logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه المعاملات/(20) مسائل متعلقة بالربا

(20) مسائل متعلقة بالربا

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المستمعون: كان الحديث في الحلقات السابقة عن مسائل الربا، ووعدنا باستكمال الكلام عن بقية مسائل الربا.

فنذكر في هذه الحلقة جملة من المسائل المتعلقة بباب الربا، ونستكمل كذلك الحديث عنها في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

مسائل متعلقة بالربا

فنذكر جملة من المسائل، فنقول:

  • المسألة الأولى: سبق تحرير القول في علّة الربا، وأنها في الذهب والفضة والأوراق النقدية مطلق الثمنية، وفيما عداها الكيل أو الوزن مع الطعم.
    وبناءً على ذلك يختلف الحكم عند بيع شيئين مما يتحقق فيه علة الربا على النحو الآتي:
    • أولًا: عند اختلاف علّة الربا بينهما لا يُشترط التقابض ولا التماثل، مثال ذلك: بيع الذهب بالبُر، فالعلة في الذهب هي مطلق الثمنية، والعلة في البر هي الكيل مع الطعم، ومع اختلاف العلة يجوز التفاضل والنسأ، ومثل ذلك أيضًا بيع التمر بالأوراق النقدية، فالعلة في التمر هي الكيل مع الطعم، والعلة في الأوراق النقدية هي مطلق الثمنية، ومع اختلاف العلة لا يُشترط التقابض ولا التماثل.
    • ثانيًا: عند اتحاد علة الربا مع اتحاد الجنس يُشترط التماثل والتقابض؛ لقول النبي : الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد [1].
      فقوله : مثلًا بمثل نصٌ في اشتراط التماثل، وقوله: يدًا بيد نصٌ في اشتراط التقابض.
    • ثالثًا: عند اتحاد علة الربا مع اختلاف الجنس يُشترط التقابض فقط، ولا يُشترط التماثل؛ لقول النبي : فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد، مثال ذلك: بيع البر بالتمر، يُشترط فيه التقابض فقط، ولا يُشترط التماثل، وكذلك بيع الذهب بالفضة أو بالأوراق النقدية يُشترط فيه التقابض فقط.
  • المسألة الثانية: الجهل بالتساوي في باب الربا كالعلم بالتفاضل؛ وبناءً على ذلك فما يُشترط فيه التساوي لا يجوز بيعه مع الجهل بمقداره؛ وذلك كبيع صبرة برٍ بصبرة بر، أو بيع تمرٍ بتمر جزافًا من غير تقديرٍ بكيل أو وزن.
  • المسألة الثالثة: أن الشريعة الإسلامية قد بالغت في سد جميع الذرائع الموصلة للربا، ولو من وجهٍ بعيد، ومن ذلك أن النبي نهى عن بيع الرطب بالتمر، ولو مع التساوي في الكيل والتقابض؛ وذلك لأن الرطب ينقص إذا يبس، فلا يتحقق التماثل على وجهٍ دقيق، فعن سعد بن أبي وقاص : “أنّ النبي سُئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك” [2]، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد.
    وقد جعل الفقهاء هذا الحديث أصلاً لمنع كل ما لم يتحقق معه التماثل، فما يُشترط فيه التساوي، ولو كان التفاوت معه يسيرًا، قالوا:

