الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(16) كتاب الصلاة- من قوله: “وأركان الصلاة أربعة عشر..”
|categories

(16) كتاب الصلاة- من قوله: “وأركان الصلاة أربعة عشر..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

يعني: له منهج خاص بهذا، يعني: أورد أذكار الصلاة، ثم واجباتها، ثم سننها، ولم يذكر صفتها، بل ذكر الصفة في ثنايا كلامه عن الأركان والواجبات والسنن، وهذا يستدعي منا أن نتوسع، وأن نفصل عندما نتحدث عن هذه الأركان والواجبات والسنن.

سبق أن ذكرنا الفرق بين الركن والشرط: فما هو الفرق بين الركن والشرط؟

الركن: يكون في صلب العبادة، بينما الشرط: يكون قبلها ويستمر معها.

وبعض الفقهاء يخلطون بين الأركان وبين الشروط، ذكر هذا الدميري في النجم الوهاج، قال: التمييز بين الشروط والأركان قد يكون صعبًا في بعض الأحيان، مثل القيام مع القدرة يشترطونه أن يكون قبل الصلاة وفي أثناء الصلاة؛ ولذلك أورده ركنًا، وبعضهم اعترض قال: هذا يفترض أن يكون شرطًا، على كل حال: لا مشاحة في الاصطلاح الأمر سهل.

أركان الصلاة:

قال:

وأركان الصلاة أربعة عشر.

ثم ساقها المصنف، فقال:

لا تسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا.

الفرق بين الركن والواجب

الركن: لا يسقط عمدًا ولا سهوًا بخلاف الواجب، فإن الواجب يسقط سهوًا، لكن يجبر بسجود السهو، وقد يسقط سهوًا من دون سجود السهو، مثل: لو نسي سجود السهو، لو ترك التشهد الأول، ونسي سجود السهو، وكان الفاصل طويلًا الصلاة صحيحة.

فإذًا: هذا هو الفرق بين الركن وبين الواجب.

وكذلك أيضًا ولا جهلًا، أركان الصلاة لا تسقط حتى بالجهل، سبق أن ذكرنا قاعدة فيما سبق: أن ما كان من باب ترك المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان.

الركن الأول: القيام في الفرض على القادر

ابتدأ المؤلف بالأول فقال:

أحدها: القيام في الفرض على القادر منتصبًا.

وبعضهم يعبر: القيام مع القدرة، وهذا الركن إنما هو ركن في صلاة الفريضة فقط، وأما في صلاة النافلة فليس ركنًا، وإنما هو مستحب؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يصلي الوتر جالسًا أحيانًا، كان في السفر يصلي ويتنفل وهو جالس.

وأيضًا قال عليه الصلاة والسلام: إن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم، والحديث في الصحيح [1].

وهذا في صلاة النافلة.

طيب، لو كان رجل متعب صلى الفريضة، وأراد أن يأتي بالسنة الراتبة وهو جالس، يصح فهذا يصح.

إذًا القيام إنما هو ركن في صلاة الفريضة، والدليل لهذا قول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

ولحديث عمران بن حصين  أن النبي  قال: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا [2].

صفة القيام المطلوب في الصلاة

قال: “منتصبًا” يعني: لا بد أن يكون في القيام منتصبًا، فلا يكون منحنيًا.

طيب، إذا وقف منحنيًا، ما الحكم؟

قال: “فإن وقف منحنيًا أو مائلًا بحيث لا يسمى قائمًا لغير عذر لم تصح”.

وقف منحنيًا أو مائلًا: إذا كان هذا الانحناء يسيرًا، أو الميلان يسيرًا، فإنه لا يضر، وهذا هو الذي يفهم من عبارة المؤلف رحمه الله، فإن بعض الناس قد يكون مائلًا أثناء الصلاة، يمينًا أو يسارًا، هذا الميلان أو هذا الانحناء لا يضر.

إنما الانحناء والميلان الذي يضر هو الذي يكون بحيث لا يسمى معه قائمًا، فهذا لا تصح معه الصلاة إذا كان لغير عذر، أما إذا كان لعذر كأن يكون مريضًا فلا حرج؛ لأنه إذا كان لعذر يجوز أن يصلي قاعدًا، كذلك أيضًا يجوز أن يصلي قائمًا منحنيًا، قال:

ولا يضر خفض رأسه.

هو السنة خفض الرأس والنظر إلى موضع السجود، هذه هي السنة في هذا، لكن بعض الناس ربما يبالغ في خفض الرأس، كأن المؤلف يشير إلى هذا الذي يبالغ في خفض الرأس، فمثل هذا لا يضر، قال:

وكره قيامه على رجل واحدة لغير عذر.

يعني: لو أنه قام منتصبًا لكن على رجل واحدة، إذا كان ذلك لعذر فلا حرج.

أما إذا كان ذلك لغير عذر، فإن ذلك مكروه لما فيه من العبث والهيئة المنافية للخشوع في الصلاة.

الركن الثاني: تكبيرة الإحرام

قال:

الثاني: تكبيرة الإحرام، وهي: الله أكبر.

ويعبر عنها بعضهم بقوله: التحريمة. إذا قالوا: التحريمة؛ المقصود بها تكبيرة الإحرام.

والدليل لهذا حديث المسيء صلاته فيه أن النبي قال: إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة وكبر [3]؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: تحريمها التكبير [4] أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه.

فإذًا: هي ركن من أركان الصلاة، لا يجزئه غيرها، يعني: لو أتى بلفظ آخر كأن يقول: الجليل أكبر، أو الرب أكبر، أو الرحمن أكبر، لا يجزئه، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، ومن الفقهاء كالحنفية من رخص في هذا، لكن الصحيح أنه لا يجزئه غير هذه اللفظة؛ لأنه لم ينقل عن النبي قط لا في حديث صحيح ولا في ضعيف أنه أتى بلفظ غير هذا اللفظ، والعبادات مبناها على التوقيف.

حكم التكبير للإحرام حال الركوع

قال:

يقولها قائمًا، فإن ابتدأها أو أتمها غير قائمٍ صحت نفلًا.

يعني: يقول: التكبير الله أكبر وهو قائم، فإن قال: الله أكبر ابتدأها أو أتمها غير قائم، يعني: وهو راكع، فإن الصلاة لا تنعقد فرضًا، وهذا يحصل من بعض المسبوقين يأتي ويكبر وهو راكع، فعلى كلام المؤلف لا تصح صلاته، لا بد أن يكبر وهو قائم، ثم يكبر للركوع تكبيرًا آخر.

هذا هو الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

وقد ساق الموفق ابن قدامة الخلاف في المسألة، وذكر هذا القول: إنه للمذهب، ثم ذكر قولًا آخر، وهو: أنه لا تنعقد الفريضة، ولا النافلة، ولم يذكر قولًا غير هذين القولين، مع أن الموفق يعتني بذكر الأقوال حتى الأقوال أحيانًا الضعيفة.

وأيضًا المرداوي في الإنصاف أيضًا ساق هذين القولين، ولم يذكر قولًا بالصحة.

وهذه المسألة حقيقة فيها إشكال؛ لأنها تحصل من بعض العامة خاصة المسبوقين يكبر وهو راكع، لكنني وجدت قولًا عند المالكية أن الصلاة تصح، وقد ذكر هذا القول القرافي في الذخيرة، وذكره غيره من المالكية قالوا: إن صلاته تصح في هذه الحال. فالحمد لله المسألة ليست محل إجماع، لو كانت إجماعًا هذا يشكل على صلاة بعض الناس وخاصة المسبوقين.

طيب، من قال بعدم الصحة وهم الحنابلة عللوا لذلك قالوا: بأن القيام في الفريضة ركن، بخلاف النافلة، فمن كبر تكبيرة الإحرام، وهو غير قائم هو كمن كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول وقتها، فكما أنه لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت ولو بدقيقة لا تنعقد صلاته، ولا تصح، فكذلك إذا كبر تكبيرة الإحرام وهو غير قائم، فإنها لا تصح.

