logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(22) تخفيف الإمام في الصلاة – من قوله: “ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام”

(22) تخفيف الإمام في الصلاة – من قوله: “ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام”

مشاهدة من الموقع

تخفيف الإمام في الصلاة

كنا قد وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام.

لقول النبي : إذا أم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن من ورائه الصغير والكبير وذا الحاجة [1]، واللفظ الآخر: فإن فيهم الصغير والكبير، والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده؛ فليصلِّ كيف شاء [2].

وقوله: “مع الإتمام”، أخذه من حديث أنسٍ أن رسول الله كان من أخف الناس صلاةً في تمامٍ [3]، وأيضًا قوله : “ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاةً ولا أتم من النبي [4].

وقسم العلماء التخفيف إلى قسمين: تخفيفٌ عارضٌ، وتخفيفٌ لازمٌ.

  • التخفيف العارض: أن يكون هناك سببٌ يقتضي التخفيف، كما قال عليه الصلاة والسلام: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي -أو قال: فأخففهاكراهة أن أشق على أمه [5]، متفقٌ عليه، وهذا يدل على أنه إذا عرض عارضٌ، سواءٌ للإمام أو لأحد المأمومين، فينبغي للإمام أن يخفف الصلاة، عرض للإمام عارضٌ؛ مثلًا أتته شرقةٌ، أو بُحَّ صوته، أو نحو ذلك، فلا بأس أن يخفف، بل الأفضل أن يخفف الصلاة؛ كما جاء في “الصحيحين”: أن النبي قرأ سورة المؤمنون، فأخذته سعلةٌ فركع [6]، وهكذا أيضًا إذا عرض عارضٌ لأحد المأمومين، فينبغي للإمام أن يراعيه، وأن يخفف الصلاة؛ كأن يصاب أحد المأمومين بكحةٍ متواصلةٍ، أو بعطاسٍ متواصلٍ، أو بأي شيءٍ يستدعي التخفيف من الإمام، فينبغي أن يخفف الإمام الصلاة؛ مراعاةً لحال هذا الذي عرض له هذا العارض، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يخفف الصلاة من أجل سماع صوت بكاء صبيٍّ؛ لأجل ألا يشق على أمه؛ فكيف إذا كان ذلك مراعاةً لأحد المأمومين المصلين؟! فهو أولى بالمراعاة.
  • القسم الثاني: التخفيف اللازم: وهو ألا يتجاوز ما جاءت به السنة، وحكمه: مستحبٌ، والمؤلف أطلق التخفيف، وهو يشمل التخفيف العارض، والتخفيف اللازم.

وذهب بعض العلماء إلى أن التخفيف اللازم واجبٌ؛ لأن النبي غضب غضبًا شديدًا لمَّا قال له رجلٌ: والله إني لأتأخر عن الصلاة من أجل فلانٍ، يطيل بنا، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، حتى قال أبو مسعودٍ : ما رأيت رسول الله في موعظةٍ أشدَّ غضبًا منه يومئذٍ، وقال: أيها الناس، إن منكم منفرين، أيكم أمَّ الناس فليتجوز؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة [7].

وأنكر عليه الصلاة والسلام على معاذٍ، معاذٌ كان يصلي مع النبي صلاة العشاء، ثم يرجع ويصلي بقومه، وهي في حقه نافلةٌ وفي حقهم فريضةٌ، وكان يطيل بهم ويقرأ سورة البقرة كاملةً، وصلى معه رجلٌ من الأنصار كان فلاحًا في مزرعته، يعمل من الصباح في مزرعته، فلما أتى العشاء وكبَّر بهم معاذٌ، وإذا معاذٌ يقرأ سورة البقرة، فقام هذا الرجل وأكمل لنفسه وانصرف، فلما سلم معاذٌ؛ أُخبر بأن فلانًا أكمل لنفسه وانصرف، فقال معاذٌ: ذاك رجلٌ منافقٌ، فبلغ ذلك الرجلَ مقولة معاذٍ، فذهب للنبي عليه الصلاة والسلام وأخبره، فدعا النبي معاذًا وقال: أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟! إن منكم منفرين، أيكم أمَّ الناس فليخفف؛ فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة، هلَّا قرأت: بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1] [8]، فسمَّى له سُوَرًا من وسط المفصَّل.

فإنكار النبي عليه الصلاة والسلام على معاذٍ ، وإنكاره كما في حديث أبي مسعودٍ ، وغضبه؛ يدل على أن التخفيف واجبٌ وليس مستحبًّا، وهذا هو القول الراجح في المسألة، ولكن لا بد أن نفهم التخفيف الذي وردت به السنة، فإنه ليس التخفيف الذي -كما قال ابن القيم- يريده البطالون الذين يريدون من الإمام أن يخفف تخفيفًا شديدًا، بحيث يقتصر على تسبيحةٍ واحدةٍ في الركوع والسجود ونحو ذلك؛ وإنما المقصود بالتخفيف: أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر أجزاء الصلاة، فالتخفيف هو موافقة السنة، هذا هو القول الراجح الذي عليه المحققون من أهل العلم.

فمثلًا: من صلى صلاةً وسبح عشر تسبيحاتٍ في الركوع والسجود؛ فإنه لا يعتبر مطوِّلًا؛ لأنه أتى بالسنة، من قرأ سورة السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة؛ لا يعتبر مطولًا؛ لأنه أتى بالسنة؛ ولهذا قال ابن القيم: “التخفيف أمرٌ نسبيٌّ، يرجع إلى ما فعله النبي وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين؛ فإنه لم يكن يأمرهم بأمرٍ ثم يُخالفه، وقد عَلم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيف الذي أَمر به، فإنه كان يُمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعافٍ مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه: ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “كان رسول الله يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات” [9]، فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي كان يأمر به”.

فإذنْ المقصود بالتخفيف: التخفيف النسبي، ونظير ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: إن قِصَر خُطبة الرجل وطول صلاته مَئِنَّةٌ من فقهه [10].

لو أخذنا بظاهر هذا الحديث، النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، هل معنى ذلك أنه يخطب خطبةً أقصر من هاتين السورتين؟ الجواب: لا، وإنما المقصود بذلك: القِصَر النسبي، فخطبة الجمعة السنة أن تكون بقدر قراءة سورة (ق) مرتلةً، يعني: بحدود من عشر دقائق إلى ربع ساعةٍ، تقريبًا في هذا القدر، وليس كما يفعله بعض الخطباء بأنه يخطب أربع دقائق أو خمس دقائق، ويقول: أطبق السنة، فلا بد أيضًا أن يحترم هؤلاء الذين أتوا للمسجد يُريدون أن يستفيدوا، وأن ينتفعوا بهذا الدرس والموعظة الأسبوعية، فينبغي أن يهتم بالخطبة وبإعدادها وبالتحضير لها، وبإفادة الحاضرين، أما أنه يختصرها اختصارًا مخِلًّا في أربع دقائق، فهذا يعتبر اختصارًا مخلًّا، وقد فَهِم الحديث فهمًا غير صحيحٍ، المقصود بقِصَر خطبة الرجل التي هي مَئِنَّةٌ من فقهه؛ المقصود بذلك: القِصَر النسبي.

وأحسن ما يقال في الحد الذي تُقصَّر له الخطبة: أنه في حدود قراءة سورة (ق) مرتلةً؛ لأن النبي كان كثيرًا ما يخطب بسورة (ق) مرتلةً، حتى إن أم حارثة بنت هشامٍ رضي الله عنها تقول: “ما حفظت سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلا من على لسان رسول الله ؛ يقرأها كل جمعةٍ على المنبر”.

ينبغي أيضًا مراعاة أحوال الناس، أحوال الناس في الوقت الحاضر ليست كأحوال الناس في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك لو أن إمامًا أمَّ الناس بالصافات في الوقت الحاضر؛ لربما استثقلوا ذلك، ورأوه تطويلًا، فإذا كان ما يفعله الإمام يسبب نُفْرَةً لجماعة المسجد أو لأكثرهم؛ فينبغي للإمام ألا يفعل، وأن يراعي أحوال المأمومين؛ لأن حصول النفرة بين الإمام والمأمومين يخالف مقصود الشارع من صلاة الجماعة، فلا يطبِّق أمرًا مستحبًّا ويقع في أمرٍ ينافي المقصود من صلاة الجماعة، ينبغي أن تَشيع روح المحبة والمودة بين إمام المسجد وجماعة المسجد، وجماعة المسجد فيما بينهم، فأي شيءٍ يؤدي إلى التنفير ينبغي أن يبتعد عنه الإمام، فلا بد أيضًا من مراعاة أحوال الناس، أحوال الناس الآن ليست كأحوال الناس زمن الصحابة ، فهذا أيضًا لا بد للإمام أن يراعي أحوال الناس في الوقت الحاضر.

ما لم يُؤْثِر المأمومُ التطويلَ.

إذا آثر المأمومُ التطويلَ؛ بأن كان عدد المأمومين محصورًا، وطلبوا من الإمام أن يطول في القراءة، في الركوع والسجود؛ لا بأس بذلك، فقد يكون مثلًا أناسٌ من أهل الخير والصلاح، وأراد أن يؤمهم أحدهم، فقالوا له: نرغب منك أن تُطيل في الصلاة، لا بأس.

انتظار الإمامِ الراكعِ المأمومَ القادمَ

وانتظارُ داخلٍ إن لم يشق على المأموم.

