logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(26) باب صلاة العيدين- من قوله: “وهي فرضُ كفاية”

(26) باب صلاة العيدين- من قوله: “وهي فرضُ كفاية”

مشاهدة من الموقع

التعليق على السلسبيل في شرح الدليل.

صلاة العيدين

كنا قد وصلنا إلى بابِ: صلاة العيدين.

معنى العيد

العيدان: تثنية “عيد”؛ وسُمي بهذا الاسم لأنه يعود ويتكرر، أو أنه من باب التفاؤل ليعود ثانية. والعيد هو: كل زمنٍ مُعَظَّم يعود ويتكرر، فهذا هو الضابط في العيد، فإذا كان يعود كل سنة على وجه التعظيم يُعتبر عيدًا، أما إذا لم يكن على سبيل التعظيم فلا يُعتبر عيدًا؛ كالأمور التنظيمية الترتيبية كأسبوع الشجرة مثلًا أو أسبوع المرور، هذا لا يُعتبر عيدًا، ولا بأس به؛ لأنه ليس مُعظَّمًا، وإنما من باب الترتيب، حفل تخرج، حفل كذا، هذا لا يُعتبر عيدًا، لكن ما يعود ويتكرر في وقتٍ محدد من كل عام على وجهٍ مُعظَّمٍ هذا هو العيد.

والمُراد بالعيدين: عيدُ الفطر وعيد الأضحى؛ وكلاهما يقعان في مناسبة شرعية؛ مناسبة عيد الفطر ظاهرة، وهي انقضاء شهر رمضان بعد تعبد المسلمين في هذا الشهر بالصيام والقيام، وفِعل ما تيسر من الأعمال؛ وأما عيد الأضحى فيكون في آخر عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة، وفِعل المسلمين أيضًا في هذه العشر ما تيسر من الأعمال الصالحة.

هناك عيدٌ ثالث للمسلمين: وهو الجمعة؛ جاء في بعض الأحاديث تسميته عيدًا، فهذه أعياد المسلمين الثلاثة: عيد الفطر، والأضحى، والجمعة الذي هو عيد الأسبوع؛ مَن اتخذ عيدًا غير هذه الأعياد فهو مبتدع.

وأول عيدٍ شُرع في السَّنة الثانية من الهجرة كان هو عيد الفطر؛ قد قَدِم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كُنا نلعبُ فيهما في الجاهلية، قال: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر[1]، فكان أهلُ المدينة عندهم يومان يلعبون فيهما؛ يعني: لا يُمارسون فيها طقوسَ عبادة، لعب فقط ومرح ونحو ذلك، لكن يتكرر هذان اليومان من كل عام على وجهٍ مُعظَّم، فاعتُبر عيدًا، وأبدلهما النبي عليه الصلاة والسلام بعيد الفطر وعيد الأضحى.

إظهار الفرح والسرور يوم العيد لا بأس به، بل هو مشروع؛ كما قال الله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58]؛ فالمسلم يفرح في عيد الفطر بأن الله وفّقه للصيام والقيام وفِعل ما تيسر من الأعمال الصالحة، وكذلك في عيد الأضحى. وما رُوي عن بعض السلف أنه رُؤي يوم العيد حزينًا، فقيل: ما شأنُك، قال: لا أدري أتقبل الله مني؛ إن كان تقبل الله مني فليس هذا بفعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل فليس بفعل الصابرين؛ هذا اجتهادٌ منهم مخالفٌ للنصوص، فالمشروع هو إظهار الفرح بالعيد، وكذلك أيضًا لُبسُ أحسن الثياب، وأخذُ الزينة؛ وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها كان عندها جاريتان تضربان الدف، ودخل أبو بكر  مغضبًا وقال: أَمَزْمُور الشيطان في بيت رسول الله ؟! كان النبي عليه الصلاة والسلام جالسًا، وقد حوّل وجهه إلى الشق الآخر، قال: دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل أمةٍ عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام[2].

قال الحافظ ابن حجر: “وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين”، لكن المقصود بالفرح المشروع في العيد هو الفرح المنضبط بالضوابط الشرعية الذي لا يكون فيها ارتكابٌ للمعاصي.

حكم صلاة العيد

وهي فرضُ كفاية.

أفاد المؤلف بأن صلاة العيد فرضُ كفاية؛ وقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال: قولٌ بأنها فرض كفاية كما هو المذهب عند الحنابلة، وقولٌ بأنها سنة كما هو مذهب المالكية والشافعية، وقولٌ بأنها فرضُ عينٍ كما هو مذهب الحنفية.

أصحاب القول الأول قالوا: إنها فرض كفاية؛ استدلوا بالأدلة الدالة على مشروعيتها، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخرج لهما منذُ أن شُرِعا، ولم يترك صلاة العيدين ولو مرةً واحدة، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانت فرضًا. وأيضًا استدلوا بحديث أم عطية رضي الله عنها: “أمَرَنا رسول الله أن نُخرج العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، وأما الحُيَّض فيعتزلنَ الصلاة ويشهدنَ الخير ودعوة المسلمين”[3].

قالوا: وهذا أمرٌ، والأمر يقتضي الوجوب، لكن يُحمل على فرض الكفاية؛ لأن المقصود من صلاة العيدين إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولهذا أَمَر بإخراج الحُيَّض مع أنهن لا تصح منهن الصلاة، ويعتزلنَ المصلى، لكن المقصود هو إظهار شعار الإسلام، وما كان كذلك فهذا من شأن فروض الكفاية.

أما المالكية والشافعية القائلون بأنها سنة وليست واجبة؛ استدلوا بالأدلة السابقة وقالوا: إنه قد أتى ما يصرف الأمر فيها من الوجوب إلى الندب أحاديثُ أخرى؛ ومنها حديث الأعرابي الذي سأل النبي عن شرائع الإسلام، وسأله عن الصلاة؛ قال : خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تَطَّوَّع[4]؛ قالوا: لو كانت صلاة العيد واجبة لبيَّن ذلك النبيُّ .

أما الحنفية القائلون بأنها فرض عين؛ استدلوا بظاهر الأمر في الأحاديث السابقة -كحديث أم عطية رضي الله عنها-؛ قالوا: فأمرُ النبي يقتضي الوجوب؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب؛ “أمَرَنا رسول الله أن نُخرج العواتق والحُيَّض وذوات الخدور”؛ قالوا: هذا أمر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، وأيضًا استدلوا بالآية الكريمة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] على تفسير مَن فسرها بأن المقصود بالصلاة هنا صلاة العيد.

والراجح -والله أعلم- هو القول الأول؛ وهو أن صلاة العيد فرضُ كفاية، هذا هو الأقرب، وهو الذي تجتمع به النصوص الواردة، وأيضًا يجتمع به النظر إلى مقصود الشارع من صلاة العيد وهو إظهار شعار الإسلام. وأما القول بأنها سنة فليس بظاهر؛ إذ إن فيها أَمْر، بل فيها أوامر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب. وأما استدلال الحنفية بالآية الكريمة: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] فهو محل نظر؛ قال ابن جرير رحمه الله: “المقصود بالصلاة هنا ليس صلاة العيد؛ وإنما المقصود: اجعل صلاتك كلها لربك خالصًا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك اجعل نحرك له دون الأوثان شكرًا له على ما أعطى”؛ فهو أمرٌ بإخلاص الصلاة والنحر لله ، وليس في الآية ذكرٌ لصلاة العيد لا من قريب ولا من بعيد.

وكذلك أيضًا حديث أم عطية رضي الله عنها كما قال ابن حجر رحمه الله: “الاستدلال به على وجوب صلاة العيد محل نظر؛ لأن من جملة من أُمِرَ بذلك مَن ليس بمكلف (وهُنَّ الحُيَّض)؛ لأن المرأة الحائض الصلاة ليست واجبةً عليها، فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع؛ ولتعمّ الجميعَ البركةُ”. وأيضًا يُضاف لمناقشة مَن قال بالسُّنِّية؛ أن الناس لو تركوا صلاة العيد لم يأثموا بذلك، وهذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وخلاف أيضًا ما تدل له الشريعة من تعظيم هذه الصلاة وأنها من شعائر الإسلام؛ فالأقرب -والله أعلم- هو قول الحنابلة، وهو أن صلاة العيد فرضُ كفاية.

شروطها كالجمعة ما عدا الخطبتين

وشروطها كالجمعة ما عدا الخطبتين.

يعني: شروط صلاة العيد كشروط صلاة الجمعة -التي تكلمنا عنها في الدرس السابق– ما عدا الخطبتين؛ يُريد المؤلف أن خطبة العيد ليست واجبة، بينما خطبة الجمعة واجبة، وهذه مسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ من أهل العلم مَن قال بوجوبها (يعني: بوجوب خطبة العيد)، ومنهم مَن قال: بأنها مستحبة -وهم الجمهور-؛ لحديث عبدالله بن السائب قال: شهدتُّ مع رسول الله العيد، فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب؛ فمَن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومَن أحب أن يذهب فليذهب[5] أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولكن الصحيح أنه مرسل، ولا يصح مرفوعًا إلى النبي ، لكن ليس هناك دليل يدل على وجوب استماع خطبة العيد.

