logo
الرئيسية/برامج إذاعية/مجالس الفقه/(50) برنامج مجالس الفقه- الأحكام المتعلقة بالأضحية

(50) برنامج مجالس الفقه- الأحكام المتعلقة بالأضحية

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- في برنامجكم: (مجالس الفقه).

 (مجالس الفقه) برنامجٌ يُذاع عبر أثير "إذاعة القرآن الكريم"، نتدارس فيه المسائل الفقهية والنوازل المعاصرة مما يحتاج إلى معرفتها كل مسلمٍ.

يصحبنا في هذا البرنامج فضيلة شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية، والمدرس بالحرمين الشريفين، فباسمي وباسمكم جميعًا نرحب بشيخنا، فمرحبًا.

الشيخ: أهلًا وسهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الأحكام المتعلقة بالأضحية

شيخنا، في هذه الحلقة -بإذن الله - سنتدارس شيئًا من المسائل والأحكام المتعلقة بالأضحية، وأود -قبل البدء في تفاصيل مسائلها- أن نعرف ما حكم الأضحية في الشريعة؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

تعريف الأضحية وحكمها

فالأضحية واحدة الأضاحي، يقال: أُضحيةٌ وإضحيةٌ، "أُضحيةٌ" بضم الهمزة، و"إضحيةٌ" بكسرها، ويقال أيضًا: ضحيَّةٌ.

وهي سنةٌ مؤكدةٌ عند جماهير الفقهاء، وهذا هو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة وأكثر أهل العلم.

ومن الفقهاء من ذهب إلى وجوبها على من ملك نصابًا، وهم فقهاء الحنفية، واستدلوا بحديث: من وجد سعةً فلم يُضحِّ؛ فلا يقربن مصلانا [1]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، أخرجه ابن ماجه وأحمد بسندٍ ضعيفٍ.

والقول الراجح والله أعلم: أن الأضحية سنةٌ مؤكدةٌ، ومما يدل لذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يُضحِّي؛ فلا يمسَّ من شعره وبشره شيئًا [2] رواه مسلمٌ.

فقوله : وأراد، جعل ذلك راجعًا إلى إرادته؛ وهذا يدل على عدم وجوبها، وبهذا يُعلم خطأ بعض العامة الذين يعتقدون وجوب الأضحية، فإن بعض العامة من واقع أسئلتهم واستفتاءاتهم يعتقدون أن الأضحية واجبةٌ؛ ولذلك بعضهم قد لا يملك ثمن شراء الأضحية، ثم يبدأ يسأل: ماذا أفعل؟ هل أقترض، أو ماذا أفعل؟ نقول: الأضحية ليست واجبةً، لكن من كان قادرًا عليها؛ فينبغي أن يُضحِّي؛ لأنها شعيرةٌ وعبادةٌ عظيمةٌ، وفيها الاقتداء بنبينا محمدٍ وإبراهيم الخليل، عليهما الصلاة والسلام، الذي أُمر بذبح ابنه فلم يتردَّد، فكيف بمن يُؤمر بذبح شاةٍ فيتردد أو يبحث عن مخارج؟!

فمن كان قادرًا على ذبح الأضحية؛ فعليه أن يُبادر؛ فإنها من شعائر الله، والله تعالى يقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

فإذن: حكمها -على القول الراجح- أنها سنةٌ مؤكدةٌ، لكن تجب بالنذر، فإذا نذر الإنسان أن يذبح أضحيةً؛ فإنها تجب بالنذر عند عامة أهل العلم.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفعنا بعلومكم.

