logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(23) فصل في موقف الإمام والمأموم- من قوله: “يصح وقوف الإمام وسط..”

(23) فصل في موقف الإمام والمأموم- من قوله: “يصح وقوف الإمام وسط..”

مشاهدة من الموقع

 كنا قد وصلنا في “السلسبيل شرح الدليل” إلى آخر المجلد الثاني: “فصلٌ في موقف الإمام والمأموم”.

قال المؤلف رحمه الله:

مداخلة:

الشيخ: كم الصفحة؟ صفحة: 432، عندكم نفس الصفحة؟

مداخلة:

الشيخ: الطبعة القديمة: 466، الطبعة الأخيرة: 432.

موقف الإمام والمأموم

قوله:

يصح وقوف الإمام وسط المأمومين، والسنة وقوفه متقدمًا عليهم.

حكم صلاة المأموم إذا وقف قدام الإمام

دلت السنة على أن الإمام يكون أمام المصلين، وأن المأمومين يقفون خلفه، هذا هو هدي النبي ؛ ولذلك لما وقف جابرٌ وجبارٌ رضي الله عنهما عن يمين النبي وشماله ردهما خلفه [1]، كما جاء ذلك في “مسلمٍ”.

لكن لو وقف الإمام وسط المأمومين؛ فالصلاة صحيحةٌ لفعل ابن مسعودٍ ؛ حيث صلى إمامًا وعن يمينه علقمة، وعن يساره الأسود، ولكن ينبغي ألا يكون هذا هو الغالب، وألا يفعل إلا عند الحاجة، يعني كون الإمام يكون وسط المأمومين.

والسنة أن يكون الإمام متقدمًا على المأمومين، لكن إذا وقف بعض المأمومين قُدَّام الإمام -كلمة قدام فصيحةٌ، قدام يعني: أمام- إذا وقف بعض المأمومين قدام الإمام فهل تصح صلاتهم؟

الجمهور يرون أنها لا تصح، هذا قول الجماهير من الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا لذلك بحديث: إنما جُعل الإمام ليؤتم به.. [2]، وصلوا كما رأيتموني أصلي [3]، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقف والناس خلفه.

وذهب المالكية إلى صحة صلاته مع الكراهة إذا كان ذلك لغير عذرٍ، وقالوا: إن صلاة المأموم قدام الإمام لا تمنع من الاقتداء به، فأشبه صلاة من خلفه.

هناك قولٌ ثالثٌ، وسَطٌ بين القولين: وهو أنه تصح صلاة المأموم قدام الإمام مع العذر، ولا تصح بدون عذرٍ، وهذا القول في مذهب أحمد، وهو القول الراجح، وقد اختاره ابن تيمية وجمعٌ المحققين من أهل العلم؛ لأن صلاة المأموم خلف الإمام غاية ما يقال عنها: إنها واجبةٌ، وإذا كانت الشروط والأركان والواجبات تسقط بالعجز عنها؛ فهذا الواجب من باب أولى يسقط بالعجز عنه، هذا الواجب يسقط بالعجز عنه.

وهذه المسألة يُحتاج إليها في مواطن الزحام؛ كما لو امتلأ المسجد الجامع يوم الجمعة، وصلى بعض الناس قدام الإمام، فعلى القول الراجح تصح صلاتهم؛ لأنهم معذورون في ذلك، وكما يحصل أيضًا في الحرمين في مكة والمدينة -المسجد الحرام والمسجد النبوي- أحيانًا، عندما يزدحم المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ يصلي بعض الناس قدام الإمام، كذلك أيضًا في الحج في عرفة، مزدلفة، في المشاعر عمومًا، قد يصلي بعض الناس قدام الإمام، فمع العذر صلاتهم صحيحةٌ، أما بدون عذرٍ؛ فصلاتهم لا تصح، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.

قوله:

ويقف الرجل الواحد عن يمينه محاذيًا له.

يعني: إذا كان المأموم واحدًا؛ فإنه يقف عن يمين الإمام، وهذا باتفاق العلماء، وابن عباسٍ رضي الله عنهما لما صلى مع النبي ؛ قام عن يساره، فأخذ النبي برأسه من ورائه وجعله عن يمينه [4].

وقول المؤلف: “محاذيًا له”، فيه ردٌّ على من قال: إنه يتأخر عنه قليلًا وهذا ليس عليه دليلٌ، يعني: بعض الفقهاء يقول: إذا صلى اثنان؛ فالمأموم ينبغي أن يتأخر قليلًا عن الإمام، هذا لا أصل له، بل يكون محاذيًا له، هذا هو الصواب في المسألة.

قال:

ولا تصح خلفه، ولا عن يساره مع خلو يمينه.

يعني: إذا كان المأموم رجلًا؛ فلا يصح أن يقف خلف الإمام، وإنما يقف عن يمينه؛ لأنه لو وقف خلف الإمام أصبح منفردًا، وصلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، أيضًا لا يصح أن يقف عن يساره، مع خلو يمينه على المذهب، فلو وقف عن يساره مع خلو يمينه؛ لم تصح.

والقول الثاني في المسألة: أنها تصح، وهو قول الجمهور، القول الأول من المفردات، والقول الثاني: أنها تصح، وهو الراجح، وهو قول الجمهور؛ لأنه لا دليل يدل على عدم صحة صلاته إذا وقف عن يساره، والحنابلة والجمهور استدلوا جميعًا بحديث ابن عباسٍ لمَّا صلى مع النبي صلاة الليل ووقف عن يساره، فأخذه النبي ، أخذ برأسه من ورائه وجعله عن يمينه [5].

لكن وجه الدلالة للحنابلة يختلف عن الجمهور؛ الحنابلة يقولون: لو كانت الصلاة عن يسار الإمام صحيحةً؛ لأقر النبي ابن عباسٍ، والجمهور يقولون: لو كانت الصلاة عن يسار الإمام لا تصح؛ لأمر النبي ابن عباسٍ بأن يستأنفها من جديدٍ، والواقع أنه لم يأمره أن يستأنفها من جديدٍ، بل أخذ برأسه وجعله عن يمينه.

ودلالة الحديث لقول الجمهور أقرب، هذا هو القول الراجح؛ لأنه لو كانت الصلاة لا تصح؛ لأمر النبي ابن عباسٍ باستئنافها من جديدٍ، ولَمَا اكتفى بمجرد إدارته؛ فدل ذلك على أن الصلاة عن يمين الإمام إنما كانت على سبيل الأفضلية.

فهذا من أسباب اختلاف الفقهاء، لاحِظوا، حديثٌ واحدٌ اختلف الفقهاء في فهمه، فالجمهور يرون أنه يدل على صحة صلاة من يصلي عن يسار الإمام، والحنابلة يقولون: لا، هو يدل على عدم صحة صلاة من يصلي عن يسار الإمام، الخلاف إذنْ هو خلافٌ في الفهم، الحديث في “الصحيحين”، حديثٌ صحيحٌ، وقصةٌ صحيحةٌ، قصة ابن عباسٍ، لكن الخلاف إنما هو خلافٌ في الفهم، وهذا من أسباب اختلاف الفقهاء، اختلاف في فهم الحديث.

قال:

وتقف المرأة خلفه.

حكم صلاة المرأة إذا وقفت في صف الرجال

يعني: إذا صلت المرأة مع الرجال؛ فإنها تقف خلفهم، حتى لو صلت مع زوجها تقف خلفه، ويدل لذلك حديث أنسٍ ، قال: “صليت أنا ويتيمٌ في بيتنا خلف النبي ، وأمي أم سُليمٍ خلفنا [6]، فالمرأة إذنْ تقف خلف الرجال، لكن أحيانًا -خاصةً في مواطن الزحام- قد تقف المرأة في صف الرجال، كما يحصل أحيانًا في المسجد الحرام، يزدحم الناس، فيكون هناك امرأةٌ أو أكثر من امرأةٍ، وقفن في صف الرجال، هل صلاة هذه المرأة وهؤلاء النسوة صحيحةٌ أو غير صحيحةٍ؟

من أهل العلم من قال: إنها لا تصح، ولكن أكثر العلماء قالوا: إنها تصح مع الكراهة، والموفق ابن قدامة أشار لهذا، وقال: إنه يكره لها ذلك، ولم تبطل صلاتها، وابن حجرٍ في “الفتح” عزا هذا القول -يعني القول بالصحة مع الكراهة- للجمهور، ولكن عند شدة الزحام تزول الكراهة؛ ولذلك ينبغي عدم التشديد في هذه المسألة؛ لأني رأيت بعض الإخوة في الحرم يشددون في مثل هذه المسائل، أحيانًا المرأة تكون مع زوجها، أو مع ولي أمرها، فيزدحم الناس، وتقام الصلاة، فهذه المرأة الآن تريد أن تصلي هي من ورائها رجالٌ ومن أمامها رجالٌ ولا تستطيع أن تذهب لمكان النساء، المكان مزدحمٌ؟ هنا نقول: تصلي، وصلاتها صحيحةٌ في هذه الحال على القول الراجح، لكن إذا كان هذا مع العذر، ومع الحاجة، أما مع عدم العذر والحاجة فلا تصح، لا بد أن تكون خلف الرجال.

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

قال:

وإن صلى الرجل ركعةً خلف الصف منفردًا؛ فصلاته باطلةٌ.

هذه المسألة مسألةٌ معروفةٌ ومشهورةٌ عند الفقهاء، وهي مسألة صلاة المنفرد خلف الصف، وقد ورد فيها حديثان صحيحان:

  • الحديث الأول: حديث وابصة بن مَعبَدٍ  أن رسول الله رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة [7]، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو حديثٌ حسنٌ بمجموع طرقه.
  • والحديث الثاني حديث علي بن شيبان أن النبي قال: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف [8]، وهو أيضًا حديثٌ سنده صحيحٌ، أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الإمام أحمد.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:

  • القول الأول: أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو من المفردات.
  • القول الثاني: قول الجماهير أنها تصح، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة.