ومن أهل العلم مَن قال: بأن خطبة العيد والاستماع لها فرض كفاية، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه يترتب على القول بالاستحباب أن الناس كلهم لو انصرفوا ولم يستمعوا لخطبة العيد لم يكن في هذا بأس، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلا بد أن يبقى من الناس مَن يستمع الخطبة حتى يؤدي فرض الكفاية؛ فالأقرب -والله أعلم- أن خطبة العيد مستحبة، وأن الاستماع إليها فرض كفاية.

هل المشروع في العيد خطبة أم خطبتان؟

هل المشروعُ في العيد خطبتان أم خطبة واحدة؟

عامةُ أهل العلم على أن المشروع خطبتان، وحُكي الإجماعُ على ذلك، وعليه عمل المسلمين؛ يعني: يكاد يكون إجماعًا عمليًّا للمسلمين جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وخلفًا بعد سلف.

وذهب بعض العلماء إلى أن خطبة العيد واحدة، ومن أبرز مَن قال بهذا -وأبرَزَ أيضًا هذا القول من المعاصرين- الشيخ محمد بن عثيمين والشيخ الألباني رحمهما الله تعالى؛ قالوا: إن هذا هو ظاهر هدي النبي ؛ أنه كان يخطب خطبةً واحدة، والراجح هو قول الجمهور، ولا يُعرف عن المتقدمين خلافٌ في هذه المسألة. وأنتم أيها الإخوة المتابعون لهذا الدرس إذا وجد أحدٌ منكم قولًا لأحدٍ من المتقدمين بأن خطبة العيد واحدة فَلْيُفِدنا به، لم نقف على قولٍ بأن خطبة العيد واحدة، بل عُدَّ القول بأن خطبة العيد واحدة من الأقوال الشاذة، وأنه مخالفٌ للإجماع؛ وعلى هذا فللعيدين خطبتان، ويُقوي ذلك استفاضة عمل المسلمين كما قال ابن تيمية رحمه الله؛ قال: “بعض ما يشتهر ويستفيض أقوى مما يُروى بالإسناد الواحد”.

السنة أن تؤدى صلاة العيد في الصحراء

وتُسَنُّ بالصحراء.

السنة أن تؤدى صلاة العيد في الصحراء، لكن قال أهل العلم: قريبًا من البنيان؛ لأن هذا هو هدي النبي وهدي الخلفاء الراشدين من بعده، ولم يثبت عن النبي أنه صلى صلاة العيد في المسجد قط، والحديث المروي في ذلك -أنه صلى صلاة العيد في المسجد لمَّا أصابهم مطر- حديث ضعيف لا يصح، ومصلى العيد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان قريبًا من البنيان، وبينه وبين مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ألفُ ذراع، وألفُ ذراع تُعادل تقريبًا نصف كيلو متر؛ يعني: خمسمئة متر؛ ولهذا قال الفقهاء: إنه يُستحب أن تُصلى صلاة العيد في الصحراء قريبًا من البنيان. ويُستثنى من ذلك المسجد الحرام، فالصلاة فيه أفضل من الصلاة في الصحراء؛ لأن الصلاة فيه أجرها مضاعَف؛ ولهذا قال الفقهاء: إنه يُستثنى من هذا الحكم (يعني: من قولهم بأن تُسَن صلاة العيد بالصحراء) يُستثنى من ذلك المسجدُ الحرام، فصلاة العيد في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الصحراء.

حكم النفل قبلها وبعدها

ويُكره النفل قبلها وبعدها قبل مفارقة المصلى.

يُكره أن يتنفل قبل صلاة العيد أو بعدها ما دام في المصلى، وقد نُقل الإجماع على ذلك، قاله النووي وغيره؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: “أن النبي صلى يوم الفطر ركعتين، لم يُصلِّ قبلها ولا بعدها”[6] متفق عليه. لكن جاء في حديث أبي سعيد : “أن النبي كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين”[7]، قال الحاكم: وهذه سنةٌ عزيزةٌ بإسنادٍ صحيحٍ، وقال ابن الملقن: إسناده جيد، وحسّنه البوصيري وابن حجر. وعلى ذلك نقول: إنه في المصلى لا يصلي قبل صلاة العيد شيئًا ولا بعدها شيئًا، لكن إذا رجع إلى بيته يُستحب أن يصلي ركعتين اقتداءً بالنبي ، وهذه السنة قلَّ مَن يأتي بها، وهو أنه إذا رجع من صلاة العيد صلى في بيته ركعتين، هذه سنة يغفل عنها أكثر الناس.

وقت صلاة العيد

ووقتها كصلاة الضحى.

يعني: وقت العيد كوقت صلاة الضحى، وقد سبق القول بأن وقت صلاة الضحى يبتدئ من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح؛ يعني: من بعد طلوع الشمس بنحو عشر دقائق، من عشر دقائق إلى ربع ساعة، ومَن كان داخل البنيان ربما لا يستطيع معرفة وقت شروق الشمس بدقة؛ ولذلك يُعتمد على التقاويم، التقاويمُ في الشروق والغروب -إذا كانت الأرض مستوية- دقيقةٌ جدًّا، فالأراضي المستوية التي ليست مرتفعة مثل مدينة الرياض ومكة والمدينة والدمام، مثل هذه المناطق الشروق والغروب فيها دقيق جدًّا بالحسابات، لكن الأماكن المرتفعة هنا لا بد أن يُحسب الارتفاع، مثل منطقة الباحة هنا لا بد أن يُحسب الارتفاع، لكن المناطق المستوية مثل الرياض هنا الشروق والغروب دقيق فيُعتمد على التقاويم.

كيف تعرف ابتداء وقت صلاة العيد؟ ابتداء وقت صلاة الضحى؟ متى يزول النهي؟ خذ ورقة التقويم وأضف للشروق عشر دقائق، ولو جعلتَ ربع ساعة كان أحوط؛ فمثلًا: هذا اليوم (26) من جمادى الآخرة من عام (1442هـ)، الشروق في مدينة الرياض (6:31) دقيقة؛ معنى ذلك أن وقت النهي يزول (6:41) دقيقة، وإن جعلتَها مثلًا (6:45) أو (6:46) دقيقة كان أحوط؛ فإذا زال وقت النهي هنا يبتدئ وقت صلاة العيد، ووقت صلاة الضحى، وصلاة الاستسقاء، ونحو ذلك، يستمر إلى قُبيل الزوال، حين يقوم قائم الظهيرة؛ يعني: قُبيل أذان الظهر بنحو سبع دقائق، من سبع إلى عشر دقائق، فهذا الوقت وقتُ نهيٍ.

إن لم يَعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغدِ قضاءً

فإن لم يَعلم بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغدِ قضاءً.

وقد جاء في هذا حديث أبي عمير بن أنس  عن عمومةٍ له من أصحاب النبي : “أن رَكْبًا جاؤوا إلى النبي يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يُفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم”[8] أخرجه أبو داود، وهو حديثٌ صحيح. وكانت هذه المسألة يُحتاج لها قديمًا لمَّا لم تكن وسائل الاتصالات والمواصلات كما هي موجودة الآن، فكان لا يُعلم أحيانًا بوقت الهلال إلا في منتصف النهار وربما آخر النهار، كان الناس يصبحون صائمين، ثم يأتيهم بعد الظهر أو بعد العصر مَن يخبرهم بأن الهلال قد رُؤي البارحة، فهنا يُصلون العيد من الغد، وأما لو علموا بذلك قبل الزوال فيُبادرون بأداء صلاة العيد مباشرة.

حكم تبكير المأموم وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة

وسُنَّ تبكير المأمومِ وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة.

هذا ليس فقط في صلاة العيد، بل حتى في الصلوات الخمس، في صلاة الجمعة، فالسنة للمأموم أن يُبكِّر، والسنة للإمام أن يأتي وقت الصلاة؛ لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام، كان لا يأتي إلا وقت الصلاة، وأما المأموم فقد ورد الحث على التبكير بالنسبة له؛ يقول عليه الصلاة والسلام: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير يعني: التبكير لاستبقوا إليه[9]؛ فإذَن المأموم السنة له أن يُبكِّر، سواءٌ في الجمعة، في العيد، في الصلوات الخمس، السنة له أن يُبكِّر؛ وأما الإمام فالسنة له أن يأتي وقت الصلاة.

السنة لمَن ذهب لصلاة العيد أن يُخالف الطريق

وإذا مضى في طريقٍ رجع في أخرى، وكذا الجمعة.

السنة لمَن ذهب لصلاة العيد أن يُخالف الطريق؛ فيذهب في طريق ويرجع في طريقٍ آخر، هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام كما قال جابر . والحكمة من ذلك؛ قيل: ليُسلِّم على أهل الطريقين، وينال بركته الفريقان؛ وقيل: ليقضي حاجة مَن له حاجة في كلا الطريقين؛ وقيل: ليُظهر شعار الإسلام في سائر الفجاج والطرق؛ وقيل: ليغيظ المنافقين لرؤيتهم عزة الإسلام وأهله والقيام بشعائره؛ وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه يُرفع له بها درجة ويُحط عنه بها خطيئة. والأقرب أنه لهذه الحِكَم كلها ولغيرها، هذه كلها من وجوه الحكمة في مخالفة الطريق.