الاقتراض من أجل شراء الأضحية

شيخنا، أشرتم قبل قليلٍ إلى مسألةٍ: وهي أنه إذا كان غير واجدٍ لقيمتها، هل يُشرع في مثل هذه الحال أن يقترض لأجل أن يضحي؟

الشيخ: إذا كان لديه مصدرُ دخلٍ؛ فلا بأس أن يقترض، ولما سُئل الإمام أحمد عن هذا؛ قال: "نعم يقترض، وأرجو أن يُخلف الله عليه"، وإن كان هذا قد ورد في العقيقة، لكن هذا أيضًا ينطبق على الأضحية، أنه يقترض، وإذا كان يغلب على ظنه أنه سيُسدِّد؛ كمن يكون له راتبٌ مثلًا أو دخلٌ شهريٌّ، أما من يخشى ألا يُسدِّد الدَّين؛ فلا يقترض؛ لأن الأضحية ليست واجبةً، بينما الدَّين سيُرتِّب في ذمته أمرًا واجبًا، فإذا كان ليس واثقًا من سداد الدين؛ فلا يقترض، أما إذا كان واثقًا من سداد الدين؛ بسبب أن له دخلًا شهريًّا يأتيه؛ فلا بأس أن يقترض.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

تعيين الأضحية

شيخنا، هناك أناسٌ ربما اشتروا الأضحية واختاروها، ثم بدا لهم أن يتراجعوا عن ذبحها، أو أن يتصرفوا بها تصرفًا آخر، وهي مسألةٌ يتطرق إليها الفقهاء في باب تعيين الأضحية، فبماذا يمكن أن تتعين الأضحية؟ هل تتعين بالفعل أو تتعين بالقول؟ وما الذي يترتب على هذا التعيين فيما لو حصل؟

الشيخ: الأفضل عدم التعيين؛ لأن تعيينها يُؤدِّي إلى وجوبها؛ فتُشبه النذر، ويُؤدِّي كذلك إلى عدم تغييرها، ولكن إذا عينها؛ فإنها تتعين، وتعيينها بأن يقول: هذه أضحيةٌ، ومثل ذلك في الهدي، أيضًا يقول: هذا هديٌّ، فإذا قال ذلك؛ فإنها تتعين، وتكون حينئذٍ واجبةً، وذلك لأن هذا اللفظ لفظٌ يقتضي الإيجاب، فترتب عليه مقتضاه، ولأنه إذا قال: هذه أضحيةٌ؛ خرجت من ملكه لله ، فلم يملك الرجوع فيها؛ فتُصبح في حقه واجبةً، ولكن اشترط العلماء لذلك أن يقول هذا الكلام، أن يقول: هذه أضحيةٌ، أو يقول: نذرٌ، قاصدًا إنشاء تعيينها، أما إذا قصد الإخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل؛ فإنها لا تتعين؛ لأن هذا إخبارٌ عما في نيته أن يفعل، لو قال مثلًا: هذه الشاة سوف أُضحي بها إن شاء الله، فلا تتعين؛ لأن هذا خبرٌ وليس إنشاءً، أما لو قال: هذه أضحيةٌ، قاصدًا التعيين؛ فإنها تتعين ويجب عليه أن يُضحِّي بها؛ لأنها خرجت من ملكه لله ، وهكذا أيضًا لو قال: هديٌ، وكذلك أيضًا..

المقدم: هذا -أحسن الله إليكم- التعيين بالقول؟

الشيخ: هذا التعيين بالقول، وكذلك أيضًا التعيين بالفعل، هذا يكون في الهدي بالإشعار والتقليد، والإشعار معناه: أن يسلُت صفحة سنام الناقة حتى يسيل الدم، والتقليد: أن يُقلِّد بهيمة الأنعام بنعلٍ ونحوه، وقد ذكر الله ذلك في القرآن في قوله: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ [المائدة:2]، ولكن إذا اشترى شاةً بنية أنها أضحيةٌ ولم يتلفَّظ، ولكن اشترى شاةً وهو ينوي أن يُضحِّي بها، فهل تتعين بهذا الشراء؟

من الفقهاء من قال: إن الأضحية، وهكذا الهدي، يتعينان بنية الشراء، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد.

والقول الثاني: إنهما لا يتعينان بنية الشراء، وهو مذهب المالكية، وهو أيضًا ظاهر مذهب الحنابلة.

