عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام صلاة العيد، وأبتدئ الحديث في هذه الحلقة عن مسألة حكم صلاة العيد، وقد اختلف فيها العلماء.
حكم صلاة العيد
- ذهب بعضهم إلى أنها سنة؛ وهذا هو مذهب المالكية والشافعية.
- وذهب آخرون إلى أنها فرض كفاية، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
- وذهب آخرون إلى أنها فرض عين، وهذا هو مذهب الحنفية.
والأقرب والله تعالى أعلم أنها فرض كفاية؛ وذلك لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولهذا أمر النبي بإخراج العواتق والحيَّض وذوات الخدور، مع أن الحيَّض لا يصلين وإنما يعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، وكل ذلك مبالغةٌ في إظهار شعار الإسلام في هذا اليوم، وهذا من شأن فروض الكفايات، لا فروض الأعيان.
وأما ما استدل به القائلون بالوجوب من حديث أم عطية: “أمرنا رسول الله أن نُخرِج العواتق والحِيَّض وذوات الخدور” [1]، فليس هذا الحديث بظاهر الدلالة على الوجوب؛ لأن من جملة من تناولهن الأمر الحِيَّض؛ وهنَّ لا تجب عليهن الصلاة، بل ولا يجوز لهنَّ أن يصلين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “استُدلَّ بهذا الحديث على وجوب صلاة العيد، وفيه نظر؛ لأن من جملة من أُمِر بذلك من ليس بمكلَّف، وظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع”.
حكم مخالفة الطريق والصلاة في المصلى
والسنة لمن ذهب لصلاة العيد أن يخالف الطريق، فيذهب في طريقٍ ويرجع في طريقٍ آخر، ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: “كان النبي إذا كان يوم العيد خالف الطريق” [2].
قال ابن القيم رحمه الله: “كان يخالف الطريق يوم العيد؛ فيذهب في طريق، ويرجع في آخر، فقيل: ليسلِّم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهِر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزّة الإسلام وأهله وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه يُرفع له بها درجة والأخرى يُحطُّ عنه بها خطيئة، وقيل هو الأصح: إنه لذلك كله ولغيره من الحِكَم”.
والسنة أن تؤدى صلاة العيد في الصحراء قريبًا من البنيان، هذا هو هدي النبي وهدي خلفائه الراشدين من بعده.
قال ابن القيم رحمه الله: “كان يصلي العيدين في المصلى، ولم يصلِّ العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطرٌ فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث”.
وهذا الحديث الذي أشار إليه ابن القيم رحمه الله لم يثبت، فقد أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وفي سنده رجلان مجهولان.
متى تكون الخطبة في العيدين؟
والسنة تقديم صلاة العيد على الخطبة، وقد رأى بعض خلفاء بني أمية تقديم الخطبة على الصلاة لأجل أن يستمع الناس لخطبتهم؛ لأن من الناس من كان ينصرف ولا يستمع للخطبة، وقد أنكر على هؤلاء الولاة من أنكر من الصحابة، جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: “كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوسٌ على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم”، قال أبو سعيد: “فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبرٌ بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله، فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خيرٌ مما لا أعلم، فقال مروان: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة” [3].
صفة صلاة العيد
والسنة أن يكبِّر في الركعة الأولى ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “السنة أن يستفتح بعد تكبيرة الإحرام ثم يكبِّر تكبيرات العيد، ثم يتعوذ ثم يقرأ. هذا هو المشهور في المذهب أيْ عند الحنابلة ومذهب الشافعي، وعن الإمام أحمد أن الاستفتاح بعد التكبيرات، اختارها الخلال وهو قول الأوزاعي، ثم قال الموفق: وأيما فعل -أيْ من الأمرين- كان جائزًا. أيْ أن له أن يكبِّر ثم يستفتح ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد، أو أنه يكبِّر ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد ثم يستفتح، والأمر في ذلك واسعٌ إن شاء الله”.
