الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(12) خصال الفطرة- إعفاء اللحية واستنشاق الماء وغسل البراجم
|categories

(12) خصال الفطرة- إعفاء اللحية واستنشاق الماء وغسل البراجم

مشاهدة من الموقع

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض خصال الفطرة التي يتكلم عنها الفقهاء في باب السواك، ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن بقية الخصال، فنقول:

قد جاء في (صحيح مسلم) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البَرَاجَم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال مصعب بن شيبة أحد رواة الحديث: “ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة” [1].

ففي هذا الحديث ذكر عشر خصالٍ، وقد سبق أن ذكرنا في الحلقة السابقة حديث أبي هريرة : أنّ النبي  قال: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب [2].

ويلاحظ أنّ هذه الخصال الخمس مذكورةٌ في حديث عائشة السابق: عشرٌ من الفطرة، ما عدا الختان، فلم يذكر في حديث عائشة؛ ولهذا قال القاضي عياض في الخصلة العاشرة التي نسيها مصعب بن شيبة، قال: “لعلها الختان” [3].

وسبق أن تكلمنا في الحلقة السابقة عن الخصال الخمس المذكورة في حديث أبي هريرة، ونتكلم في هذه الحلقة عن الخصال المتبقية المذكورة في حديث عائشة.

إعفاء اللحية

ونبدأ بإعفاء اللحية.

وقد عدَّ النبي إعفاء اللحية من خصال الفطرة، فالفطرة السوية تقتضي إعفاء اللحية؛ ولهذا كانت العرب في الجاهلية تستعيب حلق اللحية، وترى أنه منافٍ للرجولة، وقد أقرَّ الإسلام هذا الأمر، بل أكد رسول الله  على إعفاء اللحى، فقال: خالفوا المشركين، ووفِّروا اللحى، وأحفوا الشوارب، أخرجه البخاري في صحيحه، ورواه مسلمٌ بلفظ: خالفوا المـجوس [4].

وقد كان من عادة الـمجوس قص اللحية، فأمر النبي بـمخالفتهم، فإنّ الإسلام قد جعل دية شعر اللحية دية نفسٍ كاملة، قال الفقهاء: لو اعتدى رجلٌ على آخر، فأتلف لحيته بحيث لا تنبت مرةً أخرى، ففيها دية نفس كاملة، أي: مائةٌ من الإبل.

استنشاق الماء

ومن خصال الفطرة: استنشاق الماء.

من خصال الفطرة المذكورة في حديث عائشة رضي الله عنها: استنشاق الماء، وهو من فروض الوضوء، وسيأتي الحديث عنه مفصلًا عند الكلام عن فروض الوضوء إن شاء الله تعالى.

غسل البراجم

ومن خصال الفطرة المذكورة في هذا الحديث أيضا: غسل البَـرَاجَم.

قال النووي: “وأما غسل البراجم فسنةٌ مستقلة، ليست مختصةً بالوضوء، والبَـرَاجَم: بفتح الباء والجيم، جمع بُرجُمة: بضم الباء والجيم، وهي عُقَد الأصابع ومفاصلها كلها” [5].

قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وهو الصِّمَاخ، فيزيله بالمسح؛ لأنه ربَّـما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المـجتمع على أي موضعٍ كان من البدن.

وهذا يدل -أيها الأخوة- على عناية الإسلام بالنظافة، وأن المسلم ينبغي له أن يعتني بنظافة جميع أجزاء بدنه.

انتقاص الماء

ومن خصال الفطرة المذكورة في حديث عائشة رضي الله عنها : انتقاص الماء.

وقد جاء في رواية: “الانتضاح”، بدل: “انتقاص الماء” [6].

قال النووي: “قال الجمهور: الانتضاح: نضح الفرج بـماءٍ قليل بعد الوضوء، لينفي عنه الوسواس” [7].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “يستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماءً، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء” [8].

أيها الإخوة المستمعون! هذا الذي قد ذُكِر في هذا الحديث من الانتضاح، أو انتقاص الماء؛ وذلك بنضح الفرج بالماء، هو من أبلغ الوسائل لقطع الوسواس، فإن من الناس من يُـخيَّل إليه بعد الاستنجاء، أو بعد الفراغ من الوضوء خروج شيءٍ من البول، ثم لا يزال هذا التخيل يرتقي معه حتى يصبح وسواسًا ملازمًا له، وهذا التوجيه الوارد في هذا الحديث خير وسيلةٍ لسدِّ هذا الباب، ولاستصحاب الأصل، وهو الطهارة.

القَزَع

ويكره القَزَع: وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، إلا إذا قُصِد به التشبُّه بالكفار، فيكون مُـحرمًا؛ لأن التشبُّه بالكفار محرم، قال النبي : من تشبَّه بقومٍ فهو منهم [9].

