logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(53) الإجارة- أقسام الأجير وأحكامه

(53) الإجارة- أقسام الأجير وأحكامه

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أحكام ومسائل الإجارة

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام ومسائل الإجارة، ولعلنا نخصص هذه الحلقة للكلام عن أحكام الأجير؛ فنقول:

أقسام الأجير

الأجير ينقسم عند الفقهاء إلى قسمين:

  • أجيرٌ خاصٌ.
  • وأجير مشترك.

فالأجير الخاص: هو من استؤجِر مدةً معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها، ولا يشاركه فيها أحد.

ومن أمثلة الأجير الخاص في الوقت الحاضر: السائق الذي يُتعاقد معه لمدة معينة كسنة أو سنتين مثلًا، ومثل ذلك الخادم والعامل ونحو ذلك.

وسُمّي أجيرًا خاصًا؛ لأن المستأجر يختص بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس.

وأما الأجير المشترك: فهو من قُدِّر نفعه بالعمل، ولا يختص به واحدٌ، بل يتقبّل أعمالًا لجماعة في وقت واحد، ومن أمثلة الأجير المشترك في وقتنا الحاضر الغسّال وفنّي إصلاح السيارة مثلًا ونحو ذلك.

هل يلزم الأجير أن يقوم بالعمل بنفسه؟

فمن استأجر أجيرًا خاصًا أو مشتركًا، فهل يلزم ذلك الأجير أن يقوم بالعمل بنفسه، أو له أن ينيب عنه غيره، وهل يضمن ذلك الأجير ما تلف بفعله؟

نقول:

أما إن اشترط المستأجر على الأجير أن يعمل بنفسه، فقد اتفق الفقهاء على وجوب عمله بنفسه، وحينئذ فليس له استنابة غيره.

وأما إن كان العقد مطلقًا عن الشرط، أو ما يقوم مقامه، فإن كان الأجير خاصًا فيلزمه أن يعمل بنفسه، وليس له أن ينيب عنه غيره، إلا إذا أذن له المستأجر في ذلك.

وأما الأجير المشترك فله أن يعمل بنفسه، وله أن يعمل بأجرائه تحت إشرافه؛ لأن العقد إنما وقع على عملٍ في ذمته، فمثلًا: استأجرت طبّاخًا ليطبخ لك طعام وليمة، فهذا الطبّاخ بالنسبة لك يُعتبر أجيرًا مشتركًا؛ لأنه يطبخ لك ولغيرك، فله أن يطبخ بنفسه أو ينيب غيره ليطبخ تحت إشرافه إلا إذا شرطت عليه أن يطبخ لك بنفسه فيلزمه ذلك.

ضمان ما تلف بفعل الأجير

وأما بالنسبة للمسألة الثانية وهي: ضمان ما تلِف بفعله، فإن كان الأجير خاصًا فإنه لا يضمن ما تلِف بيده إلا إذا تعدى أو فرّط؛ وذلك لأن الأجير الخاص أمينٌ ونائبٌ عن المالك فلم يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وهذا الحكم محلّ اتفاقٍ بين الفقهاء.

والتعدي معناه: فعل ما لا يجوز، والتفريط معناه: ترك ما يجب.

ونوضح هذه المسألة بالأمثلة:

  • المثال الأول: هذا سائقٌ يعمل عند رجلٍ بمرتب شهري وحصل خلل في هذه السيارة التي يقودها هذا السائق من غير تعدٍ من السائق ولا تفريطٍ منه، فإن هذا السائق لا يضمن ما يحصل بسبب ذلك الخلل، ولكن لو أن هذا السائق حصل منه تعدٍ كأن يكون أسرع بالسيارة سرعة كبيرة، فتسبب ذلك في حادثٍ مروريٍ مثلًا فإن هذا السائق يضمن التلف الحاصل في السيارة لأجل تعديه.
    وكذا لو حصل من ذلك السائق تفريطٌ، كأن يترك السيارة مفتوحة والمفاتيح بداخلها، فتُسرقُ تلك السيارة؛ فإن هذا تفريطٌ منه، ولذلك فإنه يضمن قيمة تلك السيارة لكونه قد فرّط في حفظها.
  • مثال آخر: إذا وقع إناءٌ من الخادم في البيت فانكسر، فإن الخادم لا يضمن قيمة ذلك الإناء إلا إذا كان ذلك بتعدٍ منه أو تفريط.
  • مثالٌ آخر: عاملٌ يعمل بمرتب شهري في مصنع أو معمل أو ورشة، فتسبب بطريق الخطأ في كسر آلة من الآلات أو في إتلافها، فإنه لا يضمن ذلك التلف، إلا إذا كان بتعدٍ منه أو تفريط.