أي: يستحب للإمام انتظار من سمعه يدخل في المسجد، بشرط ألا يشُقَّ ذلك على المأمومين، واستدلوا بحديث عبدالله بن أوفى  أن النبي كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يُسمَع وقع قدمٍ [11]، أخرجه أبو داود وأحمد، لكن هذا الحديث ضعيفٌ، ويغني عنه الحديث السابق: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي؛ كراهة أن أشق على أمه، فغيَّر النبي هيئة الصلاة من أجل مصلحة شخصٍ واحدٍ؛ فكذلك هنا.

وأيضًا استدل العلماء بحديث أبي قتادة  أن النبي كان يطوِّل في الأولى ويقصِّر في الثانية؛ لأجل أن يُدرك الناس الركعة [12]، ولكن يُشترط لذلك شرطٌ، وهو: قال: “إن لم يشق على المأموم”؛ لأن مراعاة المأمومين الذين خلفه أولى من مراعاة المسبوق الذي أتى متأخرًا، فإذا كان هذا التطويل يشق على من خلفه؛ فلا يطيل.

وأضاف الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني” قيدًا آخر: وهو أن تكون الجماعة يسيرةً، أما إن كانت كثيرةً؛ فإنه يَبعُد ألا يكون فيهم من يشق عليه؛ ولذلك فإنه لا ينتظر الداخل، وهذا قيدٌ جيدٌ، فلو كانت جماعة المسجد محصورين، فدخل أحدٌ، وسمع الإمام صوت داخلٍ للمسجد؛ ينتظر حتى يدرك الركعة، لكن إذا كان من يصلي خلفه صفوفًا وجماعةً كثيرة، هنا لا ينتظر؛ لأنه يبعد ألا يكون في هذه الجماعة من لا يشق عليه التطويل والانتظار.

حكم منع النساء من الخروج للمسجد

ومن استأذنته امرأته أو أمته إلى المسجد؛ كُره منعها.

لقول النبي : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله [13].

والمؤلف نص على الكراهة، وهو المذهب عند الحنابلة، وقال بعض أهل العلم: إن النهي للتحريم؛ وذلك لأنه الأصل في النهي، وأيضًا وجدت قرائن تدل على أن المراد به: التحريم؛ ومن ذلك قوله : لا تمنعوا إماء الله، ففيه إشارةٌ إلى أن هذه ليست أمةً عندك، بل هي أمةٌ لله ، وقوله  أيضًا: مساجد الله، فيه إشارةٌ إلى أن هذا المسجد ليس هو بيتك الخاص الذي تتحكم فيه؛ وإنما هو بيت الله، فهذا فيه إشارةٌ لنوعٍ من التوبيخ.

ويستفاد من هذا: أن المقصود بالنهي: التحريم، وليس مجرد الكراهة، وقد ورد أن عمر كان له امرأةٌ تصلي صلاة الفجر والعشاء في المسجد، فقيل لها: لِمَ تَخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك، وأنه يغار عليك، قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قالوا: يمنعه قول النبي : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله [14]، هذا يدل على أن هذا هو فهم الصحابة ، وجاء في “صحيح مسلمٍ” أن ابن عمر رضي الله عنهما لما حدَّث بهذا الحديث؛ قال ابنه بلالٌ: والله لنمنعهن، لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دَغَلًا [15]، فضرب ابن عمر في صدره وقال: “أقول لك: قال رسول الله ، وتقول: والله لنمنعهن؟!” [16]، فهجر ابن عمر بلالًا لأجل ذلك، من باب التوبيخ والتأديب له؛ لأنه كأنه يقول: عليك أن تُعظِّم كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تعترض عليه بمثل هذا الكلام.

صلاة المرأة في بيتها أفضل

وبيتها خيرٌ لها.

وهذا قد جاء منصوصًا عليه في بعض الروايات؛ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خيرٌ لهن [17]، وأيضًا حتى في الحديث الآخر: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن [18]، وهذا يدل على أن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، وأن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ويستثنى من ذلك: صلاة العيد؛ فإن صلاتها مع الناس في المصلى أو في المسجد أفضل؛ لأن النبي أمر أن تخرج العواتق وذوات الخدور، حتى الحُيَّض، أمرهن بالخروج إلى المصلى لإظهار شعيرة الإسلام.

هنا مسألةٌ: وهي أن بعض النساء يقُلن: نحن إذا صلينا في المسجد؛ تكون صلاتنا في المسجد أنشط، وأكثر خشوعًا من صلاتنا في بيوتنا، فما الأفضل في هذه الحال؟

الجواب: أن الأفضل الصلاة في المسجد في هذه الحال؛ وذلك لأنه قد اقترن بالمفضول ما جعله أفضل، فإن كون المرأة تنشط في الصلاة وتصلي أكثر، وتخشع أكثر، هذا أفضل من أن تصلي في البيت صلاةً أقلَّ عددًا، وأقلَّ خشوعًا، والمفضول قد يعتريه ما يجعله فاضلًا، فالأصل أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، لكن إذا كانت صلاتها في المسجد أكثر خشوعًا، وأيضًا أكثر صلاةً؛ فصلاتها في المسجد أفضل في هذه الحال.

الإمامة في الصلاة

طيب، ننتقل بعد ذلك إلى باب الإمامة.

فصلٌ في الإمامة

قال:

الأَولى بها.

يعني: بالإمامة.

الأجود قراءةً الأفقه.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ لقول النبي : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً؛ فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً؛ فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً؛ فأقدمهم سِلمًا، ولا يَؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه [19].

قوله: أعلمهم بالسنة، يعني: الأفقه؛ ولأنه لما قَدِم المهاجرون الأولون؛ كان يؤمهم سالمٌ مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآنًا، وأيضًا جاء في حديث أبي سعيدٍ : إذا كانوا ثلاثةً فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم [20]، وهذا في “صحيح مسلمٍ”.

القول الثاني: أن الأفقه يُقدَّم على الأقرأ.

إذنْ القول الأول: أن الأقرأ مقدم على الأفقه.

والقول الثاني: أن الأفقه مقدَّمٌ على الأقرأ، إذا كان يقرأ ما يكفي في صلاته، وهذا هو قول الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، واستدلوا بأن النبي في مرضه أمر أبا بكرٍ  أن يَؤُمَّ الناس، مع وجود من هو أقرأ من أبي بكرٍ؛ كأُبَيِّ بن كعبٍ؛ ولأن الفقيه أعلم بفقه الصلاة، يؤديها على الوجه المشروع، وربما نابه شيءٌ في صلاته، فإذا كان فقيهًا؛ فإنه يدرك السُّنة في ذلك.

والقول الراجح والله أعلم: هو القول الثاني، وهو أن الأفقه يُقَدَّم على الأقرأ، إذا كان إنسانٌ عالمٌ وفقيهٌ، وإنسانٌ مثلًا ليس عالمًا ولا فقيهًا، لكنه فقط يحفظ القرآن، وهذا لا يحفظ القرآن، يحفظ معظم سور القرآن، لكن لا يحفظ جميع القرآن، فهذا الفقيه العالم أولى بالإمامة من هذا القارئ، على القول الراجح.

وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فمحمولٌ على ما كان عليه الأمر في عهد النبي ؛ من أن الأقرأ هو الأفقه؛ فإن الصحابة كانوا لا يتجاوزون عشر آياتٍ حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، فكان الأفقه هو الأقرأ؛ ولذلك القول بأن أُبِيًّا  كان أقرأ من أبي بكرٍ غير صحيحٍ، لا يُسلَّم بهذا؛ أبو بكرٍ  كان يحفظ القرآن، كان هو أيضًا الأفقه والأقرأ أيضًا في الوقت نفسه؛ فلا يُسلَّم ما قيل من أن أُبَيًّا أقرأ من أبي بكرٍ رضي الله عنهما، بل أبو بكرٍ هو الأقرأ والأفقه، وأما حديث: وأقرؤهم أُبَيٌّ [21]، فحديثٌ ضعيفٌ، لا يثبت منه إلا آخره، وهو: لكل أمةٍ أمينٌ، وأمين هذه الأمة: أبو عبيدة [22]، هذا القدر هو الذي رواه البخاري ومسلمٌ هو المحفوظ، وأما أوله: أعلم أمتي بالحلال والحرام: معاذٌ، وأقرؤهم: أُبَيٌّ، وأفرضهم: زيدٌ، هذا ضعيفٌ لا يثبت عن النبي .

الأَولى بالإمامة في الصلاة

قال:

ويُقدَّم قارئٌ لا يعلم فقه صلاته على فقيهٍ أميٍّ.

يقدَّم القارئ على الفقيه الأمي

يُقدَّمُ القارئ على الفقيه، قال: الذي لا يفقه أحكام الصلاة يُقدَّم على فقيهٍ أميٍّ، وإذا قال الفقهاء: “أميٌّ”، يقصدون أنه لا يُحسن قراءة الفاتحة، قالوا: لأن الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، لكن قول المؤلف هنا غريبٌ، كيف يكون فقيهًا وأميًّا في الوقت نفسه؟! يعني: كيف يُتصور أن يكون فقيهًا وفي الوقت نفسه لا يُحسن قراءة الفاتحة؟! هذا من باب الافتراض، وإلا الأصل أن الفقيه لا بد أن يحسن قراءة الفاتحة، ويحفظ القرآن، أو يحفظ كثيرًا من سور القرآن.

الأكبر سنًّا

ثم الأسن.

يعني: الأكبر سنًّا؛ لحديث مالك بن الحويرث  أن النبي قال لأصحابه : إذا حضرت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم [23]؛ ولقوله في حديث أبي مسعودٍ  السابق: فإن كانوا في الهجرة سواءً؛ فليؤمهم أكبرهم سنًّا [24]؛ ولأن السن أحق بالتوقير والاحترام.

