الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(19) فصل فيما يبطل الصلاة- من وقوله: “يبطلها ما أبطل الطهارة..”
|categories

(19) فصل فيما يبطل الصلاة- من وقوله: “يبطلها ما أبطل الطهارة..”

مشاهدة من الموقع

مبطلات الصلاة

قال المؤلف:

فصلٌ فيما يبطل الصلاة

بعدما تكلم المؤلف عن مكروهات الصلاة، انتقل بعد ذلك إلى مبطلاتها:

  • ما يبطل الطهارة

قال:

يبطلها ما أبطل الطهارة.

وهذا ظاهرٌ؛ لأن الطهارة شرطٌ لصحة الصلاة، فما أبطل الطهارة أبطل الصلاة؛ ومن ذلك مثلًا: أن يصلي وقد انقضت مدة المسح على الخفين، أو يمسح مثلًا على الخفين بعد انقضاء المدة ويصلي، فتكون طهارته غير صحيحةٍ، وإذا لم تصح طهارته لم تصح صلاته.

  • كشف العورة عمدًا

قال:

وكشف العورة عمدًا.

هذا أيضًا فرعٌ من شرط ستر العورة، إذا لم يستر عورته عمدًا بطلت صلاته؛ لأن ستر العورة شرطٌ، لكن المؤلف فصَّل في شرط ستر العورة فقال:

لا إن كشَفها نحوُ ريحٍ فستَرها في الحال، أو لا وكان المكشوف لا يفحش في النظر.

حكم انكشاف العورة أثناء الصلاة

فاستثنى المؤلف في مسألة انكشاف العورة مسألتين:

المسألة الأولى: أن يكون الانكشاف يسيرًا، فإن هذا لا يبطل الصلاة، وكذلك أيضًا الانكشاف الكثير في الزمن اليسير، فهما مسألتان:

الانكشاف اليسير للعورة أثناء الصلاة.

والانكشاف الكثير في الزمن اليسير.

هاتان المسألتان بَحْثهما مفصَّلٌ في كتاب أحكام اللباس المتعلقة بالصلاة والحج، بحثت هاتين المسالتين بحثًا مفصلًا؛ خلاصة الكلام فيهما:

أن المسألة -وهي انكشاف اليسير للعورة أثناء الصلاة- اختَلف فيها العلماء على ثلاثة أقوالٍ:

  • القول الأول: أنه غير مبطلٍ للصلاة مطلقًا، وهو مذهب الحنفية، وأحد الأقوال عند المالكية، والمشهور من مذهب الحنابلة كما نص عليه المؤلف.
  • والقول الثاني: أنه مبطلٌ للصلاة، وهو مذهب الشافعية.
  • والقول الثالث: التفريق بين الانكشاف اليسير للعورة المغلظة، وبين الانكشاف اليسير للعورة المخففة؛ فالانكشاف اليسير للعورة المغلظة يُبطل الصلاة، والانكشاف اليسير للعورة المخففة، لا تبطل به الصلاة، وهذا هو قول المالكية.

ومن قال بأن الانكشاف مبطلٌ للصلاة، استدل بعموم الأدلة الدالة على اشتراط ستر العورة، قالوا: لم تُفَرِّق هذه الأدلة بين القليل والكثير، ومنها قول النبي : لا يقبل الله صلاة حائضٍ إلا بخمارٍ [1].

وكذلك أيضًا من فرَّق بين العورة المغلظة والمخففة، حمل ما ورد من أدلةٍ تدل على أن الانكشاف اليسير لا يبطل الصلاة على العورة المخففة، قالوا: أما العورة المغلظة فإنه تَبطل معها الصلاة.

والقول الصحيح في هذه المسألة: هو القول الأول، وهو الذي نص عليه المؤلف: أن الانكشاف اليسير غير مبطلٍ للصلاة مطلقًا؛ وذلك لما جاء في “صحيح البخاري” عن عمرو بن سلمة ، أن النبي قال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا، فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثر قرآنًا مني؛ لِمَا كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ستٍّ أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردةٌ كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأةٌ من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ وفي روايةٍ: عورة قارئكم [2]، فاشتَرَوا لي قميصًا، فما فرحت بشيءٍ بعد الإسلام فرحي بذلك القميص [3]، وهذه القصة في “صحيح البخاري”، ووجه الدلالة: أن عمرو بن سلمة  كان يصلي بقومه في عهد النبي ، وقد انكشف جزءٌ من عورته؛ ولهذا قالت هذه المرأة: “غطوا عنا عورة قارئكم”، ولم ينقل عن النبي أنه أنكر عليه ذلك، وأنه أمره بإعادة الصلاة؛ فدل ذلك على أن الانكشاف اليسير يُتسامح فيه.

