عناصر المادة
- صلاة الليل أفضل من صلاة النهار
- النصف الأخير من الليل أفضل من الأول
- معنى التهجد
- فضل قيام الليل
- افتتاح القيام بركعتين خفيفتين
- من نام ونيته أن يقوم، كتب له ما نوى
- يصح التطوع بركعة
- أجر القاعد غيرِ المعذور نصف أجر القائم
- أيهما أفضل طول القيام أم الزيادة في عدد الركعات؟
- حكم صلاة الضحى
- عدد ركعات صلاة الضحى
- وقت صلاة الضحى
- حكم تحية المسجد
- سنة الوضوء
- إحياء ما بين العشاءين
فصلٌ: في قيام الليل وصلاة الضحى
كنا قد وصلنا إلى قول المؤلف: فصلٌ: وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
صلاة الليل أفضل من صلاة النهار
قال المؤلف رحمه الله:
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
ويدل لهذا: حديث أبي هريرة أن النبي قال: أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل [1]، رواه مسلمٌ.
طيب، إذا قلنا: الليل، نريد أن نعرف الآن حدود الليل، من أين يبدأ، ومتى ينتهي؟
يبدأ طبعًا بغروب الشمس، هذا واضحٌ، ليس فيه خلافٌ، لكن متى ينتهي؟ هل ينتهي بطلوع الفجر، أو ينتهي بطلوع الشمس؟ عند العرب ينتهي بطلوع الشمس، لكن شرعًا: الأدلة تدل على أنه ينتهي بطلوع الفجر، لكن عند العرب بطلوع الشمس، ولذلك؛ قول الفقهاء مثلًا في وقت الزوال، عندما تكون الشمس في كبد السماء، منتصف النهار، يقصدون بذلك ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، فيكون الليل ما بين الغروب إلى طلوع الشمس، لكن في النصوص الأحاديث الواردة المقصود بالليل: إلى طلوع الفجر، فيكون من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا هو الصحيح، أنه من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وصلاة الليل كما قال عليه الصلاة والسلام: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدةٍ [2].
وهذا يدل على أنه ليس لها حدٌّ محدودٌ، فللإنسان أن يصلي ما شاء مثنى مثنى، ويوتر بواحدةٍ، أو يأتي بإحدى الصفات التي ذكرناها في الدرس السابق، وذكرنا ثمانية أنواعٍ لصفة صلاة الوتر.
النصف الأخير من الليل أفضل من الأول
قال:
والنصف الأخير أفضل من الأول.
وذلك؛ لحديث أبي هريرة أن النبي قال: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فأستجيبَ له، هل من سائلٍ فأعطيَه، هل من مستغفرٍ فأغفر له؛ وذلك كل ليلةٍ [3].
لكن أيضًا سبق أن أشرنا في درسٍ سابقٍ، ما هو الأفضل؟ النصف الأخير، والنصف الأخير أفضل من النصف الأول، لكن ما هو النصف الأخير؟ السدس الرابع والخامس؛ وذلك لقول النبي : أفضل الصلاة صلاة داود؛ كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه [4]، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في “الصحيحين”.
ولحديث عائشة رضي الله عنها -كما في “البخاري”- أنها قالت: إن النبي ما ألفاه السحر عندي إلا نائمًا [5].
وأيضًا جاء في “البخاري” عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان إذا سمع الصارخ قام فصلى، المقصود بالصارخ الديك، يقال: إن الديك يصرخ عند منتصف الليل بالضبط، ويظهر أن المقصود من منتصف الليل ما بين غروب الشمس وطلوعها، لكن يبدو أن هذه حال الديك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أما في وقتنا الحاضر الآن يبدو أنه حصل شيءٌ من الاضطراب عند الدِّيَكة الآن تصيح في كل وقتٍ.
إذا أردنا أن نعرف الآن الثلث الرابع والخامس، من أين أخذنا هذا؟ أخذنا هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه.
نصف الليل: يعني السدس الأول والثاني والثالث، إذا قسمنا الليل إلى ستة أقسامٍ:
الثلث الأول والثاني والثالث، هذه تمثل نصف الليل، هذا كان ينامه النبي .
يقوم ثلثه: يعني السدس الرابع والخامس؛ لأن (1/6+1/6)=1/3.
وينام سدسه: يعني السدس الأخير، هذا هو أفضل ما يكون من صلاة الليل، السدس الرابع والخامس.
داود عليه الصلاة والسلام ما كان عندهم صلاة عشاءٍ، كان عندهم صلاتان: عند طلوع الشمس، وعند غروبها فقط، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان بعد العشاء ينام، ويقوم عند منتصف الليل، كان يطيل القيام عليه الصلاة والسلام.
والحكمة من النوم في السدس الأخير: لأجل أن يتنشط لصلاة الفجر، وأيضًا يكون عونًا له على الأعمال التي يقوم بها في النهار، قد كانوا في عهد النبي لا ينامون بعد صلاة الفجر، ما كانت العرب تعرف النوم إلا في الليل، والقيلولة قبل الظهر.
