرة : لا تُتْبَع الجنازة بصوتٍ ولا نارٍ [38]، رواه أبو داود، لكن هذا الحديث ضعيفٌ، لكن رفع الصوت كرهه أهل العلم؛ لكونه ينافي ما هو مطلوبٌ من الخضوع والاستكانة، والاعتبار عند حمل الجنازة.

صفة القبر

قال:

وسُنَّ أن يُعَمَّق القبر ويوسَّع بلا حدٍّ، ويكفي ما يمنع السباع والرائحة.

لحديث: احفروا وأوسعوا وأعمقوا [39]، رواه النسائي، وهو حديثٌ صحيحٌ، قاله عليه الصلاة والسلام في شأن قتلى أحدٍ: احفروا وأوسعوا وأعمقوا، قال المؤلف: “بلا حدٍّ”، يعني: أراد المؤلف بهذا الرد على من حدد ذلك من العلماء، المؤلف يرى أن ذلك بلا حدٍّ.

ويكفي ما يمنع السباع والرائحة.

يعني: يكفي في الحفر والتعميق ما يمنع السباع، وما يمنع خروج الرائحة من هذا القبر؛ لأنه يحصل به المقصود.

قال:

وكُره إدخال القبر خشبًا، وما مسته نارٌ، ووضع فراشٍ تحته، وجعل مخدةٍ تحت رأسه.

لقول إبراهيم النخعي رحمه الله: كانوا يستحبون اللبِن، ويكرهون الخشب والآجُرَّ، وهي الحجارة أو الطين الذي مسته نارٌ، هذا كله مكروهٌ.

لكن عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيءٌ، ذكره الترمذي تعليقًا بدون إسنادٍ، فيكون ضعيفًا، لكن جاء في “صحيح مسلمٍ”: أنه جُعل في قبر النبي قطيفةٌ حمراء [40]، وجاء عند أبي داود: أن الذي وضعها شُقْرَان مولى النبي [41]، وهذا يدل على أنه إن وجد شيءٌ من هذا، أنه لا بأس به، أنه لو كان ذلك منكرًا لَمَا أقر الصحابة شُقْرَان مولى النبي على هذا الفعل، فلو جُعل شيءٌ من هذا، لكن لا ينبغي أن يتوسع فيه، لا ينبغي أن يتوسع في هذا.

ما يقال عند إدخال الميت القبر

وسُن قول مدخله القبر: “بسم الله، وعلى ملة رسول الله”.

وذلك لقول النبي : إذا وضعتم الميت فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله [42] أو لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله [43]، أخرجه أبو داود والترمذي وقال: “حديثٌ حسنٌ”.

صفة وضع الميت في القبر

ويجب: أن يستقبل به القبلة، ويسن على جنبه الأيمن.

لحديث: قبلتكم أحياءً وأمواتًا [44]، لكن هذا الحديث ضعيفٌ، ولكن عمل المسلمين على هذا من قديم الزمان، ونَقْلُ الخلف عن السلف هذا يدل على أن هذا هو المشروع، أن يُستقبل به القبلة، وأن يكون على جنبه الأيمن، ويشبه هذا أن يكون إجماعًا عمليًّا من المسلمين، توارثه المسلمون خلفًا عن سلفٍ، وقرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ.

حكم دفن أكثر من ميتٍ في قبرٍ واحدٍ

ويحرم دفن غيره عليه أو معه إلا لضرورةٍ.

وذلك لأن هدي النبي أن يُجعل في القبر الواحد ميتٌ واحدٌ، إلا لضرورةٍ؛ ككثرة الموتى، فإذا وجدت ضرورةٌ؛ فلا بأس بدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد، ويقدَّم أكثرهم قرآنًا؛ لأن النبي في شأن قتلى أحدٍ كان يدفن الاثنين والثلاثة، ويقدم أكثرهم قرآنًا [45].

ويسن حثو التراب عليه ثلاثًا، ثم يُهال.

وذلك لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى على جنازةٍ، ثم أُتي بالميت، فحثا عليه من قِبَل رأسه ثلاثًا» [46]، أخرجه ابن ماجه، وقال النووي: “إسناده حسنٌ”.

حكم تلقين الميت بعد الدفن

قال:

واستَحب الأكثر تلقينه بعد الدفن.

كيف تلقينه بعد الدفن؟

الطالب: “اللهم ثبته”.

