logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(23) سجود التلاوة- من قوله: “ويُسَنُّ سجود التلاوة ..”

(23) سجود التلاوة- من قوله: “ويُسَنُّ سجود التلاوة ..”

مشاهدة من الموقع

سجود التلاوة

هو السجود الذي سببه تلاوة أو استماع آية من آيات السجود في القرآن، وقد اتَّفق العلماء على مشروعيته، ومما ورد في فضله ما جاء في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمِرْتُ بالسجود فَأَبَيْتُ فَلِيَ النار [1].

إذا قرأ ابن آدم السجدة ما المقصود بالسجدة في هذا الحديث؟

طالب: الآية …..

الشيخ: يعني: الآية التي في سورة السجدة؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنتَ، الآية التي تكون فيها السجدة أو السجود، وسيأتي الكلام عنها.

يعني: ليس المقصود بها سورة السجدة، وإنما الآيات التي فيها السجود، فإذا قرأ المسلم هذه الآيات وسجد، فإن الشيطان يعتزله ويتحسر ويبكي، ويقول: أُمِرَ ابنُ آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمِرْتُ بالسجود فَأَبَيْتُ فَلِيَ النار.

حكم سجود التلاوة

مع اتِّفاق العلماء على مشروعية سجود التلاوة إلا أنهم اختلفوا في حكمه: هل هو واجبٌ أو مُستحبٌّ؟

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه مُستحبٌّ، وذهب الحنفية إلى وجوبه، وهو روايةٌ عند أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ومَن قال بوجوبه استدلَّ بظاهر الأمر في النصوص، ومنها: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] يعني: ظاهر الأمر في الآيات التي فيها السجود، وذَمّ مَن لم يسجد: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ [الانشقاق:21]، فاستدلوا بظاهر هذه النصوص.

وأما الجمهور فحملوا جميع ما ورد في السجود على الاستحباب، قالوا: والصَّارف للأوامر من الوجوب إلى الاستحباب ما جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابت : أنه قرأ على النبي سورة النجم فلم يسجد فيها [2]، ولو كان السجود واجبًا لم يُقرَّه النبي على تَرْك السجود.

ويدل لذلك أيضًا ما جاء في “صحيح البخاري”: أن عمر بن الخطاب قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدةَ نزل فسجد وسجد الناسُ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: “يا أيها الناس، إنا نمر بالسجود، فمَن سجد فقد أصاب، ومَن لم يسجد فلا إثم عليه”، ولم يسجد عمر . وقال البخاري: وزاد نافعٌ عن ابن عمر رضي الله عنهما: “إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء” [3].

قال ابن قُدامة: وهذا كان يوم جمعةٍ بمحضرٍ من الصحابة وغيرهم، فلم يُنْكَر، فكان إجماعًا.

يعني: كون عمر يفعله على الملأ، ويُبين أن السجود غير واجبٍ، ويُقرّه الصحابة على هذا؛ فلا شكَّ في أن هذا استدلالٌ قويٌّ.

طيب، إذا قرأ الخطيبُ آيةً فيها سجدةٌ في خطبة الجمعة، هل نقول: إن السُّنة أنك تنزل وتسجد ويسجد الناس؟

نفترض أن الخطيب وهو يخطب قرأ آيةً فيها سجدةٌ.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: ارفع صوتك.

الطالب: …….

الشيخ: لا يسجد، لماذا لا يسجد؟

طالب آخر: إن شاء سجد، وإن شاء لم يسجد.

الشيخ: نعم، الظاهر أنه ينزل ويسجد، وهذه من السنن المهجورة، يسجد ثم يرجع للمنبر.

طالب: ينزل …….

الشيخ: نعم، ينزل، أو على المنبر، فالمنابر عندنا الآن مُهَيَّأةٌ، فيسجد ويسجد الناسُ معه، ثم يُكمل الخُطبة.

طالب: …….

الشيخ: هذا لا بأس به، لكن ينبغي أن يُبين للناس قبل هذا؛ لأن الأشياء التي يستغربها الناس أو تكون من السنن المهجورة ينبغي أن يُمَهَّد لها بتمهيدٍ، أما كونه يأتي ويسجد مباشرةً -يعني- قد يستغرب الناس، وأيضًا لا يسجدون معه، لكن ظاهر هذا أنها سُنةٌ؛ ولذلك فعلها عمر ، وفعلها الصحابة معه، والحديث في “صحيح البخاري”، فهي سُنةٌ، ولا يُنْكَر على مَن فعلها، بل أصاب السنة، لكن -كما ذكرتُ- ينبغي أن يُبيِّن الحكم للناس قبل أن يفعلها.

طالب: يكونون جماعةً واحدةً في السجود أو كل شخصٍ يسجد وحده؟

الشيخ: لا، يسجد الخطيب ويسجد الناس كلهم الذين في الجامع.

الطالب: …….

الشيخ: ….. إذا سجد يسجدون كلهم.

طالب: …….

الشيخ: التكبير سيأتي الكلام عنه، لكن هم يسجدون، فالسجود مشروعٌ في هذه الحال.

طالب: …….

الشيخ: نعم؟

الطالب: …….

الشيخ: ….. يبين لهم، يقول: الآن سأقرأ آية السجدة وسأسجد، وهذه سنةٌ، وقد فعلها عمر ، يُبين لهم هذا.

طالب: ويَأْتَمُّون به؟

الشيخ: نعم؟

الطالب: أقصد: يَأْتَمُّون به.