وقال بعض أهل العلم: لأجل أن يكون ذلك أقرب إلى الإخلاص.
معنى التهجد
قال:
والتهجد: ما كان بعد النوم.
يعني: التهجد لا يسمى تهجدًا إلا إذا كان بعد النوم، التهجد ذكره الله تعالى في قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].
التهجد في لغة العرب: هو ما كان بعد النوم، أما ما لم يكن بعد نوم لا يسمى تهجدًا، وقد ذكر ابن كثيرٍ في “تفسيره” أن العرب في لغتها لا تعرف التهجد إلا أن يكون بعد النوم، ومثله أيضًا الناشئة المذكورة في سورة المزمل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6].
معنى الناشئة: بمعنى التهجد، وهو الصلاة بعد النوم؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: الناشئة القيام بعد النوم.
وقال الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدةٍ، ومن لم يرقد فلا ناشئة له.
وذلك: أن الصلاة بعد النوم تكون أقرب إلى الخشوع وحضور القلب، وهذا أمرٌ مشاهدٌ، إذا نمت من الليل وقمت، يكون ذلك أقرب إلى حضور القلب؛ ولذلك قال : إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، أكثر مواطأةً بين القلب واللسان، وأقوم قيلًا يعني: أصوب قراءةً.
أما في النهار فالإنسان قد يكون مشغولًا لا يخشع الخشوع المطلوب؛ ولهذا قال : إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا [المزمل:7].
فضل قيام الليل
قال المؤلف رحمه الله:
ويسن قيام الليل.
قيام الليل هو دأب الصالحين، قد جاء في حديث أبي أُمامة أن النبي قال: عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأْب الصالحين قبلكم، وهو قربةٌ إلى ربكم، ومَكْفَرَةٌ للسيئات، ومنهاةٌ عن الإثم [6]، وهذا الحديث أخرجه الحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط البخاري، وفي إسناده مقالٌ، لكنَّ له شاهدًا؛ ولهذا قال الحافظ العراقي في “تخريج الإحياء”: رواه الطبراني في “الكبير”، والبيهقي بسند حسنٍ؛ لعله يقصد بسندٍ حسنٍ: بشاهده.
وهو أمان من النفاق أيضًا؛ ولذلك يقال: ما قام الليل منافقٌ، يعني: الذي يقوم الليل هذا أمانٌ من النفاق، ولذلك؛ ينبغي أن يجعل المسلم له حظًّا من قيام الليل، ولو أن يصلي ما تيسر ولو قليلًا، لكن يجعل هذا منهجًا له ومبدأً له يحافظ عليه.
افتتاح القيام بركعتين خفيفتين
قال:
وافتتاحه بركعتين.
يعني: يسن أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، والدليل لهذا: حديث أبي هريرة أن النبي قال: إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين [7] رواه مسلم.
والحديث الآخر: أنه عليه الصلاة والسلام كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين [8].
ولعل الحكمة في هذا والله أعلم: أن هاتين الركعتين كالتهيئة لما يكون بعدها من الصلاة التي ينبغي أن تكون صلاةً طويلةً؛ في القراءة، وفي الركوع، وفي السجود، وتكون هذه كالتوطئة لها.
يقول: هل هذا يقاس على التراويح، فنقول: إن الإمام في صلاة التراويح يفتتح صلاة التراويح بركعتين خفيفتين؟
الله أعلم.
من نام ونيته أن يقوم، كتب له ما نوى
قال:
ونيته عند النوم.
لحديث أبي الدرداء أن النبي قال: من نام ونيته أن يقوم، كُتب له ما نوى، وكان نومه صدقةً عليه [9]، رواه النسائي بهذا اللفظ.
في “منار السبيل” قال: رواه أبو داود والنسائي، لكن حديث أبي الدرداء هو عند النسائي، وليس عند أبي داود، والذي عند أبي داود هو حديث عائشة رضي الله عنها بمعنًى قريبٍ من هذا المعنى [10].
الحديث بمجموع طرقه ثابتٌ، ولهذا؛ ينبغي أن ينوي الإنسان هذه النية، ينوي نيةً جازمةً أنه يقوم من الليل، حتى لو قدر أنه غلبه النوم فيكتب له ما نوى، ويكون نومه صدقةً عليه.
والسنة أن يقضيه شفعًا، إذا كان مثلًا من عادته أن يصلي إحدى عشرة ركعةً، يقضي ثنتي عشرة ركعةً، وهكذا.
يصح التطوع بركعة
قال المؤلف رحمه الله:
ويصح التطوع بركعة.
التطوع بركعةٍ ليس المقصود به الوتر بركعةٍ، وإنما يتطوع بركعةٍ واحدةٍ، هذه مسألةٌ محل خلافٍ بين العلماء:
القول الأول: من العلماء من قال: إنه يصح التطوع بركعةٍ قياسًا على الوتر بركعةٍ.
