الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(31) أحكام إزالة النجاسة- بول الغلام والحيوان وسؤر الهرَّة
|categories

(31) أحكام إزالة النجاسة- بول الغلام والحيوان وسؤر الهرَّة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام إزالة النجاسة، وسنتحدث معكم عن جملةٍ من الأحكام المتعلقة بـها.

تطهير بول الغلام

ونبدأ الحديث عن بول الغلام.

قد دلَّت السنة على أنه يكفي في تطهير بول الغلام النضح، كما جاء في الصحيحين عن أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها: “أنَّـها أتت بابنٍ لها صغير لَـم يأكل الطعام إلى رسول الله ، فأجلسه رسول الله في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بـماءٍ فنضحه ولـم يغسله” [1].

وفي الصحيحين أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يؤتى بالصبيان، فيدعو لهم، وأتي بصبيٍ فبال على ثوبه، فدعا بـماءٍ، فأتبعه إياه ولـم يغسله” [2].

وعن أبي السمح  قال: قال النبي : يُغسَل من بول الجارية، ويُرشُّ من بول الغلام أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم؛ بسندٍ حسن [3].

وهذه الأحاديث تدل على أنه يكفي في تطهير بول الذكر الرضيع النضح، ويشترط لذلك: أن يكون هذا الطفل لَـم يأكل الطعام شهوةً، وتغذِّيًا به.

قال ابن القيم رحمه الله: “إنـما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذيًا به”، أما لو كان يأكل الطعام ويتغذَّى به، ويشرب لبنًا أحيانًا، فيكون بوله كبول الكبير.

والمراد بالنضح الذي يُكتفَى به في بول الغلام الذي لَـم يأكل الطعام، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله مبيِّنًا معنى النضح: “معناه: أن يغمره بالماء، وإن لَـم ينزل عنه، ولا يحتاج مرْسٍ وعَصْر”.

وهذا هو المعنى الصحيح للنضح: أن تتبعه الماء دون فركٍ أو عصر، حتى يشمله كله؛ ولهذا جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها السابق ذكره: “فدعاء بـماءٍ فأتبعه إياه ولـم يغسله” وجاء في بعض الروايات: أن النبي  صبَّ الماء على بول الغلام.

وبـهذا يُعلَم عدم صحة فهم بعض الناس للنضح في هذا الحديث بأنه مـجرَّد الرَّش باليد، بل المراد غمره بالماء من غير عصر.

الحكمة من نضح بول الطفل، وغسل بول الأنثى

وقد التمس بعض العلماء الحكمة من التفريق بين الذكر والأنثى في هذه المسألة، أي: أنه يُكتفى في بول الذكر الرضيع النضح، وفي بول الأنثى لا بد من الغسل.

فقال بعضهم: إن الذكر فيه حرارةٌ طبيعية زائدة على حرارة الأنثى؛ ولهذا إذا نظرت إلى طفلين في نفس العمر، أحدهما ذكرٌ، والآخر أنثى، وجدت أن الذكر أكثر حرارةً وعبثًا وشقاوةً من الأنثى في الغالب؛ وذلك بسبب أن طبيعة حرارته الغريزية أكثر من الأنثى، وهذه الحرارة تخفف فضلات الطعام، وإذا صادف أن الطعام خفيفٌ أيضًا وهو اللبن، حصل من مجموع الأمرين خفَّت النجاسة؛ ولهذا: يكتفى فيها بالنضح، بخلاف الأنثى، فإن حرارتـها الغريزية أقل، فلا تقوى على تخفيف نجاسة بولها.

ثم إن بول الذكر يخرج من ثقبٍ ضيِّقٍ، فينتشر فيشق غسله، بخلاف الأنثى، فناسب ذلك التيسير على المكلف بالاكتفاء بنضح بول الذكر، والله تعالى أعلم.

حكم بول ما يُؤكل لحمه

قد دلَّت السنة على أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهرٌ كالإبل والبقر والغنم، وكل ما يؤكل لحمه، ففي الصحيحين في قصة العُرنِيِّين الذين قدموا المدينة فاشتكوا، فأمرهم النبي بأن يلحقوا بإبل الصدقة، فيشربوا من ألبانـها وأبوالها [4]؛ ولو كانت أبوالها نجسة؛ لَمَا أمرهم النبي  بالشرب منها.

وفي (صحيح مسلم) عن جابر بن سمرة : “أن رجلًا سأل النبي : أُصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم [5].

ووجه الدلالة: أنّ النبي أذن في الصلاة في مرابض الغنم، ومرابض الغنم لا تخلو من البول والروث، فدل ذلك على طهارتـها.