الجمهور استدلوا بحديث أبي بكرة  لمَّا أدرك النبي وهو راكعٌ، ومشى في الصف وهو راكعٌ، فقال له النبي : زادك الله حرصًا! ولا تَعُد [9]، فقالوا: إن أبا بكرة ركع خلف الصف منفردًا، ولم يأمره النبي بإعادة الصلاة، فلو كانت صلاة المنفرد لا تصح خلف الصف؛ لأمر النبي أبا بكرة بإعادة الصلاة، وقالوا: إن هذه الصلاة صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات؛ فهي صحيحةٌ.

أما الحنابلة: فاستدلوا لبطلان صلاة المنفرد خلف الصف بالحديثين السابقين: حديث وابصة بن مَعبدٍ، وحديث علي بن شيبان، وقلنا: إنهما حديثان ثابتان.

والقول الراجح: هو قول الحنابلة، وهو أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف؛ وذلك لدلالة السنة عليه، فإن هذين الحديثين حديثان صحيحان: حديث وابصة بن مَعبدٍ ، وحديث علي بن شيبان : لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف، فـ(لا) نافيةٌ، والأصل في النفي أنه ينصرف للوجود، فإن لم يمكن فللصحة، فإن لم يمكن فللكمال، فانصرافه للوجود هذا غير واردٍ؛ لأن الصلاة موجودةٌ، فينصرف إذنْ النفي في هذا الحديث إلى الصحة، فمعنى لا صلاة لمنفردٍ، يعني: لا صلاة صحيحةٌ لمنفردٍ خلف الصف، ويؤكد هذا المعنى: حديث وابصة بن مَعبدٍ  أن النبي أمر الرجل الذي صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة.

فالقول الراجح إذنْ: أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف.

أما ما استدل به الجمهور من حديث أبي بكرة؛ فإن أبا بكرة قد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون مدركًا للركعة، فهو بمنزلة من يصلي خلف الصف وحده، ثم يجيء معه آخر فيصف معه قبل أن يرفع الإمام من الركوع، فلا يعد منفردًا، لا يعد منفردًا خلف الصف.

وأما قوله: إنها صلاةٌ مكتملة الأركان والشروط والواجبات، فغير مُسلَّمٍ، بل قد اختل واجبٌ من الواجبات، وهو المُصافَّة، والسنة قد دلت على بطلان صلاة من صلى منفردًا، ولم يحقق هذا الواجب، وهو واجب المصافَّة.

فالقول الراجح إذنْ: أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم، ومن المشايخ: ابن بازٍ وابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع، لكن إذا لم يجد هذا المسبوق فرجةً في الصف؛ فهل له أن يصلي خلف الصف وحده؟

أما الجمهور فيجيزون ذلك؛ لأن الجمهور أصلًا يرون صحة صلاة المنفرد خلف الصف.

وأما الحنابلة فيقولون: إن تيسر أن يقف عن يمين الإمام فعل، وإن لم يتيسر؛ فبعض الفقهاء يقولون: يجذب أحد المصلين؛ ليصلي معه، فإن لم يمكن؛ فإنه ينتظر، فإن أتى أحدٌ؛ صلى معه، وإلا صلى منفردًا.

وقال بعض أهل العلم: إنه في هذه الحال يصلي منفردًا، وصلاته صحيحةٌ، وهو قولٌ عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية رحمه الله، وابن عثيمين أيضًا من المعاصرين، رحمة الله تعالى على الجميع، وهذا هو القول الراجح؛ لأن المصافَّة غاية ما يقال فيها: إنها واجبةٌ، وإذا كانت الأركان والشروط والواجبات تَسقط بالعجز عنها؛ فيسقط هذا الواجب من باب أولى، ولا واجب مع العجز: ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

أما القول: بأنه يصف عن يمين الإمام، فهذا قد لا يتأتى ولا يتيسر في كثيرٍ من الأحيان، ثم أيضًا إذا صف عن يمين الإمام؛ فربما أتى الثاني وصف عن يمينه، والثالث، والرابع، حتى يكون الإمام في طرف الصف والمأمومون عن يمينه، وهذا خلاف السنة.

وأما القول: بأنه يجذب أحد المصلين، فهذا قولٌ ضعيفٌ؛ ولهذا استقبحه الإمام أحمد والإمام إسحاق بن رهويه؛ لأنه يترتب عليه مفاسد؛ منها: نقل هذا المجذوب من المكان الفاضل إلى المكان المفضول، وأيضًا إحداث خلخلةٍ وحركةٍ في الصف، وأيضًا فيه نوعٌ من التعدي، فهذا إنسانٌ أتى للمسجد مبكرًا، وأتى للصف الأول، فأنت تجذبه وتنقله من الصف الأول للصف الثاني، هذا نوعٌ من التعدي على هذا الإنسان، حتى لو لم يكن في الصف الأول تنقله من الصف الفاضل إلى الصف المفضول؛ بسبب تأخرك أنت، أنت الذي تتحمل مسؤوليتك، عندما تتأخر تتحمل المسؤولية أنت، فلماذا تُحمِّل هذا الذي أتى للمسجد مبكرًا المسؤولية، وتنقله من الصف الفاضل إلى الصف المفضول؟ خاصةً أن هذا القول لا دليل عليه ولا أثر، وأيضًا لا يوجد ما يدل على ذلك من فعل الصحابة والتابعين؛ وإنما قاله بعض الفقهاء تفقُّهًا من عنده، لكن هذا القول ضعيفٌ -جَذْب أحد المأمومين ليصلي معه- هذا قولٌ ضعيفٌ، ولهذا استقبحه الإمام أحمد.

وأما قولهم: إنه يبقى ينتظر؛ إن جاء أحدٌ؛ صلى معه وصفَّ معه، وإلا صلى وحده، فهذا أيضًا هذا قولٌ مرجوحٌ؛ لأن هذا ليس حلًّا للمشكلة، نحن الآن أمام مشكلةٍ، كيف نقول له: صل منفردًا وجماعةٌ قائمةٌ؟! مثل هذا لا تأتي به الشريعة، طيب ينتظر؟ قد لا يأتي أحدٌ، ربما أتى بعد تكبيرة الإحرام، يقولون له: انتظِر، طيب انتظَر، انتظَر، فصلى الإمام الركعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ما أتى أحدٌ، ثم يُصلي وحده فتفوته الجماعة؟! هذا ليس حلًّا لهذه الإشكالية، والشريعة لا ترد بمثل هذا؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- هو رأي ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة، وهو أن نقول: إن هذا الواجب -واجب المصافة- يسقط عنه، فله في هذه الحال أن يصلي خلف الصف وحده.

مداخلة:… قول ابن تيمية يَنتظر، فإن أتى أحدٌ صلى معه، وإلا صلى منفردًا..؟

الشيخ: نعم، هذا ليس قول ابن تيمية، هذا قول الحنابلة.

مداخلة:

الشيخ: لا، “الفتاوى الكبرى” ذهب بعض العلماء إلى أنه يصلي منفردًا، فصلاته صحيحةٌ.

طيب، لكن هنا ننبه إلى أنه في كثيرٍ من الأحيان، المسبوق يجد فرجةً، بعض الناس يتساهل في سد الفُرَج، فيجد فرجةً، وقد يكون في هذه الظروف -الآن مع جائحة كورونا- تباعدٌ كثيرٌ، لكن نحن نتكلم عن الأحوال المعتادة، فإذا وجد الإنسان فرجةً؛ ليس له أن يصلي خلف الصف وحده، الكلام عن إنسانٍ لم يجد فرجةً فيسقط عنه هذا الواجب، ويصلي خلف الصف وحده.

مسألة اقتداء المأموم بالإمام

قال:

وإن أمكن المأمومَ الاقتداءُ بإمامه، ولو كان بينهما فوق ثلاثمئة ذراعٍ؛ صح إن رأى الإمام، أو رأى من ورآه، وإن كان الإمام والمأموم في المسجد؛ لم تشترط الرؤية، وكفى سماع التكبير.

هنا انتقل المؤلف للكلام عن مسألة اقتداء المأموم بالإمام، وهي مسألةٌ مهمةٌ، ويكثر السؤال عنها، ولها حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون الإمام والمأموم في المسجد، فلا يعتبر اتصال الصفوف بإجماع العلماء، حَكى الإجماع على ذلك النووي وغيره؛ وذلك لأن المسجد إنما بني للجماعة، فكل من صلى فيه؛ فقد صلى في محل الجماعة، بشرط ألا يصلي منفردًا خلف الصف، وهذه المسألة أكثر ما ترد في الحرمين، فتجد أحيانًا صفوفًا غير متصلةٍ، وبينها فُرَجٌ كبيرةٌ، هنا صلاتهم صحيحةٌ، أحيانًا تجد مثلًا أول ما تدخل الحرم -المسجد الحرام أو المسجد النبوي- تجد صفوفًا، وتجد فُرَجًا ثم صفوفًا، الصلاة صحيحةٌ بالإجماع، لكن السنة إكمال الصف الأول فالأول، لكن من حيث حكم صلاتهم، صلاتهم صحيحةٌ، ما داموا داخل المسجد؛ فالصلاة صحيحة بالإجماع.

