عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
السواك
حديثنا معكم في هذه الحلقة عن السواك، وما يتعلق به من أحكام وآداب.
تعريف السِّواك وحكمه
“السواك” فِعَال من سَاكَ يَسُوكُ، أو من تَسَوَّك يَتسوك، يطلق على الآلة التي هي العود الذي يستاك به، ويطلق على الفعل، أي: دلك الفم بالعود ونحوه.
والسواك سنة أمر به النبي أمر ندب، وبيَّن أنه لولا المشقة على أمته؛ لأمر أمته به أمر إلزام عند كل صلاة، قال عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة [1]، متفق عليه.
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: صلاةٌ بسواكٍ أفضل من سبعين صلاةً بغير سواك [2].
وقد تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله عن هذا الحديث كلامًا طويلًا في كتابه القيم: “المنار المنيف”، ومما قاله رحمه الله: “هذا الحديث لم يروَ في الصحيحين، ولا في الكتب الستة، ولكن رواه الإمام أحمد، وابن خزيمة، والحاكم في صحيحيهما، والبزَّار في مسنده، وقال البيهقي: إسناده غير قوي؛ وذلك أن مداره على محمد بن إسحاق عن الزُهري، ولم يصرح بسماعه منه..
ثم قال ابن القيم: فهذا حال هذا الحديث، وإن ثبت فله وجه حسن، وهو أن الصلاة بالسواك سنة، والسواك مرضاة للرب، وقد أكَّد النبي شأنه، وقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة [3]، وأخبر أنه مطهرة للفمِ مرضاة للرب، وقال: أكثرت عليكم في السواك [4]، وفي مسند أحمدَ عن ابن عباس قال: “ما زال النبي يأمرنا به حتى خشينا أن يَنزل عليه فيه” [5]، وقال عليه الصلاة والسلام: عشر من الفطرة، وذكر منها: السواك [6]، فجعل السواك من الفطرة، وكان من رغبته في السواك يستاك إذا قام من نوم الليل، وإذا دخل بيته، وإذا صلى، واستاك عند موته وهو في سياق الموت، قال جابر : “كان السواك من أذن النبي موضع القلم من أذن الكاتب” [7]، رواه البيهقي.
ثم قال ابن القيم: “وإذا كان هذا شأن السواك وفضله، وحصول رضا الرب به، وإكثار النبي على أمته فيه، ومبالغته فيه حتى عند وفاته وقبض نفسه الكريمة ، لم يمتنع أن تكون الصلاة التي يُستاك لها أحبَّ إلى الله تعالى من سبعين صلاة”.
ويكون السواك بعود ليِّن ينقي الفم ولا يضره، ولا يتفتت، كالأراك والعرجون ونحوهما، وكان النبي يَستاك بالأراك.
فإن استاك بأُصبُعِه أو بخرقة مثلًا فهل يصيب السنة؟
قولان للعلماء، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “الصحيح أنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا يُترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها”.
هل تدخل فرشاة الأسنان في مسمى السواك؟
يتفرع عن هذه المسألةِ مسألةٌ أخرى، وهي: هل تدخل فرشاة الأسنان في مسمى السواك؟
نقول: الظاهر أنها تدخل في مسمى السواك؛ لأن السواك كما سبق يُطلق على الآلة التي يستاك بها، ولا تنحصر هذه الآلةُ في عود الأراك، بل ذكر الفقهاء أنه يحصل الاستياك بغيره كالعرجون مثلًا، وسبق القول بأن الصحيح أنه يمكن الاستياك بالأصبع والخرقةِ ونحوهما، وأنه يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا شك أنَّ فرشاة الأسنان أبلغ في التنظيف مما ذكره الفقهاء أنه يمكن الاستياك به من غير عود الأراك، بل إن فرشاة الأسنان قد تكون أبلغ في التنظيف والإنقاء من عود الأراك نفسه خاصة إذا اقترن بها المعجون، وبناء على هذا نقول: إن فرشاة الأسنان تدخل في مسمى السواك، والله تعالى أعلم.
كيفية الاستياك
قال بعض الفقهاء: يستحب أن يَستاك عرضًا بالنسبة للأسنان، وطولًا بالنسبة للفم.
وقال بعضهم: يَستاك طولًا بالنسبة للأسنان؛ لأنه أبلغ في التنظيف.
وقد رُوي في هذه المسألةِ حديث عائشة رضي الله عنها: “أن النبي كان يستاك عرضًا، ولا يستاك طولًا” أخرجه أبو نعيمٍ في كتاب السواك؛ ولكنه ضعيفٌ جدًا لا يصح.