الشيخ: لا، هو الصحيح .. سيأتينا أنه ليس صلاةً، لكن هذا المشروع، أنا قصدتُ من هذا أنه لا يُنْكَر على مَن فعل ذلك؛ لأن هذا -يعني- فعله الصحابة .

طيب، نعود لعبارة المؤلف، قال:

ويُسَنُّ سجود التلاوة مع قِصَر الفصل للقارئ والمُستمع.

“يُسَنُّ سجود التلاوة” القول الراجح هو قول الجمهور: أنه مُستحبٌّ، وليس واجبًا؛ وذلك لقوة أدلة الجمهور: حديث زيد بن ثابتٍ في الصحيحين، وأيضًا عمر فعل هذا بمحضرٍ من الصحابة.

فالصحيح أنه مُستحبٌّ، وليس واجبًا، كما قال المؤلف: “يُسَنُّ”.

قال: “مع قِصَر الفصل”، يعني: لا يطول الفصل “عُرْفًا”، فلو أنه -مثلًا- قرأ آيةً فيها سجدةٌ، وبعد ساعةٍ أو ساعتين أراد أن يسجد، نقول: طال الفصل؛ فلا يُشْرَع السجود، لكن إذا كان الفاصل قصيرًا نقول: يُسَنُّ السجود في هذه الحال.

حكم سجود التلاوة في حقِّ المُستمع

هنا قال المؤلف: “للقارئ والمُستمع”، فسجود التلاوة سُنةٌ في حقِّ القارئ، يعني: الذي يتلو ويقرأ، فإذا مَرَّ بآيةٍ فيها سجدةٌ فَيُسَنُّ في حقِّه السجود، وكذلك أيضًا في حقِّ المُستمع دون السامع، فما الفرق بينهما؟

ما الفرق بين المُستمع والسامع؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنت، المُستمع هو الذي يُنْصِت للقارئ ويُتابعه، والسامع هو الذي يسمع الشيء دون أن يُنْصِت له، فالذي تترتب عليه الأحكام هو المُستمع دون السامع، والذي يُسَنُّ له السجود هنا المُستمع دون السامع.

وهكذا أيضًا في غير هذا؛ فلو أن إنسانًا مَرَّ بمحلِّ أَغَانٍ -مثلًا- وقد رُفِعَ الصوت، أو مَرَّتْ سيارةٌ -مثلًا- وقد رُفِعَ الصوت بالغناء، فهل يأثم الإنسان بسماع ذلك؟

نقول: إذا كان مُستمعًا يأثم، أما إذا كان سامعًا فلا يأثم، ففرقٌ بين المُستمع والسامع.

طالب: …….

الشيخ: طبعًا لا، مسألة إنكار المُنكر هذه مسألةٌ أخرى، لكن نحن نتكلم عن: هل يأثم أو لا يأثم؟

نقول: يأثم إذا كان مُستمعًا لا سامعًا.

طالب: …….

الشيخ: نعم، ممكن، فأحيانًا يكون في مكانٍ ولا يستطيع أن يُنْكِر، ولا يستطيع أن يخرج، مثلًا: في السوق أو في .. فهنا لا يأثم إذا كان لا يستمع، إذا كان مجرد سامعٍ ولا يستمع لا يأثم بهذا، فالأحكام متعلقةٌ بالمُستمع دون السامع.

المُستمع له حكم الناطق أيضًا، وهكذا المُؤَمِّن على الدعاء يأخذ حكم الداعي؛ ولهذا كان موسى  يدعو وهارون يُؤَمِّن، قال الله : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89].

هل يُشترط لسجود التلاوة ما يُشترط للصلاة؟

قال:

وهو كالنَّافلة فيما يُعتبر لها.

يعني: أن سجود التلاوة كصلاة النافلة فيما يُعتبر لها من الشروط.

وأفادنا المؤلف بهذا أن سجود التلاوة صلاةٌ، وهذه مسألةٌ اختلف فيها الفقهاء، والخلاف فيها له ثمرةٌ: هل سجود التلاوة صلاةٌ أو ليس بصلاةٍ؟

فإذا قلنا: إنه صلاةٌ؛ يترتب عليه أنه يُشترط له ما يُشترط لصلاة النافلة: من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وجميع ما يُشترط في صلاة النافلة.

وإذا قلنا: إنه ليس بصلاةٍ؛ لا يُشترط له ذلك كله.

المؤلف يرى أنه صلاةٌ؛ وذلك لأن تعريف الصلاة ينطبق عليه، فهي عبادةٌ ذات أفعالٍ وأقوالٍ، مُفْتَتَحةٌ بالتَّكبير، ومُخْتَتَمةٌ بالتَّسليم.

قالوا: فهذا ينطبق على سجود التلاوة، وعلى هذا فيُشترط له ما يُشترط لصلاة النافلة.

والقول الثاني: أن سجود التلاوة ليس بصلاةٍ؛ إذ إنه لا ينطبق عليه تعريف الصلاة، فلم يثبت في السُّنة أن له تكبيرًا أو تسليمًا، والأحاديث الواردة ليس فيها إلا مجرد السجود: “سجد وسجدنا معه” [4]، وإن كان بعضها قد ورد فيه أنه كبَّر عند السجود [5]، لكن أيضًا الحديث المروي في ذلك ضعيفٌ كما سيأتي، ولم يثبت أيضًا أن فيه تسليمًا، فإذا لم يكن فيه تكبيرٌ ولا تسليمٌ ولا جلوسٌ، فكيف يكون صلاةً؟ فالصلاة عبادةٌ مُفْتَتَحةٌ بالتكبير، ومُخْتَتَمةٌ بالتَّسليم.

