المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام في هذا الصباح، وأحيي ضيفي، صبّحك الله بالخيرات، معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
الشيخ: أهلًا حياكم الله، وصبّحك الله، وصبّح الله الإخوة المستمعين بالخيرات والمسرات.
المقدم: مسألة أخرى شيخ سعد نناقشها في هذه الفقرة: يتجه كثير من الناس، أو نقول: بعض الناس ليتخذ رؤوسًا جهالًا من مدعي العلم عندما يريد أن يستفتي، أو يأخذ، أو ينشر لهم آراء وهم ممن ادعوا العلم، أو ليسوا من المتمكنين في الفقه مثلًا، أو في الحديث، ويفتي في الفقه، ويفتي أو يعني يقول: هذا حديث ضعيف، أو هذا حديث صحيح، وأثر هذا الموضوع لا أقول على الإنسان بذاته، وإنما على المجتمع بشكل عام.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول النبي : إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا [1].
فالعلم لا يقبض من صدور أهل العلم، وإنما يقبض بقبض العلماء، فيتخذ الناس رموزًا ورؤوسًا جهالًا، فيَضلون ويُضلون.
والحقيقة أن مسألة الفتوى هي من المسائل العظيمة، ومن المسائل الكبيرة، ومن المسائل التي كان السلف الصالح يتدافعونها؛ لأنها توقيع عن رب العالمين؛ ولأنها قول على الله تعالى؛ ولهذا ينبغي ألا ينتصب للفتيا إلا من كان مؤهلًا، وينبغي أن يمنع من كان غير مؤهل للفتيا.
نجد في وقتنا الحاضر رؤوسًا جهالًا ينصبون في بعض الوسائل الإعلامية، ويفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون، نجد أن بعضهم غير متخصص أصلًا في العلوم الشرعية، لكن ربما أنه يعني أعفى لحيته، ونحو ذلك، وعنده جرأة وطلاقة، فأصبح يُستضاف في بعض الوسائل الإعلامية.
وتجد أن النهج عنده أنه يسير على منهج واحد، تجد أنه يعني يُفتي الناس بإباحة الأغاني، يفتي الناس بعدم وجوب الصلاة مع الجماعة في المسجد، ويفتي الناس بعدم وجوب تغطية وجه المرأة، إلى غير ذلك، يعني عنده هذا النفس، وهذا الاتجاه.
ويا سبحان الله! يعني عندما يُفتي الناس مثلًا بإباحة الأغاني، هل رأى الناس غفلوا عن فضيلة، وهو يريد أن ينبههم إليها؟
ثم أيضًا تجد أنه يتجاهل إجماعات بالجملة، ولا يبالي، فمثل هذا ينبغي ألا يُمكّن، وينبغي أن يُمنع، والدولة أيدها الله أصدرت تنظيمًا في هذا، وقصر الفتيا على كبار أهل العلم، ومن يأذن لهم سماحة المفتي.
ولكن نجد يعني هذا التجاوز من بعض الناس، ومن بعض أيضًا الوسائل الإعلامية في استضافة هؤلاء، فهؤلاء الحقيقة يتسببون في فتن عظيمة، ويفتنون الناس عن أمور دينهم.
كان أبو العباس ابن تيمية رحمه الله يحتسب على المفتين الجهال، ويشتد عليهم، فقيل له: لم نراك تشتد على هؤلاء؟ قال: سبحان الله! كيف يحتسب على غيرهم ممن لهم أمور أقل من هذا، من الخبازين، ومن البياعين، وكانت الحسبة في زمنهم تشمل الاحتساب على الخبازين، ونحو ذلك من الأعمال التي تقوم بها البلديات في الوقت الحاضر.
فيعني هؤلاء الذين يفتون الناس بغير علم ينبغي الاحتساب عليهم، وينبغي منعهم، وإيقافهم، والتحذير منهم؛ لأن أثرهم على الأمة أثر سيئ؛ ولأن النفوس بطبعها تحب الهوى؛ ولذلك قال : وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40]، فهي بطبيعتها تحب الهوى، فإذا أتى إنسان وأفتاها بأن هذا هو الصحيح، تجد أنه سرعان ما تتقبل نفوس هؤلاء مثل هذه الفتاوى الصادرة عن غير مؤهل للفتيا.
المقدم: أنت تقول: يجب أن يمنع هؤلاء الجهال؛ بالنسبة طيب للمستفتي والناس والمجتمع.
الشيخ: المستفتي عليه ألا يستفتي إلا من كان أهلًا للثقة، ومزكى من أهل العلم، وأن يكون معروفًا بالأمانة وبالعلم، ويثني عليه أقرانه وزملاؤه من أهل العلم، ولا يستفتي أي أحد، كما قال أحد السلف: إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لا يستفتي الإنسان من إنسان غير معروف، أو إنسان غير معدل، أو غير مزكى.
تجد بعض العامة إذا أتى إنسان وألقى كلمة في المسجد؛ لحقه بعض الناس ويستفتيه، طيب هل أنت تعرف هذا الشخص، وأنه مؤهل للفتيا؟ ينبغي ألا يستفتى إلا من كان مؤهلًا.
وإذا اختلف المفتون فيلزم المستفتي أن يتبع رأي من يرى أنه الأوثق في علمه ودينه وأمانته.
المقدم: جميل، شكر الله لكم هذه الكلمات، وهذا التوجيه معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
الشيخ: وشكرًا لكم، وللإخوة المستمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 100، ومسلم: 2673. |
---|