الحالة الثانية: أن يكون المأموم خارج المسجد، ويقتدي بمن في المسجد، فإذا كانت الصفوف متصلةً خارج المسجد؛ فتصح الصلاة بالإجماع؛ مثلًا: امتلأ المسجد الجامع، وصلى الناس خارج المسجد بصفوفٍ متصلةٍ، هنا الصلاة صحيحةٌ بالإجماع، وأما إذا كانت الصفوف غير متصلةٍ، هل تصح الصلاة أم لا؟

المؤلف يقول: “إن أمكن المأمومَ الاقتداءُ بإمامه؛ صح، حتى لو كان بينهما فوق ثلاثمئة ذراعٍ”، لماذا قال المؤلف: “حتى لو كان بينهما فوق ثلاثمئة ذراعٍ”؟ إشارةً للخلاف؛ لأن هناك من الفقهاء من قال: إذا كان بينهما أكثر من ثلاثمئة ذراعٍ؛ لم يصح الاقتداء، فالمؤلف أراد أن يرد على من قال ذلك.

فالضابط على رأي المؤلف: أن المأموم يرى الإمام، أو يرى بعض المأمومين، فإذا رأى الإمامَ أو رأى بعض المأمومين؛ فيصح الاقتداء.

وهناك بعض العلماء الذين قالوا: إن المأموم إذا كان خارج المسجد، ولا تكون الصفوف متصلةً؛ فإن الصلاة لا تصح، قالوا: لأن الواجب في الجماعة أن تكون مجتمعةً في الأفعال، وهي متابَعة المأموم للإمام، وأيضًا في المكان.

والقول الرابع: هو القول الذي قرره المؤلف: أنه إذا أمكن المأمومَ الاقتداءُ بالإمام برؤيةٍ؛ فصلاته صحيحةٌ، لكن المؤلف لم يتعرض لمسألةٍ وهي ما إذا أمكن المأمومَ الاقتداء بالإمام، ليس برؤيةٍ، وإنما بسماع التكبير، بسماع صوته، فلم يتعرض المؤلف لهذه المسألة، أي: إذا كان لم ير الإمام، ولا بعض المأمومين، لكنه يسمع التكبير؛ فظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح الاقتداء، وهو قول كثيرٍ من الحنابلة.

والقول الثاني: أنه يصح الاقتداء بالإمام ما دام يسمع التكبير، وهذا القول روايةٌ عند الحنابلة، قال عنها المَرْداوي في “الإنصاف”: إنها هي المذهب، وصحح هذه الرواية الموفق في “الكافي”، وقدمه في “الفروع” و”المحرر”، وهو القول الراجح، أنه لا فرق بين الرؤية والسماع؛ لأن المقصود التحقق من متابعة الإمام، وهذا يتأتى برؤية الإمام وبعض المأمومين، ويتأتى أيضًا بسماع التكبير، لكن سماع التكبير؛ إما سماع الإمام، أو سماع المبلغ عن الإمام مباشرةً، أو عبر مكبراتٍ من نفس المسجد، فيصح الاقتداء في هذه الحال؛ وعلى ذلك: فمصليات الفنادق المطلة على الحرمين، ما دام أن من يصلون في هذه المصليات يرون بعض المأمومين؛ فصلاتهم صحيحةٌ، بل حتى لو كانوا يسمعون صوت الإمام أو المبلغ عنه، عبر منائر الحرم وليس عبر النقل اللاسلكي؛ فصلاتهم أيضًا صحيحةٌ، ومما يدل لصحة الصلاة:

أولًا: ليس هناك دليلٌ على المنع، يعني: من منع مطالَبٌ بالدليل، ما من دليلٍ واضحٍ يدل على المنع، ما دام أنه يمكن الاقتداء برؤيةٍ أو بسماعٍ.

ثانيًا: ورد في السنة ما يدل على صحة ذلك، وهذا لم يذكر في “السلسبيل”، يعني أضيفه، فقد جاء في “صحيح البخاري” عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصيرٌ، فرأى الناس شخص النبي ، فقام أناسٌ فصلوا بصلاته، ثم اجتمعوا أكثر في الليلة الثانية، ثم اجتمعوا أكثر في الليلة الثالثة، ثم لم يخرج عليهم النبي ، وقال: ما منعني أن أخرج إلا أني خشيت أن تفرض عليكم [10].

فهنا الصحابة اقتدوا بالنبي وهو يصلي في حجرته وهم خارج الحجرة، لكن كانوا يرون شخص النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام، وأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، فصح هنا الاقتداء برؤية النبي عليه الصلاة والسلام، وأيضًا قدَّموا من يسمعون التكبير، ويسمعون قراءته.

أيضًا هناك دليلٌ آخر كذلك نضيفه لـ “السلسبيل”: في صلاة الكسوف -حديث عائشة رضي الله عنها- أسماء رضي الله عنها أتت إلى غرفة عائشة رضي الله عنها، ووجدتها تصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام، فسألت أسماءُ عائشة قالت: آيةٌ؟ فأشارت إليها أنْ نعم، فصلت عائشة وأسماء في غرفة عائشة مع النبي عليه الصلاة والسلام صلاة الكسوف [11]، وحجرة عائشة تقع شرق المسجد، وهي موازية للصف الأول، وهي لم ترَ المأمومين؛ لأن عائشة حجرتها كانت مستورةً عن المسجد، لكن كانت تسمع صوت النبي عليه الصلاة والسلام بالقراءة؛ ولذلك ذكرت صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، واقتدت به، فكانت تَسمع الصوت، لكن لم تكن ترى النبي عليه الصلاة والسلام، ولم تكن ترى أيضًا المأمومين؛ لأن حجرة عائشة كانت مكونةً من قسمين: قسمٌ مستورٌ تمامًا، والقسم الثاني جدارٌ قصيرٌ -الذي أشرنا إليه في القصة السابقة- فعائشة كانت داخل الحجرة المستورة تمامًا، وكانت تقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام هي وأختها أسماء، وأقرهن النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، فدل هذا على أنه إذا أمكن المأمومَ الاقتداءُ بالإمام برؤيةٍ، أو بسماع التكبير، أو قراءةٍ؛ صح ذلك.

أيضًا هناك أثرٌ عن أنسٍ رواه ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ على شرط مسلمٍ: أن أنسًا كان يُجَمِّع مع الإمام وهو في دار أمير مكة -نافعِ بن عبد الحارث- على دار مُشرِفةٍ على المسجد [12]، فكان أنسٌ  يُجَمِّع ويأتم بالإمام، فما كان أنسٌ داخل المسجد، كان على دار نافع بن عبد الحارث، وهي دارٌ مشرفةٌ على المسجد، وكان بينهما طريقٌ، بين دار نافعٍ والمسجد طريقٌ، لكن كان يرى المأمومين.

فهذه الأحاديث، وأيضًا الأثر عن أنسٍ، تدل على صحة اقتداء المأموم بالإمام إذا كان يرى الإمام، أو يرى بعض المأمومين، أو يسمع التكبير، لكن السماع هنا لا بد أن نضبطه؛ لأننا لو قلنا: أو يسمع التكبير مطلقًا؛ فسيأتي من يحتج علينا بصلاة الحرمين المنقولة على الهواء مباشرةً عبر التلفاز، فيقول: الآن المأموم يرى الإمام ويرى بعض المأمومين، فلماذا لا نقتدي بالحرم؟ فيصلي مثلًا مَن هنا في الرياض مع مكة، ويقول: أليس الفقهاء يقولون: إذا أمكن رؤية الإمام، أو سماع صوته؛ جاز الاقتداء عبر النقل المباشر بالتلفاز، يرى الإمام، ويرى بعض المأمومين، ويسمع صوت الإمام؟ فنقول: لا، لا يصح الاقتداء بإمام الحرم لمن كان بعيدًا، بل لا يصح الاقتداء بإمام الحرم إذا كان لا يرى بعض المأمومين، ولا يسمع الصوت من الإمام، أو من المبلغ، أو من مكبرات المسجد الحرام، إذا كان لا يسمع الصوت إلا عبر النقل اللاسلكي؛ فلا يصح الاقتداء في هذه الحال، وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم، ولا أعلم أحدًا من كبار أهل العلم قال بجواز ذلك، وإن كان قد أُثير، خاصةً مع جائحة (كورونا)، أثار هذا بعض طلبة العلم، لكن هذا القول قولٌ ضعيفٌ، لو قيل به؛ لقيل للمسلمين -مليارٍ ونصفٍ- كلهم يقتدون بإمام الحرم، ويحصلون مئة ألف صلاةٍ، فهذا القول قولٌ ضعيفٌ.

إذنْ لابد أن نضبط مسألة السماع، فنقول: يكون إما برؤية الإمام، أو بعض المأمومين مباشرةً، وليس عبر التلفاز، أو سماع صوت الإمام أو المبلغ عنه مباشرةً، أو عن طريق مكبرات الصوت التي على المنائر أو على جدار المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهذا كله احترازٌ من النقل اللاسلكي؛ لأن النقل اللاسلكي ينقل صوت الإمام لجميع أنحاء الأرض؛ فإذنْ لا بد أن نضبطها بهذا الضابط.

حكم اقتداء المأموم بالإمام إذا كان بينهما نهرٌ أو طريقٌ

قال:

وإن كان بينهما نهرٌ تجري فيه السفن، أو طريقٌ؛ لم تصح.

يعني: لو كان بين الإمام والمأموم نهرٌ أو طريقٌ؛ فلا يصح اقتداء المأموم بالإمام؛ قالوا: لأن هذا الطريق ليس محلًّا للصلاة، فأشبه ما يمنع الاتصال.

وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة والاقتداء بالإمام في هذه الحال، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، واختاره الموفق بن قدامة، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه أمكن الاقتداء بالإمام برؤيةٍ أو بسماع صوتٍ، وأما كون الطريق هو طريقٌ أشبه ما يمنع الاتصال؛ فلا يسلم بذلك؛ لأن كونه طريقًا لا يمنع من اقتداء المأموم بالإمام، ما دام يرى الإمام، أو يرى بعض المأمومين، أو يسمع صوت الإمام أو المبلغ عنه.

