عناصر المادة
- باب صلاة الاستسقاء
- حكم صلاة الاستسقاء
- صفة صلاة الاستسقاء وأحكامها
- أبرز الفروق بين صلاتي العيد والاستسقاء
- حكم إذن الإمام لإقامة صلاة الاستسقاء
- ما ينبغي فعله قبل الخروج للاستسقاء
- حكم إخراج البهائم مع الناس للاستسقاء
- حكم التوسل بالصالحين
- كيفية خطبة صلاة الاستسقاء
- كيفية الدعاء في خطبة الاستسقاء
- تحويل الرداء في الاستسقاء
- صفة تحويل الرداء، والحكمة منه
- السنة عند نزول المطر
- ما يقال إذا خيف من كثرة المطر
- ما يقال بعد نزول المطر
- كتاب الجنائز
كنا قد وصلنا لباب صلاة الاستسقاء.
طبعًا خطوتنا أننا نقف عند كتاب الزكاة؛ ولهذا سوف -إن شاء الله- نأخذ هذا الدرس: صلاة الاستسقاء، وجزءًا من كتاب الجنائز، وفي الدرس القادم -إن شاء الله- نُكمل كتاب الجنائز، بحيث نقف عند كتاب الزكاة، ونستأنف -إن شاء الله- الدرس في شهر شوالٍ.
باب صلاة الاستسقاء
قال المؤلف رحمه الله:
“الاستسقاء”: استفعالٌ من السَّقْي: وهو طلب السُّقْيا، والمراد به: طلب السُّقيا من الله تعالى بنزول الغيث.
حكم صلاة الاستسقاء
قال:
أفادنا المؤلف بأن صلاة الاستسقاء سُنةٌ، وسنةٌ مؤكدةٌ عند الحاجة إليها؛ ذلك لأن النبي فعلها [1]، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، ولهذا قال الحافظ ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء، والبروز والاجتماع إلى الله خارج المِصر بالدعاء والضراعة إلى الله تبارك اسمه في نزول الغيث عند احتباس ماء السماء والقحط؛ سُنةٌ مسنونةٌ سنَّها رسول الله ، ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك.
ولكن محل سُنِّية صلاة الاستسقاء: عند وجود القحط، أما عند عدم وجود القحط، وإنما المراد طلب الاستزادة من مياه الأمطار؛ فإنها تكون غير مشروعةٍ؛ وذلك لأن الأصل في العبادات التوقيف، النبي إنما استسقى عند وجود القحط.
وكان شيخنا عبدالله بن قعودٍ رحمه الله يرى أن الاستسقاء مع عدم وجود القحط غير مشروعٍ، وأنه أقرب إلى البدعة منه إلى السنة؛ ذلك لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا بد أن يُوجد قحطٌ حتى يقال بسُنية صلاة الاستسقاء؛ ولهذا ليس من السنة أن يستسقي خطيب الجمعة في كل خطبةٍ، إنما يستسقي عند وجود القحط فقط، والنبي لم يستسق في خطبة الجمعة إلا عندما طَلب منه ذلك الرجل أن يستسقي [2]، فكون الخطيب كل جمعةٍ يستسقي، يقول: الناس بحاجةٍ، ونحو ذلك؛ هذا ليس مشروعًا إلا عند وجود القحط، وأصل البدع قائمٌ على الاستحسان، البدع لو تأملتها؛ كلها قائمةٌ على الاستحسان، يعني العبادات الأصل فيها التوقيف والاتباع، لا يستحسن الإنسان برأيه وعقله شيئًا، إنما يتبع في ذلك.
لكن هل يصح الاستسقاء لغيره من المسلمين؟ بأن يكون البلد الذي هو فيه ليس فيه جَدْبٌ ولا قحطٌ، ولكن يستسقي لغيره من بلاد المسلمين؟
نعم، يعني لو كان عندنا في الرياض مثلًا لم يحصل قحطٌ، لكن في بعض مناطق المملكة هناك قحطٌ؛ فينوي الخطيب الاستسقاء لمسلمين آخرين.
مداخلة:…
الشيخ: نعم، أجاز ذلك بعض الفقهاء، قال المرداوي في “الإنصاف”: إذا احتبس القطر عن قومٍ صلَّوا بلا نزاعٍ، وإن احتبس عن آخرين؛ فالصحيح من المذهب عند الحنابلة: أنه يصلي لهم غيرُ من لم يُحبس عنهم”، قال المجد ابن تيمية أيضًا: يستحب ذلك، فهذا أجازه بعض العلماء.
صفة صلاة الاستسقاء وأحكامها
قال:
صفة صلاة الاستسقاء وأحكامها كصفة صلاة العيد التي تكلمنا عنها في الدرس السابق، فيسن أن تكون بعد طلوع الشمس وارتفاعها قِيدَ رمحٍ، ونحن قدَّرنا طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمحٍ بكم دقيقة؟ عشر دقائق تقريبًا، سَبَرْتها ووجدتها بهذا القدر تقريبًا، من تسعٍ إلى عشر دقائق، بهذا القدر؛ لأن هذا هو هدي النبي ؛ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي خرج للاستسقاء حين بدا حاجب الشمس [3]، رواه أبو داود.
ولكن لو أراد أناسٌ أن يُؤخروا صلاة الاستسقاء ويُصلوها مثلًا في الساعة العاشرة، في الحادية عشرة، أو بعد صلاة الظهر؛ مثلًا طلاب مدرسةٍ قالوا: نريد بعد صلاة الظهر أن نصلي صلاة الاستسقاء؛ يعني مثلًا: وجَّه ولي الأمر بإقامة صلاة الاستسقاء، فقالوا: نجعل صلاة الاستسقاء بعد صلاة الظهر أو قبلها، فهل يصح هذا أو لا يصح؟
مداخلة:…
الشيخ: يصح يعني؟ نعم يصح، وقتُ صلاة الاستسقاء وقتٌ واسعٌ، بل قال الموفق بن قدامة: ليس لصلاة الاستسقاء وقتٌ معينٌ، إلا أنها لا تُفعل في وقت النهي بغير خلافٍ، يعني اتفاق العلماء هذا؛ لأن وقتها متسعٌ؛ فلا يُخاف فواتها، والأَولى فعلها في وقت صلاة العيد، فالأمر فيها واسعٌ، وفي بعض المدارس يجعلون صلاة الاستسقاء من الساعة التاسعة، الأمر فيها واسعٌ، سواءٌ جعلوها في التاسعة أو العاشرة أو الحادية عشرة، أو بعد صلاة الظهر، أو قبل صلاة الظهر، الأمر فيها واسعٌ، بل حتى لو جعلوها في الليل؛ كما ذكر الموفَّق: أن هذا بغير خلافٍ بين العلماء، أنه ليس لها وقتٌ معينٌ؛ لأنها دعاءٌ، والدعاء مشروعٌ في كل وقتٍ.