والقول الثاني: أنه لا يصح، جزم به في “المغني”، وهو الأقرب والله أعلم، أنه لا يصح، وذلك؛ لأنه لو تطوع بركعةٍ فيكون قد أوتر وترين في ليلةٍ، قد ورد النهي عن ذلك، هذا إذا كان في الليل، وكذلك إذا كان في النهار أيضًا، فقد قال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى [11]؛ ولهذا الأقرب: أنه لا يصح التطوع بركعةٍ، وإن تطوع بركعةٍ إنما هو خاصٌّ بصلاة الوتر فقط؛ لقول النبي كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: الوتر ركعةٌ من آخر الليل [12]، رواه مسلمٌ.
أجر القاعد غيرِ المعذور نصف أجر القائم
قال:
وأجر القاعد غيرِ المعذور نصف أجر القائم.
أجر القاعد نصف أجر القائم، والدليل لهذا: حديث عمران بن حصينٍ ، أن النبي قال: من صلى قائمًا فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا فله نصف أجر القائم [13]، رواه البخاري بهذا اللفظ، ورواه مسلمٌ بمعناه من حديث ابن عمرو [14].
ولكن هذا في حق غير المعذور، أما بالنسبة للمعذور فإن أجره يكون كاملًا؛ لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر كَتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [15]، وهذا يدل على أن القيام في صلاة النافلة ليس ركنًا؛ وإنما يُستحب.
وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان مثلًا كان متعبًا، فنقول: يصلي قاعدًا خيرٌ له من ألا يصلي، بعض الناس مثلًا في صلاة التراويح قد يكون مثلًا متعبًا، فنقول..، أو يحث الناس في صلاة التراويح يقال: من كان متعبًا فليصل وهو قاعدٌ حتى لو لم يكن متعبًا له أن يصلي قاعدًا مع القدرة على القيام، ويكون له نصف أجر القائم.
أما إذا كان عاجزًا فيكون له الأجر كاملًا، إذا كان مريضًا مثلًا، فيكون له الأجر كاملًا.
وسبق أن ذكرنا ضابطًا للعجز عن القيام، ذكرنا هذا في درس سابق فما هو الضابط؟ المشقة التي يفوت بسببها الخشوع لو قام، يعني: لو صلى قائمًا لكان مشغولًا بنفسه، ولم يخشع في صلاته، فهذا يجوز له أن يصلي قاعدًا، لكن نجد بعض الناس يتوسعون في هذا، بعض كبار السن تجده يفتي نفسه بنفسه، يصلي قاعدًا مع قدرته على القيام، وتجده في أمور الدنيا نشيطًا، ربما يحمل الأثقال، ويمشي المسافات الطويلة، لكن إذا أتت الصلاة قال: إنه متعبٌ، وصلى قاعدًا، هذا قد أخل بركن من أركان الصلاة، وهذا من قديم الزمان، ذكرت في قصة الشافعي في درسٍ سابقٍ أن الشافعي رحمه الله قال: رأيت رجلًا قد جاوز التسعين من عمره يعلم الجواري الغناء قائمًا، فإذا أراد أن يصلي صلى جالسًا، هذا من قديم ذكره الشافعي رحمه الله.
وذلك أن الشيطان يُثقِّل الصلاة على الإنسان، لكن يفترض في هذا العامي ألا يفتي نفسه بنفسه، وإنما يسأل أهل العلم حتى يفتوه: هل له أن يصلي قاعدًا أم لا؟
إذنْ النافلة أمرها واسعٌ، سواءً كان قادرًا أو عاجزًا، له أن يصلي قاعدًا.
مداخلة:…؟
الشيخ: تقصد حديث عمران ؟ لا، حمَله العلماء على صلاة النافلة، أما صلاة الفريضة فالقيام مع القدرة ركنٌ؛ لقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وهو قول عامة أهل العلم.
أيهما أفضل طول القيام أم الزيادة في عدد الركعات؟
قال:
وكثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام.
هل الركوع والسجود أو القيام أفضل؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء:
فقال بعضهم: إن القيام أفضل من الركوع والسجود، واستدلوا بحديث جابرٍ أن النبي قال: أفضل الصلاة طول القنوت [16]، رواه مسلمٌ.
القول الثاني: أن السجود أفضل؛ لحديث أبي هريرة أن النبي قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم [17]، وهذا الحديث رواه مسلمٌ.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصَّل في هذه المسألة -كما في “الاختيارات”، وكما نقله عنه ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”- وقال: الصواب: أنهما سواءٌ، وذلك؛ لأن القيام أفضل بذكره، وهو القراءة، والسجود أفضل بهيئته، وكذا الركوع أفضل بهيئته، فاعتدلا، ولهذا؛ كانت صلاة النبي معتدلةً، كان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود بحسب ذلك حتى يتقاربا.
ولعل ما ذكره شيخ الإسلام هو الأقرب والله أعلم: أن القيام أفضل بقراءته، والركوع والسجود بهيئتهما.