وقد سبق أن ذكرنا أيضًا في دروسٍ سابقةٍ: أن الشريعة قد تتسامح في الأشياء اليسيرة، والأشياء اليسيرة ذكرنا لهذا أمثلةً: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ [4]، يعني: الهجر لمدة ثلاثة أيامٍ يحل، لا يحل لامرأةٍ أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثٍ [5]، لا يحل لمهاجرٍ أن يقيم بعد الطواف…، أكثر من ثلاثٍ [6]، نجد أن عدة مسائل يُتسامح في الشيء اليسير.

أيضًا مرت معنا مسألة الحرير، وهو أنه يجوز للرجل لبس اليسير من الحرير، حدود أربعة أصابع، فالشيء اليسير يتسامح فيه، ومن ذلك الانكشاف اليسير للعورة، هذه المسألة قد تَعرِض أحيانًا لمن يلبس لباس الإحرام.

أحيانًا يكون خاصةً ما تحت السرة ينكشف من بعض الناس، فمثل هذا لا يضر، فمثل هذا الانكشاف اليسير لا يضر؛ لهذا الحديث، وقد كانت غالب ثياب فقراء الصحابة لا تخلو من خَرْقٍ أو فَتْقٍ، والاحتراز من ذلك يشق؛ فيعفى عنه كيسير الدم، هذا بالنسبة ليسير العورة، الانكشاف اليسير للعورة أثناء الصلاة.

وأيضًا المؤلف أشار لمسألةٍ أخرى، وهو الانكشاف الكثير، لكن في الزمن اليسير، قبل أن نشير لهذه المسألة نريد أولًا أن نضبط حد اليسير، ما هو حد اليسير؟

أرجح ما قيل في حد اليسير: أنه ما لا يفحش في النظر، والكثير ما فحش في النظر، والمرجع في ذلك إلى العرف والعادة؛ فإذا عد الناس في عرفهم أن هذا يسيرٌ يكون يسيرًا، إذا عدُّوه كثيرًا يكون كثيرًا.

أما بالنسبة للانكشاف الكثير في الزمن اليسير، فهو أيضًا محل خلافٍ بين العلماء، كالخلاف السابق.

والقول الراجح: أنه لا يؤثر على صحة الصلاة، وأن الصلاة صحيحةٌ، لا يؤثر الانكشاف الكثير في الزمن اليسير، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ وذلك قياسًا على الانكشاف اليسير للعورة، فإنه غير مبطلٍ للصلاة، فكذلك الانكشاف الكثير في الزمن اليسير؛ بجامع أن كلًّا منهما يشق التحرز منه.

ثم إن هذا الانكشاف انكشافٌ عارضٌ حصل بلا تقصيرٍ من المصلي؛ فيعفى عنه لمشقة التحرز منه، وقد مثل المؤلف لذلك بأنْ تكشفها الريح مثلًا، مثلًا لو أن الإنسان عليه لباس الإحرام، ثم إنه سقط الإزار فرفعه مباشرةً، فلا يضر هذا، ولا نقول: إن صلاته باطلةٌ؛ وإنما صحيحةٌ، حتى لو بدت العورة المغلظة.

فإذنْ نخلص من هذا إلى أن ستر العورة شرطٌ، لكنه يعفى عن الانكشاف اليسير عرفًا، والانكشاف الكثير في الزمن اليسير.

الطالب:

الشيخ: الأصل: أن من صحت صلاته صحت إمامته، والأصل أيضًا: أن ما صح في النفل صح في الفرض إلا بدليلٍ، وإن كان في حقه نافلةً، إلا أنه لا فرق بين الفرض والنفل؛ ولهذا أَمَّ قومه، وهي في حقهم فريضةٌ، وإلا فمن خالف في هذه المسألة يعترض بمثل هذا، يورد مثل هذا.

نود أن نؤجل الأسئلة حتى ننتهي، طيب.

  • استدبار القبلة

قال:

واستدبار القبلة حيث شُرط استقبالها.

يعني: لو أنه استدبر القبلة، فيكون قد أخل بشرطٍ من شروط صحة الصلاة، وقول المؤلف: “حيث شُرط استقبالها”، يعني: حيث كان استقبالها شرطًا، أما إذا لم يكن استقبالها شرطًا فإنه يعفى عن ذلك؛ لأن شرط استقبال القبلة قد يعفى عنه في مواضع مرت معنا في درسٍ سابقٍ؛ كما لو كان في حال الخوف مثلًا، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، وفي حال أيضًا صلاة النافلة مثلًا في السفر، فهذه لا يشترط استقبال القبلة فيها.

لكن حيث شُرط استقبالها، فإذا استدبر القبلة فإن صلاته تبطل، وهكذا حتى لو لم يستدبرها، لو انحرف عن جهة القبلة إلى جهةٍ أخرى، فإن الصلاة تبطل؛ كأن تكون جهةُ القبلة الغرب فانحرف إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق، فإن الصلاة تبطل، إنما الذي يعفى عنه -كما مر معنا في درسٍ سابقٍ- الانحراف اليسير في الجهة.

  • اتصال النجاسة بالمصلي

قال:

واتصال النجاسة به إن لم يُزِلها في الحال.