أبرز الفروق بين صلاتي العيد والاستسقاء
لكن تُخالف صلاة العيد الاستسقاء في مسائل:
- المسألة الأولى: أن الخطبة في الاستسقاء خطبةٌ واحدةٌ، بينما في العيد خطبتان على قول الجمهور، أشرنا في الدرس السابق إلى أن بعض العلماء يقول: إنها خطبةٌ واحدةٌ: وهو قولٌ قويٌّ، كان شيخنا محمد ابن عثيمين رحمه الله يفعله في آخر حياته، كان لا يخطب إلا خطبةً واحدةً، لكن على قول الجمهور يكون هذا فَرقًا.
- الثاني: في صلاة الاستسقاء تجوز الخطبة قبل الصلاة وبعدها، بينما في العيد تكون الخطبة بعد الصلاة.
- الفرق الثالث: أنه في خطبة العيد تُبيِّن أحكام صلاة العيد، بينما في الاستسقاء يُكثر من الاستغفار والدعاء بنزول الغيث.
هذه أبرز الفروق بين العيد والاستسقاء.
حكم إذن الإمام لإقامة صلاة الاستسقاء
قال:
أولًا: هل يشترط إذْنُ الإمام لإقامة صلاة الاستسقاء؟ أكثر العلماء على أنه لا يشترط، ومن أهل العلم من قال: إنه يشترط، والذي عليه العمل الآن: أنه لا بد من إذن الإمام في الأمصار، في الأمصار لا بد من إذن الإمام؛ لأن الإمام وجَّه هنا بألا تقام صلاة الاستسقاء إلا بإذنه، لكن هذا في الأمصار، لكن لو خرج جماعةٌ في بريَّةٍ وأرادوا أن يصلوا صلاة الاستسقاء؛ فهل في هذا مانعٌ؟ ليس في هذا مانعٌ، هذا مشروعٌ، لا بأس به.
على أن أكثر العلماء حتى في الأمصار لا يشترطون إذن الإمام، لكن الذي يظهر: أن الإمام إذا منع من هذا إلا بإذنه؛ فلا ينازع في هذا؛ مثل دعاء القنوت، أقرب الأقوال: أنه إذا مَنع إلا بإذنه؛ فلا ينازع في هذا؛ لأن المفسدة المترتبة على المنازعة أشد من المصلحة التي تُرجى من إقامة السُّنة؛ فمثلًا في الأمصار لا تقام صلاة الاستسقاء إلا بإذنه، لكن في غير الأمصار كما مثَّلنا: جماعةٌ في سفرٍ أو في بريَّةٍ أرادوا أن يقيموا صلاة الاستسقاء؛ فلا حرج في ذلك، وأيضًا الإمام لا يَمنع من هذا في مثل هذه الأحوال.
ما ينبغي فعله قبل الخروج للاستسقاء
قال:
إذا أراد الإمام الخروج؛ ينبغي تهيئة الناس؛ وذلك بموعظة الناس وحثهم على التوبة، وحثهم على إزالة القطيعة والهجر والخروج من المظالم.
ويرى بعض العلماء أنه يستحب للإمام إذا أراد الخروج لصلاة الاستسقاء: أن يأمر الإمام الناس بالصدقة؛ لأن الصدقة فيها إحسانٌ إلى الغير، والإحسان سببٌ للرحمة؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، والغيث رحمةٌ؛ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ [الشورى:28]، وقد كان هذا عليه عمل الناس إلى وقتٍ ليس بالبعيد، كانوا قبل أن يخرجوا إلى الاستسقاء يتصدقون على الفقراء والمساكين.
واستحب بعض العلماء أن يأمر الإمام الناس قبل الخروج للاستسقاء بالصيام، وأن يخرج الناس للاستسقاء وهم صائمون؛ لأن ذلك أقرب إلى إجابة الدعاء؛ ولهذا استحب أيضًا بعض العلماء أن يكون الاستسقاء يومي الاثنين والخميس؛ لأنه يُشرع صيامهما، ودعاء الصائم أقرب إلى الإجابة.
ولكن تحديد الصلاة بهذين اليومين يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ، ليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على تحديد الصلاة بيومي الاثنين والخميس، وإنما هذا استحسانٌ من بعض أهل العلم، من المعلوم أن تقييد العبادة بوقتٍ معينٍ يحتاج إلى دليلٍ، وإلا يكون من البدع الإضافية، كما هو مقرر عند أهل العلم؛ لهذا فالصواب: أن صلاة الاستسقاء لا تختص بيومٍ معينٍ، ويمكن أن تكون في أي يومٍ من أيام الأسبوع.
وقد أصبح على هذا العمل أخيرًا، في السنوات الأخيرة أصبح الاستسقاء في أي يومٍ، بعدما كان في وقتٍ مضى لا تكون إلا في الاثنين والخميس.
إذنْ الصواب: أنها لا تختص بالاثنين والخميس، بل تكون في أي يومٍ من أيام الأسبوع.
قال:
“يتنظف لها ولا يتطيب”: أما كونه يتنظف؛ فلأنه مكان اجتماعٍ عامٌّ، ووجود الروائح الكريهة تؤذي الحاضرين أو بعضهم، وأما كونه لا يتطيب؛ فلأنه وقت استكانةٍ وخضوعٍ وتذلُّلٍ وخشوعٍ، ووضع الطِّيب لا يتفق مع ما هو مطلوبٌ من الاستكانة والتذلُّل، ويدل لهذا حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “خرج رسول الله للاستسقاء متبذِّلًا متواضعًا متضرِّعًا حتى أتى المصلَّى، فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلَّى ركعتين كما يُصلِّي في العيد” [4]، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قال ابن عباسٍ هنا: “خرج رسول الله للاستسقاء متبذِّلًا متواضعًا”، قوله: “متبذِّلًا”، دليلٌ على أنه لا يمس الطِّيب، ولا يلبس لباس زينةٍ، وإن كان أخذُ الزينة مطلوبًا في جميع الصلوات، إلا أنه يُستثنى من ذلك صلاة الاستسقاء.
قال الموفق بن قدامة: “السُّنة: الخروج لصلاة الاستسقاء متواضعًا متخشعًا، متذللًا متضرعًا في ثياب بِذْلَته [5]، ولا يلبس ثياب زينةٍ؛ لأنه يوم تواضعٍ”.
وبعض أهل العلم يقول: إن صلاة الاستسقاء كغيرها؛ تُؤخذ فيها الزينة؛ لعموم قول الله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ولكن الأقرب هو القول الأول؛ لحديث ابن عباسٍ، فإن قوله: “متبذِّلًا”، يدل على أنه خرج في ثيابٍ ليست ثياب زينةٍ، وأنه لم يمس طيبًا؛ لأن مسَّ الطِّيب يُنافي الوصف بالتبذُّل.
ولهذا يصح أن يُلغَز بهذا: ما هي الصلاة التي لا يُستحب أخذ الزينة لها؟ الجواب: هي صلاة الاستسقاء.
قال:
يعني: عند الخروج يشرع التذلل والاستكانة والتواضع والتضرع.
قال:
أما استحباب أن يخرج معه الأطفال والعجائز: فهذا استحبه بعض أهل العلم، خروج الأطفال والعجائز استحبه بعض أهل العلم؛ قالوا: لأنهم أقرب إلى الإجابة، أما الشيوخ والعجائز فأقرب إلى الاستكانة والتضرع، والصبيان لماذا؟ لأنهم لا ذنوب عليهم: رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن الصبي حتى يبلغ.. [6]، فكون الدعاء يكون من إنسانٍ ليس عليه ذنبٌ؛ أقرب إلى الإجابة؛ ولهذا قال الموفق بن قدامة: “ويخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ؛ لأنهم أسرع للإجابة، فيستحب الخروج لكافة الناس.
أما النساء فلا بأس بخروج العجائز ومَن لا هيئة لها، وبعض أهل العلم قال: إن الشواب وذوات الهيئة لا يستحب لهن؛ لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولكن الأقرب: أن الشابة إذا خرجت متسترةً متحجبةً محتشمةً أن هذا لا بأس به.
حكم إخراج البهائم مع الناس للاستسقاء
قال:
هل يُستحب إخراج البهائم مع الناس؟ استحب هذا بعض أهل العلم، قالوا: إن هذا أقرب إلى الاستكانة والخشوع، وقد رُوي أن الناس أصابهم القحط في عهد طارق بن زيادٍ، فخرج بالناس جميعهم ومعهم الشيوخ والعجائز والصبيان، وأخرج معهم البهائم، وجعلوا يدعون الله ويتضرعون ويبكون حتى سُقوا.
ولكن إخراج البهائم في صلاة الاستسقاء وإن كان قد قال به بعض أهل العلم -وممن استحبه القاضي أبو يعلى وابن عَقيلٍ من الحنابلة- إلا أن أكثر العلماء يرون أنه غير مستحبٍّ؛ لأن النبي لم يفعله، ولم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم أنه فعل ذلك، ولو كان مشروعًا؛ لنُقل، والذي استحبه بعض العلماء من بعد عهد الصحابة والتابعين، وإلا لم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة أنه فعل هذا، وهذا هو الأقرب والله أعلم.
حكم التوسل بالصالحين
قال:
أنا أخَّرت الكلام عن أهل الدين حتى نربطها بقوله: “والتوسل بالصالحين”.
مراد المؤلف بقوله: “والتوسل بالصالحين”، يعني بدعاء الصالحين، ولا يقصد المؤلف التوسل بذوات الصالحين؛ لأن هذا غير مشروعٍ، لكن مراد المؤلف: التوسل بدعاء الصالحين، كان النبي إذا استسقى ما إن ينزل من على المنبر؛ إلا والمطر يتحادر من لحيته [7]؛ لهذا قال البخاري في “صحيحه”: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي يستسقي، فما ينزل حتى يَجِيش كل ميزاب:
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه | ثِمَال اليتامى عصمةٌ للأراملِ |
هذه من قصيدة أبي طالبٍ يمتدح فيها النبي ، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بهذا، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا ينزل من المنبر إلا وينزل المطر، وهي قصيدةٌ لأبي طالبٍ طويلةٌ، ذكرها ابن إسحاق في “السيرة”، أكثر من ثمانين بيتًا، جاء في بعض الروايات: أن النبي قال: لو كان أبو طالبٍ حيًّا لقرَّت عيناه [8].
وفي عهد عمر في السنة الثامنة عشرة من الهجرة، وهذه السنة تسمى عام ماذا؟ الرَّمادة، أصاب الناس قحطٌ شديدٌ، فدعا عمر العباس بن عبدالمطلب ، وطلب منه أن يستسقي للناس، وقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فستقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون [9]، والمراد بالتوسل هنا: طلب الدعاء، وليس المقصود -كما ذكرت- التوسل بذوات الصالحين.
وجاء في بعض الروايات أن العباس لما استسقى للناس قال: “اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولن يُكشف إلا بتوبةٍ، وقد توجَّه بي القوم إليك؛ لمكاني من نبيك، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأَرْخَت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض” [10].
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان قحط الناس، وخرج معاوية يستسقي للناس، فلما جلس على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود؟ فقام يزيد، وطلب منه معاوية أن يستسقي للناس ففعل، فثارت سحابةٌ مثل التُّرس، وهبَّ لها ريحٌ، فسُقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
ولهذا ينبغي أن يُستسقى بمن ظهر صلاحه وتقواه؛ لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، وعلى هذا كان المسلمون وأئمتهم، يستسقون بدعاء الصالحين في حياتهم، بل في تراجم بعض الرواة يُوصف بعض الرواة بأنه يُستسقى بهم، “قال سفيان بن عيينة: حدثنا رجلان صالحان يُستسقى بهما: ابن عجلان ويزيد بن يزيد بن جابرٍ”.
وقال ابن حبان في “صحيحه”: باب ذكر ما يستحب للإمام إذا أراد الاستسقاء، أن يستسقي بالصالحين رجاء الدعاء في ذلك، لكن بعض العلماء يقول: إن الاستسقاء ببعض الصالحين قد يكون فيه فتنةٌ؛ لأنه لو أتى هذا الإنسان وقيل له: ادع الله تعالى أن يُغيثنا ونزل المطر؛ ربما يُفتن هو بنفسه ويُصاب بالعُجب، ويُفتن الناس به أيضًا، قالوا: إن درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح، لكن الذي يظهر أنه على الأقل تُوكَل له خطبة الاستسقاء والصلاة بالناس، يعني: ينبغي أن يُنتقى الناس الأخيار الصالحون الذين هم أقرب إلى إجابة الدعاء، ويجعلوهم هم الذين يستسقون بالناس ويدعون، هذا هو الذي عليه السلف.
كيفية خطبة صلاة الاستسقاء
قال:
فيصلي ثم يخطب خطبةً واحدةً، هنا قال المؤلف: إنه يصلي ثم يخطب، فأفادنا المؤلف: أن الصلاة مقدمةٌ على الخطبة، وهذا هو المذهب، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: أن الصلاة مقدمةٌ على الخطبة.
وذهب مالك وأحمد في روايةٍ إلى أن الخطبة قبل الصلاة، وقد وردت أحاديث صحيحةٌ عن النبي تدل على أنه خطب ثم صلى، وأحاديث أخرى ثابتةٌ تدل على أنه صلى ثم خطب، وإن كانت الأحاديث التي تدل على أنه خطب ثم صلى أثبَت وأصح؛ لأنه رواها الشيخان -البخاري ومسلمٌ- في “صحيحيهما”.