وفي الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “طاف النبي في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بـمِحْجن” [6].

ووجه الدلالة: إن إدخال البعير المسجد، والطواف عليه، دليلٌ على طهارة بوله، حيث لا يؤمن بول البعير في أثناء الطواف، ولو كان نجسًا لَـم يُعرِّض النبي  المسجد للنجاسة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ثبت واستفاض أن رسول الله طاف على راحلته، وأدخلها المسجد الحرام، الذي فضَّله الله على جميع بقاع الأرض، وكذلك أذن لأم سلمة أن تطوف على بعيرها، ومعلومٌ أنه ليس مع الدواب من العقل، ما تـمتنع به من تلويث المسجد، المأمور بتطهيره للطائفين والركع السجود، فلو كانت أبوالها نجسة؛ لكان فيه تعريض المسجد الحرام للتنجيس”.

الحكمة من النهي عن الصلاة في معاطن الإبل

وأما نـهي النبي عن الصلاة في معاطن الإبل، فليس ذلك لأجل نجاستها، وإنـما لعلةٍ أخرى غير النجاسة، وقد جاءت الإشارة إلى هذه العلة في حديث عبدالله بن مغفَّل  قال: قال رسول الله : صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنـها خُلِقَت من الشياطين أخرجه، أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، وابن أبي شيبة، والبيهقي بسندٍ صحيح [7].

قال ابن حبان رحمه الله: “معنى قول النبي : فإنـها خُلِقَت من الشياطين: أن معها الشياطين، كما قال لمن يصلي، وأراد أحدٌ أن يـمر بين يديه: فليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان [8]، وفي الرواية الأخرى: فليقاتله، فإن معه القرين [9].

وقيل المعنى: أنّ من طبعها الشيطنة، وليس معناه: أنّ مادة خلقها الشيطنة، فهو كقول الله تعالى: خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء:37]، أي: طبعه هكذا، فكذلك نقول في الإبل: طبعها الشيطنة، فهي لا تكاد تـهدأ، ولا تَقَرُّ في العطن بل تثور، فربـما قطعت على المصلي، وشوَّشَت عليه خشوعه، وربَّـما ثارت عليه فأحدثت به ضررًا؛ ولهذا لـمَّا أُمِن شرُّها للراكب عليها؛ جاز له أن يصلي عليها، وقد كان النبي  يصلي النافلة في السفر على بعيره.

وعلى كل حالٍ: فليس في النهي عن الصلاة في معاطن الإبل دليلٌ على نجاسة بولها وروثها، والله تعالى أعلم.

حكم بول غير مأكول اللحم

وأما الحيوان غير المأكول كالـهِرِّ والحمار الأهلي ونحوهما؛ فإن بوله وروثه نجسٌ؛ لأن لحم هذا الحيوان خبيثٌ، فكذلك بوله؛ ولأنه إذا كان الحيوان الطاهر الحلال الأكل، إذا أكل العَذِرة حُبِس، كما في الجلَّالَة، فكيف بحيوانٍ قد خبث لحمه بنفسه؟!

حكم سُؤر الهرة

وقد دلت السنة على أن سُؤْر الـهِرَّة طاهر.

والسؤر: هو بقية الطعام والشراب، فعن كبشة بنت كعب بن مالك: “أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءً، فجاءت هِرَّةٌ لتشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله قال: إنـها -أي: الـهِرَّة- ليست بنجس، إنـها من الطوَّافين عليكم والطوافات [10]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بسندٍ صحيح.

وقاس كثيرٌ من العلماء على الـهِرَّة: ما يشقُّ التحرُّز منه؛ لكثرة تطوافه؛ كالبغال والحمير ونحوها.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة.

وبـهذا نكون قد انتهينا من مسائل هذا الباب، ونفتتح الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله، ببابٍ جديدٍ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 223، ومسلم: 287.
^2 رواه البخاري: 6355، ومسلم 286.
^3 رواه أبو داود: 376، وابن ماجه: 526، والنسائي: 304، والدارقطني: 4، والحاكم في المستدرك: 589.
^4 رواه البخاري: 1501، ومسلم: 1671.
^5 رواه مسلم: 360.
^6 رواه البخاري: 1607، ومسلم 1272.
^7 رواه ابن ماجه: 769، وابن حبان: 5657، وأحمد: 16799، وابن أبي شيبة: 3877، والبيهقي في السنن الكبرى: 4357.
^8 رواه مسلم: 505.
^9 رواه مسلم: 506.
^10 رواه أبو داود: 75، والترمذي: 92، وابن ماجه: 367، والنسائي: 68، وأحمد: 22636، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
مواد ذات صلة