المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة من الفقرة الأسبوعية (زدني علمًا) وضيفها الدائم معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حياك الله يا شيخ سعد.
الشيخ: أهلًا حياكم الله وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: مستمعينا الكرام موضوعنا اليوم هو دواء لكل مشكلة، ومن تسلح بهذا الخُلق، فهو من أسعد الناس ولا شك، شيخ سعد نريد أن نتحدث عن الصبر، هذه النعمة العظيمة التي من رزقها فهو ممن يغبن على ما رزقه الله بهذه النعمة.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالصبر هو أعظم عطاء يُعطاه الإنسان؛ لقول النبي : ما أعطي أحد من عطاء خيرٌ ولا أوسعُ من الصبر [1]، أخرجه مسلم في صحيحه، فأعظم عطاء أن يُعطى الإنسان الصبر، ما معنى الصبر؟
الصبر هذه المادة: الصاد والباء والراء تدل على معنى الحبس، فالصبر هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن الأفعال المحرمة: من لطم الخدود، وشق الجيوب، ونحو ذلك.
فالإنسان المتسخط هذا لا يُعد صابرًا، الإنسان الجزوع لا يُعد صابرًا، الصبر مرتبته في الدين علية؛ ولهذا ذكر في القرآن الكريم في مواضع كثيرة.
والصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- صبر على طاعة الله.
- وصبر عن معاصي الله.
- وصبر على أقدار الله المؤلمة.
أما الصبر على طاعة الله فهو أكملها: أن يصبر المسلم على أداء الصلوات مع الجماعة في المسجد إذا كان رجلًا، أو المرأة تصليها في وقتها، يصبر على أداء الواجبات الشرعية، يصبر على الإتيان بجميع ما أمر الله تعالى به، هذا صبر على طاعة الله تعالى.
الصبر عن معصية الله: يصبر نفسه عن الحرام، يصبر عن النظر المحرم، يصبر عن الغيبة، يصبر عن أكل المال الحرام، يصبر عن جميع المعاصي، هذا صبر عن معصية الله تعالى.
والقسم الثالث: صبر على المصائب، وعلى ما يقدره الله تعالى على الإنسان، فإذا وقع على الإنسان مصيبة، فإنه يصبر ولا يجزع؛ ولهذا نقول: إن حال الإنسان عند وقوع المصيبة لا يخلو من أربع حالات:
- الحال الأولى: التسخط والجزع، فإذا وقعت المصيبة يلطم خده، ويشق ثوبه، وربما تكلم بعبارات فيها اعتراض على قضاء الله وقدره، كأن يقول: ما لي أصاب بهذه المصيبة من بين سائر الناس، يا رب ماذا فعلت حتى أصاب بهذه المصيبة؟ ونحو ذلك من العبارات التي فيها الاعتراض على القضاء والقدر، فهذا العمل محرم، ومن كبائر الذنوب.
والنبي يقول: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية [2].
- الحال الثانية: الصبر: تأتيه المصيبة ويحبس نفسه، وقد يكون غير راضٍ بها، قد يكون غير راضٍ في قرارة نفسه غير راضٍ بالمصيبة، لكنه يحبس نفسه عن الكلام المحرم، وعن الأفعال المحرمة، فهذا الصبر حكمه الوجوب، يجب على المسلم أن يصبر عند وقوع المصيبة به.
- الحال الثالثة: الرضا: تقع عليه المصيبة فيرضى بها؛ لأنه يعلم بأنها من عند الله تعالى، فيرضى ويسلم، ومن علامته: أن تكون حاله بعد المصيبة كحاله قبل المصيبة في الجملة، هذه المرتبة مرتبة الرضا ليست واجبة، وإنما هي مستحبة على القول الصحيح.
لأنه لا يستطيع أن يصل إليها كل أحد، أكثر الناس لا يستطيعون الوصول إليها، أكثر الناس لا يستطيعون الوصول لمرتبة الرضا أن يرضى بالمصيبة، هذه لا يوفق لها إلا أولياء الله تعالى؛ ولذلك فالرضا بالمصيبة مستحب.
- الحال الرابع: الشكر، تقع المصيبة، فيحمد الله ويشكره عليها؛ لماذا؟ لأنه يرى أنه إذا صبر نال صلوات من ربه ورحمة وهداية، وأجرًا وثوابًا، والدنيا عنده لا تساوي شيئًا، فيحمد الله ويشكره، فهذه إذا قلنا: إن الرضا مستحب، فالشكر من باب أولى أن يكون مستحبًا.
فتكون الحالات أربع:
- التسخط بالقول أو الفعل محرم.
- الصبر واجب.
- الرضا مستحب.
- الشكر مستحب.
هذه هي حالات الإنسان عند وقوع المصيبة.
وينبغي أن يُعوِِّد المسلم نفسه على الصبر، فإن الصبر يمكن تقويته بالتدريب، وحتى يصبح الإنسان صبورًا، وما أعطي أحد عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر.
المقدم: رزقنا الله ومن يسمع الصبر هذه النعمة العظيمة، شكر الله لكم معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على هذه الكلمات التوجيهية في موضوعنا لهذه الفقرة الصبر.
التحية لكم أيضًا مستمعينا الكرام من زميلي في التسجيل عثمان بن عبدالكريم الجويبر، والملتقى بكم في فقرة قادمة بمشيئة الله تعالى، الآن أعود إلى الزملاء في الاستديو لاستكمال بقية فقرات هذه الحلقة.