logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(27) باب صلاة الاستسقاء- من قوله: “وهي سنة ووقتها وصفتها وأحكامها..”

(27) باب صلاة الاستسقاء- من قوله: “وهي سنة ووقتها وصفتها وأحكامها..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

صلاة الاستسقاء

وصلنا إلى باب: صلاة الاستسقاء.

معنى الاستسقاء وأنواعه

الاستسقاء: استفعالٌ من السَّقْي، وهو طلبُ السُّقْيا، والمُراد به طلبُ السُّقْيا من الله ​​​​​​​ بنزول الغيث والمطر؛ والاستسقاء له ثلاثة أنواع:

  • النوع الأول: صلاة الاستسقاء مع الخطبة والدعاء، وهو المقصود في هذا الباب، وهو أفضل الأنواع؛ يذهب الناس إلى المصلى أو إلى المسجد ويصلون صلاة الاستسقاء، ثم يخطب بهم الإمام ويدعو، فهذا أكمل الأنواع.
  • النوع الثاني: الدعاء بالاستسقاء من غير صلاة، فهذا لا بأس به، كما لو كان أُناس في مجلس أو في أي مكان دعوا الله إما جماعةً أو فرادى، وسألوا الله تعالى أن يُغيثهم؛ فلا بأس بذلك، وقد وردت به السنة أيضًا.
  • النوع الثالث: الاستسقاء في خطبة الجمعة، وهذا قد فعله النبي ؛ حيث كان قائمًا يخطب بالناس فدخل رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلكَت الأموال، وانقطعَت السبل، فادعُ الله أن يُغيثنا؛ فرفع النبي يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا فنزل مطرٌ عظيم، واستمر نزول المطر ليلًا ونهارًا إلى الجمعة الأخرى، فأتى ذلك الرجلُ -أو غيره- وقال: يا رسول الله، هلكَت الأموال، وانقطعَت السبل، فادعُ الله أن يُمسكها عنها؛ فقال : اللهم حوالَينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر[1]؛ فالاستسقاء أيضًا في خطبة الجمعة مما وردت به السنة.

فهذه هي أنواع الاستسقاء الثلاثة، لكن هذه الأقسام الثلاثة إنما تكون عند وجود القحط؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله:

حكم صلاة الاستسقاء

وهي سنة.

يعني: سنةٌ مؤكدة عند الحاجة إليها، عندما يقوم بالإنسان القحطُ وتحتبس الأمطار؛ لأن النبي فعلها، والخلفاء الراشدون من بعده، ونقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر، ولكن محل السُّنِّية والمشروعية عند وجود القحط، أما عند عدم وجود القحط فلا تُشرع، كأنْ تُراد صلاة الاستسقاء لأجل طلب الاستزادة من الأمطار، فهذا غير مشروع؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، والنبي إنما استسقى عند وجود القحط؛ عندما قال القائل: “هلكَت الأموال، وانقطعَت السبل”؛ يعني: من القحط، فاستسقى النبي [2]. وهكذا أيضًا بالنسبة لبقية أنواع الاستسقاء -مثل الاستسقاء في خطبة الجمعة-؛ إنما يستسقي الخطيب عند وجود القحط، وبعض الخطباء تجد أنه يستسقي والقحط غير موجود، هذا خلاف السنة، بل إن عندما يكون هناك قحط يُشرع الاستسقاء في خطبة الجمعة.

وأيضًا يُشرع ذلك بالنسبة للخطيب؛ يستسقي أيضًا عندما يحتبس المطر عن النزول في الوقت الذي أجرى الله العادة أنه ينزل فيه المطر، فلا يأتي الخطيب لوقتٍ لم يُجرِ الله فيه العادة بنزول المطر ثم يستسقي؛ فمثلًا عندنا في المملكة هنا -خاصةً في المنطقة الوسطى، أنا لا أدري عن بقية المناطق- لم تجرِ العادة أن الأمطار تكون مثلًا في شدة الحر كشهر مايو ويونيو ويوليو وأغسطس -بالشهر الشمسي-، هذه لم تجرِ العادة فيها، فلو أتى الخطيب مثلًا في شهر أغسطس أو في شهر يوليو يستسقي؛ فهنا لو نزل المطر يتضرر بعض المزارعين كأصحاب التمور، لو نزل المطر قد يتضرر؛ ولذلك أذكر أن خطيبًا كان يستسقي في هذا الوقت، فبعد الصلاة أتاه أحد المزارعين، قال: أنت تدعو لنا أو علينا؟! قال: وما ذاك؟! قال: لو نزل المطر لفسد التمر الآن الموجود.

فإذَن؛ ينبغي للخطيب أن يُراعي ذلك؛ يستسقي عندما يتأخر المطر عن الوقت الذي أجرى الله ​​​​​​​ العادة فيه أن ينزل المطر؛ مثل: موسم الوَسْمي أو مراوح الصيف أو نحو ذلك؛ يعني: كل منطقة لها أيضًا موسم من مواسم نزول المطر، فإذا احتبس المطر ولم ينزل في هذه الأوقات وحصل القحط للناس؛ شُرِع الاستسقاء بأنواعه الثلاثة.

لكن هل يصح الاستسقاء للمسلمين في غير بلده؛ بأن يكون البلد الذي هو فيه ليس فيه جدبٌ ولا قحطٌ، لكن يستسقي لغيره من بلاد المسلمين؟

أجاز ذلك بعض الفقهاء؛ قال المرداوي في الإنصاف: “إذا احتبس القطر عن قومٍ صلوا بلا نزاع، وإذا احتبس عن آخرين فالصحيح من المذهب [يعني: عند الحنابلة] أنه يُصلي لهم غيرُ مَن لم يُحبس عنه”، وقال المجد ابن تيمية: “يُستحب ذلك، وقد أجازه بعضُ العلماء”؛ ومما استُدل به لذلك ما جاء في الصحيحين، أن النبي قيل له: استغفر لمُضَر فإنهم قد هلكوا؛ فدعا الله لهم فمُطِروا[3]، فاستدل بهذا بعض العلماء على أنه لا بأس بالاستسقاء للغير؛ يعني: مثلًا في هذا البلد فيه أمطار، وبلد آخر فيه قحط، ودعا ولي الأمر إلى الاستسقاء، لا بأس أن يخرج الناس ويستسقون لغيرهم، لا بأس بذلك.

وقت صلاة الاستسقاء وصفتها

ووقتها وصفتها وأحكامها كصلاة العيد.

التي سبق الكلام عنها بالتفصيل، وتُسَنّ أن تكون بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح؛ يعني: بعد طلوع الشمس بنحو عشر دقائق، وإن جعلها ربع ساعة كان ذلك أحوط؛ لأن هذا هو هدي النبي ؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها: “إنه كان يخرج للاستسقاء حين يبدو حاجبُ الشمس”[4]. ولكن لو أراد أن يؤخر صلاة الاستسقاء؛ يعني: مثلًا طلاب مدرسة أو غيرهم أرادوا أن يجعلوا صلاة الاستسقاء الساعة العاشرة أو الساعة الحادية عشرة أو بعد صلاة الظهر، لا بأس بذلك؛ لأن وقت صلاة الاستسقاء وقتٌ واسع، بل إن المُوفَّق ابن قدامة رحمه الله يقول: “ليس لصلاة الاستسقاء وقتٌ معين، إلا أنها لا تُفعل في وقت النهي بغير خلافٍ؛ لأن وقتها مُتسِعٌ فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي”. ولا بأس أن يستسقي طلاب المدارس، وعندنا الآن في المملكة العربية السعودية وزارة التعليم عمّمت على المدارس بأن يصلوا صلاة الاستسقاء جماعةً في المدارس، وهذا من الأمور الحسنة، وأما الوقت فيختارون الوقت المناسب، ليس بالضرورة أن يكون في الفترة الصباحية، لو أراد قائد المدرسة ومَن معه أن يؤخروا صلاة الاستسقاء للساعة الثامنة، للساعة التاسعة، للساعة العاشرة، للساعة الحادية عشرة؛ فلا بأس، الأمر في هذا واسع؛ لأن وقت صلاة الاستسقاء واسع.

المسائل التي تخالف فيها صلاة العيد صلاة الاستسقاء

وتُخالف صلاةُ العيد الاستسقاءَ في مسائل.

هنا ذُكِرت في السلسبيل ثلاث مسائل:

  • الأولى: أن خطبة الاستسقاء واحدة، بينما العيد خطبتان في قول أكثر أهل العلم.
  • الثانية: أن صلاة الاستسقاء تجوز الخطبة فيها قبل الصلاة وبعدها، بينما العيد تكون الخطبة بعد الصلاة.
  • الثالثة: أن في خطبة العيد تُبيَّن أحكام صلاة العيد، بينما في الاستسقاء يُكثَر من الدعاء ومن الاستغفار.

