الرئيسية/دروس علمية/شرح كتاب دليل الطالب لنيل المطالب/(18) فصل فيما يكره في الصلاة- من قوله: “يُكره للمصلي..”
|categories

(18) فصل فيما يكره في الصلاة- من قوله: “يُكره للمصلي..”

مشاهدة من الموقع

فصلٌ فيما يُكرَه في الصلاة

ومقصود الفقهاء بالكراهة إذا عبَّروا بها: هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.

  • الاقتصار على الفاتحة

قال:

يُكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة.

وذلك لأن السنة: أن يقرأ بعد الفاتحة في صلاة الفجر، وفي الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وكذلك أيضًا يُستحب أحيانًا أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من صلاة الظهر.

الاقتصار على الفاتحة مكروهٌ، لكن الصلاة تصح؛ لأن قراءة سورةٍ بعد الفاتحة ليس من أركان الصلاة ولا من واجباتها؛ وإنما هو من مستحباتها، حتى في النافلة.

  • تكرار قراءة الفاتحة

قال:

وتكرارها.

يعني: وتكرار الفاتحة؛ وذلك لأنه لم ينقل عن النبي ، ولأنه يجر إلى الوساوس، فإن الإنسان إذا كرر الفاتحة؛ فسيكررها مرةً ثانيةً وثالثةً، حتى يقوده إلى الوسواس.

ولكن قال بعض أهل العلم: إنه لو كان التكرار لفوات وصفٍ مستحبٍّ، فإنه لا بأس به؛ كما لو قرأ الفاتحة سرًّا في صلاةٍ جهريةٍ، فلا بأس أن يعيدها جهرًا، وهذا نص عليه الفقهاء، ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وهذا قولٌ جيدٌ، لو أن الإنسان كرر الفاتحة لفوات وصفٍ مستحبٍّ؛ كالجهر، فلا بأس بذلك.

وبناءً على هذا: لو أن الإمام كبر ونسي فقرأ سرًّا، فسبح المأمومون وقالوا: سبحان الله؛ فلا بأس أن يعيد قراءة الفاتحة من أولها، ولا يقال: إنه مكروهٌ بناءً على هذا القول.

  • الالتفات بلا حاجةٍ

قال:

والْتِفاته بلا حاجةٍ.

الالتفات في الصلاة بلا حاجةٍ مكروهٌ؛ لما جاء في “صحيح البخاري” عن عائشة رضي الله عنها قالت: سُئل النبي عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد [1].

ولأن في الالتفات إعراضًا عن الله تعالى؛ فإن المصلي إذا قام في صلاته فإن الله ​​​​ قِبَل وجهه؛ ولهذا حرُم أن يتنخَّع قِبَل وجهه، فهو في مقام مناجاةٍ لله ​​​​​​​.

وقوله: “بلا حاجة”، يُفهم منه: أنه إذا كان الالتفات لحاجةٍ فلا يكره، ومن ذلك: تسلط الوساوس على الإنسان في الصلاة، فقد جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عثمان بن أبي العاص  أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يُلَبِّسها عليَّ، فقال رسول الله : ذاك شيطانٌ يقال له: خَنْزَبٌ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفُل عن يسارك ثلاثًا، قال عثمان: ففعلته فأذهبه الله عني [2]. رواه مسلمٌ.

وهذا يدل على أن السنة للمصلي إذا غلبت عليه الوساوس: أن يلتفت عن يساره ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويلتفت عن يساره ويتفُل ثلاثًا، وهو قال: واتفُل عن يسارك، ولم يقل: والْتفت، لكن هذا معلومٌ من الحديث؛ لأنه لا يمكن أن يتفل عن يساره إلا إذا التفت، وهذا الْتِفاتٌ لحاجةٍ، وهذا يفعله الإنسان إذا كان يصلي وحده، وهكذا لو كان يصلي مثلًا بين طلاب علمٍ، لكن إذا كان يصلي في المساجد التي يصلي فيها العامة فربما أنهم لا يستوعبون مثل هذه المسألة، فلو التفت الإمام وتفل عن يساره أو المأموم لربما اتُّهِم في عقله، وربما ظن من بجواره أنه يتفل عليه؛ ولذلك أقول: إذا كان الإنسان في مسجدٍ؛ يَكتفي بالاستعاذة في هذا، لكن لو كان بين طلاب علمٍ؛ يطبق السنة.

وهذا ليس فقط في القيام، حتى في الركوع وفي السجود، وفي أي موضعٍ من الصلاة، هذه -الحقيقةَ- سنةٌ ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، كلما غلبت عليك الوساوس؛ تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن تيسر أيضًا أن تطبِّق السنة كاملةً، أن تلتفت عن يسارك وتتفُل ثلاثًا، هذا هو الأكمل والأفضل، وإن لم يتيسر هذا فلا أقل من أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وجرب هذا بنفسك؛ تجد أن الوساوس تذهب عنك، إذا غلبت عليك الوساوس؛ فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ تذهب عنك مباشرةً، تنقشع، ويهرب منك الشيطان، خاصةً إذا قلتها بصدقٍ.

مداخلةٌ:

الشيخ: لا، التفل معناه: النفث بريقٍ خفيفٍ، هذا معناه، ريقٌ يسيرٌ؛ كالريق الذي يكون أثناء الرقية.

أيضًا تزول الكراهة في حال إذا الْتفت في الصلاة في حال الخوف؛ لما جاء في “سنن أبي داود”، أن النبي أرسل عينًا تترقب العدو، فكان يلتفت نحو الشِّعْب الذي يأتي منه هذا العين [3]، وأيضًا لو كان عند المصلي صبيٌّ ويخشى عليه؛ مثل امرأةٍ تصلي وعندها صبيٌّ وتخشى عليه؛ فتلتفت بعض الأحيان؛ لترى صبيها وتطمئن عليه، فإن هذا لا بأس به، المقصود: أن الالتفات إذا كان لحاجةٍ فلا بأس به.