الأشرف نسبًا

ثم الأشرف نسبًا.

فعلى هذا: القرشي مقدمٌ على غيره، واستدلوا بحديث: قَدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها [25]، وهو حديثٌ ضعيفٌ لا يصح، ولو صحَّ فالمراد به: الإمامة العظمى؛ للحديث الآخر: الأئمة من قريشٍ [26].

والقول الراجح: أنه لا اعتبار لهذا الوصف، وصف شرف النسب لا اعتبار له؛ لقول الله : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، أما سالمٌ مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما كان يؤم المهاجرين الأولين قبل مجيء النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، مع أنه كان مولًى.

الأتقى والأورع

ثم الأتقى والأورع.

وهذه الصفة تُراعَى في جميع هؤلاء؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: “إذا كان الرجلان من أهل الديانة فأيهما كان أعلم بالكتاب والسنة؛ وجب تقديمه على الآخر، فإن كان أحدهما فاجرًا، مثل أن يكون معروفًا بالكذب والخيانة ونحو ذلك من أسباب الفسوق، والآخر مؤمنًا من أهل التقوى، فهذا الثاني أولى بالإمامة إذا كان من أهلها وإن كان الأول أقرأ وأعلم؛ فإن الصلاة خلف الفاسق منهيٌّ عنها نهي تحريمٍ عند بعض العلماء، ونهي تنزيهٍ عند بعضهم”.

مثلًا: لو كان رجلٌ يحفظ القرآن كاملًا، لكن عنده فجورٌ؛ من الكذب والخيانة، وحلق اللحية وإسبال الثوب، ورجلٌ كبيرٌ في السن تقيٌّ وصالحٌ، ويحفظ الفاتحة، ويحفظ قصار السور، ويحفظ بعض سور القرآن؛ فهذا التقي أولى بالإمامة من الأول.

فالأتقى هو الأولى بالإمامة، وإنما الأوصاف السابقة فيما إذا استووا في التقوى والديانة.

عند التساوي والمشاحة يُقرع بينهم

ثم يُقرَع.

يعني: عند التساوي والمشاحة يُقرَع بينهم؛ لأن القرعة يصار إليها عند التساوي في الحقوق وعدم وجود المرجِّح، فلو افترضنا مثلًا: أن مجموعةً كلهم حفظةٌ لكتاب الله ، ومتقاربون في الفقه، ومتقاربون في السن، فتشاحوا على الإمامة أو على الأذان؛ فيُقرَع بينهم، والقرعة طريقٌ شرعيٌّ يصار إليه عند التساوي في الحقوق والمشاحة وعدم وجود المرجح، وقد ورد ذكرها في القرآن في موضعين: في قصة مريم عليها السلام: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]، وفي قصة يونس : فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ۝فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات:141-142]، وكان النبي إذا أراد سفرًا يُقرِع بين نسائه [27]، فالقرعة طريقٌ شرعيٌّ يصار إليه عند المشاحة، وعند التساوي في الحقوق وعدم وجود المرجِّح.

صاحب البيت وإمام المسجد ولو عبدًا؛ أحق

وصاحب البيت، وإمام المسجد، ولو عبدًا؛ أحق.

صاحب البيت، والإمام الراتب للمسجد، أحق بالإمامة من غيره، حتى وإن كان غيره أقرأ وافقه؛ لقول النبي : لا يَؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه [28]، وجاء في لفظٍ: لا يَؤم الرجلُ الرجلَ في بيته [29]، في حديث مالك بن الحويرث : من زار قومًا فلا يؤمهم، وليؤمهم رجلٌ منهم [30]، فصاحب البيت إذنْ هو الأحق بالإمامة، فنفترض مثلًا أناسًا ذهبوا وزاروا رجلًا، ثم صلوا جماعةً في البيت، فالأحق بالإمامة هو صاحب البيت، حتى وإن كان هؤلاء الجماعة فيهم من هو حافظٌ للقرآن، وفيهم من هو أفقه، فصاحب البيت هو الأحق بالإمامة من هؤلاء، إلا أن يأذن لأحدهم أن يتقدم فيؤم.

كذلك أيضًا إمام المسجد في معنى صاحب البيت؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، وإمام المسجد في مسجده سلطانٌ فيه؛ ولهذا لا تقام الصلاة إلا بحضوره وإذنه، فلا يجوز لأحدٍ أن يتقدَّم على الإمام الراتب، حتى وإن كان أقرأ منه، وإن كان أفقه، وإن كان أعلم، الإمام الراتب أحقُّ من هؤلاء كلهم، فالإمام في مسجده كالسلطان في مملكته.

طيب، هذه مسألةٌ: إذا اجتمع مالك البيت والمستأجر للبيت؛ فأيهما أولى بالإمامة؟

الجواب: المستأجر أولى؛ لأن المستأجر مالكٌ لمنفعة البيت، ومِن توابع هذه المنفعة الإمامة، فهو أولى بالإمامة من المالك لهذا البيت.

واستثنى الفقهاء السلطان الأعظم، فقالوا: هو أولى بالإمامة من جميع هؤلاء، هو أولى بالإمامة من الأقرأ، وأولى بالإمامة من الأفقه، وأولى بالإمامة من إمام المسجد، وأولى بالإمامة من صاحب البيت، فإذا أتى السلطان الأعظم في مكانٍ فهو الأحق والأولى بالإمامة، ونائب السلطان يقوم مقامه، فمثلًا لو أن أمير منطقةٍ زار بلدًا من البلدان؛ فهو أحق بالإمامة، إلا أن يأذن لأحدٍ من الحاضرين أن يؤُمَّ بدلًا عنه، لكن شرعًا هو الأحق بإمامة الناس.

الحر أولى من العبد

والحر أولى من العبد.

قالوا: لأن الحر غالبًا أعلم بالأحكام، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الأحق هو الأولى في الصفات السابقة، سواءٌ أكان حرًّا أم عبدًا، وهذا هو القول الراجح، أنه لا اعتبار للحرية أو العبودية، وأن الاعتبار بما ذكر في الحديث، فإذا كان العبد أقرأ وأعلم وأفقه؛ فهو أولى من الحر بالإمامة؛ ولذلك كان سالمٌ مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين ، وأيضًا جاء عن نافع بن عبد الحارث  أنه لما لقيه عمر ، وقد استعمله على مكة، قال: من استعملت على أهل مكة؟ قال: استعملتُ عليهم ابن أَبْزَى، مولًى من موالينا، قال: استخلفت على أشراف مكة مولًى؟! قال: إنه قارئٌ لكتاب الله، وإنه عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إني سمعت نبيكم يقول: إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين [31]، رواه مسلمٌ، فأقرَّه عمر على هذا، فدل ذلك على أن الاعتبار بالأقرأ والأفقه، وأنه لا اعتبار بالحرية ولا بالعبودية.

الحاضر والبصير والمتوضئ أولى من ضدهم

والحاضر والبصير والمتوضئ أولى من ضدهم.

“الحاضر” ضده المسافر، إذا اجتمع مقيمٌ ومسافرٌ، فالمقيم أولى بالإمامة من المسافر؛ لأن المسافر ربما قصر الصلاة ففات بعضَ المأمومين بعضُ الصلاة جماعةً، وقال بعض أهل العلم: إن الأولى بالإمامة هو الأقرأ لكتاب الله ​​​​​​​، وسواءٌ أكان مقيمًا أو مسافرًا؛ لعموم حديث أبي مسعودٍ السابق.

والراجح: هو القول الأول، الذي أقرأه المؤلف؛ من أن المقيم أولى بالإمامة من المسافر؛ لأن التعليل الذي ذكروه وجيهٌ، فإن الإمام إذا قَصَرَ الصلاة فسيفوت بعضَ المأمومين بعضُ صلاة الجماعة، بدلًا من أن يصلوها أربع ركعاتٍ؛ يصلونها ركعتين فرادى.

في بعض البلدان يدعون بعض المشايخ وطلبة العلم لإلقاء محاضرةٍ ونحو ذلك، ثم يطلبون من هذا الشيخ أن يؤمهم، فيؤمهم ويقصر الصلاة؛ باعتباره مسافرًا، ويقوم جميع من في المسجد يقضون ركعتين، هذا خلاف الأولى، فالأولى: إما أن يقدموا أحدهم؛ فإن المقيم أولى بالإمامة من المسافر، وإما لا بأس أن يجعلوا هذا الشيخ الذي هو مسافرٌ إمامًا لهم، لكن يُتم ولا يقصر؛ لأنه إذا قصر وصلاها ركعتين تسبب في تفويت بعض الجماعة على المأمومين، فالمأمومون كلهم سيصلون ركعتين فرادى، فتسبب هذا الإمام في أن يصلي جماعة المسجد بعض صلاتهم فرادى؛ ولذلك نقول: إما أن يؤمهم أحدهم من المقيمين، وإما أن هذا الشيخ الذي يرغبون في أن يؤمهم يتم ولا يقصر.

والبصير.

يعني: أولى من الأعمى في الصلاة، وهذا أيضًا قول الجمهور من الحنفية والمالكية، وهو مذهب عند الحنابلة؛ قالوا: لأن البصير يكون في الغالب أكثر معرفةً بأمور الصلاة، وما يعرض في صلاته من الأعمى، ولكن هذا محل نظرٍ.