حكم علو الإمام عن المأموم

قال:

وكره علو الإمام عن المأموم، لا عكسه.

يعني: يكره أن يكون الإمام أعلى من المأموم؛ لآثارٍ رويت عن بعض الصحابة في هذا؛ فقد صلى حذيفة على دكانٍ مرتفعٍ فسجد عليه، فجبذه أبو مسعودٍ فتابعه حذيفة، فلما قضي الصلاة؛ قال أبو مسعودٍ: “أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مَدَدْتني [13][14]، فهذا الأثر يدل على كراهة علو الإمام على المأموم، لكن لو كان ذلك لحاجةٍ فلا بأس؛ كالتعليم مثلًا، والنبي صلى ذات مرةٍ على المنبر؛ ليعلم الناس الصلاة، فلما أراد أن يسجد؛ رجع القَهْقَرَى [15]، وسجد، ثم قام فأكمل صلاته على المنبر، والمنبر مرتفعٌ، فإذا كان ذلك لحاجةٍ فلا بأس، أما إذا كان لغير حاجةٍ؛ فيكره أن يكون الإمام في مكانٍ أعلى من المأموم.

قال:

لا عكسه.

يعني: لا عكس المسألة السابقة، وهي أن يكون المأموم في مكانٍ أعلى من الإمام، هذا لا يكره، وعلى هذا لا تكره الصلاة في مصليات الفنادق المطلة على الحرم والعمائر المطلة على الحرم؛ لأن المصلين فيها يكونون في مكانٍ أعلى من الإمام.

حكم حضور المسجد لمن أكل بصلًا ونحوه

قال:

وكره لمن أكل بصلًا أو فُجْلًا ونحوه حضور المسجد.

وهذا قد وردت به السنة؛ كما قال النبي : من أكل من هذه الشجر -يعني الثُّوم- فلا يقربنَّ مسجدنا [16]، وحديث جابرٍ : من أكل ثُومًا أو بصلًا؛ فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا [17]، وجاء في رواية مسلمٍ: فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

وعمر خطب الناس على المنبر يوم الجمعة، وقال: “أيها الناس، إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل، والثُّوم، ولقد رأيت رسول الله إذا وَجد ريحه من الرجل في المسجد؛ أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما؛ فليُمِتْهما طبخًا” [18]، يعني: يأكل البصل والثوم مطبوخين؛ لأنه إذا أكلهما مطبوخين؛ فقد ذهبت رائحتهما.

طيب، فإن قال قائلٌ: إن دلالة النهي هذه تدل على التحريم؛ لأنه  قال: فلا يقربن مسجدنا، وهذا نهيٌ، والأصل في النهي أن يقتضي التحريم، وقال: فليعتزلنا، وهذا أمرٌ، والأصل في الأمر أن يقتضي الوجوب؛ وعلل بأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وأذية المسلمين محرمةٌ، ألا يدل ذلك على تحريم أكل البصل والثوم لمن أتى المسجد؟ فنقول: هذه المسألة قد استشكلها بعض الصحابة، وسألوا النبي عنها؛ كما جاء في حديث أبي سعيدٍ : لما فُتحت خيبر؛ أكل بعض الصحابة الثوم وهم جياعٌ أكلًا شديدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربن مسجدنا، فقال الناس: “حرمت، حرمت”، يعني: أخذوا بظاهر النهي، فلا يقربن مسجدنا، قالوا: “حرمت، حرمت”، فخرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أيها الناس، إنه ليس بتحريم ما أحل الله، ولكنها شجرةٌ أكره ريحها [19]، فصرح عليه الصلاة والسلام بأن نهيه ليس للتحريم، وإنما هو للتنزيه، فهذا نصٌّ في المسألة، لولا هذا الحديث لكان القول بالتحريم متجهًا؛ ولهذا فَهِم الصحابة التحريم، لكن ورد في حديث أبي سعيدٍ ما يدل على أن نهي النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو للتنزيه وليس للتحريم، لكن إذا أراد أن يأكل البصل والثوم لحاجةٍ، نصحه الطبيب مثلًا بذلك؛ فيكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: وليقعد في بيته، لكن لا يَتخذ هذا حيلةً في ترك الجماعة، بحيث كل يومٍ يأكل البصل والثوم ويقول: أنا معذورٌ في ترك الجماعة، لا، ليس له ذلك، اشتهر عند بعض الناس تحديد اعتزال آكل البصل والثوم بثلاثة أيامٍ، وهذا لم أجد له أصلًا صحيحًا، يوجد في بعض الصيدليات معطراتٌ توضع في الفم تُذهب رائحة البصل والثوم، فيمكن لمن احتاج لأكل البصل والثوم أن يستخدم هذه المعطرات؛ لأن العبرة بزوال الرائحة، إذا زالت الرائحة؛ زالت الكراهة.

يقاس على البصل والثوم: كل ما كان له رائحةٌ كريهةٌ؛ كالدخان ونحوه، فيكره لمن كان ذا رائحةٍ كريهةٍ أن يأتي للمسجد ويصلي ومعه تلك الرائحة؛ لأن هذا مما يؤذي ويزعج المصلين.

أعذار ترك الجمعة والجماعة

ثم قال المؤلف رحمه الله:

يُعذر بترك الجمعة والجماعة: المريضُ.

انتقل المؤلف للكلام عمن يعذر بترك الجمعة والجماعة:

وابتدأ أولًا بالمريض، وهذا باتفاق العلماء، ونَقل الاجماع ابن المنذر، ويدل لذلك عموم الأدلة الدالة على رفع الحرج: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنبي عليه الصلاة والسلام لما مرض؛ لم يصلِّ، وقال: مروا أبا بكرٍ فليصلِّ بالناس [20].

والثاني: الخائف.

قال:

والخائف حدوث المرض.

ليس مريضًا، لكن يخشى لو ذهب للصلاة مع الجماعة أن يمرض، أو يزيد مرضه، أو يتأخر برؤه، ومن ذلك في هذه الأيام: الخوف من الإصابة بـ(كورونا)، بعض الناس يخشى أنه إن ذهب للمسجد؛ أصيب بوباء (كورونا)، فهذا الخوف يكون عذرًا له إذا كان له ما يبرره؛ بأن كان كبيرًا في السن، أو كانت مناعته ضعيفةً، فمثلًا مَن عنده عضوٌ مزروعٌ؛ كالكبد المزروعة، أو الكلية المزروعة، هذا يُعطى أدوية تضعف مناعته حتى يتقبل الجسم هذا العضو المزروع، فمثل هذا يكون معذورًا في ترك الصلاة مع الجماعة؛ لأنه لو صلى مع الجماعة ربما انتقل له هذا الوباء (كورونا)، وهذا الوباء قد يحمله من لا يشعر به، لكن يصاب به من كانت مناعته ضعيفةً وكان كبيرًا في السن، فهذه المسألة تفيد في مثل هذه النازلة، فمن يخشى من أن يصاب بوباء (كورونا)؛ يكون هذا عذرًا له في ترك صلاة الجماعة، لكن بعض الناس عنده وسوسةٌ، يقول: والله أنا أخشى أن أصلي في المسجد وأصاب بـ(كورونا)، طيب، نقول: ننظر لبقية أمورك؛ إذا كنت في بقية أمور دنياك لا تخرج لقضاء حوائجك، ولا تذهب لأي مكانٍ يجتمع فيه الناس؛ فأنت صادقٌ في هذا، أما إذا كنت في أمور دنياك تذهب للتجمعات، وتقضي حوائجك، وتذهب للاستراحات، وربما تذهب لقصور الأفراح، وإذا أتى المسجد قلت: أنا أخشى أن ينتقل إليَّ هذا الوباء!؛ فأنت غير صادقٍ في ذلك، فبعض الناس إذا أتى المسجد قال: والله أنا أخشى أن أصاب بالمرض، لكن في أمور دنياه والاجتماعات والمناسبات الاجتماعية لا يخشى من ذلك؛ معنى ذلك: أن هذا غير صادقٍ في دعواه، أما لو كان صادقًا، والتزم بيته ولم يخرج، وعنده ما يبرر ذلك؛ من أنه يخشى انتقال المرض والعدوى إليه؛ فيكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة.

بعض الناس يكون عنده مرضٌ يسيرٌ ولا يلحقه معه حرجٌ ولا مشقةٌ، ويفتي نفسه بترك الصلاة مع الجماعة؟ الأصل أن الجماعة واجبةٌ لا تسقط إلا بوجود عذرٍ، الصحابة كانوا يحرصون على صلاة الجماعة؛ كما قال ابن مسعودٍ : “ولقد رأيتُنا” -يعني معشر الصحابة- “يؤتى بالرجل يُهادَى بين الرجلين” -يعني يعضد له من اثنين- “حتى يقام في الصف”، مع أنه معذورٌ؛ لأنه مريضٌ إلى هذه المرحلة، أنه لا يستطيع أن يمشي وحده، ويعضد له من اثنين، ومع ذلك يؤتى به حتى يقام في الصف، قال: “ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق” [21].

التخلف عن صلاة الجماعة هنا ذكر ابن مسعودٍ أنه من علامات المنافقين، والجمعة آكد من الجماعة؛ ولهذا قال بعض الفقهاء: أنه تَلزم الجمعةُ دون الجماعة مَن لم يتضرر بإتيانها راكبًا أو محمولًا، فإذا كان يلحقه الضرر أو المشقة الكبيرة إذا صلى الجماعة، لكن بإمكانه يذهب ويصلي الجمعة على السيارة، يذهب للمسجد على السيارة؛ فهنا تجب عليه الجمعة؛ لأن صلاة الجمعة صلاةٌ واحدةٌ في الأسبوع، ولا بدل لها إذا فاتت، بخلاف الجماعة، فهي خمس مراتٍ في اليوم والليلة فتعظم المشقة بحضورها، فإذنْ: الجمعة آكد من الجماعة.