لكن الصلاة عمومًا ذكرنا أنها أحب العمل إلى الله ؛ كما جاء ذلك في “الصحيحين” من حديث ابن مسعودٍ ، ولهذا؛ يستحب للإنسان أن يكثر من الصلاة، نقلنا عن الإمام أحمد في درسٍ سابقٍ أن الإمام أحمد كان يصلي لله تعالى تطوعًا من غير الفريضة ثلاثمئة ركعةٍ.
كلما استطاع الإنسان أن يكثر من التنفل بالصلاة كان ذلك أفضل، هي أحب العمل إلى الله ؛ لأنه يجتمع فيها ما لا يجتمع في غيرها؛ يجتمع فيها القراءة، والتسبيح والتحميد والتكبير، والركوع والسجود، ويجتمع فيها أمورٌ لا تجتمع في غيرها؛ ولذلك كانت أحب العمل إلى الله تعالى.
حكم صلاة الضحى
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وتسن صلاة الضحى.
صلاة الضحى: من باب إضافة الشيء إلى وقته، يعني: الصلاة التي تصلى وقت الضحى.
قال المؤلف:
تسن صلاة الضحى غِبًّا.
اختلف العلماء في حكم صلاة الضحى على أقوالٍ:
قال بعضهم: إنها سنةٌ مطلقًا.
وقال آخرون: ليست بسنةٍ.
والقول الثالث: استحباب فعلها غِبًّا كما قال المؤلف: تصلى في بعض الأيام دون بعضٍ، هذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الرابع: أنها تفعل لسببٍ؛ كالنصر، أو القدوم من سفرٍ، ونحوه.
الخامس: أن من كان من عادته قيام الليل فلا تسن له، وإلا فتسن، وهذا اختيار ابن تيمية رحمه الله.
وسبب الخلاف بين العلماء في هذه المسألة: هو الاختلاف في الأحاديث الواردة فيها؛ لأنه قد جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما رأيت رسول الله يصلي سبحة الضحى، وإني لأسبحها” [18].
وأيضًا في “صحيح مسلم” عن عبدالله بن شقيقٍ قال: سألت عائشة: هل كان رسول الله يصلي الضحى؟ قالت: “لا، إلا أن يجيء من مَغِيبه” [19].
وأيضًا في “صحيح مسلمٍ” عنها قالت: “كان رسول الله يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله” [20].
تلاحظ أن بعض الروايات عن عائشة رضي الله عنها فيها اختلافٌ؛ بعضها ينفي، وبعضها يثبت، وأوصى بها النبي بعض الصحابة ، قد أوصى بها أبا هريرة كما في “الصحيحين” [21]، ووصى بها أبا ذرٍّ كما في “مسلمٍ” [22]، وأيضًا جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قيل له: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قيل: فعمر؟ قال: لا، قيل: فأبو بكرٍ؟ قال: لا، قيل: فالنبي ؟ قال: لا إِخَاله” [23]، يعني: لا أظنه.
فنجد إذنْ أن الأحاديث في هذا مختلفةٌ، وقد بسط ابن القيم الكلام فيها في “زاد المعاد”، ولكن الأقرب -والله أعلم- هو أنها سنةٌ مطلقًا، تفعل دائمًا، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ، والشيخ محمد بن عثيمين، رحمهم الله تعالى، والدليل لهذا القول: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن أبي ذرٍّ أن النبي قال: يصبح على كل سُلَامَى من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى [24].
وقوله: يصبح على كل سلامى، السُّلَامَى: معناه: المفصل، والإنسان له كم مفصل؟ ثلاثمئةٍ وستون مفصلًا، وهذه المفاصل إذا أصبح المسلم، فعليه أن يشكر نعمة الله على سلامة مفاصله، وعليه أن يأتي بثلاثمئةٍ وستين صدقةً، على كل سلامى صدقةٌ، معنى ذلك أن المطلوب منه ثلاثمئةٍ وستون، ثم ذكر النبي أنواعًا من الصدقات؛ كل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، أمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ثم قال في آخر الحديث: ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
فدل هذا الحديث على أن صلاة الضحى سنةٌ مطلقًا، وذلك؛ لأن هذه الصدقات مطلوبةٌ من المسلم كل يومٍ، بدليل قوله: يصبح، فمعنى ذلك: أنه إذا أتى بركعتي الضحى فقد أتى بهذه الصدقات المطلوبة منه كل يومٍ.
ولأن النبي أوصى بها أبا هريرة وأبا ذرٍّ رضي الله عنهما، وهي وصيةٌ للأمة جميعًا، ولذلك قال أبو هريرة : “أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعهن حتى أموت” [25].
وأما ما ورد في بعض الأحاديث من عدم مواظبة النبي على فعلها، فكيف نجيب عنه؟
دلالة القول مقدمةٌ على دلالة الفعل.