والقول الراجح: هو أنه لا اعتبار للبصر في ذلك، وأن الأولى بالإمامة هو الأقرأ لكتاب الله ، وهذا هو مذهب الشافعية؛ ولهذا قال ابن المنذر: إمامة الأعمى كإمامة البصير، لا فرق بينهما، وهما داخلان في ظاهر قول النبي : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله [32].

والمتوضئ.

يعني: أن المتوضئ أولى بالإمامة من المتيمم، وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ وهذا بناءً على القول بأن التيمم مبيحٌ وليس رافعًا للحدث، وسبق أن تكلمنا عن هذه المسألة بالتفصيل في باب التيمم، وقلنا: إن القول الراجح: أن التيمم رافعٌ للحدث وليس مبيحًا فقط، وإنما هو رافعٌ للحدث، وبهذا يترجح أيضًا في هذه المسألة أن المتوضئ ليس بأولى بالإمامة من المتيمم، وأن الأولى هو الأقرأ لكتاب الله ، سواءٌ أكان متوضئًا أو متيممًا.

تكره إمامة غير الأَولى بلا إذنه

وتكره إمامة غير الأَولى بلا إذنه.

تكره إمامة غير الأَولى، الأولى يعني الذي سبق: الأقرأ لكتاب الله، ثم الأعلم بالسنة.. إلى آخره، يقول: غير الأولى تكره إمامته بلا إذن الأَوْلى، فلو أمَّ رجلٌ أناسًا في بيت رجلٍ ولم يستأذن صاحب البيت فهذا مكروهٌ، إلا إذا أذن له صاحب البيت؛ وذلك لأن إمامة غير الأوْلى فيها نوع افتياتٍ على الأَولى، مثلًا: لو كان في الحاضرين رجلٌ حافظٌ للقرآن، وطالب علمٍ، فأتى إنسانٌ حليقٌ، حالقٌ لحيته، ومسبلٌ؛ يكره له أن يؤم هؤلاء، وإنما يقال لهذا الذي هو حافظ القرآن: أنت الذي.. تقدَّم وأُمَّ الناس.

حكم إمامة الفاسق

ولا تصح إمامة الفاسق، إلا في جمعةٍ وعيدٍ تعذرا خلف غيره.

الفقهاء يقسمون الفاسق إلى قسمين: فاسقٌ من جهة الاعتقاد، وفاسقٌ من جهة الأفعال.

أما الفاسق من جهة الاعتقاد: إن كانت بدعته مكفرةً؛ فهذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، وأما إذا كانت بدعته مفسقةً وليست مكفرةً؛ فإن كان يعلن بدعته، ويتكلم بها، ويُناظر عليها؛ لم تصح إمامته إلا في الجمعة والعيدين؛ ولهذا قال الإمام أحمد: لا يصلَّى خلف أحدٍ من أهل الأهواء إذا كان داعيةً إلى هواه، ولأن المُظهِر لبدعته لا عذر للمصلي خلفه؛ لظهور حاله، أما المخفي لها؛ فمن يصلي خلفه معذورٌ، واستثنى الفقهاء من ذلك: الجمعة والعيدين، فتصلَّى خلف كل برٍّ وفاجرٍ، وقد كان الإمام أحمد يشهدها مع المعتزلة، وكذلك العلماء في عصره،

أما إذا كان الفاسق لم يُظهر بدعته، ولم تكن الصلاة صلاة جمعة أو عيدين، وهكذا أيضًا الفاسق من جهة الأفعال الذي يقع في الكبيرة، هل تصح الصلاة خلفه؟ قولان لأهل العلم:

  • القول الأول: أنها لا تصح، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقولٌ عند المالكية.
  • والقول الثاني: أنها تصح مع الكراهة، وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية، وهذا هو القول الراجح، أنها تصح؛ لأن النبي قال في أئمة الجَور الذين يصلون الصلاة لغير وقتها: صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها فصلِّ معهم؛ تكُنْ لك نافلةً [33]، وقال: يُصلون بكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وأن أخطأوا فلكم وعليهم [34]، فهذا الحديث يدل على أنهم لو كانوا يصلون الصلاة في وقتها؛ لكان مأمورًا بأن يصلي معهم، كان الصحابة يصلون خلف من وُصِفوا بالفسق؛ كالحجاج بن يوسف، فإن الحجاج بن يوسف قد ولغ في الدماء، يقول الحافظ الذهبي: الحجاج بن يوسف نبغضه ولا نحبه، ونرى أن بغضه من أوثق عرى الإيمان؛ لأنه قد جاهر بالفسق، وبإراقة الدماء، وقتل الأبرياء، فأفضى إلى ربه، وعليه من الله ما يستحق، لكن كان الصحابة يصلون خلفه، وهو قد ولغ في الدماء، ولما قَتل سعيد بن جبيرٍ؛ لما أراد أن يقتله قال سعيدٌ، هذا العالم العابد التقي: اللهم لا تسلطه على أحدٍ بعدي، فقتله، فبعد ذلك كلما أراد أن ينام؛ رأى سعيد بن جبيرٍ في المنام يأتيه، فيقوم من نومه فزعًا، وبقي على ذلك شهرًا، وقيل: شهرين لم يذق النوم قط إلى أن هلك، وأراح الله المسلمين من شره، كان السلف الصالح يصلون خلفه، وكانوا أيضًا يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر، جاء في “صحيح مسلمٍ” أنه ذات مرةٍ أتى وصلى بالناس وكان فيهم ابن مسعودٍ ، صلى بهم صلاة الفجر ركعتين، ثم الْتفت عليهم وقال: هل أزيدكم؟ فقالوا: ما تزيدنا، لا زادك الله؟ وحصبه الناس، وقال ابن مسعودٍ : أنت منذ وليتنا ونحن في زيادةٍ، فاشتكوه إلى عثمان ، فدعاه عثمان وشهد عليه أحد الشهود، ثم شهد الآخر بأنه رآه يتقيأ، فقال إنه لم يتقيأ إلا لأنه شرب الخمر، فأمر عليًّا أن يجلده، فأمر عليٌّ الحسنَ أن يجلده، فقال الحسن: يا أبت، وَلِّ حارها من تولى قارها [35]، يعني: ولِّ بني أمية الذين أخذوا الأموال والقصور، هم الذين يتولون جلد الوليد، أما نحن فلا نتولى ذلك، فأعرض عنه عليٌّ، وأمر عبدالله بن جعفرٍ بأن يجلده.

الشاهد: أن الصحابة  كانوا يصلون خلفه، كان يشرب الخمر، يعني: من يشرب الخمر فهو فاسقٌ، فكان السلف الصالح يصلون خلف الفساق، وهذا يدل على صحة الصلاة خلف الإمام إذا كان فاسقًا، لكن ينبغي ألا يولى الإمامة، لكن لو قُدِّر أنه أصبح هو إمام المسجد؛ فالصلاة خلفه صحيحةٌ، ما لم يكن مبتدعًا بدعةً مكفرةً، أو داعيةً إلى بدعته.

إمامة المستور الحال الذي لا تُعلم حاله تصح، وقد نُقل إجماع العلماء على ذلك، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “تجوز الصلاة خلف كل مستورٍ باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، ومن قال: لا أصلي جمعةً ولا جماعةً إلا خلف من أعرف عقيدته من الباطن؛ فهذا مبتدعٌ مخالفٌ للصحابة والتابعين وأئمة المسلمين”.

فمستور الحال إذنْ يصلَّى خلفه، ولا يفتش الإنسان ولا يدقق، ولا يقول: لا أصلي حتى أعرف عقيدته من الباطن، وإنما يكفي الظاهر.

إمامة الأعمى والأصم والأقلف

وتصح إمامة الأعمى الأصم، والأقلف، وكثير لحنٍ لم يُحِل المعنى.

سبق القول: بأن الراجح هو صحة إمامة الأعمى من غير كراهةٍ، وأيضًا تصح إمامة الأصم كذلك من غير كراهةٍ، أما الأقلف الذي ترك الختان لغير عذرٍ، فإنه من ترك الختان لغير عذرٍ حتى بلغ لا تصح طهارته؛ لأنه سيبقى في هذه القلفة نجاسةٌ -نجاسة البول- وإذا لم تصح طهارته؛ لم تصح صلاته، فإذا ترك ذلك من غير عذرٍ؛ فلا تصح الصلاة خلفه، أما إذا تركه لعذرٍ من الأعذار؛ فتصح الصلاة خلفه؛ لأنه كصاحب السَّلَس، وصاحب السلس الصحيح أنه تصح إمامته، وتصح الصلاة خلفه من غير كراهةٍ.

إمامة كثير اللحن

وكثير لحنٍ لم يُحل المعنى.

أفاد المؤلف بأن اللحن ينقسم إلى قسمين: لحن يُحيل المعنى، ولحنٌ لا يُحيل المعنى.

اللحن الذي يُحيل المعنى: إن كان في الفاتحة؛ فإن الصلاة لا تصح خلفه؛ مثال ذلك أن يقرأ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يقول: (أَهْدِنَا)، هنا قلب المعنى من الهداية إلى الهدية، أو: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، يقول: (صراط الذين أنعمتُ)، هنا أحال المعنى؛ فلا تصح الصلاة خلف من يلحن في الفاتحة لحنًا يُحيل المعنى.

أما إذا كان اللحن لا يُحيل المعنى: فتُكره الصلاة خلفه، لكنها تصح، مثلًا أن يقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقرأ: (الحمدُ لله ربُّ العالمين)، هذا لحنٌ، لكنه لا يُحيل المعنى؛ فالصلاة خلفه صحيحةٌ مع الكراهة.

تكره إمامة التَّمْتَام

والتَّمتام -الذي يكرر التاء- مع الكراهة.