والقول الراجح: أنهما لا يتعينان بنية الشراء، فلو اشترى شاةً بنية الأضحية؛ لا تتعين، قياسًا على الوقف والصدقة والعتق، فإنه مثلًا لو اشترى بيتًا ليجعله وقفًا؛ فإنه لا يصير وقفًا بمجرد النية، وهكذا لو أخرج من جيبه دراهم ليتصدق بها؛ فإنها لا تتعين للصدقة، بل هو بالخيار؛ إن شاء أنفذها، وإن شاء أمسكها، عند عامة أهل العلم، وهكذا أيضًا نقول: إذا اشترى شاةً بنية الأضحية أو الهدي، فإنها لا تتعين بنية الشراء؛ وعلى هذا نقول: إن الأضحية إنما تتعين بالقول فقط، بأن يقول: هذه أضحيةٌ، قاصدًا بذلك الإنشاء والهدي كذلك، إلا أن الهدي يزيد بالإشعار والتقليد، ولا يتعينان بنية الشراء على القول الراجح.

وإذا تعينت الأضحية بأن قال: هذه أضحيةٌ، أو قال: هذا هديٌّ، أو بالإشعار أو التقليد للهدي؛ يترتب على ذلك -يعني يترتب على التعيين- أنه لا يجوز أن يبيعها، ولا أن يهبها، إلا أن يُبدلها بخيرٍ منها؛ لأنها بمجرد التعيين خرجت من ملكه لله .

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر الله لكم.

أفضل ما يُضحَّى ويُهدى به

شيخنا، إذا أراد الإنسان أن يُضحِّي؛ فأمامه أصنافٌ من المضحَّى به -وهي بهيمة الأنعام- فهل هناك حثٌّ أو أفضليةٌ لنوعٍ دون آخر، سواءٌ من الإبل أو من البقر أو من الغنم؟

الشيخ: أفضل ما يُضحَّى ويُهدى به: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، لكن قولنا: الإبل، ثم البقر، إن أخرجها كاملةً وليست سُبعًا؛ وذلك لأنها أنفع للفقراء وأكثر ثمنًا، فكانت أفضل، ومما يدل لذلك: ما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة  أن النبي قال: من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرَّب بَدَنةً، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّب بيضةً، فإذا دخل الإمام؛ طُويت الصحف، وأقبلت الملائكة تستمع الذكر [3]، أي الخطبة، فهذا الحديث يدل على أن الأفضل: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم؛ لأن النبي جعل من راح للجمعة في الساعة الأولى كأنما قرَّب بدنةً، أما الثانية فأقل منها، فجعله كأنما قرَّب بقرةً، والثالثة أقل، فكأنما قرَّب كبشًا أقرن؛ وهذا يدل على أن أفضل ما يكون في الأضحية والهدي: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم.

ولكن ما الأفضل من الأضحية في الجنس الواحد؟ يعني الغنم مثلًا، ما الأفضل أن يُضحِّي به في الغنم؟

قال بعض الفقهاء: الأفضل من كل جنسٍ أسمنه، فنظروا إلى السمن، وقالوا: إن السمن مرغوبٌ في بهيمة الأنعام، فيكون الأسمن الأفضل.

وذهب بعض المحققين من أهل العلم -ومنهم أبو العباس ابن تيمية رحمه الله- إلى أن الأفضل هو الأغلى ثمنًا، وهذا هو القول الراجح؛ لحديث أبي ذرٍّ قال: سألت النبي : أي العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيله، قلت: فأيُّ الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها [4]؛ وذلك لأن الأغلى ثمنًا يكون أطيب وأحسن وأكمل في عرف الناس، والغالب أن الأسمن هو الأكثر ثمنًا، لكن هذا ليس مطردًا، فإذا أردنا أن نضع ضابطًا لما هو الأفضل في الهدي والأضحية؛ فهو الأغلى ثمنًا؛ فمثلًا: لو كانت هذه الأضحية بألف ريالٍ، وأضحيةٌ أخرى بألفٍ وخمسمئةٍ؛ فالتي بألفٍ وخمسمئةٍ هي الأفضل والأعظم أجرًا وثوابًا، وإذا كان المسلم عنده يسارٌ وقدرةٌ، ينبغي له أن يختار ما هو الأفضل؛ لأن هذا يدخل في تعظيم شعائر الله، والله يقول: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "أجَلُّ العبادات المالية: النحر، وأجل العبادات البدنية: الصلاة، وقد جمع الله بينهما في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وفي قوله: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]".

