الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(148) أحكام صلاة الجمعة-أحكام متعلقة بصلاة الجمعة ويومها
|categories

(148) أحكام صلاة الجمعة-أحكام متعلقة بصلاة الجمعة ويومها

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أحكام متعلقة بصلاة الجمعة ويومها

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام صلاة الجمعة، وأبتدئ الحديث في هذه الحلقة بمسألة ما تُدرك به الجمعة.

بم تدرك صلاة الجمعة؟

وقد اختلف العلماء فيما تُدرك به الجمعة، والذي عليه أكثر أهل العلم أنها تُدرك بإدراك ركعة، وقد حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وعلقمة والحسن وعروة بن الزبير رضي الله عن الجميع، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وعزاه النووي رحمه الله في “المجموع” لأكثر العلماء.

وقد استدلوا بحديث أبي هريرة  أن رسول الله قال: من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى رواه النسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وجميع طرقه معلولة، ولهذا قال أبو حاتم: “لا أصل لهذا الحديث”، وإنما المتن: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها [1].

وذكر الدارقطني في علله الاختلاف، وقال: “الصحيح من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة“.

ولكن يغني عن هذا الحديث في الدلالة على الحكم حديث أبي هريرة  أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة [2]، متفقٌ عليه.

وهذا الحديث يشمل الجمعة وغيرها، فمن أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدرك ركعة فقد فاتته الجمعة ويقضيها ظهرًا أربع ركعات.

قال الترمذي رحمه الله: “والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، قالوا: من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى، ومن أدركهم جلوسًا صلى أربعًا، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق”؛ رحمهم الله جميعا.

وبناءً على ما سبق من أدرك الركوع من الركعة الثانية في صلاة الجمعة فقد أدرك الجمعة، وإذا سلّم الإمام أتى بركعة واحدة، أما إذا لم يدرك الركوع من الركعة الثانية وإنما أتى المسبوق بعد الرفع من الركوع أو أتى والإمام في السجود من الركعة الثانية أو في التشهد، فقد فاتته الجمعة، ويقضيها أربع ركعات ظهرًا، والله تعالى أعلم.

حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

ومما استحبه كثيرٌ من أهل العلم: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد  أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين [3].

وقد اختُلِف في درجة هذا الحديث، فمن العلماء من ضعّفه، ومنهم من حسّنه أو صححه، وقد أخرجه البيهقي من طريق الحاكم، وقال الحاكم: “صحيح الإسناد”، وتعقّبه البيهقي بأن في إسناده نعيم بن حماد وهو ذو مناكير، لكن نعيمًا لم يتفرّد به، وقد روى هذا الحديث الدارمي موقوفًا على أبي سعيد بسندٍ صحيح، رجاله رجال الشيخين.

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: “ذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو أشبه”.

ولكن هذا في حكم المرفوع؛ لأنه مما لا يقال بالرأي، وللحديث شاهدٌ عن ابن عمر بإسنادٍ لا بأس به.

والحاصل: أن هذا الحديث بمجموع طرقه وشواهده يرتقي إلى درجة الحسن أو الصحيح؛ ومن هنا فينبغي للمسلم أن يحرص على قراءة هذه السورة يوم الجمعة.

ويوم الجمعة يبتدئ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فكل هذا الوقت محلٌ لقراءة سورة الكهف، والله تعالى أعلم.

مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي

ويستحب الإكثار من الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها؛ لحديث أوس بن أوس  قال: قال رسول الله : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضةٌ عليّ قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -أيْ بليت-؟ فقال: إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء [4]، أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد، والحاكم وصححه، وصححه كذلك النووي.

وعن أنس  أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرًا [5]، أخرجه البيهقي في سننه، وله شواهد متعددة.