إلا أنه قد ثبت بأسانيد حسنةٍ أن النبي صلى ثم خطب، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الأمرين، وأن الإمام يُخيَّر أن يقدِّم الخطبة أو الصلاة، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، الإمام مخيرٌ، اختاره ابن أبي موسى من الحنابلة، والمجد ابن تيمية، واختاره أيضًا شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله: أن الإمام مخيَّرٌ؛ إن شاء قدم الخطبة، وإن شاء قدم الصلاة.
قال:
أشرنا في الدرس السابق إلى أن القول الراجح في افتتاح خطبة العيد: أنها تكون بالحمد، وقلنا: لم يثبت عن النبي أنه كان يفتتح خُطَب العيدين بالتكبير، وأن الحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيفٌ، ونقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: أن جميع خطب النبي كان يفتتحها بالحمد، وهكذا أيضًا نقول في خطبة الاستسقاء: السُّنة أن تُفتتَح بالحمد، خلافًا لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
قال:
يُكثر الاستغفار؛ لقول الله تعالى: وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [هود:52].
الاستغفار من أسباب نزول الغيث، وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار؛ كهذه الآية، وكقول الله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [نوح:10-12]؛ ولأن الاستغفار سببٌ لنزول الغيث، والمعاصي سببٌ لانقطاع الغيث، فالاستغفار والتوبة يمحوان المعاصي، وقد رَوى البيهقي عن عمر أنه خرج يستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقال: “لقد استسقيت بمجاديح السماء”، لكن هذا الأثر ضعيفٌ، فيه انقطاعٌ.
كيفية الدعاء في خطبة الاستسقاء
قال:
يعني: يُسن مع الدعاء أن يرفع يديه.
السنة في الدعاء رفع اليدين؛ لقول النبي : إن الله يستحي من عبده -إذا رفع يديه- أن يردهما صِفرًا [11]، رواه أبو داود، حديثٌ حسنٌ، قال البخاري في “صحيحه”: “باب رفع الإمام يده في الاستسقاء”، ثم ساق بسنده عن أنسٍ قال: “كان النبي لا يرفع يديه في شيءٍ من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه ليرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه” [12]، وهذا في خطبة الجمعة، كان عليه الصلاة والسلام لا يرفع يديه في دعاء إلا في الاستسقاء.
وفي “صحيح مسلمٍ” عن عبَّاد بن تميمٍ المازني أنه سمع عمه -وكان من أصحاب النبي – يقول: “خرج رسول الله يومًا يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة وحوَّل رداءه ثم صلى ركعتين” [13].
ولكن قول المؤلف: “يرفع يديه وظهورهما نحو السماء”، هذا قد جاء في بعض الروايات عند مسلمٍ: أن النبي دعا بظهر كفيه [14]، ومن هنا اختلف العلماء في فهم هذا الحديث: هل هو على ظاهره، أنه جعل ظهر كفيه إلى السماء، فيكون دعا هكذا، أو أن المقصود أنه بالغ عليه الصلاة والسلام في رفع اليدين حتى كأن ظهر كفيه إلى السماء؟ قولان لأهل العلم:
فبعض أهل العلم قال بظاهر هذا الحديث، وقالوا: إن هذا دعاء رهبةٍ، وليس دعاء رغبةٍ؛ فهو دعاءٌ لرفع البلاء؛ ولذلك قالوا: السنة أن يرفع ظهر كفَّيه إلى السماء، يعني الأصل في الدعاء: أن تجعل بطون كفَّيك إلى السماء هكذا، لكن يقولون: في دعاء الاستسقاء يعكس، فتدعو هكذا.
والقول الثاني في المسألة: إن الدعاء إنما يُسن فيه رفع بطون اليدين إلى السماء، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بالغ برفع يديه، حتى يظن الظَّانُّ أنه كأنما جعل ظهر كفيه إلى السماء، وهذا القول الثاني هو الأقرب والله أعلم، وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كما نَقل ذلك عنه صاحب “الإنصاف”، قال شيخ الإسلام: صار كفُّهما نحو السماء، قال: لشدة الرفع لا قصدًا له، يعني بالغ عليه الصلاة والسلام في رفع يديه هكذا، حتى كأن ظهر كفيه إلى السماء، هذا هو الأقرب والله أعلم، خاصةً أنه جاء في بعض الروايات، ولو أنه عليه الصلاة والسلام فعل هكذا؛ لنقله الرواة؛ لأنه شيءٌ ملفتٌ للنظر، شيءٌ لم يألفوه، لكن كونه لم ينقله إلا راوٍ واحدٌ؛ فالذي يظهر أن المقصود: أنه عليه الصلاة والسلام إنما بالغ في رفع يديه إلى السماء.
قال:
“يستقبل القبلة في أثناء الخطبة”، يعني الخطيب يخطب الناس، ثم بعد ذلك يدعو في آخر الخطبة، يدعو بالاستسقاء، يحوِّل ظهره إلى الناس ويدعو، بينما لو دعا في خطبة الجمعة؛ يكون مستقبلًا الناس، لكن في صلاة الاستسقاء يحوِّل ظهره إلى الناس، ويستقبل القبلة ويدعو، هذا هو الظاهر من هدي النبي ، فظاهر الروايات هو أنه عليه الصلاة والسلام فعل هذا؛ ولهذا نقول: السُّنة للخطيب إذا دعا في خطبة الاستسقاء: أن يحوِّل ظهره إلى الناس، ويستقبل القبلة، ويدعو، ويبالغ في رفع يديه إلى السماء.
مداخلة:…
الشيخ: قبل فراغ الخطبة، لا، الخطبة، يتحوَّل، يستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو، وإذا كان الناس لم يألفوا هذا؛ ينبغي أن يُبيِّن لهم هذا، يقول: إننا سندعو وسوف أستقبل القبلة، وأن هذا هو المنقول عن النبي عليه الصلاة والسلام، الشيء الغريب الذي لم يألفه الناس ينبغي أن يُمهِّد له الإنسان، لكن هذا هو الظاهر كما نصَّ عليه المؤلف، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وإن كان في المسألة قولٌ آخر: أنه لا يستقبل القبلة، وإنما يدعو كما يدعو في خطبة الجمعة، لكن ظاهر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام استقبل القبلة.
ثم يدعو، ومن الأدعية ما ذكره المؤلف:
تحويل الرداء في الاستسقاء
إذا دعا وفرغ من الصلاة والخطبة والدعاء، فالسنة أن يُحوِّل رداءه، قال البخاري في “صحيحه”: باب تحويل الرداء في الاستسقاء، ثم ساق بسنده عن عبدالله بن زيدٍ أن النبي استسقى فقلب رداءه، قال الحافظ ابن حجرٍ: المعنى: قَلَب رداءه في أثناء الاستسقاء.