وذلك لأن اجتناب النجاسة -كما مر معنا أيضًا- شرطٌ لصحة الصلاة، كأن المؤلف بهذا يقول: إنه يجب تحقيق شروط الصلاة، فإذا أخل بشرطٍ من شروط صحة الصلاة بطلت الصلاة.

وقوله: “إن لم يُزِلها في الحال”، يدل على أنه لو أزال النجاسة في الحال صحت صلاته؛ كما فعل النبي لمَّا صلى وعليه نعلان، فخلع نعليه وخلع الصحابة نعالهم، ثم بعد الصلاة قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا [7]، وهذا يدل على أن الإنسان إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة يجب عليه أن يزيلها في الحال، وإلا بطلت صلاته.

  • العمل الكثير من غير جنس الصلاة

قال:

والعمل الكثير عادةً من غير جنسها لغير ضرورةٍ.

يعني: الحركة الكثيرة المتوالية من غير جنس الصلاة لغير ضرورةٍ، فهذه تُبطل الصلاة، وهذا هو الضابط في الحركة المبطلة للصلاة، تكون حركةً كثيرةً متواليةً عُرفًا لغير حاجةٍ، بحيث يُخيَّل للناظر أن هذا الإنسان ليس في صلاةٍ؛ من كثرة حركته، إنسانٌ يتحرك في الصلاة، بحيث من يأتي يظن أن هذا ليس في صلاةٍ، فهذه الحركة لا شك أنها تبطل الصلاة.

ويفهم من هذا: أن الحركة القليلة لا بأس بها، وقد حمل النبي أمامة بنت أبي العاص [8]، وهذه لا شك أن فيها حركةً، وكان في صلاة العصر، أيضًا فَتْحُ الباب لعائشة رضي الله عنها [9] فيها حركةٌ، أيضًا في صلاة الكسوف تقدم، فتقدمت الصفوف، وتأخر فتأخرت الصفوف [10]، وهذه فيها حركةٌ، فالحركة اليسيرة لا تضر.

وهكذا الحركة غير المتوالية، الحركة الكثيرة غير المتوالية لا تُبطل الصلاة، فلو أنه تحرك مثلًا حركةً كثيرةً ثم توقف، ولم تكن متواليةً في الركعة الأولى، ثم في الركعة الثالثة أيضًا تحرك حركةً كثيرةً، فهذه لا تبطل الصلاة، وإن كانت مكروهةً لكن لا تُبطل الصلاة.

وأيضًا يُستثنى من ذلك لو كانت لضرورةٍ أو لحاجةٍ، حتى على القول الصحيح، حتى لحاجةٍ، فإنها لا تبطل الصلاة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: اقتلوا الأسودين: الحية والعقرب [11]، مع أن قتل الحية والعقرب في الصلاة لا شك أنه يكون معه حركةٌ كثيرةٌ، لكن هذا لأجل الضرورة، فإذا كان ذلك لضرورةٍ فلا بأس.

فإذنْ عرفنا الضابط في الحركة المبطلة للصلاة: الحركة الكثيرة المتوالية عُرفًا لغير حاجةٍ، هذه هي الحركة المبطلة للصلاة.

  • الاستناد لغير عذرٍ

قال:

والاستناد قويًّا لغير عذرٍ.

هذا أشار إليه المؤلف عندما تكلم عن مكروهات الصلاة، لكن أعاده لأجل التأكيد عليه، وأنه إذا استند بحيث يقع لو أزيل ما استند عليه بطلت صلاته إذا كان ذلك لغير عذرٍ، أما لو كان لعذرٍ فلا بأس به؛ لأن هذا الاستناد هو في معنى القعود.

  • الرجوع للتشهد بعد الشروع في القراءة

قال:

ورجوعه عالمًا ذاكرًا للتشهد بعد الشروع في القراءة.

وذلك فيما إذا سها عن التشهد، المقصود بالتشهد: التشهد الأول؛ قام للركعة الثالثة ناسيًا التشهد، فإنه إذا شرع في القراءة يحرم عليه الرجوع، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنه قد شرع في الركن الذي يليه، وعودته للتشهد لأداء واجبٍ بعد شروعه في ركنٍ مبطلةٌ للصلاة.

  • تعمُّد زيادة ركنٍ، وعدم ترتيب الأركان

قال:

وتعمُّد زيادة ركنٍ فعليٍّ، وتعمد تقديم بعض الأركان على بعضٍ.

وذلك لأنه قد سبق معنا أن الترتيب من أركان الصلاة، وهو الركن الرابع عشر، الترتيب ركنٌ من أركان الصلاة، فتعمد زيادة ركنٍ، وتعمد تقديم بعض الأركان على بعضٍ يخل بهذا الركن.

  • تعمد السلام قبل إتمام الصلاة

قال:

وتعمد السلام قبل إتمامها.

يعني: يُبطل الصلاة؛ لأنه قد تكلم فيها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: وتحليلها التسليم [12].

  • تعمد إحالة المعنى في القراءة

وتعمد إحالة المعنى في القراءة.