وأما ما يعتقده بعض العامة من أن الالتفات يُبطل الصلاة، هذا غير صحيحٍ، حتى لو كان الالتفات لغير حاجةٍ، حتى لو كان متعمدًا لا يبطل الصلاة، غاية ما فيه أنه مكروهٌ، إلا إذا استدار عن جهة القبلة، فيُبطِل الصلاة؛ لأجل تخلف شرطٍ من شروط صحة الصلاة، وهو استقبال القبلة، ليس لأجل الالتفات، أما مجرد لَيِّ العنق، حتى لو كان عن عمدٍ، فإنه لا يُبطل الصلاة، وإنما غاية ما فيه أنه مكروهٌ.

  • تغميض العينين

قال:

وتغميض عينيه.

أي: يُكره للمصلي تغميض عينيه، قيل: لأنه من فِعل اليهود، وقال بعض العلماء: إنه مباحٌ، وأن القول بأنه من فعل اليهود لم يثبت فيه شيءٌ.

وقال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد”: “الصواب: أنه إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع؛ لما في قبلته من الزخرفة والتزويقة أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهنا لا يُكره التغميض قطعًا، والقول باستحبابه في هذه الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة”.

إذنْ تغميض العين لم يثبت فيه شيءٌ؛ ولذلك نقول: لا شك أن الأولى: ألا يغمض عينيه، لكن بعض الناس يقول: إنني إذا أغمضت عينيَّ؛ أخشع في صلاتي أكثر، أو أنه يكون أمامه أشياء ملهيةٌ؛ كأن يكون مثلًا أمامه أناسٌ يتحدثون، أو يمرون، أو نحو ذلك، فيغمض عينيه، فإذا كان تغميض العينين يؤدي إلى الخشوع؛ فلا بأس به كما قال ابن القيم: “لو قيل باستحبابه؛ لكان أقرب إلى أصول وقواعد الشرع”، هذا هو التحقيق في هذه المسألة، فنقول: إذا كان تغميض العينين يؤدي إلى الخشوع؛ فلا بأس به، إذا كان لا يؤدي إلى الخشوع؛ فلا شك أن عدم تغميضهما هو الأولى والأفضل.

  • حمل ما يَشغل في الصلاة

قال:

وحمل مُشغِلٍ له.

يعني: يكره أن يحمل المصلي ما يَشغله في الصلاة؛ ومن ذلك: الهاتف، أيضًا الهاتف الجوال إذا كان يشغل الإنسان في صلاته؛ فيُكره، ويمكن أن يزول ذلك بأن يغلقه، أو يجعله مثلًا على الصامت، لكن أن يجعله مفتوحًا، ويستقبل الاتصالات، ويشغل هذا المصلي، ويشغل المصليين معه، هذا أقل أحواله الكراهة.

وقوله: “وحمل مُشغلٍ له”، يشمل كذلك حمل الصبي؛ فإن الصبي يشغل الإنسان إذا حمله، ولكن القول بأنه مكروهٌ محل نظرٍ؛ لأنه قد جاء في “الصحيحين”: أن النبي حمل بنت بنته -أمامة بنت أبي العاص- في صلاة العصر، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [4]، وقد فعله عليه الصلاة والسلام في صلاة الفريضة، ولا يقال: بأن فعل النبي مكروهٌ؛ وهذا يدل على أن حمل الصبي في الصلاة لا بأس به، وأنه ليس مكروهًا.

وقد تحتاج المرأة إلى حمل صبيها في الصلاة، ربما يكون صبيها متعلقًا بها، أو ربما تكون في خارج المنزل مثلًا، ولو أنها لم تحمل صبيها ربما بكى؛ فهنا لا بأس أن تصلي وهي تحمل صبيها من غير كراهةٍ.

  • افتراش الذراعين عند السجود

قال:

وافتراش ذراعيه ساجدًا.

أي: أنه يكره للمصلي أن يفترش الذراعين أثناء السجود؛ لما جاء في “الصحيحين” عن أنسٍ أن النبي قال: اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب [5]، وسبق أن قلنا في الدرس السابق: إن السنة: أن يجافي ذراعيه قدر المستطاع، وأن النبي كان يبالغ في المجافاة حتى إنه ليُرَى بياض إبطيه [6]، وحتى لو أن بَهْمةً أرادت أن تمر بين يديه لمرت [7]، وذكرنا أن هذا في حق الإمام والمنفرد.

وأما المأموم فإنه يجافي بالقدر الذي لا يؤذي به مَن عن يمينه وعن يساره.

إذنْ: افتراش الذراعين ورد النهي عنه، لكن جمهور العلماء حملوا هذا النهي على الكراهة.

  • العَبَث

قال:

والعبث.

يعني: العبث سواءٌ كان بلحيته، أو بلباسه، أو بساعته، أو في وقتنا الحاضر بالهاتف الجوال، أو بغير ذلك، فإن هذا العبث مكروهٌ؛ لأنه ينافي الخشوع، وقد رُوي عن أبي هريرة ، أن النبي رأى رجلًا يعبث في صلاته فقال: لو خشع قلب هذا؛ لخشعت جوارحه [8]، وهذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، وإنما أوردته لأن كثيرًا من الفقهاء يوردونه في كتبهم، لكنه ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، وقد رواه الحكيم الترمذي في “النوادر”، وفي سنده سليمان بن عمرٍو، وقد نقل الزَّيلَعي عن ابن عديٍّ أنه قال: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث، يعني: فيه علةٌ قادحةٌ، لا يمكن حتى تحسينه، وقد رواه موقوفًا على سعيد بن المسيب ابنُ المبارك في “الزهد” [9]، وفي سنده أيضًا راوٍ مجهولٌ.