إذنْ نقول: أما ورد في بعض الأحاديث من عدم مواظبة النبي على فعله، فإن هذا لا ينافي استحبابها؛ لأن استحبابها حاصلٌ بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل؛ ولأن الروايات عن النبي اختلفت؛ ففيها روايةٌ مثبِتةٌ وروايةٌ نافيةٌ، والمثبِت مقدمٌ على النافي؛ لأن المثبت عنده زيادة علمٍ، قد قالت عائشة رضي الله عنها: “كان النبي يصلي الضحى أربعًا” [26].
وبكل حالٍ: السنة تثبت بالقول، ودلالة القول أصرح من دلالة الفعل، ولذلك؛ كان النبي لا يصوم يومًا ويفطر يومًا، مع إخباره بأن أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، لكن هل عدم مواظبة النبي على صيام يومٍ وإفطار يومٍ هل ينفي ذلك سنية صيام يومٍ وإفطار يومٍ؟ لا ينافي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان مشغولًا بقيادة الأمة، كان هو الإمام والحاكم والمفتي، وكل شيءٍ، ولذلك؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يتيسر له أحيانًا أن يصلي الضحى، وقد لا يتيسر له أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، لكن ذلك لا ينافي استحبابها؛ لأن استحبابها ثابتٌ بقوله عليه الصلاة والسلام.
مداخلة: أحسن الله إليك، هل يشرع التسبيح عن المفاصل عوضًا عن الصلاة؟
الشيخ: نعم، من لم يصل صلاة الضحى، نعم يأتي بثلاثمئةٍ وستين صدقةً من التسبيح والتحميد والتهليل.
عدد ركعات صلاة الضحى
قال:
وأقلها ركعتان.
لأن الركعتين هما أقل ما يشرع في الصلوات في غير الوتر؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لمن دخل وهو يخطب يوم الجمعة: قم فصل ركعتين، وتَجَوَّز فيهما [27]، ولو كان شيءٌ يشرع أقل من ركعتين لأمره به؛ من أجل أن يستمع الخطبة، ولهذا؛ أمره أن يتجوز فيهما.
قال:
وأكثرها ثمانٍ.
وهذا هو المذهب عند الحنابلة: أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعاتٍ؛ لما جاء في “الصحيحين” عن أم هانئٍ رضي الله عنها، أن النبي دخل بيته يوم فتح مكة، وصلى ثمان ركعاتٍ، فلم أر صلاةً قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود [28].
قالوا: وهذا أعلى ما ورد في صلاة الضحى، فيكون هذا هو أكثرها.
ولكن الصحيح: أنه لا حد لأكثرها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله، ولم تقيد هذا بعددٍ معينٍ.
كيف نجيب على حديث أم هانئٍ؟ رجحنا أنه لا حد لأكثرها، فكيف نجيب عن الحديث الذي استدل به الحنابلة، وهو حديث أم هانئٍ على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعاتٍ؟
قيل: إن هذه ليست صلاة ضحًى، وإنما صلاة فتحٍ، فاستحب بعض أهل العلم إذا فتح المسلمون بلدًا أن يصلَّى ثمان ركعاتٍ.
إذنْ هذا هو الجواب الأول: نقول: أما حديث أم هانئٍ رضي الله عنها فقيل: إن هذه الصلاة ليست صلاة ضحًى، وإنما صلاة فتحٍ؛ ولهذا يستحب للقائد إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه ثمان ركعات شكرًا لله .
ثم لو سلمنا أنها صلاة ضحًى فهي قضية عينٍ، لا تدل على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعاتٍ، وإنما قضية عينٍ، يعني: وافقت أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى ثمان ركعاتٍ.
إذنْ الخلاصة: الصواب أنه لا حد لأكثرها.
الظاهر: أن صلاة الفتح يصليها القائد، لكن هل يصليها غيره؟ يحتمل أن نقول: يصليها غيره؛ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام في فعلها، فهذا أيضًا على القول بمشروعيتها؛ لأنه لماذا لم يصلها النبي عليه الصلاة والسلام إلا في فتح مكة فقط، لكن يحتمل أن تكون صلاة الفتح هو صلاها شكرًا لله .
وقت صلاة الضحى
قال:
ووقتها من خروج وقت النهي إلى قُبيل الزوال.
وخروج وقت النهي إنما يكون بعد طلوع الشمس وارتفاعها قِيدَ رُمحٍ، وذلك أن الشمس إذا طلعت فإنها تكون ملاصقةً للأفق، ثم ترتفع شيئًا فشيئًا، فإذا ارتفعت قيد رمحٍ المقصود: قيد رمح في نظر الرائي، والرمح قدَّره بعض العلماء بنحو مترٍ، ذكر هذا التقدير الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع”، وارتفاعها قيد رمحٍ حدود عشر دقائق تقريبًا، قدَّرتها من تسع إلى إحدى عشرة دقيقةً، في هذه الحدود، يعني: المتوسط عشر دقائق.
أما قول من قال: ثلث ساعةٍ فهو بعيدٌ، ثلث ساعةٍ تكون ارتفعت كثيرًا الشمس، فالذي يظهر أنه يكفي عشر دقائق، وإذا أردت أن تحسبها بالحساب، تقويم الشروق، انظر كلمة: شروق، وأضف لها عشر دقائق.