وقول المؤلف: “وكذا الجمعة”؛ يُسَن أن يذهب إلى الجمعة من طريق ويعود من طريقٍ آخر قياسًا على العيدين، ولكن هذا محل نظر، فإن القياس في العبادات لا يتجه؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفعل هذا، إنما ورد عنه ذلك في صلاتي العيدين؛ ولهذا فالأقرب أن مخالفة الطريق خاصةٌ بصلاة العيد، ولا يشمل ذلك صلاة الجمعة ولا بقية الصلوات.

يُسَنُّ قبل ذهابه لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمراتٍ

ويُسَنُّ قبل ذهابه لصلاة عيد الفطر خاصةً: أن يأكل تمراتٍ، ويقطعها على وتر.

وهذا هو هدي النبي ؛ لقول أنس : “كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات”[10] رواه البخاري؛ والحكمة من ذلك -والله أعلم- أن في هذا تحقيقًا للفطر، فالسنة قبل أن يذهب لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات ويقطعها وترًا (يعني: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا)، هذه السنة في ذلك.

وأما عيد الأضحى فالأفضل ألا يأكل شيئًا، حتى يأكل من أضحيته بعد ذبحها بعد صلاة العيد.

التزين والتطيب في العيدين

ويستحب أن يأخذ زينته عند ذهابه إلى صلاة العيد.

لقول الله : يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]؛ يعني: عند كل صلاة، ويتأكد في الاجتماعات كالجمعة، ويتأكد أكثر في الاجتماعات السنوية كصلاتي العيدين، كان النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ زينته في صلاة العيدين، وكان له حُلَّةٌ يلبسها في صلاة العيد، ولما رأى عمر حريرًا يباع عند المسجد، قال: يا رسول الله، ألا تشتري هذه الحُلَّة تلبسها وتتجمل بها في العيدين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إنما يلبس هذه مَن لا خلاق له في الآخرة[11] لأنها من حرير، والحرير مُحرَّم على الرجال، لكنه عليه الصلاة والسلام أقرَّ عمرَ على قوله: “وتتجمل بها في العيدين”. فالسنة لمَن يذهب لصلاة العيد أن يأخذ كامل زينته، يلبس أحسن ملابسه؛ ويرجع في ذلك للعُرف، إن كان مثلًا العُرف في بلده أنه يُلبس المِشْلَح، المهم أنه يتبع العُرف في بلده؛ يعني: كأنه يذهب مثلًا لمناسبة زواج، أليس إذا ذهب لزواج يأخذ زينته؟ كذلك أيضًا إذا ذهب لصلاة العيد وصلاة الجمعة والصلوات عمومًا ينبغي أن يأخذ زينته، يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

ويُستحب أن يتطيب.

إذا كان الطيبُ مستحبًّا عند الذهاب لصلاة الجمعة، فعند الذهاب إلى صلاة العيدين من باب أولى.

هل يُستحب الاغتسال لصلاة العيد، كما يُستحب الاغتسال لصلاة الجمعة؟

هذا محل خلاف بين أهل العلم؛ صلاة الجمعة ورد فيها نصوص: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل[12]، غُسْل يوم الجمعة واجبٌ على كل مُحتلِم[13]. أما صلاة العيد فرُوي في ذلك حديثٌ عند ابن ماجه في الاغتسال لصلاة العيد، لكنه ضعيف، ولم يثبت في الاغتسال لصلاة العيد شيءٌ عن النبي ؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أن الاغتسال لصلاة العيد مُباح، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، أنه مباح، وأنه لم يرد في ذلك شيء، لكن يُستحب أخذُ الزينة، وأما الاغتسال فهو مباح، ولا يُقال بأنه سنة؛ لعدم الدليل الدال لذلك.

صفة صلاة العيد

نعود لعبارة المؤلف رحمه الله؛ قال:

وصلاة العيد ركعتان.

وهذا بالإجماع.

يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل التعوذ ستًّا.

يعني: يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر بعدها ست تكبيرات -يُسميها الفقهاء: التكبيرات الزوائد-؛ لكن بعدما يكبر تكبيرة الإحرام هل يأتي بدعاء الاستفتاح، أو يأتي بدعاء الاستفتاح بعد التكبيرات الزوائد؟

قولان لأهل العلم؛ وقال المُوفَّق رحمه الله: “وأيًّا ما فعل كان جائزًا”؛ يعني: أن الأمر في ذلك واسع، سواءٌ جعل التكبيرات قبل دعاء الاستفتاح أم بعده، الأمر في هذا واسع؛ فإن شاء كبر، قال: الله أكبر، واستفتح ثم أتى بالتكبيرات الزوائد؛ وإن شاء كبر التكبيرات الزوائد ثم استفتح -وهذا هو الأقرب-.

قال:

وفي الثانية قبل القراءة خمسًا.

يعني: يُكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات بالإضافة لتكبيرة الانتقال؛ فتكون التكبيرات في الركعة الأولى سبع تكبيرات معها تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية ست تكبيرات معها تكبيرة الانتقال.

قوله:

يرفع يديه مع كل تكبيرة.

هذا رُوي عن عمر  كما عند البيهقي[14] وفي سنده ضعف، وجاء في حديث وائل بن حُجْر : “رأيتُ النبي يرفع يديه مع التكبير”[15] كما عند أحمد؛ قال الإمام أحمد: “أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله”؛ يقصد بذلك: صلاة العيد وصلاة الجنازة، كلها تدخل في عموم الحديث. فالأقرب -والله أعلم- هو استحباب رفع اليدين عند كل تكبيرة من التكبيرات الزوائد، وأيضًا عند التكبير لصلاة الجنازة.

ويقول بينهما.

يعني: بين كل تكبيرتين.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكْرةً وأصيلًا، وصلى الله على محمدٍ النبي وآله وسلم تسليمًا.

لأنه قد رُوي ذلك عن ابن مسعود ، رواه البيهقي، ولكن في ثبوته عن ابن مسعود نظر، فهو ضعيف، لا يصح عن ابن مسعود ؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يُشرع أن يُقال شيءٌ بين التكبيرات؛ لعدم ورود ذلك عن النبي . ومثل هذا الأمر لو كان النبي يفعله -لو كان يقول شيئًا بين التكبيرات- لنقله الصحابة ؛ لأن هذا مما تتوافر الدواعي لنقله، الصحابة  قد نقلوا ما هو أقل من هذا؛ نقلوا اضطراب لحيته في الصلاة، نقلوا سكوته، قال: “بأبي أنت وأمي، ما لي أراك تسكت بعد تكبيرة الإحرام؟”[16]؛ فلو كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول شيئًا من التكبيرات الزوائد لا شك أن الصحابة سينقلون هذا. فهذا الذي ورد إنما هو من قول ابن مسعود -على أن في ثبوته نظرًا-، لكن إن ثبت فهو اجتهادٌ من ابن مسعود لا يقوى للقول بسُنِّية ذلك، فالسنة لا تثبت بقول الصحابي، وإنما تثبت بالدليل من القرآن والسنة، أو الإجماع، أو أن يقول الصحابي شيئًا ويشتهر ولا يُنقل عن غيره من الصحابة خلافه، وهذا لم يتأتَّ، لم يرد عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، الخلفاء الراشدون  كانوا يصلون صلاة العيدين ولم يُنقل عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك؛ فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يقول بين التكبيرات الزوائد شيئًا.

قوله:

ثم يستعيذ.

يعني: يقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، وهذا مستحب؛ لقول الله : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

ثم يقرأ جهرًا الفاتحة، ثم سبح في الأولى والغاشية في الثانية.

لحديث النعمان : كان رسول الله يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1][17].

قال:

وإذا اجتمع العيد والجمعة في يومٍ واحد يقرأ في الصلاتين.

يعني: هذا يدل على تأكد قراءة هاتين السورتين؛ يعني: كان عليه الصلاة والسلام إذا وافق العيدُ الجمعةَ يقرأ في صلاة العيد بـ”سبح والغاشية”، وفي صلاة الجمعة أيضًا بـ”سبح والغاشية”، فهذه سنة متأكدة؛ ولذلك ينبغي للخطيب أن يحرص على تطبيق السنة، نعم لا بأس أن يقرأ من غير هذه السور أحيانًا، لكن بعض الخطباء الغالب عليه أنه لا يقرأ هذه السور، هذا خلاف السنة، قد يمضي عليه شهران أو ثلاثة ما قرأ في الجمعة بـ”سبح والغاشية”، وهذا خلاف السنة.

هناك سنة أخرى أيضًا في القراءة في صلاتي العيدين؛ وهي قراءة “ق” واقْتَرَبَتِ [القمر:1] كما في حديث أن عمر سأل أبا واقد الليثي -حديث في صحيح مسلم-[18]؛ فعندنا سُنتان: “سبح والغاشية”، و”ق واقتربت”.

فإذا سلم خطب خطبتين.

يعني: إذا سلم من الركعتين خطب خطبتين.

وأحكامهما كخطبتي الجمعة، لكن يُسَنُّ أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع.