فهذا الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي ، ولا حتى موقوفًا على سعيد بن المسيب، وإنما هي مقولةٌ لبعض العلماء، ومعناها صحيحٌ، لكن لا يجوز الجزم بنسبة ذلك للنبي ، وإنما إذا قال الإنسان: رُوي، ثم يبين أن هذا لا يصح عن النبي ، فلا بأس به، لكن المعنى صحيحٌ؛ فإنه إذا خشع القلب خشعت الجوارح.

إذنْ: العبث بجميع أشكاله مكروهٌ في الصلاة.

  • التَّخَصُّر

قال:

والتخصر.

التَّخَصُّر معناه: وضع اليد على الخاصرة، والخاصرة هي ما فوق رأس الوَرِك المستدِقُّ من البطن، وهذا قد جاء فيه النهي في حديث أبي هريرة قال: “نهى النبي أن يصلي الرجل مختصِرًا” [10]، هذا الحديث متفقٌ عليه، أخرجه البخاري ومسلمٌ، لكن أكثر العلماء حملوا النهي هنا على الكراهة.

والحكمة من النهي: قيل: إنه من فعل اليهود، وقيل: فعل المتكبرين، وقيل: إن إبليس لما أُهبط؛ أهبط متخصِرًا، وقيل: إنه راحة أهل النار، هذه أقوالٌ أربعةٌ.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “وقول عائشة: إنه من فعل اليهود، أعلى ما ورد في ذلك”.

  • التَّمَطِّي

قال:

والتمطي.

يعني: ويُكره التَّمَطِّي، والتمطي معناه: التَّمَغُّط، أن يتمغط الإنسان في الصلاة؛ لأن التمطي يذهب الخشوع في الصلاة، التمطي يخرجه عن هيئة الخشوع، ويُؤْذِن بالكسل؛ ولذلك لو أن الإنسان وقف عند ملكٍ من ملوك الدنيا؛ تجد أنه لا يتمطى -لا يتمغط- أمامه، يعتبر هذا سوء أدبٍ، فكيف بمقام مناجاته رب العالمين؟!

  • فتح الفم ووضع شيءٍ فيه

قال:

وفتح فمه، ووضعه فيه شيئًا.

أي: يُكره للمصلي أن يفتح فمه؛ وذلك لأنه يُذهِب الخشوع، ويمنع كمال الحروف، إذا وضع فيه شيئًا فإنه يمنع كمال الحروف، والسنة هو أن الإنسان إذا تثاءب؛ يكظم ما استطاع؛ لقول النبي : إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع؛ فإن الشيطان يدخل [11]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه” بهذا اللفظ، فإن غلبه استحب أن يضع يده على فيه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: فليضع يده على فيه [12]، رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ”.

وأيضًا جاء في بعض الروايات: أن الشيطان يبول في فم الإنسان إذا فتح فاه أثناء التثاؤب، وأنه يضحك منه [13]، فالسنة أن يكظم ما استطاع، فإذا غلبه الفتح، فإنه يضع يده على فيه.

هل يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أثناء التثاؤب؟ ما ثبت في هذا شيءٌ؛ ولذلك لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه لم يثبت في هذا شيءٌ.

مداخلةٌ:

الشيخ: هذا بعض أهل العلم قال به، ليست المسألة محل اتفاقٍ، بعض العلماء قال: إنه يستحب أن يتعوذ بالله من الشيطان؛ لهذا الحديث: التثاؤب من الشيطان [14]، ولكن لو كان مشروعًا؛ لأمر به النبي عليه الصلاة والسلام كما أمر بالحمد للعاطس وتشميته، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر آدابًا كثيرةً في مسائل أقل من هذا، فلو كان هذا مشروعًا؛ لوردت به السنة.

والأقرب -والله أعلم- أنه لا يشرع لكونه لم يَرِد، لكن مع ذلك لا يُنكَر على من فعله؛ لأنه قد قال به بعض أهل العلم؛ ولأن له وجهًا أيضًا؛ لأنهم أخذوا ذلك من قوله: التثاؤب من الشيطان.

  • استقبال الصور

قال:

واستقبال صورةٍ.

يعني: يكره أن يستقبل المصلي أثناء صلاته الصورة؛ وذلك لأنها تَشغل المصلي وتُلهيه، ومن ذلك أيضًا: أن يصلي والتلفاز مفتوحٌ أمامه، فإن ذلك يُكره في حقه؛ لأنه يشغل المصلي، ويدل لذلك ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى في خَمِيصةٍ لها أعلامٌ، فقال: اذهبوا بها إلى أبي جهمٍ، وأتوني بأنبِجَانيَّته؛ فإنها ألهتني عن صلاتي آنفًا [15]، والأَنْبِجَانيَّة: هي كساءٌ غليظٌ لا أعلام له، بينما الخميصة كان لها أعلامٌ، فنظر النبي عليه الصلاة والسلام إليها نظرةً كأنها أشغلته، وكان عليه الصلاة والسلام يخشع في صلاته خشوعًا كاملًا، لاحِظ أنه مجرد أن نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذه الأعلام؛ أمر برد هذه الخميصة، وانظر إلى عنايته عليه الصلاة والسلام بالخشوع في الصلاة، وقال: ائتوني بأنبجانية أبي جهمٍ؛ لأنه كان قد أهدى له هذه الخميصة، فجبرًا لخاطره طلب أن تستبدل هذه الخميصة بالأنبجانية؛ فدل ذلك على أنه يُكره أن يكون أمام المصلي ما كان مشغلًا له؛ ولهذا يفترض في السجاد في المساجد ألا يكون فيها أي نقوشٍ؛ فإن هذه النقوش وهذه الزخرفة تلهي المصلي، ربما تشغله عن صلاته.