ساعة الإجابة يوم الجمعة

وقد دلّت السنة على أن في يوم الجمعة ساعة إجابة لا يوافقها مسلمٌ وهو يصلي ويدعو الله تعالى إلا أعطاه الله ما سأل؛ كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : “أن رسول الله ذكر يوم الجمعة، فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقلّلها” [6]، فذكر النبي  لهذه الساعة أربع صفات:

  • الأولى: أنها تكون في يوم الجمعة، وهو ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولا يشمل ذلك ليلة الجمعة.
  • الثانية: أنه يُستجاب فيها الدعاء؛ لقوله: يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه.
  • الثالثة: أن إجابة الدعاء فيها إنما تكون لمن كان قائمًا يصلي.
  • الرابعة: أنها ساعةٌ لطيفةٌ في زمنٍ يسير، وقد جاء في رواية مسلم: وهي ساعةٌ خفيفة [7]، وفي رواية الطبراني في الأوسط من حديث أنس رضي الله عنه: وهي قدر هذا يعني قبضة [8].

قال ابن المنيّر رحمه الله: “الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها، والحضِّ عليها، ليسارة وقتها وغزارة فضلها”.

قال القاضي عياض بعدما حكى في تحديد هذه الساعة أقوالاً قال: “وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقتٌ لهذه الساعة، بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت، لقوله: “وأشار بيده يقلّلها”.

قال النووي رحمه الله: “وهذا الذي قاله القاضي صحيح”.

وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة على أقوالٍ كثيرة، وقد حكى الحافظ ابن حجر رحمه الله فيها في كتابه: “فتح الباري شرح صحيح البخاري”، ذكر فيها ثلاثة وأربعين قولًا.

قال ابن القيم رحمه الله: “وأرجح هذه الأقوال قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة وأحدهما أرجح من الآخر:

  • الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحُجّة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله في شأن ساعة الجمعة شيئًا؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة [9].
  • والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبدالله بن سلام وأبي هريرة رضي الله عنهم، والإمام أحمد وخلق رحمهم الله الجميع، وحُجّة هذا القول: ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر [10].

وروى أبو داود والنسائي عن جابر عن النبي قال: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر [11].

وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أن ناسًا من أصحاب رسول الله  اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.

وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه لقي عبدالله بن سلام، فتذاكرا ساعة الجمعة فقال عبدالله بن سلام: وقد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فقلت: أخبرني بها؟ فقال عبدالله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله : لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ قال عبدالله بن سلام: ألم يقل رسول الله : من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ قال: فقلت: بلى، فقال: هو ذاك [12].

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الساعة التي تُذكر يوم الجمعة: ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وكان سعيد بن جبير رحمه الله إذا صلى العصر لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس، وهذا هو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث”.

قال ابن القيم رحمه الله: “وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر يعظّمها جميع أهل الملل، وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنهم..

قال: ويليه القول بأنها ساعة الصلاة، وبقيّة الأقوال لا دليل عليها”.

قال ابن القيم رحم الله: “وعندي أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضًا، فكلاهما ساعة إجابة وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر، فهي ساعةٌ معيّنة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر، وأما ساعة الصلاة فتابعةٌ للصلاة تقدّمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرّعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيرًا في الإجابة، فساعة اجتماعهم ساعةٌ ترجى فيها الإجابة، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها، ويكون النبي قد حضَّ أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين”.

والحاصل: أن أرجح الأقوال في تحديد ساعة الجمعة هو أنها آخر ساعة بعد العصر، فينبغي للمسلم أن يجتهد في يوم الجمعة عمومًا، وفي هذا الوقت خصوصًا، والأفضل إذا كان رجلًا أن يكون في المسجد ينتظر صلاة المغرب، والمرأة كذلك تجلس في مصلاها تنتظر صلاة المغرب لكي يصدق عليهما عند دعائهما في هذا الوقت أنهما في صلاة.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى، وأن ييسّرنا لليسرى، وأن يجنّبنا العسرى.

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 5734.
^2 رواه البخاري: 580، ومسلم: 607.
^3 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 5996.
^4 رواه أبو داود: 1047، وابن ماجه: 1636، وأحمد: 16162، والحاكم: 1029، وابن خزيمة: 1733.
^5 رواه البيهقي في السنن الكرى: 5994.
^6 رواه البخاري: 935، ومسلم: 852.
^7 رواه مسلم: 852.
^8 رواه الطبراني في الكبير: 747.
^9 رواه مسلم: 853.
^10 رواه أحمد: 7688.
^11 رواه أبو داود: 1048، والنسائي: 1389.
^12 رواه أبو داود: 1046، وأحمد: 23786.
مواد ذات صلة