عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أحكام ومسائل الإجارة
حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج.
وكنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن مسائل متعلقة بالإجارة على العمل، وتكلمنا عن مسألة الأجير الخاص والأجير المشترك، وتكلمنا عن الفروق بينهما.
ونستكمل الحديث في هذه الحلقة عن بقية مسائل الإجارة، ونفتتح هذه الحلقة بالكلام عن مثالٍ معاصرٍ من أمثلة الإجارة على العمل، وهو: عقد المقاولة أو التعمير.
مسائل في عقد المقاولة أو التعمير
ما حقيقة هذا العقد؟ وهل يجوز أن يتضمن شرطًا جزائيًّا، وهل يجوز فيه تأجيل الثمن أو تقسيطه؟ وإذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات فهل يستحق العوض؟ ومتى يضمن المقاول ومتى لا يضمن؟ وهل للمقاول أن يتفق مع مقاولٍ آخر من الباطن للقيام بالعمل؟
هذه المسائل سوف نتحدث عنها في هذه الحلقة، ونقول: إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي قد درس هذا الموضوع في إحدى دوراته، وأصدر فيها قرارًا، ولعلي فيما يأتي أنقل قرار المجمع في ذلك:
قرار مجمع الفقه الإسلامي في عقد المقاولة والتعمير
“إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع عقد المقاولة والتعمير، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ومراعاةً لأدلة الشرع وقواعده ومقاصده، ورعايةً للمصالح العامة في العقود والتصرفات، ونظرًا لأهمية عقد المقاولة ودوره الكبير في تنشيط الصناعة، وفتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي، قرر ما يلي:
أولًا: عقد المقاولة هو: عقدٌ يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئًا أو يؤدي عملًا مقابل بدلٍ يتعهد به الطرف الآخر؛ وهو عقدٌ جائز سواء قدم المقاول العمل والمادة -وهو المسمى عند الفقهاء الاستصناع-، أو قدم المقاول العمل -وهو المسمى عند الفقهاء بالإجارة على العمل.
ثانيًا: إذا قدم المقاول المادة والعمل فينطبق على العقد قرار المجمع بشأن موضوع الاستصناع.
وأقول: سبق أن خصصنا حلقة من هذا البرنامج للكلام عن عقد الاستصناع من جهة أحكامه الشرعية وتطبيقاته المعاصرة، وذكرنا أنه من العقود المشروعة، وأنه ملزمٌ للطرفين إذا توفّرت فيه الأركان والشروط.
ثالثًا: إذا قدّم المقاول العمل فقط فيجب أن يكون الأجر معلومًا.
رابعًا: يجوز الاتفاق على تحديد الثمن بالطرق الآتية:
- الاتفاق على ثمن بمبلغ إجمالي على أساس وثائق العطاءات والمخططات، والمواصفات المحددة بدقة.
- الاتفاق على تحديد الثمن على أساس وحدة قياسية، يُحَدَّدُ فيها ثمن الوحدة والكمية، وطبقًا للرسومات والتصميمات المتفق عليها.
- الاتفاق على تحديد الثمن على أساس سعر التكلفة الحقيقية، ونسبة ربحٍ مئوية، ويلزم في هذه الحال أن يقدّم المقاول بيانات وقوائم مالية دقيقة ومفصّلة، وبمواصفات محددة التكاليف، يرفعها للجهة المحددة في العقد، ويستحق حينئذ التكلفة بالإضافة للنسبة المتفق عليها.
خامسًا: يجوز أن يتضمن عقد المقاولة شرطًا جزائيًّا، بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم يكن هناك ظروف قاهرة.
سادسًا: يجوز في عقد المقاولة تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط لآجال معلومة، أو حسب مراحل إنجاز العمل المتفق عليها.
سابعًا: يجوز الاتفاق على التعديلات والإضافات.
ثامنًا: إذا أجرى المقاول تعديلاتٍ أو إضافات بإذن رب العمل دون الاتفاق على أجرة فللمقاول عوض مثله.
تاسعًا: إذا أجرى المقاول تعديلات أو إضافات دون اتفاق عليها، فلا يستحق عوضًا زائدًا على المسمى، ولا يستحق عوضًا عن التعديلات أو الإضافات.
عاشرًا: يضمن المقاول إذا تعدى أو فرَّط أو خالف شروط العقد، كما يضمن العيوب والأخطاء التي يتسبب فيها، ولا يضمن ما كان بسبب من ربِّ العمل أو بقوة قاهرة.
الحادي عشر: إذا شرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه فلا يجوز له أن يتفق مع مقاول آخر من الباطن.
الثاني عشر: إذا لم يشرط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه، جاز له أن يتفق مع مقاول من الباطن ما لم يكن العمل بعينه مقصودًا أداؤه من المقاول نفسه لوصف مميز فيه مما يختلف باختلاف الأجراء.
الثالث عشر: المقاول مسؤول عن عمل مقاوليه من الباطن، وتظل مسؤولية المقاول الأصلي تجاه رب العمل قائمة وفق العقد.
الرابع عشر: لا يُقبل في عقد المقاولة اشتراط نفي الضمان عن المقاول.
الخامس عشر: يجوز اشتراط الضمان لفترة محددة.
السادس عشر: لا يُقبل في عقد المقاولة اشتراط البراءة من العيوب طيلة فترة الضمان المنصوص عليها في العقد”.
هل يضمن المستأجر العين المؤجرة؟
ونستكمل ما تبقى من أحكام الإجارة فنقول: إن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، وبناءً على ذلك إن تلفت هذه العين من غير تعدٍ منه ولا تفريط لم يضمنه.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة”.
مثال ذلك: رجلٌ استأجر سيارة من محلٍ لتأجير السيارات، ثم حصل خللٌ بهذه السيارة في الطريق؛ فإن هذا المستأجر لا يتحمل مسؤولية إصلاح ذلك الخلل، ما لم يكن تسبب في ذلك الخلل بتعدٍّ منه أو تفريط.
وإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة، فادعى المؤجِّر على المستأجر أنه قد تعدى وأنكر ذلك المستأجر، فالقول قول المستأجر؛ لأنه أمينٌ فأشبه المودَع، ولأن الأصل هو عدم التعدي والبراءة من الضمان، وهذا ما لم يكن للمؤجِّر بيّنة تدل على أن هذا المستأجر قد تعدى، فإن كان له بيّنةٌ فالقول قوله.
نصائح للمستأجر والأجير
ونختم الكلام عن أحكام الإجارة بتوجيه نصائح لكلٍ من المستأجر والأجير، فنقول:
يجب على الأجير أن يتقن العمل ويتمّه، ويحرم عليه الغش في العمل والخيانة فيه.
كما أن المستأجر لهذا الأجير يجب عليه أن يعطي الأجير أجرته كاملة عندما ينهي عمله، وإلا فإن الله سيكون خصمه يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي : ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه فقد خصِمته، وذكر منهم: رجلًا استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره [1]، أخرجه البخاري في صحيحه.
فعمل الأجير أمانةٌ في ذمته، يجب عليه مراعاتها بإتقان العمل وإتمامه وبالنصح فيه، وأُجرة الأجير دينٌ في ذمة المستأجر له، وحقٌ واجبٌ عليه، يجب عليه أداؤه من غير مماطلة ولا نقص.
ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
فإلى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2227. |
---|