وأما أصحاب القول الثاني الذين قالوا بالصحة فقالوا: ليس هناك دليل ظاهر، يدل على اشتراط القيام لتكبيرة الإحرام، وإنما الذي دلت عليه الأدلة أن القيام ركن في الركعة، وفي صلاة الفريضة، ولكن ليس هناك دليل يدل على هذا الشرط الذي ذكروه، وحينئذٍ لو أتى بتكبيرة الإحرام راكعًا، فليس هناك دليل يدل على بطلان الصلاة، والأصل في الصلاة الصحة.

وهذا القول الثاني لعله هو الأقرب والله أعلم؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر لهذه المسألة، وإنما كما سمعتم مبناها على التعليل والنظر، والقياس على شرط دخول الوقت قياس لا يستقيم؛ لأن دخول الوقت من الشروط، بينما القيام من الأركان، قياس أحدهما مع الآخر قياس مع الفارق؛ ولهذا فالأظهر -والله أعلم- هو القول الثاني وهو أن الصلاة تصح.

لكن مع ذلك ينبغي أن يشهر هذا القول وينبه الناس عليه: أن هناك من العلماء من يرى أن الصلاة لا تصح، فهذا ينبغي للإنسان أن يكبر وهو قائم لا يوقع نفسه في الحرج، وأن ينبه الناس أنه إذا كبر وهو راكع فصلاته غير صحيحة عند كثير من العلماء.

مداخلة:

نعم صحيح النبي عليه الصلاة والسلام لم يكبر إلا وهو قائم، لكن ما الدليل على أن لو كبر غير قائم أن صلاته لا تصح؟ ما في دليل ظاهر، القول بالبطلان يستلزم التأثيم، يترتب عليه أمور كثيرة..

والظاهر أنه لا يوجد دليل على أنه إذا كبر وهو راكع أن الصلاة لا تصح، والقول بالبطلان يستلزم التأثيم، ويترتب عليه أمور كثيرة.

ثم أيضًا هناك دليل يستأنس به؛ لما ركع أبو بكرة دون الصف قال النبي : زادك الله حرصًا ولا تعد [5]، ولم يستفصل منه النبي عليه الصلاة والسلام هل كبر وهو قائم، أو كبر وهو راكع؛ لأن الأمرين محتملان، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقام، هذا أيضًا مما يستأنس به لهذه المسألة.

الضابط في المشقة التي يجوز معها ترك القيام

الضابط في المشقة التي يجوز معها ترك القيام هو: فوات الخشوع، لو كان إذا صلى قائمًا فات بسبب القيام الخشوع فله أن يصلي جالسًا.

أما إذا كان لا يفوت بسببه الخشوع يستطيع أن يأتي الصلاة بخشوع فلا بد أن يصلي قائمًا، والتساهل بالقيام موجود من قديم الزمان، وقد ذكرت في درس سابق مقولة الإمام الشافعي يقول: “رأيتُ رجلًا بلغ التسعين من عمره يعلم الجواري الغناء وهو قائم، فإذا أتى للصلاة صلى جالسًا”، فهذا موجود من قديم الزمان، تجد بعض كبار السن في أمور الدنيا ما شاء الله نشيط يحمل أشياء ثقيلة، ويذهب ويأتي إلى أن تأتي الصلاة صلى وهو جالس.

الأفضل: لا شك أنك تكبر تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، لكن المسألة خلافية، الصحيح أنها تكفي تكبيرة واحدة، لكن ينوي بها تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الإحرام والركوع، لكن لو نوى بها الركوع فقط ما تصح صلاته؛ لأنه ترك ركنًا، قال:

حكم اللحن في تكبيرة الإحرام

وتنعقد إن مدّ اللام لا إن مد همزة الله، أو همزة أكبر، أو قال: أكبار أو الأكبر.

مراد المؤلف بهذه العبارة أنه إذا لحن في تكبيرة الإحرام لحنًا يحيل المعنى، فإنها لا تنعقد صلاته، وأما إذا لحن لحنًا لا يحيل المعنى فصلاته صحيحة، ومثل المؤلف لهذا:

أما اللحن المحيل للمعنى: أن يمد همزة الله يقول: آلله أكبر؛ تكون كأنها استفهام، أو همزة أكبر آكبر، أو الباء أكبار، أو الأكبر؛ فهذه تحيل المعنى لا تنعقد معها الصلاة.

لكن لو كان اللحن لا يحيل المعنى، ومثل له المؤلف بقوله: “إن مد اللام الله أكبر” هنا تنعقد مع أن هذا يعتبر لحنًا، لكن الصلاة صحيحة، هذا يحصل من بعض الأئمة عندما يكبر تكبيرة الإحرام يمدها الله أكبر هذا لحن، يفترض أن يقول: الله أكبر مباشرة من غير مد.

حتى في الأذان المد في الله من البداية يعتبروه أيضًا لحنًا، إلا إذا كان في آخر الجملة: لا إله إلا الله هنا قالوا: إنه لا بأس بالمد، لكن في أول الجملة الله أكبر يعتبر لحنًا، لكن لا يضر مثل هذا.

على كل حال: سيأتينا الكلام على المدود والتشديدات عند الكلام عن تشديدات الفاتحة سنقف معها وقفة، يعني: هل يوافق أهل التجويد في مثل هذا أو لا يوافقون؟ هل هذه عليها أدلة أم لا؟ سيأتي الكلام عنها بعد قليل عندما نتكلم عن تشديدات الفاتحة.

إذًا الخلاصة: أنه إذا لحن لحنًا محيلًا للمعنى، فإن الصلاة لا تنعقد، أما إذا كان لحنًا لا يحيل المعنى، فإن الصلاة صحيحة.

حكم الجهر بتكبيرة الإحرام

قال:

وجهره بها وبكل ركن وواجب بقدر ما يسمع نفسه فرضٌ.

الجهر: يعني: لا بد من الجهر بتكبيرة الإحرام، وهكذا الجهر بجميع الأركان والواجبات، وأفادنا المؤلف بضابط للجهر: ما هو الضابط؟ بقدر ما يُسمع نفسه.

وظاهر كلام المؤلف سواءً كان إمامًا في الصلاة السرية أو منفردًا أو مأمومًا، أو حتى إمام الصلاة الجهرية في غير ما يجهر به، وهذا هو المذهب عند الحنابلة أنه لا بد من أن يجهر جهرًا بقدر ما يسمع نفسه.

وجهة الحنابلة في هذا قال الموفق ابن قدامة في بيان الوجهة: لأنه إذا كان لا يُسمع نفسه لا يسمى كلامًا، إذا كان لا يجهر جهرًا يسمع نفسه لا يسمى كلامًا.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يشترط ذلك، لا يشترط أن يجهر جهرًا يسمع نفسه أو بقدر ما يسمع نفسه، وإنما يكتفى بالإتيان بالحروف، وإن لم يسمعها، سواءٌ في الأركان، أو في الواجبات، أو في تكبيرة الإحرام، وهذا القول الثاني هو قول عند الحنابلة، وهو وجه في المذهب، وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن الإسماع أمرٌ زائدٌ على القول والنطق، وعلى من اشترط الإسماع الدليل، ولا دليل يدل لذلك، وما ذكروه من أنه لا يحصل لا يسمى كلامًا بدون الإسماع لا يسلَّم، هذا غير صحيح، بل يسمى كلامًا، ويؤاخذ الإنسان به، ويؤجر عليه، ويثاب عليه، ويقال: إنه لغة وعرفًا قد تلفظ به.

ولهذا قال المرداوي في الإنصاف عن هذا القول: والنفس تميل إليه، ولعله القول الراجح، والله أعلم.