إذنْ: يبتدئ من بعد طلوع الشمس بنحو عشر دقائق، يعني: من طلوع الشمس وارتفاعها قِيدَ رمحٍ، إلى قُبيل الزوال، ولم يقل: إلى الزوال، لماذا؟ لأن قبيل الزوال وقت نهيٍ، كأنه يقول: إلى وقت النهي، وقبيل الزوال يعني: حين يقوم قائم الظهيرة، حين تتوسط الشمس في كبد السماء، وذلك يكون قُبيل أذان الظهر بحدود خمس دقائق، وربما تصل إلى سبعٍ، أو إذا أراد أن يحتاط عشر دقائق؛ لأن وقت الظهر الآن يؤذن على وقت النهي؛ ولذلك ينبغي أن يحتاط، التقاويم الآن موجودةٌ على وقت النهي، يعني: في وقت النهي لم تَزُل الشمس بعد، التقاويم وضعت على منتصف النهار، وكان ينبغي أن تؤخر، وقد قدرت الوقت الذي تزول به الشمس بعد منتصف النهار، ووجدته من دقيقتين ونصف إلى ثلاث دقائق، قدَّره الحطاب في “مواهب الجليل” بدقيقتين، وفي هذا القدر تقريبًا من دقيقتين إلى ثلاث دقائق، ولذلك؛ لو أن التقاويم أخرت خمس دقائق لكان هذا أمكن للزوال، ننبه على هذا لأن بعض الناس -خاصةً في المطارات ونحوها- ينتظرون متى يؤذن الظهر ثم يكبرون، ينبغي التأخر قليلًا، حدود ثلاث دقائق، يتحقق من زوال الشمس.
إذنْ هذا كله وقت نهيٍ، فإذنْ يمتد وقت الضحى إلى وقت النهي، إلى قبيل أذان الظهر من خمس إلى عشر دقائق.
قال:
وأفضله إذا اشتد الحر.
لحديث زيد بن أرقم أن النبي قال: صلاة الأوَّابين حين تَرْمَض الفِصَال [29].
ومعنى ترمض -بفتح التاء والميم- يعني: ترمض من الرَّمْضاء، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس، صلاة الأوابين حين تَرمَض الفصال، أي: تبرُك من شدة حر الرمضاء.
والفصال: هي صغار الإبل.
ومعنى ذلك: أن أفضل وقتٍ تصلى فيه صلاة الضحى هو آخر وقتها.
فمعنى ذلك: الوقت في هذه الأيام يؤذن للظهر: الثانية عشرة وثلاث دقائق، يكون أفضل الوقت لصلاة الضحى: الثانية عشرة إلا ربع، مثلًا في هذا الحدود، أو قريبًا من هذا الوقت، والمقصود أن أفضل وقت تصلي صلاة الضحى هو آخر وقتها لهذا الحديث.
مداخلة: المراد: ترمض الفصال أي: أنها تقوم من شدة الحر، أو أنها تبرك من شدة الحر؟
الشيخ: تبرك من شدة الحر؛ لأنه يصيبها حر الرمضاء.
حكم تحية المسجد
قال المؤلف رحمه الله:
وتسن تحية المسجد.
فأفادنا المؤلف أن تحية المسجد مستحبةٌ وليست بواجبةٍ، وهذا هو الذي عليه الجمهور والمذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة؛ لحديث أبي قتادة أن النبي قال: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين [30]، متفقٌ عليه.
وقد جاء في قصة سُلَيكٍ الغطَفاني، أنه لما دخل المسجد ورسول الله يخطب الجمعة، قطع النبي خطبته وقال: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين [31].
واستدل بهذا الظاهرية على وجوب تحية المسجد، قالوا: لأن النبي لا يقطع خطبته إلا لأمرٍ واجبٍ، ولا يقطع خطبته لأمرٍ مستحبٍّ، ولا يخفى ما يترتب على قطع الخطبة من التشويش ونحوه، فلو كانت تحية المسجد مستحبةً لما قطع النبي خطبته، وهذا كما ترون، هذا الاستدلال استدلالٌ قويٌّ؛ ولهذا القول بوجوبها قولٌ قويٌّ، لكن وردت صوارف تصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب؛ ومنها: أن النبي كان يأتي الجمعة ويجلس ولا يأتي بتحية المسجد؛ ولذلك الخطيب الآن عندما يأتي ويدخل الجامع يقصد المنبر ويجلس، يسلم على الناس ويجلس، ولا يأتي بتحية المسجد، لو كانت تحية المسجد واجبةً لأمر بأن يأتي بتحية المسجد قبل أن يصعد المنبر.
هذا صارف من الصوارف التي تصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، لكن مع ذلك يبقى القول الأقرب هو قول الجمهور: أنها مستحبةٌ، لكن تبقى مستحبةً استحبابًا مؤكدًا.