مقصود المؤلف في القراءة، يعني: قراءة الفاتحة، يعني: تعمد إحالة المعنى في قراءة الفاتحة بأن يكون لحنه يحيل المعنى، يلحن لحنًا يحيل المعنى، أو أنه لا يلحن لكن يتعمد إحالة المعنى، فإن هذا يُبطل الصلاة؛ لأن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة، فيكون قد أخل بركنٍ من أركان الصلاة.

وسبق في درسٍ سابقٍ أن تكلمنا عن اللحن في الصلاة، وقسمناه إلى قسمين، وأقصد باللحن: اللحن في الفاتحة:

  • لحنٍ يحيل المعنى، وقلنا: هذا يبطل الصلاة.
  • ولحنٍ لا يحيل المعنى، فهذا لا يبطل الصلاة.

وظاهر كلام المؤلف: أن اللحن المحيل للمعنى إذا لم يتعمده المصلي، لا تَبطل الصلاة، لكن هذا لعله غير مراد المؤلف، واللحن إذا كان محيلًا للمعنى فإنه يُبطل الصلاة، سواءٌ تعمد أو لم يتعمد، يكون مبطلًا للصلاة إذا كان إمامًا.

ولهذا مثل هذا يتعين على المأموم أن يرد عليه، يفتح عليه، فإذا لم يستجب فإنه لا تصح الصلاة خلفه، وهو إما أن يكون مأمومًا، أو أنه يتعلم تقويم قراءة الفاتحة.

أما إذا كان اللحن لا يحيل المعنى؛ فإن صلاته تصح، وتصح إمامته، لكن أيضًا يتأكد تنبيهه.

طيب، من يَذكر لنا أمثلةً للَّحن المحيل للمعنى؟ مر معنا في درسٍ سابقٍ.

الطالب:

الشيخ: لا، نحن نتكلم عن الفاتحة، نعم.

الطالب:

الشيخ: (صراط الذين أنعمتُ عليهم)، أو (أهدِنا الصراط المستقيم)، طيب، لحنًا غير محيلٍ للمعنى؟ نعم.

الطالب:

الشيخ: (الرحمنُ الرحيم)، بدل: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، (الرحمنُ الرحيم)، و(الحمد لله ربُ العالمين)، هذا لحنٌ غير محيلٍ للمعنى.

قال:

وبوجود سترةٍ بعيدةٍ وهو عريانٌ.

وذلك لأنه يحتاج إلى عملٍ كثيرٍ للاستتار بها، لو كان في مكانٍ يحتاج لأن يمشي ويبحث عن هذه السترة، يحتاج إلى عملٍ كثيرٍ، أما لو كانت قريبةً، فلا بأس أن يمشي، ويستتر بها.

  • نية قطع الصلاة

قال:

وبفسخ النية، وبالتردد في الفسخ، وبالعزم عليه.

وذلك لأن استدامة النية شرطٌ، وسبق أن قلنا: إن استصحاب حكم النية شرطٌ، بينما استصحاب ذكرها مستحبٌ، وبيَّنَّا الفرق بين استصحاب الحكم واستصحاب الذكر، فمن يذكِّرنا بالفرق بينهما؟

الطالب:

الشيخ: الذِّكر، يستحضره، نعم، أحسنت، استصحاب حكم النية ألا ينوي قطعها، هذا واجبٌ لا بد منه، استصحاب ذكرها أن يستصحب النية في جميع الصلاة، هذا ليس بشرطٍ، وإنما يستحب.

فالمؤلف يشير إلى هذا، فإذا قطع النية في الصلاة بطلت الصلاة، وهذا معنى قوله: “وفسخ النية”، وهكذا أيضًا إذا تردد في قطعها تبطل الصلاة، فلا بد من أن تكون النية جازمةً في جميع الصلاة.

وبالعزم عليها، يقول: حتى لو عزم على القطع، حتى مجرد عزمه على القطع حتى وإن لم يقطعها، فإن هذا يؤثر على النية في الصلاة فيبطلها.

  • الشك في النية

وبشكِّه: هل نوى؟ فعمل مع الشك عملًا.

يعني: بشكه هل نوى مثلًا الصلاة أو لم ينو؟ وعمل مع الشك عملًا، فالأصل أنه لم ينو، الأصل عدم النية، ولكن هذا في حق الإنسان السوي غير المبتلى بالوساوس، أما الإنسان المبتلى بالوساوس، فإنه لا يلتفت إلى هذه الشكوك.

على أن هذا التفصيل في هذه النية قد لا يكون جيدًا؛ لأن النية تتبع العلم، والإنسان إذا أتى المسجد فقد نوى الصلاة، وإذا توضأ فقد نوى الصلاة، فقال بعض أهل العلم: لو كلفنا عملًا بلا نيةٍ، لكان هذا من التكليف بما لا يطاق، فمثل هذه التفريعات ربما تؤثر على بعض الناس وتقودهم إلى الوسواس.