وابن مفلح وهو من تلاميذ شيخ الإسلام، بل من أبرز تلاميذه، وقال ابن القيم: إنه أعلم الناس باختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن ابن مفلح صاحب الفروع غير ابن مفلح صاحب المبدع، انتبه، صاحب المبدع برهان الدين ابن مفلح، وهو من فقهاء الحنابلة، لكنه متأخر عن شمس الدين ابن مفلح، الذي هو من تلاميذ ابن تيمية.

قال شمس الدين ابن المفلح في الفروع: ويتوجه مثله في كل ما يتعلق بالنطق كطلاق وغيره، وعلق المرداوي على ذلك قال: قلت: وهو الصواب.

ما معنى هذا الكلام؟ هل لا بد أن يُسمع نفسه، أو أنه اشترط النطق بالحروف ولو لم يُسمع نفسه؟ قولان للعلماء:

القول الصحيح: أنه لا يشترط أن يُسمع نفسه، وإنما يكتفى بالنطق بالحروف، وإن لم يسمع نفسه، وقلنا: هذا اختيار شيخ الإسلام، وكذلك أيضًا قلنا: مال إليه المرداوي، وكذلك ابن مفلح، والشيخ محمد بن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع، وهذا هو الصواب، وذكرنا وجهته.

وابن مفلح يعلق على هذا قال: يتوجه مثله في كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق، فلو أنه قال: لزوجته أنت طالق تكلم لكن لم يُسمع نفسه، فبناءً على هذا القول يقع الطلاق، لكن بناءً على القول الأول لا يقع، فالمسألة يتفرع منها مسائل كثيرة، ولا شك أن القول بأنه لا بد أن يسمع نفسه فيه حرج خاصة بالنسبة للمأموم، والمأموم إذا رفع صوته بقدر ما يسمع نفسه ربما يشوش على من حوله من المأمومين؛ ولهذا فالقول الثاني هو الصواب في المسألة.

لكن أنبه هنا على مسألة: وهي أن بعض الناس حتى النطق بالحروف لا يأتي به، يعني: تجد أنه يقرأ قراءة صامتة، لكنه لا يحرك لسانه لا ينطق بالحروف، فهذا لا تصح صلاته، وهذا يا إخوان، ترد فيه أسئلة من بعض الناس، حتى تجد بعض الناس عندما يقرأ المصحف يأخذ المصحف وهكذا تجده ما يحرك حتى شفتيه، ولا يحرك لسانه، هذا في الحقيقة تفكر وتأمل ليس قراءة، تفكر هذا، ليس قراءة فانتبهوا لهذه المسألة.

ولهذا ورد سؤال للجنة الدائمة: أن رجلًا كان في فمه نخامة، وأنه لم ينطق بالحروف بقراءة الفاتحة، وإنما قرأها في نفسه فأفتي بأنه لا تصح صلاته؛ لأنه ترك ركنًا من أركان الصلاة، فانتبهوا لهذه المسألة، هذه تشتبه على بعض العامة، فلا بد من النطق بالحروف.

ولهذا لو أنه طلق زوجته في نفسه، ولم ينطق ما يقع الطلاق بالإجماع، لا بد من النطق بالحروف.

على المذهب: يرفع صوته بقدر ما يُسمع نفسه.

عبارة ابن مفلح قال: ويتوجه مثله في كل ما يتعلق بالنطق كطلاق وغيره.

إذًا يكون الصواب بخلاف ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

الركن الثالث: قراءة الفاتحة مرتبة

الثالث من أركان الصلاة: قال:

الثالث قراءة الفاتحة مرتبةً.

قراءة الفاتحة بالنسبة للإمام والمنفرد فهي ركن من أركان الصلاة، لقول النبي : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب [6] متفق عليه، وهي ركن في كل ركعة، هذا بالنسبة للإمام والمنفرد، والسنة في هذا ظاهرة.

حكم قراء الفاتحة للمأموم

أما بالنسبة للمأموم فقد اختلف العلماء في حكم قراء الفاتحة للمأموم على ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: أنه لا قراءة على المأموم في الصلاة السرية ولا في الجهرية، ولكن يستحب له أن يقرأ في السرية، وفي سكتات الإمام في الجهرية، وهذا هو مذهب المالكية.
  • القول الثاني: أنه لا تجب القراءة على المأموم في الصلاة الجهرية، وتجب في الصلاة السرية، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول كثير من العلماء: أنه لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية إذا كان يسمع الإمام، وتجب في الصلاة السرية، وقد نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لجمهور السلف والخلف.
  • القول الثالث: أنها تحرم القراءة على المأموم في الصلاة الجهرية، وهو مذهب الحنفية.
  • القول الرابع: أنها تجب مطلقًا في الصلاة السرية والجهرية وهو مذهب الشافعية.

وهذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إن الاحتياط فيها لا يمكن، يعني: لا يتأتى الاحتياط في هذه المسألة، ولا بد من الترجيح.

عبارة شيخ الإسلام رحمه الله قال: لا سبيل إلى الاحتياط في الخروج من الخلاف في هذه المسألة؛ لماذا؟ لأنها أقوال متقابلة: قول بأنه يحرم، وقول بأنه يجب، فكيف يكون الاحتياط، فيقول: إنه لا سبيل للاحتياط.

وقال: من المسائل مسائل لا يمكن أن يعمل فيها بقول يجمع عليه، ولكن -ولله الحمد- القول الصحيح عليه دلائل شرعية تبين الحق، ورجح شيخ الإسلام، بل نصر قول الإمام أحمد: أنه لا تجب القراءة على المأموم في الصلاة الجهرية إذا كان يسمع الإمام، وتجب عليه في الصلاة السرية، وهذا هو القول الأقرب، والله أعلم.

من أوجب القراءة على الإمام في الصلاة السرية والجهرية هم الشافعية، فاستدلوا بحديث: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا: نعم يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها [7]، وهذا الحديث من جهة الإسناد رواه أبو داود وأحمد بسند حسن أو صحيح، لكن قد ورد ما ينسخه وهو حديث أن النبي انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، جاء في بعض الروايات: أنها صلاة الصبح، فقال: هل قرأ معي منكم أحدٌ آنفًا؟ قال رجل: نعم يا رسول الله أنا، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن قال أبو هريرة: فانتهى الناس عن القراءة [8] دليل على أنهم كانوا في السابق يقرؤون، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله فيما جهر فيه رسول الله بالقراءة حين سمعوا ذلك، وقرؤوا في أنفسهم سرًا فيما لا يجهر فيه الإمام.

هذا الحديث رواه الإمام مالك، وحسنه الترمذي، وصححه أبو حاتم الرازي، وابن حبان، وابن القيم. فهذا فيه إشارة إلى النسخ.

أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا [9].

ذكر شيخ الإسلام دلائل كثيرة لهذا القول منها: الآية الكريمة: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

قال: وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، ونقل الإمام أحمد الإجماع على أنها نزلت في الصلاة.

أيضًا يقول: الاستماع مأمور به دون قراءة الفاتحة فيما زاد على الفاتحة، والآية أمرت بالإنصات إذا قرئ القرآن، والفاتحة هي أم القرآن، وهي التي لا بد من قراءتها في كل صلاة، فيمتنع أن يكون المراد بالآية الاستماع إلى غير الفاتحة، وعدم الاستماع للفاتحة، فهمتم وجه الاستدلال؟

يقول: إن الآية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ [الأعراف:204] نزلت في الصلاة. طيب ما المقصود: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا؟ هل المقصود قراءة سورة بعد الفاتحة؟ يقول شيخ الإسلام: إن الفاتحة هي أم القرآن يمتنع أن يكون مقصود استمعوا لما يقرأ من غير الفاتحة، وأما قراءة الفاتحة، فإنه لا يجب عليكم أن تستمعوا وتنصتوا لقراءتها.

قال: يمتنع أن يكون المراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها مع إطلاق لفظ الآية وعمومها.

