المقدم: أهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى حلقتنا فقرة (زدني علمًا) هذه الفقرة الأسبوعية، وضيفها الدائم معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أسعد الله بكل خير صباحك شيخنا، حياك الله.
الشيخ: أهلًا حياكم الله، وحيا الله الإخوة المستمعين، وأُصبِّحكُم بالخير جميعًا.
المقدم: شيخ سعد في هذه الحلقة نريد أن نتحدث عن موضوع الرشوة، وربما وسائلها المعاصرة أيضًا، وكثير من الأعطيات التي هي تندرج تحت الرشوة، لكن لها مسميات أخرى، فنريد أن يكون التوجيه منكم حول هذا الموضوع.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالرشوة هي دفع مال للتوصل به إلى إبطال حق، أو إحقاق باطل، فهذه الرشوة ودفع المال بهذه الطريقة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي لعن الراشي والمرتشي [1].
فالراشي الذي يدفع هذا المال ملعون، وكذلك المرتشي الذي يأخذ هذا المال ملعون، فعلى المسلم أن يجتنب الرشوة بجميع صورها.
وبعض الناس في الوقت الحاضر يسمي الرشوة بغير اسمها، فيسميها هدية، أو يسميها إكرامية، أو يسميها مقابل خدمات، أو يسميها بمسميات لا تخرجها عن حقيقة أمرها، وهي أنها رشوة.
ولهذا فينبغي التواصي على التحذير من هذا العمل، والدولة -أيّدها الله- تجرم الرشوة، وتعاقب عليها بعقوبات شديدة، ولها نظام في نظام معاقبة الرشوة، هذا مرتب ومنظم؛ لأن الآثار السلبية المترتبة على الرشوة كثيرة وسيئة.
ولننظر لحال البلدان التي انتشرت فيها الرشوة، تجد أن الإنسان لا يستطيع أن يصل لحقه إلا بدفع مال، وتجد أن المجرم يفلت من العقوبة بسبب بذل الرشوة، وتجد أن الخامل يصل إلى ما يريد بسبب بذل الرشوة، وأن النشيط المجتهد لا يمنح حقوقه بسبب الرشوة.
فتجد أنها تقلب الموازين في المجتمع رأسًا على عقب، إذا انتشرت الرشوة في مجتمع، فتقلب موازين الحق في ذلك المجتمع، ويصبح الخامل يحل محل النشيط، ويصبح غير الكفء هو الذي يصدر، والكفء هو الذي لا يصدر، فهذا كله من آثار بذل الرشوة.
فالرشوة لا تفشو في مجتمع إلا وتنتشر معه كثير من الأمراض الأخلاقية؛ ولهذا نجد أن الشريعة الإسلامية شددت في موضوع الرشوة إلى درجة أن النبي لعن الراشي والمرتشي.
المقدم: نعم، نتحدث عن طرفين هنا راشي ومرتشي شيخ سعد، أولًا بالنسبة للمرتشي، وربما هو من تسبب أو من فتح الباب، واللعنة حلت عليهما، ذكرت في البداية موضوع الصور التي ربما يطلب بها المرتشي الرشوة، وكلها داخلة ضمن حديث الرسول في لعن المرتشي.
لكن إذا كان هناك من حالات تتعلق بهذا المرتشي أو أحكام نفصل فيها، وموضوع الراشي ربما نتركه في حلقة قادمة.
الشيخ: نعم، هذا المرتشي إذا أخذ مالًا لأجل تخليص معاملة، فإن هذا المال يعتبر سحتًا ومالًا محرمًا، ولا تتم توبته إلا بأن يتخلص من هذا المال، ويتوب إلى الله ؛ وذلك بالندم والإقلاع عن الذنب، والعزم على ألا يعود إليه مرة أخرى.
وهكذا أيضًا الذي دفع المال عليه التوبة إلى الله من هذا العمل، فيعني هذا المال الذي أخذه المرتشي يعتبر سحتًا ومالًا حرامًا، وممحقًا للبركة، فعليه أن يتخلص منه، لا تتم توبته إلا بشرط أن يتخلص منه، وإذا مضى عليه مدة طويلة يتصدق بما يماثله.
يعني لو مثلًا حسب مجموع الرشاوي التي أخذها أن قدرها كذا، لا بد أن يتخلص بمثل هذا المبلغ، حتى تصح توبته.
المقدم: قد يعتذر لنفسه بأنه لا يطلب شيء، ولا يفرض على أحد شيء، لكن الناس من أنفسهم أحيانًا يعطونني وأنا لا أفرض شيئًا، وإنما أقبل ما يأتيني.
الشيخ: هذا حصل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل رجلًا لقبض الزكوات من الناس، كان لا يطلب منهم شيئًا، إنما لقبض الزكوات، فكان الناس يهدون إليه هدايا، فأتى النبي وأعطاه الصدقات، وقال: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ، فعظّم النبي هذه المسألة، وصعد على المنبر، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال الرجل نستعمله فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد شيئًا من هذا المال إلا أتى به يوم القيامة يحمله على عنقه [2].
فانظر كيف عظَّم النبي شأن هذا المسألة، فهذا الرجل وهو ابن اللتبية اجتهد، وقال: هذه هدايا أنا لم أطلبها، الناس هم الذين أعطوني، مثل ما ذكرت في السؤال، فالنبي ما أقر على هذا، بل قال: أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟.
لو لم يكن في هذا المنصب الوظيفي ما أهدى إليه أحد شيئًا، لو كان جالسًا في بيت أبيه وأمه ما أهدى الناس إليه شيئًا، أيهدونه لأجل سواد عينيه، إنما يهدونه لأجل منصبه الوظيفي، فهذه من أبرز صور الرشوة.
المقدم: نعم، أحيانًا المرتشي أو من يقدم الخدمة يطلب أمورًا ربما لا ينظر إليها الناس، مثل يطلب أحيانًا قلمًا، يطلب أحيانًا سبحة، يعني شغلات بسيطة، هو يرى أنها مثل إذا كانت المعاملة لشركة تبيع الأقلام مثلًا، بحيث يطلب منهم قلمًا، هل تعتبر هذه ضمن باب الرشوة؟
الشيخ: إذا كان في منصب وظيفي، وأعطوه لأجل وظيفته، فهذا لا يجوز.
المقدم: المعاملة يقول: ماشية يعني لن تتوقف على هذا القلم، لكن هم يبيعون، ويعطوني قلمًا واحدًا.
الشيخ: لا، هذه من الرشوة، فالقاعدة في هذا هي قول النبي : أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى إليه شيء أم لا؟.
المقدم: نعم، مزيد من التفصيلات في مثل هذه المسائل نرجئها لحلقة الأسبوع القادم إن شاء الله، معكم معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام، وأيضًا الشكر لكم مستمعينا الكرام من زميلي في التسجيل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، نلتقي بكم على خير في حلقة الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى.