logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(13) أعمال يحرم فعلها في حال الحَدَث

(13) أعمال يحرم فعلها في حال الحَدَث

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج.

الأعمال التي يحرم مزاولتها مع الحدث

وحديثنا في هذه الحلقة عن الأعمال التي يحرم على المسلم إذا كان على حدثٍ أن يزاولها؛ لشرفها ومكانتها.

والحدث وصفٌ معنويٌّ يقوم بالبدن، يمنع من الصلاة ونحوها ممَّا يشترط له الطهارة، وهو نوعان: حدثٌ أكبر، وحدثٌ أصغر.

أما الحدث الأكبر: فلا يرتفع إلا بالاغتسال.

وأما الحدث الأصغر: فإنه يرتفع بالوضوء بالماء، وعند عدم الماء أو العجز عن استعماله يرتفع الحدثان -الأكبر والأصغر- بالتيمم.

الأعمال التي تحرُم على المـحدث حدثًا أكبر أو أصغر

وهناك أشياء تحرم على المـحدِث، سواءٌ كان حدثه أكبر أو أصغر، وهناك أشياء يختص تحريمها بمن هو محدثٌ حدثًا أكبر، ونتحدث عن هذين القسمين، ونبتدئ بالأشياء التي تحرم على المحدث الحدثين الأصغر والأكبر:

– وأولها: مس المصحف

فلا يمس المصحفَ المحدثُ بدون حائلٍ؛ لقول الله ​​​​​​​: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، أي: المتطهرون من الحدث، جنابةً أو غيرها، وهذا على القول بأن المراد بهم: المطهرون من البشر.

وقال بعض العلماء: إن المراد بـالْمُطَهَّرُونَ في هذه الآية: الملائكة الكرام، وهذا هو الراجح في معنى الآية؛ لأنه لو كان المراد بهم المتطهرين من البشر لقال: لا يمسه المطَّهِّرون، يعني: المتطهرون، ويدل لذلك قول الله : كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ۝فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ۝فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ۝بِأَيْدِي سَفَرَةٍ [عبس:11-15]، فقوله: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، هو كقوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، والقرآن يفسر بعضه بعضًا.

ولكن حتى لو فُسِّرت الآية بأن المراد بـالْمُطَهَّرُونَ: الملائكة، فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة، وكما ورد أيضًا في الكتاب الذي كتبه النبي لعمرو بن حزمٍ، وجاء فيه: وألا يمسَّ المصحف إلا طاهر [1]، قال ابن عبدالبر رحمه الله: “إنه أشبه المتواتر؛ لتلقي الناس له بالقبول”.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن مسألة منع مسِّ المصحف لغير المتطهر: “هو مذهب الأئمة الأربعة”.

وقال الوزير بن هبيرة في “الإفصاح”: “أجمعوا -يعني: الأئمة الأربعة- على أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف”.

حكم حمل المحدث للمصحف

ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غِلافٍ، أو في كيسٍ من غير أن يمسَّه، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه، وأن يتصفحه من غير مسٍّ، وقد نص على ذلك كثيرٌ من الفقهاء، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني”: “ويجوز حمله -أي: المصحف- بعلاقته، وهذا هو قول أبي حنيفة، وروي ذلك عن الحسن وعطاءٍ وطاوسٍ والشعبي والقاسم وأبي وائلٍ والحَكَم وحمَّادٍ.

قال: لأنه غير ماسٍّ له، فلم يُمنع منه، كما لو حمله في رحله، ولأن النهي إنما يتناول المس، والحمل ليس بمسٍّ فلم يتناوله النهي، قال: ويجوز تقليبه بعودٍ ومسه به”.

والحاصل -أيها الأخوة- في هذه المسألة: أنه يجوز للمحدث حمل المصحف بعلاقته، أو بغلافٍ ونحوه؛ لأن الغلاف ليس من المصحف، فيجوز حمله لغير المتطهِّر، ويجوز كذلك مس المصحف من وراء حائلٍ؛ كأن يـمسَّه بقفَّازٍ أو بثوبٍ، أو نحو ذلك، أو يقلِّب أوراق المصحف بقلمٍ أو عودٍ، أو نحو ذلك؛ لأن هذا لا يعتبر مسًّا له في الحقيقة.

– الصلاة فرضًا أو نفلًا

ويحرم على المحدِث -سواءٌ كان حدثًا أصغر أو أكبر- الصلاة فرضًا أو نفلًا، وهذا إجماعٌ من أهل العلم؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وقال النبي : لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ [2]، رواه مسلمٌ وغيره، وحديث: لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ [3]، فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارةٍ مع القدرة عليها، ولا تصح صلاته، سواءٌ كان جاهلًا أو عالمًا، ناسيًا أو عامدًا، ولكن العالم العامد إذا صلى من غير طهارةٍ فإنه يأثم.

وبعض الفقهاء يشدِّد في هذه المسألة فيقول: إن من تعمد أن يصلي صلاةً بغير طهارةٍ فإنه يكون مستهزئًا بالله ؛ فيكون كافرًا، وقد نص على هذا بعض فقهاء الحنفية، والجمهور على أنه لا يكفر إذا لم يقصد بذلك الاستهزاء، لكنه بكل حالٍ يأثم بصلاته متعمدًا بغير طهارةٍ، أما إن كان جاهلًا أو ناسيًا، فإنه لا يأثم، ولكن لا تصح صلاته.