ثم أيضًا استدل بحديث: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة [10]، وهذا الحديث مرسل، ومعلوم أن المرسل من أقسام الضعيف.

لكن يقول شيخ الإسلام: إن هذا الحديث روي مرسلًا ومسندًا، وأكثر الأئمة الثقات رووه مرسلًا، وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومُرْسِلُه من أكابر التابعين، مثل هذا مرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة.

وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل.

ثم ذكر أيضًا: أن الإنصات إلى قراءة القارئ من تمام الائتمام، فإن من قرأ على قوم لا يستمعون قراءته لم يكونوا مؤتمين به، كيف يقرأ الإمام على أناس لا يستمعون قراءته؟ هو يقرأ وهم يقرؤون.

قال: وهذا مما يبين حكمة سقوط القراءة على المأموم، فإن متابعته لإمامه مقدمة على غيرها حتى في الأفعال، فإذ أدركه ساجدًا سجد، وإذا أدركه في الوتر من صلاته تشهد عقب الوتر، وهذا لو فعله منفردًا لم يجز، فهذا يدل على أن الائتمام يجب به ما لا يجب على المنفرد، ويسقط به ما يجب على المنفرد، ثم ذكر حديث: ما لي أنازع القرآن [11]، وذكر أيضًا أدلة أخرى في هذا.

قال: لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين:

إما أن يقرأ مع الإمام.

وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ، ولم نعلم نزاعًا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم للفاتحة، ولا غيرها، وقراءته معهم منهي عنها بالكتاب والسنة، فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر.

وأيضًا قال: لو كان الصحابة يقرؤون الفاتحة خلف النبي في السكتة الأولى وفي الثانية لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم ينقل هذا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرؤون الفاتحة، مع أن ذلك لو كان مشروعًا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله، فعلم أنه بدعة، وذكر أدلة أخرى وكلامه طويل؛ ولذلك آثرنا ألا نقرأه؛ لأنه ربما يأخذ منا وقتًا، لكن أحيلكم على المرجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (23/ 265) وما بعد هذا، أطال الشيخ رحمه الله في هذه المسألة، ونصر القول: أنه لا تجب القراءة على المأموم في الصلاة الجهرية إذا كان يسمع قراءة الإمام، وتجب عليه في الصلاة السرية.

هذا هو القول الراجح والله أعلم، وهو الذي يتفق أيضًا مع الأصول والقواعد الشرعية، وأيضًا المأموم عندما ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة يقول: آمين، وهو يشترك مع الإمام في قراءة الفاتحة، فإن المؤمِّن على الدعاء كالداعي؛ ولهذا قال الله تعالى لموسى وهارون: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] مع أن الداعي كان موسى، وهارون أمّن على دعائه، ومع ذلك قال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا.

فالقول الراجح والله أعلم: أن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية إذا كان يسمع قراءة الإمام، أما لو كان لا يسمع قراءة الإمام فيجب عليه أن يقرأ، هذا باختصار ملخص الكلام في هذه المسألة، وإلا الكلام عنها طويل جدًّا.

قوله عليه الصلاة والسلام: ما لي أنازع القرآن ظاهر سياق القصة: أن هذا الصحابي قرأ الفاتحة، ما كان الصحابة يقرؤون غير الفاتحة.

يظهر أنه في أول الأمر كانوا يقرؤون، ثم بعد ذلك لما نهاهم النبي عليه الصلاة والسلام انتهى الناس كما قال أبو هريرة.

الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يقول: لولا حديث: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم لقلت بقول الحنابلة في هذا، واختيار شيخ الإسلام.

لكن هذا الحديث كما قلنا: أولًا: إن من العلماء من ضعفه، وليس في الصحيحين.

ثانيًا: على تقدير صحته كما قلنا هو منسوخ بحديث: ما لي أنازع القرآن وقوله: “فانتهى الناس” دليل على النسخ.

وكما قال الشيخ رحمه الله: لو كان يجب على المأموم القراءة لاشتهر هذا، وانتشر، وهذا مما توافر الدواعي على نقله، ولكان يجب على الإمام أن يسكت حتى يقرأ الناس، وبالإجماع أنه لا يجب على الإمام أن يسكت، بل حتى لا يشرع له أن يسكت بعد الفاتحة، وإنما يقرأ مباشرة السورة التي بعدها.

إذًا الأقرب والله أعلم: الأدلة والقواعد أيضًا الشرعية هو عدم وجوب قراءة الفاتحة، كيف يؤمر الإمام بأن يقرأ على أناس لا يستمعون قراءته؟

قراءة المأموم عمومًا واجبة؛ لأنها لو كانت ركنًا لما سقطت عن المسبوق، والركن لا يسقط بحال.

قال:

وفيها -يعني: في الفاتحة- إحدى عشرة تشديدة.

يعني: المقصود بها التشديدات التي في حروفها، وسنأتي لها إن شاء الله.

فإن ترك واحدة ولو حرف، ولم يأت بما ترك لم تصح.

لا بد من الإتيان بالفاتحة بجميع تشديداتها، إذا ترك تشديدة منها لم تصح؛ لأن التشديدة في الحقيقة هي عبارة عن حرفين، فإذا ترك التشديدة كأنه أسقط حرفًا من الفاتحة؛ ولذلك لا تصح، ما هي هذه التشديدات الإحدى عشر؟

التشديدات التي في سورة الفاتحة

فلنأخذها واحدة واحدة:

أولًا: الآية الأولى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اللام في لله، والثانية: الباء في ربِّ.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الراء: في الرحمن، والراء في الرحيم، هذه أربعة.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدال في الدين، هذه خمسة.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الياء في إياك نعبد، وإياك نستعين، هذه سبعة.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الصاد في الصراط، هذه ثمانية.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ اللام في الذين.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فيها شيء؟ لا

وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فيها تشديدتان: الضاد، واللام، هذه إحدى عشر.

هذه معنى قول الفقهاء: إن الفاتحة فيها إحدى عشرة تشديدة.

إذًا إذا أسقط واحدة من هذه التشديدات، فيكون قد أسقط حرفًا فلا تصح صلاته.

لكن لو أنه مد في غير موضع المد، مد مثلًا الرحمن، أو مد الرحيم، أو مد الحمد لله مثلًا، ونحو ذلك، فعند أهل التجويد يعتبرون أن هذا لحنًا، أو حتى أتى بغنة في غير موضع الغن، أو نحو ذلك، عند أهل التجويد يعتبرونه لحنًا، لكن جاء في صحيح البخاري عن أنس قال: كانت قراءة النبي مدًا يمد الرحمن، ويمد الرحيم.

فقوله: يمد الرحمن، هذا دليل على أنه لا بأس بمثل هذا المد، وأن هذا لا يعتبر لحنًا، كلام أهل التجويد غير صحيح، كلام أهل التجويد لا دليل عليه في الحقيقة.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حتى لو مدها أربع حركات ما يعتبر لحن، بعض العلماء ذكر هذا ابن حجر قال: إن المقصود بذلك المد الطبيعي، لكن هذا غير صحيح، تعقب ابن حجر قائل هذه المقولة، وقال: لو كان المد الطبيعي ما قال أنس: يمد الرحمن، المد الطبيعي ما يحتاج أن يقال: يمد، فظاهر قوله: يمد أنه مد فوق المد الطبيعي، يعني: شيء ملفت للنظر؛ ولذلك ذكره أنس .

فهذا مما يشكل على قواعد التجويد؛ ولذلك لا ينبغي المبالغة في الأخذ بقواعد التجويد، يعني: بعض الإخوة عندهم مبالغة في هذا حتى في مخارج الحروف والأصوات، ونحو ذلك، لا تنبغي المبالغة في مثل هذه المدود قد وردت في السنة مع أنها تعتبر عند أهل التجويد لحنًا، وحتى بعض أنواع الغنة، ونحو ذلك مثل هذه لا يشدد فيها، كانت العرب تمد أحيانًا في غير مواضع المد في بعض الأشياء خاصة عند الاستغاثة وعند الدعاء يمدون في غير مواضع المد، فلا يعتبر إذًا هذا لحنًا.