أيضًا مما يدل لذلك ما جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي سجد بالنجم -يعني: بسورة النجم- وسجد معه المسلمون والمشركون والجنُّ والإنس [6].

وهذا الحديث في “صحيح البخاري”، وقد بوَّب عليه البخاري بقوله: “باب سجود المسلمين مع المشركين، والمُشْرِك نجسٌ ليس له وضوءٌ”، هذا هو تبويب البخاري، ثم قال البخاري: “وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد على غير وضوءٍ”، وهذا هو القول الراجح -والله أعلم- في هذه المسألة، وهو: أن سجود التلاوة ليس بصلاةٍ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار الشيخ محمد بن عثيمين أيضًا، رحمة الله تعالى على الجميع.

وبناءً على ذلك لا يُشترط لسجود التلاوة ما يُشترط للصلاة، فللإنسان أن يسجد وهو على غير طهارةٍ، ويسجد إلى غير القبلة، فلا يُشترط فيه ما يُشترط للصلاة.

مثلًا: لو كان يقرأ القرآن في السيارة، ومَرَّ بآيةٍ فيها سجدةٌ يسجد ولو إلى غير القبلة بناءً على هذا القول، لكن بناء على القول الأول ليس له ذلك.

طيب، انتبه، هذه المسألة تترتب عليها مسائل كثيرةٌ سيذكر المؤلف جملةً منها، سيذكر المؤلف جملةً من المسائل المُترتبة على الخلاف في هذه المسألة.

طالب: …….

الشيخ: نعم، أحسنت؛ لأن سجود التلاوة نافلةٌ، وليس واجبًا؛ فلذلك يقولون: هو كصلاة النافلة، وهناك فرقٌ بين صلاة النافلة وصلاة الفريضة؛ فصلاة النافلة القيام فيها ليس ركنًا، بينما صلاة الفريضة القيام فيها ركنٌ.

هم يقولون: لما كان سجود التلاوة نافلةً، فنقول: يُشترط فيه ما يُشترط في صلاة النافلة، وليس ما يُشترط في الفريضة.

حكم التَّكبير والتَّسليم لسجود التلاوة

قال:

يُكبر إذا سجد -بلا تكبيرة إحرامٍ- وإذا رفع، ويجلس ويُسلم بلا تشهدٍ.

“يُكبِّر إذا سجد بلا تكبيرة إحرامٍ” يعني: لا يحتاج إلى أن يُكبر تكبيرة إحرامٍ ثم يُكبر.

يعني: مقصود المؤلف: أنه يُكبر تكبيرةً واحدةً، ولا يُكبر تكبيرتين، ثم إذا رفع أيضًا يُكبر ويجلس ويُسلم بلا تشهدٍ.

وهذا بناء على القول بأنه صلاةٌ، لكن بناء على القول الذي رجَّحناه -وهو أن سجود التلاوة ليس بصلاةٍ- نقول: إن سجود التلاوة لا يخلو من حالتين:

  • الحالة الأولى: أن يكون داخل الصلاة، فيُشرع التَّكبير عند الخفض والرفع، يعني: إذا أراد السجود كبَّر، وإذا رفع كبَّر؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن أبي هريرة : أنه كان يُصلي بهم، فيُكبر كلما خفض ورفع، ويقول: “إني لأشبهكم صلاةً برسول الله [7]؛ ولأنه لم يُنقل عن النبي أنه سجد بدون تكبيرٍ، أو رَفَعَ بدون تكبيرٍ، فإذا كان داخل الصلاة فيُكبر عند السجود، ويُكبر عند الرفع.
  • الحالة الثانية: أن يكون سجود التلاوة خارج الصلاة، فَرُوِيَ في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله يقرأ علينا القرآن، فإذا مَرَّ بالسجدة كبَّر وسجد، وسجدنا معه” [8].

وهذا الحديث من أحاديث “بلوغ المرام”، قال الحافظ في “البلوغ”: “رواه أبو داود بسندٍ فيه لينٌ”؛ وذلك لأنه قد رُوِيَ من طريق عبدالله بن عمر العَمْرِي المُكَبَّر، وعبدالله بن عمر المُكَبَّر ضعيفٌ، بينما المُصَغَّر عبيدالله بن عمر ثقةٌ، المُصَغَّر ثقةٌ، والمُكَبَّر ضعيفٌ.

وهذا الحديث قد رُوِيَ من طريق عبدالله بن عمر المُكَبَّر، ليس الصحابي، وإنما -يعني- أحد الرواة، وعبدالله بن عمر المُكَبَّر ضعيفٌ؛ ولهذا كان يحيى بن سعيد لا يُحدِّث عنه.

وبناءً على ذلك يكون هذا الحديث ضعيفًا لا يثبت، ولم يَرِدْ دليلٌ آخر يدل على مشروعية التَّكبير في سجود التلاوة غير هذا الحديث.

وعلى هذا يكون الأقرب -والله أعلم- أنه لا يُشرع التَّكبير عند سجود التلاوة؛ لعدم ثبوت ما يدل على مشروعيته.