قال:

والمدافعُ أحدَ الأخبَثَين.

أي: من أعذار ترك الجماعة: مدافعة أحد الأَخبَثَين: وهما البول والغائط، والمؤلف لم يذكر حضور الطعام، وهو من الأعذار، وكان الأولى أن يذكره؛ لأنه ورد مع مدافعة الأخبثين في حديثٍ واحدٍ؛ لقول النبي : لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان [22]، فذُكر في هذا الحديث عذران:

  • العذر الأول: حضور الطعام: لا صلاة بحضرة الطعام.
  • والثاني: مدافعة الأخبثين.

أما العذر الأول من حضور الطعام فهذا قد دل له أيضًا أحاديث أخرى: إذا وُضع العشاء وأقيمت الصلاة؛ فابدءوا بالعشاء [23]، إذا قُدِّم العَشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب [24]، وكان الناس عشاؤهم قبل المغرب، الناس في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان عشاؤهم قبل المغرب، وكان غداؤهم قبل الزوال، إلا يوم الجمعة؛ كما قالوا: “ما كنا نَقِيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد الزوال” [25]، كانت العرب من بعد الفجر لا ينامون، ويقيلون قبل الزوال، يتغدون ويقيلون قبل الزوال، ويتعشون قبل المغرب، ومن بعد المغرب يَبقَون، ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النوم في هذه الفترة؛ حتى لا تفوته صلاة العشاء، ومن بعد صلاة العشاء مباشرةً كان الناس ينامون، كان الناس ينامون بعد العشاء مباشرةً، لكن أحوال الناس الآن اختلفت اختلافًا كثيرًا.

شروط اعتبار حضور الطعام عذرًا لترك صلاة الجماعة

اشترط العلماء شروطًا لاعتبار حضور الطعام عذرًا في ترك الجماعة:

  • الشرط الأول: أن تتوق نفسه للطعام؛ لأنه إذا لم تتق نفسه للطعام؛ فإنه لا يكون معه تشويش الذهن، واشتغال قلبه بالطعام، فإذا لم تتق نفسه للطعام؛ فالمعنى الذي لأجله أبيح ترك الجماعة -وهو تشويش الذهن واشتغال قلبه بالطعام- منتفٍ، فلا بد أن تكون نفسه إذنْ تتوق للطعام، وتتعلق بالطعام.
  • الشرط الثاني: حضور الطعام بين يديه؛ لقوله : لا صلاة بحضرة الطعام.. [26]، وفي الحديث الآخر: إذا وُضع العشاء.. [27]، فإذا لم يحضر الطعام بين يديه؛ فليس له ترك الجماعة ولو كان جائعًا ونفسه تتوق إلى الطعام، لا بد من حضور الطعام وتقديمه بين يديه، وإلا فلو قلنا بهذا -لو قلنا: إن الجوع عذرٌ في ترك الجماعة- لقيل بإسقاط صلاة الجماعة عن كثيرٍ من الفقراء؛ لأن كثيرًا من الفقراء يكونون جائعين، وتتوق نفوسهم للطعام، فإذنْ هذا ليس عذرًا، إنما العذر حضور الطعام بين يديه.
  • الشرط الثالث: ألا يَتخذ ذلك عادةً له، حيث لا يقدم له الطعام إلا قُبيل إقامة الصلاة؛ لأنه إذا جعل ذلك عادةً له؛ فهذه حيلةٌ في ترك الجماعة.

وبعض الفقهاء أضافوا شرطًا رابعًا: وهو ألا يأكل إلا بمقدار ما تنكسر به نهمته وتسكن نفسه، والصحيح: عدم اشتراط هذا الشرط، وأن له أن يأكل حتى يشبع، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما: إذا وُضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة؛ فابدءوا بالعشاء، ولا يَعجل حتى يَفرُغ منه [28]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك، كان يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وهذا كالنص، قوله : ولا يعجل حتى يفرغ منه، كالنص في المسألة، وكالنص أيضًا في عدم اشتراط هذا الشرط.

العذر الثاني: مدافعة الأخبثين، مدافعة البول أو الغائط، فله أن يقضي حاجته ولو أدى ذلك إلى تفويت الجماعة، ويكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة.

وهناك من شدد في هذه المسألة، وهم الظاهرية، وقالوا: إن من يدافع الأخبثين، أو كان بحضرة طعامٍ؛ لا تصح صلاته، لكن هذا القول قولٌ ضعيفٌ، وهو خلاف قول عامة أهل العلم، والصواب: أن الصلاة صحيحةٌ مع الكراهة؛ لأن الصلاة مكتملة الأركان والشروط والواجبات، ولم يوجد ما يبطلها، ويقاس على البول والغائط: الريح، محتبس البول يقال له: حاقِنٌ، ومحتبس الغائط يقال له: حاقِبٌ، بالباء، ومحتبس الريح يقال له: حاقِزٌ، بالزاي، فالحاقن والحاقب والحاقز هؤلاء معذورون في ترك الجماعة، من كان عنده مثلًا غازاتٌ في بطنه، أو عنده مثلًا اضطرابٌ في القولون، ويسبب هذا غازاتٍ، فهذا في معنى مدافعة الأخبثين، يكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة، هذا كله يدل على عناية الشريعة الإسلامية بالخشوع في الصلاة، فتقديم مثلًا الحاقن والحاقب والحاقز، ومن بحضرة طعامٍ؛ تقديم هؤلاء على صلاة الجماعة، والقول بأنهم يقضون حوائجهم، ثم يُصلون ولو فاتتهم الجماعة؛ هذا يدل على أهمية الخشوع، وعلى تأكد الخشوع، الخشوع: هو روح الصلاة، وهو لبها، وهو المقصود الأعظم منها.

قال:

ومن له ضائعٌ يرجوه، أو يرجو ضياع ماله أو فواته، أو ضررًا فيه.

يعني: الخوف عذرٌ في ترك الجماعة، قسمه الفقهاء إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • القسم الأول: أن يخاف على نفسه من لصٍّ أو سَبُعٍ أو سيلٍ، أو غير ذلك.

قال:

أو غريمٌ يحبسه وهو معسرٌ.

لأن المعسر لا يجوز أصلًا حبسه، بل يجب إنظاره، لكن لو اشتكاه الدائن واختفى هذا المعسر، ووجد أن الدائن ينتظره في الخارج مثلًا، فإذا خرج لصلاة الجماعة أمسكه وحبسه؛ ففي هذه الحال يجوز له أن يصلي في بيته، ويكون هذا عذرًا له بترك الجماعة، بشرط أن يكون معسرًا، أما الموسر فليس له ذلك، الموسر يجب عليه أن يسدد الدين أصلًا.

  • القسم الثاني: الخوف على ماله؛ كأن يخشى على ماله من لصٍّ، أو على منزله من السرقة، أو يخاف على سيارته.

قال:

ولو كان له خبزٌ في التنور، ويخشى أنه لو صلى الجماعة؛ احترق خبزه.

فهذا عذرٌ له في ترك الجماعة، لو كان له طبيخٌ على النار يخاف تلفه يكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة، يقاس على ذلك في الوقت الحاضر: لو كان هناك عمالٌ يصبون خرسانةً مسلحةً مثلًا، ولو أنهم صلوا مع الجماعة؛ لربما يبست وفاتت المصلحة، فهذا عذرٌ لهم في ترك الصلاة مع الجماعة في المسجد، لكن يُنبَّهون على أنهم متى انتهوا من عملهم؛ صلوا جماعةً، على أنه ينبغي ألا يضعوا هذه الخرسانة في أوقات الصلاة، لكن لو افترض أن هذا حصل؛ فهذا عذرٌ لهم في ترك الصلاة مع الجماعة في المسجد.

  • القسم الثالث: أن يخاف على أهله أو ولده، أو كان له قريبٌ مريضٌ، ويخشى أن يموت ولم يشهده، فهذا عذرٌ له أيضًا في ترك الجماعة.

قال:

أو يخاف على مالٍ استُودع لحفظه.

فهذا يكون أيضًا عذرًا له بترك الجماعة؛ ومن ذلك: حراس الأمن والشرطة، الذين يحرسون الناس، ويحرسون الأموال، فهم معذورون في ترك الجماعة.

قال:

كَنِطَارة بستانٍ.

وفي نسخة: “كنظارة”، وكلاهما بمعنًى واحدٍ، يعني: حراسة البستان، بحيث يخاف الحارس عليه من السرقة، فهذا عذرٌ له في ترك الجماعة.

أو أذًى بمطرٍ وَوَحَلٍ، وثلجٍ وجليدٍ، وريحٍ باردةٍ بِلَيلةٍ مظلمةٍ.

