الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(64) أحكام الشفعة- شروط ثبوتها وبعض أحكامها
|categories

(64) أحكام الشفعة- شروط ثبوتها وبعض أحكامها

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج.

كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة والتي قبلها عن معنى الشفعة وحقيقتها في الشرع، ثم تكلمنا عن شروط ثبوتها، ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عمّا تبقى من تلك الشروط، ثم نتكلم عن جملةٍ من المسائل المتعلقة بها، وقبل ذلك نذكّر بما سبق الحديث عنه من شروط الشفعة فنقول:

شروط ثبوت الشفعة

  • الشرط الأول: أن يكون انتقال الشريك بعوضٍ مالي كالبيع وما كان في معناه؛ وأما إن كان عن طريق الإرث أو الهبة ونحو ذلك فلا تثبت الشفعة حينئذ.
  • الشرط الثاني: أن تكون الشُفعة في أرضٍ يمكن قسمتها وما يتبعها من غراس وبناء، وأشرنا عند الكلام عن هذا الشرط إلى خلاف الفقهاء في ثبوت الشفعة في المنقولات وفيما لا يُقسم، وذكرنا أن القول الراجح هو ثبوت الشفعة فيها.

ثم أشرنا إلى خلاف الفقهاء في شفعة الجوار، وذكرنا أن القول الراجح الذي عليه المحققون من أهل العلم هو ثبوت الشفعة للجار إذا كان بينه وبين جاره اشتراكٌ في حقٍ من الحقوق، كجدارٍ أو طريقٍ أو بئر ونحو ذلك.

وننتقل بعد ذلك للحديث عن بقية الشروط، فنقول:

  • الشرط الثالث: مطالبة الشفيع بالشفعة ساعة علمه بالبيع، فإن لم يطالب بعد علمه بالبيع سقط حقه في الشفعة.

وهذا أيضًا قد سبق أن أشرنا إليه، وأشرنا إلى خلاف الفقهاء فيه، وذكرنا أن القول الراجح هو عدم اشتراط هذا الشرط، وأن الشفعة حقٌ من الحقوق لا يسقط إلا بما يدل على الرضا بإسقاطه، وأن من قال من العلماء بأن الشفعة على الفور قد استند إلى أحاديث ضعيفة لا تثبت.

  • الشرط الرابع: أن يأخذ الشفيع جميع المبيع؛ وذلك لأن في أخذه لبعض المبيع في ذلك إضرارٌ بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه، والضرر لا يزال بالضرر.

ونوضح هذا الشرط بالمثال: رجلان مشتركان في أرض، لكلٍ منهما نصفها، ثم إن أحدهما باع نصيبه منها بمائة ألف ريال، فأراد شريكه أن يشفع في نصف نصيب شريكه فقط بخمسين ألف ريال، فنقول: ليس لك ذلك، إما أن تأخذ نصيب شريكك كاملًا بمائة ألف ريال، وإما أن يسقط حقك في الشفعة.

فإن قال: أريد أن آخذ نصيب شريكي بمائة ألف ريال مؤجلة إلى سنة وليست حالّة، فنقول: ليس لك ذلك أيضًا؛ لأن في التأجيل في هذه الحال إضرارًا بالمشتري، بل قال الفقهاء: حتى وإن أحضر رهنًا أو كفيلًا لم يلزم المشتري قبوله.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن؛ لأن في أخذه بدون دفع الثمن إضرارًا بالمشتري، ولا يزال الضرر بالضرر، فإن أحضر رهنًا أو ضمينًا لم يلزم المشتري قبوله؛ لأن عليه ضررًا في تأخير الثمن، فلم يلزم المشتري ذلك”.