وجاء في “صحيح البخاري” أن النبي قال لعائشة رضي الله عنها: أميطي عنَّا قِرامكِ -والقِرَام: هو سِترٌ رقيقٌ فيه نقوشٌ- فإنه لا تزال تصاويره تَعِرض لي في صلاتي [16].

إذنْ يُكره أن يصلي المصلي وأمامه أي شيءٍ يشغله؛ من صورةٍ، أو نقشٍ، أو غير ذلك.

  • استقبال وجه آدميٍّ ومتحدثٍ ونائمٍ

قال:

ووجه آدميٍّ ومتحدثٍ ونائمٍ.

يعني: يُكره أمامه، آدمي؛ لأنه ربما أشغله عن الصلاة.

“ومتحدثٍ ونائمٍ”: هذا قد ورد فيه حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما عند أبي داود، ولكن هذا الحديث ضعيفٌ كما قال الخطابي وغيره؛ ولذلك قد يقال بالكراهة من جهة إشغال المصلي فقط، أما إذا لم يشغل المصلي فإنه ليس بمكروهٍ؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيفٌ، لو كان أمام الإنسان أحدٌ يتحدث، أو إنسانٌ جالسٌ أمامه؛ فإنْ كان يشغله فيُكره أن يصلي وأمامه هذا الإنسان، أما إذا كان لا يشغِله فالظاهر أن هذا لا يُكره، والحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيفٌ.

قال:

ونائمٍ.

أي: يُكره أن يكون بين يديه نائمٌ؛ لأنه ربما أشغل المصلي، وقال بعض العلماء: إنه لا يُكره؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تكون معترضةً بين يدي النبي وهو يصلي من الليل، فإذا سجد غمزها فرفعت رجليها، وإذا قام وضعت رجليها [17]، فكانت عائشة رضي الله عنها نائمةً بحضرة النبي وهو يصلي، ولو كان ذلك مكروهًا؛ لَمَا فعله النبي .

الصواب: أنه لا يكره، إلا إذا أشغل المصلي؛ لأن القاعدة: أن كل ما أشغل المصلي فإنه مكروهٌ.

  • الصلاة إلى النار

قال:

ونارٍ.

يعني: يكره أن يكون أمامه نارٌ؛ لأن فيها تشبهًا بالمجوس عبدة النار؛ وبناءً على ذلك: لو كان أمام الناس نارٌ؛ فإما أن يتقدموا ويجعلوها خلفهم، أو يطفئوا هذه النار، قد تحصل لبعض الناس، وخاصةً في الاستراحات ونحوها، يصلون وأمامهم النار، هذا مكروهٌ، فإما أن يطفئوها، وإما أن يتقدموا ويجعلوها خلفهم إن أمكن، أو يوضع عازلٌ؛ فإن الكراهة تزول.

حكم وضع (الدفَّايات) أمام المصلين

(الدفَّايات) هل يكره أن تكون أمام المصلين؟ في هذه الأيام -مع شدة البرد- يوجد في بعض المساجد دفاياتٌ، وتوضع أمام المصلين، هل هذا مكروهٌ؟ نحن أولًا نريد أن نعرف أو نتصور حقيقة هذه الدفايات، هل هي نارٌ، أو أنها مجرد كهرباء؟ هي في الحقيقة كهرباء، ليست نارًا، ولذلك لو وَضعت عندها ورقةً لا تشتعل من اللهب، لكن ربما تشتعل إذا قربت الورقة وألصقتها بها من شدة الحرارة، لكن إذا وَضعت بجوارها ورقةً لا تشتعل، ولو كانت نارًا لاشتعلت، ولكان لها لهبٌ، ولا تسمى نارًا في عرف الناس؛ ولذلك فالصواب: أنه لا بأس بأن تكون هذه الدفايات أمام المصلين من غير كراهةٍ.

وأيضًا يتفرع عن ذلك: الأجهزة التي توضع لقتل البعوض، إذا قلنا: إنها ليست نارًا، فلا بأس بها، يوضع في بعض المحلات أجهزةٌ تصعق الذباب والبعوض والحشرات، بعض أهل العلم كرهها، قال: لأنها نارٌ، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، لكن نحن قلنا في تكييفنا لها: إنها ليست نارًا، هذه كلها كهرباء فقط، يحصل بها بالنسبة للدفايات تدفئةٌ للجو، والصعق بالنسبة للحشرات، هذه لا بأس بها؛ لأنها ليست نارًا، ليس لها لهبٌ، ولو وضع بجوارها ورقةٌ ونحوها فإنها لا تشتعل.

البخور: هل هو نارٌ أم لا؟ هل يطلق عليه في عرف الناس هذا أنه نارٌ؟ في الحقيقة إذا نظرنا إلى فعل المجوس، فإن المجوس جزءٌ منها نارٌ، وجزءٌ يكون مثل هذا الجمر، الذي يظهر أنه يُكره، إذا كان الجمر الذي يوضع في المدخن متقدًا؛ فينبغي إبعاده عن المصلين؛ لأن نار المجوس لا تكون دائمًا نارًا مشتعلةً، تكون تارةً نارًا، وتارةً تكون جمرًا.

فالأقرب -والله أعلم- أنه إذا كان الجمر متقدًا فإنه يكره أن يكون أمام المصلين.

  • مس الحصى

قال:

ومس الحصى.

