المقدم: أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الفقرة الأسبوعية (زدني علمًا) مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أهلًا ومرحبًا بكم معنا شيخ سعد.
الشيخ: أهلًا، حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: الأسبوع الماضي شيخنا الكريم تحدثنا في باب الرشوة، ووجهتم توجيهًا من وحي أقوال الرسول في هذا الباب.
ولعلنا نفصل ونأخذ بشكل مختصر مجموعة من المسائل، والحالات التي يطرحها الناس، سواء كان في موضع راشي، أو موضع مرتشي، وكنا نتحدث في ختام الحلقة الماضية عن المرتشي، وأحيانًا يبرر لنفسه ببعض الأعذار، حتى يحلها لنفسه.
نتحدث الآن عن مسائل بشكل عام في هذا الباب، يقول شخص: أن معاملتي لن تنتهي إلا مثل ما يقول: حتى أدفع المقسوم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فسبق القول بأن حقيقة الرشوة هي دفع مال لإبطال حق، أو إحقاق باطل، وأنها من كبائر الذنوب، وقد لعن النبي الراشي والمرتشي، ومن أبرز صور الرشوة: الهدايا التي تبذل للموظفين لأجل منصبهم الوظيفي.
ومن أمثلة ذلك: ما يأخذه مثلًا موظف البلدية، فبعض موظفي البلدية يتقاضون مبالغ من الناس بسبب منصبهم الوظيفي الذي هم فيه، وهذا لا يجوز، هذا من الرشوة، أو موظفو الجوازات، أو موظفو المرور، أو أي موظف في أية دائرة حكومية بسبب وظيفته.
المقدم: أو حتى أحيانًا دائرة خاصة.
الشيخ: نعم، المهم أنه إذا كان لأجل وظيفته، ومن خلال يعني أسئلة بعض الناس واستفتاءاتهم، يقول: إن موظفًا في دائرة ما يقول: أعطني المبلغ الفلاني، وأنا أنقل ابنتك، أو زوجتك إلى مدرستها، أو أنقلك إلى المكان الذي تريد، أو أعطني مبلغًا قدره كذا وأنا أوظفك في هذه الدائرة، هذا كله من صور الرشوة، وهذا العمل عمل محرم، ولا يجوز.
وهذا الذي يأخذ هذا المال ليستحضر أن هذا المال سحت، وأنه ممحق للبركة، وأنه مال حرام، والمال الحرام له أثر سيئ على حياة الإنسان، حتى إنه يكون سببًا لمنع إجابة دعائه، قد ذكر النبي الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له [1].
فهذا الرجل قد أتى بأسباب الإجابة: في سفر، أشعث أغبر، يرفع يديه إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب، لكن منع من إجابة دعائه أكله للمال الحرام، وأخذ الرشوة هو من أبرز صور المال الحرام؛ ولهذا فعلى المسلم أن يحذر من الرشوة من بذلها، ومن أخذها.
المقدم: نعم، أحيانًا يقول قائل شيخنا: أنه لا يدفعها للموظف في المصلحة الفلانية، وإنما لمكتب خدمات، وأنا أعلم أن معاملتي ليست نظامية، لكن المعقب قال: أخلصها لك بالمبلغ الفلاني.
الشيخ: ننظر لهذا المبلغ إذا كان هذا المبلغ يوازي قيمة الأتعاب، فهذا لا بأس به؛ لأنه كما يقال: لا يخدم بخيل، ولا نستطيع أن نلزم الناس بأن يخدموا الناس مجانًا، لكن إذا كان مبلغًا كبيرًا لا يعقل أن يكون مقابل خدمات، فهنا نعلم أنه رشوة.
فإذا كان مثلًا قال: أعطني عشرين ألفًا، ونفعل لك كذا وكذا، هنا نعرف أنها رشوة، لكن لو قال مثلًا: خمسمائة ريال، أو ألف ريال، أو نحوها، نعرف أنها مقابل خدمة، فيفرق إذن بينما إذا كان مقابل خدمة، وبينما إذا كان رشوة.
فكونه يعطيها معقبًا، أو مكتب خدمات لا يعفيه من المسؤولية، فإذا ظهرت القرائن على أنها رشوة، فلا يجوز أن يبذل له هذا المال.
بقي أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي تحتاج إلى توضيح، وهي أن بعض الناس يستند إلى مقولة بعض العلماء من أنه إذا كان للإنسان حق، أو وقع عليه ظلم، ولم يستطع أن يصل إلى حقه، أو يدفع الظلم عنه إلا ببذل مال، جاز البذل، والإثم على الآخذ.
هذه المقولة صحيحة، وقد نسبها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله إلى جمهور السلف، لكن نطاق تطبيقها ضيق، فإذا كان للإنسان حق، ولم يستطع أن يصل إليه بجميع الطرق والوسائل، لم يستطع أن يصل إلى حقه إلا ببذل مال، فهنا يعني أجاز العلماء له في هذه الصورة أن يبذل، والإثم على الآخذ.
وهكذا لو وقع عليه ظلم، وحاول أن يدفع هذا الظلم عنه بشتى الأساليب والطرق، ولم يستطع، فإنه في هذه الحال يدفع، والإثم على الآخذ، فنطاق تطبيقها ضيق، فلا يتوسع فيها.
فمثلًا الذي يريد مثلًا وظيفة، هنا ليس له حق الآن، ولم يقع عليه ظلم، فلا يجوز له أن يبذل المال، ويريد أن يطبق مقولة العلماء هذه، إنما هذه نطاق تطبيقها ضيق فيما إذا كان له حق متحقق، له حق، لكن ما استطاع أن يصل إليه، فهذا..، أو وقع عليه ظلم ما استطاع دفعه إلا ببذل مال، فهنا جاز له البذل، والإثم على الآخذ، بل إن هذه الصورة أصلًا لا تسمى رشوة، وإنما توصل إلى حقه، أو دفع للظلم عن نفسه.
المقدم: نعم، ماذا عن المتوسط بين الراشي والمرتشي؟
الشيخ: المتوسط يسمى الرائش، وهذا جاء في بعض الروايات أيضًا أنه ملعون، أنه لعن الراشي والمرتشي والرائش؛ لأنه معين على الإثم.
المقدم: شكر الله لكم هذه التوجيهات معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأيضًا التحية لكم مستمعينا الكرام من زميلي عثمان بن عبدالكريم الجويبر، والملتقى بكم إن شاء الله في هذه الفقرة في حلقات قادمة بمشيئة الله تعالى.
إلى الملتقى نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 1015. |
---|