هذه أيضًا أعذارٌ في ترك الجماعة، وكان النبي إذا أتت الليلة المطيرة؛ قال: صلوا في الرحال، وبوَّب البخاري لذلك: “باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله”، ثم ساق بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أَذَّن بالصلاة بليلةٍ ذات بردٍ وريحٍ، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، كان عليه الصلاة والسلام إذا كانت ليلةٌ ذات بردٍ ومطرٍ؛ قال: ألا صلوا في الرحال [29]، وفعل هذا ابن عباسٍ رضي الله عنهما في صلاة الجمعة؛ ولما أَنكَر عليه من أنكر؛ قال: “إنها عَزْمةٌ، وإني كرهت أن أحرجكم”، فإذا كان هناك مطرٌ أو وَحَلٌ معه مشقةٌ ومطرٌ غزيرٌ الآن ينزل، فيستحب للمؤذن أنه إذا أذَّن أن يقول: صلوا في بيوتكم، وكلمة الرحال هذه تقال في السفر، والناس الآن ما يعرفون ما معنى الرحال؛ ولذلك في الحضر إذا قالها المؤذن؛ يقول: صلوا في بيوتكم، الناس يخاطبون بما يعرفون، كما حصل في جائحة (كورونا) لما أغلقت المساجد بسبب الجائحة، فقيل للمؤذنين: إنه ينبغي أن تقولوا للناس: صلوا في بيوتكم، بدل: حي على الصلاة، حي على الفلاح، تقولون: صلوا في بيوتكم، بعض المؤذنين يقول: صلوا في رحالكم، الناس ما تعرف معنى الرحال، والرحال أيضًا تكون في السفر؛ ولذلك فالأحسن أن يقول المؤذن: صلوا في بيوتكم، ولا يقول: صلوا في رحالكم، لكن هذا كله لا بد أن يكون معه مشقةٌ، أما إذا كان مطرٌ بدون مشقةٍ فلا، أو كان وَحَلٌ بدون مشقةٍ فلا، لكن إذا كان مطرٌ معه مشقةٌ أو معه وحلٌ؛ فيستحب للمؤذن أن يقول بدل: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يقول: صلوا في بيوتكم، أو يقول بعد الأذان: صلوا في بيوتكم، وردت السنة بهذا وهذا.

أيضًا من الأعذار التي ذكرها الفقهاء: خوف فوات الرفقة؛ وعللوا لذلك بأنه لو أُلزِم بأداء الجمعة والجماعة؛ فقد يلحقه الضرر بفوات مقصوده من الرفقة، وقد ينشغل قلبه كثيرًا، فإذا كان قد رُخص لمن كان بحضرة طعام، ولمن يدافع الأخبثين، ولمن وضع الخبز في التنور، ولمن يخشى من احتراق طبيخه؛ فهذا أولى، هذا أولى بالعذر، وفي وقتنا الحاضر يقاس على ذلك: ما إذا كان وقت إقلاع الطائرة، إذا كان يخشى من أنه لو صلى الجماعة؛ لأقلعت الطائرة، فيكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة، لا بأس أن يصلي منفردًا في هذه الحال.

أيضًا من الأعذار:

أو تطويل إمامٍ.

أي: أن تطويل الإمام يعتبر عذرًا في ترك الجماعة، لكن إذا كان تطويل الإمام تطويلًا زائدًا على ما أتت به السنة؛ كقصة معاذٍ لما صلى بقومه وقرأ سورة البقرة، فانفتل وأنصرف رجلٌ وصلى وحده، وأقره النبي على ذلك، في القصة المشهورة [30]، فإذا أطال الإمام تطويلًا زائدًا عما جاءت به السنة؛ فللمأموم أن ينصرف ويكمل صلاته وحده، ويكون معذورًا في ترك الجماعة.

ثم قال المؤلف رحمه الله بعد ذلك..

ننتقل للمجلد الثالث، نأخذ فقط المريض.

بقي معنا وقت؟

طيب، نأخذ المريض فقط، ونقف عند صلاة المسافر، ننتقل للمجلد الثالث:

صلاة أهل الأعذار

باب صلاة أهل الأعذار

والمقصود بأهل الأعذار: المريض والمسافر والخائف.

سنبدأ -إن شاء الله- بالكلام عن المريض، والدرس القادم -إن شاء الله- نتكلم عن صلاة المسافر والخائف.

صلاة المريض

قال:

يلزم المريضَ أن يصلي المكتوبة قائمًا، ولو مستندًا، فإن لم يستطع؛ فقاعدًا.

المريض إذا كان لا يطيق القيام؛ فإنه يصلي جالسًا بالإجماع، أما إذا كان يطيق القيام فيلزمه أن يصلي قائمًا، إذا كان يطيق القيام مستندًا، ولا يطيقه من غير استنادٍ؛ لزمه أن يصلي قائمًا، والمقصود بالاستناد أن يستند على حائطٍ أو عصًا، ما لم يشق ذلك عليه مشقةً شديدةً، والأصل في هذا قصة عمران بن حصينٍ  قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي عن الصلاة؟ فقال: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ [31]، واستمرت معه هذه البواسير قريبًا من ثلاثين عامًا، حتى إن الملائكة كانت تسلم عليه عند السحر [32]، كما جاء في “صحيح مسلمٍ”، فكَوَى، لما كوى انقطع تسليم الملائكة عليه، فترك الكي، وفي آخر حياته عادت الملائكة وأصبحت تسلم عليه عند السحر.

فإذا كان المريض إذنْ يستطيع الصلاة قائمًا؛ وجب عليه ذلك، إن لم يستطع؛ فإنه يصلي قاعدًا، لكن إذا كان يستطيع أن يصلي قائمًا، ويخشى أن يلحقه الضرر أو زيادة المرض أو تأخُّر البُرء؛ فله أن يصلي قاعدًا.

وهنا ننبه إلى ضبط هذه المسألة؛ لأن بعض العامة يتوسع فيها، فيزاول أمور دنياه بنشاطٍ وقوةٍ، وإذا أتى للمسجد؛ صلى جالسًا، وبعض النساء أيضًا تجد أنها في أمور دنياها تفعلها قائمةً، وربما ترقص في قصور الأفراح قائمةً، وإذا أتت تصلي؛ صلت قاعدةً، وقد ذكر الإمام الشافعي أن رجلًا في زمانه قد جاوز التسعين من عمره يعلم الجواري الغناء قائمًا، فإذا أتى للمسجد؛ صلى جالسًا، فهذه يتساهل فيها بعض العامة لا بد من ضبطها، فنقول: الذي له أن يصلي جالسًا إما أن يكون عاجزًا عن القيام وهذا بالإجماع، أو يكون قادرًا على القيام، لكنه يخشى أنه لو قام؛ للحقه الضرر، أو أنه لو قام؛ لزاد المرض، أو أنه لو قام؛ لتأخر البرء، والمرجع في تحديد ذلك إلى الطبيب، فإذا قال الطبيب ذلك؛ فله أن يصلي جالسًا، أيضًا يضاف لذلك: ما إذا كان القيام يشق عليه مشقةً شديدةً، وضابط المشقة: هي أن يفوت الخشوع في الصلاة بسببها، إذا كان المريض إذا صلى قائمًا؛ لم يطمئن في صلاته، ولم يخشع بسبب القلق والتشوف للفراغ من القراءة والركوع؛ فيجوز له أن يصلي قاعدًا، والنبي لما ركب فرسًا فصرع صلى قاعدًا [33].

الأحوال التي يجوز فيها للمسلم الصلاة قاعدًا:

على هذا نقول: له أن يصلي قاعدًا في خمسة أحوالٍ:

  • الحالة الأولى: أن يكون عاجزًا عن القيام.
  • الحالة الثانية: أن يكون قادرًا على القيام، لكنه إذا صلى قائمًا؛ تضرر بالقيام، فيجوز له أن يصلي قاعدًا.
  • الحالة الثالثة: أن يكون قادر على القيام، لكنه لو صلى قائمًا؛ لتسبب ذلك في زيادة المرض، فيجوز له أن يصليها قاعدًا.
  • الحالة الرابعة: أن يكون قادرًا على القيام، لكنه لو صلى قائمًا؛ لتسبب ذلك في تأخر البرء والشفاء، فله أن يصلي قاعدًا.
  • الحالة الخامسة: أن يكون قادرًا على الصلاة قائمًا، لكنه لو صلى قائمًا؛ لشق ذلك عليه مشقةً شديدةً، يفوت بسببها الخشوع في الصلاة، فله أن يصلي قاعدًا، وما عدا ذلك فيجب عليه أن يصلي قائمًا.

إذا صلى المريض قاعدًا لأي سببٍ من الأسباب؛ فإن أجره يكون تامًّا؛ لقول النبي : إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب الله له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا [34].

كيفية صلاة المريض

وإذا صلى قاعدًا؛ فالسنة أن يكون متربعًا بأن يجلس على أَلْيَتَيه، يعني: على مقعدته، ويجعل باطن قدمه اليمنى تحت الفخذ اليسرى، وباطن القدم اليسرى تحت الفخذ اليمنى؛ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي يصلي متربعًا [35]، لكن إذا ركع؛ فالذي يظهر أنه يبقى متربعًا، ولا يثني رجليه، وإنما يثني رجليه في السجود خاصةً، فتكون هيئته في حال الركوع كهيئته في حال القيام، فإن لم يستطع فعلى جنبه، يعني: إن لم يستطع المريض أن يصلي قاعدًا؛ فإنه يصلي على جنبه؛ لحديث عمران السابق، والأيمن أفضل، يعني: أن الصلاة على الجنب الأيمن أفضل، وقد رُوي في ذلك حديثٌ لكنه ضعيفٌ، حديث عليٍّ ، وهو حديثٌ ضعيفٌ، ولكن يستدل لذلك بما جاء في البخاري عن عمران بن حصينٍ  قال: سألت النبي عن صلاة الرجل وهو قاعدٌ؟ فقال: من صلى قائمًا؛ فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا؛ فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا؛ فله نصف أجر القاعد، ثم قال البخاري: قال أبو عبدالله: نائمًا عندي: مضطجعًا [36]، وسماه نائمًا؛ لأنه في هيئة النائم، والنائم يستحب له أن ينام على شقة الأيمن، كما جاء في حديث البراء [37]، فيمكن أن يُستدل بهذا على أن المريض إذا صلى على جنبه؛ فالأفضل أن يكون ذلك على جنبه الأيمن، فإن عجز عن أن يصلي على جنبه؛ صلى مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة، لكن هل له أن يصلي مستلقيًا مع قدرته على الصلاة على جنبه؟ خلافٌ في هذه المسألة، والقول الراجح: أنه ليس له ذلك؛ لأن النبي قال لعمران: فإن لم تستطع؛ فعلى جنبٍ، ولأن هذه الهيئة تتميز عن الاستلقاء بأن من صلى على جنبه؛ صلى ووجهه إلى القبلة، بخلاف من صلى مستلقيًا؛ فوجهه إلى السماء.