يعني: يخطب بعد ذلك خطبتي العيدين كخطبتي الجمعة -في شروطهما وأركانهما وأحكامها-، إلا أنه قال: يُسَنُّ أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع لحديثٍ رُوي في ذلك؛ حديث سعد القَرظ [19] لكن هذا الحديث ضعيف، أخرجه ابن ماجه وهو حديثٌ ضعيف، ولو صح ليس بصريح؛ لأنه قال: “يُكثر من التكبير”، ولم يقل: يفتتح الخطبتين بالتكبير؛ ولم يثبت أن النبي كان يفتتح خطبة العيد بالتكبير، وإنما قال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله: “كان عليه الصلاة والسلام يفتتح خطبتي العيدين بالحمد، بل جميع خطب النبي كان يفتتحها بالحمد”. وهذا هو القول الراجح: أن خطبتي العيدين يُفتتحان بالحمد وليس بالتكبير، وهكذا خطبة الاستسقاء، وهكذا خطبة الجمعة؛ جميع الخطب بلا استثناء كان النبي يفتتحها بالحمد.

قال:

وإذا صلى العيد كالنافلة صحَّ.

لأن التكبيرات الزوائد والذكر بينهما والخطبتين سنة؛ قال المُوفَّق بن قدامة: “لا أعلم فيه خلافًا”؛ يعني: لو أنه صلى ركعتين ولم يأتِ بالتكبيرات الزوائد فلا بأس، لكنه خلاف السنة، وهذا يحصل أحيانًا، أحيانًا الإمام الذي يؤم الناس لصلاة العيد ينسى ويكبر تكبيرة واحدة، ويقرأ الفاتحةَ وسورةً بعدها؛ نقول: لا حرج؛ لأن التكبيرات الزوائد مستحبة، وليست واجبة.

قضاء صلاة العيد

والسنة لمَن فاتته قضاؤها، ولو بعد الزوال.

أي: مَن فاتته صلاة العيد يقضيها ولو بعد الزوال، وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ لعموم قول النبي : مَن نام عن صلاةٍ أو نسيها؛ فَلْيصلها إذا ذكرها[20]؛ قالوا: يدخل في ذلك صلاة العيدين. والقول الثاني في المسألة: إنها لا تُقضى إذا فاتت، وهو قولٌ عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، وأيضًا من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع؛ قالوا: لأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد هذا، ولأنها صلاةٌ ذاتُ اجتماعٍ معين، فلا تُشرع إلا على هذا الوجه، وقياسًا على الجمعة؛ فإن الجمعة إذا فاتت لا تُقضى.

وأما حديث: مَن نام عن صلاةٍ أو نسيها فالمقصود بذلك صلاة الفريضة، وصلاة العيد مشروعة على صفةٍ معينة على وجه الاجتماع؛ وبناءً على هذا القول لا تُشرع صلاة العيد في البيوت؛ ولهذا أمر النبي الناس أن يخرجوا لها، وأمر النساء بالخروج، حتى إنه أمر الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور، ولم يقل: مَن تخلف فلْيصلِّ في بيته.

ولكن ترد هنا مع هذا الوباء (كورونا)، وما حصل العام الماضي من إغلاق المساجد بسبب هذا الوباء، نسأل الله تعالى أن يرفعه عن الناس جميعًا، وأن يُعيذنا من هذا الوباء، ومن سيئ الأسقام. عند إغلاق المساجد بسبب هذا الوباء حصل خلاف بين الفقهاء المعاصرين؛ هل يُشرع أن تُصلى صلاة العيد في البيوت أو لا يُشرع، ثم إذا صُلِّيَت هل يكون معها خطبة أم لا؟

وتعددت اجتهادات الفقهاء المعاصرين؛ وبعضهم خرّج هذه المسألة على مسألتنا هذه وقال: إن القول الراجح هو أن صلاة العيد إذا فاتت لا تُقضى، ولكن هذا محل نظر؛ إذ إن هذا الذي حصل نازلة نزلت بالمسلمين، والنازلة يُنظر لها نظرٌ خاص، وتُربَط النازلة بمقاصد الشريعة، فننظر لمقصود الشريعة من صلاة العيد، المقصود الأساسي من صلاة العيد هو إظهار شعار الإسلام.

طيب، هل القول بأنها لا تُصلى في البيوت يتوافق مع هذا المقصد؟ الجواب: لا، هذا يؤدي إلى تعطيل هذه الشعيرة، لا تُصلى في المصليات ولا في المساجد ولا في البيوت؟! هذا خلاف مقصود الشارع من صلاة العيد، فإذا تعذّر إظهار هذه الشعيرة في المصليات وفي المساجد، فلا أقل من أن تبقى هذه الشعيرة في البيوت؛ ولهذا فالأقرب في هذه المسألة -والله أعلم- هو قول جمهور الفقهاء المعاصرين؛ وهو أن صلاة العيد تُصلى في البيوت، مع إغلاق المساجد بسبب هذا الوباء، هذا هو الأقرب -والله أعلم-؛ أن صلاة العيد تُصلى في البيوت، ولا تُعطَّل هذه الشعيرة.

القول بأنها لا تُصلى -تخريجًا على مسألتنا هذه- هذا قولٌ بعيد، إنما مقصود أصحاب هذا القول الذين قالوا: إنها إذا فاتت لا تُقضى؛ يعني: مقصودهم أن الشعيرة قد ظهرت في المصليات وفي المساجد، لكن هنا هذه نازلة، عندما أُغلِقت المساجد بسبب وباء كورونا؛ هذه نازلة يُنظر لها نظرٌ خاص وتُربَط بمقاصد الشريعة من صلاة العيد، هل تأتي الشريعة بمثل هذا (أنّ هذه الشعيرة تُعطَّل تمامًا)؟ الجواب: لا، إذا تعذّر إقامتها في المصليات وفي المساجد لا أقل من أن تُقام في البيوت، فهذا هو الأقرب -والله أعلم- من الأصول والقواعد الشرعية، والأقرب لمقاصد الشريعة، وأيضًا الأقرب بالنظر لها على أنها نازلة، وأنها لا تُخرَّج على هذه المسألة التي ذكرنا.

طيب، هل يكون معها خطبة أم لا؟ الخطبة إنما تكون في الصلاة التي يكون لها اجتماعٌ خاص في المساجد أو في المصليات؛ مثل صلاة الجمعة، وصلاة العيد في المصليات وفي المساجد؛ وأما في البيوت فالبيوت لا يُخطب فيها، وليست محلًّا للخطبة، وإنما هي محل الصلوات؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لا تجعلوا بيوتكم مقابر[21]؛ فالأقرب -والله أعلم- أن صلاة العيد تُصلى بدون خطبة.

ويدل لذلك ما جاء في البخاري وغيره عن أنس أنه كان يصلي صلاة العيد؛ لأن أنس  كان عنده أولاد كثيرون؛ دعا له النبي عليه الصلاة والسلام بكثرة الولد وكثرة المال، وكان عنده أولاد كثيرون، وكان عنده خدم، وكان عنده رقيق، فمَن معه كثير، معه أعداد كثيرة، فكان يصلي بهم صلاة العيد من غير خطبة[22]؛ فهذا فعل الصحابي أنس ، ولم يُنكِر عليه أحدٌ من الصحابة ذلك؛ لأنه كان أيضًا منزله خارج المدينة، فكان يصلي صلاة العيد، ويصلي معه أولاده ومَن معه من الخدم والرقيق، ويصلي بهم صلاةً لكن من غير خطبة.

فالأقرب -والله أعلم- أنهم عند إغلاق المساجد بسبب الأوبئة تُصلى صلاة العيد من غير خطبة؛ ونسأل الله أن هذا لا يحصل هذا العام، وأن المساجد تبقى مفتوحة، وأن الله يرفع هذا الوباء عن الناس جميعًا.

التكبير المطلق والمقيد

ننتقل بعد ذلك للفصل التالي؛ قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ: يُسَنُّ التكبير مطلقًا.

انتقل المؤلف للكلام على التكبير المطلق والتكبير المقيد.

يُسَنُّ التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة، وفي كل عشر ذي الحجة، والتكبير المقيد في الأضحى عقب كل فريضةٍ صلاها في جماعة.

أفاد المؤلف بأن التكبير ينقسم إلى قسمين: (تكبير مطلق، وتكبير مقيد)؛ المطلق في ليلتي العيدين، وفي عشر ذي الحجة؛ لقول الله ​​​​​​​: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185].

أيهما آكَد؛ التكبير ليلة عيد الفطر أو ليلة عيد الأضحى؟

محل خلاف بين أهل العلم، والراجح أن التكبير ليلة عيد الفطر آكَد من التكبير ليلة عيد الأضحى؛ لأن الله تعالى قد ذكره في قوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يعني: عدة شهر رمضان، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]؛ فالتكبير ليلة عيد الفطر آكَد منه ليلةَ عيد الأضحى.

وقوله:

وفي كل عشر ذي الحجة.

يعني: التكبير المطلق يُسَنُّ في عشر ذي الحجة، من حين دخول عشر ذي الحجة يُسَنُّ التكبير المطلق؛ فعلى رأي المؤلف أن التكبير المطلق إنما يكون في: عشر ذي الحجة، وليلة عيد الفطر والأضحى فقط.

والقول الثاني: إن التكبير المطلق يبدأ بعشر ذي الحجة ويستمر إلى غروب آخر أيام التشريق، وأيضًا يبدأ بغروب شمس ليلة العيد إلى انقضاء صلاة العيد؛ وهذا هو القول الراجح.

وأما التكبير المقيد فهو الذي يكون عقب كل فريضة -وسيأتي الكلام عن بدايته-.