هل يُشترط إذْن الإمام لإقامة صلاة الاستسقاء؟

وإذا أراد الإمامُ الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة والخروج من المظالم.

أولًا: هل يُشترط إذْن الإمام لإقامة صلاة الاستسقاء؟

أكثر الفقهاء على أنه لا يُشترط، ومن أهل العلم مَن قال: إنه يُشترط، والذي عليه العمل الآن أنه لا بد من إذْن الإمام في الأمصار، أما إذا كان في غير الأمصار بأن خرج جماعةٌ في برية وأرادوا أن يصلوا صلاة الاستسقاء فلا بأس، على أن أكثر الفقهاء لا يشترطون إذْن الإمام حتى في الأمصار، لكن الذي يظهر أن الإمام إذا منع من إقامة صلاة الاستسقاء إلا بإذنه فتجبُ طاعته، ولا تجوز منازعته في ذلك؛ لأن المفسدة المترتبة على المنازعة أعظم من المصلحة التي يُرجى معها إقامة السنة؛ فمثلًا في الوقت الحاضر الإمام ولي الأمر يمنع من إقامة صلاة الاستسقاء إلا بإذنه، فتجب طاعته في ذلك، وليس للإنسان أن يجتهد اجتهادًا خاصًّا ويُقيم صلاة الاستسقاء اعتمادًا على ما ورد في بعض كتب الفقه في هذا؛ لأن طاعة الإمام واجبة، ولا تجوز منازعته، بل تجب طاعته؛ لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

وعظ الناس وأمرهم بالتوبة

ووعَظ الناس وأمَرهم بالتوبة والخروج من المظالم.

يعني: من باب التهيئة للناس يُوعَظون ويُحَثون على الخروج من المظالم، وعلى التوبة، وعلى الصدقة؛ ولهذا بعض العلماء يقول أيضًا: إنه ينبغي أمرُ الناس بالصدقة قبل الخروج لصلاة الاستسقاء؛ لأن الصدقة فيها إحسانٌ للغير، والإحسان سببٌ للرحمة، والله يقول: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] والغيث رحمة، وقد كان عمل الناس على هذا إلى وقتٍ ليس بالبعيد؛ أنهم قبل أن يخرجوا للاستسقاء يتصدقون على الفقراء والمساكين، فما أحسن أن نُطبّق هذا قبل صلاة الاستسقاء، أن نحرص على الصدقة على الفقراء والمساكين؛ لعل الله أن يرحمنا بذلك وأن يُجيب دعواتنا بالاستسقاء وطلب الغيث.

واستحب بعض العلماء أن يأمر الإمامُ الناسَ بالصيام قبل الخروج للاستسقاء؛ لأن دعاء الصائم أقرب للإجابة؛ ولهذا استحبوا أن يكون الاستسقاء في يومي الإثنين والخميس؛ لأنه يُشرع صيامهما، لكن تخصيص الاستسقاء بهذين اليومين يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليلٌ ظاهر يدلُّ لهذا، إنما هذا استحسانٌ من بعض أهل العلم واجتهادٌ من عنده، وتقييد العبادة بوقتٍ معين يحتاج إلى دليل. ولهذا؛ فالصواب أن صلاة الاستسقاء لا تختص بيومٍ معين، يُمكن أن تكون في أيِّ يومٍ من أيام الأسبوع؛ يُمكن أن تكون صلاة الاستسقاء في يوم السبت أو الأحد أو الإثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس، لكن الجمعة الأَوْلى ألا يكون فيه صلاة الاستسقاء؛ لأن الجمعة فيه خطبة الجمعة، ويُمكن أن يستسقي الخطيب في خطبة الجمعة.

التذلل والاستكانة والتواضع في الاستسقاء

ويتنظف لها ولا يتطيب، ويخرج متواضعًا متخشعًا متذللًا متضرعًا.

أي: إنه يُشرع عند الخروج لصلاة الاستسقاء التذللُ والاستكانةُ والتواضعُ والتضرعُ، أما كونه يتنظف؛ فلأنه مكانُ اجتماعٍ عام وحتى تزول الروائح الكريهة التي قد تؤذي الحاضرين، لكن هنا يتنظف ولا يتطيب؛ لأن هذا الوقت وقت استكانةٍ وخشوعٍ وتذللٍ، ووضعُ الطيب لا يتفق مع هذه المعاني؛ ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “خرج رسول الله مُتبذِّلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلى”[5] وهذا الحديث سنده صحيح، وقال الترمذي: حسنٌ صحيح. قوله: “مُتبذِّلًا” يدل على أنه ينبغي ألا يلبس لباس زينة وألا يمس طيبًا، وإنما يخرج مُتبذِّلًا؛ يعني: بلباس البِذْلة والمهنة ونحو ذلك، وأخذُ الزينة وإن كان مطلوبًا في جميع الصلوات إلا أنه يُستثنى منه صلاة الاستسقاء.

ولهذا قال المُوفَّق رحمه الله: “سنة الخروج لصلاة الاستسقاء على هذه الصفة المذكورة متواضعًا لله مُتبذِّلًا؛ أي: في ثياب البِذْلة، فلا يلبس ملابس الزينة ولا يتطيب لأنه من كمال الزينة، وهذا يوم تواضعٍ واستكانة”، وبعض أهل العلم ذهب إلى أن صلاة الاستسقاء كغيرها لأنها صلاة؛ والله ​​​​​​​ يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

والراجح هو القول الأول؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإن قوله: “مُتبذِّلًا” هو كالنص في المسألة.

هنا في آخر بحث المسألة في السلسبيل؛ يصحُّ أن يُلْغَزَ بهذه المسألة فيُقال: ما هي الصلاة التي لا يُستحب أخذُ الزينة لها؟

والجواب: هي صلاة الاستسقاء -للمعاني التي ذكرنا-.

خروج الأطفال والعجائز والبهائم في الاستسقاء

ومعه أهلُ الدين والصلاح والشيوخ، ويُباح خروج الأطفال والعجائز والبهائم والتوسل بالصالحين.

خروج الأطفال لأنهم لا ذنوب لهم، مرفوع عنهم القلم، فهم أقرب للإجابة؛ وخروج الشيوخ والعجائز يعني: هؤلاء أقرب للاستكانة والتضرع. والنساء: يُستحب خروج العجائز ومَن لا هيئة لها؛ بعض أهل العلم قال: إن الشوَابّ وذوات الهيئة لا يُستحب لهن الخروج؛ لأن الفتنة في خروجهن أكثر من النفع، ولكن الأقرب أن الشابة كالمرأة الكبيرة؛ إذا خرجت متحجبة ومتسترة محتشمة فلا بأس بذلك، ولا تحصل الفتنة منها ولا بها.

وقول المصنف: “والبهائم” أي: يُباح خروج البهائم مع الناس للاستسقاء؛ لأنه أقرب للاستكانة والخشوع، ولكن إخراج البهائم في صلاة الاستسقاء وإن كان قد قال به بعض أهل العلم، واستحبه بعض فقهاء الحنابلة كابن عقيل وكذلك القاضي أبو يعلى؛ إلا أن أكثر أهل العلم يرون أنه غير مستحب؛ لأن النبي لم يفعله، ولم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة أنه فعله، ولو كان مشروعًا لنُقِل، وهذا هو الأقرب. ورُويت في ذلك قصصٌ؛ رُوي أن طارق بن زياد لما قحط الناس بالأندلس خرج بالناس، وأمر بأن يخرج معها الجميع (الرجال والنساء والصغار والكبار)، وأن يُؤتى بالبهائم، فأتوا بالبهائم فجعلت تصيح، وجعل الناس يضرعون إلى الله بالبكاء وبالصياح، فسقاهم الله . المهم هو ما يقوم بالقلب من التضرع والتمسكن والانطراح بين يدي الله ، إخراج البهائم ليس عليه دليل، القول باستحبابه يحتاج إلى دليل، وليس عليه دليل.