ويكبِّر في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام؛ لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: “أَنَّ النَّبِيَّ كبَّر ثنتي عشرة تكبيرة؛ سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية” [4]، رواه أحمد، ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
وروي عن ابن مسعود أنه كان يقول بين كل تكبيرتين: “الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وصلى الله على محمدٍ النبي وآله وسلَّم تسليمًا”؛ وهذا الذكر لم يرد عن النبي ، وإنما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قال ابن القيم: “ولم يحفظ عن النبي ذِكرٌ معيَّنٌ بين التكبيرات”.
على أن في ثبوت ذلك عن ابن مسعود مقالًا، والأولى ألا يقال شيءٌ بين التكبيرات؛ إذ لو كان مشروعًا لفعله النبي ولنُقِل، والله تعالى أعلم.
والسنة أن يقرأ في صلاة العيد بعد الفاتحة بسورة ق في الركعة الأولى، وسورة: اقْتَرَبَتِ في الركعة الثانية.
وهناك سنة أخرى قد وردت بها السنة في القراءة في صلاة العيد بعد الفاتحة وهي قراءة: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى في الركعة الأولى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ في الركعة الثانية.
بم تستفتح خطبة العيد؟
ثم بعد الصلاة يخطب الإمام بالناس؛ واستحب بعض الفقهاء أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، ويستفتح الخطبة الثانية بسبع تكبيرات، وذهب بعض العلماء إلى أن السنة أن يفتتح خطبة العيد بـ”الحمد لله”، وهذا هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، وقد رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمها الله تعالى.
قال ابن القيم: “كان النبي يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير”.
حكم حضور خطبة العيد والاستماع لها
وهل يجب على المأموم الجلوس لاستماع خطبة العيد؟
اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أجاز له ذلك؛ وهذا هو المذهب عند الحنابلة، لما روى عبدالله بن السائب قال: “شهدت العيد مع النبي فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب”.
وذهب بعض العلماء إلى أن حضور خطبتي العيد واستماعهما فرض كفاية لمداومة النبي على ذلك، ولئلا تنصرف جموع المسلمين بلا موعظة لا تذكير، وهذا هو القول الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، وأما حديث عبدالله بن السائب السابق ذكره فقد أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة، وذكر جمعٌ من الحُفّاظ أن الصواب أنه مرسل، وممن ذكر ذلك: الإمام أحمد، وابن معين، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وابن خزيمة، والبيهقي، وعليه فيكون هذا الحديث ضعيفًا.
حكم التكبير في العيدين ووقته
ويُسنُّ التكبير المطلق في ليلتي عيدين؛ لقول الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وإكمال العدة يكون بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان.
قال بعض أهل العلم في معنى الآية: لتكملوا عدة رمضان، ولتكبّروا الله عند إكماله على ما هداكم، والتكبير ليلة عيد الفطر آكد منه في ليلة عيد الأضحى، قال عبدالله بن الإمام أحمد: “قرأت على أبي إذا خرج الناس يوم الفطر ويوم الأضحى يكبّرون، قال الإمام أحمد: يوم الفطر أشد؛ لقول الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ [البقرة:185]”.
ويُستحب رفع الصوت بالتكبير بالنسبة للرجال إظهارًا للشعيرة، وهذا هو المأثور عن عددٍ من الصحابة ، وأما النساء فكالرجال في ذلك؛ إلا إذا كان حولهن رجالٌ أجانب فيكبِّرن سرًا، ويكون التكبير المطلق كذلك في عشر ذي الحِجَّة، ويكون كذلك في أيام التشريق.
فالحاصل أن التكبير المطلق يكون في ليلتي العيدين ومن دخول عشر ذي الحِجَّة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وأما التكبير المقيَّد وهو الذي يكون عقِب كل صلاة فريضة في جماعة؛ فيبتدئ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق لغير الحاج، وأما بالنسبة للحاج فمن ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
وصفته أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا السداد في القول والعمل، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال.
وإلى الملتقى في الحلقة القادم إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.