    • لا يجوز بيع ربوي بعصيره، كزيتونٍ بزيت زيتون، أو عِنَبٍ بعصير عنب.
    • ولا يجوز بيع خالص ربوي بمشوبه: كبُرٍّ فيه شعير ببرٍّ خالص، ويدخل في ذلك بيع الذهب النقي الخالص بذهبٍ مشوب، كبيع ذهبٍ من عيار 24 بذهب من عيار 21، ولو مع التساوي في الوزن والتقابض؛ وذلك لأن الذهب من عيار 24 يعتبر ذهبًا خالصًا نقيًّا، بينما الذهب من عيار 21 ليس ذهبًا نقيًّا خالصًا، بل هو ذهبٌ مشوب، ولا يجوز بيع خالص ربوي بمشوبه؛ ولذلك لو أن امرأة عندها مثلًا جرام ذهب مستعمل من عيار 24، وتريد أن تستبدله بجرام ذهبٍ جديد من عيار 21، فإن هذا لا يجوز ولو مع التقابض، والمخرج لها في هذا هو أن تبيع الذهب المستعمل بدراهم، ثم تشتري بالدراهم ذهبًا جديدًا.
    • ولا يجوز بيع نيءٍ ربوي بمطبوخه، فلا يجوز بيع خبز البر بالبر، ولو مع التساوي في الوزن والتقابض؛ وذلك لأن النار تعقّد أجزاء المطبوخ.
  • المسألة الرابعة: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه، فلا يجوز بيع لحم ضأن بضأنٍ مثلًا، ولا بيع لحم جملٍ بجمل؛ لما روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب: “أن النبي نهى عن بيع اللحم بالحيوان” [3]، وهذا الحديث ضعيفٌ لإرساله، ولكن له شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البزار، وله شاهد آخر من حديث سمرة عند البيهقي والحاكم، فيتقوى بهما.
    وذهب بعض العلماء إلى أنه: إن كان قَصْد مشتري الحيوان اللحم، فإنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان؛ لهذا الحديث؛ ولأنه يكون حينئذٍ كأنه باعه لحمًا بلحمٍ مع التفاضل، أما إن كان قصد المشتري الانتفاع بذلك الحيوان بغير الأكل كركوب أو حرث، ونحو ذلك، فلا يحرم حينئذٍ بيع اللحم بالحيوان، وهذا القول الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم رحمة الله تعالى عليه، ولعل هذا القول هو الأقرب في المسألة والعلم عند الله تعالى.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “الصواب أن الحيوان إذا كان مقصودًا للحم كشاة يقصد لحمها فتباع بلحمٍ، فيكون قد باع لحمًا بلحمٍ أكثر منه من جنسٍ واحد، واللحم قوتٌ موزون فيدخله ربا الفضل، وأما إذا كان الحيوان غير مقصودٍ به اللحم، كما إذا كان غير مأكول، أو كان مأكولاً لا يُقصد لحمه كالفرس تباع بلحم إبل، فهذا لا يحرم بيعه به”.
    هذا ما يتعلق ببيع اللحم بالحيوان؛ وأما بيع الحيوان بالحيوان فقد اختلف الفقهاء في جريان الربا فيه، والأظهر -والله تعالى أعلم- أنه لا يجري فيه الربا مطلقًا، فيجوز بيع الحيوان بالحيوان، سواء بيع بجنسه، أو بغير جنسه، متساويًا أو متفاضلًا، وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف، ويدل لذلك حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: “أن النبي أمره أن يجهّز جيشًا فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة إلى إبل الصدقة” [4] أخرجه أبو داود والدارقطني والبيهقي والحاكم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “إسناده قوي”، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في جواز بيع الحيوان بالحيوان مع التفاضل والنسأ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “هذا الحديث صريحٌ في جواز المفاضلة والنسأ، وهو حديثٌ حسن”.
    وأما حديث سمرة: “أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة” فقد أخرجه أبو داود في سننه، ولكنه حديثٌ ضعيف لا يصح؛ لكونه قد جاء مرويًا من طريق الحسن عن سمرة، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: “لا يصح سماع الحسن من سمرة”، وقال البيهقي: “أكثر الحُفَّاظ لا يُثبون سماع الحسن من سمرة غير حديث العقيقة”.

تلخّص مما سبق:

أن اللحم يجري فيه الربا، فيُشترط عند بيع لحم بلحم من جنسه التقابض والتماثل، وأما بيع اللحم بالحيوان فالراجح -كما سبق- أنه إذا كان المقصود بالحيوان اللحم لم يجز، وإن كان المقصود بشرائه الانتفاع به بغير الأكل جاز بيع اللحم بالحيوان، وأما بيع الحيوان بالحيوان، فالراجح أنه يجوز مع التفاضل والنسأ.

ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، وإلى حلقة قادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1584.
^2 رواه أبو داود: 3359، والترمذي: 1225، وابن ماجه: 2264، والنسائي: 4545، وأحمد: 1515، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^3 رواه مالك في الموطأ، رواية يحيى الليثي: 1335.
^4 رواه أبو داود: 3357، والدارقطني: 3054، والبيهقي في السنن الكبرى: 10528، والحاكم في المستدرك: 2340.
مواد ذات صلة
zh