أي: تكره إمامة التَّمْتَام، تصح إمامته، ولكنها تكره، و”التمتام”: هو الذي يزيد حروفًا، يُتَمْتِم، يزيد حروفًا وقراءةً، فتكره إمامته، لكنه لو أمَّ الناس؛ فإمامته صحيحةٌ.

إمامة العاجز عن شرطٍ أو ركنٍ

قال المصنف رحمه الله:

ولا تصح إمامة العاجز عن شرطٍ أو ركنٍ إلا بمثله، إلا الإمام الراتب بمسجدٍ، المرجو زوال علته، فيصلي جالسًا، ويصلون خلفه، وتصح قيامًا.

لا تصح إمامة العاجز عن شرطٍ أو ركنٍ إلا بمثله؛ وذلك لإخلاله بفرضٍ في الصلاة؛ لأنه يُخل إما بركنٍ أو بشرطٍ، استثنوا من ذلك: الإمام الراتب في مسجده، المرجو زوال علته، فإنه يصلي جالسًا، ويصلون خلفه جلوسًا.

وذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى صحة إمامة من كان عاجزًا عن شيءٍ من أركان الصلاة أو شروطها مطلقًا؛ لعموم الأدلة الواردة في الإمامة، والتي لم تفرق بين العاجز وغيره، ولأن القاعدة: أن من صحت صلاته صحت إمامته، إلا بدليلٍ؛ كإمامة المرأة، المرأة تصح صلاتها، لكن لا تصح إمامتها؛ للدليل الوارد بذلك [36].

والمؤلف أشار إلى أن الإمام إذا كان عاجزًا عن القيام؛ صلى جالسًا، فإن المأمومين يُصلون خلفه جلوسًا، وهذه هي السنة في ذلك، فالنبي لما صلى جالسًا؛ أمَّ الصحابة جالسًا، وصلوا خلفه قيامًا، وأشار إليهم أن اجلسوا، وقال لهم: إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائمًا؛ فصلوا قيامًا، فإذا ركع فاركعوا.. إلى أن قال: فإذا صلى جالسًا؛ فصلوا جلوسًا أجمعون [37].

وذهب بعض العلماء إلى أن الإمام إذا صلى قاعدًا؛ فإنه يجب على من خلفه أن يصلوا قعودًا، المؤلف يقول: يستحب، لكن القول الثاني: أنه يجب على من صلوا خلف الإمام الذي يصلي قاعدًا أن يصلوا قعودًا.

إذنْ القول الثاني: أن من صلى قاعدًا يجب على من خلفه أن يصلوا قعودًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، قالوا: وهذا أمرٌ؛ والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، ويدل لذلك أنه قرنه بالقيام وبالركوع وبالرفع منه، وهي واجبةٌ عند الجميع، ثم إنه علل للحديث بقوله: إنما جُعل الإمام ليؤتم به، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما صلى الصحابة  خلفه قيامًا، وهو قاعدٌ أشار إليهم أن اجلسوا، وهذا هو القول الراجح، أما إذا ابتدأ الإمام الصلاة بهم قائمًا، ثم اعتلَّ، عرض له عارضٌ فجلس، فيصلي خلفه المأمومون قيامًا، كما حصل في قصة أبي بكرٍ ، كان يصلي بالناس في مرض النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إن النبي وجد في نفسه خفةً فخرج، فتأخر أبو بكرٍ، وكان عليه الصلاة والسلام يؤم الناس وأبو بكرٍ يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكرٍ، فابتدأ أبو بكرٍ الصلاة بهم قائمًا، ثم جاء النبي عليه الصلاة والسلام وأتم بهم الصلاة جالسًا، وأتموا الصلاة خلفه قيامًا [38].

إذنْ نقول: إذا كان الإمام يصلي قاعدًا، فإن كان ذلك من أول الصلاة؛ فيجب على المأمومين خلفه أن يصلوا قعودًا، وهذا على سبيل الوجوب على القول الراجح، أما إذا كان الإمام يصلي قائمًا ثم عرض له عارضٌ فصلى جالسًا؛ فمَن خلفه يصلون قيامًا.

على أنه ينبغي للإمام -إذا كان لا يستطيع القيام- ألا يُحرِج نفسه ويحرج الناس خلفه، لا يؤمُّ الناس، يطلب من غيره أن يؤم، بعض الناس يعجز عن الصلاة قائمًا، ومع ذلك تجد أنه يصلي بالناس وهو جالسٌ، ويُحرج من خلفه من الناس؛ لأن من خلفه يقال لهم: صلوا جلوسًا، وكثيرٌ من العامة لا يتقبل هذا؛ أن كل المسجد يصلون كلهم جلوسًا، فيسبب إرباكًا وبلبلةً، فلذلك إذا كان عاجزًا عن القيام وسيصلي جالسًا؛ ينبغي ألا يؤمَّ الناس، الحمد لله هو في سعةٍ، يطلب من غيره أن يؤم، لكن إذا أمَّ الناس؛ فمن خلفه لا بد أن يُصلوا جلوسًا، وليس لهم أن يصلوا قيامًا على القول الراجح، هذا إذا كان عاجزًا عن القيام وصلى جالسًا.

أما العاجز عن الركوع والسجود مع قدرته على القيام، يعني: هذا رجلٌ يصلي قائمًا بالناس ويركع، لكنه يعجز عن السجود، إذا أتى السجود جلس على الكرسي ويومئ بالسجود، فهل تصح الصلاة خلفه؟ المذهب عند الحنابلة أنه لا تصح الصلاة إلا بمثله، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة خلفه صحيحةٌ؛ لأن الأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته، إلا بدليلٍ؛ وعلى هذا: فإذا ركع بالإيماء؛ فالمأموم يركع ركوعًا تامًّا، وإذا سجد بالإيماء؛ فالمأموم يسجد سجودًا تامًّا، وهذا هو القول الراجح؛ أنه لا بأس بالصلاة خلفه؛ لأن إيماء العاجز بالركوع أو بالسجود لا يُغير من هيئة الصلاة إلا بالانحناء فقط، بخلاف القيام مع القعود، ثم إن القيام مع القعود أشار النبي إلى علةٍ أخرى فيه، وهي التشبه بالأعاجم مع ملوكهم، أما مع الركوع والسجود فليس في هذا تشبهٌ، وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره الإمام ابن تيمية، وأيضًا الشيخ ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

فإذنْ إذا كان الإمام قادرًا على القيام، وعلى الركوع والرفع منه، لكنه عاجزٌ عن السجود، إذا أتى السجود جلس على كرسيٍّ وأومأ بالسجود؛ فلا بأس بالصلاة خلفه، ومن خلفه يصلون قيامًا ويأتون بالركوع والسجود على التمام، لا بأس بذلك على القول الراجح، وإنما إذا كان الإمام عاجزًا عن القيام وصلى قاعدًا؛ فمن خلفه يصلون قعودًا.

ففرقٌ بين المسألتين فانتبه، فبعض طلبة العلم ربما تشتبه عليه المسألتان، فرقٌ بين المسألتين؛ مسألة العاجز عن القيام، والعاجز عن السجود أو الركوع؛ فالعاجز عن القيام إذا صلى قاعدًا؛ من خلفه يُصلون قعودًا، وقلنا: على سبيل الوجوب، على القول الراجح.

العاجز عن الركوع والسجود لكنه قادرٌ على القيام؛ هنا لا بأس أن يؤمهم، ويصلون خلفه قيامًا، ويأتون بالركوع تامًّا وبالسجود تامًّا.

فإذنْ النهي إنما ورد فقط في أن يصلي المأمومون قيامًا والإمام قاعدًا؛ ولهذا قال : فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون.

هذه مسألةٌ مضافةٌ على “السلسبيل”: العاجز عن الركوع والسجود، ليست في “السلسبيل”، فبعض المسائل تُضاف، فيُمكن لمن يُتابعنا أن يُضيف هذه المسائل، وهي مسألةٌ يكثر السؤال عنها.

إن ترك الإمام ركنًا أو شرطًا مختلفًا فيه

وإن ترك الإمام ركنًا أو شرطًا مختلفًا فيه مقلِّدًا؛ صحت.

إذا ترك الإمام ركنًا أو شرطًا مختلفًا فيه مقلدًا لعالمٍ من العلماء؛ فإن صلاته تصح؛ كأن يكون مثلًا حنفيًا، وترك الطمأنينة مقلدًا للإمام أبي حنيفة رحمه الله، فتصح صلاته.

ومن صلى خلفه معتقدًا بطلان صلاته؛ أعاد.

إذا صلى خلف هذا الإمام الذي ترك ركنًا أو شرطًا معتقدًا بطلان صلاته؛ فإنه يعيد؛ كأن يكون حنبليًّا مثلًا، أو شافعيًّا، أو مالكيًّا، يرى أن الطمأنينة ركنٌ من أركان الصلاة، والإمام حنفيٌّ ترك الطمأنينة، فصلاته لا تصح؛ لأنه يعتقد بطلان صلاته، فعليه الإعادة، أما لو كان يعتقد صحة صلاته؛ كأن يكون حنفيًّا خلف حنفيٍّ، فصلاته صحيحةٌ.

لا إنكار في مسائل الاجتهاد

ولا إنكار في مسائل الاجتهاد.