وأما التَّكبير عند الرفع من السجود فلم يرد في ذلك شيءٌ، وهكذا السلام منه أيضًا لم يرد في ذلك شيءٌ، والأصل في العبادات التَّوقيف؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “سجود القرآن لا يُشْرَع فيه تحريمٌ ولا تحليلٌ”.

هذه هي السُّنة المعروفة عن النبي ، وعليه عامَّة السلف، وهذا هو المنصوص عن الأئمة المشهورين، قال: “ولم يَسُنَّ النبيُّ في سجود التلاوة سلامًا، ولم يُرْوَ عنه ذلك، لا بإسنادٍ صحيحٍ، ولا ضعيفٍ”.

إذن الخلاصة أن القول الراجح: أن الإنسان عندما يريد أن يسجد سجود التلاوة يسجد من غير تكبيرٍ، ويرفع من غير تكبيرٍ، ولا حاجة للسلام؛ لأنه لم يثبت في ذلك شيءٌ، إنما رُوِيَ في ذلك حديثٌ في التَّكبير، وقلنا: إنه حديثٌ ضعيفٌ.

وبناءً على ذلك يسجد مباشرةً من غير تكبيرٍ، لا في السجود، ولا في الرفع منه، لا عند السجود، ولا عند الرفع منه، لم يثبت في هذا شيءٌ، فيكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف.

ماذا يقول في سجود التلاوة؟

طيب، قبل أن نتجاوز هذه النقطة: ماذا يقول في سجود التلاوة؟

يقول في سجود التلاوة ما يقوله في سجود صُلْب الصلاة، نَصَّ على هذا الإمام أحمد رحمه الله، وحينئذٍ يُشْرَع له أن يقول: “سبحان ربي الأعلى” ويُكررها؛ لأن هذا هو المشروع في سجود الصلاة، ويقول كذلك بعده: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”.

وأيضًا جاء عند أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي كان يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشَقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته، هذا لفظ أبي داود، ورواه الترمذي وزاد: تبارك الله أحسن الخالقين [9].

وأيضًا جاء عند الترمذي وابن ماجه وأحمد: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني رأيتُني الليلة وأنا نائمٌ كأني أُصلي خلف شجرةٍ، فقرأتُ السجدة -وفي روايةٍ: قرأتُ بسورة “ص” فلما بلغتُ إلى سجدتها سجدتُ- فسجدتُ، فسجدتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعتُها تقول: “اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وَضَعْ عني بها وِزْرًا، واجعلها لي عندك ذُخْرًا، وتقبَّلها مني كما تقبَّلتَها من عبدك داود”، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فرأيتُ النبي قرأ السجدة فسجد، فسمعتُه يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة [10].

وهذا الحديث في سنده مقالٌ، هو أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد، لكن لعله يثبت بمجموع الطرق، والنووي قال: إسناده حسنٌ. وصحَّحه الألباني وجماعةٌ.

فإذا أتى بهذا الذكر فحسنٌ، لكن المهم هو أن يقول: “سبحان ربي الأعلى” يُكررها، وبعد ذلك ما تيسر من الأذكار التي ذكرناها.

طالب: …….

الشيخ: هو ليس بصلاةٍ، لكن ماذا يقول فيه؟ هل يسجد ويسكت؟

نعم.

طالب: ما جاء عن النبي في سجود التلاوة.

الشيخ: لا، جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في سجود القرآن بالليل أنه قال: سجد وجهي للذي خلقه، وشَقَّ سمعه وبصره، ورد النصُّ على هذا، لكن باعتباره سجودًا، وأصل السجود التَّسبيح؛ لأنه قال: لما نزلتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في سجودكم [11]، وهذا يشمل سجود الصلاة وسجود التلاوة.

حكم سجود المأموم لقراءة نفسه

طيب، نعود لعبارة المؤلف، قال:

وإذا سجد المأموم لقراءة نفسه أو لقراءة غير إمامه عمدًا بطلتْ صلاته.

يعني: إذا سجد المأموم لقراءة نفسه -يعني- في الصلاة السرية.

مثلًا: كانوا يُصلون الظهر، فكان المأموم يقرأ سورةً فيها سجدةٌ؛ يقرأ -مثلًا- سورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق]، أو سورة النجم، أو أي سورةٍ فيها سجدةٌ، فَمَرَّ بآيةٍ فيها سجدةٌ، فهل المأموم يسجد؟

نقول: ليس له أن يسجد؛ لقول النبي : إنما جُعِل الإمام لِيُؤْتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه [12].

ولهذا سبق أن ذكرنا في درسٍ سابقٍ أن المأموم حتى لو ترك واجبًا من واجبات الصلاة فلا يُشرع له أن يسجد للسهو؛ لأجل مُتابعة إمامه.

حكم سجود المأموم لقراءة غير إمامه

قال:

أو لقراءة غير إمامه عَمْدًا.

يعني: سمع المأموم إمامًا آخر يقرأ، فسجد مُتعمدًا؛ فإن صلاته تبطل.

وأفاد المؤلف بقوله: “عمدًا” أن المأموم لو سجد لقراءة غير إمامه سهوًا أن صلاته لا تبطل، وهذا يحصل عند تداخل أصوات بعض الأئمة، فيكون المأموم يسمع قراءة إمامٍ آخر ويسجد معه، فإذا كان سهوًا فإنه يتدارك، وليس عليه شيءٌ، وإنما مقصود المؤلف: إذا سجد لقراءة غير إمامه عمدًا.