التوسل بدعاء الصالحين

وقوله: “ومعه أهل الدين والصلاح”؛ أَخَّرْتُ الكلام عنه لأجل أن نربطه بقوله: “والتوسل بالصالحين”؛ مُراد المصنف بقوله: “والتوسل بالصالحين” يعني: بدعاء الصالحين، ولا يُريد التوسل بذواتهم، فإنه غير مشروع، وقد كان النبي إذا استسقى ما أن ينزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته؛ ولهذا قال البخاري في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: “ربما ذكرتُ قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب [يعني: ينزل المطر]:

وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ”[6]

وعن أنسٍ أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ؛ يعني: بدعاء العباس، وقال: “اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا [يعني: بدعاء نبينا] فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا [يعني: بدعاء عمِّ نبينا] فأسقنا فيُسقون”[7]؛ يوضح هذا ما جاء عن العباس أنه لما استسقى به عمر  قام العباس ودعا، هذا يدل على أن الاستسقاء إنما هو بدعائه وليس بذاته؛ ولذلك قام العباس  ودعا وقال: “اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ من السماء إلا بذنب، ولا يُكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا بالذنوب ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تُهمل الضالة، ولا تدعُ الكسير بدار مَضْيَعة؛ قد ضَرَعَ الصغير، ورَقَّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون”؛ فما أتم كلامه حتى أرخت السماء مثل الجبال وسُقُوا. وإن كان سنده فيه مقال، لكن أصله صحيح.

ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه يُستحب أن يُستسقى بالصالحين؛ يعني: بدعاء الصالحين، يُطلب ممن يُظن فيه الصلاح والتقوى وأنه من أولياء الله ؛ يقول: أنت الذي تَقدَّم وصلِّ بنا صلاة الاستسقاء.

وفي عهد معاوية بن أبي سفيان ؛ لما قحط الناس وخرج معاوية يستسقي، لما جلس على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود؟ فقام يزيد وطلب منه معاوية أن يستسقي بالناس، ففعل؛ فثارت سحابةٌ مثل التُّرْس، وهب لها ريحٌ فَسُقُوا، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم[8].

وفي تراجم بعض الرواة ممن وُصف بأنه يُستسقى به؛ قال سفيان بن عيينة: “حدثنا رجلان صالحان يُستسقى بهما، ابن عجلان ويزيد بن يزيد بن جابر”. وقال ابن حبان في صحيحه: “بابُ ذكرِ ما يُستحب للإمام إذا أراد الاستسقاء أن يستسقي الله بالصالحين؛ رجاء استجابة دعائه لذلك”؛ يعني: بدعاء الصالحين، فيُطلب ممن يُظن أن فيه الخير والصلاح، وأنه من أولياء الله تعالى، وأنه ممن تُرجى إجابة دعائه؛ أن يُقال له: أنت الذي تَقدَّم وصلِّ بالناس وادعُ الله ، هذا مأثورٌ عن السلف. لكن قال بعض أهل العلم: إنه قد يكون فيه فتنة؛ لأنه إذا قيل له: ادعُ الله أن يُغيثنا، فدعا ونزل المطر، ربما يَفتتنُ به الناس، وربما يَفتتنُ هو بنفسه ويُصاب بالعُجب؛ قالوا: ودرءُ المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح؛ لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن هذا لا بأس به، وأن هذا الإنسان الذي قد بلغ إلى هذه الدرجة من الصلاح، وأنه ممن تُرجى إجابة دعوته، وأنه يُظن أنه من أولياء الله تعالى؛ أنه بعيدٌ -إن شاء الله- عن العُجب وعن الفتنة، والمصلحة المرجوة بدعائه أكثر؛ لأنه إذا قام ودعا الله فيُرجى أن الله تعالى يُجيب دعوة الناس بسبب دعائه.

الصلاة مقدمةٌ على الخطبة

فيصلي، ثم يخطب خطبةً واحدة.

أي: إن الصلاة مقدمةٌ على الخطبة، وهذا هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة؛ والقول الثاني في المسألة: إن خطبة الاستسقاء مقدمة على الصلاة، وذهب إليه مالك، وأحمد في رواية، لكن قال ابن عبدالبر رحمه الله: “ثم رجع مالكٌ عنه إلى أن الخطبة بعد الصلاة كالعيدين”.

وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب ثم صلى، وأحاديث تدل على أنه صلى ثم خطب، لكن الأحاديث التي تدل على أنه خطب ثم صلى أَثبتُ وأصحُّ لأنها في الصحيحين، ولكن قد ثبت بأسانيد حسنة أن النبي صلى ثم خطب؛ ولهذا فالأمر فيه سعة، ويجوز الأمران جميعًا. وإذا خطب الإمام ثم صلى أو صلى ثم خطب، فالأمر في ذلك واسع، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد (وهو أن الإمام مخير)، واختاره ابن أبي موسى من الحنابلة، والمجد ابن تيمية، واختاره شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهو الأقرب؛ فالأقرب من حيث الدليل هو جواز الأمرين جميعًا. لكن بالنسبة للخطيب: إذا كان هناك فتوى عامة في البلد فينبغي الالتزام بها، ويجعل الاجتهادات الخاصة لنفسه، وأما ما كان متعلقًا بالشأن العام يعتمد على الفتوى العامة التي اعتمدها ولي الأمر؛ لأن كون كل طالب علم يأتي باجتهادٍ خاص من نفسه، ويفعله ويطبقه فيما يتعلق بالشأن العام؛ هذا يُسبب إرباكًا للناس، ولا تستقر الأحكام الشرعية لديه؛ فلهذا نقول: طالب العلم يجعل هذه الاجتهادات الخاصة لنفسه، ويعمل بما عليه الفتوى العامة في البلد.

يفتتح الخطبة بالتكبير كالعيد

يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد.

السنة في خطبة الاستسقاء أن تُفتتح بالحمد، المؤلف يقول: تُفتتح بالتكبير، وأيضًا خطبة العيد يرى المؤلف أنها تُفتتح بالتكبير، وسبق ذكر الخلاف في ذلك، ورجحنا القول بأن جميع الخطب تُفتتح بالحمد وليس بالتكبير، وأن الحديث المروي في افتتاحه بالتكبير ضعيف، جميع خطب النبي عليه الصلاة والسلام كان يفتتحها بالحمد. فعلى هذا؛ خطبة العيد، خطبة الاستسقاء…، جميع الخطب تُفتتح بالحمد وليس بالتكبير، هذا هو القول الراجح، وهو المختار عند كثير من المحققين من أهل العلم.

كثرة الاستغفار والأمر به

ويُكثِر فيها الاستغفار وقراءة آياتٍ فيها الأمر به.

يعني: ينبغي لخطبة الاستسقاء أن تكون خطبةً خاصة، يُكثِر فيها الخطيب من الاستسقاء وتذكير الناس بالتوبة إلى الله والرجوع إليه، ثم بالدعاء بالاستسقاء، ولا يذكر فيها أمورًا خارجة عن ذلك؛ لأن بعض الخطباء يأتي بخطبة الاستسقاء كأنها خطبة جمعة، وربما يذكر فيها موضوعات عامة أو موضوعات اجتماعية أو موضوعات ليس لها صلة بالاستسقاء، وهذا من قلة الفقه؛ خطبة الاستسقاء خطبة خاصة، ينبغي أن يُكثِر فيها من الاستغفار، يُذكِّر الناس بالتوبة إلى الله ، بخطر الذنوب والمعاصي، يُكثِر من الدعاء ومن الاستسقاء، هذا هو المطلوب في خطبة الاستسقاء، فيقرأ فيها الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار والأمر بالتوبة، ويدعو الله .

يرفع يديه وظهورهما نحو السماء

ويرفع يديه وظهورهما نحو السماء.

السنة في الدعاء عمومًا رفع اليدين؛ من آداب الدعاء رفع اليدين، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفْرًا[9]؛ أي: خائبتين.

قال البخاري في صحيحه: “بابُ رفع الإمام يده في الاستسقاء”، ثم ساق بسنده عن أنس : “كان النبي لا يرفع يديه في شيءٍ من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يُرى بياض إبِطَيه”[10] يعني: من شدة مبالغته في الرفع، وهذا في خطبة الجمعة.

وأيضًا جاء في حديث عبَّاد بن تميم أنه سمع عمه يقول: “خرج رسول الله يستسقي، فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله، واستقبل القبلة، وحوّل رداءه، ثم صلى ركعتين”[11]؛ يعني: عندما يستسقي الخطيب (يدعو)، يستقبل القبلة، ويرفع يديه ويدعو. لكن هنا قال: “جعل إلى الناس ظهره يدعو الله تعالى، واستقبل القبلة، وحول رداءه”، سيأتي الكلام عن تحويل الرداء بعد قليل.

وقول المصنف: “وظهورهما نحو السماء” يعني: يجعل ظهور يديه نحو السماء؛ لحديث أنس : “أن النبي استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء”[12]؛ مُراد المؤلف: أنه إذا أراد أن يدعو في الاستسقاء يقول: اللهم أغثنا، لا يقل هكذا: اللهم أغثنا، يقول هكذا: اللهم أغثنا.