قال:

ويومئ بالركوع والسجود، ويجعله أخفض.

يعني: إذا صلى قاعدًا أو على جنبه؛ فإنه يومئ بالركوع والسجود، لكن يجعل السجود أخفض من الركوع، وإذا كان يصلي مضطجعًا؛ فإنه يومئ بالرأس إلى صدره هكذا؛ لأنه لو أومأ إلى الأرض وهو على جنبه؛ لكان في ذلك نوع الْتِفاتٍ عن القبلة.

قال:

فإن عجز؛ أومأ بطَرْفه واستحضر الفعل بقلبه، وكذا القول: إن عجز عنه بلسانه.

إن عجز عن أن يومئ برأسه؛ كمن كان مريضًا ومنومًا في المستشفى، ويعجز عن أن يومئ برأسه، فالمؤلف يقول: إنه يومئ بعينيه، يعني هكذا إذا كان قائمًا، يفتح عينيه هكذا، إذا ركع هكذا، إذا سجد هكذا، هذا قد رُوي فيه حديثٌ لكنه ضعيفٌ، حديث: يومئ بطرفه [38]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح.

والقول الثاني: أنه إذا عجز عن الإيماء برأسه؛ سقطت عنه الأفعال في الصلاة دون الأقوال، فينوي أفعال الصلاة بقلبه؛ لأن أفعال الصلاة قد عجز عنها، فتسقط عنه، بينما أقوال الصلاة هو قادر عليها، وقد قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، بعض العامة يقول: إنه إذا عجز عن الإيماء برأسه؛ فإنه يومئ بأصابعه، فإذا كان قائمًا؛ يقول هكذا، إذا ركع يقول هكذا، إذا سجد يقول هكذا، هذا لا أصل له، وهو أشبه بالعبث، ما الفائدة تقول هكذا وهكذا، هل هذه صلاةٌ؟! هذا أشبه بالعبث، تقول هكذا، ثم هكذا، ثم هكذا، هذا أشبه بالعبث؛ فعلى هذا نقول: إنه إذا عجز عن الإيماء برأسه؛ فلا يومئ بطرفه ولا بأصابعه، وإنما يصلي بقلبه.

طيب، إذا عجز عن الأقوال والأفعال، عجز عن أن يتكلم، وعجز عن الفعل، لكن عقله معه؛ كما يوجد في بعض أحوال المرضى، لا يستطيع أن يتكلم ولا يتحرك، لكن عقله معه، فمن أهل العلم من ذهب إلى سقوط الصلاة عنه في هذه الحال، واستدلوا بحديث عمران ، قالوا: إن النبي أقصى ما ذكر فيه: الصلاة على جنبٍ، لكن أجيب عن ذلك: إنما ذكر العجز عن القيام والقعود، ولم يذكر العجز عن جميع الأفعال والأقوال؛ فالاستدلال به استدلالٌ في غير محل الخلاف، فسقطت كلمة “غير” لعلها -إن شاء الله- تستدرك في الطبعة القادمة، الاستدلال به استدلالٌ في غير محل الخلاف، من معه نسخة “السلسبيل” يعدلها، سبحان الله! رغم الحرص الشديد على المراجعة، إلا أنه كما قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، يأبى الله العصمة لكتابٍ غير كتابه.

وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا عجز عن الأقوال والأفعال؛ فإنه يصلي بالنية، وهذا هو القول الراجح، يصلي بالنية، ينوي قراءة الفاتحة، ثم ينوي الركوع، ينوي الرفع منه، ينوي السجود.. وهكذا؛ لأن القول بسقوط الصلاة يترتب عليه أنه ينقطع الإنسان عن ذكر ربه، وأن يقطع صلته بالله تعالى في مدةٍ ربما تطول، والقول بإيجاب الصلاة عليه بالنية يجعله متصلًا بربه خمس مراتٍ في اليوم والليلة على الأقل، هذا هو الأقرب للأصول والقواعد الشرعية، والأبرأ للذمة أيضًا؛ ولأنه لا دليل يدل على إسقاط الصلاة عنه، وإسقاط هذه الفريضة عنه في هذه الحال وعقله معه.

فإذنْ: إذا عجز عن الأقوال والأفعال في الصلاة؛ فإنه ينوي الصلاة بقلبه.

قال:

ولا تسقط ما دام عقله معه.

هذه قاعدةٌ عند العلماء: أن الصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه، إلا في حالةٍ واحدةٍ: وهي حال المرأة حال الحيض والنفاس، فتسقط عنها الصلاة، ما عدا ذلك، ما دام العقل موجودًا؛ فيجب عليه أن يصلي ولو بقلبه، حتى لو كان عاجزًا عن الحركة، عاجزًا عن الكلام، نقول: صل بقلبك، انوِ القراءة بقلبك، والركوع بقلبك، والرفع منه بقلبك، والسجود بقلبك، لكن لا تترك الصلاة، فالصلاة لا تسقط عن المكلف ما دام عقله معه، إلا في حالةٍ واحدةٍ: وهي عن المرأة في حال الحيض والنفاس.

ومن قَدَر على القيام أو القعود في أثنائه؛ انتقل إليه.

يعني: لو افترض أنه قَدَر، يعني صلى قاعدًا ثم قدر على القيام، ينتقل ويقوم، أو مثلًا كان يصلي على جنبه، ثم قدر على القعود ينتقل ويقعد.

ومن قدر أن يقوم منفردًا، ويجلس في الجماعة؛ خُيَّر.

يعني: هذا رجلٌ يقول: إذا صليت في البيت؛ أستطيع أن أصلي قائمًا، لكن إن ذهبت للمسجد فلا أستطيع أن أصلي قائمًا؛ لكون الإمام يطيل مثلًا في القراءة، وإنما أصلي قاعدًا، فأيهما أفضل: أن أصلي في البيت قائمًا، أو أصلي في المسجد قاعدًا؟

المؤلف يقول: يُخَيَّر بينهما؛ لأنه يفعل في كلٍّ منهما واجبًا ويترك واجبًا، إذا صلى في البيت؛ ترك واجب الجماعة، وإذا صلى مع الجماعة؛ ترك واجب القيام.

والقول الثاني: في المسألة أنه يصلي في البيت قائمًا؛ لأن القيام ركنٌ من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهو قادرٌ عليه، بينما الجماعة واجبةٌ، تصح بدونها، وقد تسقط الجماعة لأي عذرٍ كما ذكرنا، حتى لو خشي احتراق طبيخه، لو خشي على الخبز في التنور، فتسقط الجماعة لهذه الأعذار، بينما القيام ركنٌ من أركان الصلاة، وهذا القول الثاني هو الراجح في المسألة: وهو أنه يلزمه أن يصلي قائمًا ولو كان في بيته منفردًا.

الصلاة على الراحلة

آخر مسألةٍ معنا:

قال:

وتصح على الراحلة لمن يتأذى بنحو مطرٍ وَوَحَلٍ، أو يخاف على نفسه من نزوله، وعليه الاستقبال وما يقدر عليه، ويومئ من بالماء والطين.

متى ما تضرر الإنسان بالسجود على الأرض لأجل الوَحَل، وخاف من تلويث بدنه بالطين والوحل ونحوه، أو خاف -إذا نزل عن دابته- من سَبُعٍ ونحوه، وخشي خروج الوقت، ومثل ذلك: لو كان في الطائرة مثلًا، لو كان في الطائرة وخشي خروج الوقت؛ جاز له أن يصلي الفرض على الراحلة، وأن يومئ بالركوع والسجود، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، وحينئذٍ يومئ بالركوع والسجود، ويجب عليه استقبال القبلة إن أمكنه ذلك.

ومثل ذلك كما ذكرت: مسألة أن يحين وقت الصلاة وأنت في الطائرة، والصلاة ليست مما يُجمع مع غيره؛ مثل صلاة الفجر، لو أنك انتظرت حتى تهبط الطائرة؛ لطلعت الشمس وخرج وقت صلاة الفجر، فنقول: صلِّ في الطائرة، ولو إلى غير القبلة، ولو أن تومئ بالركوع والسجود، أو كانت الصلاة مما يُجمع مع غيرها، لكنك في وقت الصلاة الثانية؛ مثلًا: ركبت الطائرة قبل أذان العصر، ولن تهبط الطائرة إلا بعد غروب الشمس، فهنا تصلي صلاة العصر وأنت في الطائرة، ولا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها، فإن أمكنك أن تستقبل القبلة فعلت، وإن لم يمكن؛ تصلي ولو إلى غير القبلة، كذلك أيضًا إن لم يمكنك أن تأتي بالركوع والسجود؛ فتومئ بينهما، وهذا يدل على آكدية شرط الوقت، فشرط الوقت هو آكد شروط الصلاة، إذا خشيت خروج الوقت؛ فصلِّ على حسب حالك.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال:…؟

الجواب: نعم إذا كان بين أمرين؛ إما أن يصلي قائمًا ولا يتمكن من الإتيان بالسجود، وإنما يومئ به، أو يصلي قاعدًا ويأتي بالسجود كاملًا، فنقول: الأفضل أن يصلي قاعدًا، ويأتي بالسجود كاملًا؛ لأن السجود آكد أركان الصلاة، السجود آكد من القيام؛ القيام يسقط عن المسبوق، كذلك يسقط أيضًا في صلاة النافلة، لا يجب القيام؛ وإنما يستحب، بينما السجود لا يسقط بأي حالٍ من الأحوال، بل إن القيام والركوع والرفع منه -كما يقول الإمام ابن القيم- هي كالمقدمات للسجود، فالسجود هو سر العبودية الأعظم، وهو آكد أركان الصلاة، فكونه يسجد؛ أولى من كونه يومئ بالسجود؛ فعلى هذا: يقدِّم حالة أنه يصلي قاعدًا مع الإتيان بالسجود كاملًا على كونه يصلي قائمًا مع الإيماء بالسجود.