ولم نر أحدًا يَسأل يقول: إنه صلى بدون نيةٍ، لم أر من يسأل هذا السؤال، لكن نرى من يوسوس في مثل هذا؛ ولذلك لا أرى التوسع في هذه التفريعات؛ لأنها ربما تقود بعض الناس إلى الوسواس في النية.

  • الدعاء بمَلاذِّ الدنيا

قال:

وبالدعاء بمَلاذِّ الدنيا.

يعني يقولون: إن الدعاء بأمور الدنيا يبطل الصلاة؛ وذلك لأنه يشبه كلام الآدميين.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا بأس به؛ لأنه لا دليل يدل على هذا، والقول بأنه يشبه كلام الآدميين لا يُسَلَّم؛ فإن هذا دعاءٌ لله عز وجل، فهو كالدعاء في السجود، يعني فهو كسائر الأذكار التي تقال في الصلاة، فهو دعاءٌ ومناجاةٌ لله سبحانه، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، أنه لا بأس بالدعاء بأمور الدنيا في صلاة الفريضة، ومَن منع من ذلك فعليه الدليل، ولا دليل يدل على المنع من هذا.

  • الإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله

قال:

وبالإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله أحمد.

يعني: محمدًا عليه الصلاة والسلام، يعني قالوا: لأنه إذا أتى بكاف الخطاب فيكون هذا كلام آدميٍّ، فإذا خاطب آدميًّا بطلت صلاته؛ كأن يقول: يرحمك الله، أو حياك الله، أو نحو ذلك، إذا أتى بكاف الخطاب، معنى ذلك أنه خاطب آدميًّا؛ فلا تصح صلاته، وهو كذلك إذا خاطب آدميًّا، فيكون قد تكلم في الصلاة في غير مصلحتها، وتبطل صلاته إذا كان ذلك عن عمدٍ.

أما إذا كان ذلك سهوًا أو جهلًا، فلا بأس بذلك؛ ولهذا لم يأمر النبي معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة مع أنه قد تكلم فيها [13].

  • القهقهة

قال:

وبالقهقهة.

القهقهة في الصلاة تُبطل الصلاة، وقد حكاه ابن المنذر إجماعًا؛ لأن القهقهة تنافي الخشوع المطلوب في الصلاة، وأما التبسُّم فإنه لا يبطل الصلاة في قول جمهور أهل العلم، التبسم لا يبطل الصلاة، وإنما إذا كان ذلك عن قصدٍ واختيارٍ، فإنه مكروهٌ.

أما إذا كان بغير قصدٍ ولا اختيارٍ، فلا حرج على الإنسان، الإنسان أحيانًا قد يسمع شيئًا ثم يتبسم ليس باختياره، وإنما رغمًا عنه، فإذا كان بغير اختياره فلا حرج عليه، أما إذا كان باختياره فإن التبسم مكروهٌ، إنما الذي يُبطل الصلاة القهقهة.

  • الكلام عمدًا

قال:

وبالكلام ولو سهوًا.

أما إذا كان الكلام عن عمدٍ فهو يبطل الصلاة؛ لقول النبي : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس [14].

أما إذا كان سهوًا فالمؤلف يرى أن الصلاة تبطل، والصحيح: أنها لا تبطل، كما سبق في قصة معاوية بن الحكم ، فإنه قد تكلم في الصلاة فقال: واثُكل أُمِّيَاه، ما لكم تنظرون إليَّ؟! وقد أيضًا شمَّت الرجلَ الذي عطس، وهذا كلامه في الصلاة، ولكنه لما كان معاوية  جاهلًا لم يأمره النبي بإعادة الصلاة، فدل ذلك على أن من كان تكلم جاهلًا أو ناسيًا فإن صلاته صحيحة.

مثال ذلك: رجلٌ يصلي، نادى أحد الناس: يا فلان، قال: نعم، وهو في الصلاة سهوًا، فصلاته صحيحةٌ على القول الراجح صلاته صحيحةٌ، لكن على كلام المؤلف لا تصح.

  • تقدم المأموم على الإمام

قال:

وبتقدم المأموم على إمامه.

هذه تُبطل الصلاة بتقدم المأموم على إمامه؛ لقول النبي : إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه [15].

والقول الثاني في المسألة: أن تقدم المأموم على الإمام إذا كان لغير الحاجة فإن الصلاة تبطل، أما إذا كان لحاجةٍ فلا بأس؛ كأن يضيق المكان فيتقدم على المأموم، كما يحصل في المسجد الحرام، وفي مسجد الخَيف بمنًى أيام الموسم، ومسجد نمرة بعرفات أيام الموسم فلا بأس بذلك، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال: لأن الصلاة خلف المأموم غاية ما فيها أنها واجبةٌ، ومن المعلوم أن الأركان والشروط والواجبات تسقط بالعجز عنها، فهذا غاية ما فيه -الصلاة خلف المأموم- أنه واجبٌ، فإذا كانت الأركان والشروط تسقط بالعجز عنها، فلأن يسقط هذا الواجب من باب أوْلى، وهذا كما ترون استدلالٌ قويٌّ.