طيب، هل هذا الفهم صحيح؟ اختلف العلماء في ذلك؛ حديث أنس في صحيح مسلم: “فأشار بظهر كفيه إلى السماء”؛ هل المقصود أنه أشار بهما هكذا، أو أشار بهما هكذا؟ قولان لأهل العلم.

القول الأول: الأخذ بظاهر الحديث، وهذا هو الذي قرره المؤلف (أنه يدعو هكذا)؛ لأن هذا الدعاء دعاءُ رهبة وليس دعاءَ رغبة، ودعاءٌ لرفع البلاء؛ قال: فالسنة أن يرفع ظهر كفيه إلى السماء.

القول الثاني: إن المشروع في رفع اليدين رفعُ بطون اليدين إلى السماء هكذا، ولكن النبي في هذا الحديث بالَغ في رفع يديه، حتى ظنَّ الظانُّ أنه جعل ظهر كفيه إلى السماء، وهذا هو الصحيح في معنى الحديث -كما قال ابن تيمية وغيره من أهل العلم-، هذا هو المُراد، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يدعو بهذه الطريقة، لم يرد هذا، وإن كان هذا هو ظاهر حديث أنس ، لكن الأحاديث يُفسر بعضُها بعضًا، والروايات يُفسر بعضُها بعضًا.

فالقول المُرجَّح عند كثير من المحققين من أهل العلم هو أن المقصود أنه يرفع بطون يديه إلى السماء، لكنه في الاستسقاء بالَغ عليه الصلاة والسلام هكذا، حتى ظن الظانُّ أنه رفع ظهر كفيه إلى السماء، حتى أنه ظن الظان أنه جعل ظهر كفيه إلى السماء، عندما يُبالغ الإنسان هكذا ربما مَن حوله -خاصةً مَن كان بعيدًا- يظن أنه إنما يدعو بظهر كفيه، وهو في الحقيقة إنما دعا بباطن كفيه، لكنه بالَغ في الرفع هكذا: “اللهم أغثنا، اللهم أغثنا”؛ هذا هو الأقرب في فهم هذا الحديث. ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام دعا هكذا (يعني: دعا بظهر كفيه) هذه الصفة غريبة ومُلفتة للنظر، ولم ترد في شيءٍ من الأحاديث؛ يعني: لو كان عليه الصلاة والسلام فعل هكذا لَنَقل هذا عددٌ كثيرٌ من الصحابة؛ لأن هذا مما تتوافر الدواعي لنقله؛ لأن الشيء الغريب، الشيء غير المعهود، غير المألوف، يحفظه الناس وتتوافر الدواعي لنقله، ويشتهر ويستفيض، فلو كان هذا هو الفهم الصحيح للحديث لَنَقل هذا غيرُ أنس واستفاض واشتهر.

فالأقرب -والله أعلم- هو أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا بالطريقة المعهودة (أنه يرفع بطن كفيه إلى السماء هكذا)، لكنه بالَغ عليه الصلاة والسلام حتى ظنَّ الظانُّ أنه دعا بظهر كفيه هكذا.

الدعاء في الاستسقاء

فيدعو بدعاء النبي ، ويؤمِّن المأموم، ثم يستقبل القبلة في أثناء الخطبة.

يعني: إذا شرع الخطيب في الدعاء في خطبة الاستسقاء؛ فإنه يُحوِّل ظهره إلى الناس لاستقبال القبلة، هذا هو الظاهر من هدي النبي ، بينما إذا دعا في خطبة الجمعة يستقبل الناس، وإذا كان الناس لم يألفوا هذا الأمر يُبيِّن لهم ذلك تمهيدًا للشيء الغريب؛ فيقول لهم: أنا سأدعو وأستقبل القبلة، وأمِّنوا، وأن هذا هو المنقول عن النبي عليه الصلاة والسلام.

فيقول سرًّا: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا.

وهذا استحسنه الإمام الشافعي رحمه الله، ونقله عنه الفقهاء؛ وتمامه: “اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، اللهم فامنُنْ علينا بمغفرةٍ من ذنوبنا، وإجابتنا في سُقْيانا، وسعة أرزاقنا”.

ويدعو بما تيسر، ليس هناك دعاء خاص، إنما بما تيسر: اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا بركات السماء، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ونحو ذلك.

تحويل الرداء في الاستسقاء

ثم يُحوِّل رداءه؛ فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، وكذا الناس، ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم.

ظاهر كلام المؤلف أنه يفعل ذلك إذا فرغ من الصلاة والخطبة والدعاء؛ أنه يُحوِّل رداءه، وقد جاء في حديث عبدالله بن زيد : “أن النبي استسقى فقلب رداءه”[13]، وفي لفظٍ آخر: “خرج رسول الله إلى المصلى فاستسقى وحوَّل رداءه حين استقبل القبلة”[14].

فظاهر السنة أن تحويل الرداء إنما يكون عند إرادة الدعاء، وليس بعد الدعاء، إنما قبل أن يدعو؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “المعنى: قَلَب رداءه في أثناء الاستسقاء؛ فعُرِفَ بذلك أن التحويل وقع في أثناءِ الخطبة عند إرادة الدعاء”، بينما الذي عليه عمل كثير من الناس اليوم هو تحويل الأردية بعد الفراغ من الدعاء، والسنة أن يكون التحويل عند إرادة الدعاء قبل أن يقول: “اللهم أغثنا”، يحوّل رداءه، ثم يدعو، وهذا خلاف ما عليه عمل كثير من الناس اليوم؛ أنهم لا يقلبون الأردية إلا بعد الدعاء، السنة أن يكون ذلك قبل الدعاء، قبل الدعاء يبدأ بتحويل الرداء.

طيب، ما صفة التحويل؟

ذكر المؤلف صفة التحويل، قال: “فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن”؛ يعني: لو كان عليه مِشْلَح يقلبه، كذلك لو كان عليه غُتْرَة أو شِمَاغ، وإن كان بعض العلماء يقول: إن الغُتْرَة والشِّمَاغ كالعمامة لا يقلبها، ولكن الصحيح أنه يقلب أيَّ لباسٍ عليه؛ لأن الحكمة من هذا التحويل التفاؤلُ بتغيُّر الحال من القحطِ إلى نزول الغيث والخَصْب، ومن ضيق الحال إلى سعته؛ قال بعض العلماء: إن هذا التحويل خاصٌّ بالإمام، لكن أكثر أهل العلم على أنه يشمل الإمام والمأمومين؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “استحب الجمهور أن يُحوِّلَ الناسُ بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد من طريق أخرى عن عَبَّاد في هذا الحديث بلفظ: وتَحَوَّل الناس معه”[15].

طيب، هل هذا التحويل يشمل الرجال والنساء أو يختص بالرجال؟

الصحيح أنه يشمل الرجال والنساء، إلا إذا كان النساء في مكانٍ مكشوف والرجال ينظرون إليهن، فلا يُحولن في هذه الحال؛ لأن قلب الرداء سنة، والتكشف أمام الرجال الأجانب محرم. لكن لو كُنَّ بعيدات عن الرجال، كأن كان الاستسقاء مثلًا في مسجد، والنساء يُصلين في المصلى؛ فحكمهن حكم الرجال، فالمرأة إذا كان عليها عباءة تَقْلِب هذه العباءة؛ لأن الأدلة عامة، أو حتى كُنَّ يُصلين في المصلى لكن بعيدات عن الرجال، فتَقْلِب المرأة عباءتها؛ لأن الأدلة عامة، والأصل في الأحكام تَسَاوي الرجال والنساء فيها، إلا ما دل الدليل على اختصاص الرجال أو اختصاص النساء به؛ فالمرأة إذَن في هذا التحويل كالرجل ما لم تكن بحضرة رجالٍ أجانب.

طيب، إذا حول الرداء متى ينزعه؟

قال: “ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم”؛ يعني: يتركونه على حاله المقلوب ولا يعيدونه حتى ينزعوه مع ثيابهم؛ لأنه لم يُنقل عن النبي وأصحابه أنهم غيروا أرديتهم حين عادوا، ولكن هذه المسألة لم يثبت فيها شيء أصلًا؛ يعني: متى غيَّر النبي عليه الصلاة والسلام؟ متى أعاد رداءه؟ متى أعاد الصحابة أرديتهم؟ لم يثبت في هذا شيء؛ ولهذا فالأمر فيه سعة، الأقرب أنه لا بأس أن يعيدوا أرديتهم إلى حالتها السابقة متى ما شاؤوا؛ لأن المقصود هو تحويل الرداء أثناء الدعاء وبعده بوقتٍ يسير، أما ما بعد ذلك فالأمر فيه واسع.

إعادة الاستسقاء

فإن سُقُوا وإلا عادوا ثانيًا وثالثًا.