التكبير المطلق والمقيد: عندما ننظر النصوص الواردة فيه لم يرد فيه من النصوص سوى قول الله : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وجميع الأحاديث المروية في التكبير المطلق والمقيد كلها ضعيفة، لا يثبت منها شيء، وإنما المعول عليه الآثار عن الصحابة.

قال:

من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق إلا المُحرِم.

يعني: أن التكبير المقيد يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة لغير الحاج، وقد رُوي في ذلك آثارٌ عن بعض الصحابة ، وأما الأحاديث المرفوعة فكلها ضعيفة، إلا المُحرِم فيكبر من صلاة ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق. وعلى هذا؛ يكون القول الراجح هو أن التكبير المطلق يبدأ من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة عيد الفطر، ومن دخول عشر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق؛ وأن التكبير المقيد يبدأ لغير الحاج من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وبالنسبة للحاج من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.

قال:

ويكبر الإمام مستقبل الناس.

يعني: أن الإمام إذا صلى صلاة الجماعة، فإنه يستقبل الناس، ويكبر، ويرفع صوته بذلك؛ حتى يقتدي به الناس.

وصِفَته شفعًا: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

يعني: يكون شفعًا؛ لحديث جابر السابق، لكنه ضعيف، لكن قال الإمام أحمد: أختار تكبير ابن مسعود، وذكر مثله.

وهناك صفةٌ أخرى بتثليث التكبير؛ يعني يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر -ثلاث مرات-، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ وكل هذا مأثورٌ عن السلف، إن ثلَّث التكبير أو ثنَّى التكبير، فالأمر في هذا واسع.

أيضًا هنا نازلة حصلت العام الماضي -مع إغلاق المساجد بسبب كورونا-: وهو أنه طُلِبَ من المؤذنين أن يكبروا عبر مكبرات الصوت، هذا لا بأس به، التكبير عبر مكبر الصوت لا بأس به، لكن المهم ألا يكون التكبير جماعيًّا؛ يعني: لا يكبر المؤذن فيكبر الناس تكبيرًا جماعيًّا، هذا غير مشروع، وأما أن يكبر المؤذن فقط لأجل إظهار هذه الشعيرة، فهذا لا بأس به.

التهنئة بالعيد

ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنكَ.

التهنئة بالعيد لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكنها رُوِيت عن بعض الصحابة ، وأنهم كانوا إذا لَقِيَ بعضهم بعضًا قال: “تقبل الله منا ومنكَ”؛ لأن العيد يأتي بعد مناسبة شرعية، عيد الفطر يأتي بعد شهر رمضان، وعيد الأضحى بعد عشر ذي الحجة، فالمناسبة هي أن تدعو الله بقبول الأعمال الصالحة. والأصل في التهاني الإباحة؛ لأنها من العادات، والأصل في العادات الحِل والإباحة، فإذا أتى أيضًا بالتهنئة بأية صيغة أخرى فلا بأس؛ لو قال: عيدكم مبارك، فلا بأس، لو قال: كل عام وأنتم بخير، فلا بأس، لكن الأكمل والأحسن أن يقول: تقبل الله منا ومنكم، لكن لو أتى بأية عبارةٍ أخرى: “عيدكم مبارك – كل عام وأنتم بخير – أعاده الله علينا وعليكم”، أو بأية عبارةٍ أخرى فلا بأس بذلك، لكن رد التهنئة واجب -على القول الراجح-؛ لعموم قول الله : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، ولأن ترك رد التهنئة يُسبِّب القطيعة والشحناء، فلو أحدٌ قال لك: عيدكم مبارك؛ يجب عليك أن تردّ عليه بردٍّ مناسب.

هنا في السلسبيل فائدة: التهنئة بدخول شهر رمضان.

لا بأس بها؛ لأنها من قَبيل العادات، والعادات الأصل فيها الحِل والإباحة، ولأنها تُفضي إلى جلب المحبة والمودة بين المسلمين، والشريعة تدعو إلى كل ما يجلب المحبة والمودة بين المسلمين، والمسلم يُهنَّأ بنعمة الله عليه ببلوغه شهر رمضان، فالتهنئة بدخول شهر رمضان لا بأس بها.

مداخلة:

الشيخ: التهنئة بالعيد قبل صلاة العيد لا بأس بها؛ لأن الأصل في هذا الباب هو الحِل والإباحة؛ لأن التهنئة من باب العادات، والأصل في العادات الحِل والإباحة، فلو هنَّأْتَ غيرَك برمضان قبل رمضان؛ يعني: قُبيل رمضان، أو هنَّأْتَ غيرَك بالعيد قُبيل العيد؛ لا بأس في ذلك، الأمر في هذا واسع؛ أرأيت لو هَنَّأْتَ قريبًا أو صديقًا بالزواج قُبيل الزواج، صديقٌ لك أو قريب تعرف أن موعد زواجه بعد ثلاثة أيام، فهَنَّأْتَهُ وقلت له: مبارك مقدمًا، لا بأس بذلك، الأصل في هذا الحِل والإباحة، فالتهنئة من باب العادات، والعادات الأصل فيها الحِل والإباحة، ما دام أن هذه التهنئة مرتبطة بهذه المناسبة، فلا بأس بها، سواءٌ تقدمت أو كانت وقت المناسبة أو كانت بعدها؛ يعني: سواءٌ كانت قبل العيد أو يوم العيد أو حتى بعد العيد، الأمر في ذلك واسع.

صلاة الكسوف

ثم قال المصنف رحمه الله:

بابُ: صلاةِ الكسوف.

معنى الكسوف والخسوف

ويُعبِّر الفقهاء عن ذلك بـ”الكسوف” وبعضهم بـ”الخسوف”، ويُطلق الكسوف على الخسوف، والخسوف على الكسوف، لكن الغالب أنه يُطلق “الكسوف” على كسوف الشمس، و”الخسوف” على خسوف القمر. ويُعرِّف بعض الفقهاء الكسوف بأنه: “ذهابُ ضوء أحد النَّيِّرَيْن [يعني: الشمس والقمر] أو بعضهما”، ولكن هذا التعريف محل نظر؛ إذ إن ضوء الشمس والقمر لا يذهب في الحقيقة، وإنما يُحجَب، فالقمر يَحُول بين الشمس والأرض بالنسبة لكسوف الشمس، والأرض تَحُول بين الشمس والقمر بالنسبة لخسوف القمر، فهو في الحقيقة حَجْبٌ وليس ذهابًا للضوء؛ ولهذا فالصواب أن يُقال في التعريف: “حجابُ ضوء أحد النَّيِّرَيْن أو بعضه”؛ فحجاب أحد النَّيِّرَيْن يُسمى الكسوف الكلي والخسوف الكلي، “أو بعضه” يُسمى الخسوف الجزئي والكسوف الجزئي.

وهناك خسوف شِبْه الظل، وهذا ليس خسوفًا بالمعنى الشرعي؛ القمر يدخل منطقة شِبْه الظل ولا ينخسف خسوفًا حقيقيًّا، يُسميه بعض الفلكيين بـ”الاحتراق”، فهذا الخسوف لا يُرى بالعين المجردة، ولا يُرى أيُّ أثرٍ للخسوف على القمر بالعين المجردة، فبعض الفلكيين يُسمونه خسوفًا، لكنه ليس بخسوفٍ بالمعنى الشرعي؛ ولذلك لا تُشرع الصلاة عنده. وأذكر أنه حصل في عام (1417هـ) خسوفُ شِبْه ظِل، والفلكي الذي نبه على ذلك في الصحف لم يُبين أن هذا خسوف شِبْه ظِل، وأنه لا يُرى أيُّ أثرٍ للخسوف، فبعض أئمة المساجد صلوا بناءً على ما كُتِبَ في بعض الصحف، ولم يُكلفوا أنفسهم بالنظر للقمر؛ فكتب شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله بيانًا أنكر فيه على هؤلاء، وأن الصلاة لا تُشرَع إلا إذا رُؤي القمر خاسفًا. فإذَن؛ لا تُشرَع صلاة الخسوف إلا بعد التأكد من الخسوف، لا يُعتمد على مجرد الخبر؛ لأنه أحيانًا يكون خسوفَ شِبْه ظِل، ولا يُرى أيُّ خسوفٍ للقمر، وهذا ليس خسوفًا بالمعنى الشرعي.

الكسوف والخسوف لهما سببٌ شرعي وسببٌ حسي؛ السبب الشرعي: يُخَوِّف الله بهما عباده تخويف الله للعباد. السبب الحسي لكسوف الشمس: حيلولة القمر بينها وبين الأرض، والسبب الحسي لخسوف القمر: حيلولة الأرض بين الشمس والقمر. يتكرر الكسوف والخسوف كل ثمانيَ عشرة سنةً، وأحد عشر يومًا، وسبع ساعات، وثلاث وأربعين دقيقة، وخمس وأربعين ثانية؛ سبحان الله! ولذلك تستطيع بالآلة الحاسبة أن تحسب آلاف الكسوفات والخسوفات اللاحقة والسابقة؛ لأن الكسوف والخسوف يتكرر، ولا يقع في الأرض أكثر من سبعة حوادث كسوف وخسوف في السنة الواحدة.