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

لكن شيخنا إذا قُدِّر أن التي كانت أغلى ثمنًا قابلها ما هو أقل منها ثمنًا، إلا أنها أطيب لحمًا وأفضل؛ فهنا تبقى المفاضلة بأن الأغلى ثمنًا هي الأولى؟

الشيخ: الغالب أن الأطيب لحمًا هو الأغلى ثمنًا، هكذا هو في عرف الناس، وأما كونه يكون أطيب لحمًا وليس أغلى ثمنًا، فهذا قد يكون أحيانًا لأسبابٍ أخرى، لكون هذا النوع من الأغنام طرأ عليه طارئٌ؛ مثلًا: كالتي تستخدم في بعض المسابقات، ونحو ذلك، لكن من حيث الأعم الأغلب: أن ما كان أطيب لحمًا وأجود أنه الأغلى ثمنًا، والأغلى ثمنًا في عرف الناس، وليس في صفقةٍ واحدةٍ؛ لأن بعض الناس أيضًا قد يرفع السعر رفعًا غير مبرَّرٍ، لكن إذا كان في عرف الناس وعرف أهل السوق أن هذه الأغنام أغلى ثمنًا من تلك؛ فالأغلى ثمنًا هي الأفضل والأعظم أجرًا وثوابًا.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

حكم الاشتراك في الأضحية

بعض الناس شيخنا ربما لا يقوى على أن يتولَّى أضحيةً كاملةً بنفسه، فيلجأ إلى الاشتراك بالأضحية، ويسأل: هل يجوز له الاشتراك في الأضحية؛ بأن يتشارك هو وشخصٌ آخر في ذلك؟

الشيخ: الاشتراك في الأضحية ينقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: الاشتراك في الملك؛ بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحيةٍ ويُضحِّيان بها، فهذا لا يكون إلا في الإبل والبقر إلى سبعةٍ، وأما الغنم فلا يصح الاشتراك فيها؛ وذلك بالإجماع، وقد حَكَى الإجماع ابن رشدٍ والنووي وغيرهما؛ لأن الأضحية عبادةٌ وقربة إلى الله ، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمنًا وعددًا وكيفيةً، ولو كان الاشتراك في الملك جائزًا في الأضحية لغير الإبل والبقر؛ لفعله الصحابة ، فإنهم أحرص الناس على الخير، وفيهم فقراء كثيرون قد لا يستطيعون ثمن الأضحية كاملةً، ولو فعلوه؛ لنُقل عنهم ذلك؛ لأن هذا مما تتوافر الدواعي لنقله؛ لحاجة الأمة إليه؛ وعلى هذا: فلو قال ثلاثة إخوةٍ في بيتٍ واحدٍ: بدل أن يُضحِّي كل واحدٍ منّا ويشتري خروفًا؛ نحن نشترك في خروفٍ واحدٍ ونُضحِّي به، فهذا لا يجوز؛ لأن الاشتراك لا يكون في الغنم، وإنما يكون في الإبل والبقر إلى سبعةٍ، هذا هو القسم الأول: وهو الاشتراك في الملك، لكن لو أعطى إنسانٌ آخر مبلغًا من المال على سبيل الإعانة لا الاشتراك؛ فلا بأس؛ لأن بعض الأولاد يريدون أن يَبَرُّوا بأمهم أو أبيهم ويُعطوهم ثمن الأضحية، أو يشتروا لهم بذلك أضحيةً، يشتركون في دفع مبلغ الأضحية، ويُعطون الأضحية أباهم أو أمهم، هنا لا بأس؛ وذلك لأن الأضحية عن شخصٍ واحدٍ، ولم يشترك فيها أكثر من شخصٍ، لكن إذا قصدوا الاشتراك، هنا لا يكون الاشتراك إلا في الإبل والبقر إلى سبعةٍ.