أي: إذا لم يُسقَوا يعيدون صلاة الاستسقاء عدة مرات، والله يُحبُّ المُلِحِّين في الدعاء.

التبرك بالمطر إذا نزل

ويُسَنُّ الوقوفُ في أول المطر، والوضوءُ والاغتسالُ منه، وإخراجُ رَحْله وثيابه ليُصيبها.

أي: إنه يتبرك بالمطر إذا نزل، وقد جاء في هذا حديث أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله مطرٌ، فحسر رسول الله ثوبه حتى أصابه المطر؛ فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعتَ هذا؟ قال: إنه حديثُ عهدٍ بربه[16] رواه مسلم؛ أي: حديث عهدٍ بتكوين الله له وخَلْق الله، فيُستحب عند نزول المطر أن يَحْسِر الإنسان عن رأسه حتى يُصيبه المطر؛ يعني: إذا نزل المطر احسر عن رأسك -وهذه سنة يغفل عنها كثيرٌ من الناس-، وإذا كان مثلًا عليك شِمَاغ أو غُتْرة احسر الشِّمَاغ أو الغُتْرة عن الرأس، واجعل المطر يُصيب رأسك، وهكذا أيضًا ذراعيك وأطراف الساقين وثيابك، فهذا من السنة؛ بل قال المؤلف: إنه ينبغي إن أمكن أن يتوضأ منه ويغتسل فهذا أكمل، وأيضًا إخراج رحله وثيابه ليصيبها؛ لأن العلة تشمل ذلك كله، العلة التي علل بها النبي : إنه حديثُ عهدٍ بربه.

الدعاء إذا كثر المطر وخيف من ضرره

وإن كَثُر المطرُ حتى خيف منه؛ سُنُّ قول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به.

هذا قاله النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة لما كان يخطب بالناس، فأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلكَت الأموال وانقطعَت السبل، فادعُ الله أن يغيثنا، فرفع  يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا نزل المطر، وأصبح المطر مستمرًّا أربعًا وعشرين ساعة حتى الجمعة الأخرى، فأتى ذلك الرجل -أو غيره-، قال: يا رسول الله، هلكَت الأموال وانقطعَت السبل، فادعُ الله أن يُمسكها عنا، فماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل قال: اللهم أمسكها عنا؟ لا، قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِّراب وبطون الأودية ومنابت الشجر[17]، وهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام؛ لم يدعُ الله أن يُمسك المطر، وإنما أن يجعله على أطراف المدينة (على الجبال، وعلى الآكام، وعلى الظِّراب، وعلى بطون الأودية، ومنابت الشجر)؛ لأن الغيث بركةٌ وخير، وفيه مصلحة ومنفعة للناس، فإذا كَثُر المطر يُقال هذا -يقوله خطيب الجمعة-، ويكونُ دعاءً من غير صلاة، أو أنه يقوله الخطيب في خطبة الجمعة؛ يقول: اللهم حوالينا ولا علينا…إلى آخره.

أما قول المؤلف في آخر هذا الدعاء: “ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به” فلا أعلمه محفوظًا في الأحاديث الواردة، هذه زيادة من المصنف رحمه الله، ولا أعلم لها أصلًا، فإن دعا بها من غير اعتقاد أن ذلك سنة فلا بأس به، لكن اعتقاد أن هذا سنة يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل يدل على أن هذا يُدعى به في مثل هذه الحال.

لا يجوز أن يُنسب المطر بعد نزوله إلى غير الله

وسُنَّ قول: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، ويحرم: مُطِرنا بنَوْء كذا.

لا يجوز أن يُنسَب المطر بعد نزوله إلى غير الله، فإن هذا من كُفر النعمة؛ ويدلُّ لذلك ما جاء في حديث زيد بن خالد  قال: صلى لنا رسول الله صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟، قال: أصبح من عبادي اليوم مؤمن بي وكافر، فأما مَن قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما مَن قال: مُطِرنا بنَوْء كذا وكذا؛ فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب[18]، قال هذا النبي عليه الصلاة والسلام، وهُم الصحابة ورسول الله بين أظهرهم، فكيف بحالنا في الوقت الحاضر؟

ولهذا؛ فينبغي الحذر عند نزول المطر من أن يتلفظ الإنسان بمثل هذا الكلام؛ أن يقول: مُطِرنا بنَوْء كذا، أو يقول: مُطِرنا بسبب المنخفض الجوي، أو يقول: مُطِرنا بسبب السحب القادمة من كذا، أو بسبب كذا، أو بسبب الطقس…؛ هذا كله لا يجوز، إذا نزل المطر فقل: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، لا يجوز أن تنسب المطر بعد نزوله لغير الله ​​​​​​​ وإلا وقعتَ في كُفر النعمة؛ مَن قال: مُطِرنا بنَوْء كذا ونَوْء كذا؛ فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب، ومَن قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب[19].

قال:

ويُباح: في نَوْء كذا.

يُباح أن يُقال: مُطرنا “في نَوْء كذا” وليس “بنَوْء كذا”؛ كما لو قال مثلًا: “مُطِرنا في الوَسْم – مُطِرنا في مراوح الصيف – مُطِرنا في شهر كذا”، هذا لا بأس به لأنه لا يقتضي الإضافة إلى النَّوْء؛ فلا يُكره.

حكم توقعات نزول الأمطار

طيب، ما حكم توقعات نزول الأمطار؟ هل تدخل في القِسم المنهي عنه أم الجائز؟

التوقعات بنزول الأمطار قبل نزولها لا بأس بها، وهذه كانت موجودة من قديم الزمان؛ لأنها لا تعدو أن تكون تفسيرًا لسنن الله في نزول المطر، فإن الله تعالى أجرى العادة بأن ينزل المطر على سنن معينة يعرفها بعض الناس، وتُقاس الآن بأجهزة دقيقة، فهي توقعات بأن ظروف الأجواء مُهيَّأةٌ لنزول المطر، وقد ينزل المطر، وقد لا ينزل؛ فهذه التوقعات لا تعدو أن تكون تفسيرًا لسنن الله ​​​​​​​، فهذه التوقعات لا بأس بها قبل نزول المطر، لكن بعد نزول المطر لا يجوز نسبة نزول المطر إلى غير الله، انتبه؛ بعد نزول المطر لا تقل: مُطِرنا بسبب المنخفض الجوي، أو بسبب نَوْء كذا، أو بسبب كذا، فإن هذا يدخل في كُفر النعمة، قبل نزول الأمطار لا بأس بالتفسير لسنن الله، لا بأس أن تقول: توقعات نزول الأمطار كبيرة، التوقعات أنها تصل مثلًا تسعين في المئة، تصل ثمانين في المئة، الفرصة مُهيَّأة…، هذه توقعات هي تفسير لسنن الله ، لكن بعد نزول الأمطار لا يجوز نسبة نزول المطر إلى غير الله ​​​​​​​، ومَن فعل ذلك فقد وقع في كُفر النعمة، وهو كفرٌ أصغر، وهذا معنى قوله: فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب[20]، والمشروع إذا نزل المطر أن يقول المسلم: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، اللهم اجعله صيبًا نافعًا.

كتاب الجنائز

طيب، نأخذ مقدمة الجنائز؛ قال المصنف رحمه الله:

كتاب: الجنائز.

تعريف الجنائز

الجنائز: جمعُ جَنَازة وجِنَازة -بفتح الجيم وكسرها-، لغتان مشهورتان؛ قال ابن قتيبة: “الكسر أفصح، وقيل: إن الجنازة -بفتح الجيم- اسم للميت، وبالكسر اسم للنعش الذي عليه الميت”.

يُسَنُّ الاستعداد للموت والإكثار من ذكره

قال المصنف رحمه الله:

يُسَنُّ الاستعداد للموت والإكثار من ذكره.