ولذلك نقول: لا حرج على الذين يصلون أمام الإمام في المسجد الحرام بسبب الزحام، وكذلك أيضًا في مسجد الخَيف، ومسجد نمرة بعرفاتٍ، لا حرج في هذا، وهكذا لو ضاق مثلًا المسجد الجامع يوم الجمعة، ولم يجد الناس مكانًا إلا الصلاة أمام الإمام، فلا حرج في ذلك على القول الراجح.

أما إذا كان لغير حاجةٍ، فهذا يبطل الصلاة، أما إذا كان لحاجةٍ، فالصحيح أنه لا بأس به.

الطالب:

الشيخ: المأموم على الإمام، يعني كلامنا الذي نعنيه في المصافة، لكن التقدم أيضًا قد يراد به المسابقة، مسابقة الإمام، وهذا أيضًا يبطل الصلاة إذا كان عن عمد، أما إذا كان عن جهلٍ أو سهوٍ فإنه لا بأس به.

وقول المؤلف: “تقدم المأموم على إمامه”، يحتمل هذا ويحتمل هذا، ونحن فصلنا الكلام على كلا التقديرين.

  • بطلان صلاة الإمام

وبطلان صلاة إمامه.

عندهم قاعدةٌ -الحنابلة- أنه إذا بطلت صلاة الإمام؛ بطلت صلاة المأموم، ولذلك يقولون: فلا استخلاف.

والقول الثاني في المسألة: أنه إذا بطلت صلاة الإمام لا تبطل صلاة المأموم، وأن الإمام يستخلف من يكمل بالمأمومين الصلاة، وهذا هو القول الصحيح في المسألة.

وقد مرت معنا هذه المسألة فيما سبق، مسألة الاستخلاف.

  • تعمد السلام قبل الإمام

قال:

وبسلامه عمدًا قبل إمامه.

وذلك لأنه قد ترك متابعة الإمام لغير عذرٍ.

أو سهوًا ولم يُعِدْه بعده.

حتى لو سلم سهوًا فيجب عليه أن يعيد السلام بعد الإمام، فإن لم يفعل بطلت صلاته، وهذا أيضًا هو قول الشافعية.

إذنْ إذا سلم عمدًا بطلت صلاته، أما إذا سلم سهوًا، فيجب عليه أن يعيد السلام بعد إمامه، فإن لم يعده بطلت صلاته.

  • الأكل والشرب

وبالأكل وبالشرب.

قال ابن المنذر: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من أكل أو شرب في الفرض عامدًا أن عليه الإعادة”.

سوى اليسير عرفًا لناسٍ وجاهلٍ.

اليسير عرفًا لا حرج فيه للناسي وللجاهل، وهكذا أيضًا إذا كان ذلك لحاجةٍ، يعني: كأن يكون الإنسان مصابًا بالسكر مثلًا، فاحتاج إلى أن يأكل شيئًا يسيرًا محلًّى مثلًا، فهذا إذا كان يسيرًا فلا بأس به، أو أن يشرب ماءً قليلًا؛ كأن تصيبه شرقةٌ فيشرب قليلًا من الماء، لا بأس به إذا كان لحاجةٍ، أو كان يسيرًا.

ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغٍ.

إنما أورد المؤلف هذا ليرد على من قال من الفقهاء: إن الصلاة تبطل، لكن الصحيح أنها لا تبطل؛ لأن هذا شيءٌ يسيرٌ.

  • التنحنح بلا حاجةٍ

وكالكلام إن تنحنح بلا حاجةٍ.

يعني: تبطل صلاته إن تنحنح بلا حاجةٍ، وهذا هو المشهور من المذهب، والقول الصحيح -وهو روايةٌ عن الإمام أحمد- أنها لا تبطل، قال مُهَنَّا: رأيت أبا عبدالله يتنحنح في الصلاة، وقد جاء في هذا حديث عليٍّ ، قال: “كان لي بابان على رسول الله ، فكنت إذا دخلت تنحنح لي” [16]، يعني: وقتان كان يدخل فيهما عليٌّ ، قال: “كنتُ إذا دخلت تنحنح لي”، فهذا يدل على أن التنحنح لا بأس به.

لكن المؤلف قيَّد هذا إذا كان بلا حاجةٍ، ونحن قلنا: إذا كان بحاجةٍ فلا بأس به، أما إذا كان لغير حاجةٍ فهو مكروهٌ، أما القول بأنه يبطل الصلاة، فليس عليه دليلٌ ظاهرٌ، إنما إذا كان لغير حاجةٍ فهو نوعٌ من العبث؛ فيكون مكروهًا، أما إذا كان لحاجةٍ فلا حرج.

من يمثل لنا تنحنحًا لحاجةٍ؟ تنحنح لحاجةٍ لا حرج من غير كراهةٍ.

الطالب:

الشيخ: نعم، عنده صغيرٌ مثلًا يعبث، ويخشى عليه أن يخرج، فيتنحنح؛ لينبه من حوله إلى هذا الصغير مثلًا.

