الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(123) أوقات النهي عن الصلاة- بعد صلاة الفجر وعند قائم الظهيرة
|categories

(123) أوقات النهي عن الصلاة- بعد صلاة الفجر وعند قائم الظهيرة

مشاهدة من الموقع

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

أوقات النهي عن الصلاة

وهي الأوقات التي نـهى الشارع عن صلاة التطوُّع فيها.

والأصل أن صلاة التطوع مشروعةٌ دائمًا؛ لعموم قول الله ​​​​​​​: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، ولأن الصلاة من أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله ​​​​​​​، كما أخبر بذلك النبي .

ففي (صحيح مسلمٍ) عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: “سألت ثوبان مولى رسول الله ، فقلت: أخبرني بعملٍ أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله تعالى، فقال: سألت عن ذلك رسول الله فقال: عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك الله بـها درجة، وحطَّ عنك بـها خطيئة قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثلما قال ثوبان” [1].

وفي (صحيح مسلمٍ) عن ربيعة بن كعب الأسلمي  قال: “كنت أبيت مع رسول الله ، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: “سَلْ” قلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟! قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود [2].

وقد كان من السلف الصالح من يكثر من صلاة التطوع اغتنامًا لِمَا ورد فيها من الأجر العظيم والثواب الجزيل، وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه كان يصلي لله تعالى في اليوم والليلة تطوُّعًا من غير الفريضة ثلاثـمائة ركعة، وكان الحافظ عبدالغني المقدسي صاحب (عمدة الأحكام) يقتدي بالإمام أحمد في هذا.

ولكن هناك أوقات نـهى الشارع عن صلاة التطوع فيها، وكلها في النهار، أما الليل فجميعه محلٌ لصلاة التطوع، وليس فيه وقت نـهيٍ، وأوقات النهي عن الصلاة ثلاثةٌ على سبيل الإجمال، خمسةٌ على سبيل التفصيل، ونذكرها أولًا على سبيل الإجمال:

  • الأول: من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وترتفع قيد رمح.
  • الثاني: حين يقوم قائم الظهيرة قُبَيل زوال الشمس.
  • الثالث: من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

ونعود لذكرها على سبيل التفصيل:

أولا: من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس

ويدل لذلك: ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله قال: لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [3].

وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “شهد عندي رجالٌ مرضيون، وأرضاهم عندي عمر : “أن النبي نـهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب” [4].

وهل النهي متعلقٌ بصلاة الفجر نفسها، أو أنه متعلقٌ بطلوع الفجر؟

هذا محل خلافٍ بين العلماء، والأقرب -والله أعلم- أن النهي متعلقٌ بفعل صلاة الفجر، وأن وقت النهي إنـما يبتدئ من بعد صلاة الفجر، وليس من بعد طلوع الفجر.

وذلك لأنه قد جاء في حديث أبي سعيدٍ السابق تعليق الحكم بنفس الصلاة، وقد أورده البخاري بلفظ: لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس [5]، ورواه مسلمٌ بلفظ: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [6]، ورواية مسلمٍ مفسرةٌ للإجمال في رواية البخاري.

ولهذا قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله معلقًا على رواية البخاري: “قوله: لا صلاة بعد الصبح أي: بعد صلاة الصبح، وقد رواه مسلمٌ من هذا الوجه”.

ومـمَّا يؤيد ذلك أيضًا: أن النهي عن الصلاة بعد العصر متعلقٌ بفعل صلاة العصر، لا بدخول وقتها، فكذلك النهي عن الصلاة بعد الفجر، إنـما يتعلق بفعل الصلاة لا بدخول الوقت، لا سيما وأن النهي عن الصلاة بعد العصر، إنـما ورد مقترنًا بالنهي عن الصلاة بعد الفجر.

وأما ما روي عن النبي أنه قال: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر [7]، فهو حديثٌ ضعيف، والمـحفوظ من رواية الصحيحين بخلافه، وعلى تقدير صحته، يحمل قوله: لا صلاة بعد طلوع الفجر على نفي المشروعية، أي: لا يشرع للإنسان أن يتطوَّع بنافلةٍ بعد طلوع الفجر، إلا بركعتي الفجر، ولكنه ليس بوقت نـهي، فلو تطوَّع لَـم يأثم بناءً على هذا القول، والله تعالى أعلم.

