الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(175) أحكام صيام التطوع- أنواعه وبعض أحكامه
|categories

(175) أحكام صيام التطوع- أنواعه وبعض أحكامه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.

من أنواع صيام التطوع

صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر

لِمَا جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: “أوصاني خليلي بثلاث: وذكر منها: صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر” [1].

وفي الصحيحين أيضًا عن عبدالله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أن النبي قال: صم ثلاثة أيامٍ من كل شهر، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر [2].

والأفضل أن تكون هذه الثلاثة أيامٍ في أيام البيض.

لحديث أبي ذرٍّ : أن النبي قال: يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة [3]، رواه الترمذي وقال: “حديثٌ حسن”.

قال صاحب (الإفصاح): “اتفقوا على أن صيام أيام البيض التي جاء فيها الحديث، هي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر”.

وسميت بذلك: لابيضاض لياليها بنور القمر، فالوصف لليالي، فيكون التقدير إذًا أيام الليالي البيض.

وقيل في الحكمة من مشروعية صيامها: إنّ دم الإنسان في منتصف الشهر يصبح أكثر فورانًا، وتـهيج فيه فضلات البدن، والصوم يُذهِب فضلات البدن، ويُخفِّف من ضغط الدم، والله تعالى أعلم.

صيام يومي الاثنين والخميس

لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: “كان النبي يصوم يوم الاثنين والخميس، فسئل عن ذلك، فقال: إنـهما يومان تعرض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم [4]، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وقال الترمذي: “حديثٌ حسن”.

وصيام يوم الاثنين آكد من صيام يوم الخميس؛ لِمَا جاء في (صحيح مسلمٍ) عن أبي قتادة : أن رسول الله سُئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: ذلك يومٌ ولِدْت فيه، وبعثت فيه، أو أُنزِل عليَّ فيه [5].

حكم صيام يومي الثلاثاء والأربعاء

أما صيام يومي الثلاث والأربعاء، فليس بسنة على التعيين، لكن يبقى أنه سنةٌ مطلقة، فإنه يسن للمسلم الإكثار من صيام التطوُّع، لكن لا نقول: يسن صيام يوم الثلاثاء أو يوم الأربعاء على التعيين، كما يقال في صيام يومي الاثنين والخميس، ولا يقال: إنه يكره، وإنـما يقال: إن صيامهما سنةٌ مطلقة.

حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

وأما يوم الجمعة: فيُكره إفراده بالصوم في قول جمهور أهل العلم.

لِمَا جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده [6].

وفي الصحيحين عن محمد بن عبَّاد، قال: “سألت جابرًا : أنـهى النبي عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم” [7].

وفي (صحيح البخاري) عن أم المؤمنين جُورِية بنت الحارث رضي الله عنها: “أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال لها: أصمتِ أمس؟، قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري [8].

وقال بعض العلماء: يحرم إفراد يوم الجمعة بالصوم، وقد نقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن عليٍّ وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر ، وقال ابن حزم: “لا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة”.

الحكمة من النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام

وقد اختلف في الحكمة من النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، وأقرب ما قيل في ذلك: أنه يوم عيد، والعيد لا يُصام، وقد رجحه ابن القيم رحمه الله.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعدما ذكر أقوالًا في المسألة: “وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب: أن يوم الجمعة يوم عيد، والعيد لا يُصام، وقد ورد فيه حديثان صريحان:

أحدهما: رواه الحاكم وأحمد عن أبي هريرة : أن رسول الله قال: يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده [9].

والثاني: رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ حسن عن عليِّ ، وفيه: من كان منكم متطوِّعًا، فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعامٍ وشرابٍ وذكر[10].

وقد أورد ابن القيم رحمه الله إشكالًا على هذا القول، فقال: “إن قيل: يوم العيد لا يصام مع ما قبله، ولا مع ما بعده، ثم أجاب عن هذا الإشكال فقال: لـمَّا كان يوم الجمعة مشبَّهًا بالعيد، أخذ من شبهة النهي عن تحرِّي صيامه، فإذا صام ما قبله أو ما بعده، لـم يكن قد تحرَّاه، وكان حكمه حكم صوم الشهر، أو العشر منه، أو صوم يومٍ وفطر يومٍ، أو صوم يوم عرفة وعاشورا، إذا وافق يوم الجمعة، فإنه لا يكره صومه في شيءٍ من ذلك”.

ويفهم من كلام ابن القيم: أن الممنوع هو تعمُّد إفراد تخصيص يوم الجمعة بالصيام، أما إذا لـم يتعمَّد، فإنه لا يدخل في النهي، فإذا وافق يوم عرفة شُرِع صومه، ولا يلزم أن يصام يومًا قبله أو يومًا بعده، وهكذا لو كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ووافق صومه الجمعة، فلا يدخل في النهي.

وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: عن رجلٍ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ووقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت، فصام الجمعة مفردًا؟

فقال: هذا لـم يتعمَّد صومه خاصَّة، إنـما كُرِه أن يتعمَّد الجمعة.

ولهذا: جاء في حديث أبي هريرة : أن رسول الله قال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم [11]، رواه مسلم.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “ويُؤخذ من الاستثناء، يعني قوله: إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم جواز صيام يوم الجمعة لمن صام قبله أو بعده، أو اتفق وقوعه في أيامٍ له عادةٌ بصومها”.

ولكن لو كان الإنسان موظَّفًا، وأراد أن يصوم ثلاثة أيامٍ من الشهر مثلًا، أو أن يصوم ستًا من شوال، ولـم يتيسر له الصيام إلا في يوم الجمعة؛ لكونه هو يوم الإجازة بالنسبة له، فهل يجوز له في هذه الحال إفراد الجمعة بالصيام؟

الجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه لـم يخصه لكونه يوم جمعة، وإنـما لكونه هو يوم الإجازة بالنسبة له.

قال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: “صيام يوم الجمعة منفردًا نـهى عنه النبي ، إذا كان صومه لخصوصيته؛ لأنه دخل على امرأةٍ من نسائه، فوجدها صائمةً يوم الجمعة، فقال: أكنتِ صمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدًا؟، قالت: لا، قال: فأفطري [12].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة : أن النبي قال: لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده [13].

لكن إذا صادف يوم جمعة يوم عرفة، فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك؛ لأن هذا الرجل صامَه لأنه يوم عرفة، لا لأنه يوم جمعة، وهكذا لو كان عليه قضاءٌ من رمضان، ولا يتسنَّـى له فراغٌ إلا يوم الجمعة؛ فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ وذلك لأنه يوم فراغه، وهكذا لو صادف يوم جمعةٍ يوم عاشوراء فصامه، فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء، لا لأنه يوم الجمعة.

ولهذا قال النبي : لا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ، ولا ليلتها بقيامٍ [14]، فنهى عن التخصيص، أي: على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها”.

أيها الإخوة، هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية مسائل وأحكام صيام التطوُّع في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1981، ومسلم: 721.
^2 رواه البخاري: 1976، ومسلم: 1159.
^3 رواه الترمذي: 761.
^4 رواه الترمذي: 747، والنسائي: 2358، وأحمد: 21753.
^5 رواه مسلم: 1162.
^6 رواه البخاري: 1985، ومسلم: 1144.
^7 رواه البخاري: 1984، ومسلم: 1143.
^8 رواه البخاري: 1986.
^9 رواه أحمد: 8025، وابن خزيمة: 2161، والحاكم: 1595.
^10 رواه ابن أبي شيبة: 9335.
^11 رواه مسلم: 1144.
^12, ^13, ^14 سبق تخريجه.
مواد ذات صلة