السؤال: كيف يتحقق القبض الشرعي في مسألة المرابحة للآمر بالشراء؟ هل هو بمجرد امتلاك الأوراق، أو بالنقل؟

الجواب: الفقهاء يقولون: قبض كل شيءٍ بحسبه، والمرجع في ذلك إلى العرف، فمثلًا قبض السيارة يكون بحيازة البطاقة الجمركية الأصلية، قبض مثلًا ما ينقل بنقله، وهكذا المرجع في ذلك إلى العرف.

السؤال: هل تأثم الأسرة أو البنت إذا تم رد الشاب الكفء مرضي الدين والخلق؛ بحجة إكمال الدراسة وغيرها من الأعذار؟

الجواب: لا تأثم؛ لأن هذا ليس واجبًا عليهم، هم يختارون من يريدون، المرأة تختار من تريد من الأزواج، لكنها تفوِّت على نفسها خيرًا، وربما تفوت على نفسها فرصةً قد لا تتكرر، فمثل هذه الفرص ينبغي أن تغتنمها الفتاة، إذا أتاها شابٌّ مرضي الدين والخلق، فيه الصفات التي ترغب فيها؛ فينبغي أن تبادر وأن تقبل به، وألا تؤخر الزواج بحجة إكمال الدراسة؛ لأنه ربما إذا أكملت الدراسة لا يأتيها مثل ذلك الشاب؛ فيلحقها الندم.

السؤال: دعاء: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان.. [39]، هل يقال في بداية كل شهرٍ، أم هو خاصٌّ برمضان؟

الجواب: يقال في بداية كل شهرٍ.

السؤال: هل المجاملة والمديح بين الأشخاص تعد من الكذب؟

الجواب: لا تعد من الكذب، بل هذه من الأمور التي تدخل في حسن الخلق؛ المجاملة الاجتماعية، والثناء على الإنسان إذا كان لا يُخشى عليه من الغرور والعجب، فهذه تدخل في حسن الخلق، النبي كان يشجع أصحابه، وأثنى على عددٍ منهم؛ أثنى على أبي بكرٍ الصديق، وأثنى على عمر، وعلى عثمان، وعلى عليٍّ، وعلى أبي عبيدة ، ونعتهم بألقابٍ.

فإذا كان لا يخشى على الإنسان من الغرور؛ فلا بأس، وهذا يدخل في حسن الخلق، إنما المديح أو الثناء على الإنسان في وجهه يمنع منه؛ إذا كان يخشى على الإنسان من الغرور ومن العجب، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: احثُوا في وجوه المَدَّاحين التراب [40]، وقوله للذي أثنى على رجلٍ وجعل يطريه: قطعتَ عنق صاحبك [41]، هذا إذا كان يخشى عليه من العجب ومن الغرور ونحوه.

أما إذا كان لا يُخشى عليه؛ فلا بأس بذلك، وقد فعله النبي مع عدد من الصحابة .

السؤال: إذا كان الإنسان يجدد الوضوء لكل فرضٍ وعليه جوارب؛ فهل تبدأ مدة المسح من الوضوء الثاني بعد اللبس، أم من الحدث؟

الجواب: تبدأ مدة المسح من أول مسحٍ بعد الحدث؛ وعلى ذلك: فلا يعتبر الوضوء المجدد، الوضوء المجدد وجوده كعدمه، إنما تبتدئ مدة المسح إذا أحدث ثم توضأ وبدأ بالمسح؛ ولذلك يعبر الفقهاء عن هذا بقولهم: تبدأ مدة المسح من أول مسحٍ بعد الحدث.

السؤال: ما حكم فرقعة الأصابع في الصلاة؟

الجواب: فرقعة الأصابع في الصلاة مكروهةٌ، وهي من العبث، والمسلم في الصلاة ينبغي أن يستشعر عظيم الموقف، وأنه في مقام المناجاة للرب جل جلاله، فيبتعد عن فرقعة الأصابع، وعن تشبيك الأصابع، وعن كل ما هو عبثٌ.

السؤال: هل يجوز أن تدفع كفارة يمينٍ لشخصٍ واحدٍ بما يكفي عشرة أيامٍ؟

الجواب: لا يجوز، لا بد من عشرة مساكين؛ لأن الله تعالى سمى عشرة مساكين، قال: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة:89]، وإذا أعطى الكفارة لشخصٍ واحدٍ؛ لم يصدق عليه أنه أطعم عشرة مساكين، ولو أعطى هذا المسكين ما يكفيه عشرة أيامٍ.

السؤال: هل الصلاة داخل حدود الحرم المكي تعدل الصلاة داخل المسجد الحرام؟

الجواب: هذا محل خلافٍ بين الفقهاء، والقول الراجح: أن التضعيف الخاص الوارد إنما هو خاصٌّ بمسجد الكعبة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: صلاةٌ في مسجدي هذا تعدل ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا مسجد الكعبة [42]، فنصَّ على مسجد الكعبة؛ ولأن الأحكام إنما تتعلق بمسجد الكعبة؛ ولذلك لو أراد الإنسان أن يشد الرحل لمسجدٍ من مساجد مكة داخل حدود الحرم؛ فإن هذا لا يجوز، بينما لو كان لمسجد الكعبة؛ جاز.

فإذنْ: الأحكام إنما تتعلق بمسجد الكعبة، فظاهر الأدلة: أن التضعيف خاصٌّ بمسجد الكعبة فقط.

السؤال: ماذا لو صلى وحده خلف الصف ركعةً، ثم تمت له الجماعة، فهل تعتبر هذه الركعة داخل صلاة الجماعة؟

الجواب: لو صلى خلف الصف وحده ركعةً؛ فهذه الركعة باطلةٌ لا تصح: لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف [43]؛ وعلى ذلك: عليه أن يقضي هذه الركعة.

السؤال: ما حكم الاشتراك الاختياري في التأمينات الاجتماعية؟

الجواب: لا بأس به، هو نظام نجيزه، فلا بأس به، التأمينات الاجتماعية هي نوعٌ من التأمين التعاوني، التأمين ينقسم إلى تأمينٍ تجاريٍ، وتأمينٍ تعاونيٍّ.

التأمين التجاري: هو الذي منعت منه المجامع الفقهية، و”هيئة كبار العلماء”، وأكثر العلماء المعاصرين.

وأما التأمين التعاوني: فأجازه الجميع؛ من صور التأمين التعاوني: التأمين الاجتماعي؛ مثل: راتب التقاعد، والتأمينات الاجتماعية هذه كلها داخلةٌ في التأمين الاجتماعي، سواءٌ كان ذلك باقتطاع جزءٍ من راتب الموظف، أو حتى بما سماه الأخ السائل بـ”التأمين الاختياري”، هذا كله جائزٌ لا فرق بين اقتطاع جزءٍ من راتبه، أو أن يكون ذلك بصفةٍ اختياريةٍ.

ونكتفي بهذا القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 3010.
^2 رواه البخاري: 688، ومسلم: 412.
^3 رواه البخاري: 631.
^4 رواه البخاري: 117، ومسلم: 763.
^5, ^26, ^27, ^43 سبق تخريجه.
^6 رواه البخاري: 727.
^7 رواه أبو داود: 682، والترمذي: 230، وابن ماجه: 1004، وأحمد: 18002.
^8 رواه ابن ماجه: 1003، وأحمد: 16297، وابن خزيمة: 1569، وابن حبان: 2202.
^9 رواه البخاري: 783.
^10 رواه البخاري: 729، بنحوه.
^11 رواه البخاري: 86، ومسلم: 905.
^12 رواه ابن أبي شيبة: 6214.
^13 مددتني: أي مددت ‌قميصي وجبذته إليك. شرح سنن أبي داود لابن رسلان: 3/ 669.
^14 رواه أبو داود: 597.
^15 القهقرى: المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 4/ 129 (قهقر).
^16 رواه البخاري: 853، ومسلم: 561.
^17 رواه البخاري: 855، ومسلم: 564.
^18 رواه مسلم: 567.
^19 رواه مسلم: 565.
^20 رواه البخاري: 664، ومسلم: 418.
^21 رواه مسلم: 654.
^22 رواه مسلم: 560.
^23 رواه البخاري: 671، ومسلم: 560.
^24 رواه البخاري: 672، ومسلم: 557.
^25 رواه البخاري: 6248، بنحوه.
^28 رواه البخاري: 673، ومسلم: 559.
^29 رواه البخاري: 632، ومسلم: 697.
^30 رواه البخاري: 705، ومسلم: 465.
^31 رواه البخاري: 1117.
^32 رواه مسلم: 1226.
^33 رواه البخاري: 689، ومسلم: 411.
^34 رواه البخاري: 2996.
^35 رواه النسائي: 1661.
^36 رواه البخاري: 1116.
^37 رواه البخاري: 6315، بلفظ: «كان رسول الله  إذا أوى إلى فراشه؛ نام على ‌شقه ‌الأيمن.
^38 رواه ابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف: 1/ 327.
^39 رواه ابن حبان: 888.
^40 رواه مسلم: 3002، بنحوه.
^41 رواه البخاري: 6061.
^42 رواه مسلم: 1396.
zh