المقدم: أحسن الله إليكم، يعني أنتم تقصدون بهذا: أنهم قد اشتركوا في إهداء ثوابها لوالدهم أو ماذا؟

الشيخ: نعم، يعني هؤلاء مجموعة بنين وبناتٍ عرفوا أن والدهم أو والدتهم ليس عنده قدرةٌ على الأضحية، فاشتركوا في شراء أضحيةٍ لأبيهم أو لأمهم، لا بأس؛ لأن الأضحية في الحقيقة عن شخصٍ واحدٍ، وهو الأب أو الأم، وهم وهبوا قيمتها، أو وهبوا الأضحية لأبيهم أو أمهم، وهكذا أيضًا حتى لو كانت عن ميتٍ؛ لا بأس، لكن الممنوع: أن يشتركوا في الأضحية، يعني يقولون: بدل أن يُضحي كل واحدٍ منا بأضحيةٍ؛ نحن نشترك جميعًا في هذه الأضحية، هذا لا يكون إلا في الإبل والبقر إلى سبعةٍ، ولا يكون في الغنم.

المقدم: لكن -أحسن الله إليك- في مثل هذه الصورة يكون الضمان على مَن؟ كلٌّ بحصته فيما لو قُدِّر أن وقع لها أمرٌ أو تعيَّبت، وأريد منهم أن يُحضروا بدلها؟

الشيخ: هم وهبوها، وهذه هبةٌ، ليس عليهم ضمانٌ، وليس عليهم أي شيءٍ، وهبوها لأبيهم أو لأمهم، فتعلَّق الحكم بالأب أو الأم، كما لو اشتراها من السوق.

  • القسم الثاني من الاشتراك: الاشتراك في الثواب؛ بأن يكون مالك الأضحية واحدًا ويُشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها، فهذا جائزٌ ولا بأس به، مهما كثر الأشخاص، وفضل الله واسعٌ، ويدل لذلك: أن النبي ضحى بكبشٍ وقال: بسم الله، اللهم تقبَّل من محمدٍ وآل محمدٍ ومن أمة محمدٍ، ثم ضحى به [5]؛ ولهذا نقول: إذا اشترى الإنسان أضحيةً عن نفسه، وأشرك معه غيره، أشرك معه والديه وأولاده وزوجته ومن شاء؛ فلا بأس من غير حصرٍ لعددِ من يُشركهم من الأحياء أو من الأموات.

المقدم: أحسن الله إليكم، هل ينقص من أجورهم في مثل هذه الصورة؟ بعضهم يستشكل هذا، يقول: أنا إذا أشركت كثيرًا من الناس؛ سينقص من أجري في الأضحية، فهل ينقص؟

الشيخ: لا شك أن من يُضحِّي أضحيةً كاملةً عن نفسه أعظم ثوابًا وأجرًا ممن يُشرك معه غيره، بل هذا حتى في بقية الأعمال، إلا ما استثناه النص، ومن ذلك: تفطير الصائم، من فطَّر صائمًا؛ كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئًا [6]، ومن المستثنى أيضًا: الدعوة إلى الله تعالى: من دعا إلى هُدًى؛ كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا [7]، فهذه المستثناة لا ينقص منها الأجر، أما ما عداها فظاهر الأدلة: أن الاشتراك ينقص به الأجر، لا يكون كمن يجعل العبادة كاملةً من غير أن يشرك معه غيره فيها.

المقدم: أحسن الله إليكم.

السن المشترطة في الأضحية

شيخنا، من المسائل كذلك التي تهم المسلم في باب الأضحية: السن المشترطة فيما يُضحَّى به، سواءٌ في الإبل أو في البقر أو في الغنم، فهل هناك سنٌّ معتبرةٌ فيها؟