ثانيًا: من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح

الوقت الثاني من أوقات النهي عن الصلاة: من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح؛ والمراد من طلوع قرص الشمس، حتى ترتفع قدر رمح، وهو ما يعادل قدر مترٍ تقريبًا في رأي العين.

ويدل لذلك: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : إذا بدا حاجب الشمس، فأخِّروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس؛ فأخِّروا الصلاة حتى تغيب [8].

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: لا يتحرَّى أحدكم، فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبـها [9].

وفي (صحيح مسلمٍ) من حديث عمرو بن عبسة : أن النبي قال: صلِّ الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنـها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورةٌ [10].

ويُقدَّر وقت ارتفاع الشمس قيد رمح، بنحو عشر دقائق، ولكن من كان يعيش داخل العمران، فقد لا يتيسر له ضبط ذلك، فيمكن الاعتماد في هذا على التقاويم المطبوعة أو الموجودة في الساعات، فإن وقت شروق الشمس فيها دقيقٌ جدًا، ولكن يضاف لوقت الشروق الموجود في التقويم عشر دقائق تقريبًا.

وبناءً على ذلك: من جلس في مُصلَّاه بعد صلاة الفجر يذكر الله تعالى، وأراد أن يأتي بركعتي الإشراق، فإنه ينتظر حتى تشرق الشمس، ويـمكنه أن يعتمد على التقويم في هذا، لكن يضيف له عشر دقائق؛ حتى يتحقق من ارتفاعها قيد رمح.

ثالثًا: حين يقوم قائم الظهيرة

الوقت الثالث من أوقات النهي عن الصلاة: حين يقوم قائم الظهيرة، وذلك قُبَيل الزوال، فإن الشمس من طلوعها تبدأ في الارتفاع، حتى تصل منتهى ارتفاعها في السماء منتصف النهار، ثم تبدأ بعد ذلك بالانخفاض، فمنتهى ارتفاعها في السماء هو قائم الظهيرة، وهو أقصر ما يكون للظل في النهار، بل قد ينعدم الظل في بعض البلدان في بعض أوقات السنة.

ولهذا: جاء في حديث عمرو بن عبسة في (صحيح مسلم): أن النبي قال: صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصِر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، قال: ثم صلِّ، فإن الصلاة محضورةٌ مشهورة، حتى يستقل الظل بالرمح [11]؛ أي: حتى يبلغ الظل أقل منتهى له في القِصَر.

وقال النووي: “المعنى: حتى يقوم الظل مقابل الرمح في جهة الشمال، ليس مائلًا إلى المغرب ولا إلى المشرق”.

وكلا التفسيرين صحيح، فإنه عندما يقوم قائم الظهيرة، يبلغ الظل أقل منتهى له في القِصَر، ويكون كذلك باتجاه جهة الشمال.

جاء في حديث عمرو بن عبسة: فإذا أقبل الفَيء فصلِّ، فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة [12]؛ والمقصود بإقبال الفيء: زوال الشمس، والشمس تزول بعد زيادة الظل بعد تناهي قِصَره.

وجاء في حديث عقبة بن عامر  قال: “ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهنَّ، أو أن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب” [13].

وهذا الوقت، أعني: قائم الظهيرة، يُقدَّر بنحو خمس إلى عشر دقائق تقريبًا قُبَيل الزوال.

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية المسائل المتعلقة بأوقات النهي عن الصلاة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 488.
^2 رواه مسلم: 489.
^3, ^6 رواه مسلم: 827.
^4 رواه البخاري: 581، ومسلم: 826.
^5 رواه البخاري: 1995.
^7 رواه الترمذي: 419، بنحوه، وقال: حديث غريب.
^8 رواه البخاري: 583، ومسلم: 829.
^9 رواه البخاري: 585، ومسلم: 828.
^10 رواه مسلم: 832.
^11, ^12 سبق تخريجه.
^13 رواه مسلم: 831.
مواد ذات صلة