وبالجملة لم يثبُت في السنة شيء في هذه المسألة، والأمر فيها واسع، فإن اقتضت الحالُ أن يستاك طولًا فعل، أو اقتضت الحال أن يستاك عرضًا فعل؛ لعدم ثبوت سنة بينةٍ في هذا؛ ولأن المقصود هو تنظيف الفم والأسنان، فبأي صفة حصل ذلك فقد حصل المقصود، والله تعالى أعلم.
والسنة أن يبتدئ في السواك بجانب فمه الأيمن؛ لما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يُعجبه التَيَّمُن في تنعله، وترجله، وطهوره؛ وشأنه كله” [8]، وقياسًا على الوضوء.
هل الأفضل أن يستاك باليد اليمنى أو باليد اليسرى؟
قال أكثر العلماء: الأفضل أن يستاك باليد اليسرى؛ لأن الاستياك إزالة لأذى، وما كان من باب إزالة الأذى يكون باليد اليسرى كالاستنثار ونحوه.
وقال بعض العلماء: الأفضل أن يكون الاستياك باليد اليمنى؛ لأن السواك سنة، والسنة طاعة وقربة لله تعالى، وما كان طاعةً وعبادة لله فإنه يكون باليمين.
ونقل أبو البقاء الدَّميري في كتابه: “النجم الوهاج” عن بعض الشافعية قولًا بالتفصيل وهو: أنه إن كان المقصود بالسواك إزالةَ الأذى فيكون باليسار، وإن كان المتسوك يقصد تحصيل السنة فيكون باليمين، ثم قال: “فقه حسَنٌ”.
وهذا القول الأخير وهو القول بالتفصيل هو الأظهر في هذه المسألة والله تعالى أعلم، فنقول: إن قصد المتسوك إزالة الأذى فإنه يستاك بيده اليسرى، وإن قصد تحصيل السنة فإنه يستاك بيده اليمنى.
أوقات السواك
والسواك مسنون في جميع الأوقات، إلا أن بعض الفقهاء قالوا: يكره للصائم بعد الزوال؛ لما روى الدارقطني في “سننه” عن علي أن رسول الله قال: إذا صمتم فاستاكوا بالغداةِ، ولا تستاكوا بالعشيّ [9]، والعشيّ بعد الزوال.
ولما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لخُلوف فم الصائم أطيب عندالله من ريح المسك [10]، ووجه الدلالة: أن الخُلوف وهو الرائحة الكريهة التي تكون بالفم عند خلو المعدة من الطعام إنما تكون في الغالب بعد الزوال، وإذا كان هذا الخُلوف أطيب عند الله تعالى من ريح المسك؛ لكونه ناشئًا عن طاعة الله فيكره إزالته بالسواك.
والصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم: أن السواك لا يُكره في حق الصائم مطلقًا، بل هو مسنون للصَّائم قبل الزوال وبعدَه؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على سُنية السواك؛ كحديث عائشة رضي الله عنها: السواك مطهرة للفم؛ مرضاة للرب، وما جاء في معناه من الأحاديث؛ ولعدم ثبوت دليل صحيح صريح يدل على كراهة السواك للصائم بعد الزوال.
وأما حديث علي رضي الله عنه: استاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي، فهو حديث ضعيفٌ لا تقوم به الحجة.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فلا دلالة فيه أصلًا على كراهة السواك للصائم بعد الزوال؛ لأن هذا الخُلوف يكون من الصائم إنما ينبعث من المعدة، ولا أثر للسواك في إزالته.
ويتأكد السواك في مواضع؛ منها:
أولًا: عند الوضوء؛ لحديث أبي هريرة أن النبي قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء [11]، أخرجه أحمد وابن ماجه بسندٍ صحيحٍ.
ومحله من الوضوء عند المضمضة؛ لأن ذلك أبلغ في الإنقاء وفي تنظيف الفم.
ويتأكد كذلك عند الصلاة؛ لما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة [12].
ويتأكد كذلك عند القيام من النوم؛ لما جاء في الصحيحين عن حذيفة أن النبي كان إذا قام من الليل يَشوص، أي يَدلك، فاه بالسواك.
قال الفقهاء: ويتأكد السواك كذلك عند قراءة القرآن، وعند تَغير الفم، وعند دخول المنزل.
هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 887، ومسلم: 252. |
---|---|
^2 | رواه الببهقي في السنن الكبرى: 161. |
^3, ^12 | سبق تخريجه. |
^4 | رواه البخاري: 888، من حديث أنس رضي الله عنه. |
^5 | رواه أبو داود: 2862. |
^6 | رواه مسلم: 261. |
^7 | رواه البيهقي في السنن الكبرى: 157. |
^8 | رواه البخاري: 168، ومسلم: 268 |
^9 | رواه الدارقطني: 2372. |
^10 | رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151. |
^11 | رواه أحمد: 9928. |