وأما قطع النبي الخطبة؛ فلأنه في مقام المرشد والمعلم للناس، ولذلك؛ قطع خطبته لما أتاه الأعرابي الذي يسأل عن دينه، وأتى بكرسيٍّ وجعل يعلمه، فقطعه لأجل الإرشاد، ولا يدل على وجوب تحية المسجد، لكنه استحبها استحبابًا مؤكدًا، هذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة.
أما حديث: أما أحدهم فجلس فأوى إلى الله، والثالث استحيى فاستحى الله منه، وأحدهم أعرض فأعرض الله عنه [32]، هذا ليس صريحًا، يحتمل أنه أتى بتحية المسجد وجلس.
مداخلة:…
وكذلك هذا، ورد: اجلس فقد آذيت [33].
الخطيب في الخطبة في مقام الموجه والمرشد للناس إذا لاحظ شيئًا على الناس فيوضح ويبين ويرشد.
سنة الوضوء
قال المؤلف رحمه الله:
وسنة الوضوء.
أي: تسن سنة الوضوء، وذلك لما جاء في “الصحيحين” من حديث عثمان أنه توضأ، ثم قال: رأيت النبي توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه [34]، وهذا دليلٌ على استحباب ركعتي الوضوء.
وأيضًا جاء في “الصحيحين” أن النبي قال لبلالٍ : يا بلال، إني سمعت دَفَّ نعليك في الجنة، فأخبِرني بأرجَى عملٍ عملته في الإسلام؟ قال: أرجى عملٍ عملته في الإسلام، أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليلٍ أو نهارٍ إلا صليت بهذا الطهور ما كتب الله لي [35]، فهذا دليلٌ على استحباب سنة الوضوء عمومًا، لا تتقيد بركعتين، لكن إذا أراد أن يصلي مثنى مثنى ركعتين ركعتين، إلا في أوقات النهي.
هل تصلى سنة الوضوء في أوقات النهي؟ هذا محل خلافٍ بين العلماء؛ ولعلنا نأتي لها -إن شاء الله- في الدرس القادم عندما نتكلم عن أحكام أوقات النهي.
في حديث بلالٍ قال: “أرجى عمل عملته”، دليلٌ على أن الإنسان إذا استحسن شيئًا من أعماله فيرجى أن يعطَى على ما ظن، أنا عند ظن عبدي بي [36]، هذا ذكره بعض الشراح، يعني: بلال يقول: هذا أرجى عمل عملته في الإسلام، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الفهم، فهذا دليلٌ على أن الإنسان إذا استحسن شيئًا من أعماله الصالحة ورجا أن الله يثيبه، فإن الله تعالى عند ظن عبده به، هكذا أيضًا إذا ظننت أن الله يستجيب الدعاء، هذا من أقوى وأعظم أسباب الإجابة، إذا ظن الإنسان أن الله لن يستجيب، هذا من أعظم أسباب عدم الإجابة: أنا عند ظن عبدي بي.
إحياء ما بين العشاءين
قال:
وإحياء ما بين العشاءين، وهو من قيام الليل.
وردت عدة أحاديث في الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء؛ ومنها:
ما رواه النسائي عن حذيفة قال: “أتيت النبي وصليت معه المغرب، فصلى إلى العشاء” [37]، وهذا الحديث رواه النسائي، وقال المنذري: إسناده جيدٌ، وصححه كذلك الألباني، وذكر له طرقًا في الإرواء.
ورد أيضًا في حديثٍ عند ابن ماجه: أن النبي قال: من صلى بعد المغرب ست ركعاتٍ لم يتكلم بينهن بشيءٍ عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنةً [38]، ويُسميها بعض العامة بالمُؤنسات الستّ، لكن هذا الحديث ضعيفٌ ضعفًا شديدًا، لا يصح.
ورُوي عن بعض الصحابة أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء؛ روي عن ابن مسعودٍ، وابن عمر، وسلمان الفارسي ، ولذلك؛ نص فقهاء الحنابلة، وكذلك الحنفية والمالكية والشافعية، على استحباب الصلاة ما بين المغرب والعشاء، الحنابلة يعتبرونها من قيام الليل؛ لأن الليل من المغرب إلى طلوع الفجر.
وجاء تسميتها بصلاة الأوابين، قد جاء في الحديث السابق: من صلى ست ركعاتٍ بين المغرب والعشاء كتبت له عبادة ثنتي عشرة سنةً.
جاء تسميتها بالأوَّابين، لكن هذا الحديث ضعيفٌ، والصواب أن صلاة الأوابين -كما مر معنا- هي صلاة الضحى في آخر وقتها.
لكن هذه الأحاديث المروية في هذا، لم يثبت منها شيءٌ إلا حديث حذيفة، وحديث حذيفة -على تقدير ثبوته- فهو يدل على أن النبي صلى ما بين المغرب والعشاء في بعض المرات، وليس بصفةٍ مستمرةٍ، والقول بأنها سنةٌ تفعل دائمًا يحتاج إلى دليلٍ ظاهرٍ، لكن لو أن الإنسان نشط فأراد أن يخصص ما بين المغرب والعشاء في صلاةٍ، يصلي مثنى مثنى إلى أن يؤذن للعشاء، كان ذلك حسنًا.