الشيخ: لا، ليس “اللهم ثبته”، “اللهم ثبته” هذا دعاءٌ.

الطالب:… يحدثه.

الشيخ: كيف يحدثه؟

الطالب:

الشيخ: إي نعم، يلقنه يقول: يا فلان، إذا أتاك المَلَك فسألك: من ربك؟ فقل: ربي الله، قال: من نبيك؟ فقل: النبي محمدٌ ، يلقنه.

المؤلف يرى أن هذا مستحبٌّ، هذا قد رُوي في حديث أبي أمامة  مرفوعًا إلى النبي ، لكن الحديث ضعيفٌ [47]، ورُوي هذا من فعل بعض التابعين.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “الاختيارات” يقول: “الأقوال فيه ثلاثةٌ: الكراهة، والاستحباب، والإباحة، وهو أعدلها”.

ولكن العبادات لا تثبت إلا بالتوقيف عن النبي ، القول في استحباب ذلك، أو حتى إباحة ذلك، يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ، لو كان هذا مشروعًا لفعله النبي وفعله الصحابة ، ولم ينقل ذلك بسندٍ صحيحٍ عن النبي ، أو عن أحد من الصحابة ؛ ولهذا فالأقرب: أنه غير مشروعٍ.

لكن هل يقال: إنه بدعةٌ؟ محتملٌ، لكن باعتبار أنه رُوي عن طائفةٍ من السلف؛ يصعب القول بأنه بدعةٌ، الأقرب أن نقول: إنه غير مشروعٍ.

الطالب:

الشيخ: الأظهر أنه ينكر؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، لكن لو فعله أحدٌ مقلدًا لأحد المذاهب، لو كان مثلًا الإنسان حنبليًّا أو أحدٌ متبعًا لأحد المذاهب وفعله مقلدًا؛ فلا ينكر عليه.

حكم رش القبر ورفعه عن الأرض

قال:

وسُن رش القبر بالماء، ورفعه قدر شبرٍ.

يعني: بعد دفن الميت يرش بالماء، وعليه عمل المسلمين، ويرفع قدر شبرٍ؛ وذلك لحديث جابرٍ ، أن النبي رُفع قبره من الأرض نحو شبرٍ [48]، رواه ابن حبان والبيهقي بسندٍ حسنٍ.

ويسنَّم أيضًا القبر، يجعل كالسنام؛ بأن يكون وسطه بارزًا على أطرافه؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن سفيان التَّمَّار، قال: رأيت قبر النبي مسنَّمًا [49].

ويكره تزويقه، وتجصيصه، وتبخيره، وتقبيله، والطواف به، والاتكاء إليه، والمبيت.

وذلك لأن النبي نهى عن تجصيص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه [50]، رواه مسلمٌ.

وظاهر كلام المؤلف أن هذا مكروهٌ وليس محرمًا، والصواب أنه محرمٌ؛ لأن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، ولأن هذه قد تُفضي إلى الوقوع في الشرك، وعبادة القبور من دون الله.

وأما الضحك عنده، والحديث في أمر الدنيا.

هذا الأقرب أنه مكروهٌ؛ لأنه لا يليق فعل ذلك عند القبر.

حكم الكتابة على القبر

والكتابة عليه.

فقد ورد النهي عنها.

الكتابة عليه، والجلوس، والبناء.

فهذا الأقرب في ذلك المنع، لكن لا بأس بتعليم القبر بحجرٍ أو خشبةٍ يعرفه بها؛ فقد نص على هذا الإمام أحمد، نعم، الذي ورد عليه ليس الكتابة؛ التجصيص، تجصيص القبر هو الذي ورد، وأن يُبنى عليه، وأن يُقعد عليه.

لكن الكتابة والجلوس عليه، والبناء، هذا..؛ أما الكتابة فمكروهةٌ، وأما الجلوس عليه والبناء فمحرمٌ.

ولا بأس بتعليم القبر بحجرٍ أو خشبةٍ ونحوها، نص على هذا الإمام أحمد؛ لما ورد أن النبي وضع حجرًا عند قبر عثمان بن مظعونٍ  بعد موته.

حكم المشي بالنعال في المقبرة

قال:

والمشي بالنعل، إلا لخوف شوكٍ ونحوه.

وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، المشي بالنعال في المقبرة، فالمذهب عند الحنابلة أنه يكره، إلا لخوف شوكٍ ونحوه؛ وذلك لأن النبي لما رأى رجلًا يمشي بين القبور، قال: يا صاحب السِّبْتِيَّتين، ألقِ سِبْتِيَّتَيك [51]، كما عند أبي داود بسندٍ حسنٍ.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، وذهب جمهور العلماء إلى أن ذلك مباحٌ؛ وذلك لحديث أبي هريرة  أن النبي لمَّا أَخبَر عن الميت، قال: وإنه ليسمع قرع نعالهم [52]، قالوا: فقوله: قرع نعالهم، دليلٌ على أن المشَيِّعِين للجنازة عليهم نعالٌ.

لكن هذا حكايةٌ للواقع، لا يدل على الجواز أو نفي الكراهة، والأقرب -والله أعلم- هو ما ذكره المؤلف: أنه مكروهٌ إلا لخوف شوكٍ، أو شدة حرٍّ، أو نحو ذلك.

ولهذا نقول: إذا كان دفن الميت بالنهار في شدة الحر، فالغالب أنه يلحق الإنسان أذًى من حر الرمضاء ونحو ذلك؛ فهذا تزول به الكراهة، كذلك أيضًا إذا كان يخشى أن يصيب رجليه شوكٌ ونحوه، فتزول الكراهة بهذا.

قال:

ويحرم إسراج المقابر، والدفن بالمساجد، وفي مِلك الغير، ويُنْبَش.

وذلك لورود النهي عن هذا، وهو حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي لعن زائرات القبور، والمتخذين عليه المساجد والسُّرُج [53]، رواه أبو داود والنسائي.

“والدفن في المساجد”؛ لأن النبي نهى عن اتخاذها قبورًا، قال : لعنة الله على اليهود والنصارى! اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا قبري مسجدًا؛ فإني أنهاكم عن ذلك [54].

“وفي مِلك الغير” كذلك بدون إذنه، “وينبش”: إذا حصل الدفن بالمسجد أو في ملك الغير ينبش، لكن لو كان القبر سابقًا للمسجد، فيهدم المسجد.

قال:

والدفن بالصحراء أفضل.

السُّنة: أن يُجعل هناك مكانٌ يُقبر فيه الأموات، وأن يكون في الصحراء قريبًا من البنيان، هذا هو الأفضل، كما كان عليه الأمر في عهد النبي .

حكم إخراج الجنين من الحامل إذا ماتت

وإن ماتت الحامل حرم شق بطنها، وأَخرَج النساءُ من تُرجى حياته، فإن تعذر لم تدفن حتى يموت، وإن خرج بعضه حيًّا شُقَّ للباقي.

المؤلف يتكلم عما هو موجودٌ في زمنه، لمَّا كان الطب لم يتقدم؛ كما كان عليه الأمر في الوقت الحاضر، فيقولون: إنه يحرم شق بطنها؛ لأنه هتك حرمةٍ متيَقَّنةٍ؛ لإبقاء حياةٍ متوهمةٍ، وأما في الوقت الحاضر مع وجود الأشعة، ومع تقدم الطب، فهو يُخرَج الجنين أصلًا قبل وفاة أمه بعمليةٍ قيصريةٍ؛ ولهذا فلا نحتاج لما ذكره الفقهاء هنا في هذه المسألة.

ولهذا نقول: الأمر يرجع في الوقت الحاضر إلى نظر الطبيب، فيفعل ما يرى فيه المصلحة، لكن المؤلف يتكلم عما هو موجودٌ في زمنه.

حكم التعزية

ثم قال المؤلف رحمه الله:

فصلٌ: تسن تعزية الميت إلى ثلاثة أيامٍ.

“تسن تعزية الميت”، تعزية الميت سنةٌ، وقد رُوي فيها حديث عمرو بن حزمٍ، أن النبي قال: ما من مؤمنٍ يعزي أخاه بمصيبةٍ؛ إلا كساه الله من حلل الجنة [55]، رواه ابن ماجه والبيهقي، لكنه ضعيفٌ من جهة الإسناد؛ ولهذا قال البوصيري: في إسناده مقالٌ، ورُوي فيها حديث ابن مسعودٍ ، أن النبي قال: من عزَّى مصابًا؛ فله مثل أجره [56]، رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: “حديثٌ غريبٌ”، وهذا المصطلح من الترمذي، إذا قال: “حديثٌ غريبٌ”، ماذا يقصد به؟

الطالب:

الشيخ: الضعف نعم، يقصد تضعيفه، إذا قال الترمذي: “حديثٌ غريبٌ”، فهذا يدل على أن الحديث ضعيفٌ، وهو كذلك.