هذه قاعدةٌ عند العلماء، لكن هذا إنما هو في المسائل التي هي محل اجتهادٍ؛ كالتي لم يرد فيها نصٌّ، أو النصوص فيها متعارضةٌ، أو نحو ذلك، أما المسائل التي النصوص فيها واضحةٌ، أو فيها إجماعاتٌ، فينكر على المخالف، وهذه المقولة -التي هي كلمة حقٍّ- قد يريد بها بعض الناس باطلًا، فتجد أن بعض الناس يقول: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ويريدون بذلك تمييع كثيرٍ من أمور الدين، فيقول: لا تنكر على من ترك الجماعة لأن فيها خلافًا، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولا تنكر مثلًا على من صلى وهو..، يعني: ارتكب أمرًا مختلَفًا في تحريمه، هذا يقول: حلالٌ، وهذا يقول: حرامٌ؛ لأنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.

فنقول: هذه ليست على إطلاقها، لا إنكار في مسائل الاجتهاد، في المسائل التي هي محل اجتهادٍ؛ بأن تكون الأدلة فيها غير واضحةٍ غير ظاهرةٍ، والعلماء مختلفون اختلافًا شديدًا، وفيها نصوصٌ لكنها متعارضةٌ، ونحو ذلك، أما المسائل التي النصوص فيها واضحةٌ والحكم فيها ظاهرٌ فينكر على المخالف.

ثم أيضًا “لا إنكار في مسائل الاجتهاد”، إنما هو بالنسبة للعلماء القادرين على الاجتهاد، أما بالنسبة للعوام ففرضهم التقليد، فهم ملزمون بتقليد علماء بلدهم، وإذا اختلف علماء البلد فيقدَّم من هو الأوثق في علمه ودينه وأمانته.

حكم إمامة المرأة بالرجال

ولا تصح إمامة المرأة بالرجال.

وقد حُكي إجماع العلماء على ذلك، فالمرأة ليست من أهل الجمعة ولا الجماعة، ولا يصح أن تؤم الرجال، إذا كانت الشريعة الإسلامية أسقطت عنها الجمعة والجماعة، فكيف تؤمُّ الرجال؟

إمامة المميِّز بالبالغ

ولا إمامة المميز بالبالغ في الفرض.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقالوا: لأن صلاة المميز غير البالغ نافلةٌ، وصلاة البالغ فرضٌ، والفرض أعلى من النفل؛ فلا يصح أن يؤم الصبي البالغين في صلاة الفريضة.

وذهب أكثر العلماء إلى صحة إمامة الصبي المميز في الفرض وفي النفل، وهذا هو القول الراجح.

وسبق أن تكلمنا عن هذه المسألة بالتفصيل في درسٍ سابقٍ، وذكرنا أن القول الراجح: صحة إمامة الصبي المميز، وأن عمرو بن سلمة  كان يؤمُّ قومه وعمره سبع سنواتٍ، وأقره النبي على ذلك، فإذا كان الصبي مميزًا وأمَّ بالغين؛ فالقول الراجح: أن إمامته صحيحةٌ.

وتصح إمامته في النفل وفي الفرض بمثله.

يعني: الصبي المميز تصح إمامته في النفل؛ مثل مثلًا صلاة التراويح، لكن عندهم لا تصح في الفريضة، قلنا: الراجح أنها تصح في الفرض وفي النفل، أيضًا عندهم: صبي أمَّ صبيانًا مثله فتصح إمامته في الفرض والنفل، وقلنا: إن القول الراجح: أن إمامة الصبي المميز تصح مطلقًا.

إمامة المُحْدِث والمتنجس

ولا تصح إمامة مُحْدِثٍ ولا نجسٍ يعلم ذلك.

لا تصح إمامة المحدث حدثًا أصغر وأكبر، ولا إمامة من ببدنه أو ثوبه نجاسةٌ وهو يعلم بحدثه أو نجاسته؛ لأنه أخل بشرطٍ من شروط صحة الصلاة، وهو الطهارة.

فإنْ جهل هو والمأموم حتى انقضت؛ صحت صلاة المأموم وحده.

إنْ جهل الإمام والمأموم أن الإمام محدثٌ، أو أن عليه نجاسةً؛ فصلاة المأموم صحيحةٌ، أما صلاة الإمام فغير صحيحةٍ، مثال ذلك: هذا إمامٌ أتى وصلى بالناس وعليه جنابةٌ، ثم بعد الصلاة تذكر أن عليه جنابةً، فصلاة من خلفه صحيحةٌ، وأما صلاته هو فغير صحيحةٍ، فيجب عليه أن يغتسل وأن يعيد تلك الصلاة، لكن لو كَبَّر بالناس ليصلي بهم، ثم في أثناء الصلاة تذكر أن عليه جنابةً، أو تذكر أنه لم يتوضأ، فصلاة الإمام تبطل في هذه الحال، لكن صلاة المأموم هل تبطل؟ هذا محل خلافٍ بين العلماء:

القول الأول: أن صلاة المأموم تبطل كذلك، وهذا هو المذهب عند الحنابلة؛ لأنه تبين لهم أنهم قد اقتدوا بمن لا تصح صلاته.

والقول الثاني: أن صلاتهم لا تبطل، وأن ما مضى من صلاتهم صحيحٌ؛ فيبنون عليه ويكملون صلاتهم، ويستخلف الإمام من يكمل بهم الصلاة، وهذا هو القول الراجح، ولأن المأمومين معذورون في هذه الحال؛ لجهلهم بحدث إمامهم؛ ولأن الصحابة  فعلوا ذلك، لما طُعن عمر بن الخطاب ؛ قدَّم الصحابة  عبدالرحمن بن عوفٍ  فأتم بهم الصلاة، وهكذا أيضًا بالنسبة للنجاسة، إذا لم يعلم الإمام والمأموم بها إلا بعد الصلاة؛ فصلاتهم صحيحةٌ، لكن إذا علم الإمام بها في أثناء الصلاة؛ فإن استطاع أن يزيلها ويكمل صلاته فعل، وإن لم يستطع؛ قَطَع صلاته واستخلف من يصلي بهم.

لكن هنا أُنبه إلى أننا قلنا: إذا كان الإمام عليه حدثٌ أصغر أو أكبر، ولم يعلم بهذا الحدث إلا بعد الفراغ من الصلاة، فصلاة المأمومين صحيحةٌ، وصلاة الإمام لا تصح، بينما لو كان على الإمام نجاسةٌ في ملابسه أو في بدنه ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة؛ فصلاتهم جميعًا صحيحةٌ، الإمام والمأمومون، لماذا فرقنا بين المسألتين؟ نقول: لأن صلاة من صلى وعليه حدثٌ، هنا قد ترك مأمورًا به وهو الطهارة، وترك المأمور به لا يُعذر فيه بالجهل ولا بالنسيان، أما صلاة من صلى وعليه نجاسةٌ قد نسيها أو جهلها؛ فهذا من باب ارتكاب المحظور، وارتكاب المحظور يُعذر فيه بالجهل والنسيان، لو أنك مثلًا صليت صلاة الظهر أو العصر بدون وضوءٍ ناسيًا؛ لا تُعذر، لا بد أن تتوضأ، وأن تُعيد الصلاة، لكن لو صليت صلاة الظهر أو العصر وعلى ملابسك نجاسةٌ، ولم تعلم بها إلا بعد الصلاة؛ فصلاتك صحيحةٌ، ولا يلزمك أن تُعيد الصلاة.

إمامة الأمي

ولا تصح إمامة الأمي -وهو من لا يحسن الفاتحة- إلا بمثله.

قلنا فيما سبق: إن الفقهاء يريدون بالأُمِّي: من لا يحسن الفاتحة، وهنا صرح المصنف بذلك، قال: “لا تصح إمامة الأمي، وهو من لا يحسن الفاتحة إلا بمثله”، إذا كان الإمام لا يحسن الفاتحة فإنه لا يصلي إلا بمن كان مثله لا يحسن الفاتحة كذلك، وهذا هو المذهب عند الحنابلة والحنفية والمالكية والشافعية؛ لأن القراءة شرطٌ مقصودٌ في الصلاة، فلم يصح اقتداءُ القادر على هذا الركن بالعاجز عنه، كما لا تصح الصلاة خلف المُحْدِث، والإمام يتحمل الفاتحة عن المأموم، والأمي ليس من أهل التحمل.

والقول الراجح: أنه تصح إمامة الأُمِّي بمثله وبغيره، وإن كان الأوْلى ألا يؤم غيره؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته، إلا بدليلٍ.

صحة ائتمام المتنفل بالمفترض

ويصح النفل خلف الفرض.

يعني: يصح أن يأتم المتنفل بالمفترض مع اختلاف النية، وقد نُقل الإجماع على ذلك، ويدل لهذا قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعةٍ؛ فصليا معهم؛ تكن لكما نافلةً [39]؛ ولحديث: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟ [40].

حكم ائتمام المفترض بالمتنفل

ولا عكس.

يعني: لا يصح أن يأتم المفترض بالمتنفل، ولا يكون الإمام متنفلًا والمأموم مفترضًا، وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ لقول النبي : إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه [41]؛ ولأن هناك اختلافًا بين الإمام والمأموم، فالإمام متنفلٌ والمأموم مفترضٌ.

والقول الثاني: أنه يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، وهو مذهب الشافعية، وهو القول الراجح؛ لأن معاذًا كان يصلي مع النبي ، ثم يأتي قومه فيصلي بهم، وهي في حقه نافلةٌ وفي حقهم فريضةٌ، وأقره النبي على ذلك، وأما حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه، فالمراد: لا تختلفوا عليه في الأفعال، أما الاختلاف في النية فلا يضر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام فسَّر مراده بالاختلاف، قال: فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، فذكر أفعالًا ولم يذكر غير ذلك.