الشيخ: نعم، السن المعتبرة شرعًا من شروط صحة الأضحية، وقد دلَّت السنة على أن أقل ما يُجزئ بالنسبة للضأن: ما له ستة أشهرٍ، وبالنسبة للمعز: ما له سنةٌ، ويُسمى: "الثَّنِيَّ"، وبالنسبة للبقر: ما له سنتان، طبعًا نحن نأتي بالحد الأدنى، وبالنسبة للإبل: ما له خمس سنين، وهنا أُنبِّه إلى مسألةٍ مهمةٍ: إذا قلنا: إن الضأن يُشترط أن يكون له ستة أشهرٍ؛ فمعنى ذلك: أنه أتم ستة أشهرٍ ودخل في الشهر السابع، وإذا قلنا: إن المعز ما له سنةٌ، يعني: أتم سنةً ودخل في السنة الثانية، وإذا قلنا: إن البقر ما له سنتان، يعني: أتم سنتين ودخل في السنة الثالثة، والإبل ما له خمس سنين، يعني: أتم خمس سنين ودخل في السنة السادسة.

ينبغي الانتباه لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس قد يفهمها فهمًا غير صحيحٍ، فيفهم مثلًا ستة أشهرٍ ما تم له خمسة أشهرٍ ودخل في الشهر السادس، هذا غير صحيحٍ، معناه: إذا قلنا: ستة أشهرٍ، يعني أتم ستة أشهرٍ، ودخل الشهر السابع.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفعنا بعلومكم، وجزاكم عنا خير الجزاء، ونحن في هذا البرنامج في (مجالس الفقه) نتدارس هذه المسائل الفقهية مع شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، وحديث اليوم في المسائل المتعلقة بالأضحية.

أبرز العيوب التي لا تجزئ معها الأضاحي

أيضًا شيخنا من المسائل التي تُذكر في هذا الباب: العيوب وأثرها على الإجزاء في الأضحية، فهل ثمَّة عيوبٌ نصَّت عليها الشريعة لا تُجزئ الأضحية معها؟

الشيخ: أبرز هذه العيوب التي وردت في حديث البراء أن النبي  قال: أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عَوَرها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعها، والعجفاء التي لا تُنْقِي [8]، وهذا الحديث حديثٌ صحيحٌ، أخرجه أصحاب السنن وأحمد، وقال الإمام أحمد: "ما أحسنه من حديثٍ!".

فهذه العيوب الأربعة هي أبرز العيوب المانعة من الإجزاء:

أولًا: المريضة البين مرضها، يعني لا بد ان يكون مرضها بيِّنًا واضحًا، أما إذا كان ليس بيِّنا؛ فإنها تُجزئ، والسبب في كون المريضة مرضًا بيِّنًا لا تُجزئ؛ أنها إذا كانت مريضةً؛ أفسد ذلك لحمها، ومن ذلك المصابة بالجرب مثلًا فإنها لا تُجزئ.

وأما ما يسمى في الوقت الحاضر بـ"الطلوع" وهي التي توجد في بعض الأغنام، هذا ليس له تأثيرٌ إذا استأصلها الجزار ولم تنفجر، والظاهر أن وجودها لا يمنع من الإجزاء؛ لأنها عادةً لا تُؤثِّر على صحتها العامة، وهذه الأورام عبارةٌ عن ورمٍ يجتمع من الكيماويات التي توجد في بعض ما تأكله البهائم، فيرفضها جسم البهيمة وتخرج على شكل ورمٍ، وهو ما يسمى بـ"الطلع بين الجلد واللحم"، فهذا لا يمنع من الإجزاء، وإن كان الأولى أن يُضحِّي بغيرها؛ لأنه كلما كانت الأضحية أكمل وأسلم من العيوب؛ كان ذلك أفضل.

وكذلك أيضًا العوراء البيِّن عوَرها لا تجزئ، وإذا كانت العوراء لا تُجزئ؛ فالعمياء لا تُجزئ من باب اولى؛ وذلك بأن تنخسف عينها، فإنها لا تُجزئ، وإذا كان فيها عورٌ؛ فإنها أيضًا لا تُجزئ، وأيضًا العجفاء -وهي الهزيلة التي لا مخ فيها- لا تُجزئ؛ لأن البهيمة إذا هزلت؛ يذهب مخها، فتُصبح وكأنها عظامٌ مجتمعةٌ، والمخ: هو الوَدَكُ الذي في العظم، وهذا يذهب مع الهزال الشديد، فإذا كانت هزيلةً هُزالًا شديدًا؛ فهذه هي العجفاء، فلا تُجزئ.