فإذنْ لم يثبت في التعزية شيءٌ، لكنها من حقوق المسلم على المسلم؛ باعتبار أن فيها جبرًا لمصابه ووقوفًا معه؛ فهي حق المسلم على المسلم؛ ولهذا فهي مستحبةٌ.

لكن قول المؤلف: “إلى ثلاثة أيامٍ”؛ وذلك لأنها مدة الإحداد على غير الزوج؛ لقول النبي : لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تُحِد على ميتٍ فوق ثلاثٍ، إلا على زوجٍ [57]، ولأن وقت المصيبة في الغالب يكون في حدود ثلاثة أيامٍ، وبعدها يزول أثر المصيبة.

ولكن هذا التحديد يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ، وقياسه على الإحداد قياسٌ مع الفارق؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أن التعزية مرتبطةٌ بالمصيبة، فما دام أثر المصيبة باقيًا على المصاب؛ فتستحب تعزيته، وإذا زال أثر المصيبة؛ فلا تستحب التعزية في هذه الحال.

وهذا يرجع إلى حال المصاب؛ مثلًا لو كان المصاب أصيب في وفاة -مثلًا- قريبٍ له، أو عزيزٍ عليه بصورةٍ مفاجئةٍ، ربما يكون الأثر يبقى مدةً طويلةً، وربما تَقصُر هذه المدة أيضًا بحسب أثر المصيبة، وحينئذٍ القول الراجح: أنها لا تحدد بمدةٍ معينةٍ، لكن لا يعزي مثلًا بعد سنةٍ، أو بعد ستة أشهرٍ، لكن إذا كان مثلًا بعد ثلاثة أيامٍ، أربعة أيامٍ، أسبوعٍ، فقد يكون أثر المصيبة لا زال باقيًا.

قال:

فيقال له: “أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك”.

لحديث زرارة بن أبي أوفى قال: عزَّى النبي رجلًا على ولده، فقال: آجرك الله وأعظم لك الأجر [58]، رواه ابن أبي شيبة، لكنه حديثٌ ضعيفٌ؛ لأن زرارة بن أبي أوفى، صحابيٌّ أم تابعيٌّ؟ تابعيٌّ؛ فيكون مرسلًا، والمرسَل من أقسام الضعيف؛ ولهذا لم يرد في صيغة التعزية شيءٌ أفضل أو أحسن مما ورد في ذلك، وهو قول النبي لابنته: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى، فلتصبر ولتحتسب [59].

قال النووي: هذا أفضل ما يقال في تعزية المصاب: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى، فاصبر واحتسب، هذا أفضل ما يقال في تعزية المصاب.

قال:

ويقول هو: “استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك”.

والأمر في هذا واسعٌ، لو قال: أحسن الله عزاءك، أو آجرك الله في مصيبتك، أو نحو ذلك، فلا بأس، لكن الأفضل أن يقول ما ذكرنا.

ويجيبه بأي عبارةٍ مناسبةٍ، مثلما ذكره المؤلف، أو غير ذلك.

حكم البكاء على الميت

قال:

ولا بأس بالبكاء على الميت.

يعني: من غير رفع صوتٍ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي قال: إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه [60]، متفقٌ عليه.

طيب، الفضيل بن عياضٍ لما مات ابنه جعل عند المقبرة يضحك، بينما النبي لما مات ابنه دمعت عيناه، مقام النبي أكمل من مقام الفضيل بن عياضٍ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لماذا؟ لأن النبي جمع بين الرحمة والصبر، بينما الفضيل ما استطاع أن يجمع بينهما، فقط صبَرَ ولم يجمع مع الصبر الرحمة؛ ولذلك ضحك، فمقام النبي عليه الصلاة والسلام أكمل من مقام الفضيل بن عياضٍ.

قال:

ويحرم الندب، وهو: البكاء مع تعداد محاسن الميت.

إذا صحب البكاء تعداد محاسن الميت؛ فهذا ندبٌ، وهذا ينافي الصبر.

والنياحة، وهي: رفع الصوت بذلك برنة.