لكن هناك لحن، اللحن الذي فيه تغيير للحركات، هذا هو اللحن، وهو ينقسم إلى قسمين:

إما لحن يحيل المعنى، أو لحن لا يحيل المعنى، إذا كان اللحن يحيل المعنى، فإن الصلاة لا تصح.

من يمثل لنا بلحن يحيل المعنى؟

والتمثيل في اللحن الذي يحيل المعنى مثل: (صراط الذين أنعمتُ عليهم) أو بدل اهدنا، يقول: أهدنا، تغير المعنى أصبح بدل الهِداية هدية، أو (إياكِ نعبد).

طيب لو قال: (الحمد لله ربُ العالمين) لا يحيل المعنى؛ لأن ربُ بدل ربِ العالمين، هذا لا يحيل المعنى، وإذا كان اللحن لا يحيل المعنى فالصلاة صحيحة، وإذا كان يحيل المعنى فإن الصلاة لا تصح.

(ولا الضالين) لو قال: (ولا الظالين) كثير من العامة لا يفرقون بين الضاد وبين الظاء، فهذا استثناه الفقهاء استثنوا هذه المسألة، وقالوا: إن هذا اللحن وإن كان يحيل المعنى إلا أنه لا تبطل به الصلاة لتقارب المخرجين، نص على هذا الفقهاء، فقالوا: إن الصلاة معها تصح.

سورة الفاتحة هي أم القرآن، تضمنت من المعاني العظيمة شيئًا كبيرًا حتى قال القرطبي: “إنها اختصت بأنها مبدأ القرآن، ومحاور جميع علومه”.

وابن القيم يقول: “إنها تضمنت إخلاص العبودية لله وسؤاله وجامع النعم كلها، وهي الهداية التي تجلب النعم، وتدفع النقم”، قال: “إن هذه السورة من أعظم الأدوية، وحقيق بسورة هذه بعض شأنها أن يستشفى بها من الأدواء، ويرقى بها اللديغ”.

وابن القيم يذكر تجربة له يقول: “مر بي وقتٌ في مكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها يعني: بسورة الفاتحة آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرأها عليها مرارًا، ثم أشربه فوجدت بذلك البرء التام”.

قال: “ثم صرت أعتمد عليه عند كثير من الأوجاع، وأنتفع به غاية الانتفاع، وكنت أذكره لغيري أيضًا”.

وهذا من أعظم ما تكون به الرقية: قراءة الفاتحة، مع ماء زمزم، هذا من أعظم ما تكون به الرقية.

أيضًا عند قراءة الفاتحة نحن قلنا: إن على الإنسان أن يفصل الكلام في الأركان؛ لأن المؤلف لم يذكر صفة الصلاة، نحتاج إلى أن نتوقف عند كل ركن، عند قراءة الفاتحة السنة وقوف القارئ على رؤوس الآية، يعني: وصل الفاتحة هذا خلاف السنة، تجد بعض الأئمة عندما يقرأ الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] هذا خلاف السنة، بل السنة أن يقف عند رأس كل آية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوف القارئ على رؤوس الآيات سنة، وإن كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف أو غير ذلك، يعني: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4]، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5]؛ الأفضل أنك تقف، ولا تصلها، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219]، فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:220]؛ الأفضل أنك تقف، ولا تصل.

قال: وهذا هو المنصوص عن الصحابة صريحًا، ونقل عن أحمد ما يدل عليه.

حكم من لا يعرف إلا آية واحدة

نعود لعبارة المؤلف قال:

فإن لم يعرف إلا آية كررها بقدرها.

يعني: لو لم يحفظ إلا آية واحدة يكرر هذه الآية بقدر قراءة سورة الفاتحة، فإن لم يعرف كإنسان حديث عهد بالإسلام، إنسان أسلم ولا يعرف يقرأ الفاتحة، وحضر وقت الصلاة، فإنه يعدل للتسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل والحوقلة، يعني يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث عبدالله بن أبي أوفى قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن، فعلمني ما يجزئني، فقال له النبي : قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله [12] هذا الحديث رواه النسائي وأبو داود، وهو حديث حسن.

الركن الرابع: الركوع

الركن الرابع: الركوع.

لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

وقد أجمع العلماء على هذا، وأيضًا في حديث المسيء صلاته قال: ثم اركع حتى تعتدل راكعًا [13].

صفة الركوع

قال:

وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويًا، ويجعل رأسه حياله.

الركوع: أقل ما في الركوع قال المؤلف: “أن ينحني”؛ أقل ما في الركوع الانحناء بحيث يمكنه مس يديه بركبتيه، هذا هو المذهب عند الحنابلة.

لكن هذا القول ورد عليه أنه لا ينضبط، قوله: “بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه” هل المقصود أنه يمكنه مس ركبتيه بأطراف أصابعه، أو لا بد أن يمس ركبتيه بباطن كفيه؟

فهذا القول لا ينضبط؛ ولهذا المجد ابن تيمية ذكر ضابطًا آخر لا يختلف قال: ضابط الإجزاء الذي لا يختلف أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام، وهذا القول -والله أعلم- هو الأقرب، نعم قول المجد ابن تيمية فيكون أقل ما يجزئ في الركوع أن ينحني بحيث من يراه يعرف أن هذا الرجل راكع، وليس واقفًا.

فإذًا الحد الأدنى للركوع نقول: العلماء لهم قولان:

القول الأول: بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، قالوا: لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا بهذا، وأورد على هذا بأنه لا ينضبط؛ لأنه أولًا يختلف اختلاف الناس، فبعض الناس تكون مثلًا يداه طويلتين، وبعض الناس يكون طويلًا، وبعضهم يكون قصيرًا.

ثم أيضًا ما الضابط في مس أطراف الركبتين باليدين؟ هل المقصود أطراف الأصابع، أو المقصود باطن الكفين؟ فلا ينضبط.

القول الثاني في المسألة: ينضبط، وهو رأي المجد ابن تيمية أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل، بحيث من يرى هذا الرجل يظنه راكعًا، يعرف أنه راكع، وليس قائمًا.

هذه المسألة تفيدنا في مسألة أخرى وهي: في إدراك الركعة، عندما يأتي المسبوق، ويدرك الإمام، فهو يشك هل أدرك الإمام أم لا؟

نقول: إذا أدركت الإمام بهذا القدر، حيث أنك قد انحنيت، وكنت على صفة الراكع أقرب منك إلى القائم، فقد أدركت الركوع، هذا هو الضابط، انحنى بحيث أنه إلى هيئة الراكع أقرب منه إلى هيئة القائم، نقول: إذًا أنت قد أدركت الركوع بهذا، إذا لم تصل إلى هذا القدر يكون قد فاتك الركوع، قال:

وأكمله أن يمد ظهره مستويًا، ويجعل رأسه حياله.

هذه هي السنة: أن يمد ظهره بحيث يكون مستويًا ظهره، ويجعل رأسه حياله؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك [14] رواه مسلم.

وجاء في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره [15]، رواه البخاري.

وجاء في حديث وابصة بن معبد قال: رأيت النبي يصلي وكان إذا ركع سوى ظهره، بحيث لو صُبَّ عليه ماء لاستقر [16] يعني: ظهره مستو بحيث لو صب عليه ماء لاستقر، ولكن هذا الحديث عن وابصة في سنده مقال، لكن معناه: صحيح؛ لأنه قال: لم يشخص رأسه ولم يصوبه، وأيضًا حديث أبي حميد: هصر ظهره، يدل على هذا المعنى يكون الظهر على استقامة مع الرأس، بحيث لو صُب عليه ماء لاستقر.

بعض الناس يقوس ظهره، وهذا خلاف السنة، وبعضهم يهصر ظهره بحيث ينزل وسطه، فلا يكون مستويًا، وهذا أيضًا خلاف السنة.