طيب، هل الأفضل الإخبار بهما؟

يعني: كان العلماء قديمًا يطرحون هذه المسألة، أما الآن -مع وجود وسائل التواصل ووسائل الإعلام- أصبح الإخبار بهما مشتهرًا وظاهرًا، فما يمكن التحكم الآن في الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل، لكن مع ذلك ينبغي حث الناس على ما وردت به السنة مما سيأتي من الصدقة، من الصلاة، من الذكر؛ وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله.

حكم صلاة الكسوف

وهي سُنة.

صلاة الكسوف سُنة، هذا هو قول جماهير أهل العلم، وحُكيَ الإجماع على ذلك، والنبي لما انكسفت الشمس قام وصلى بالناس ركعتين وقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصَلُّوا وادْعُوا حتى يُكشَف ما بكم[23]؛ من أهل العلم من قال: إنها واجبة؛ لأن الأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، وقوّاه ابن القيم رحمه الله، ولكن الأقرب -والله أعلم- ما عليه أكثر أهل العلم من أنها سنة.

حكم خطبة صلاة الكسوف

من غير خطبة.

وهذا هو قول الجمهور: أن صلاة الكسوف والخسوف ليس لها خطبة؛ لأن النبي إنما أمرهم بالصلاة والدعاء والصدقة، ولم يأمر بالخطبة، وخلافًا للشافعية الذين قالوا: إنه يُشرع لها الخطبة؛ قالوا: لأن النبي خطب بالناس، والأقرب هو قول الجمهور، وما فعله النبي عليه الصلاة والسلام ليس خطبةً كخطبة الجمعة والعيد، إنما تبيينٌ للناس ما يحتاجون إليه، خاصةً أن الكسوف حصل لأول مرة، وأيضًا من قَدَر الله ​​​​​​​ أنه وافق موتَ إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يعتقدون أن الكسوف والخسوف إنما ينكسفان لموتِ عظيمٍ أو لولادةِ عظيمٍ، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُبطل هذا المعنى. ثم إنه عليه الصلاة والسلام أُري -وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف- الجنةَ والنارَ، فتقدم وتقدمت الصفوف، وتأخر وتأخرت الصفوف، وأراد أن يُبين لهم سبب هذا التقدم وهذا التأخر، ومما يدل على أنه لم يخطب خطبةً كخطبة الجمعة والعيد؛ أن الصحابة  سألوه عن سبب تقدمه وسبب تأخره، ولو كانت الخطبة كخطبة الجمعة لما سألوه إلا بعد انقضائها. فالأقرب -والله أعلم- أن صلاة الكسوف والخسوف ليس لها خطبة، لكن مع ذلك ينبغي للإمام أن يُلقي كلمةً بعد صلاة الكسوف، يُذكِّر الناس بما ينبغي تذكيره، كما فعل النبي ، خاصةً وأن النفوس تكون مُتهيِّئةً لهذه الكلمة، فينبغي لإمام المسجد أن يُحضِّر كلمةً مناسبة، وأن يَذكر فيها ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام عندما كسفت الشمس في عهده.

وقت صلاة الكسوف

ووقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه.

يعني: وقت صلاة الكسوف من ابتداء الكسوف حتى انجلائه، وابتداء الكسوف برؤية الشمس كاسفةً والقمر خاسفًا بالعين المجردة، ولا يُعتمد في ذلك على الحسابات الفلكية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم ذلك فصَلُّوا[24] فعلَّق الأمر بالرؤية. وعلى ذلك؛ لو كان الجو غائمًا مثلًا أو كان فيه غبار شديد، والفلكيون أخبروا بأن الشمس سوف تُكسف، أو أن القمر سوف يُخسف، فلا تشرع صلاة الكسوف ولا الخسوف، ليس لأن الحسابات الفلكية غير دقيقة، بل هي دقيقة جدًّا، ولكن لأن الشارع إنما أناط الأمر برؤية الشمس كاسفةً والقمر خاسفًا.

لا تقضى إن فاتت ولا يُشرع إعادتها

ولا تُقضى إن فاتت.

لأن هذا لم يرد، والأصل في العبادات التوقيف، فإذا فاتت لا تُقضى، الصلاة مؤقتة بوقتٍ معين، إذا فاتت فقد زال سبب مشروعيتها، وكسوف الشمس الكلي يقولون: إنه لا تزيد مدته على سبع دقائق تقريبًا، فإذا تجلى الكسوف وهو في الصلاة فيُشرع له أن يُتمّها خفيفة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموه فصَلُّوا وادْعُوا حتى يُكشف ما بكم[25].

ولا يُشرع إعادتها.

يعني: إذا صلى صلاة الكسوف أو الخسوف، ولا تزال الشمس كاسفةً، أو لا يزال القمر خاسفًا؛ فلا يُشرع أن يعيدها ويصلي ركعتين أُخريَين، إنما يكتفي بالركعتين اللتين صلاهما؛ لأن ذلك لم يرد.

النداء لصلاة الكسوف

يُشرع أن ينادَى لصلاة الكسوف: الصلاة جامعة.

ويُكرر ذلك حتى يغلب على الظن إسماع الناس، فعند مناداة الناس لصلاة الكسوف يقول الإمام أو المؤذن أو أي شخصٍ من جماعة المسجد: “الصلاة جامعة، الصلاة جامعة”، يُكرر ذلك حتى يغلب على ظنه أنه أسمع الناس.

صفة صلاة الكسوف

ثم انتقل المؤلف للكلام عن صفة صلاة الكسوف؛ قال:

وهي ركعتان يقرأ في الأولى جهرًا الفاتحة وسورةً طويلةً، ثم يركع طويلًا، ثم يرفع فيُسَمِّع ويُحَمِّد ولا يسجد، بل يقرأ الفاتحة وسورةً طويلةً ثم يركع ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويُسلم.

هذه هي الصفة المشهورة الواردة في حديث عائشة رضي الله عنها: يكبر ويقرأ الفاتحة وسورةً طويلةً، ثم يكبر ويركع، ثم يرفع، ثم يعود ويقرأ الفاتحة من جديد مرةً أخرى، ويقرأ سورةً بعدها، لكنها أدنى من القراءة الأولى، ثم يركع ركوعًا ثانيًا، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين؛ هذه الركعة الأولى.

ثم يأتي بالركعة الثانية مثل الركعة الأولى، إلا أنها تكون أقصر منها، وقد وردت صلاة الكسوف على عدة صفات؛ فوردت أنها في كل ركعةٍ ثلاث ركوعات، وفي بعضها أربع ركوعات، وفي بعضها خمس ركوعات، والجمهور على أن الكسوف لم يقع إلا مرةً واحدة؛ ولذلك لا بد أن يُسلَك مَسلَك الترجيح بين الروايات، والصواب: أنه لم يقع الكسوف إلا مرةً واحدة، وأن الرواية المحفوظة هي الرواية التي اتفق عليها البخاري ومسلم، وهي الصفة المشهورة التي ذكرناها، التي عليها عمل أكثر المسلمين.

المؤلف قال:

وإن أتى في كل ركعةٍ بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس فلا بأس.

لما سبق، لكن الصواب هو أن يؤتى بها على الصفة المشهورة؛ لأن الرواية المحفوظة هي: أن يكون في الركعة الواحدة ركوعان فقط، فيكون في الركعتين أربع ركوعات.

قال:

وما بعد الأول سنةٌ لا تُدرك به الركعة.

أي: ما بعد الركوع الأول سنةٌ لا تُدرك به الركعة؛ فدل ذلك على أن صلاة الكسوف إنما تُدرك بإدراك الركوع الأول. وعلى هذا؛ لو دخل مسبوقٌ مع الإمام بعدما رفع رأسه من الركوع الأول فقد فاتته تلك الركعة وعليه أن يقضيها بعد سلام إمامه، وهذا يحصل الجهل فيها من بعض الناس، تجد أنه يُدرك الركوع الثاني فيظن أنه قد أدرك الركعة، مَن فاته الركوع الأول فقد فاتته الركعة؛ فإذَن تُدرك الركعة في صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول وليس بإدراك الركوع الثاني.

طيب، لو أتى مسبوق والناس قد صلوا صلاة الكسوف فإنه يأتي بها على هذه الصفة؛ يعني: بأربع ركوعات.

للإنسان أن يصليها في بيته، والمرأة تصليها في البيت لا بأس، لكن الأفضل هو فعلها جماعةً للرجال وللنساء.

قال:

ويصح أن يصليها كالنافلة.

يعني: لو صلاها ركعتين بركوعين فقط فلا بأس؛ لأن الركوع الثاني مستحب وليس واجبًا.

هل تُشرع صلاة الكسوف في حال وقوع كوارث كالزلازل وغيرها؟

طيب، بقيت مسألة هنا أُضيفت في السلسبيل لم يذكرها صاحب الدليل؛ وهي: هل تُشرع صلاة الكسوف لغير الكسوف والخسوف كالزلازل والبراكين والأعاصير؟

في المسألة ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: إنها لا تُشرع؛ وهو مذهب المالكية والشافعية، وأنها إنما تُشرع لكسوف الشمس ولخسوف القمر خاصةً.
  • القول الثاني: إنها لا تُشرع إلا للزلزلة خاصةً، فتُشرع لكسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة؛ وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
  • القول الثالث: إنه تُشرع صلاة الكسوف لكل آيةٍ عظيمة؛ وهذا هو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح؛ لعموم قول النبي : إنهما آيتان يخوف الله بهما عباده، ولأن ذلك رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فكل آيةٍ يكون فيها التخويف يُصلى بها؛ وعلى ذلك فتُشرع صلاة الكسوف عند وقوع الزلازل والبراكين والأعاصير ونحو ذلك، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

ونقف عند باب صلاة الاستسقاء نفتتح بها درسنا القادم إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وما تبقى من الوقت الآن نُجيب فيه عما تيسر من الأسئلة، الوقت المحدد لهذا الدرس عادةً هو ساعتان، نحرص على ألا يزيد على ساعتين، وأيضًا نخصص وقتًا للإجابة عن الأسئلة.