ولمسلمٍ: أنه لما أراد أن يدعو؛ استقبل القبلة، لاحِظ، هذا في “مسلمٍ”: “استقبل القبلة وحوَّل رداءه” [15]، قال الحافظ ابن حجرٍ: فعُرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء.
انتبه لهذه الفائدة، يقول الحافظ ابن حجرٍ: فعُرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء، بينما الذي عليه عمل الناس الآن، متى يحولون أرديتهم؟ بعد الفراغ، لا، السنة أن يكون التحويل قبل أن يدعو، عندما يُريد أن يدعو؛ يحوِّل رداءه؛ لأن هذا من أسباب الإجابة، لاحِظ، بعض المسائل يعتادها بعض الناس، لكن عند التحقيق تجد أن السنة بخلاف ما عليه عمل الناس؛ لهذا ينبغي لطالب العلم أن يُحيي هذه السنن؛ فإذنْ التحويل يكون في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء.
صفة تحويل الرداء، والحكمة منه
صفة التحويل: أفادنا المؤلف بأن صفة التحويل، قال: “يجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن”؛ فمثلًا: لو كان عليه مشلحٌ يقلبه، وإن كان عليه غترةٌ كذلك.
والحكمة منه، قال النووي: التحويل شُرع؛ تفاؤلًا بتغيُّر الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته.
ويرى بعض العلماء أن التحويل خاصٌّ بالإمام فقط، ولكن أكثر أهل العلم على أن التحويل ليس خاصًّا بالإمام، وإنما يشمل الإمام والمأمومين، قال الحافظ ابن حجرٍ: قال الليث وأبو يوسف: يُحوِّل الإمام وحده، واستحب الجمهور أيضًا أن يُحوِّل الناس بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد من طريقٍ أخرى عن عبَّادٍ بلفظ: وحوَّل الناس معه [16].
هل تحوِّل المرأة عباءتها في صلاة الاستسقاء؟ ما الجواب؟ هل هذا خاصٌّ بالرجل، أو يشمل المرأة؟
مداخلة:…
الشيخ: ما الدليل على الخصوصية؟
مداخلة:…
الشيخ: المرأة كالرجل، إلا إذا كانت في مكانٍ مكشوفٍ والرجال ينظرون إليها، فإنها لا تفعل؛ لأن قلب الرداء سنةٌ، والتكشف أمام الرجال فتنةٌ ومحرمٌ، أما لو كانت بعيدةً عن الرجال لا تتكشف، أو مثلًا كانت صلاة الاستسقاء في مسجدٍ فيه مصلًّى للنساء، والنساء يُصلِّين في مصلى النساء؛ فحكمها حكم الرجل؛ لأن الأدلة عامةٌ، والأصل هو تساوي الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما دل الدليل على الاختلاف بينهما فيه.
متى ينزع الرداء بعد تحويله؟
قال:
يعني: التحويل، إذا حولت الرداء؛ تتركه ولا تعيده حتى تنزعه مع ثيابك؛ قالوا: لأنه لم يُنقل عن النبي وأصحابه أنهم غيَّروا أرديتهم حين عادوا.
ولكن لم يثبت في هذا شيءٌ؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أنه متى ما شاء؛ نزعه وأعاده إلى حالته السابقة؛ لأن المقصود هو تحويل الرداء أثناء الدعاء وبعده بوقتٍ يسيرٍ، وأما ما بعد ذلك فالأمر فيه واسعٌ، وليس في ذلك شيءٌ محفوظٌ عن النبي حتى يقال بأنه يُترك ولا يُنزع حتى ينزع ثيابه معه.
قال:
يعني: وإن سُقوا؛ وإلا استسقوا مرةً ثانيةً وثالثةً، والله تعالى يُحب الملحِّين في الدعاء.
السنة عند نزول المطر
قال:
ويدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أنسٍ قال: أصابنا في عهد رسول الله مطرٌ، فحَسَر النبي عن رأسه؛ حتى يصيبه المطر، وقال: إنه حديث عهدٍ بربه [17]، هذا الحديث أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”، وذكر لي أحد الإخوة أن في إسناده ضعفًا، فراجعت الحديث ولم أجد هذا الضعف، بل جميع رجاله ثقاتٌ، ولكن ثبت عن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في “إرواء الغليل”، ذكر هذا الحديث وحديثًا آخر، ذكر أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سال الوادي قال : اخرُجوا بنا إلى هذا الوادي الذي جعله الله طهورًا؛ فنتطهر به، وقد قلب التخريج: فجعل حديث أنسٍ ضعيفًا ورواه البيهقي، وقال: إنه منقطعٌ، بينما حديث الوادي جعله هو الصحيح، رواه مسلمٌ؛ والصواب العكس، الصواب هو العكس: وهو أن حديث أنسٍ رواه مسلمٌ، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”، وأما حديث الوادي فرواه البيهقي وفيه انقطاعٌ، فانتبهوا لهذه المسألة، حديث أنسٍ حديثٌ صحيحٌ رواه مسلمٌ.
ومعنى: حديث عهدٍ بربه، يعني: بتكوينِ وخلقِ الله له، بخلقِ الله له.
ويُستحب عند نزول المطر: أن يَحسِر الإنسان عن رأسه؛ حتى يصيبه المطر، وكذلك لو توضأ منه أو اغتسل منه، أو أخرج رحله وثيابه؛ ليصيبها؛ فهذا من السُّنة؛ لأن العلة التي علَّل بها النبي تشمل هذا كله: حديث، إنه حديث عهدٍ بربه.
ما يقال إذا خيف من كثرة المطر
قال:
هذا قد قاله النبي عليه الصلاة والسلام لما كان يخطب بالناس وأتاه الأعرابي فقال: هلكت الأموال وانقطعت السُّبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي يديه وقال: اللهم أغثنا، فنزل المطر أسبوعًا كاملًا، فلم يروا الشمس سبتًا؛ يعني: أسبوعًا، حتى كانت الجمعة الثانية أتى ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبل، فادع الله أن يُمسكها عنا، فقال عليه الصلاة والسلام، أتى بهذا الدعاء: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر [18]، أما قوله: رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، فلا أعلم أنه محفوظٌ من رواية “الصحيحين”.
وهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام، لم يَدْعُ الله أن يمسك المطر، وإنما أن يجعله على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر؛ لأن الغيث بركةٌ وخيرٌ، وفيه منفعةٌ للناس.
ما يقال بعد نزول المطر
قال:
في حديث زيد بن خالدٍ قال: صلى بنا رسول الله صلاة الفجر -أو قال: صلاة الصبح- في الحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف قال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال : قال الله: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ؛ فأما من قال: مُطِرنا بنَوْء كذا وكذا؛ فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب [19].