وهي محرمةٌ، بل هي من كبائر الذنوب، وجاء في حديث أم عطية رضي الله عنها، قالت: “أخذ علينا رسول الله البيعة: ألا ننوح” [61]، متفقٌ عليه.

وفي “الصحيحين” عن ابن مسعودٍ : أن النبي قال: ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية [62].

قال:

ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، والصراخ، ونتف الشعر ونشره وحلقه.

لحديث ابن مسعودٍ  السابق، وظاهر الحديث: أن هذا من كبائر الذنوب؛ لقوله : ليس منا.

حكم زيارة القبور

وتسن زيارة القبور للرجال.

حكاه النووي إجماعًا؛ لحديث أن النبي قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها [63].

وتكره للنساء.

في قول الجمهور أنها تكره، والقول الثاني: أنها تحرم؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أن النبي قال: لعن الله زوَّارات القبور [64]، رواه أصحاب السنن بسندٍ صحيحٍ.

طيب، اللعن يرجح القول بالكراهة أم التحريم؟ التحريم؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- هو أنه يحرم على النساء زيارة القبور.

وإن اجتازت المرأة بقبرٍ في طريقها، فسلمت عليه ودعت له؛ فحسنٌ.

كما ورد ذلك عن عائشة رضي الله عنها: أنها مرت بقبر أخيها، فسلمت عليه، ودعت له [65]، رواه الحاكم بإسنادٍ صحيحٍ.

فالمرور غير الزيارة، فلو مرت المرأة بمقبرةٍ وسلمت على الأموات ودعت لهم؛ فلا بأس، لكنها تذهب وتزورهم، هذا هو الممنوع.

وسُن لمن زار القبور أو مر بها أن يقول: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم”.

وهذا قد ورد عن النبي في الأحاديث الصحيحة [66].

ثم بعد ذلك استطرد المؤلف وذكر بعض الأحكام المتعلقة ببعض الآداب -يعني التي ربما ليس لها علاقةٌ بكتاب الجنائز- فقال:

وابتداء السلام على الحي سنةٌ.

وهذا باتفاق العلماء، أن ابتداء السلام سنةٌ، وقد ورد فيه الأجر والثواب؛ كما في قول النبي : ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم [67].

وأيضًا كان عليه الصلاة والسلام جالسًا في مجلسه، فأتى رجلٌ فقال: السلام عليكم، فرد عليه وقال: عشرٌ، ثم أتى رجلٌ فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه وقال: عشرون، ثم أتى رجلٌ فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه وقال: ثلاثون [68]، أي: أن المسلم بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يكسب ثلاثين حسنةً.

ورده فرض كفايةٍ.

فإن كان واحدًا تعيَّن عليه، أما إذا كانوا جماعةً يكفي واحدٌ منهم؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].

وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفايةٍ.

لحديث أبي هريرة ، أن النبي قال: إذا عطس أحدكم فحمد الله؛ فحقٌّ على كل مسلمٍ سمعه أن يقول له: يرحمك الله [69]، أخرجه البخاري في “صحيحه”، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، أنه فرض كفايةٍ.

والقول الثاني: أنه مستحبٌّ؛ لأنه من حق المسلم على المسلم، وهو كإجابة الدعوة، وكإفشاء السلام، وكعيادة المريض، وهذا هو قول جمهور العلماء، وهذا هو الأقرب والله أعلم، أنه مستحبٌّ وليس بواجبٍ؛ لأنه من حق المسلم على المسلم.

والقول الثالث: أنه واجبٌ، لكن الأقرب هو أن ذلك مستحبٌ، وأن الأوامر في باب الآداب محمولةٌ على الاستحباب.

وردُّه فرض عينٍ.

يعني: رد… نعم؟

الطالب:…

الشيخ: “تشميت العاطس” يعني: إذا قال: “يرحمك الله”، السنة إذا عطس المسلم أن يحمد الله، فيقول له: “يرحمك الله”، فيقول العاطس: “يَهديكم الله ويُصلح بالكم”.

قوله: “يهديكم الله ويصلح بالكم”، هذا يجب في حق العاطس، كرد السلام؛ لأننا قلنا: إن رد السلام يجب عليه إذا كان واحدًا؛ فكذلك أيضًا تشميت العاطس ردُّه فرض عينٍ.