بناءً على ذلك: من أتى والناس يصلون صلاة التراويح، وهو لم يصلِّ صلاة العشاء، فله أن يدخل معهم ويصلي معهم، وهو بنية الفريضة، فإذا سلم الإمام من ركعتي التراويح، يقوم ويقضي ركعتين، فيكون هذا من باب ائتمام المفترض بالمتنفل، وهو جائزٌ ولا بأس به على القول الراجح.

تصح الصلاة المقضيَّة خلف الصلاة الحاضرة

وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه، حيث تساوتا في الاسم.

أي: تصح الصلاة المقضية خلف الصلاة الحاضرة؛ كإنسانٍ فاتته مثلًا صلاة العصر، ثم أتى اليوم الثاني للناس وهم يصلون صلاة العصر، فصلى معهم صلاة العصر المقضية من اليوم السابق، فتصح، وهكذا أيضًا تصح الحاضرة خلف المقضية، وهنا المؤلف قال: “حيث تساوتا في الاسم”، يعني: صلاة العصر خلف من يصلي صلاة العصر، لكن هل له أن يصليها خلف من يصلي صلاة الظهر؟ المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب المالكية، أنه لا يصح، والقول الثاني: أنه يصح، وهذا هو القول الراجح؛ لأن المنهي عنه إنما هو الاختلاف بين الإمام والمأموم في الأفعال، أما الاختلاف في النية فلا يضر.

حكم من أم قومًا وهم له كارهون

طيب، قبل نهاية هذا الفصل أضيفت مسألةٌ في “السلسبيل”، وهي: حكم من أمَّ قومًا وهم له كارهون، جاء في حديث أبي أمامة  أن النبي قال: ثلاثةٌ لا تُجاوِز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، وإمام قومٍ وهم له كارهون [42]، وجاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: ثلاثةٌ لا تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا، وذكر منهم رجلًا أمَّ قومًا وهم له كارهون [43]، والحديث حديثٌ صحيحٌ.

ما المقصود بكونه يؤم قومًا وهم له كارهون؟ قال الإمام أحمد: “إذا كره واحدٌ أو اثنان أو ثلاثةٌ فلا بأس، حتى يكرهه أكثر القوم، يعني: حتى يكرهه أكثر جماعة المسجد، وإن كانت كراهتهم ذا دينٍ وسُنةٍ؛ لم تكره إمامته”، وعلى هذا: إذا كان ذا دينٍ فكرهه القوم لدينه لم تكره إمامته؛ لأن كراهتهم له بغير حقٍّ، أما إذا كرهوه لخللٍ في دينه؛ فيُكره له أن يؤمهم؛ لأن كراهتهم له بحقٍّ، أي: أنه إذا كان كراهة المأمومون أو أكثرهم لإمامهم بحقٍّ؛ فيُكره له أن يؤمهم.

أما إذا كانت كراهتهم له بغير حقٍّ؛ فلا يُكره له أن يؤمهم، وقال بعض العلماء: إنه إذا كرهه أكثر المأمومين؛ فيُكره أن يؤمهم مطلقًا، حتى وإن كانت كراهتهم له بغير حقٍّ، أو كانت كراهتهم لشحناء أو لأمرٍ دنيويٍّ؛ لأن الغرض من صلاة الجماعة: هو الاجتماع والائتلاف، والتكافل الاجتماعي، وشيوع المحبة والمودة بين المسلمين، وهذا الغرض لا يتحقق إذا كان أكثر المأمومين يكرهون إمامة هذا الشخص؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: لو كان بين الإمام والمأمومين معاداةٌ من جنس معادة أهل الأهواء والمذاهب؛ لم يسغ له أن يؤمهم؛ لأن في ذلك منافاةً لمقصود الصلاة جماعةً.

وعلى هذا نقول لإمام المسجد الذي يكرهه معظم جماعة المسجد: يُكره في حقك أن تستمر في إمامة المسجد، ينبغي لك أن تترك الإمامة، ما دام أن أكثر الجماعة يكرهون إمامتك فلا تأمهم، سواءٌ كانت الكراهة بحقٍّ أو بغير حقٍّ؛ لأن كونك تُصلي بقومٍ يكرهونك أو يكرهك أكثرهم، هذا لا يُحقق مقصود الشارع من صلاة الجماعة؛ لأن مقصود الشارع من صلاة الجماعة هو أن تشيع المحبة والمودة بين المسلمين، وتتحقق معاني التكافل الاجتماعي، فإذا كان بين الإمام والمأمومين شحناءٌ، وجماعة المسجد أو أكثرهم يكرهون إمامته؛ فينبغي له ألا يؤمهم، وأن ينسحب من إمامة المسجد.

وينبغي عند تنصيب الإمام أن يُختار من يرضاه أكثر جماعة المسجد؛ لأن ذلك أدعى للائتلاف والمحبة والمودة، وقلة الخلاف والتنافر بين الإمام والمأمومين، ولأن هذا هو الذي يحقق مقصود الشارع من صلاة الجماعة؛ ولهذا فما تقوم به “وزارة الشؤون الإسلامية” عند تعيين أئمة المساجد من طلب موافقة جماعة المسجد أو أكثرهم، هذا أمرٌ حسنٌ، ويحقق هذا المعنى.

بقي عندنا موقف الإمام والمأموم، وهذا الدرس هو الدرس الأخير في هذا الفصل، فلا بد أن نضبط الموقف، الفصل الأول كم صفحة؟ 433-448.

مداخلة:

الشيخ: والله هذه مسائل مهمةٌ، موقف المأموم والإمام مسائل مهمةٌ، ويكثر السؤال عنها؛ ولذلك لعلنا نرجئها للدرس القادم، نفتتح بها الدرس القادم إن شاء الله تعالى، فنتوقف عند: فصل في موقف الإمام والمأموم.

نتوقف عند هذا القدر، وكما ذكرنا بأن الدرس يتوقف -إن شاء الله- اعتبارًا من الأسبوع القادم إلى بداية الدراسة في الفصل الدراسي الثاني إن شاء الله تعالى، وفي 5 جمادى الآخرة سيستأنف الدرس بإذن الله تعالى.

طيب، الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة.

الأسئلة

السؤال: ما السبيل للمحافظة على الصلوات الخمس؟

الجواب: السبيل هو أن ترفع مستوى الاهتمام بالصلاة، إذا كان عندك اهتمامٌ بالصلاة؛ فإنك ستحافظ عليها، والله تعالى يقول: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، كل من اهتم بشيءٍ سيحافظ عليه، المسألة هي مسألة اهتمامٍ؛ لماذا نرى الطلاب عند الاختبار يأتون في الوقت المحدد لا يتأخرون إلا لعذرٍ، لكن يندر أن نجد طالبًا يتأخر وقت الاختبار من غير عذرٍ، لماذا؟ لأن مستوى الاهتمام كبيرٌ؛ لماذا أيضًا عندما يكون للإنسان موعد رحلةٍ في المطار يأتي في الوقت المحدد، بل يأتي قبل الوقت المحدد، يحتاط ويُبكِّر، لماذا؟ لأن مستوى الاهتمام لديه كبيرٌ، فإنه لو تأخر لأقلعت الرحلة ولَمَا سافر، فالمسألة هي مسألة اهتمامٍ، فإذا كان الإنسان عنده اهتمامٌ كبيرٌ بالصلاة؛ فإنه سيحافظ على الصلاة مع الجماعة في المسجد؛ لهذا نجد بعض الناس ممن وقفهم الله لا تكاد تفوتهم الصلاة مع الجماعة في المسجد، خاصةً صلاة الفجر، صلاة الفجر الناس في بيوتهم ولا عذر لأحدٍ، وبعض أهل الخير والصلاح إذا لم يُصلِّ صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد؛ علم جيرانه بأنه إما مسافرٌ أو مريضٌ، لا تكاد تفوته صلاة الفجر أبدًا، فهذا من الخير والتوفيق الذي يوفق الله له بعض الناس، أما اعتذار بعض الناس بأن نومه ثقيلٌ أو نحو ذلك؛ فهذا اعتذارٌ غير مقبولٍ؛ بدليل أنه في الأمور المهمة لا يعتذر بهذه الأعذار، فالمسألة هي مسألة اهتمامٍ، إذا أردت المحافظة على الصلاة؛ فارفع مستوى الاهتمام بها، فتجد أنك ستحافظ عليها.

السؤال: هل تجوز صلاة الجماعة على الراحلة في السفر، فيكون الإمام في مقدمة السيارة والمأمومون خلفه؟

الجواب: نعم، لا بأس بذلك، لكن قائد السيارة الذي يقود السيارة هذا لا يُصلي معهم؛ لأنه مطلوبٌ منه التفرغ لقيادة السيارة والتركيز، وكونه يصلي هذا قد يسبب ضعفًا في التركيز، وقد يؤدي إلى وقوع الحوادث، أما الراكبون معه فلا بأس أن يصلوا في السيارة صلاة نافلةٍ، سواءٌ صلوها جماعةً أو فرادى، ولو إلى غير القبلة، يعني: لا يلزم استقبال القبلة في هذه الحال، ويُومِئون بالركوع والسجود، وهذه من المسائل التي يغفل عنها كثيرٌ من الناس، تجد أنهم يسافرون الساعات الطويلة، ويصيبهم الملل والسآمة في السفر، لو أنهم اغتنموا هذا الوقت وأمضوه في الصلاة؛ يُصَلُّون مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، ما عدا أوقات النهي؛ لكان في هذا حسن اغتنامٍ للوقت؛ لأن الصلاة هي أحب العمل إلى الله، وأحب عبادةٍ إلى الله : الصلاة، فإذا كنت في السيارة مسافرًا، ولم تكن أنت القائد للسيارة؛ فينبغي أن تغتنم هذا الوقت للصلاة، أو تغتنم جزءًا من الوقت للصلاة، تصلي مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، ولا يلزم استقبال القبلة، وتومئ بالركوع والسجود، وتجعل السجود أكثر خفضًا من الركوع.