الأسئلة:

السؤال: يُلاحظ أن بعض الفتيات تركت تغطية الوجه باعتبار أنه لا تجب تغطيته؛ فما القول الراجح في ذلك؟

الجواب: القول الراجح أن المرأة يجبُ عليها أن تُغطي وجهها عن الرجال الأجانب؛ ويدل لذلك قول الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]؛ والجلباب هو الذي تضعه المرأة على رأسها ويُغطي وجهها. وعائشة رضي الله عنها -كما في الصحيحين في البخاري ومسلم، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله – تقول في قصة الإفك: “لما رأيتُه [تعني: صفوان بن المعطل] فخمَّرتُ وجهي”[26]، وهذا لفظٌ صريح وفي الصحيحين (البخاري ومسلم)، تقول: “فخمَّرتُ وجهي” يعني: غطيتُ وجهي؛ هل هناك أصرح من هذا؟! وهل يُعقل أن الشريعة الإسلامية تنهى المرأة عن أن تضرب برجلها وتُبيح لها كشف وجهها، والله تعالى يقول: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]؟! أيهما أقرب للفتنة كشف الوجه أو ضرب الرِّجل بالخلخال؟ ضرب الرِّجل لأجل أن يُسمع صوت الخلخال الذي في الرِّجل وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].

ثم إن الخاطب إذا خطب امرأةً؛ لو كانت المرأة تكشف وجهها فلا حاجة لأن يطلب الخاطب رؤيتها؛ لأنه سيراها كاشفة، كون الشريعة تُجيز للخاطب أن ينظر للمرأة معنى ذلك أنها تغطي وجهها وتتحجب عنه، فهو يُريد أن تكشف له الوجه لكي يراه. فالقول الراجح أن المرأة يجب عليها أن تُغطي وجهها عن الرجال الأجانب، يجوز لها أن تنتقب (تُبدي عينيها) من غير اكتحال ومن غير زينة، لكن يجب عليها أن تُغطي وجهها عن الرجال الأجانب، هذا هو القول الراجح، وهو القول الذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم.

ويا أختي المسلمة، عليكِ أن تستحضري أن الحجاب عبادة تتعبدين به لله ، ليس عادةً اجتماعية وليس أعرافًا، إنما هو عبادة، فأنتِ عندما تتحجبين تتعبدين لله بذلك، الله تعالى ربكِ وخالقكِ وهو الذي أمركِ بهذا، والمرأة عندما تكون أكثر سترًا وحجابًا تكون محل احترام، وتوصف بذلك وصفَ شرف؛ ولذلك عندما يُثنى على امرأة هل يُثنى عليها أنها متبرجة وأنها تُبدي زينتها للرجال الأجانب، أو يُثنى عليها بعفتها وحجابها وسترها؟

الجواب: الثاني؛ فيُقال: هذه امرأة عفيفة، وامرأة سَتِيرة، وامرأة تتحجب، وامرأة بعيدة عن مخالطة الرجال؛ يُثنى عليها بذلك. فيا أختي المسلمة، احرصي على الحجاب، الذي أمركِ بالحجاب هو ربك ، والمرأة عندما تتقرب إلى الله بذلك فإنها مأجورة، والله تعالى خلقنا في هذه الحياة الدنيا ابتلاءً وامتحانًا، ومما امتحن به المرأة الحجاب؛ والله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].

حدثني رجلٌ ممن كان ابتُلي بمعاكسة النساء، ثم مَنَّ الله عليه وتاب؛ يقول: “والله والله، إننا إذا رأينا المرأة المتحجبة السَّتِيرة، والله نحترمها ولا ننظر إليها؛ وإذا رأينا المرأة المتبرجة نُعاكسها؛ لأنها تبعث لنا رسالة لمعاكستها”؛ وهذا معنى قول الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ [الأحزاب:59] يعني: بالعفة والستر والحجاب؛ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] يعني: لا أحد يتعرض لهن ويؤذيهن، المرأة إذا كانت متحجبة تكون محل احترام، ولا أحد يؤذيها، ولا أحد يتعرض لها، أما إذا كانت متبرجةً فستجد مَن يؤذيها ومَن يُعاكسها.

السؤال: الذكر الوارد “سبحان الله عدد ما خلق في السماء، والحمد لله مثل ذلك”، هل هو صحيح؟ وهل أقول: “الحمد لله مثل ذلك، أو الحمد لله عدد ما خلق في السماء”؟

الجواب: هذا حديث أبي أمامة ، وهو حديثٌ صحيح؛ أن النبي قال: ألا أُخبرك بما هو خيرٌ من قيام الليل وصيام النهار وهذا من أحاديث الفضائل، ثم قال عليه الصلاة والسلام: تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض وفي السماء، سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، سبحان الله ملء ما أحصى كتابه، سبحان الله عدد كل شيء، سبحان الله ملء كل شيء، والحمد لله مثل ذلك؛ يعني: الحمد عدد ما خلق في السماء، الحمد لله عدد ما خلق في الأرض…إلى آخره، ولا إله إلا الله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك[27]؛ فهذا ذكرٌ عظيمٌ يُسميه العلماء “الذكر المُضاعَف”.

ومن ذلك أيضًا: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده زِنَة عرشه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته؛ خرج النبي ذات يومٍ بعدما صلى صلاة الصبح، فوجد جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تُسبح، ثم رجع بعدما أضحى، فقال لها: لقد قلتُ بعدكِ أربع كلماتٍ لو وُزِنَت بما قلتِ لَوَزَنَتْهُن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده زِنَة عرشه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته[28].

السؤال: ما حكم الاستمناء في نهار رمضان؟

الجواب: الاستمناء في نهار رمضان يُفسد الصوم، فهو كما لو تعمدتَّ الأكل أو الشرب في نهار رمضان، وهذا من الكبائر (من كبائر الذنوب)؛ تعمُّد الفطر في نهار رمضان من الكبائر، فالاستمناء يُفسد الصيام، فهو من الكبائر، فمَن وقع في هذا عليه التوبة إلى الله وقضاء ذلك اليوم، ولا يلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة -على القول الراجح- إنما تَجب على مَن وقع منه الجماع في نهار رمضان.

السؤال: مواقع تبيع الذهب؛ هل يجوز الشراء منها؟

الجواب: لا بد في الذهب من التقابض، فشراء الذهب عن طريق هذه التطبيقات والمواقع يفتقد شرط التقابض؛ والنبي يقول: الذهب بالذهب والفضة بالفضة…إلى أن قال:مِثلًا بمِثل، هاءً بهاء، سواءً بسواء، فمَن زاد أو استزاد فقد أربى[29]، فعند بيع ذهبٍ بورقٍ نقديٍّ، هنا يُشترط التقابض؛ وعلى ذلك لا يجوز البيع والشراء للذهب والفضة عن طريق هذه المواقع والتطبيقات. لكن البديل هو ألا يُعقد عقد البيع أو الشراء، وإنما تطلب مجرد طلب من غير عقد، وتقول: سأشتري عندما تُحضِر الذهب للمنزل، فعندما يُحضِر الذهب للمنزل تَنظر لهذا الذهب ومواصفاته، وهل هو مطابق للمواصفات، فإن أعجبك تعقد عقد الشراء؛ يعني: تُعطيه المبلغ، وهو يُعطيك الذهب، فما قبل ذلك مجرد وعد وإبداء رغبة، وليس عقدًا، هذا لا بأس به، أما أن تشتري شراءً تامًّا وتعقد عقد الشراء وأنت لم تستلم الذهب فهذا لا يجوز؛ لأنه يُشترط عند شراء الذهب بالورق النقدي التقابض.

السؤال: هل دعاء العاصي يُستجاب؟

الجواب: قد يُستجاب، بل حتى دعاء الكافر؛ والله تعالى يقول: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65]؛ يعني: فأجاب الله دعاءهم، مع أنهم كفار مشركون، لكن لما دعوا الله مضطرين أجاب الله دعاءهم فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، بل حتى أجاب الله دعوة إبليس؛ قال: قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ [الأعراف:14-15] فقد يستجب الله دعاء الكافر، الله تعالى لا يُسأل عما يفعل جل وعلا.