ولكن هذا إذا حمد الله تعالى، أما إذا لم يحمد الله تعالى، أو لم يرفع صوته بالحمد، فهل يشرع تشميته؟ إنسانٌ عطس وما سمعته يقول: “الحمد لله”، لا يشرع، بل يكره، نص النووي وجماعةٌ من أهل العلم على هذا، وقد ورد في ذلك أولًا: قول النبي : من عطس فحمد الله فشمتوه، فإن عطس ولم يحمد الله؛ فلا تشمتوه [70]، رواه مسلمٌ، وهذا نصٌّ صريحٌ في المسألة.

وكذلك أيضًا الحديث الآخر في “مسلمٍ”: أن النبي عطس عنده رجلٌ ولم يشمته، ثم عطس آخر فحمد الله وشمته، قال: شمت فلانًا ولم تشمتني! قال: إن فلانًا حمد الله، وأنت لم تحمد الله [71]، فيكون هذا من باب التعزير له؛ لكونه لم يحمد الله؛ ولهذا إذا لم يحمد الله، فيكره تشميته.

قال:

ويَعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس.

قاله الإمام أحمد، ولكن هذا يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ؛ لأن هذا..، وبعضهم قال: إنه يعرفه في كل وقتٍ، معرفة الميت، وهكذا قوله:

ويَتأذى بالمنكر عنده.

هذه أمورٌ عظيمةٌ، رُوي فيها بعض الآثار عن بعض السلف، ولكن هذه الأمور الكبيرة العظيمة؛ معرفة الميت للحي، ورده على المسلم عليه، يحتاج إلى أدلةٍ ظاهرةٍ؛ لأن هذه أمورٌ غيبيةٌ، فلا نستطيع أن نجزم فيها بمثل تلك الآثار؛ فهي تحتاج إلى أدلةٍ صحيحةٍ عن النبي .

ولهذا فالأقرب: هو أن نتوقف عندها ولا نتكلم فيها بشيءٍ؛ لأنه لم يثبت فيها شيءٌ صحيحٌ عن النبي ، والله تعالى أعلم.

ويَنتفع بالخير.

إذا أهدَى له حيٌّ ثواب قربةٍ؛ فإن كان ذلك مما ورد به النص، وهو الصدقة والحج والعمرة والدعاء؛ فهذا ينفعه باتفاق العلماء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له [72].

إذا كان ما عدا ذلك؛ كقراءة القرآن مثلًا ونحوه، هذا من القرب، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا، والأقرب -والله أعلم- هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى: أن ذلك ينفع الميت، لكنه غير مشروعٍ؛ فيكون ذلك من قبيل الجائز غير المشروع؛ لأن ذلك لم يرد عن الصحابة .

لكن لو فعله إنسانٌ فلا ينكر عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن ثواب الصدقة، أخبر بأنه ينفع الميت، والحج ينفع الميت، والعمرة تنفع الميت، فكذلك أيضًا سائر القرب، الظاهر -والله أعلم- أنها تنفع الميت.

لكن لا يكون هذا من قَبيل المشروع، من قبيل الجائز غير المشروع، والمشروع هو الدعاء للميت؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له، فأفضل ما يفعله الحي للميت: هو أن يدعو له، وأما سائر الأعمال الصالحة يجعلها الإنسان لنفسه؛ لأنه أولى بها من الميت.

وبهذا نكون قد انتهينا من كتاب الجنائز، ونعتذر عن الإطالة؛ لأننا رغبنا أن ننهي هذا الكتاب، ونقف عند كتاب الزكاة.