كما جاء في الحديث: أكثِروا من ذكر هاذم اللذات؛ فما ذكره عبدٌ قطُّ وهو في ضيق إلا وسَّعه عليه، ولا ذكره وهو بسعةٍ إلا ضيَّقه عليه[21]؛ فينبغي الإكثار من ذكر الموت حتى يكون الإنسان على استعداد، وحتى لا ينهمك الإنسان في الدنيا وفي مشاغلها التي لا تنقضي، فإن بعض الناس منشغل بهذه الدنيا، ما إن ينتهي من شغل إلا ويدخل في شغلٍ آخر، وينهمك في هذه الدنيا غافلًا لاهيًا لاهثًا حتى يَفْجَأه الموت، فيبدأ ينظر النظرة الصحيحة للحياة، ويندم حين لا ينفع الندم وبعد فوات الأوان. حياتك أيها الإنسان فرصة واحدة غير قابلة للتعويض؛ يعني: قد تخسر في صفقة تجارية تُعوِّض، قد تخسر في اختبار من اختبارات الدنيا تُعوِّض، لكن حياتك هي فرصة واحدة، أعطاك الله هذه الفرصة، فإن نجحتَ في هذا الاختبار الذي نعيش فيه الآن فُزْتَ الفوز العظيم، وسعدتَّ السعادة الأبدية، وإن فشلتَ فيه خسرتَ الخسارة العظيمة، خسرتَ كل شيء حتى نفسك: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103]؛ فالإنسان ينبغي أن ينظر للحياة على حقيقتها، ينظر للحياة على أنها دار مَمَرٍّ وعبور، وأن إقامتنا فيها مؤقتة، وأنَّا سننتقل قريبًا عنها إلى الحياة الدائمة الباقية.

يُكرَه الأنين وتمني الموت إلا لخوف فتنة

ويُكرَه الأنين.

لأنه يُنافي كمال الصبر، وقد رُوي ذلك عن بعض السلف، والمطلوب من المريض أن يصبر، ويُستحب له الرضا؛ والإنسان عند المصيبة لا تخلو حاله من أربع:

  • الحال الأولى: التسخط والتشكي بلسانه أو بجوارحه؛ كأن يلطم وجهه أو يشق جيبه أو ينتف شعره، فهذا محرم بل من الكبائر.
  • الحال الثانية: الصبر؛ أن يحبس نفسه عن الكلام المحرم وعن الأفعال المحرمة، فهذا حكمه الوجوب.
  • الحال الثالثة: الرضا؛ أن يرضى بالمصيبة، وهذه حالٌ لا تكون إلا لأولياء الله ؛ ولذلك فإنها مستحبة وليست واجبة، لأن أكثر الناس لا يستطيع أن يصل إلى هذه المرتبة.
  • الحال الرابعة: الشكر؛ وهي مرتبة فوق الرضا، ولا تكون إلا بعد الرضا، فتقع له المصيبة فيحمد الله ويشكره عليها، على أن الله سيثيبه بدرجات وصلوات وهداية ورحمة، وأن هذه المصيبة لم تكن أعظم من غيرها، فيحمد الله ويشكره؛ وهذه إذا قلنا: إن الرضا مستحبة، فهذه المرتبة مستحبة من باب أَوْلى.

الأنين قال بعض أهل العلم: إنه يُنافي كمال الصبر، لكن إذا غلبه الأنين لشدة المرض فلا بأس، الإمام أحمد في مرض موته كان يئِنّ، فقيل له: إن طاوسًا كان يكره الأنين في المرض؛ فما أنَّ بعدُ حتى مات رحمه الله. لكن بعض الناس قد يشتد معه الألم، فيرى أن الأنين يُنفِّس عنه شيئًا من شدة الألم؛ نرجو ألا يكون في هذا بأس إن شاء الله.

قال:

وتمني الموت.

يعني: يُكرَه تمني الموت، وكما قال عليه الصلاة والسلام: لا يَتمنَّيَنَّ أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي[22] متفق عليه، وظاهر الحديث التحريم (أن النهي يقتضي التحريم)؛ لأن هذا هو الأصل في النهي؛ الأصل في النهي أنه يقتضي التحريم، وليس هناك صارف يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة. وعلى ذلك؛ فالراجح أن تمني الموت محرم، وليس مكروهًا فحسب، وإنما هو محرم، إلا في الحالات التي يجوز فيها تمني الموت -كما سيأتي-.

والحكمةُ من النهي عن تمني الموت قد جاءت الإشارة إليها في قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه؛ إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله هذه هي الحكمة؛ أنه بالموت تنقطع الأعمال، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا[23]؛ فنُهِي عن تمني الموت لأن الإنسان بالموت تنقطع أعماله، والمؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا؛ ولذلك طول العمر مع حُسن العمل نعمة من الله ؛ لأن الإنسان تزيد عنده الأعمال الصالحة، بينما طول العمر مع سوء العمل نقمة؛ لأن الإنسان تكثر ذنوبه؛ ولهذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: خيرُكم مَن طال عمره وحَسُنَ عمله، وشركم مَن طال عمره وساء عمله[24].

ثم أيضًا تمني الموت فيه نوعٌ من الاعتراض على القضاء والقدر، والواجب على المسلم التسليم لله تعالى في قضائه وقدره.

استثنى المؤلف من هذا؛ فقال:

إلا لخوف فتنة.

يعني: إذا خشي الإنسان فتنةً جاز له أن يتمنى الموت؛ كما قال الله عن مريم عليها السلام: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23]؛ مريم امرأة صالحة وصِدِّيقة، وحملت غلامًا من غير رجل، فلما وضعته عند المخاض (لما أجاءها المخاض)؛ يعني: تُعاني الآن آلام الولادة والمخاض، وتُعاني مصيبةً أعظم وهي الفضيحة، كيف ستقنع الناس بأنها أتت بولدٍ من غير رجل؟ فاجتمعت عليها هذه المصائب، فقالت مقولتها هذه، خشيت أن تحصل لها فتنة (أن تَفتَتِن)؛ لأن الناس لن يُصدقوها قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ۝ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا [مريم:23-24] الذي هو عيسى، سبحان الله! لما وضعته أنطقه الله مباشرةً، فجعل يتكلم يُحاور أمه، آية من آيات الله، هذه أعظم معجزة في تاريخ البشرية! فجعل هذا الطفل الذي وُلد الآن يُخاطب أمه: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا يعني: عيسى أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ۝ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ۝ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:24-26] فهنا تمنَّت مريم عليها السلام الموت؛ لأنها خشيت من الفتنة، فإذا خشي الإنسان من الفتنة جاز له تمني الموت.

وأيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاةُ خيرًا لي[25]، وأيضًا جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: وإذا أردتَّ بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون[26]؛ وهذا يدل على أنه يُستثنى من ذلك وقت الفتنة، فيجوز تمني الموت فيها.

استحباب عيادة المريض المسلم

وتُسَنُّ عيادة المريض المسلم.

عيادة المريض مستحبة استحبابًا مؤكدًا، وهي من حق المسلم على المسلم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: حق المسلم على المسلم خمس وذكر منها: عيادة المريض[27].

ونُقِلَ الإجماع على ذلك؛ نقله النووي وغيره، لكن حكاية الإجماع على الاستحباب منتقضة بقول مَن قال من أهل العلم بالوجوب، وقد بوَّب البخاري في صحيحه على ذلك بقوله: “باب وجوب عيادة المريض”، ثم ساق بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله : أطعِموا الجائع، وعُودوا المريض[28] يعني: هذا أمرٌ، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب. وأيضًا ساق بسنده عن البراء : “أمرَنا رسول الله بسَبع” وذكرَ منها عيادة المريض[29].

وقال بعض أهل العلم: إن عيادة المريض في الأصل مستحبةٌ، لكنها قد تجبُ على الإنسان إذا كان المريض له حقٌّ متأكدٌ عليه كوالدَيه ومَن تجبُ صلته من ذوي الأرحام، وهذا هو القول الراجح، فإذا كان أبوه مريضًا يجب عليه أن يعوده، إذا كانت أمه مريضة يجب عليه أن يعودها، وإلا وقع في العقوق؛ إذا كان أخوه أو أخته، إذا كان أخوه مريضًا يجب عليه أن يعوده، إذا كانت أخته كذلك، وإلا وقع في قطيعة الرحم؛ إذا كان عمه أو خاله أو خالته أو عمته…، هؤلاء تجب صلتهم، فإذا مرضوا وجب عليه عيادتهم، أما غيرهم من الناس فتُستحب ولا تجب؛ يعني: لو كان المريض مثلًا جارًا له، أو كان المريض صديقًا…، المهم أنه ممن ليس له عليه حقٌّ واجب، فتُستحب عيادته ولا تجب؛ هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

وعيادة المريض عملٌ صالحٌ عظيم؛ وقد ورد في فضلها قول النبي عليه الصلاة والسلام: مَن عاد مريضًا لم يزل في خُرْفَةِ الجنة حتى يرجع قيل: وما خُرْفَةُ الجنة؟ قال: جَنَاها[30] رواه مسلم. وأيضًا في حديث أبي هريرة  عن النبي قال: إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُّ فلم تعُدني، فيقول: وكيف أعُودك وأنت رب العالمين؟! قال: أمَا علمتَ أن عبدي فلانًا مرض فلم تَعُدْهُ، أمَا علمتَ أنك لو عُدتَّهُ لوجدتني عنده[31]؛ فهذا يدل على أن عيادة المريض عملٌ صالحٌ عظيمٌ يُؤجَر عليه الإنسان، فينبغي لمَن عاد مريضًا أن يحتسب الأجر، وأن يستشعر عظيم الأجر والثواب المرتب على عيادة المريض.