حكم مُتابعة الإمام في سجود التلاوة

قال:

ويلزم المأمومَ مُتابعةُ إمامه في صلاة الجهر.

يعني: لو سجد الإمامُ سجودَ التلاوة في صلاة الجهر، فإنه يَلْزَم المأمومَ مُتابعتُه، فلو ترك مُتابعته عمدًا بطلتْ صلاته؛ للحديث السابق: إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤْتَمَّ به.

وهذا يقودنا إلى مسألةٍ هي: حكم قراءة الإمام سورةً فيها سجدةٌ في الصلاة السرية: في صلاة الظهر أو العصر، فما رأيكم؟

طالب: لا يسجد.

الشيخ: لا يسجد، يقرأ ولا يسجد.

طيب، نعم؟

طالب آخر: يسجد.

الشيخ: يسجد، هو إذا سجد يترتب على هذا إشكالٌ، وهو: أن المأمومين يظنون أنه قد سَهَا، فسوف يُسبِّحون.

وأذكر أن أحد الناس سألني قال: كنا نصلي خلف إمامٍ صلاة الظهر، ثم سجد، فقلنا: سبحان الله، سبحان الله، وأَصَرَّ على السجود، فلما انتهينا قال: إني كنتُ قد قرأتُ آيةً فيها سجدةٌ. يقول: فلم نُتابعه، ما تابعناه، ظننا أنه قد سها، وأنه -يعني- أَصَرَّ على رأيه في هذا.

بعض العلماء كره هذا، قالوا: إنه مكروهٌ. وقالوا: لأنه لا يخلو: إما ألا يسجد فيترك السجود المُتأكد استحبابه، أو أن يسجد فيُشوِّش على المأمومين.

والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا كان لا يحصل التَّشويش على المأمومين: إما بإخبارهم قبل الصلاة -مثلًا- بأنه سوف يقرأ آيةً فيها سجدةٌ، وسوف يسجد، وإما بمعرفتهم حال إمامهم: أنه أحيانًا يقرأ آيةً فيها سجدةٌ ويسجد، فلا بأس بهذا، إذا لم يحصل التَّشويش على المأمومين فلا بأس بذلك.

أما إذا كان يترتب عليه تشويشٌ على المأمومين فالأولى أن يتركه، لكن أيضًا الكراهة حكمٌ شرعيٌّ، والقول بالكراهة يحتاج إلى دليلٍ ظاهر الحكم الشرعي.

فنقول: الأولى ألا يفعله إذا كان ربما يترتب على ذلك تشويشٌ على المأمومين.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، ممكن، فهذه من الوسائل التي يستطيع أن يفعلها ولا يحصل تشويشٌ:

– يرفع صوته قليلًا بالآية التي فيها سجدةٌ.

– يُخْبِرهم قبل الصلاة.

– إذا حصل تشويشٌ يُشير لهم إشارةً.

إذا كان يحصل هذا فلا بأس، لكن إذا كان لن يفعل هذا كله فربما حصل التشويش على المأمومين.

هل يُشترط لسجود التلاوة أن يكون القارئ يصلح إمامًا للمُستمع؟

قال:

ويُعتبر كون القارئ يصلح إمامًا للمُستمع.

سبق أن قلنا: إن سجود التلاوة يُشْرَع للمُستمع دون السامع، وعرفنا الفرق بينهما.

المؤلف يقول:

يُعتبر كون القارئ يصلح إمامًا للمُستمع، فلا يسجد إن لم يسجد، ولا قُدَّامَه، ولا عن يساره مع خُلُوِّ يمينه، ولا يسجد رجلٌ لتلاوة امرأةٍ وخُنْثَى، ويسجد لتلاوة أُمِّيٍّ وزَمِنٍ ومُمَيِّزٍ.

كل هذا بناء على القول بأن سجود التلاوة صلاةٌ، كل هذه الفروع بناء على القول بأن سجود التلاوة صلاةٌ، ونحن رجَّحنا أن سجود التلاوة ليس بصلاةٍ؛ ولهذا لا نحتاج لهذه التفريعات التي ذكرها المؤلف رحمه الله.

فقوله: “يُعتبر كون القارئ يصلح إمامًا للمُستمع” بناء على القول الراجح وهو: أن سجود التلاوة ليس صلاةً، نقول: إنه لا يُعتبر ذلك.

فلو أن القارئ كان المُستمع عن يساره -كان المُستمع عن يسار القارئ- وليس عن يمينه، فعلى رأي المؤلف: إن هذا المُستمع لا يسجد ولو سجد القارئ، ولكن بناء على القول الراجح يسجد.

فالقول الصحيح إذن بناء على القول الراجح وهو: أن سجود التلاوة ليس صلاةً، نقول: لا يُشترط كون القارئ يصلح إمامًا للمُستمع.

ومما يُؤيد هذا: أن سبب سجود المُستمع هو استماعه لآية السجدة، وهذا حاصلٌ بتلاوة مَن لا يصلح للإمامة.

وقوله: “فلا يسجد إن لم يسجد” هذا صحيحٌ، فإذا لم يسجد القارئ لم يُشْرَع السجود للمُستمع؛ لأن سجود المُستمع تَبَعٌ لسجود القارئ، فالقارئ أصلٌ، والمُستمع فرعٌ، يعني: ليس من قبيل أنه صلاةٌ، لا، نحن قلنا: إنه ليس بصلاةٍ، لكن هناك مأخذٌ آخر وهو: أن القارئ أصلٌ، والمُستمع فرعٌ، فلا يسجد المُستمع والقارئ لم يسجد.

