المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام، معنا في هذه الفقرة الأسبوعية “زدني علمًا”، مع معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، حياك الله يا شيخ سعد.
الشيخ: أهلًا حياكم الله، وبارك فيكم، وحيا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: شيخ سعد هناك توجيه نبوي أريد أن أناقش معك تعامل الناس مع هذا التوجيه، ألا وهو استفت قلبك أصبح كثير من الناس يرى أن كل ما ارتاح له قلبه هو بالنسبة له فتوى شرعية التي يمشي عليها.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الجملة: استفت قلبك، وردت في حديث نبوي صحيح في حديث النواس بن سمعان، قال: جئتُ أسأل النبي عن البر، فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس [1]، وجاء في رواية: استفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك [2].
وهذا الحديث حديث صحيح، ولكن لا بد أن نفهمه على وجهه الصحيح، فهذا استفت قلبك والبر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في نفسك، وتردد في الصدر هذا إنما هو في حق من شرح الله صدره للإيمان، فكان قوي الإيمان، ومستقيمًا على طاعة الله ، فهذا هو الذي يحيك في نفسه الإثم، ويستفتي قلبه، فيجد انشراح صدر، ويجد انطلاقة عند الخير وعند البر، ويجد كراهية، ويحيك في صدره الإثم، حتى وإن أفتي فيه بالجواز.
ولكن هذا ليس لجميع الناس، فإن بعض الناس إذا استفتى قلبه، وجد أنه لا يحيك في نفسه الإثم، بل يجد نفسه تقبل على الإثم، وتقبل على المعاصي، وتقبل على المحرمات، ولا يحيك في صدره شيء منها، فهذا إذن الحديث ليس مخاطبًا به جميع الناس، وإنما المخاطب به هذا الرجل، هذا الصحابي الجليل، ومن كان في منزلته، أو على طريقته، من كان مستقيمًا على الطاعة.
أما من كان عنده جرأة على المحرمات، وليس مستقيمًا على الطاعة، فلا يقال له: استفت قلبك؛ لأنه لو استفتى قلبه لربما لن يجد الحرج، ولن يحيك في صدره شيء من الإثم ومن المحرمات.
المقدم: لربما تقصد أنه هو أصلًا يقع في المحرمات دون أن يستفتي قلبه فيها.
الشيخ: نعم، هو يقع فيها، ويتجرأ عليها، وكسر الحاجز النفسي الذي بينه وبين المحرمات، فلا وجه حينئذٍ لأن يقال: استفت قلبك.
المقدم: لكن هل تقال عندما يستمع إلى فتوى ويقرأ رأيًا شرعيًّا اختلف فيه العلماء ما بين مجيز ومحرم، فهل يطبق هذا التوجيه أن يستفتي قلبه بينهما؟
الشيخ: هذا بحسب الحال إذا كان هذا الإنسان مستقيمًا على الطاعة، محافظًا على الواجبات، مجتنبًا للمحرمات، فهذا يقال له مثل هذا الكلام، ويقال: استفت قلبك، فإن وجدت ترددًا، ووجدت حرجًا، فتترك هذا الشيء، حتى وإن أفتيت فيه بالجواز.
هو أولًا يتبع الفتوى، يتبع الفتوى أولًا، فإن قيل له بالمنع فيمتنع، وإن قيل بالجواز فهنا ينظر إن كان يعني انشرحت صدره لهذه الفتوى، فالحمد لله يأخذ بها، إن لم تنشرح صدره لهذه الفتوى، فلا يأخذ بها ويستفتي قلبه.
لكن من لم يكن كذلك، وكان عنده جرأة على المحرمات، ولم يكن مستقيمًا، وعنده تفريط في الواجبات، فلا يقال له: استفت قلبك، لا وجه هنا، ولا مكان لاستفتاء القلب حينئذٍ.
المقدم: طيب ماذا عمن امتلك أدوات البحث، هو لديه خلفية شرعية، ولديه أدوات بحث، قرأ في الموضوع، وقرأ مجموعة من الأقوال، وآراء العلماء وقرأ الأدلة، ثم استفتى قلبه وأفتى لنفسه؟
الشيخ: هذا كمن عنده أدوات البحث في الأمور الطبية واحتاج للعلاج، هل يعتمد على هذا؟ لا يعتمد، لا بد أن يرجع للطبيب؛ لأن الطبيب عنده الملكة في أمور الطب، هكذا أيضًا في الأمور الشرعية ليس كل من استطاع البحث، وكان عنده قدرة على البحث أن يكون قادرًا على الفتيا، بل لا بد من الرجوع لأهل العلم؛ لأنه ليس عنده الملكة التي تؤهله؛ لأن يُفتي نفسه أو يُفتي غيره، فلا بد من الرجوع لأهل العلم المتخصصين، الذين عندهم الملكة.
المقدم: جميل، ربما هذا التوجيه الأخير قدح في ذهني موضوع تساؤل: هل الدين تخصص؟ لكن ما رأيك نجعله في حلقة قادمة.
الشيخ: لا بأس، طيب.
المقدم: شكرًا لك الشيخ شيخنا المبارك فضيلة معالي الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.