ولكن ماذا لو أن هذا الشريك قد باع نصيبه بثمنٍ مؤجَّل، وأراد شريكه أن يشفع فكيف تكون الشُفْعة في هذه الحال؟

قال الفقهاء: إن الشفيع في هذه الحال يأخذ المبيع بالثمن المؤجَّل نفسه وبالأجل نفسه، ولكن بشرط أن يكون الشفيع مليئًا، أما إن كان الشفيع غير مليء فلا بد من أن يقيم كفيلًا مليئًا دفعًا للضرر عن المشتري.

  • الشرط الخامس: أن يكون للشفيع ملكٌ سابق؛ لأن الشُفعة إنما ثبتت للشريك لدفع الضرر عنه، وإذا لم يكن له ملكٌ سابقٌ فلا ضرر عليه، فلا تثبت له الشفعة حينئذ.

وبناءً على هذا الشرط إذا اشترى اثنان دارًا صفقة واحدة فلا شُفعة لأحدهما على صاحبه.

وبعد أن تكلمنا عن شروط ثبوت الشُفعة نتكلم فيما تبقى من وقت هذه الحلقة عن جملة من المسائل المتعلقة بالشفعة، فنقول:

حق الغائب في الشفعة

مما ذكره الفقهاء من المسائل في هذا الباب أن الغائب لا يسقط حقه في الشفعة حتى وإن طالت غيبته، ويدل لذلك قول النبي : الجار أحق بشفعته، يُنتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا [1]، أخرجه أبو داود، والترمذي، والدارمي، وأحمد.

قال الترمذي رحمه الله: “والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، أن الرجل أحق بشفعته وإن كان غائبًا، فإذا قدِم فله الشفعة وإن تطاول ذلك”.

فإن قال قائل: إن المشتري ربما يتضرر من شفعة الغائب خاصة مع طول الغيبة، فنقول: إن بإمكان المشتري أن يراسل هذا الغائب وأن يسأله عن مدى تمسُّكه بحقه في الشُفعة أو إسقاطه له، خاصة في زماننا هذا الذي تيسّرت فيه وسائل الاتصالات، فبإمكانه أن يرفع عليه سماعة الهاتف مثلًا حتى وإن كان في أقصى الشرق أو الغرب وأن يسأله عن ذلك؛ بذلك يزول الضرر عن هذا المشتري.

الشفعة للصبي والمجنون

ومما ذكره الفقهاء من المسائل في هذا الباب: أن الشُفعة تثبت للصبي والمجنون، يتولاها وليه إذا رأى له في ذلك المصلحة والغبْطة، قال الفقهاء: إذا ترك الولي شفعة للصبي فيها حظٌ له لم تسقط، وله الأخذ بها إذا كبُر، أما إذا تركها لعدم الحظ فيها سقطت.

حق الشفعة في الميراث

ومما ذكره الفقهاء من المسائل في هذا الباب أيضًا: مسألة إرث حق الشُفعة، فإذا مات الشفيع قبل الأخذ بالشُفعة فهل يسقط حقه فيها أم أنه يبقى وينتقل للورثة؟

اختلف العلماء في ذلك، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه إذا مات الشفيع بطلت الشُفعة إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه.

قال الإمام أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء: الشفعة، والحد إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن حق الشفعة لا يبطل بالموت، بل يورث عن الميّت كسائر حقوقه، وهذا هو قول مالك والشافعي، وهذا القول هو الأظهر، والله تعالى أعلم.

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: “الصحيح أن خيار الشرط وثبوت الشُفعة لا يبطل بالموت، سواء طالب به من ثبت له ذلك أم لا، فورثته ينوبون عنه في هذا؛ لأنه من حقوقه المالية، والتركة هي مخلفات الميت من الأعيان والحقوق، وهذا من الحقوق التي ثبوتها لمن بعدها كثبوتها له، فأيُّ شيءٍ يُخرجها عن هذا الأصل؟! قال: وهذا واضحٌ ولله الحمد”.

هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة؛ وأسأل الله ​​​​​​​ أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يوفقنا للعلم والعمل بشريعته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 3518، الترمذي: 1369، والدارمي: 2627، وأحمد: 14253، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.