هدي النبي عليه الصلاة والسلام هو تسوية الظهر في المد، وفي العلو، وفي النزول، ورأسه حيال ظهره من غير ارتفاع، ولا انخفاض.

الخامس: الرفع من الركوع

قال:

الخامس من أركان الصلاة: الرفع منه.

يعني: الرفع من الركوع.

ولا يقصد غيره، فلو رفع فزعًا من شيء لم يكفِ.

الرفع من الركوع ركن، ولا بد أن يكون قاصدًا الرفع، لو أنه كان راكعًا ثم سمع صوتًا قويًّا، فرفع فزعًا، فإن هذا لا يجزئ لا بد أن يعود للركوع، ثم يرفع مرة أخرى، فلا بد إذًا من القصد والنية في الرفع.

الركن السادس: الاعتدال قائمًا

قال:

السادس: الاعتدال قائمًا.

يعني: الاعتدال من الركوع قائمًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا.

ولا تبطل إن طال.

ما الفرق بين السادس والخامس؟ الخامس: هو الرفع، والسادس: هو الاعتدال، الخامس: هو فعل الرفع الانتقال، السادس: الاعتدال.

قال: “ولا تبطل إن طال” لا تبطل الصلاة وإن طال الاعتدال، بل إن هذا هو ظاهر السنة، كما جاء في حديث أنس : كان النبي إذا رفع رأسه من الركوع أطال حتى يقول القائل: قد أوهم [17]، يعني: قد نسي.

الركن السابع: السجود

السابع: السجود.

يعني: السابع من أركان الصلاة السجود.

أكمل السجود وأقله

وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه، وركبتيه، وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده.

السجود من أركان الصلاة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] أيضًا هو محل إجماع.

وقال: “أكمله تمكين الأعضاء السبعة” يعني: السجود لا بد أن يكون على الأعضاء السبعة؛ لقول النبي : أمرتُ أن أسجد على سبعة أعضاء [18]، وذكر هذه الأعضاء السبعة.

قال:

وأقله وضع جزء من كل عضوٍ.

يعني: لو اقتصر على بعض الأعضاء أجزأ.

قال الإمام أحمد: إن وضع من اليدين بقدر الجبهة أجزأه، وإن جعل ظهر كفيه إلى الأرض، وسجد على أطراف أصابع يديه ليس على باطن كفيه على ظاهر كفيه يجزئ، ظاهر الأدلة أنه يجزئ؛ لأنه قد سجد على يديه.

طيب لو سجد على ظهور قدميه أيضًا أجزأ، كل هذا مجزئ؛ لأنه لا يخلو من إصابة بعض أطراف قدميه فيكون ساجدًا، لكن يكون قد ترك الأفضل.

هل الأفضل عند السجود تقديم الركبتين أم اليدين؟

قبل أن نكمل عبارة المؤلف، هل الأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه، أو يديه قبل ركبتيه؟ هذه مسألة اختلف فيها العلماء على قولين مشهورين:

فمنهم من قال: إن الأفضل تقديم الركبتين قبل اليدين.

ومنهم من قال: إن الأفضل تقديم اليدين قبل الركبتين.

القول الصحيح قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة تقديم الركبتين قبل اليدين، المالكية هم الذين ذهبوا إلى تقديم اليدين قبل الركبتين، وهو رواية عن أحمد.

والقول الراجح -والله أعلم- هو قول الجمهور هو تقديم الركبتين قبل اليدين، وقد نصر هذا ابن القيم رحمه الله بعشرة وجوه في زاد المعاد، وقال: إن هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيتُ رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.

وأما حديث أبي هريرة: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه [19]، قال بعض العلماء منهم ابن القيم وابن تيمية: إنه قد وقع في وهم من بعض الرواة؛ لأن أول الحديث يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه قد برك كما يبرك البعير؛ لأن البعير إنما يضع يديه أولًا.

فالصواب إذًا في هذه المسألة: هو تقديم الركبتين على اليدين، ثم أيضًا هذا هو الموافق لطبيعة الإنسان، الإنسان إذا سجد أول ما يصل إلى الأرض ركبتيه، ثم بعد ذلك يديه، فهذا أيضًا هو الأقرب في المسألة.

بعض الناس يقول: لماذا تطرحون مسألة توهيم الراوي؟ نقول: لو لم يرد إلا هذا الحديث، لكان هذا الإيراد وجيهًا، لكن ورد كحديث وائل بن حجر وغيره توضح المقصود وتبين المراد فلعله يكون قد انقلب على بعض الرواة، وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه.

لو سجد على جبهته دون أنفه أو العكس، بعض العلماء أن صلاته لا تصح، ولكن القول الصحيح أنها صحيحة؛ لأن الجبهة والأنف عضو واحد، نحن قلنا: إن سجد على بعض العضو أجزأ.

قال:

ويعتبر المقر لأعضاء السجود فلو وضع جبهته على نحو قطن منفوش، ولم ينكبس لم تصح.

لا بد أيضًا من مقر تصل إليه أعضاء السجود السبعة؛ ولذلك لو أنه سجد على قطن منفوش، لم يكن هناك مقر، فلا تصح الصلاة لعدم المكان المستقر عليه، فلا يصدق عليه أنه سجد الآن على مكان مستقر، قال:

حكم السجود على اللباس

ويصح سجوده على كمه وذيله، ويكره بلا عذرٍ.

السجود على اللباس كالكم والذيل، ومثلًا الغترة، والمشلح ونحو ذلك نقول: إن السجود على الحائل إذا كان متصلًا بالمصلي فيكره إلا إذا كان لحاجة، وهذا ما عبر عنه المؤلف بقوله: يكره بلا عذر، فإذا سجد على غترته أو شماغه أو مشلحه أو كمه أو نحو ذلك، إن كان ذلك لعذر فلا بأس، وإن كن لغير عذر فهو مكروه.

أما إذا كان لعذر فلا يكره لحديث أنس قال: كنا نصلي مع النبي في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه [20].

فقوله: فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه، يدل على أنهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة، وإنما يفعلون ذلك عند عدم الاستطاعة وعند شدة الحر فقط؛ ولهذا نقول: إنه عند وجود العذر لا بأس بذلك من غير كراهة، وأما مع عدم العذر فإن ذلك مكروه؛ لأنه فيه شيء من العبث؛ ولأنه لم يكن الصحابة يفعلونه، مع أنهم كانوا يصلون على الحصباء لم يكن مسجد النبي مفروشًا، هذا إذا كان هذا الحائل متصلًا.

أما إذا كان الحائل منفصلًا كالسجادة ونحوها، فهذا لا بأس به، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي على الخُمرة المتخذة من خوص النخل، يعني: شبيه بالحصير تسمى خُمرة، حصير كان ينسج من الخوص، فكان عليه الصلاة والسلام يصلي على هذه الخمرة.

فهذا دليل على أنه إذا كان الحائل منفصلًا كالسجاد ونحوه، فإن هذا لا بأس به، وهذا هو الذي عليه عمل الناس الآن أنهم يصلون على السجاجيد ونحوها، هذا لا إشكال في جوازه من غير كراهة، قال:

حكم من عجز عن السجود على الجبهة

ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها، ويومئ ما يمكنه.

يعني: هذا إنسان عجز عن السجود على الجبهة، لكن يمكن أن تصل كفاه إلى الأرض وركبتاه وأطراف أصابعه، هل نقول له: لا بد أن تسجد حتى لو لم تصل الجبهة إلى الأرض؟ لا، إذا لم يستطع السجود بالجبهة، فلا يلزمه ببقية الأعضاء، ويومئ ما يمكنه حينئذٍ.

الثامن: الرفع من السجود.

وهو ركن من أركان الصلاة.