الطالب:

الشيخ: نعم لمرضٍ مثلًا، طيب، ما رأيكم بعض المأمومين إذا أطال الإمام في القراءة جعل يتنحنح، هل هذا لحاجةٍ؟

الطالب:

الشيخ: نعم، صحيحٌ، قد يكون بعض الأئمة يطيل إطالةً زائدةً، ويكون هذا المأموم يشق عليه القيام، فإذا كان لحاجةٍ، قد نعتبر هذا لحاجةٍ، لكن إذا كان كما يفعله بعض الناس مجرد إطالةٍ على غير ما اعتاده المأمومون يقوم فيتنحنح، فهذه لغير حاجةٍ، لكنها تكون مكروهةً.

  • تكلف البكاء

قال:

أو انتحب لا خشيةً.

يعني: بكى في الصلاة، واستثنى المؤلف ما إذا كان البكاء من خشية الله؛ لأن عمر كان يسمع نشيجه وراء الصفوف، فالبكاء إذا غلب الإنسان فلا حرج عليه، أما إذا لم يغلب الإنسان، تكلفه، هذا يخشى أن تبطل صلاته، كما يحصل من بعض الناس مثلًا أحيانًا في صلاة التراويح، تجد بعض الناس لا يغلبه، لكن يتكلف البكاء، ويكون صوته مرتفعًا ارتفاعًا كبيرًا، هذا يخشى على صلاته أن تبطل.

إن المطلوب من الإنسان أن يخفي بكاءه قدر المستطاع، فإذا غلبه البكاء فلا حرج، لكن أن يرفع صوته كما يُنقل، بعض الناس يقول: يرفع صوته حتى يسمعه جميع من في المسجد، ويكون تكلفًا، يعني لا يكون غلبه البكاء.

فهذا يُخشى أن تَبطل صلاته، فنفرق بين الأمرين، فمثل هذا ينبغي أن ينصح، ويقال: ينبغي ألا يرفع صوته بالبكاء، وأن يحاول أن يكتم البكاء قدر المستطاع، ما غلبه لا حرج عليه فيه، لكن هذا الشيء الموجود ينبغي أن يبيَّن للناس، خاصةً من يفعل ذلك ربما يكون فيه خيرٌ وصلاحٌ، لكن ربما أنهم يرون أن هذا مؤثرٌ على غيرهم أو كذا.

فنجد أن الفقهاء شددوا في هذا، لاحِظوا أن المؤلف عده من مبطلات الصلاة، إلا إذا غلبه، يعني لم يستطع أن يتحكم في نفسه، هذا لا حرج عليه، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، كما كان عمر ، وأبو بكرٍ  لا تكاد تعرف قراءتهما من البكاء، هؤلاء يغلبهم البكاء ، لكن الذي أقصده: إنسانٌ يتكلف البكاء، ويتكلف رفع الصوت، فهذا يُخشى أن تَبطل صلاته.

الطالب:

الشيخ: التباكي لا بأس به، وقد ورد فيه حديث: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا [17]، لا بأس بالتباكي، ولا يعد من الرياء، لكن الذي نقصده رفع الصوت رفعًا كبيرًا، كما يحصل، بعض الناس يرفع صوته بحيث يسمعه جميع من في المسجد، فهذا يُخشى أن تبطل صلاته، وبإمكانه أن يخفض صوته.

  • النفخ إذا بان معه حرفان

أو نفخ فبان حرفان.

يعني: أنه تبطل صلاته، فالصحيح أنه لا تبطل بهذا، إلا إذا وصل إلى القهقهة، فهي التي قلنا: نقل الإجماع على أنها مبطلة للصلاة، القهقهة والكلام المعتمد، أما مثل النفخ، ومثل التنحنح، وهكذا الانتحاب، يعني البكاء من خشية الله، فهذا الصحيح أنه لا يُبطل الصلاة.

لا إنْ نام فتكلم، أو سبق على لسانه حالَ قراءته، أو غلبه سعالٌ أو عطاسٌ.

“لا إن نام فتكلم”، طيب، كيف يكون ينام ويتكلم في الصلاة، كيف ينام؟

الطالب:

الشيخ: يعني المقصود بالنوم: النوم غير المبطل للصلاة، الذي هو النعاس.

أو سبق على لسانه حال قراءته.

ونحن قلنا: من تكلم غير متعمدٍ لا تبطل صلاته، هذا القول الصحيح، والمؤلف هنا استثنى مسألةً أيضًا ما يسبق على لسانه حال القراءة، مع أنه قبل هذا قال: “وبالكلام ولو سهوًا”؛ ولهذا هذا مما يبيِّن ضعف هذا القول.

والصحيح: أنه إذا لم يتعمد الكلام، فلا حرج عليه مطلقًا، من غير هذا التفصيل الذي ذكره المؤلف.

أو غلبه سعالٌ، أو عطاسٌ، أو تثاؤبٌ، أو بكاءٌ.