وبهذا يتوقف الدرس في الإجازة الصيفية، ويُستأنف -إن شاء الله تعالى- كالمعتاد؛ أول اثنينٍ من الدراسة، أول اثنينٍ بعد استئناف الدراسة نستأنف -إن شاء الله تعالى- الدرس في كتاب الزكاة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^9 رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206.
^2 رواه الحاكم: 1307، والطبراني: 929، والبيهقي: 6655.
^3 رواه أبو داود: 495.
^4 رواه ابن ماجه: 1465، وأحمد: 25908.
^5 رواه البيهقي: 6452.
^6 رواه أبو داود: 3141.
^7 رواه البخاري: 1254، ومسلم: 939.
^8 رواه البخاري: 1253، ومسلم: 939.
^10 رواه مسلم: 1206.
^11 رواه البخاري: 1347.
^12 رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141، مختصرًا، ورواه أبو داود: 4772، والترمذي: 1421، والنسائي: 4095، بنحوه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^13 رواه أبو داود: 3134، وابن ماجه: 1515، وأحمد: 2217.
^14 رواه الحاكم: 4905.
^15 رواه أبو داود: 3214، والنسائي: 190.
^16 سبق تخريجه.
^17 رواه البخاري: 1264، ومسلم: 941.
^18 رواه مسلم: 1619.
^19 رواه مسلم: 947.
^20 رواه مسلم: 948.
^21 رواه أبو داود: 3166، وابن ماجه: 1490.
^22 رواه أحمد: 16724، بنحوه.
^23 رواه أبو داود: 3166، والترمذي: 1028، وابن ماجه: 1490.
^24 رواه البخاري: 1245، ومسلم: 951.
^25 رواه البخاري: 1335.
^26 رواه البخاري: 3370، ومسلم: 406.
^27 رواه أبو داود: 3199، وابن ماجه: 1497.
^28 رواه أبو داود: 3201، والترمذي: 1024، والنسائي: 1986، وابن ماجه: 1498.
^29 رواه مسلم: 963.
^30 رواه البخاري: 460، ومسلم: 956.
^31 رواه الترمذي: 1038.
^32 رواه أبو داود: 3179، والترمذي: 1007، والنسائي: 1944، وابن ماجه: 1482.
^33 رواه مسلم: 962.
^34 رواه البخاري: 1307، ومسلم: 958.
^35 رواه البخاري: 1312، ومسلم: 961.
^36 رواه النسائي: 1922، وابن ماجه: 1543، بهذا اللفظ، ورواه البخاري: 1311، ومسلم: 960، بنحوه.
^37 رواه البخاري: 1310، ومسلم: 959.
^38 رواه أبو داود: 3171، وأحمد: 10880.
^39 رواه أبو داود: 3215، والنسائي: 2010.
^40 رواه مسلم: 967.
^41 رواه الترمذي: 1047، وابن ماجه: 1628، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
^42 رواه الطبراني: 14008.
^43 رواه أبو داود: 3213، والترمذي: 1046، وابن ماجه: 1550.
^44 رواه أبو داود: 2875.
^45 رواه أبوداود: 3215، والترمذي: 1713، والنسائي: 2010، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^46 رواه ابن ماجه: 1565.
^47 رواه الطبراني: 7979.
^48 رواه ابن حبان: 6635، والبيهقي: 6736.
^49 صحيح البخاري: 2/ 103.
^50 رواه مسلم: 970.
^51 رواه أبو داود: 3230، والنسائي: 2048، وابن ماجه: 1568، وأحمد: 20784، والنعال السِّبْتية: هي المصنوعة من جلود البقر المدبوغة بالقَرَظ، ينظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 3/ 330 (س ب ت).
^52 رواه البخاري: 1338، ومسلم: 2870.
^53 رواه أبو داود: 3236، والترمذي: 320، والنسائي: 2043، وقال الترمذي: حديث حسن.
^54 رواه البخاري: 435، ومسلم: 531.
^55 رواه ابن ماجه: 1601، والبيهقي: 6879.
^56 رواه الترمذي: 1073، وابن ماجه: 1602.
^57 رواه البخاري: 5335، ومسلم: 1486.
^58 رواه ابن أبي شيبة: 12071.
^59 رواه البخاري: 1284، ومسلم: 923.
^60 رواه البخاري: 1304، ومسلم: 924.
^61 رواه البخاري: 1306، ومسلم: 936.
^62 رواه البخاري: 1297، ومسلم: 103.
^63 رواه مسلم: 1977.
^64 رواه بهذا اللفظ ابن ماجه: 1575.
^65 رواه الحاكم: 1392، بنحوه، ورواه الفاكهي في أخبار مكة: 2903.
^66 ينظر ما رواه مسلم: 249، 974، وأبو داود: 3237/ 2، والنسائي: 2038، وابن ماجه: 1546، 1547.
^67 رواه مسلم: 54.
^68 رواه أبو داود: 5195، والترمذي: 2689، والنسائي في السنن الكبرى: 10097، وأحمد: 19948، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
^69 رواه البخاري: 6223، بنحوه.
^70 رواه مسلم: 2992.
^71 رواه البخاري: 6225، بنحوه.
^72 رواه مسلم: 1631.
zh