فالسنة أن يقال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، وأيضًا ورد: اللهم اجعله صيِّبًا نافعًا [20]، وأما قول: مُطِرنا بنوْءِ كذا وكذا؛ فإنه يحرم، وهو كفرٌ أصغر.
قوله : وكافرٌ يعني: كفرًا أصغر، ويسميه بعض العلماء بــ”كفر النعمة”؛ لأن هذه نِسبة النعمة لغير الله تعالى.
قال:
يعني: يباح أن يقال: مُطرنا في نَوْء كذا، بأن يقال: مُطرنا مثلًا: في الوسم، أو في أول الصيف، أو نحو ذلك، هذا لا بأس به؛ لأنه لا يقتضي الإضافة إلى النَّوْء؛ فلا يكره.
طيب، توقعات نزول الأمطار، هل تدخل في المنهي عنه، أو في القسم الجائز؟
مداخلة:…
الشيخ: الذي يظهر أنها تدخل في القسم الجائز، توقعات نزول الأمطار من قديم الزمان؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن المطر ينزل في ظروف معينة يعرفها بعض الناس، وتقاس الآن بأجهزةٍ دقيقةٍ، وهي توقعاتٌ بأن الفرصة مهيَّأةٌ لنزول المطر، وقد ينزل المطر وقد لا ينزل، لكن يقال: إن ظروف الجو الآن مهيَّأةٌ لنزول المطر من جهة مثلًا قياس الرطوبة، من جهة قياس بعض الأشياء التي في الغالب أن المطر ينزل معها، فيقال الفرصة مهيأةٌ لنزول المطر، هذا لا يدخل في القسم المنهي عنه، لكن ينبغي التحرز كثيرًا في العبارة، فيؤتى مثلًا بهذه العبارة: الفرصة مهيأةٌ لنزول المطر، ولا يقال: إن المطر كان بسبب المنخفض الجوي، أو بسبب كذا؛ فإن هذا شبيهٌ بقول من قال: مُطِرنا بنَوْء كذا وكذا.
بهذا نكون قد انتهينا من أحكام صلاة الاستسقاء، ونأخذ ما تيسر من أحكام صلاة الجنائز.
قبل هذا، نحن ذكرنا فيما سبق أن هناك جائزةً لأفضل ملخَّصٍ، وهذه الجائزة الآن موجودةٌ عندنا هنا ومرصودةٌ، ونستقبل الملخَّصات فالذي كتب يسلمها لنا، والأسبوع القادم -إن شاء الله- نعلن الجائزة لأفضل ملخَّصٍ، والجائزة هي عبارةٌ عن كتبٍ، وهي موجودةٌ هنا، يعني نُجري مقارنةً بين أفضل الملخصات المكتوبة؛ حتى يستفاد من الدرس مكتوبًا، وأيضًا هو مسجلٌ، لكن أيضًا يستفاد منه مكتوبًا، ومَن كان عنده ملخَّصٌ فليسلمه لنا حتى يدخل في المسابقة.
وصلتني ورقةٌ من أحد الإخوة يقول: بما أن اختبارات الطلاب الجامعية والثانوي على الأبواب؛ فنأمل الانتهاء من الدرس هذا اليوم.
نود أن ننتهي من كتاب الجنائز، ما رأيكم، هل نُبقي الدرس في الاثنين القادم؟ أو نختار يومًا بديلًا؟ أو ننتهي الآن، ونُرجئ الجنائز إلى استئناف الدرس -إن شاء الله تعالى- في شهر شوالٍ؟
يعني دائمًا نُحب أن نأخذ رأيكم في هذا.
مداخلة:…
الشيخ: يبقى، هذا رأيٌ، رأيٌ أنه يبقى، ورأيٌ أنه نبحث عن يومٍ آخر؛ كيوم السبت مثلًا، أو الرأي الثالث: أن نقف عند كتاب الجنائز، ونستأنف -إن شاء الله- في شهر شوالٍ، نصوِّت على هذا:
مَن يرى أن الدرس يبقى، ويكون آخر موعدٍ يوم الاثنين القادم إن شاء الله؟
طيب، 1، 2، 3، 4، 5….
طيب، مَن يرى أن الدرس..، نبحث يعني عن يومٍ بديلٍ لهذا الدرس، إما الثلاثاء أو السبت؟ نعم؟ طيب إذنْ هذا الرأي نستبعده.
طيب، الرأي الثالث: أن ننتهي الآن ونقف، ونبدأ بكتاب الجنائز -إن شاء الله- في شهر شوالٍ؟ 1، 2، 3، 4، 5، 6…
طيب، خمسةٌ وثلاثون؛ إذنْ يبقى الدرس، هذا رأي الأغلبية، فيبقى الدرس -إن شاء الله تعالى- ونختم يوم الاثنين القادم، وإن شاء الله تعالى أن هذا لا يؤثر، نحرص -إن شاء الله- على ألا يزيد على الساعة، أو حدود الساعة إلى الساعة والنصف بإذن الله تعالى.
مداخلة:…
الشيخ: على كل حال نحن صوتنا وانتهينا، هذا رأي الأغلبية، دائمًا نأخذ رأي الأغلبية، وإلا كل له رأي وكل له وجهة نظر، لكن الأغلبية يكون رأيهم هو المرجَّح، النبي عليه الصلاة والسلام كان يستشير أصحابه، في غزوة أُحُد كان رأي النبي عليه الصلاة والسلام أنهم يبقون لا يخرجون من المدينة، لكن لما استشار أصحابه رأى رأي الأغلبية الخروج فخرج عليه الصلاة والسلام، ولما أحس الصحابة بأنهم قد ألجؤوه إلى أمر لا يُريده، فقالوا: يا رسول الله كما تُريد، إن كنت تُريد أن تبقى؛ تبقى، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كان لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [21].
فالنبي عليه الصلاة والسلام في البداية استشار، ثم قرر وعزم، وإذا قرر الإنسان شيئًا بعد الاستشارة والاستخارة لا يتردد فيه؛ لأن التردد إضعاف لهذا الرأي.
على كل حالٍ: نحن حسمنا هذا؛ لأنه رأي الأغلبية.
كتاب الجنائز
قال:
الجنائز تعريفها:
“الجنائز” بفتح الجيم: جمع “جِنازةٍ” بكسر الجيم، وفي لغةٍ بفتح الجيم: “جَنازة”، قال ابن قتيبة: والكسر أفصح.
وقيل: الجَنازة اسم للميت، والجِنازة -بكسر الجيم- اسم للنَّعش الذي يُحمل عليه الميت.
قال:
لقول النبي : أكثروا من ذكر هادم اللذات [22]، رواه النسائي والترمذي وابن ماجه، وهو حديثٌ حسنٌ بشواهده.
أُنبِّه هنا إلى أن صاحب “منار السبيل” قال: “رواه البخاري”، والبخاري لم يروه، وإنما رواه بعض أصحاب السنن: النسائي والترمذي وابن ماجه.