طيب قبل هذا بالنسبة للجبهة؛ لماذا جعلنا الجبهة هي المعول عليها من بين الأعضاء السبعة؟ قالوا: لأنها هي الأصل وغيرها تبع؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما [21] رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وهو حديث حسن، وهذا يدل على أن اليدين تابعان للوجه، فيكون المعول عليه هو الوجه إذا عجز عن السجود على وجهه فحينئذٍ لا يلزمه السجود، وإنما له أن ينتقل إلى الإيماء.

الركن الثامن: الرفع من السجود

الثامن: الرفع من السجود.

لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث المسيء صلاته: ثم ارفع حتى تعتدل جالسًا.

الركن التاسع: الجلوس بين السجدتين

التاسع: الجلوس بين السجدتين.

وهو ركن من أركان الصلاة للحديث السابع: ارفع حتى تعتدل جالسًا.

وكيف جلس كفى وأجزأ بأي صفة جلس، لكن السنة هي: أن يجلس مفترشًا على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويوجههما إلى القبلة.

الجلوس هنا قلنا: إنه ركن، ودليل هذا حديث أبي حميد الساعدي  في صحيح البخاري في صفة صلاة النبي قال: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى [22].

قد كان عليه الصلاة والسلام في هذا الركن يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وكان يطيل هذه الجلسة حتى تكون قريبًا من سجوده.

وقد جاء في الصحيحين عن أنس قال: كان رسول الله يقعد بين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي [23] يعني: كان يطيل الرفع من الركوع وفي الجلسة بين السجدتين.

وهذا أيضًا مما يلاحظ على بعض الأئمة أنهم يخففون الجلسة بين السجدتين، والسنة أن تكون بقدر السجود بقدر الركوع، يعني: يكون هناك نوع تناسب بين أركان الصلاة ما عدا القيام، القيام لا يكون بينه وبين بقية الأركان تناسب؛ لأنه استثنى القيام قال: ما خلا القيام والقعود.

بينما الركوع والرفع منه والسجود والجلسة بين السجدتين السنة أن تكون متقاربة، قريبًا من السواء.

قال ابن القيم: وهذه السنة يعني: إطالة الجلسة بين السجدتين قد تركها أكثر الناس من بعد انقراض عصر الصحابة؛ ولهذا قال ثابتٌ: وكان أنسٌ يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، يمكث بين السجدتين حتى نقول: قد نسي أو أوهم [24].

قال ابن القيم: وأما من حكَّم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها، فإنه لا يعبأ بمن خالف هذا الهدي، وهذا يدل على أن هناك أيضًا مخالفة من بعض أئمة المساجد في وقت ابن القيم رحمه الله، هذه المقولة تدل على الواقع الذي كان يعيشه الناس في ذلك الزمان في القرن الثامن.

مداخلة:

الفقهاء يحتاطون، دقيقون في العبارة، يقولون: الرفع ركن، والجلوس ركن، وبعض الفقهاء ما يذكر الرفع يقول: لا يمكن أن يجلس إلا إذا رفع، وهذا له وجه.

إنسان مثلًا في جروح في جبهته ما يستطيع أن يسجد، هل نقول: لا بد أنك تقرب وجهك إلى الأرض؟ لا، يكفي الإيماء.

قال:

ويوجههما إلى القبلة.

يعني: هذه صفة الافتراش يجلس مفترشًا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجههما إلى القبلة.

الركن العاشر: الطمأنينة

العاشر: الطمأنينة.

النبي دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي فرد النبي السلام، فقال: ارجع فصل، فإنك لم تصل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي فقال: ارجع فصل، فإنك لم تصل ثلاثًا فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، فعلمني، فعلمه النبي فقال: إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها [25].

هذا الرجل اسمه خلاد بن رافع، هذه الصلاة ما هي؟ هل أحد يعرف الصلاة التي أساء فيها هذا الرجل؟

ورد في رواية أنها تحية المسجد.

استدل العلماء بهذا على أن الطمأنينة ركنٌ من أركان الصلاة؛ لأن قوله: فإنك لم تصل هذا نفي، والأصل في النفي أنه يكون نفيٌ للوجود، لكن هذا غير وارد هنا لا يمكن هنا لأن الصلاة موجودة، فننتقل إلى نفي الصحة، فيحمل إذًا على نفي الصحة، فإن لم يكن نفي الصحة فينتقل إلى النفي الكمال، انتبه لهذه القاعدة.

النفي في الأصل ينصرف أولًا إلى نفي الوجود، فإن لم يمكن انصرف إلى نفي الصحة، فإن لم يمكن انصرف إلى نفي الكمال.

طيب هنا لا يمكن أن ينصرف إلى نفي الوجود الصلاة موجودة، إذًا ينصرف إلى نفي الصحة، فهذا يدل على أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة.

وأيضًا يدل لهذا الركن قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدًا [26]، رواه مسلم.

وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وخالف في ذلك الحنفية، وقالوا: إنها ليست ركنًا، ولكن هذا قول ضعيف، الصواب الذي تدل له السنة أنها ركن.

حد الطمأنينة

لكن ما حد الطمأنينة؟ المؤلف قال:

وهي السكون وإن قلَّ.

يعني: أدنى السكون يعتبر هذا طمأنينة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.

والقول الثاني في المسألة: أن حد الطمأنينة هو قدر الإتيان بالذكر الواجب، وهو قول عند الحنابلة.

الذكر الواجب مثلًا في السجود ما هو؟ قول: سبحان ربي الأعلى كم؟ مرة واحدة، فإذا قال: سبحان ربي الأعلى مرة واحدة حصلت الطمأنينة.

لكن السكون وإن قل، مجرد أنه يسكن ثم يرفع.

والصواب هو القول الثاني: وهو أن حد الطمأنينة قدر الإتيان بالذكر الواجب؛ وذلك لأن الطمأنينة مأخوذة من اطمأن إذا تمهل واستقر، ولا يقال لشخص سكن لحظة وهو لم يأت فيها بالذكر الواجب، لا يقال لشخص سكن لحظة أقل من أن يأتي فيها بالذكر الواجب، لا يقال عنه: إنه مطمئن، يسكن لحظة أقل من أن يأتي فيها بالذكر الواجب، ثم يرفع رأسه مثلًا، لا يقال: إنه مطمئن؛ ولذلك فالأقرب أن حد الطمأنينة هو أن يأتي بأقل الذكر الواجب، قدر الإتيان بالذكر الواجب، هذا قول عند الحنابلة، قال:

الركن الحادي عشر: التشهد الأخير

الحادي عشر: التشهد الأخير.

وهو قول: اللهم صل على محمد …

ولم يقل هنا: التشهد الأول؛ لأن التشهد الأول ليس من أركان الصلاة، وإنما من واجباتها، وأما التشهد الأخير فهو من أركان الصلاة، والتشهد الأخير ورد بعدة صيغ، ولكن الصيغة المشهورة: هي الصيغة الواردة في حديث ابن مسعود، وقد اختار الإمام أحمد تشهد ابن مسعود، وهو قد جاء في الصحيحين، وقال عنه الترمذي: هو أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين.

وهو التشهد المشهور: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله [27].

هذا هو تشهد ابن مسعود، وهو أفضل ما ورد، ولو أتى بصيغة أخرى أجزأ ذلك.

لكن بعد وفاة النبي كان ابن مسعود لا يقول: السلام عليك أيها النبي، وإنما يقول: السلام على النبي، باعتبار أن النبي قد مات، وهذا قال به بعض العلماء، ومن العلماء المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله، ولكن جمهور العلماء على أنه يُقال: السلام عليك أيها النبي، وهذا هو القول الراجح؛ لأن عمر كان يعلم الناس هذا التشهد وهو على المنبر بلفظ السلام عليك أيها النبي، وكان هذا بمحضر من الصحابة، وكان ذلك كالإجماع، وإن كان خلاف ابن مسعود المشهور، لكن عمر أعلم من ابن مسعود، ثم إن هذا اجتهاد من ابن مسعود كأنه فهم أن هذا خطاب للنبي ، والواقع أنه ليس خطابًا للنبي عليه الصلاة والسلام ليس المقصود منه مخاطبة النبي ؛ ولهذا كان الصحابة يقولونه وهم خارج المدينة، ولم يكن يقصدون بذلك مخاطبة النبي ، وإنما المعنى أنه لقوة استحضارك للرسول كأنه أمامك تخاطبه، فهذا هو القول الراجح.