– الطواف بالبيت العتيق

ويحرم على المحدث كذلك الطواف بالبيت العتيق؛ لقول النبي : الطواف بالبيت صلاةٌ، إلا أن الله أباح فيه الكلام [4]، وقد توضأ النبي للطواف، وصح عنه أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر [5]، كل ذلك يدل على تحريم الطواف على المحدث حتى يتطهَّر.

ومما يدل على تحريمه على المحدث حدثًا أكبر: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، أي: لا تدخلوا المسجد وأنتم جُنُبٌ إلا مارِّي طريقٍ، فمَنَعه من دخول لمسجد للبقاء فيه، وهذا المنع يقتضي منعه من الطواف من باب أولى.

وهذه الأعمال -أيها الأخوة- تحرم على المحدث، سواءٌ كان حدثه أكبر أو أصغر.

الأعمال التي تحرُم على المـحدث حدثًا أكبر

وأما الأشياء التي تحرم على المحدث حدثًا أكبر خاصةً، فهي:

– قراءة القرآن

أولًا: يحرم على المحدث حدثًا أكبر: قراءة القرآن؛ لحديث عليٍّ  قال: “كان النبي لا يحجبه -أي: لا يمنعه- عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة” [6]، رواه الترمذي وغيره، وفي لفظ: “كان يُقرِئنا القرآن ما لم يكن جنبًا” [7]، وهذا يدل على تحريم قراءة القرآن على الجنب.

حكم قراءة القرآن للحائض والنفساء

قال بعض العلماء: وبمعنى الجنب: الحائض والنفساء، وهذه مسألةٌ قد اختلف فيها العلماء: هل يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن أم لا؟ فمنهم من منع ذلك، ومنهم من أجازه، ومنهم من رخَّص للحائض أن تقرأ القرآن للحاجة؛ كأن تخشى نسيانه.

والأظهر -والله أعلم- في هذه المسألة: أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن مطلقًا، من غير أن تمسَّ المصحف، وذلك؛ لأنه لم يصح عن النبي نهيٌ للحائض أن تقرأ القرآن، والحديث المروي في ذلك، الذي يمنع الحائض من قراءة القرآن [8]، ضعيفٌ لا يثبت، ولا تقوم به حجة؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عيَّاشٍ عن الحجازيين، وهي ضعيفةٌ.

ومما يدل لذلك أيضًا: ما جاء في “صحيح البخاري” عن عائشة رضي الله عنها في قصة محيضها، قال: “فأمرها النبي  أن تنسك المناسك كلها، غير أنها لا تطوف، ولا تصلي” [9]، وفي رواية أحمد قال: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، ولا تصلي [10]، فنهاها النبي عن أمرين: عن الطواف بالبيت، وعن الصلاة، ولم ينهها عن شيءٍ سوى ذلك، ولا ريب أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، فلو كانت الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن لبيَّن النبي لها ذلك.

والجنب إنما هو ممنوعٌ من قراءة القرآن خاصةً، وليس ممنوعًا من ذكر الله تعالى، فله أن يذكر الله تعالى، وله أن يدعو، ولا بأس أن يتكلم المحدث بما وافق القرآن، إن لم يقصد القرآن، بل على وجه الذكر، مثل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: “أن النبي كان يذكر الله على كل أحيانه” [11].

– اللُّبث في المسجد

ويحرم على المحدث كذلك حدثًا أكبر اللُّبث في المسجد، سواءٌ كان حدثه عن جنابةٍ أو حيضٍ، يحرم عليه اللبث في المسجد؛ لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، أي: لا تدخلوا المسجد للبقاء فيه.

فإذا توضأ من عليه حدثٌ أكبر، فقد رخص بعض أهل العلم في ذلك، وأجازوا له اللبث في المسجد، وبعض أهل العلم منع من هذا استدلالًا بظاهر الآية، ويجوز كذلك للمحدث حدثًا أكبر أن يمر بالمسجد، لمجرَّد العبور منه، من غير جلوسٍ فيه؛ لقول الله تعالى: إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ.

والسنة للجنب إذا أراد تأخير غسل الجنابة: أن يتوضأ؛ لما جاء في “صحيح مسلمٍ” عن عمر بن الخطاب  أنه سأل النبي : “أيرقد أحدنا وهو جنبٌ؟ قال: نعم، إذا توضأ [12].

وبالجملة: إذا أراد الجنب تأخير الاغتسال فالسنة له أن يتوضأ.

أيها الإخوة المستمعون، نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الدارمي: 2312.
^2 رواه مسلم: 224.
^3 رواه البخاري: 135، ومسلم: 225.
^4 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 10955، والدارمي: 1889.
^5 رواه البخاري: 294، ومسلم: 1211.
^6 رواه أبو داود: 229، وأحمد: 639.
^7 رواه الترمذي: 146، وأحمد: 627، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
^8 رواه الترمذي: 131.
^9 رواه البخاري: 7230.
^10 رواه أحمد: 26344.
^11 رواه مسلم: 373.
^12 رواه البخاري: 287، ومسلم: 306.
zh