أما أن يصلي ست ركعاتٍ، فالحديث المروي في ذلك ضعيفٌ، وكونه يحافظ عليها ويداوم عليها يحتاج إلى دليلٍ، ولذلك؛ القول بأنها بدعةٌ ليس ببعيدٍ؛ لأن السنن لا تبنى إلا على أدلةٍ ثابتةٍ وصحيحةٍ، حديث ابن ماجه قلنا: ضعيفٌ جدًّا لا يثبت، ولا يصح أن يبنى عليه حكمٌ، لكن ما بين المغرب والعشاء، لو أراد أن يصليه مثنى مثنى، ليس على أنها سنةٌ تُفعل دائمًا، لكن أحيانًا، فلا بأس بذلك، كما جاء في حديث حذيفة .
أما أن يقال: إن هناك سنةً تُفعل دائمًا بين المغرب والعشاء، فلم يثبت في هذا شيءٌ.
هذا حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.
مداخلة:…؟
الشيخ: سؤالٌ جيدٌ: يقول: في الدرس السابق: مر معنا حديث ابن عمر أن النبي كان يصلي ركعتين بعد المغرب في بيته، وأن الإمام أحمد سُئل: إذا لم يتيسر للإنسان أن يصلي سنة المغرب في بيته، فهل يجزئ أن يصليها في المسجد؟ قال: ما أدري، هذا دليلٌ على تأكد فعل سنة المغرب في البيت، لكن حديث حذيفة يظهر أنه فعلها النبي عليه الصلاة والسلام أحيانًا بصفةٍ عارضةٍ، لكن الغالب أنه كان يصليها في بيته، وكما قلنا: من يُثبِت يقدَّم قوله على النافي، هذا إنْ ثبت، على أن من العلماء من ضعف حديث حذيفة، وعلى تقدير ثبوته يحمل على أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك بصفةٍ عارضةٍ.
مداخلة: هل هي من قيام الليل؟
الشيخ: عند الحنابلة يعتبرونها من قيام الليل، يقولون: الليل يبدأ من غروب الشمس، يعتبر هذا من قيام الليل، وصلاة الليل بابها واسعٌ، لو قال من صلاة الليل لربما يصح هذا، لكن اعتبارها من قيام الليل محل نظرٍ، وإنما تعتبر من صلاة التطوع.
ثم بعد ذلك تكلم المؤلف عن أحكام سجود التلاوة، الكلام عنها طويلٌ، الكلام عن سجود التلاوة والشكر، والوقت الآن متأخرٌ، لعلنا إذن نرجئ الحديث عن أحكام سجود التلاوة وأوقات النهي أيضًا للدرس القادم.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 1163. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 472، ومسلم: 749. |
^3 | رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758. |
^4 | رواه البخاري: 1131، ومسلم: 1159. |
^5 | رواه البخاري: 1133، ومسلم: 742. |
^6 | رواه الترمذي: 3549، والحاكم: 1156، وابن خزيمة: 1135، والطبراني: 6154، والبيهقي: 4317. |
^7 | رواه مسلم: 768. |
^8 | رواه مسلم: 767. |
^9 | رواه النسائي: 1787، وابن ماجه: 1344. |
^10 | رواه أبو داود: 1314، والنسائي: 1784. |
^11 | رواه أبو داود: 1295، والترمذي: 597، والنسائي: 1666، وابن ماجه: 1322، وأحمد: 4791. |
^12 | رواه مسلم: 752. |
^13 | رواه البخاري: 1115. |
^14 | رواه مسلم: 735. |
^15 | رواه البخاري: 2996. |
^16 | رواه مسلم: 756. |
^17 | رواه مسلم: 479. |
^18 | رواه البخاري: 1128، ومسلم: 718. |
^19 | رواه مسلم: 717. |
^20, ^26 | رواه مسلم: 719. |
^21, ^25 | رواه البخاري: 1178، ومسلم: 721. |
^22, ^24 | رواه مسلم: 720. |
^23 | رواه البخاري: 1175. |
^27 | رواه مسلم: 875. |
^28 | رواه البخاري: 1176، ومسلم: 336. |
^29 | رواه مسلم: 748. |
^30 | رواه البخاري: 444، ومسلم: 714. |
^31 | سبق تخريجه. |
^32 | رواه البخاري: 66، ومسلم: 2176. |
^33 | رواه أبو داود: 1118، والنسائي: 1399، وابن ماجه: 1115، وأحمد: 17674. |
^34 | رواه البخاري: 159، ومسلم: 226. |
^35 | رواه البخاري: 1149، ومسلم: 2458. |
^36 | رواه البخاري: 7405، ومسلم: 2675. |
^37 | رواه النسائي: 379. |
^38 | رواه الترمذي: 435، وابن ماجه: 1167. |