ذكر ابن تيمية رحمه الله قصةً؛ وهي: أن قومًا من النصارى حاصروا المسلمين، ثم إن هؤلاء النصارى عطشوا، فطلبوا من المسلمين أن يسقوهم مقابل انسحابهم والكف عنهم، فتشاور المسلمون فيما بينهم، ثم قالوا: لا نثق فيهم، هؤلاء أهل مكر وخيانة، فلا نثق فيهم، نتركهم حتى يموتوا عِطاشًا، فقام النصارى ودعوا الله أن يسقيهم وأن يغيثهم، فأغاثهم الله ​​​​​​​ ونزل المطر؛ فَفُتِن بعض المسلمين: كيف هذا؟! كيف هؤلاء غير مسلمين ويدعون الله بنزول المطر، ويغيثهم الله سبحانه؟! فقام قائد الجيش وقال لأكبر عالم من أهل العلم: أَدرِك الناس، فأمر بالمنبر فنُصب، فاجتمع الناس؛ فقال: يا ربنا، إنا نعلم أنك إنما أجبتَ دعاء هؤلاء لأنك تُجيب دعوة المضطر إذا دعاك، وأننا نحن على الحق، وأنهم ليسوا على الحق، فنرجو منك يا ربنا نسألك يا ربنا أن تُرينا آيةً تثبِّت بها قلوب عبادك المؤمنين؛ فأرسل الله تعالى ريحًا اقتلعتهم، وثبَّت الله تعالى قلوب عباده المؤمنين، وحصل لهم النصر.

فالله تعالى قد يستجيب دعاء غير المسلم، قد يستجيب دعاء الفاسق، قد يستجيب دعاء العاصي، قد يستجيب دعاء المؤمن، يستجيب دعاء البَر والفاجر، فالله لا يُسأل عما يفعل جل وعلا. وليس استجابة الله دعاءَ إنسان دليلًا على صلاحه؛ الله تعالى استجاب دعاء إبليس: قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ [الأعراف:14-15]. كما أن الله تعالى قد يرزق أيضًا الكافر، وقد يرزق الفاجر، وقد يُضيِّق على المؤمن؛ كما قال سبحانه: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ [الفجر:15-16] يعني: ضيَّق عليه رزقه فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۝ كَلَّا [الفجر:16-17]؛ فالأمر لا يرجع لمحبة الله لهذا الإنسان أو بُغضه لذاك، وإنما هذه أمور يُقدرها الله حسب ما تقتضيه حكمته البالغة جل وعلا.

ثم أيضًا يعني قول الأخ السائل: هل دعاء العاصي يُستجاب؟ يعني: مَن الذي يَسْلَم من المعصية؟! كل بني آدم خَطّاء، كلنا نقع في المعصية ونقع في الخطأ، والمسلم عليه أن يدعو الله على كل حال، وجاء في الحديث الصحيح: ليس شيءٌ أكرم الله من الدعاء[30]، وأيضًا في الحديث الآخر: إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صِفْرًا[31] يعني: خائبتين.

السؤال: تقول: أنا مغتربة أعيش في بلدٍ غير بلدي، ولا أستطيع التحري عن أحدٍ أدفع له الزكاة، ولا يوجد في بلدي أحد أثق به؛ فهل يجوز لي التأجيل حتى أسافر إلى بلدي؟

الجواب: لا بأس، بشرط أن تُوَثِّقي ذلك، وَلْتكتبي أن في ذمتكِ مبلغَ زكاة قدره كذا؛ حتى لو قدَّر الله عليكِ شيئًا يَعرف الورثةُ من بعدكِ أن في ذمتك زكاةً؛ فتأخير الزكاة لمصلحةٍ راجحةٍ لا بأس به، فالأخت الكريمة يعتبر هذا سبب للتأخير، لكن لا بد أن تكتب هذا في ورقة، وتحفظ أيضًا هذا المال (تحجز هذا المبلغ)، وتقول: هذا مبلغ للزكاة، وتكتب عليه ورقة، وأن في ذمتها زكاةً مقدارها كذا، بحيث لو قدَّر الله عليها شيئًا يَعرف الورثةُ بأن في ذمتها زكاةً، فمتى ما تيسر لها دفع الزكاة تدفع الزكاة من حين ما يتيسر ذلك.

السؤال: ذكرتم أن الأظافر الصناعية تدخل في الوصل المحرم؛ هل يُقاس على ذلك الرموش الصناعية؟

الجواب: نعم، الرموش الصناعية والأظافر الصناعية مِثل وصل الشعر؛ لا فرق بين وصل الشعر بشعر، وبين وصل الرموش برموش، وبين وصل الأظافر بأظافر؛ كلها بابها واحد، الوصل ممنوعٌ شرعًا، ولعن الله الواصلة والموصولة[32]، فليس للمرأة أن تفعل ذلك.

السؤال: هل الأفضل للإمام أن يُنبه أنه سيحصل خسوف في ساعة معينة؟

الجواب: هذا فيه تفصيل؛ إذا كان هذا ظاهرًا لجماعة المسجد ومعلومًا فالأحسن ألا يُخبر بذلك؛ لأن عدم الإخبار يجعل للكسوف وقعًا في النفس أكثر، لكن بشرط أن يكون ذلك ليس في وقت غفلة؛ يعني: يكون مثلًا في وقت النهار أو أول الليل، أما إذا كان في وقت غفلة كأن يكون في وقتٍ متأخرٍ من الليل، وربما أنه لو لم يُنبه لَمَا صلى أكثر الناس؛ فهنا الأفضل أن يُنبه حتى يستعد الناس للصلاة.

السؤال: مَن يأتي للمسجد الجامع لصلاة العيد، ويدخل وقت شروق الشمس؛ هل يصلي تحية المسجد أم يجلس؟

الجواب: إذا كان يأتي بعد صلاة الفجر وقبل وقت الشروق؛ يعني: قبل وقت النهي المُغلَّظ؛ فإنه يأتي بتحية المسجد؛ لأن ذوات الأسباب تُفعل في أوقات النهي، أما إذا كان وقت الشروق فهذا وقت نهي مُغلَّظ؛ لأن أوقات النهي المُغلَّظة ثلاثة: (وقت الشروق – ووقت الغروب – وحين يقوم قائم الظهيرة قُبيل الزوال)، هذه لا يجوز حتى دفن الأموات فيها، فهذه الخلاف فيها قوي، والأحسن أنه لا يأتي بتحية المسجد في هذه الحال، وإنما ينتظر حتى يزول وقت النهي، هذا هو الأولى. طبعًا انتظر ولم يجلس، إن جلس فتحية المسجد ليست واجبة، إنما هي مستحبة، أما إذا أتى قبل شروق الشمس فيأتي بتحية المسجد، لكن إذا أتى وقت شروق الشمس أو بعد الشروق بأقل من عشر دقائق هذا هو وقت النهي المُغلَّظ.

السؤال: ذكرتم عدم صحة قياس الذهاب من طريقٍ والعودة من طريقٍ في صلاة العيد على صلاة الجمعة لعدم صحة القياس في العبادات؛ ألا يُقال مثل هذا في مشروعية صلاة الكسوف لكل آيةٍ عظيمة؟

الجواب: هذا سؤالٌ جيد، نشكر الأخ السائل على هذا السؤال؛ قلنا بمشروعية صلاة الكسوف لكل آية ليس من باب القياس، وإنما من باب النص؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده[33] فنصَّ على الآية، وهذا يعمّ الآيات؛ يعمّ آية الكسوف، وآية الخسوف، وآية الزلازل، وآية البراكين، وآية الأعاصير، ونحو ذلك؛ فقد ورد التنصيص بالصلاة عند الآية، فنحن لم نعتمد على القياس، لو كان الاعتماد على القياس يكون اعتراض الأخ السائل صحيحًا، لكن لم نعتمد على القياس، وإنما اعتمدنا على الحديث ومدلول هذا الحديث.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

موعدنا غدًا -إن شاء الله- بعد صلاة المغرب، في التعليق على كتاب الفضائل من صحيح مسلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1134، والنسائي: 1556، وأحمد: 12006.
^2 رواه البخاري: 3931، ومسلم: 892.
^3 رواه مسلم: 890.
^4 رواه البخاري: 46، ومسلم: 11.
^5 رواه أبو داود: 1155، والنسائي: 1571، وابن ماجه: 1290.
^6 رواه البخاري: 964، ومسلم: 884.
^7 رواه ابن ماجه: 1293.
^8 رواه أبو داود: 1157.
^9 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^10 رواه البخاري: 953.
^11 رواه البخاري: 886، ومسلم: 2068.
^12 رواه البخاري: 877، ومسلم: 844.
^13 رواه البخاري: 858، ومسلم: 846.
^14 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 6189.
^15 رواه أحمد: 18848.
^16 بنحوه رواه البخاري: 744، ومسلم: 598.
^17 رواه مسلم: 878.
^18 رواه مسلم: 891.
^19 رواه ابن ماجه: 1287.
^20 رواه مسلم: 680.
^21 رواه مسلم: 780.
^22 صحيح البخاري: 2/ 23.
^23 رواه البخاري: 1040، ومسلم: 915.
^24 رواه البخاري: 1212.
^25, ^33 سبق تخريجه.
^26 رواه البخاري: 4141، ومسلم: 2770.
^27 رواه ابن حبان: 830، وابن خزيمة: 754.
^28 رواه مسلم: 2726.
^29 رواه مسلم: 1584.
^30 رواه أحمد: 8748، وابن حبان: 870، والحاكم في المستدرك: 1801، والطبراني في المعجم الأوسط: 3706، والبيهقي في شعب الإيمان: 1071.
^31 رواه أبو داود: 1488، والترمذي: 3556، وقال: حسنٌ.
^32 رواه البخاري: 5941، ومسلم: 2122.
zh