فالتعدي: كأن يُكلِّف الآلة فوق طاقتها فيتسبب في انكسارها، فإنه يضمن لكونه قد تعدى.

والتفريط: كأن يحصل منه إهمالٌ فيما تحتاج إليه الآلة من تزييت ونحو ذلك، فإنه يضمن في هذه الحال بسب تفريطه.

هذا بالنسبة للأجير الخاص.

وأما الأجير المشترك: فإنه يضمن التلف إذا تعدى أو فرّط، مثال ذلك: رجلٌ وضع ثوبه عند غسّالٍ لغسله، ثم إن هذا الغسّال وضع مادةً تغيَّر بسببها لون الثوب، أو أن هذا الغسّال نسي الثوب تحت الآلة التي يُكوى بها فتلِف بسبب ذلك، فإن هذا الغسّال يضمن ذلك التلف.

ولكن هل يضمن الأجير المشترك التلف الحاصل بغير تعدٍ منه ولا تفريط؟ ففي مثالنا السابق لو أن الثوب تلِف عند الغسّال أو تمزّق بعضه من غير تعدٍ من ذلك الغسّال ولا تفريطٍ منه، فهل يُضمّن؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

  • القول الأول: أن الأجير المشترك يضمن ما تلِف بفعله، ولو كان ذلك التلف بغير تعدٍ منه ولا تفريط؛ وإلى هذا القول ذهب الحنفية والمالكية، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، وقد روي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، فقد روي عنه أنه كان يضمّن الأجراء ويقول: لا يصلح الناس إلا على هذا.
  • القول الثاني: أن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف بفعله إذا كان ذلك بغير تعدٍ منه ولا تفريط؛ وإلى هذا القول ذهب الشافعية، وهو رواية عند الحنابلة، قال المرداوي في “الإنصاف”: “والنفس تميل إليه”.

وهذا القول الأخير -وهو القول بعدم تضمين الأجير المشترك إذا كان التلف حصل بغير تعدٍ منه ولا تفريط- نقول: لعل هذا القول هو الأظهر في هذه المسألة -والله تعالى أعلم-؛ وذلك لأنه أمينٌ والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

وبناءً على ترجيح هذا القول نقول: إن الأجير لا يضمن مطلقًا إلا بالتعدي أو التفريط، سواء كان أجيرًا خاصًا، أو أجيرًا مشتركًا.

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: “الصحيح أن الأجير غير ضامن، سواء كان خاصًا أو مشتركًا؛ لأنه من الأمناء الذين لا يضمنون إلا بالتعدي أو التفريط..

قال: ويُحمل ما ورد عن علي  في تضمينهم بما إذا كان ثمة تعدٍ أو تفريط، وإلا فليسوا غاصبين حتى يُرتَّب عليهم الضمان.

وأيضًا فالضمان مرتَّبٌ على اليد والتصرّف، فإذا كانت اليد يدًا عادية رُتِّب عليها الضمان، وإذا كان التصرُّف ممنوعًا رُتِّب عليه الضمان، والأجير يده غير عادية وتصرُّفه غير ممنوع، بل مأمورٌ به من جهة المؤجِّر”.

نلخص من هذه المسألة: أن الأجير ينقسم إلى قسمين:

  • أجيرٌ خاص، وهو من قُدِّر نفعه بالزمن.
  • وأجيرٌ مشتركٌ، وهو من قُدِّر نفعه بالعمل.

وأن الأجير الخاص كالسائق مثلًا لا يضمن ما تلِف بفعله، إلا إذا كان ذلك بتعدٍ منه أو تفريط.

وأن الأجير المشترك كالغسّال مثلًا إذا تعدى أو فرَّط فإنه يضمن، أما إذا لم يتعد ولم يفرِّط فقد اختلف العلماء في تضمينه، والقول الراجح أنه لا يضمن إلا إذا حصل منه تعدٍّ أو تفريط.

ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة.

وأسأل الله ​​​​​​​ أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل.

ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة
zh