وكذلك العرجاء التي لا تُطيق المشي مع الصحيحة، البيِّن ضَلَعُها، فهذه لا تُجزئ، وإذا كانت العرجاء لا تُجزئ؛ فالكسيرة لا تُجزئ من باب أولى؛ وذلك لأن العرجاء، وكذا الكسيرة، ينقص لحمها بسبب ذلك.

وأضاف بعض الفقهاء: الهتماء: التي ذهبت ثناياها من أصلها، يعني سقطت بعض أسنانها، فقالوا: إنها لا تُجزئ، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة. والقول الثاني: أنها تُجزئ مع الكراهة، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو القول الراجح؛ لأنه لا دليل يدل على عدم الإجزاء، وهذا النقص في الأسنان إنما يقتضي الكراهة فقط ولا يقتضي عدم الإجزاء؛ وعلى هذا فالقول الراجح: أن الهتماء تُجزئ مع الكراهة.

والعضباء: التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، عند بعض الفقهاء لا تُجزئ، فاعتبروا هذا عيبًا من العيوب المانعة من الإجزاء، واستدلوا بحديث عليٍّ  أن النبي نهى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن [9]، أخرجه أبو داود وأحمد، وأيضًا جاء في حديث عليٍّ : أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذن [10]، أخرجه أصحاب السنن وأحمد، والقول الثاني: إن العضباء تُجزئ، لكنها تُجزئ مع الكراهة، هذا قال به بعض أهل العلم، وقالوا: إن الحديث في سنده مقالٌ، ولذلك فإنها تُجزئ مع الكراهة، لكن ينبغي اجتنابها ما أمكن، ولكن عند التحقيق فالأقرب -والله أعلم- أنها تُجزئ مع الكراهة، وأما بالنسبة لبقية العيوب فإنها تقتضي الكراهة، لكنها لا تقتضي عدم الإجزاء، والخَصِيُّ يُجزئ، وقد جاء في الحديث أن النبي ضحَّى بكبشين موجوءين خَصِيَّين [11]، ولذلك فالخصي مرغوبٌ عند أرباب المواشي، فهو مجزئٌ.

وأما مقطوع الألية فلا يُجزئ، وقد صدر بهذا قرارٌ من "هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية" في أن مقطوع الألية لا يُجزئ.

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

حكم التكبير والتسمية عند ذبح الأضحية

شيخنا، التكبير والتسمية في الأضحية ما حكمه؟

الشيخ: أما بالنسبة للتكبير فإنه مستحبٌّ لكن التسمية واجبةٌ، فتجب التسمية عند الذبح، عند أكثر أهل العلم أن التسمية واجبةٌ؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121].

المقدم: أحسن الله إليكم وشكر لكم.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الحلقة، أسأل الله جل وعلا أن يجزي شيخنا الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان خير الجزاء على ما قدم وأفاد.

والشكر موصولٌ لكم أنتم -أيها الإخوة المستمعون والمستمعات- على إنصاتكم واستماعكم.

إلى أن نلتقيكم في حلقةٍ قادمةٍ -بإذن الله - أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^1 رواه ابن ماجه: 3123، وأحمد: 8273.
^2 رواه مسلم: 1977.
^3 رواه البخاري: 881، ومسلم: 850.
^4 رواه البخاري: 2518، ومسلم: 84.
^5 رواه مسلم: 1967.
^6 رواه الترمذي: 807، والنسائي: 3318، وابن ماجه: 1428.
^7 رواه مسلم: 2674.
^8 رواه أبو داود: 2802، والترمذي: 1497، والنسائي: 4370، وابن ماجه: 3144، وأحمد: 18667.
^9 رواه أبو داود: 2805، والترمذي: 1504، والنسائي: 4377، وابن ماجه: 3145، وأحمد: 864.
^10 رواه أبو داود: 2804، والترمذي: 1489،  والنسائي: 4376، وابن ماجه: 3143، وأحمد: 734.
^11 رواه ابن ماجه: 2548.
zh