يعني: يكره مس الحصى؛ وذلك لأنه فيه نوعٌ من العبث، وقد جاء في حديث مُعَيْقِيبٍ  في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال النبي : إن كنت فاعلًا فواحدةً [18]، متفقٌ عليه، فإذا مس الحصى فهو نوعٌ من العبث؛ فهو مكروهٌ.

  • تسوية التراب بلا عذرٍ

قال:

وتسوية التراب بلا عذرٍ.

لحديث معيقيبٍ  الذي ذكرناه في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: إن كنت فاعلًا فواحدةً، أما لو كان لعذرٍ فلا بأس؛ كأن يكون في موضع سجوده مثلًا شوكٌ أو حصًى، أو نحو ذلك، لكن ينبغي أن تكون التسوية مرةً واحدةً لا يكررها؛ لهذا الحديث.

  • التبرد بمروحة

قال:

وتروُّحٌ بمروحةٍ.

التروح معناه: أن يأخذ الريح بمروحةٍ، يعني: يتبرد بمروحةٍ ونحوها، فإن هذا في عُرْف الناس معدودٌ من العبث، اللهم إلا أن يكون لحاجةٍ شديدةٍ كحرٍّ شديدٍ يُذهِب الخشوع، فلا بأس به بقدر ما يزيل شدة الحر، وفي وقتنا الحاضر مع وجود المكيفات لا حاجة لهذه الآلات.

  • فرقعة الأصابع وتشبيكها

قال:

وفرقعة أصابعه.

يعني: يُكره له فرقعة أصابعه؛ لكونها من العبث المنافي للخشوع.

وتشبيكها.

تشبيك الأصابع مكروهٌ في أثناء الصلاة، وكذلك أيضًا فيمن خرج من بيته للصلاة، فقد جاء في حديث أبي بن كعبٍ  أن النبي قال: إذا خرج أحدكم إلى الصلاة فهو في صلاةٍ؛ فلا يشبكن بين أصابعه [19]، وهذا يدل على أنه يُكره تشبيك الأصابع عند الذهاب إلى المسجد، ومن باب أولى أنه يكره في أثناء الصلاة.

وأما بعد الصلاة فإنه لا يكره، والدليل لذلك ما جاء في “الصحيحين” في قصة سهو النبي ، فإنه لما صلى بهم إحدى صلاتي العشي -الظهر أو العصر- وسلم من ركعتين، وقام واتكأ على خشبةٍ، وشبك بين أصابعه كأنه غضبان -وهذا محل الشاهد- فقال له ذو اليدين: “قصرت الصلاة أم نسيت…” [20] إلى آخر القصة المعروفة في “الصحيحين”.

الشاهد منها قوله: “وشبك بين أصابعه”، وكان هذا بعد الصلاة، استنبط العلماء بهذا: أنه لا بأس بتشبيك الأصابع بعد الفراغ من الصلاة، فيكون إذنْ تشبيك الأصابع له ثلاث حالاتٍ:

  • الحالة الأولى: قبل الصلاة، عند الذهاب إلى المسجد، سواءٌ كان في الطريق، أو كان في المسجد قبل إقامة الصلاة، فإن هذا مكروهٌ.
  • الحالة الثانية: في أثناء الصلاة مكروهٌ أيضًا.
  • الحالة الثالثة: بعد الفراغ من الصلاة، لا بأس به ولا يكره.

في غير هذه الأحوال: من باب أولى أنه لا يكره، ما يعتقده بعض العامة من أنه لا يشبك بين الأصابع عند عقد النكاح هذا لا أصل له.

مداخلة:….

الشيخ:… ما ورد في هذا شيءٌ، الذي نص عليه الفقهاء: أنه في الصلاة، حتى لم يرد في الصلاة شيء، وعللوا ذلك بأنه من العبث، فالذي يظهر أنه لا بأس به، الأصل في هذا الجواز.

مداخلة:

الشيخ: قاعدة: كل ما كان سنةً راتبةً؛ فمخالفتها تكون مكروهةً.

  • مس اللحية

قال:

ومس لحيته.

وذلك لأن مس لحيته أيضًا من العبث، وهكذا أيضًا مس ساعته، مثلًا عبث بساعته أو بغترته أو لباسه، أو نحو ذلك، وهذا يقودنا إلى أن نضع قاعدةً، وهي: أن كل فعلٍ ينافي الخشوع في الصلاة، فإنه مكروهٌ، وهذا يقودنا إلى معرفة حكم الخشوع في الصلاة، ما حكمه؟ هل هو واجبٌ أو مستحبٌّ؟

طالب: الجمهور على أنه مستحبٌّ.

الشيخ: نعم، هو مستحبٌّ، ما خالف في ذلك إلا أفرادٌ قليلون، أكثر العلماء على أنه مستحبٌّ؛ وذلك لحديث أبي سعيدٍ أن النبي قال: إذا أذَّن المؤذن؛ أدبر الشيطان وله ضراطٌ؛ حتى لا يسمع التأذين إلى قوله: فيأتي الشيطان إلى أحدكم في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر من قبل، حتى لا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فليجعلها ثلاثًا، وليسجد سجدتين قبل أن يُسَلِّم [21]، هذا في “صحيح مسلمٍ”.

فهنا وصف النبي حالة هذا المصلي، وهو أنه قد بلغت به الوساوس إلى أنه لا يدري كم صلى؟ ومع ذلك أمره فقط بسجود السهو، فلو كان الخشوع واجبًا لأمره بإعادة الصلاة، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم وعامة المحققين؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، ولم يذهب إلى القول بالوجوب إلا قلةٌ من العلماء؛ فالصواب إذنْ: أن الخشوع مستحبٌّ وليس بواجبٍ.