تلقين المُحتضَر

وتلقينه عند موته: لا إله إلا الله مرةً.

يعني: يُستحب تلقين الميت عند موته، والمقصود بالميت يعني: المُحتضَر، وإلا الميت قد مات وانتهى، لكن المقصود مَن سيموت (المُحتضَر)، يُستحب أن يُلقَّن: لا إله إلا الله؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لَقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله[32]؛ والمقصود بموتاكم يعني: المُحتضَرين، وإنما عبَّرَ بالتلقين كما يُلقَّن الطلاب وكما يُلقَّن الأطفال؛ لأن حال الاحتضار حالُ شدةٍ وكرب ومعاناة شديدة لخروج الروح، فيحتاج إلى مَن يُلقِّنه؛ لأن الإنسان قد يَذْهل مع المصيبة الشديدة، فيحتاج في هذه اللحظة العصيبة إلى مَن يُلقِّنه قول: “لا إله إلا الله”. والحكمة في تلقين هذه الكلمة أن تكون آخر كلامه من الدنيا؛ لقول النبي : مَن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة[33].

قال:

ولم يزد إلا أن يتكلم.

يعني: لم يزد على المرة الواحدة، إلا أن يتكلم فيُكرر عليه التلقين؛ لئلا يَضْجَر لضيق حاله وشدة كُرْبَتِهِ، ربما كره ذلك بقلبه، وربما تكلم بكلامٍ لا يليق؛ يعني: بعض الناس عند المُحتضَر يُكرر عليه، قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله…، طيب ربما أنَّ هذا يَضْجَر، ربما يتكلم بكلام غير مناسب؛ لأنه في حال كربة وحال شدة وحال معالجة لخروج الروح، فينبغي لمَن أراد أن يُلقِّن المُحتضَر أن يكون ذلك بلطف وبرفق، وأن يقولها مرة واحدة ويسكت، إلا إذا تكلم بكلام آخر فيُلقِّنه ويُذكِّره مرةً أخرى، لكن لا يُكرِّر عليه تكرارًا يجعله ربما يَتَضَجَّر ويتكلم بكلامٍ غير لائق.

قراءة الفاتحة ويس على المُحتضَر

وقراءة الفاتحة ويس.

أما قراءة يس؛ فقد جاء في حديث مِعْقَل بن يسار أن رسول الله قال: اقرؤوا يس على موتاكم[34] وهذا الحديث أخرجه أبو داود، لكنه حديثٌ ضعيف لا يصح عن النبي ، قال الدارقطني: “هذا حديثٌ ضعيفُ الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب شيء”.

وبناءً على ذلك لا يُشرع قراءة سورة “يس” على المُحتضَر؛ لأن الحديث المروي في ذلك ضعيف، والأحكام لا تُبنى على الأحاديث الضعيفة، وأما قراءة الفاتحة عند المُحتضَر فلم يرد فيها شيء، وإنما قاسها بعض الفقهاء على قراءة سورة “يس”، وإذا قررنا أنه لا يُشرع قراءة سورة “يس” على المُحتضَر لضعف الحديث، فمن باب أَوْلى أنه لا يُشرع قراءة الفاتحة على المُحتضَر؛ ولذلك نقول: إن المُحتضَر لا يُشرع قراءة شيءٍ من القرآن عنده مطلقًا، إنما يُلقَّن أن يقول: “لا إله إلا الله” فقط.

توجيه المُحتضَر إلى القبلة

وتوجيهه إلى القبلة على جنبه الأيمن، مع سعة المكان، وإلا فعلى ظهره.

يعني: يُسَنُّ أن يُوجَّه المُحتضَر إلى القبلة؛ لحديث البراء بن معرور  أنه لما توفي أوصى بثُلُثه وأن يُوجَّه إلى القبلة لمَّا احتُضِر؛ فقال النبي : أصاب الفطرة، وقد رددتُّ ثُلُثه على ولده[35] أخرجه الحاكم، لكنه حديثٌ ضعيف؛ ولهذا نقول: إنه لا يُسَنُّ توجيه المُحتضَر إلى القبلة؛ لأنه لم يثبت في ذلك شيء. وقال بعض أهل العلم: إن المُحتضَر يكون مستلقيًا على ظهره، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا هو الأقرب -والله أعلم-، وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان (أنَّ المُحتضَر يُجعَل مستلقيًا على ظهره)؛ لأن جَعْلَ المُحتضَر على شقه الأيمن ربما شق ذلك.

تغميض عينيه

فإن مات سُنَّ تغميض عينيه.

لأن النبي لما دخل على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُه فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قُبضَ تبعه البصر[36]، ولأنه إذا لم تُغمَض عيناه ربما قَبُح منظره فأُسيء به الظن؛ ولذلك فيُسَنُّ تغميضُ عينيه.

وقول: باسم الله وعلى وفاةِ رسول الله.

يعني: يُسَنّ أن يقول عند تغميض عيني الميت: “باسم الله، وعلى وفاة رسول الله”؛ لِمَا جاء عن بكر المُزَني: “إذا أغمضتَّ الميت؛ فقل: باسم الله وعلى وفاةِ رسول الله”[37] أخرجه الطبراني، لكن ثبوته محل نظر، ولو ثبت فليس بحجة، فإن بكر بن عبدالله المُزَني من التابعين، والسنة لا تثبت بقول تابعي، فالقول الراجح أن هذا ليس بسنة.

تقبيل الميت

ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه.

لا بأس بتقبيل الميت، خاصةً إذا كان الميت له حقٌّ على الإنسان، فلا بأس بأن يُقبِّل جبهتَه أو ما بين عينيه؛ ويدل لذلك: “أن أبا بكر لمَّا مات النبي دخل وكشف عن وجهه وقبَّل ما بين عينيه وبكى، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طِبْتَ حيًّا وميتًا”[38]، فلا بأس بتقبيل الميت، فإذا كان هذا الميت عزيزًا على الإنسان، كأن يكون مثلًا أباه أو أمه أو عزيزًا عليه، فأتى وقبَّل جبينه أو قبَّل ما بين عينيه لا بأس بذلك، وقد فعله بعض الصحابة .

ونقف عند غسل الميت، نكتفي بهذا القدر.

ونُجيب الآن عما تيسر من الأسئلة.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

السؤال: ما حكم الاكتتاب بشركة الخريِّف لتنقية المياه والطاقة؟

الجواب: لا بأس بها، راجعت مع الإخوة قوائمها المالية، ولم يظهر فيها أي محظور شرعي، فلا بأس بالاكتتاب فيها.

السؤال: هل يُشرع للأشخاص ذوي الإعاقة لمَن يصلي الجمعة ظهرًا في بيته؛ هل يُشرع لهم الإتيان ببعض سنن الجمعة؟

الجواب: مَن يصلي في بيته من ذوي الأعذار، سواءٌ كان معاقًا أو كان امرأةً أو من ذوي الأعذار عمومًا؛ فإنهم لا يصلونها جمعةً، ولا يأتون بسنن الجمعة القَبْلية (التي قبل الجمعة)، وإنما يصلونها ظهرًا، وعلى ذلك فالاغتسال والتطيب والتنظُّف؛ هذه خاصة بمَن يأتي الجمعة، أما مَن كان يصليها ظهرًا فلا تشمله. لكن هناك بعض السنن التي يشترك فيها الجميع؛ مثل تحري ساعة الإجابة، فهذه تشمل الجميع، مثل قراءة سورة الكهف -عند مَن يقول به من أهل العلم- تشمل الجميع، لكن هناك السنن الخاصة بصلاة الجمعة، هذه إنما يأتي بها مَن يأتي للجمعة، أما مَن يصليها ظهرًا فإنها لا تكون سنةً في حقه.

السؤال: والله إنَّ القلب يعتصر ألمًا عندما سمعتُكَ ذات مرة تُعزِّي مَن تفوته صلاة الجمعة!

الجواب: نعم، إنما نُعزِّي مَن تفوته صلاة الجمعة إذا كان ليس من ذوي الأعذار، فيكون قد فاته أجرٌ عظيم، إذا أتى وقد رفع الإمام من الركعة الثانية من صلاة الجمعة، نقول له: أحسن الله عزاءك، فاتك أجرٌ عظيم، فاتك أجر الجمعة، لكن إن كان الإنسان من ذوي الأعذار فيُكتب له أجره كاملًا، إذا كان مريضًا أو من ذوي الإعاقة ولم يستطع أن يُصلي الجمعة فيُكتب له الأجر كاملًا؛ لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا[39].