ومما يُؤيد هذا ما جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابتٍ : أنه قرأ على النبي سورة النجم فلم يسجد فيها [13]، فهذا يدل على أن زيدًا  لم يسجد؛ لأنه لو سجد لسجد النبي ، كما كان الصحابة يسجدون مع النبي ، فإذا لم يسجد القارئ، لا يسجد المُستمع.

طيب، بناءً على ذلك: هل يُشْرَع السجود عند استماع تلاوة القرآن عن طريق جهاز التَّسجيل؛ عن طريق مُسجِّلٍ -مثلًا- أو إذاعة القرآن -مثلًا- ومَرَّ القارئ بآيةٍ فيها سجدةٌ، وأنت مُستمعٌ ولستَ سامعًا؟

نعم.

طالب: …….

الشيخ: نعم، نقول: إنه لا يُشرع السجود لمَن استمع إلى تلاوة القرآن عن طريق جهاز التَّسجيل أو الإذاعة أو نحو ذلك؛ وذلك لأن القارئ لم يسجد في هذه الحال؛ لكون الصوت الصادر عن جهاز التَّسجيل عبارة عن حكايةٍ للصوت؛ ولذلك يأتون أحيانًا بقُرَّاءٍ قد ماتوا، فما دام أن القارئ لم يسجد فلا يسجد المُستمع.

طالب: …….

نعم؟

الطالب: …….

الشيخ: ما دام أنه مُسجل ما يُشرع السجود مطلقًا؛ لأنه حكاية صوتٍ.

الطالب: …….

الشيخ: حتى وإن سجد، نعم، أحسنتَ، يعني: حتى لو أن القارئ في الشريط سجد لا يُشرع للمُستمع أن يسجد، لماذا؟

لأنه حكاية صوتٍ؛ ولذلك ربما أن القارئ ميتٌ، قد يكون أحد القُرَّاء الذين ماتوا، لكنه سجد، فلا يُشرع هنا السجود، فلا بد أن يسجد في الحال فتسجد معه، أما هذه فمجرد حكاية صوتٍ.

ولهذا حتى بالنسبة للأذان -مَرَّتْ معنا هذه المسألة- إذا كان عن طريق مُسجلٍ، يعني: في إذاعة القرآن أحيانًا يُبَثُّ الأذان مُسجَّلًا، وهنا لا تُشْرَع مُتابعته؛ لأنه مجرد حكاية صوتٍ، فلا بد أن يكون على الهواء مباشرةً حتى نقول بمشروعية المُتابعة، فما كان حكاية صوتٍ هنا لا تترتب عليه أحكامٌ شرعيةٌ.

نعم.

طالب: …….

الشيخ: نعم، نحن ذكرنا هذا، قلنا: إن القارئ أصلٌ، والمُستمع فرعٌ، فكيف يسجد الفرع والأصل لم يسجد؟

ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لما لم يسجد زيد بن ثابتٍ لم يسجد عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه لم يُنْقَل أيضًا عن النبي عليه الصلاة والسلام أو أحدٍ من الصحابة أنه سجد والقارئ لم يسجد؛ فلهذه الاعتبارات قلنا بهذا، وإلا فليس المأخذ -يعني- كونه صلاةً أو ليس بصلاةٍ.

طيب، قال: “ولا قُدَّامَه” يعني: حتى لو كان القارئ قُدَّامَ المُستمع.

هذا بناء على القول بأن سجود التلاوة صلاةٌ، والصحيح أنه ليس بصلاةٍ.

وبناءً على ذلك لا بأس أن يسجد المُستمع ولو كان قُدَّامَ القارئ.

“ولا عن يساره مع خُلُوِّ يمينه” كذلك هذا بناء على القول بأن سجود التلاوة صلاةٌ، والصحيح أنه ليس بصلاةٍ.

وبناءً على ذلك يُشرع للمُستمع أن يسجد ولو كان كذلك.

“ولا يسجد رجلٌ لتلاوة امرأةٍ” بناءً على القول بأن سجود التلاوة صلاةٌ.

وبناءً على القول بأنه ليس بصلاةٍ لا بأس، بل يُشرع أن يسجد المُستمع لتلاوة امرأةٍ، وهكذا الخُنْثَى، وهكذا تلاوة أُمِّيٍّ وزَمِنٍ ومُمَيِّزٍ، كل هذا المُستمع يُشرع له أن يسجد لقراءة القارئ.

طيب، لم يُبين المؤلفُ الآيات التي فيها سجدةٌ، ويُحتاج حتى يكمل بحثنا لسجود التلاوة أن نُشير لهذه الآيات، وهي أيضًا محل خلافٍ بين أهل العلم.

الآيات التي يُشرع عندها سجود التلاوة

الآيات التي قد قيل: إن فيها سجود التلاوة، أو يُشرع عندها سجود التلاوة، آيات السجود في القرآن: خمس عشرة سجدة، نبتدئ نَعُدُّها:

أولًا: أول سورةٍ تمر معنا آيةٌ فيها سجدةٌ ما هذه السورة؟

الطلاب: الأعراف.