أما إذا لَـم يتضمن القَزَع تشبُّهًا، فقد اتفق الفقهاء على كراهته؛ لِمَا جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي نـهى عن القزع [10].

وفي سنن أبي داود بسندٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أن النبي  رأى صبيًا قد حلق بعض رأسه، وترك بعضه، فنهاهم النبي ، وقال: احلقوه كله، أو اتركوه كله [11].

قال النووي: “وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لمداواة ونحوها” [12].

وهي كراهة تنزيه، وقد نص فقهاء المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة؛ على كراهته.

أنواع القزع

والقزع أنواع:

  • منها: أن يحلق وسطه، ويترك جانبيه.
  • أو أن يحلق جوانبه، ويترك وسطه، قال ابن القيم: “كما يفعل كثير من السفلة، وأسقاط الناس” [13].
  • أو أن يحلق غير مرتَّب، فيجعله من الجانب الأيـمن، ومن الجانب الأيسر، ومن الناصية، ومن القفا.
  • أو أن يحلق الناصية فقط، ويترك الباقي.

الضابط في القزع المكروه

والضابط في القزع المكروه: أنه حلق بعض الرأس مطلقًا.

وأما حلق جميع شعر الرأس في غير الحج والعمرة، فقد كرهه فقهاء الحنابلة في الرواية المشهورة؛ لقول النبي في الخوارج: سيماهم التحليق [14]، وقال عمر لصَبِيغ: “لو وجدتك محلوقًا لضربتك رأسك” [15].

ومراد من كره حلق الرأس من الفقهاء: استئصال شعر الرأس بالكلية بالموسى ونحوه، وأما قصه أو تقصيره فلا يكره قولًا واحدًا.

والصحيح في هذه المسألة: أنّ حلق الرأس بالموسى لا يكره مطلقًا، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما السابق: “أن النبي رأى صبيًا، وقد حلق بعض شعر رأسه، وترك بعضه، فقال: احلقوه كله، أو اتركوه كله [16] فأمر النبي  بالحلق في هذا الحديث.

ويدل لهذا أيضًا: ما جاء في سنن أبي داود بسندٍ صحيح، عن عبد الله بن جعفر: أنّ النبي لـمَّا جاء نعي جعفر، أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعوا بني أخي، فجيء بنا، فقال النبي : ادعوا الحلاق، فأمره فحلق رؤوسنا [17].

قال النووي رحمه الله: “المختار أنه لا كراهة فيه، ولكن السنة تركه، فلم يصح عن النبي حلقه إلا في الحج والعمرة، ولـم يصح تصريحٌ بالنهي عنه” [18].

نتف الشيب

ويكره نتف الشيب، لِمَا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي قال: لا تنتفوا الشيب؛ فإنه ما من مسلمٍ يشيب شيبةً في الإسلام، إلا كانت له نورًا يوم القيامة [19]، أخرجه أبو داود بـهذا اللفظ، وأخرجه الترمذي والنسائي بأسانيد حسنة.

خضاب الشيب

والسنة خضاب الشيب بغير السواد، ففي الصحيحين عن أبي هريرة : أنّ النبي قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم [20]، وهذا أمرٌ من النبي  بـمخالفة اليهود والنصارى بصبغ الشيب، وأقل ما يفيده هذا الأمر الاستحباب.

وفي (صحيح مسلم): أن أبا بكرٍ الصديق  جاء بأبيه إلى رسول الله ورأسه ولحيته كالثَّغَامَة بياضًا، فقال عليه الصلاة والسلام: غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد [21].

قال الإمام أحمد رحمه الله: “إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به” [22]؛ يريد: أنه أحيا السنة.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 261.
^2 رواه البخاري: 5889، ومسلم: 257.
^3 إكمال المعلم بفوائد مسلم: 2/ 61.
^4 رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259.
^5, ^7 شرح النووي على مسلم: 3/ 150.
^6 رواه أبو داود: 54، وابن ماجه: 294.
^8 مجموع الفتاوى: 21/ 107.
^9 رواه أبو داود: 4031.
^10 رواه البخاري: 5920، ومسلم: 2120.
^11 رواه أبو داود: 4195.
^12 شرح النووي على مسلم: 14/ 101.
^13 أحكام أهل الذمة:  6/ 77.
^14 رواه البخاري: 7562.
^15 الشريعة للآجري: 1/ 165.
^16 رواه أبو داود: 4195.
^17 رواه أبو داود: 4192.
^18 المجموع شرح المهذب: 1/ 296.
^19 رواه أبو داود: 4202، والترمذي: 1635، والنسائي: 3142، وأحمد: 6672، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
^20 رواه البخاري: 3462 ومسلم: 2103.
^21 رواه مسلم: 2102.
^22 المغني: 1/ 105.
مواد ذات صلة