السؤال: كلنا نعرف أن ما يُصيب المؤمن أنه يؤجر عليه، لكن هل يُشترط عند وقوع ذلك احتساب الأجر واستحضار النية؟

الجواب: أولًا: كلمة “يؤجر عليه”؛ الذي وردت به النصوص أنه كفارة لسيئاته، فالمصائب هي كفارات لِمَا قد يقع من الذنوب والخطايا، وقد تكون يعني إذا كان الإنسان…، هذه قد لا تكون يعني إلا لأولياء الله الذين ليس عندهم ذنوب أو…، أنها تكون رفعةً لدرجاتهم، لكن الأصل أنها كفارة للذنوب والخطايا. واستحضار النية لا شك أنه أعظم في التكفير، وأعظم أيضًا في رفعة الدرجات، لكن لو لم يحصل هذا الاستحضار فتبقى أنها كفارة ورفعة في الدرجات -ما لم يتسخط ويتشكَّى-؛ يعني: إذا صبر تكون كفارةً ورفعةً.

السؤال: ما حكم التِزام المسلم بمذهب فقهي معين كمذهب الحنابلة، والأخذ برخصه وعزائمه؟ علمًا أنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما طالبُ علمٍ مبتدئ.

الجواب: عند التفقه ينبغي الانطلاق من مدرسة فقهية حتى تنضبط الأصول والقواعد عند طالب العلم، فلا بد أن ينطلق من مدرسة فقهية، فنحن مثلًا الآن في هذا الدرس ننطلق من مدرسة الحنابلة، أخذنا دليل الطالب وانطلقنا منه، فلا بد من الانطلاق من مدرسة فقهية، لكن عند العمل وعند الفتوى يأخذ بقول مَن يرى أنه الأقرب إلى الكتاب والسنة؛ فالله يقول: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] ولا تُسأل: ماذا أجبتَ أبا حنيفة أو مالكًا أو الشافعي أو أحمد؟ وإنما تُسأل: ماذا أجبتَ المرسلين؟ ويُمكن أن يستأنس طالب العلم باختيارات المحققين، فإن هناك من العلماء المحققين الذين اعتنوا باختيار الصواب من المسائل الخلافية بحسب ما يقتضيه الدليل من الكتاب والسنة، وعلى رأسهم مثلًا ابن تيمية وابن القيم، مثلًا من المعاصرين ابن سعدي وابن باز وابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع، يُمكن أن يستأنس باختياراتهم فيعمل بما اختاره هؤلاء المحققون.

السؤال: إذا صلى الإمام بالناس وهو يعلم أنه ليس على طهارة؛ ما حكم صلاة المأمومين؟

الجواب: صلاة المأمومين صحيحة، وأما صلاته هو فغير صحيحة، لكن إذا علم أنه ليس على طهارة يجب عليه أن يقطعها وأن يستخلف من المأمومين مَن يُكمل بهم الصلاة، ولا يجوز له أن يستمر بهم إمامًا وهو يعلم أنه على غير طهارة.

السؤال: حكم وضع لايك أو إعجاب لبعض المقاطع التي فيها مخالفات؟

الجواب: إذا كان فيها مخالفات فتكون قد أعنتَ صاحب هذا المقطع على هذه المخالفة، فتكون أعنتَ بالإثم؛ والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

السؤال: هل قراءة سورة البقرة لتفريج الهم فيه إشكال؟

الجواب: لا أعلم لهذا أصلًا، إنما يقرأ القرآن من غير تخصيص سورة البقرة؛ يقرأ القرآن عمومًا، ويأتي بالأدعية التي وردت في إذهاب الهم: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم[40]، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجُبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال[41].

أيضًا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، الإكثار منها من أسباب زوال الهموم؛ كما في حديث أُبيّ بن كعب : إذَن يُغفر ذنبك وتُكفى همّك[42].

السؤال: مَن يُسرع بقراءة القرآن وعنده أخطاء؛ هل يُؤجر؟

الجواب: إذا كان يُسقط شيئًا من الحروف فهذا تحريف لا يجوز، أما إذا كان لا يسقط شيئًا من الحروف، وإنما يُسرع في التلاوة إسراعًا لا يُسقط معه شيءٌ من الحروف، وهو ما تُسمى بقراءة “الحَدر”؛ فهذه لا بأس بها، والأفضل هو أن يُرتل القرآن؛ كما قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] يقرأ قراءةً مرتلةً مُترسِّلًا فيها؛ لأن هذا أقرب للتدبر.

السؤال: هل الإسراف من الكبائر أو من الصغائر؟

الجواب: الله تعالى يقول: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] ومَن لا يُحبه الله يعني يُبغضه الله، وهذا يقتضي أن الإسراف من الكبائر، ومثل ذلك التبذير إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:27]؛ فالإسراف والتبذير يظهر أنهما من الكبائر، وأن الله جعل مَن فَعَل ذلك من إخوان الشياطين، وأخبر بأنه لا يُحبه؛ ولذلك فالمطلوب من المسلم الاعتدال وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29] يعني: إنما تكون معتدلًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].

السؤال: ما هي أصح صيغة للتعوذ من عذاب القبر قبل الصلاة؟

الجواب: أن تقول: “اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال”؛ فالتعوذ بالله يكون من هذه الأربع، ومنها: ومن عذاب القبر.

السؤال: ما حكم صلاة المأموم خلف الصف وحده؟

الجواب: إذا كان ذلك لغير عذرٍ فلا تصح؛ لقول النبي : لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف[43]، وجاء في حديث وابصة بن معبد : “أن النبي رأى رجلًا يُصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يُعيد الصلاة”[44]. لكن لو أنه أتى ووجد الصف مكتملًا ولم يجد فرجةً فلا بأس أن يُصلي خلف الصف وحده؛ لأن هذا واجبٌ قد عجز عنه، وإذا كانت الأركانُ والشروطُ تسقط بالعجز عنها؛ فهذا الواجب يسقط عنه من باب أَوْلى.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موعدنا غدًا -إن شاء الله- بعد صلاة المغرب، في التعليق على كتاب الفضائل من صحيح مسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1014، ومسلم: 897.
^2, ^17, ^19, ^20, ^25 سبق تخريجه.
^3 رواه البخاري: 4821، ومسلم: 2798.
^4 بنحوه رواه أبو داود: 1173، وابن حبان: 6669.
^5 رواه أبو داود: 1165، والترمذي: 558، وابن ماجه: 1266، والنسائي: 1506، وأحمد: 2039.
^6 رواه البخاري: 1009.
^7 رواه البخاري: 1010.
^8 البداية والنهاية: 8/ 324، وسير أعلام النبلاء: 4/ 137.
^9 رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556. وقال: حسنٌ.
^10 رواه البخاري: 1031، ومسلم: 895.
^11 رواه البخاري: 1024، ومسلم: 894.
^12 رواه مسلم: 895.
^13 رواه البخاري: 1011.
^14 رواه البخاري: 1005، ومسلم: 894.
^15 رواه أحمد: 16465.
^16 رواه مسلم: 898.
^18 رواه البخاري: 4147، ومسلم: 71.
^21 رواه الترمذي: 2307، والنسائي: 1824، وأحمد: 7925، وابن حبان واللفظ له: 2993.
^22 رواه البخاري: 5671، ومسلم: 2680.
^23 رواه مسلم: 2682.
^24 بنحوه رواه الترمذي: 2329، وقال: حسنٌ، وأحمد: 17680.
^26 رواه الترمذي واللفظ له: 3233، وأحمد: 3484
^27 رواه البخاري: 1240، ومسلم: 2162.
^28 رواه البخاري: 3046.
^29 رواه البخاري: 5635، ومسلم: 2066.
^30 رواه مسلم: 2568.
^31 رواه مسلم: 2569.
^32 رواه مسلم: 916.
^33 رواه مسلم: 26.
^34 رواه أبو داود: 3121، والنسائي في السنن الكبرى: 10846، وأحمد: 20301.
^35 رواه الحاكم: 1305، والبيهقي في السنن الكبرى: 6604.
^36 رواه مسلم: 920.
^37 رواه الطبراني في الدعاء: 1157.
^38 بنحوه رواه البخاري: 3667.
^39 رواه البخاري: 2996.
^40 رواه البخاري: 7426.
^41 بنحوه رواه البخاري: 5425، ومسلم: 1365.
^42 بنحوه رواه الترمذي: 2457، وقال: حسنٌ.
^43 بنحوه رواه ابن ماجه: 1003.
^44 رواه أبو داود: 682، والترمذي: 230، وابن ماجه: 1004.
zh