السؤال: من كان يعتقد بطلان وضوء من أكل لحم الإبل، فهل يجوز له أن يصلي خلف من أكل لحم الإبل ولم يتوضأ؟

الجواب: ليس له ذلك، إذا كنت تعتقد بطلان وضوء من أكل لحم الإبل؛ فليس لك أن تصلي خلف من أكل لحم الإبل؛ لأنه حينئذٍ في نظرك طهارته غير صحيحةٍ، وصلاته غير صحيحةٍ، فكيف تأتم به؟

والقول الصحيح الذي دلت له السنة: أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وقد ورد فيه حديثان صحيحان عن النبي ، سئل عليه الصلاة والسلام: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم [44]، وهذا الحديث رواه مسلمٌ، وهو حديثٌ صحيحٌ صريحٌ يدل على أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.

السؤال: سها المأموم وركع قبل الإمام، ولم يرجع قبل ركوع الإمام، بقي راكعًا، ورفع مع الإمام، فما حكم هذه الركعة؟

الجواب: إذا كان ذلك سهوًا، ولم يفته شيءٌ من أركان الصلاة؛ فصلاته صحيحةٌ، فغاية ما فعل هذا المأموم أنه سبق الإمام إلى الركوع بطريق السهو، فلا شيء عليه، نقول: صلاته صحيحةٌ.

السؤال: في صلاة الوتر هل يجب تعيين النية لعددٍ معينٍ من الركعات؟

الجواب: لا يجب ذلك، الأمر في هذا واسعٌ.

السؤال: كثرة الطلاق في الوقت الحاضر، هل من توجيهٍ؟

الجواب: الطلاق فيه حلٌّ لعَقْد النكاح الذي سماه الله ميثاقًا غليظًا؛ فلا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى، وعند استنفاد جميع الحلول، والله ذكر حال النشوز، وذكر علاجه، وقال: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، ثم ذكر أيضًا مرحلةً رابعةً من مراحل العلاج: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]، يعني: التدخل الخارجي.

كل هذه تستنفد قبل اللجوء للطلاق، فالطلاق يُجعل آخر الحلول، إذا كان استمرار العلاقة الزوجية عنتًا ومشقةً، ولا يُحقق المقصود من النكاح، واستنفذت جميع الحلول وجميع طرق المعالجة لهذه المشاكل؛ ولهذا الخلاف، فالله ​​​​​​​ يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، ولكن هذا بعد استنفاد جميع الحلول وعند الضرورة القصوى.

وإذا أراد الرجل أن يطلق في هذه الحال؛ فإنه يُطلق المرأة طلقةً واحدةً في طهرٍ لم يجامعها فيه، ويكون له الخيار في مراجعتها طيلة العدة، طيلة عدة هذه المرأة، وهي ثلاث حيضاتٍ، وإن كانت ممن لا تحيض؛ فعدتها ثلاثة أشهرٍ، فطيلة هذه المدة له أن يراجعها؛ ولذلك لن يبقى هذه الثلاثة الأشهر ولم يراجع هذه المرأة إلا ونفسه قد طابت منها، وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، إذا وصلا إلى هذه المرحلة، واستُنفذت جميع الحلول، ووجدا أن الطلاق هو الخيار الأنسب، فيطلقها، وربما أن الله يرزقه زوجةً تناسبه، ويرزق هذه المرأة زوجًا يناسبها، وهذا معنى قوله جل وعلا: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130].

السؤال: إذا كان الأب مريضًا ويصلي في البيت، ما الأفضل لأبنائه يصلون معه جماعةً في البيت، أو يصلون في المسجد وهو يصلي منفردًا؟

الجواب: يصلون في المسجد، وأما الأب فيصلي منفردًا، ويُكتب له الأجر كاملًا، ما دام أن عادته أنه يصلي مع الجماعة في حال صحته؛ لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [45]، فنقول لهذا الأب المريض الذي يصلي في البيت منفردًا: أجرك تامٌّ، ويُكتب لك أجر الجماعة، وأما أبناؤه فيصلون مع الجماعة في المسجد.

السؤال: إذا تبيَّن أن الإمام نقص ركعةً من الصلاة، وقام مِن مكانه، ثم تذكر فرجع وأكمل الصلاة، فهل يلزم أن يرجع لنفس مصلاه، أو يُكمل في أي مكانٍ؟

الجواب: المهم أنه يكمل ما تبقى من هذه الصلاة، ترك ركعةً، ثم تذكر أو ذُكِّر، فيرجع ويأتي بهذه الركعة ويسجد للسهو، إذا كان الفاصل ليس طويلًا عرفًا، يعني: رجلٌ صلى مثلًا صلاة الظهر أو العصر ثلاث ركعاتٍ، ثم بعد دقيقتين أو ثلاثٍ تنبه أو نُبِّه، فيرجع ويكمل ركعةً، ويسجد للسهو، أما لو كان الفاصل طويلًا، مثلًا خمس ساعاتٍ، ست ساعاتٍ؛ فهنا يعيد الصلاة.

السؤال: كيف يُتم الصلاة من دخل مع الإمام في الركعة الثانية، وفاتته الركعة الأولى في الصلاة الرباعية؟

الجواب: يفعل كما يفعل الإمام، ثم إذا سلَّم الإمام؛ يقوم ويأتي بركعةٍ.

السؤال: هل تستحب المداومة على صلاة الضحى، أم تترك أحيانًا؟

الجواب: هذا محل خلافٍ بين العلماء، والقول الراجح: أنه تستحب المداومة عليها؛ لقول النبي : يصبح على كل سُلَامَى من أحدكم صدقةٌ، يصبح على كل سلامى يعني: كل مَفصِلٍ من مفاصله، ومفاصل الإنسان ثلاثمئةٍ وستون مَفصِلًا، فمطلوبٌ منه كل يومٍ أن يتصدق بثلاثمئةٍ وستين صدقةً من باب شكر نعمة الله تعالى على سلامة مفاصله.

ثم ذكر النبي أنواعًا من الصدقات: فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، قال: ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى [46] رواه مسلمٌ، يعني: يُجزئ عن ثلاثمئةٍ وستين صدقةً: ركعتا الضحى؛ وهذا يدل على فضل صلاة الضحى، ويدل كذلك على أنه تستحب المداومة عليها؛ لقوله : يصبح على كل سلامى، فهذا يدل على أنه مطلوبٌ من المسلم أن يصلي صلاة الضحى كل يومٍ، هذا هو القول الراجح، أن صلاة الضحى تستحب المداومة عليها.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 702، ومسلم: 466، بنحوه.
^2 رواه مسلم: 467.
^3 رواه مسلم: 469.
^4 رواه البخاري: 708، ومسلم: 470.
^5 رواه البخاري: 707، ومسلم: 470.
^6 رواه البخاري: 154، ومسلم: 455.
^7 رواه البخاري: 702، ومسلم: 466.
^8 رواه البخاري: 705، ومسلم: 465.
^9 رواه النسائي: 826، وأحمد: 4796.
^10 رواه مسلم: 869، والمئنة بفتح الميم، وكسر الهمزة، وتشديد النون: العَلَامة، ينظر شرح النووي على صحيح مسلم: 6/ 158.
^11 رواه أبو داود: 802، وأحمد: 19146.
^12 رواه أبو داود: 800.
^13, ^14 رواه البخاري: 900، ومسلم: 442.
^15 الدَّغَل: الخِداع، وسبب الفساد. ينظر مشارق الأنوار للقاضي عياض: (د غ ل).
^16 رواه مسلم: 442.
^17 رواه أبو داود: 567، وأحمد: 5468.
^18 سبق تخريجه.
^19, ^24, ^28 رواه مسلم: 673.
^20 رواه مسلم: 672.
^21 رواه الترمذي: 3790، والنسائي في السنن الكبرى: 8185، وابن ماجه: 154، وأحمد: 12904.
^22 رواه البخاري: 4382.
^23 رواه البخاري: 628، ومسلم: 674.
^25 رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1490.
^26 رواه النسائي في السنن الكبرى: 5909، وأحمد: 12307.
^27 رواه البخاري: 2593، ومسلم: 2445.
^29 رواه أبو داود: 582.
^30 رواه أبو داود: 596، والترمذي: 356، وأحمد: 20532، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^31 رواه مسلم: 817.
^32 سبقة تخريجه.
^33 رواه مسلم: 648.
^34 رواه البخاري: 694.
^35 رواه مسلم: 1707، بنحوه.
^36 وهو عموم قول النبي : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري: 4425.
^37 رواه البخاري: 689.
^38 رواه البخاري: 687، ومسلم: 418.
^39 رواه الترمذي: 219، والنسائي: 858، وأحمد: 17474، وقال الترمذي: حسن صحيح.
^40 رواه أحمد: 11408، والطبراني في المعجم الأوسط: 2174، والبيهقي في السنن الكبرى: 5012.
^41 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^42 رواه الترمذي: 360، وقال: حسن.
^43 رواه ابن ماجه: 971.
^44 رواه مسلم: 360.
^45 رواه البخاري: 2996.
^46 رواه مسلم: 720.
zh