الشيخ: سورة الأعراف، أولًا: سورة الأعراف، وسورة الرعد، وسورة النحل، وسورة الإسراء، وسورة مريم، وسورة الحج في موضعين، وسورة الفرقان، وسورة النمل، وسورة السجدة: الم۝ تَنْزِيلُ [السجدة]، وسورة فصلت، وسورة النجم، وسورة الانشقاق، وسورة العلق.

هذه الآن أربع عشرة سجدة.

وأما سورة “ص” فهي محل خلافٍ بين الفقهاء عند قول الله ​​​​​​​: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]، فمن العلماء مَن قال: إنه لا يُشْرَع السجود فيها؛ لأنها توبة نبي، وقد وردتْ بلفظ “الركوع”: وَخَرَّ رَاكِعًا، ولم ترد بلفظ السجود.

وقال بعض أهل العلم: يُشْرَع السجود عند قراءة هذه الآية في سورة “ص”؛ لأن السنة قد وردتْ بهذا؛ ففي “صحيح البخاري” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “ص ليس من عزائم السجود، وقد رأيتُ النبي يسجد فيها” [14].

سمعتُ شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله يقول: إن قول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “وقد رأيتُ النبي  يسجد فيها” يكفي لإثبات المشروعية.

فقوله: “وقد رأيتُ النبي يسجد فيها” كافٍ لإثبات مشروعية السجود عندها؛ ولذلك قال مجاهد: “سألتُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن سجدة “ص” فقال: أَوَمَا تقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84] إلى قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]، فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم أن يَقتدي به، فسجدها داود ؛ فسجدها رسول الله “.

وبناءً على ذلك فالقول الراجح: أنه يُشْرَع السجود عند آية “ص”، وأما ما ذكره أصحاب القول الأول من أن هذه الآية قد وردتْ بلفظ “الركوع”، فكيف نُجيب عن هذا الإيراد؟

يقولون: كيف يُشْرَع السجود عندها ولم يرد ذكرٌ للسجود أصلًا، وإنما وردتْ بلفظ “الركوع”؟

كيف نُجيب عن هذا؟

نعم، تفضل.

طالب: …….

الشيخ: أحسنتَ، نقول: الركوع هنا المقصود به السجود؛ ولهذا قال ابن كثير في “تفسيره”: “وقوله: وَخَرَّ رَاكِعًا أي: ساجدًا”، قال: “ويحتمل أنه ركع أولًا ثم سجد بعد ذلك”.

ولهذا قال الحافظ ابن حجر: “السجدة التي في “ص” إنما وردتْ بلفظ “الركوع”، ولولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدةً”.

فالسجود مبناه على التوقيف، ومما يدل لهذا: أنه ترد بعض الآيات التي فيها الأمر بالسجود، ومع ذلك لا يُشْرَع السجود عندها بالإجماع.

فمَن يذكر لنا مثالًا لهذا: آية فيها الأمر بالسجود، ولا يُشرع سجود التلاوة عندها بالإجماع؟

نعم.

طالب: …….

الشيخ: نعم، في سورة؟

الطالب: …….

الشيخ: الحجر، أحسنتَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ۝ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:98- 99]، وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ أَمْرٌ بالسجود، ومع ذلك لا يُشْرَع سجود التلاوة عندها بالإجماع، فهذا يدل على أن سجود التلاوة مبناه على التوقيف.

وبناءً على ذلك نقول: إن القول الراجح أنه يُشْرَع السجود عند سجدة “ص”.

وبناءً على ذلك تكون عدد السجدات في القرآن كم؟

خمس عشرة سجدة.

طيب، في بعض السور تكون السجدة في آخر السورة، وقد جاء هذا في ثلاث سورٍ، ما هي السور؟

الأعراف والنجم والعلق.

طيب، هل إذا سجد الإمام فيها، هل يُشْرَع له أن يقرأ آيةً بعدها؟

نعم.

طالب: …….

الشيخ: نقول: هو مُخَيَّرٌ: إن أراد أن يقرأ آيةً بعدها قرأ، وإلا ما يلزمه هذا.

يعني: بعض الأئمة يتحرَّج، يذهب -مثلًا- إذا قرأ “العلق” يقرأ بعدها: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر].

وهذا الحَرَج ليس له وجهٌ، وإنما إذا رأى ألا يقرأ سورةً بعدها يقوم قائمًا ثم يُكبر للركوع، ما يلزمه أن يقرأ آياتٍ بعدما يقوم.

أقول هذا لأن بعض الأئمة يتحرج من هذا، بل إن بعضهم يتحاشى قراءة مثل هذه السور، وتجد أنه ربما إذا قرأ “والنجم” وبقيتْ آيتان أو ثلاثٌ على السجدة ركع، وهذا لا داعي له، بل يسجد ثم يقوم ويركع.

طالب: …….

الشيخ: نعم؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، مثَّلنا لهذا قبل قليلٍ، قلنا: في الصلاة يُكبر عند السجود وعند الرفع منه.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، إذا كان يقرأ على الهواء مباشرةً وسجد القارئ فيُشرع له السجود ولو كان عن طريق وسائل الإعلام، لكن تعلم أن القارئ قد سجد في هذه اللحظة.

سجود الشكر

قال المصنف رحمه الله:

حكم سجود الشكر

ويُسَنُّ سجود الشكر عند تجدُّد النعم واندفاع النقم.

سجود الشكر كسجود التلاوة في أفعاله وأحكامه وشروطه، لكن سببه مختلفٌ؛ فسبب سجود التلاوة قراءة أو استماع آية سجدة.