  • حكم إعادة الصلاة التي لا خشوع فيها

الصلاة التي لا يخشع فيها الإنسان من أولها إلى آخرها، من تكبيرة الإحرام إلى السلام، الإنسان في هواجس وفي وساوس، هل تشرع إعادتها؟

لا تُشرع إعادتها؛ لأنها صلاةٌ مكتملةٌ الأركان والشروط والواجبات، فهي صلاةٌ صحيحةٌ مبرئةٌ للذمة، لكن لا يؤجَر الإنسان إلا بمقدار ما عقل منها؛ فإن عقل الصلاة كاملةً -وهذا قلةٌ من الناس- فيكون أجره عظيمًا، حتى إن بعض العلماء يقول: إنه إذا عقل الصلاة كاملةً تكفر عنه جميع الذنوب حتى الكبائر، واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي قال: أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا [22]، متفقٌ عليه، هذا الحديث ظاهره يدل على أن الصلوات الخمس تكفِّر حتى الكبائر، قال بعض العلماء: إن هذا إنما يكون في حق من خشع خشوعًا كاملًا، وغالِب الناس لا يخشع خشوعًا كاملًا؛ فيصدق عليهم الحديث الآخر: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ لما بينهن إذا اجتنب الكبائر [23].

وإذا عقل نصفها؛ يكتب له أجر النصف، وإذا عقل العشر؛ يكتب له العشر، وإذا لم يعقل شيئًا؛ فله -على الأقل- أجر قراءة القرآن، قراءة القرآن يثاب عليها الإنسان، ولو لم يفهم المعنى بالإجماع، هو سيقرأ الفاتحة وسيقرأ ما تيسر من القرآن فيثاب على ذلك، هو لا ينفك عن الأجر والثواب؛ ولهذا لا نستطيع أن نقول: إنه لا يثاب على تلك الصلاة، وما قد يُسمع من بعض الوعاظ أنه قد يصلي صلاةً لا يثاب ولا يؤجر عليها، هذا غير دقيقٍ؛ لأنه لا بد أن يقرأ شيئًا من القرآن، حتى لو كان فيه هواجس ووساوس، فإنه يثاب على ذلك، لكن الناس مستقلٌّ ومستكثرٌ في الثواب، لكن الصلاة تقع مبرئةً للذمة.

مداخلة:

الشيخ: نعم، حديث ابن مسعودٍ : فليتحر الصواب، وليتم صلاته… [24].

مداخلة:

الشيخ: لا، الحديث ضعيفٌ، أنها، تُلَفُّ وترمى في وجهه، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني [25]، فهذا حديثٌ ضعيفٌ لا يصح.

معنى الخشوع

ومعنى الخشوع: حضور القلب في الصلاة، بأن يعقل معنى ما يقول، فإذا قرأ الفاتحة عقل معناها، إذا قرأ بعدها من السور عقل معناها، عند التسبيح في الركوع يعقل معناه، فلا تذهب به الهواجس والوساوس، هذا معنى الخشوع في الصلاة.

  • كف الثياب

قال:

وكف ثوبه.

يعني: أنه يُكره في حق المصلي أن يكف ثوبه، وقد ورد النهي عن كف المصلي ثوبه أو شعره عند السجود، وفي الصلاة عمومًا في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “أُمِر النبي أن يَسجد على سبعة أعظمٍ، ونُهي عن أن يكف شعره وثيابه” [26]، وهذا في “الصحيحين”، وفي لفظ عند البخاري: أُمرت أن أسجد على سبعةٍ، ولا أكف شعرًا ولا ثوبًا [27].

وفي “صحيح مسلمٍ” عن كُريبٍ مولى ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام عبدالله بن عباسٍ من ورائه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباسٍ، فقال: مالك ورأسي، قال: إني سمعت رسول الله يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوفٌ [28].

إذنْ مَن كان شعره طويلًا، فالسنة له عند الصلاة..

مداخلة:

الشيخ: حتى لو كان، يجعلها تسجد معه..، كيف تشغله؟ إذا كان قائمًا يجعل يده على صدره، الكف هو نوعٌ من العبث أيضًا، ثم أيضًا -كما ذكرنا- حتى تسجد معه، ولكن لو كانت تشغله من البداية يكفه قبل أن يدخل في الصلاة.

مداخلة:

الشيخ: يعني مثلًا الشماغ لا يرفعه هكذا في أثناء الصلاة، والثوب أيضًا لا يرفعه، يجعل كل شيءٍ يسجد معه، سواءٌ كان رداءً أو إزارًا، فالكف في الصلاة مكروهٌ عمومًا، بل يسجد معه ما يمكن أن يسجد معه من اللباس.

قال: 

ومتى كثر ذلك عرفًا بطلت.

سيأتي الكلام عن الحركة التي تبطل الصلاة وضابطها، لكن المؤلف هنا استطرد، وإلا فالمؤلف عقد فصلًا فيما يبطل من الصلاة، وأشار إلى الحركة التي تبطل الصلاة؛ ولذلك نرجئها لحينها.

  • تخصيص الجبهة بشيءٍ يسجد عليه

قال:

وأن يخص جبهته بما يسجد عليه.

وقد نص الفقهاء على هذا؛ لأن ذلك قد أصبح من شعار الرافضة؛ فإن الرافضة يكون لهم حصًى أو شيءٌ يسجدون عليه، ويزعمون أنه من أرض كربلاء وغيرها، كل هذا من البدع ومن الخرافات، والمسلم مطلوبٌ منه ألا يشابه أهل البدع؛ ولذلك نص الفقهاء على كراهة ذلك؛ لأنه يكون متشبهًا بالرافضة في هذا.