فالصواب إذًا أنك تقول: السلام عليك أيها النبي، ولا تقول: السلام على النبي، قال:

الركن الثاني عشر: الجلوس للتشهد

الثاني عشر: الجلوس له.

يعني: الجلوس للتشهد.

طبعًا هو مقصود المؤلف بالتشهد الأخير أفصح عنه، قال: وهو اللهم صل على محمد بعد الإتيان بالتشهد الأول، لكن التشهد الأول كما قلنا: واجب وليس ركنًا، فيكون الركن هو الإتيان بما بعد التشهد الأول، يعني: قول: اللهم صل على محمد، هذا هو الركن عندهم.

“الثاني عشر: الجلوس له” الصلاة على النبي نفسها أين عدها المؤلف؟ عدها المؤلف في السنن لاحظ في قوله: سنن الأقوال أحد عشر، والصلاة في التشهد الأخير على آله عليه السلام، لكن يحتمل أن قوله: اللهم صل على محمد أن المؤلف يريد أن الصلاة على النبي أنها هي الركن، وأن الصلاة على الآل من السنن.

على كل حال: الخلاف واقع عند الحنابلة أنفسهم عندهم ثلاث روايات في الصلاة على النبي هل هي من الأركان، أم من الواجبات، أم من السنن؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عنها عندما أتكلم عن واجبات الصلاة وعند السنن، هل هي من الأركان أم من الواجبات أم من السنن، لكن المشهور من المذهب أنها من الأركان، وسيأتي إن شاء الله الكلام عنها بالتفصيل في الدرس القادم.

“الثاني عشر: الجلوس له” يعني: الجلوس للتشهد الأخير، والجلوس له من أركان الصلاة، يعني: لو أتى بالتشهد الأخير وهو قائم لم تصح صلاته، هذا هو المقصود.

وقد حكى الحافظ ابن عبدالبر وغيره: الإجماع على وجوب هذا الجلوس.

لكن قول المؤلف:

وللتسليمتين.

هذا قول عند الحنابلة، والمؤلف اعتبر أن الجلوس يكون للأمرين جميعًا: للتشهد الأخير، وللتسليمتين، قال:

فلو سلم الأولى جالسًا، والثانية غير جالس لم تصح.

أما الجلوس في التشهد الأخير فهذا كما نقلنا عن ابن عبدالبر محل إجماع.

وأما الجلوس للتسليمتين فمحل خلاف، والأقرب -والله أعلم- أنه ليس ركنًا، ولا حتى واجبًا؛ لأنه إذا كانت التسليمتان أصلًا محل خلاف، فكيف بالجلوس لهما؟ وسيأتي الكلام عن حكم التسليمتين، قال:

الركن الثالث عشر: التسليمتان

الثالث عشر: التسليمتان.

يعني: أنه ركن، ثم بين المؤلف هذا فقال:

وهو أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله.

التسليمتان اعتبرهما المؤلف ركنًا، وبناءً على ذلك لو ترك التسليمة الثانية فصلاته لا تصح، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:

فقال بعضهم: إن التسليمتين ركن، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

القول الثاني: أن التسليمتين مستحبتان، وليستا ركنًا.

القول الثالث: أن التسليمة الأولى ركن، أما الثانية فمستحبة، وهذا هو القول الراجح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم [28].

أما التسليمة الثانية ليست واجبة؛ لحديث أنس أن النبي كان يسلم تسليمة واحدة [29]، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات.

قال:

والأولى ألا يزيد “وبركاته”.

وهذا صحيح، لكن لو زاد أحيانًا “وبركاته” على غير الغالب فلا بأس، بل إن هذا من السنة، قد ثبت عن النبي أنه قد سلم وزاد “وبركاته” في بعض الروايات.

لكن الغالب من هدي النبي أنه كان لا يزيد “وبركاته”، وإنما يكتفي بقوله: السلام عليكم ورحمة الله، لكن لو زاد “وبركاته” أحيانًا فلا بأس، ينبغي أن تحيا هذه السنة أحيانًا على غير الغالب يزيد المصلي “وبركاته”.

قال:

ويكفي في النفل تسليمة واحدة.

لاحظ أن قولهم: التسليمتان يقصدون الفريضة؛ ولذلك رجع واستثنى النافلة، والصحيح أنه لا فرق بين النفل والفرض، وأنه تكفي تسليمة واحدة في الفرض وفي النفل.

قال:

وكذا في الجنازة.

يعني: أنها تكفي تسليمة واحدة، وهذا هو المأثور عن الصحابة أنهم كانوا يسلمون في الجنازة تسليمة واحدة عن اليمين، لكن ورد أيضًا تسليمتان، لكن الغالب هو تسليمة واحدة.

الركن الرابع عشر: ترتيب الأركان

الرابعة عشر: ترتيب الأركان.

كما ذكرنا يعني: أن الترتيب من أركان الصلاة، فلو أنه نكس بين أركان الصلاة لم تصح، فيكون قيام ثم ركوع ثم رفع منه ثم سجود ثم قعود ثم سجود، وهكذا؛ وذلك لأن النبي قد واظب على هذا الترتيب إلى أن توفي، ولم يخل به ولو مرة واحدة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: وصلوا كما رأيتموني أصلي [30]، قد نقل الوزير ابن هبيرة الاتفاق على وجوب الترتيب بين أفعال الصلاة، قال:

فلو سجد مثلًا قبل ركوعه عمدًا بطلت صلاته.

إذا كان ذلك عن عمد لا شك أن صلاته تبطل.

وسهوًا لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد.

سهوًا يلزمه أن يرجع ويأتي بالركن الذي تركه وبما بعده، والكلام عن السهو سيأتي إن شاء الله تعالى مفصلًا عند الكلام عن أحكام سجود السهو.

ولعلنا نكتفي بهذا القدر، ونقف عند واجبات الصلاة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1115 بلفظ: “ومَن صلى قاعدًا فله نصف أجر ‌القائم”.
^2 رواه البخاري: 1117.
^3 رواه البخاري: 757، ومسلم: 397.
^4 رواه أبو داود: 61، والترمذي: 3، وابن ماجه: 275، وأحمد: 1006.
^5 رواه البخاري: 783.
^6 رواه البخاري: 756، ومسلم: 394.
^7 رواه أبو داود: 823، وأحمد: 22671.
^8 رواه أبو داود: 826، والترمذي: 312، وقال: حسنٌ، والنسائي: 993، وابن ماجه: 848، وأحمد: 7270.
^9 رواه النسائي: 921، وابن ماجه: 846.
^10 رواه ابن ماجه: 850.
^11, ^13, ^25, ^28 سبق تخريجه.
^12 رواه أبو داود: 832، والنسائي: 924، وأحمد: 19110.
^14, ^26 رواه مسلم: 498.
^15, ^22 رواه البخاري: 828.
^16 رواه ابن ماجه: 872.
^17 رواه مسلم: 473.
^18 رواه البخاري: 809، ومسلم: 490.
^19 رواه أبو داود: 840.
^20 رواه البخاري: 1208، ومسلم: 620.
^21 رواه أبو داود: 892، والنسائي: 683، وأحمد: 4501.
^23 رواه البخاري: 821، ومسلم: 472.
^24 رواه مسلم: 472.
^27 رواه البخاري: 831، ومسلم: 402.
^29 رواه البيهقي في “السنن الكبرى”: 2987.
^30 رواه البخاري: 631.