والاستعداد للموت مطلوبٌ من المسلم في كل حينٍ، فإن الموت ما ذُكر في قليلٍ إلا كثَّره، ولا ذكر في كثيرٍ إلا قلَّله، وكما قال الحسن البصري: فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لُبٍّ فيها فرحًا.
حكم الأنين عند المرض وتمني الموت
قال:
رُوي عن بعض السلف كراهة الأنين، قالوا: لأنه ينافي الصبر، ولكنه ليس محرَّمًا؛ ولهذا كان الإمام أحمد في مرض موته يئن، فقيل له: إن فلانًا كان يكره الأنين، فما أنَّ بعدُ.
أي: يُكره تمني الموت، وظاهر كلام المؤلف أنه يُكره كراهةً، ولكن ظاهر الأحاديث هو التحريم، ويدل لهذا ما جاء في “الصحيحين” عن أنسٍ قال: قال رسول الله : لا يتمنين أحدكم الموت لِضُرٍّ نزل به، فإن كان لا بد متمنِّيًا؛ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي [23].
والأقرب -والله أعلم- هو التحريم؛ لأن الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم.
والحكمة من النهي عن تمني الموت: هي أن الموت تنقطع به الأعمال، وفي الحياة استمرار الأجر والثواب بزيادة الأعمال، وأيضًا في الحياة فرصةٌ للتوبة والتدارك والإنابة، وقد جاءت الإشارة لهذا في حديث أبي هريرة في رواية مسلمٍ، فإنه قد جاء بلفظ: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يَدْعُ به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا[24]، وفي رواية البخاري: لا يتمنى أحدكم الموت: إما محسنًا فلعَلَّه يزداد، وإما مُسِيئًا فلعَلَّه يَسْتَعْتِب [25].
ثم أيضًا في تمني الموت نوعٌ من الاعتراض على القدر، نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم.
لكن طول العمر للإنسان هل هو نعمةٌ بإطلاقٍ؟
مداخلة:…
الشيخ: نعمةٌ إذا كان على طاعةٍ، ونقمةٌ إذا كان على معصيةٍ، ولهذا حُكم الدعاء بطول العمر: لا بأس به؛ كما دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأنسٍ [26]، لكن ينبغي أن يُقيَّد بأيِّ شيءٍ؟ على طاعة الله؛ لأنه على معصية الله تزداد ذنوبه، تكثر الذنوب، لكن ينبغي أن يُقيَّد على طاعة الله، وإلا طول العمر نعمةٌ من الله على العبد إذا وفَّقه الله تعالى لطاعته، تكثر أعماله الصالحة، ولذلك لا بأس أن يدعو المسلم ربه بطول العمر، لكن ينبغي أن يقيد ذلك على طاعة الله تعالى.
مداخلة:…
الشيخ: سيأتي الكلام عنها الآن.
قال المؤلف:
يعني: أنه إذا خشي الإنسان فتنةً؛ فيجوز له أن يتمنى الموت؛ كما قالت مريم عليها السلام: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23]، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: فإن كان لا بد متمنيًا؛ فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي [27]، بل لقوله : وإذا أردت بعبادك فتنةً؛ فاقبضني إليك غير مفتونٍ [28]، فهذا يدل على أنه يُستثنى من ذلك وقت الفتنة؛ فيجوز تمني الموت فيها.
حكم عيادة المريض
قال:
أفادنا المؤلف بأن عيادة المريض أنها سنةٌ، وهي مستحبةٌ استحبابًا مؤكَّدًا من حق المسلم على المسلم، نقل النووي الإجماع على عدم وجوبها، ولكن حكاية الإجماع منتقضةٌ؛ لأن من العلماء من قال بوجوبها، قد بوَّب البخاري في “صحيحه” بقوله: باب وجوب عيادة المريض، ثم ساق بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله : أطعموا الجائع، وعوِّدوا المريض، وفُكُّوا العاني [29]، ثم ساق بسنده عن البراء بن عازبٍ قال : “أمرنا رسول الله بسبعٍ..”، وذكر منها: وأمرنا أن نتبع الجنائز ونعود المريض” [30].
وقال بعض أهل العلم: عيادة المريض في الأصل مستحبةٌ، لكنها قد تجب على الإنسان إذا كان المريض له حقٌّ متأكِّدٌ على الإنسان؛ كوالديه، ومن تجب صلته من ذوي الأرحام، وهذا هو الأقرب والله أعلم.
إذنْ نقول: عيادة المريض مستحبةٌ، لكنها قد تجب على الإنسان إذا كان المريض له حقٌّ على الإنسان؛ كوالديه، ومن تجب صلته من ذوي الأرحام.
مثلًا: كون والد الإنسان -أو والدته- مريضًا ولا يزوره؛ يأثم بهذا، هذا أيضًا يدخل في العقوق، أخوه مثلًا مريضٌ ولا يعوده؛ يأثم بهذا، هذا هو الأقرب والله أعلم، أخته مريضةٌ تجب صلتها ولا يعودها، ابنه، فالأقرب -والله أعلم- هو القول بالتفصيل.
وقد ورد في فضل عيادة المريض عدة أحاديث؛ منها: ما جاء في “صحيح مسلم” عن ثوبان أن النبي قال: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم؛ لم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع، قيل: وما خرفة الجنة؟ قال: جَنَاها [31]، وأيضًا جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي هريرة أن النبي قال: إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني! فيقول: وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ [32].
حكم تلقين الميت
قال:
يعني يستحب تلقين الميت عند موته:
ويدل لهذا حديث أبي سعيدٍ أن النبي قال: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله [33]، وقوله : موتاكم، ما المقصود بقوله : موتاكم؟ يعني: المحتضرين، المقصود بقوله : موتاكم، يعني: مَن حضره الموت، وإلا الميت لا يُلَقَّن.
والتعبير بالتلقين يعني: أن هذا المحتضر كأنه يُعلَّم ويلقَّن قول: “لا إله إلا الله”، كما يلقَّن التلميذ، لماذا؟ لأن حال الاحتضار حال شدةٍ وحال كربٍ، ومعاناةٍ لخروج الروح؛ فيحتاج الأمر إلى تلقينه.
والحكمة من تلقينه “لا إله إلا الله”: هي أن تكون كلمة التوحيد هي آخر كلامه من الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة [34].
ولكن هنا قال: “ولم يزد”، يعني: لا يُكرِّر عليه؛ لئلا يضجر لضيق حاله وشدة كربه، وربما كره ذلك بقلبه، وربما تكلم بما لا يليق، فبعض الناس عندما يأتي إنسانًا محتضرًا يُكرِّر عليه قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، يُكرِّر عليه، وربما يضيق ويتكلم بكلام غير لائقٍ، يقول: لا إله إلا الله، عنده ولا يزيد، من باب التذكير فقط.