  • مسح أثر السجود

قال:

وأن يمسح فيها أثر سجوده.

يعني: إذا سجد فإنه يكره في حقه أن يمسح أثر السجود، وهذا قد جاء في حديث أبي هريرة أن النبي قال: إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته [29]، هذا الحديث يورده الفقهاء، أورده صاحب “المغني” وغيره، ولكنه من جهة الإسناد ضعيفٌ، وقد أخرجه ابن ماجه، ولا يصح عن النبي ؛ ولهذا قال البوصيري: إسناده ضعيفٌ، وضعفه كذلك البيهقي، وقد روي نحوه موقوفًا على ابن مسعودٍ ، لكن قد يقال بالكراهة إذا كان لغير حاجةٍ؛ باعتبار أنه عبثٌ.

نحن قررنا قاعدة، وهي: أن ما كان عبثًا فإنه يكون مكروهًا، فإذا كان لغير حاجةٍ، يمسح أثر السجود لغير حاجةٍ، فقد نقول بالكراهة لا لهذا الحديث؛ لأنه ضعيفٌ، لكن لأجل أنه عبثٌ في الصلاة، ولِمَا روي عن ابن مسعودٍ في هذا.

  • الاستناد بلا حاجة

قال:

وأن يستند بلا حاجةٍ.

“وأن يستند” يعني: استنادًا يسيرًا، أما لو استند بحيث يقع لو أزيل؛ فهذا تبطل معه الصلاة، لكن لو استند استنادًا يسيرًا؛ كأن يكون خلفه العمود فيستند عليه استنادًا يسيرًا، فإن هذا مكروهٌ إذا كان بغير حاجةٍ؛ وذلك لأنه يزيل مشقة القيام، وأما مع الحاجة فلا بأس به؛ لحديث أم قيسٍ بنت مِحصَنٍ رضي الله عنها، أن النبي لما أسنَّ وأخذه اللحم، اتخذ عمودًا في مُصَلَّاه يعتمد عليه [30]، رواه أبو داود والحاكم وصححه، وأيضًا صححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة”، وجمع طرقه، والحديث رقم (632).

ومعلومٌ أن النبي  كان يطيل القيام؛ ولهذا لما أسن ربما شق عليه القيام، فكان عليه الصلاة والسلام يتخذ عمودًا يستند عليه عند صلاة النافلة.

قال:

فإن استند بحيث يقع لو أزيل ما استند إليه؛ بطلت صلاته.

إذا كان يعتمد عليه اعتمادًا كاملًا، بحيث إنه لو أزيل هذا العمود لسقط، فإن صلاته لا تصح إذا كانت فريضةً؛ وذلك لأنه بمنزلة غير القائم؛ لأنه معتمدٌ اعتمادًا كاملًا على العمود، وهو في الحقيقة بمنزلة غير القائم، لكن بهذا الضابط الذي ذكره المؤلف وهو: لو أزيل ما استند عليه لسقط.

وفي صلاة النافلة: لو اعتمد على عمودٍ بحيث لو أزيل ما اعتمد عليه لسقط، هل تبطل صلاته؟ لا تبطل؛ لأن القيام ليس ركنًا، القيام مع القدرة إنما هو ركنٌ في الفريضة، وأما في النافلة فليس ركنًا، لكن يكون حكمه حكم القاعد؛ ولهذا مثلًا بعض كبار السن في صلاة التراويح قد يستند على العمود أو الجدار فلا بأس به، بل حتى القادر لا بأس أن يستند عليه في صلاة النافلة خاصةً، أما في صلاة الفريضة فعلى التفصيل الذي ذكرناه.

  • الحمد إذا عطس

قال:

وحمده إذا عطس.

يعني: يُكره للمصلي أن يحمد الله تعالى إذا عطس؛ وذلك خروجًا من خلاف من أبطل الصلاة بذلك؛ فإن بعض الفقهاء قالوا: إنه إذا قال: الحمد لله، إذا عطس؛ بطلت صلاته، فقالوا: خروجًا من الخلاف نقول: إنه يكره، ويحمد الله في نفسه من غير أن يتكلم.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يُكره، بل هو مستحبٌّ، وهذا هو القول الصحيح في المسألة؛ وذلك لما جاء في “صحيح مسلمٍ” في قصة معاوية بن الحكم ، وفيه: أنه عطس رجلٌ من القوم فحمد الله، فقلت: يرحمك الله، فجعلوا يضربون أفخاذهم يصمتونني، إلى أن قال: فدعاني النبي فقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيئٌ من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن [31]، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وهذه القصة في “صحيح مسلمٍ”، ومحل الشاهد منها: أن النبي أنكر على معاوية بن الحكم ، ولم ينكر على ذلك الذي عطس فحمد الله؛ فدل ذلك على أن المحظور هو التشميت لا الحمد، والفرق بينهما: أن الحمد ذكرٌ لله، والتشميت خطاب آدميٍّ؛ ولذلك نحن نقول: إنه ليس له أن يشمت العاطس، لكن العاطس السنة أن يحمد الله إذا عطس؛ لهذا الحديث، هذا هو القول الصحيح في المسألة، ودلالة هذه القصة له ظاهرةٌ، وبهذا يكون الصواب هو خلاف ما ذهب إليه المؤلف، يكون الصواب: أنه يستحب للمصلي إذا عطس في صلاته أن يحمد الله تعالى، لكن لا يشرع لمن سمعه أن يشمته.

  • الحمد عندما يُسَرُّ، والاسترجاع عندما يُغَمُّ

قال:

أو وجد ما يَسُره، واسترجاعه إذا وجد ما يغمه.