سبب سجود الشكر

أما سجود الشكر فسببه، أفادنا المؤلف بسببه وهو: “تجدد النعم، واندفاع النقم”.

أما “تجدُّد النعم” فعبَّر المؤلف هنا بـ”تجدد” احترازًا من النعم المُستمرة، فإن النعم المُستمرة لا يُشرع السجود عندها؛ لماذا؟

لأننا لو قلنا بمشروعية السجود عندها لكان الإنسان دائمًا في سجودٍ؛ لأن نِعَم الله تعالى لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18]، وما أكثر نِعَمَ الله تعالى على الإنسان! نعمة سلامة السمع، نعمة سلامة البصر، نعمة سلامة النطق، إلى غير ذلك من النعم الكثيرة التي لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، فيكون إذن محلُّ سجود الشكر عند تجدد النعم.

مَن يذكر لنا أمثلةً لِنِعَمٍ مُتجددةٍ؟

طالب: …….

الشيخ: لا، نزول المطر قد ما يُعتبر.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: نعمة خاصة بالإنسان.

نعم، تفضل.

طالب: …….

الشيخ: حصول وظيفةٍ، نعم، حصلت له وظيفةٌ، كان يسعى لها وحصلتْ له، فسجد لله تعالى شكرًا.

نعم؟

طالب: ……. بولد.

الشيخ: رُزِقَ بولدٍ -مثلًا- فيسجد لله تعالى شكرًا، هذه نعمةٌ مُتجددةٌ.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: حِفْظ القرآن لا شك أنه نعمةٌ، لا شك أن هذا نعمةٌ، فيُعتبر نعمةً عظيمةً، فمثلًا: لو أنه في الوقت الذي أتمَّ فيه حفظ القرآن سجد لله شكرًا، فيظهر أن هذا مشروعٌ.

نعم؟

طالب: …….

الشيخ: تعدد الزواج.

طالب: نجا من حادثٍ.

الشيخ: نجا من حادثٍ هذا سيأتينا في اندفاع النقم.

طيب، يعني: هذه على كل حالٍ أمثلةٌ.

نجح في اختبارٍ -مثلًا- توقَّع ألا ينجح فيه، فنجح فيه، فهذا يُشرع له أن يسجد سجود الشكر، وهكذا.

قوله: “واندفاع النقم” المقصود: النقم التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها، أما اندفاع النقم المُستمر فهذا أيضًا لا يمكن إحصاؤه، ولو قيل بمشروعية السجود لكان الإنسان دائمًا في سجودٍ، فما أكثر النقمَ والشرور التي يدفعها الله تعالى عنا! لكن المقصود بذلك النقم التي وُجِدَ سببها فَسَلِمَ منها.

مَن يُمثِّل لنا بمثالٍ؟

نعم.

طالب: …….

الشيخ: نعم، يعني: مثلًا أتاه مرضٌ وسَلِمَ منه.

نعم.

طالب: …….

الشيخ: حادث سيارةٍ، وقع له حادث سيارةٍ فَنَجَّاه الله تعالى، فيُشرع له أن يسجد لله تعالى شكرًا.

طيب، نعم؟

طالب: …….

الشيخ: نعم، كذلك.

المقصود أنه إذا وُجِدَ سببٌ، انعقد سبب النقمة فَسَلِمَ منها، فيُشرع له أن يسجد: احترق بيته -مثلًا- فَيَسَّر الله تعالى أن سَلِمَ هو وجميع أفراد أسرته، ونحو ذلك.

طيب، نعم؟

طالب: …….

الشيخ: ممكن، يعني: لو وقع -مثلًا- الجهاز ويَسَّر الله تعالى أن كان هذا الجهاز سليمًا، وكان هذا الجهاز نفيسًا عنده يسجد، يُشْرَع في هذا.

حكم سجود الشكر أثناء الصلاة

قال:

وإن سجد عالِمًا ذاكرًا في صلاته بطلتْ.

يعني: أن سجود الشكر لا يُشْرَع داخل الصلاة، وإنما يكون خارج الصلاة؛ لأنه لم يَرِدْ مثل هذا عن النبي ، ولم يرد عن أحدٍ من الصحابة ، والأصل في العبادات التوقيف، لكن لو لم يكن هذا عن علمٍ، يعني: بُشِّرَ بِبُشْرَى فسجد، يعني: ذهل أنه في الصلاة، فهنا صلاته صحيحةٌ، لكن المؤلف قيَّد هذا بكونه عالِمًا ذاكرًا.

صفة سجود الشكر وأحكامه

قال:

وصفته وأحكامه كسجود التلاوة.

يعني: كصفة سجود التلاوة وأحكامه التي تكلمنا عنها بالتَّفصيل.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 81.
^2, ^13 رواه البخاري: 1073، ومسلم: 577.
^3 رواه البخاري: 1077.
^4 رواه أبو داود: 1413، وأحمد: 6461.
^5, ^8 رواه أبو داود: 1413.
^6 رواه البخاري: 1071.
^7 رواه البخاري: 785، ومسلم: 392.
^9 رواه أبو داود: 1414، والترمذي: 3421 وقال: حسنٌ صحيحٌ.
^10 رواه الترمذي: 579، وابن ماجه: 1053.
^11 رواه أبو داود: 869، وابن ماجه: 887، وأحمد: 17414.
^12 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^14 رواه البخاري: 1069.
zh