لأنه بغير اختياره، وقد صح عن النبي أنه قرأ سورة المؤمنون في صلاة الفجر، حتى بلغ ذكر موسى وهارون، فأخذته سعلةٌ فركع [18]، ومعنى سعلةٍ: يعني شرقةٌ فركع، وهذا يدل على أنه إذا عرض للإمام شيءٌ، فالسنة له أن يركع، ولا يكمل قراءته، لا يتحامل على نفسه، لو بح صوته، أو أخذته شرقةٌ، أو نحو ذلك، فالسنة ألا يواصل القراءة، وإنما يركع، هذا بالنسبة إذا كان إمامًا.

طيب، لو كان المأموم خلفه أصابته نوبة عطاسٍ مثلًا، هل للإمام أن يخفف الصلاة؟ هل نقول: إن هذا يشرع في حقه؟

أما الإمام فظاهرٌ، لكن المأموم، من يستنبط لنا مما سبق؟

الطالب:

الشيخ: نعم، يخفف الصلاة، الدليل لذلك: قول النبي : إني لأدخل الصلاة وأريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأخففها؛ مخافة أن تُفتَن أمه [19]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.

فإذا كان النبي يخفف الصلاة لأجل صوت بكاءٍ؛ خشية أن تتأثر أمه، فكيف إذا كان التأثر من أحد المأمومين إما بعطاسٍ، وإما بسعالٍ، وإما بنحو هذا، أو حتى كحةٍ؟!

لو أحد المأمومين أخذته كحةٌ متواصلةٌ، فالسنة للإمام أن يخفف الصلاة، وهذا يدل -يا إخواني- على عظمة دين الإسلام، الإسلام يراعي حتى الشخص الواحد، كل إنسانٍ له احترامه.

فلاحِظ، النبي عليه الصلاة والسلام راعى امرأةً بكى صبيها، فمن باب أولى أن يراعى أحد المأمومين، وهذا من فقه الإمام، لو احتاج أحد المأمومين التخفيف يخفف الصلاة، طبعًا المقصود بالتخفيف: التخفيف الذي يتحقق به ركن الطمأنينة.

فتجدون -يا إخواني- الإسلام يراعي حق كل مسلمٍ؛ ولذلك في قصة نزول آية التيمم؛ لمَّا كان النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى غزواته، ونزل بمكانٍ، فلما أراد الارتحال فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها، فقام النبي عليه الصلاة والسلام بالجيش يبحث عن عقد عائشة رضي الله عنها، حتى إن أبا بكرٍ  أتى وطعنها حتى أجهشت بالبكاء [20]، ففعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا لأجل امرأةٍ، فكل إنسانٍ له كرامته وحقه واحترامه وحقوقه.

هذا -مع الأسف!- الآن يطبقه الآن الغرب، الآن لو أنه أُسِر واحدٌ منهم، أو قتل أو كذا، تجد أنهم يقيمون الدنيا، هذا في الإسلام، في الإسلام أن الشخص الواحد له احترامه، سواءٌ كان في الصلاة أو في غير الصلاة.

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما أشيع أن عثمان قد قُتل، بايع الصحابة بيعة الرضوان [21]؛ لأجل رجلٍ واحدٍ، فهذا الذي يطبقه الآن الغرب، هو بعينه موجودٌ في الإسلام، كل واحدٍ من المسلمين له حقه، حقوقه كاملة، وله احترامه، وله تقديره، وله كرامته، فحتى لو أحد المصلين، لو حتى في يوم الجمعة، أحد الناس أخذته سعلةٌ مثلًا إما شَرْقةٌ أو كُحَّةٌ متواصلةٌ، أو عطاسٌ، أو نحو ذلك، فيشرع للإمام أن يخفف الصلاة من أجل مراعاته، فهذا يدل على عظمة هذا الدين.

بهذا نكون قد انتهينا من أحكام الصلاة، ونقف عند باب سجود السهو، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام عن صلاة التطوع بعد سجود السهو.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 641، وابن ماجه: 655، وأحمد: 25167.
^2 رواه أبو داود: 585.
^3 رواه البخاري: 4302.
^4 رواه البخاري: 6077، ومسلم: 2560.
^5 رواه البخاري: 1280، ومسلم: 1486.
^6 رواه مسلم: 1352، بنحوه.
^7 رواه أبو داود: 650، وأحمد: 11877.
^8 رواه البخاري: 516، ومسلم: 543.
^9 رواه الترمذي: 601، والنسائي: 1205، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
^10 رواه مسلم: 904.
^11 رواه أبو داود: 921.
^12 رواه أبو داود: 61.
^13, ^14 رواه مسلم: 537.
^15 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^16 رواه النسائي: 1212.
^17 رواه ابن ماجه: 1337.
^18 رواه مسلم: 455.
^19 رواه البخاري: 707، ومسلم: 470.
^20 رواه البخاري: 334، ومسلم: 367.
^21 رواه البخاري: 4150.