هذا نوافق عليه المؤلف، أنه إذا وجد ما يسره أو وجد ما يغمه؛ لا يتكلم في الصلاة، وإنما يجعل ذلك بعد الصلاة، وجد ما يسره فلا يحمد الله في الصلاة، وكذلك أيضًا إذا وجد ما يغمه لا يسترجع، وهو في الصلاة؛ وذلك لأن الأصل أن الصلاة يمنع فيها من الكلام الذي هو من غير جنسها، لكن حمد الله عند العطاس، قد وردت به السنة، وأما ما عداه فيبقى على الأصل.

مداخلة:

الشيخ: الصحيح أنه يتلفظ بالحمد، وبعض الفقهاء قال: يحمد الله في نفسه، لكن سبق أن قلنا: إن هذا ليس كلامًا، كون الإنسان يتكلم في نفسه، هذا ليس كلامًا؛ ولذلك لو قرأ الفاتحة في نفسه؛ ما صحت صلاته، الكلام الذي يترتب عليه الثواب والعقاب هو أن يتلفظ به.

وأما بالنسبة لسؤال الله تعالى عندما يمر بآية رحمةٍ، والاستعاذة بالله من النار عندما يمر بآية عذابٍ؛ فهذا لا شك أنه مشروعٌ في صلاة الليل، وقد وردت به السنة [32].

وأما في صلاة الفريضة فالأقرب أنه غير مشروعٍ؛ لأن النبي كان يصلي بأصحابه خمس مراتٍ في اليوم والليلة ولم يُنقل عنه ولو مرةً واحدةً أنه فعل ذلك، ولو كان يفعله عليه الصلاة والسلام؛ لنُقل، وقد نقل الصحابة ما هو أقل من هذا؛ نقلوا حتى اضطراب لحيته في الصلاة، لكنه من قبيل الجائز غير المشروع، يعني: لو فعله أحد الناس لا ينكر عليه؛ لأن الأصل: أن ما جاز في النفل جاز في الفرض؛ فيكون هذا من قَبيل الجائز غير المشروع.

وهذه المسألة لها نظائر؛ مثل قصة الرجل الذي كان إذا قرأ سورةً؛ ختم قراءته بـ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فالنبي عليه الصلاة والسلام لمَّا رُفع إليه أمر الرجل قال: سلوه لم يصنع ذلك؟، قال: إن فيها صفة الرحمن وأنا أحبها، قال: أخبروه أن الله يحبه [33]، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام على هذا، لكن هل هو مشروعٌ؟ هذا من قَبيل الجائز غير المشروع، ولو كان مشروعًا؛ لفعله النبي ، ولفعله الصحابة الآخرون وبقية الصحابة .

فبعض الأشياء هي من قَبيل الجائز غير المشروع؛ مثل: الإتيان بالعمرة بعد العمرة أيضًا، أو الإتيان بالعمرة بعد الحج، هو من قبيل الجائز غير المشروع، فهذه لها نظائر كثيرةٌ.

مداخلة:

الشيخ: نعم، هذه ذكرها بعض أهل العلم، وممن تكلم عنها الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تكلم عنها كثيرًا في أكثر من موضعٍ.

مداخلة:

الشيخ: إي نعم، اللثام مكروهٌ، عده الفقهاء مكروهًا، والمؤلف لم يَستقْصِ، لكن القاعدة: أن كل ما كان منافيًا لهيئة المصلي في الصلاة، أو فيه عبثٌ ينافي الخشوع؛ فهو مكروهٌ.

مداخلة:

الشيخ: نعم؛ لأنه ينافي هيئة المصلي؛ ولذلك لا يتلثم الإنسان لو كان أمام ملكٍ من ملوك الدنيا، بل حتى أمام ضيفٍ من الضيوف.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 751.
^2 رواه مسلم: 2203.
^3 رواه أبو داود: 916، 2501.
^4 رواه البخاري: 516، ومسلم: 543.
^5 رواه البخاري: 822، ومسلم: 493.
^6 رواه البخاري: 390، ومسلم: 495.
^7 رواه مسلم: 496، والبَهْمة: ولد الضأن، يطلق على الذكر والأنثى. المصباح المنير للفيومي: (ب هـ م).
^8 رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: 3/ 210.
^9 رواه ابن المبارك في الزهد: 1188، وابن أبي شيبة: 6787.
^10 رواه البخاري: 1220، ومسلم: 545.
^11 رواه مسلم: 2995.
^12 رواه الترمذي: 2746، وابن ماجه: 968، وأحمد: 7294.
^13 رواه البخاري: 6226.
^14 رواه البخاري: 3289، ومسلم: 2994.
^15 رواه البخاري: 373، ومسلم: 556.
^16 رواه البخاري: 374.
^17 رواه البخاري: 382، ومسلم: 512.
^18 رواه البخاري: 1207، ومسلم: 546.
^19 رواه أبو داود: 562، والترمذي: 386، وأحمد: 18114.
^20 رواه البخاري: 482، ومسلم: 573.
^21 رواه البخاري: 1231، ومسلم: 389.
^22 رواه البخاري: 528، ومسلم: 667.
^23 رواه مسلم: 233.
^24 رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.
^25 رواه أبو داود الطيالسي: 586، والبزار في البحر الزخار: 2691، والطبراني في المعجم الأوسط: 3095.
^26 رواه البخاري: 810، ومسلم: 490 واللفظ له.
^27 رواه البخاري: 810.
^28 رواه مسلم: 492.
^29 رواه ابن ماجه: 964.
^30 رواه أبو داود: 948، والحاكم في المستدرك: 975، والبيهقي في السنن الكبرى: 3571.
^31 رواه مسلم: 537.
^32 رواه مسلم: 772.
^33 رواه البخاري: 7375، ومسلم: 813.