حكم قراءة (الفاتحة ويس) عند المحتضر
قال:
أي: إنه يستحب قراءة الفاتحة.
أما قراءة (يس)، فقد رُوي في ذلك حديث معقل بن يسارٍ أن رسول الله قال: اقرءوا (يس) على موتاكم [35]، ومعنى على موتاكم: يعني على المحتضرين، يعني: من حضره الموت، وهذا الحديث من جهة الإسناد أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ، لا يصح عن النبي ؛ ولهذا قال الدارقطني: هذا حديثٌ ضعيف الإسناد، ولا يصح في الباب حديثٌ، ومن المعلوم أن الدارقطني هو من أئمة هذا الفن، وهذا الحديث فيه عِلَلٌ، أكثر من عِلَّةٍ؛ لهذا فهو عند المحدثين لا يثبت ولا يصح؛ وبناءً على: هذا لا تُشرع قراءة (يس) على المحتضر؛ لأن الأحكام لا تُبنى على الأحاديث الضعيفة، وكذلك قراءة الفاتحة لم يرد فيها شيءٌ، وإنما قاسها بعض العلماء على قراءة (يس)، وقالوا: يُشرع قراءة القرآن على المحتضر، وحيث إننا قلنا: إنه لا يُشرع قراءة سورة (يس)؛ فمن باب أولى كذلك لا يُشرع قراءة غير هذه السورة، ومنها: سورة الفاتحة، فلا يُشرع قراءة شيءٍ من القرآن على المحتضر.
توجيه المحتضر إلى القبلة
قال:
يعني السُّنة أن يُوجَّه إلى القبلة، واستدلوا لذلك بحديث البراء بن معرورٍ أن النبي لما قدم المدينة سأل عنه، يعني: سأل عن البراء، فقالوا: تُوفي، وأوصى بثُلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يُوجَّه إلى القبلة، قال عليه الصلاة والسلام: أصاب الفطرة [36]، هذا الحديث أخرجه الحاكم، وإسناده ضعيفٌ، ولهذا قال الحاكم: لا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غير هذا الحديث، حيث إن هذا الحديث ضعيفٌ، فلا يثبت فيه هذا الحكم؛ ولهذا نقول: إن توجيه المحتضر إلى القبلة، ليس هذا من السنة؛ لأنه لم يثبت في ذلك حديثٌ.
ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن المحتضر يكون مستلقيًا على قفاه، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، قال المَرْدَاوي في “الإنصاف”: وعليه أكثر الأصحاب، قال المرداوي: وهذا المعمول به؛ لأنه ربما شق جعله على جنبه الأيمن، هذا القول هو الأقرب والله أعلم، أن يُجعل المحتضر مستلقيًا على قفاه، ووجهه إلى السماء؛ لأنه الأيسر، ولأنه لم يثبت في توجيهه إلى القبلة حديثٌ، وهذا الذي عليه عمل الناس الآن، الذي عليه عمل الناس: أن المحتضر يُجعل مستلقيًا على قفاه ووجهه إلى السماء.
تغميض عيني الميت
قال:
إذا مات سُن تغميض عينيه مباشرةً، يدل لذلك ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله على أبي سلمة وقد شقَّ بصره، فأغمضه وقال: إن الروح إذا قُبض؛ تبعه البصر.. الحديث [37]، ولأنه إذا لم يُغمِض عينيه؛ ربما قبُح منظره فأُسيء به الظن، وهناك بعض الناس لهم نوعٌ من التعلق بحال الميت عند تغسيله، مع أنه أحيانًا قد لا ترتبط بشيءٍ، لا من قرائن تدل على الصلاح ولا على عدم الصلاح، ولكن أحيانًا حال الميت هذا مثلًا في زمنٍ حارٍّ أو باردٍ، يعني: الظروف التي مات فيها قد تؤثر عليه، يعني: لا يعوَّل على هذه كثيرًا، فبعض الناس يقول: رأيت هذا الميت يضحك، وبعضهم يقول: إن وجهه أسود، ونحو ذلك، نقول: هذا ينبغي ألا يبالغ فيه؛ لأنه أحيانًا يتأثر بالظروف من حوله؛ من حرارة الجو، وظروف وفاته، ونحو ذلك، فلو مات مثلًا وهو مغمض العينين؛ يستمر في تغميض عينيه، لو مات وقد فتح عينيه وفغر فاه؛ ربما يستمر في هذا.
الحاشية السفلية
^1, ^2 | رواه البخاري: 1013، ومسلم: 897. |
---|---|
^3 | رواه أبو داود: 1173، وابن حبان: 2860. |
^4 | رواه أبو داود: 1165، والترمذي: 558، والنسائي: 1521، وابن ماجه: 1266. |
^5 | ثياب البِذْلَة: ثياب المهنة التي تلبس في حال الشغل والخدمة، ينظر مجمع بحار الأنوار لمحمد طاهر الفَتَّني: 5/ 325. |
^6 | رواه أبو داود:4399، وابن ماجه: 2041. |
^7 | رواه البخاري: 1009. |
^8 | الطبراني في الدعاء: 2180، وابن عدي في الكامل: 4/ 469، والبيهقي في دلائل النبوة: 6/ 141. |
^9 | رواه البخاري: 1010. |
^10 | رواه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم: 727. |
^11 | رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556، وابن ماجه: 3865. |
^12 | رواه البخاري: 1031، ومسلم: 895. |
^13 | رواه البخاري: 1025، ومسلم: 894. |
^14 | رواه مسلم: 896. |
^15 | رواه مسلم: 897. |
^16 | رواه أحمد: 16465. |
^17 | رواه مسلم: 898. |
^18 | رواه البخاري: 1014، ومسلم: 897. |
^19 | رواه البخاري: 846، ومسلم: 71. |
^20 | رواه البخاري: 1032. |
^21 | رواه ابن أبي شيبة: 10579، وابن سعد في الطبقات الكبرى: 2/ 33-35، وأحمد: 14787. |
^22 | رواه الترمذي: 2307، والنسائي: 1824، وابن ماجه: 4258. |
^23 | رواه البخاري: 6351، ومسلم: 2860. |
^24 | رواه مسلم: 2682. |
^25 | رواه البخاري: 7235. |
^26 | رواه الطبراني في الأوسط: 507. |
^27 | سبق تخريجه. |
^28 | رواه الترمذي: 3233. |
^29 | رواه البخاري: 5373. |
^30 | رواه مسلم: 2066. |
^31 | رواه مسلم: 2568. |
^32 | رواه مسلم: 2596. |
^33 | رواه مسلم: 917. |
^34 | رواه أبو داود: 3116، وأحمد: 22034. |
^35 | رواه أبو داود: 3121، وابن ماجه: 1448، وأحمد: 20301، والحاكم: 2095. |
^36 | رواه الحاكم :1323. |
^37 | رواه مسلم: 920. |